استشهاد الدكتور عصام العريان في سجون العسكر.. قراءة في تفاصيل الجريمة

استشهاد الدكتور عصام العريان، عضو مكتب الإرشاد السابق لجماعة الإخوان المسلمين ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة، في سجن العقرب شديد الحراسة، يوم الخميس 13 أغسطس 2020م بالإهمال الطبي من جانب سلطات الانقلاب في مصر، يحمل كثيرا من الألغاز كما ينطوي على بعض الدلالات والرسائل.

واعتبرت جماعة الإخوان المسلمين في بيان لها أن “العريان” شهيدا لقي ربه في ظروف غير إنسانية، وقالت إنها تنعي ابنًا بارًا من أبنائها، وعلمًا بارزًا من أعلامها”.[[1]]

ويمثل العريان نموذجا من نماذج الثبات والتضحية وثمرة من ثمرات  التربية الشاملة داخل جماعة الإخوان المسلمين مثله مثل الكثيرين من قادة وأعضاء الجماعة وشبابها الذين يواجهون ظلم المستبدين بثبات مدهش ويقين بالله وثقة به، لا يتسلل إليه شك، فالعريان بدأ نشاطه الدعوي سنة 1974م، وكان أول من بدأ نشاط الأسر التربوية للإخوان بمحافظة الجيزة مع الدكتور سناء أبو زيد -رحمة الله-، وانتخب أمينا عاما لاتحاد طلاب كلية الطب، ثم أصبح مسؤولاً عن اتحاد طلاب جامعة القاهرة، وانتخب رئيساً للاتحاد العام لطلاب الجامعات المصرية، حتى تخرج سنة 1977م، وانتخب عضوا بمجلس نقابة الأطباء سنة 1986م، ثم انتخب أمينا عاما لصندوق النقابة لعدة دورات، وانتخب عضوا بمجلس الشعب في دورة 1987م على قوائم التحالف الإسلامي(الإخوان ــ العمل ــ الأمة)، وكان أصغر أعضاء البرلمان سنا وقتها، ولفت إليه الأنظار بشدة بأخلاقه الدمثة ووعيه الواسع، وقدراته العالية على التواصل والإقناع، ولإيمانه بأهمية العلم، لم يكتف العريان بتخرّجه من كلية الطب، ولكنه حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1992، ثم التحق بكلية الآداب في الجامعة (قسم التاريخ)، وحصل على بكالوريوس الآداب عام 2000، وفي العام نفسه حصل على إجازة تلاوة القرآن الكريم، كما درس في الأزهر ونال الإجازة العالية بالشريعة الإسلامية من تلك الجامعة العريقة، وحتى وفاته كان مسجلا لنيل درجة الدبلوم في القانون العام بجامعة القاهرة.

العريان عضو مؤسس للمؤتمر الإسلامي القومي العربي، وعضو مؤسس بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وعضو مشارك بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان، كما شارك بالعديد من الندوات والمؤتمرات الثقافية والسياسية على مستوى العالم، في أوروبا وأميركا والعالم العربي والإسلامي، وكتب خلال حياته (66 عاما) لعدة صحف ومجلات ودوريات محلية وعربية ودولية، في موضوعات مختلفة.

قبل ثورة يناير، كان عضوا بمكتب الإرشاد للجماعة ومسؤول المكتب السياسي، ومع تأسيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الإخوان المسلمين بعد ثورة 25 يناير تولى العريان منصب الأمين العام ونائب رئيس الحزب، ثم اختير عضوا في برلمان الثورة ومستشار للرئيس الشهيد محمد مرسي بعد انتخابه.

واعتقل العريان بسبب نشاطه الدعوي والسياسي والنقابي عدة مرات؛ البداية كانت مع أحداث سبتمبر سنة 1981م، وأفرج عنه في أغسطس 1982م، وسنة 1995 قضت محكمة عسكرية اسثنائية بسجنه خمس سنوات قضاها حتى يناير 2000م، كما اعتقل في 18 مايو/أيار 2006 على خلفية مشاركته في تظاهرات مناصرة لاستقلال القضاء، وجُدد حبسه لفترات متعددة لحين الإفراج عنه في 10 ديسمبر/كانون الأول 2006، غير أنه اعتقل مجدداً في يوليو/تموز 2007، وأفرج عنه في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، واعتقل العريان من دون اتهام قبل جمعة الغضب (28 يناير/كانون الثاني 2011)، وخرج بعدها بأيام قليلة من سجن وادي النطرون، برفقة مجموعة من قيادات الجماعة، من بينهم الرئيس الشهيد محمد مرسي، في حين ألقت سلطات الانقلاب القبض عليه فجر 30 أكتوبر/تشرين الأول 2013، من داخل شقة سكنية في حي التجمع الخامس بالقاهرة، وقضى بسجون الانقلاب نحو 7 سنوات، وبذلك قضى العريان نحو 15 سنة في سجون المستبدين في عهود السادات ومبارك والسيسي.

عرفت شخصية الشهيد عصام العريان بالنزعة الصوفية، وحرصه البالغ على صلاة الجماعة مهما كانت الظروف والعوائق، وطالما عرف بهذه النزعة خصوصا لمن سبق وشاركوه محنة السجن حيث كان يختار لهم يوميا حكمة من حكم ابن عطاء الله السكندري، معرجا -مع الشرح- إلى معانٍ تحلق بهم بعيدا عن كآبة الحبس، ومن عجائب القدر أن آخر تدوينة كتبها العريان على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” والتي دونها قبل اعتقاله مباشرة في 30 أكتوبر 2013م هي حكمة من حكم ابن عطاء الله: «لا يشككنك في الوعد عدم وقوع الموعود، وإن تعين زمنه، لئلا يكون ذلك قدحا في بصيرتك وإخمادا لنور سريرتك”، ثم يتبعها بعبارة :”اطمئنوا وإلى لقاء”.[[2]]

 

أبرز الدلالات والرسائل

أولا، ما جرى مع العريان هو جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد؛ ذلك أنه قيل إنه تعرض لوعكة صحية مفاجئة ليلة الخميس في حبسه الانفرادي؛ ومع عدم توافر أي مقومات صحية لعلاج مثل هذه الحالات داخل السجون بخلاف بطء تحرك إدارة السجن في الاستجابة للاستغاثة كلها عوامل تؤكد أن ما جرى هو قتل عمد، ووفقا لمصدر بأسرة العريان فإن وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب أخبرتهم، عبر أحد المحامين، بالوفاة، موضحاً أن مسؤولاً في الوزارة قال إن الوفاة طبيعية، من دون أن يقدم أية تفاصيل حول ملابساتها، وفي كثير من المرات التي أتيح للعريان فيها أن يتحدث أمام القضاء، شكا من افتقاده للعلاج الذي يحتاجه، وتحدث عن وفاة العديد من المعتقلين نتيجة غياب الرعاية الطبية في السجون، موضحا أنه أصيب داخل السجن بفيروس “سي”، وطلب السماح بعلاجه في معهد الكبد، لكن مسؤولا في السجن أبلغه أن الأمن الوطني رفض إرساله إلى المستشفى، ولذلك؛ طالبت منظمة «العفو الدولية» في بيان لها، بفتح تحقيق عاجل في ملابسات وفاة «العريان»، وقالت المنظمة في بيانها: “وفاة العريان بمثابة تذكير بالظروف القاسية التي يعانيها السجناء، خاصة في ظل تدهور خدمات الرعاية الطبية، والمخاطر الإضافية التي يمثلها انتشار كورونا بالنسبة للسجناء”، وأضافت: “يجب على السلطات المصرية الإفراج -فورًا- عن جميع الأشخاص المحتجزين بشكل تعسفي، من بينهم النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان”.

ثانيا، حاولت سلطات الانقلاب التغطية على الجريمة بالزعم أن العريان أصيب بأزمة قلبية في أعقاب إدارته لحلقة نقاشية شارك فيها عدد من قادة الجماعة بسجن العقرب شديد الحراسة، حيث نشبت بينه وبين أحد القيادات مشادة كلامية بشأن الأزمة التي تمر بها الجماعة حاليا والخطط المستقبلية للخروج من هذا الوضع، وهي الرواية الأمنية التي روجت لها الآلة الإعلامية للنظام العسكري على نطاق واسع بعد الإعلان المفاجئ عن الوفاة،[[3]] كما أن هناك أدلة وبراهين تعصف بهذه الرواية الأمنية الركيكة ومنها:

  • نشرت صحيفة “عربي بوست” رواية مختلفة نقلا عن مصادر أمنية خاصة بسجن العقرب؛ حيث أكدت هذه المصادر أن المشادة وقعت بالفعل، لكنها لم تكن مع أحد قيادات الإخوان، كما تناقلت وسائل الإعلام، إلا أن المصادر رفضت التوضيح أكثر من ذلك، وبالتالي فإن هذه التصريحات تحتمل بشكل شبه مؤكد أن المشادة وقعت من جانب قيادة أمنية رفيعة مارست البطش والتهديد وربما أكثر من ذلك؛ وهو ما أفضى إلى استشهاد العريان.
  • الرواية الأمنية تفتح الباب حول معرفة من هو القيادي الإخواني الذي نشبت بينه وبين العريان مشادة كلامية، ولما لم يتم الإفصاح عن اسمه حتى تكون الرواية موثقة؟ ولماذا لم يتضمن بيان النيابة أي ذكر لهذا الموضوع؟ ولماذا لم تؤخذ شهادة هذا القيادي في التحقيقات إذا كانت الرواية الأمنية صحيحة؟
  • يعزز الرواية التي تقول بأن العريان تعرض لبطش أمني داخل المعتقل ربما يصل إلى حد الوفاة تحت التعذيب ما نشرته حملة “حقهم” الحقوقية في بيان لها حيث لفتت إلى أن الدكتورعصام العريان تُوفي وغُسّل وكُفن ودُفِن دون أن يراه أحد، وأجبرت أسرته على مراسم الدفن كما حددتها وزارة الداخلية بحضور 12 شخصا فقط من الأسرة، كما جرى الدفن ليلا، دون السماح لأحد من الأسرة كما هو معتاد بالذهاب إلى السجن لاستلام الجثمان وتغسيله وتكفينه، وهذه هي المرة الأولى في حالات الوفاة داخل السجن، كما جرى اصطحاب المشاركين من أسرته في مراسم الدفن إلى المقابر مباشرة، وعند وصولهم إلى المقابر وجدوا الداخلية قامت بالفعل بإدخال الجثمان إلى المقبرة، وعندما تمسك أفراد الأسرة برؤية الجثمان سُمح لهم (بعد سجال) بدخول المقبرة دون اصطحاب التليفونات أو أيّة مصابيح لإلقاء نظرة الوداع عليه، فلم يتمكنوا من رؤيته فعليا بسبب الظلام وقصر المدة وحالة الضغط الشديدة المفروضة عليهم،[[4]] فلماذا حيل بين الأسرة ورؤية الجثمان وتغسيله وتكفينه ودفنه بطريقتها؟ ولماذا أصرت الداخلية على دفن الجثمان دون أن يراه أحد؟ وهل أريد بذلك إخفاء الحقيقة والتغطية على جريمة قتله بالتعذيب؟ أم أن العريان مات بعدوى “كورونا” وتريد السلطة المستذئية التغطية على الجريمة لعدم إثارة الرأي العام المحلي والدولي ضدها؟
  • تشكك مصادر قانونية في صحة الرواية الأمنية التي جرها تسريبها ونشرها على نطاق واسع من جانب إعلام النظام، جرى الصمت عليها في الآيام اللاحقة؛ لأنها تخالف الواقع والعقل والمنطق؛ لأن المعتقلين بسجن العقرب غير مسموح لهم خصوصا قيادات الجماعة بالتواصل داخل السجن، فضلاً عن أن العريان وباقي قادة الجماعة تم وضعهم منذ بداية اعتقالهم في الحبس الانفرادي”، فهل يعقل وسط هذا التشديد الأمني السماح لقادة الجماعة بالالتقاء ومناقشة الخطط المستقبلية للجماعة التي سخَّرت الدولة كل أجهزتها للقضاء عليها؟[[5]]
  • أمام هذه البراهين الناسفة للرواية الأمنية جرى سحب هذه الرواية ولم يجر نشرها في المعالجات التالية في صحف ومواقع السلطة وفضائياتها؛ تفسير ذلك أنهم ربما رأوا في تفنيد الرواية ما يمكن أن يفتح عليهم أبواب الجحيم و الاتهام، بخلاف البراهين القوية التي تعصف بها؛ فجرى الصمت عن هذه الرواية والاكتفاء بما نشر حولها في بداية الإعلان عن الوفاة المفاجئة.

ثالثا، حاولت سلطات الانقلاب التغطية على الجريمة بإجراء آخر؛ حيث تضمن بيان النيابة اسم الأستاذ صبحي صالح، والأستاذ شعبان عبدالعظيم، كشاهدين مجاورين للشهيد عصام العريان، وأوردت النيابة على لسانهما كلاما يخالف ما قاله الدكتور العريان نفسه أمام المحكمة في شكواه مما يتعرض له من معاناة وإهمال طبي، كما يعلم أي معتقل سابق استحالة أن يكون هذا الكلام لأي منهما بسبب مخالفته حقيقة الأوضاع داخل السجون، فضلا أن يكون سجن العقرب.

رابعا، وفاة العريان سلطت الضوء على كثير من الحقوق المحروم منها المعتقلون السياسيون في سجون نظام انقلاب 30 يونيو، ومنها الحق في الزيارة؛ حيث كشفت أسرة العريان أنها لم تره منذ 11 شهرا، حيث كانت آخر مرة رأوه فيها خلال شهر سبتمبر 2019م، أثناء جلسة النطق بالحكم في القضية المعروفة إعلاميا بالتخابر مع حماس، وبحسب مصادر من أسرة العريان فإن هذه كانت آخر مرة شاهدوه فيها، ومنذ ذلك الحين انقطعت أخباره تماماً، وباتوا لا يعرفون عنه شيئا، ولا يعرفون أيضا هل تعرض خلال هذه الفترة لأي أزمات صحية أم لا، وهي الفترة التي شهدت تفشي جائحة كورونا بمصر على نطاق واسع منذ منتصف مارس 2020م إضافة إلى أن العريان كان يعاني بالأساس من عدة أمراض ناجمة عن سوء الأوضاع بالسجن، وأجبرت وفاة العريان سلطات الانقلاب على استئناف زيارات السجون بجميع مقار الاحتجاز اعتبارا من السبت 22 أغسطس 2020م، وأوضحت وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب في بيان لها، أنها “قررت عودة الزيارات للسجناء بجميع السجون العمومية والليمانات (تجمع سجون) وفقاً لضوابط محددة مرتبطة بالإجراءات الوقائية المتخذة لحماية النزلاء من عدوى كورونا”، وأشارت أن الزيارة ستكون لمدة 20 دقيقة لمرة واحدة شهريا ولزائر واحد لكل نزيل، مع ارتداء الكمامات والمسافة الآمنة أثناء الزيارات،[[6]] ولكن الزيارة لا تزال ممنوعة عن قيادات الإخوان بالسجون منذ سنوات في عصف كامل بحقوقهم في ظل محاكمات مسيسة تفتقد إلى أبسط معايير العدالة والنزاهة.

خامسا، إصرار أجهزة النظام الأمنية على عدم السماح بدفن العريان في مقابر الأسرة بقرية ناهيا بمحافظة الجيزة وعدم السماح كذلك بإقامة عزاء مع الانتشار الأمني الواسع سواء خلال مراسم الدفن التي جرت من الألف إلى الياء تحت إشراف الأمن، وهو ذات الأمر الذي جرى من قبل في حالتي الأستاذ محمد مهدي عاكف مرشد الجماعة السابق، وكذلك مع الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي في يونيو 2019م، وهذا يؤكد أن نظام انقلاب 30 يونيو لا يزال هشا وضعيفا، رغم حشوده الأمنية الكثيفة وارتكابه عشرات المذابح المروعة والإرهاب المتواصل للشعب بالقمع والسحق، فالنظام يخشى من جنازات قادة الإخوان لسببين:

  • الأول، أن المشاركة الشعبية على الأرجح ستكون واسعة وكبيرة، وبالتالي فإن هذه الحشود الغفيرة التي ستشارك في جنازة قيادي إخواني سوف تتناقلها كاميرات الفضائيات والصحف والمواقع الدولية والمحلية، وسوف تثبت أن الجماعة رغم عمليات الاستئصال الجارية بحقها منذ الانقلاب والتي لم تحدث من قبل لأي فصيل سياسي مدني، لا تزال تتمتع بشعبية جارفة؛ وسوف تثبت للشعب المصري وللإعلام الأجنبي والمجتمع الدولي أن الاتهامات بالإرهاب التي يوجهها النظام للجماعة هو مجرد أكاذيب وافتراءات وأن أكثرية الشعب لا تزال تؤيد الجماعة ما يضع النظام في ورطة، يرى نفسه في غنى عنها.
  • الثاني، أن أجهزة السيسي الأمنية تخشى من كثرة الحشود المشاركة في جنازات الإخوان، لأن الأجهزة الأمنية مصابة بفوبيا الحشود والثورة بشكل عام وهذا سبب سن قانون منع التظاهر في أواخر سنة 2013م في عهد المؤقت عدلي منصور وحكومة جبهة الإنقاذ برئاسة حازم الببلاوي، وبالتالي تخشى من خروج الأمر عن السيطرة وانطلاق هتافات معادية للنظام ما يمكن أن يفضي إلى مشاركة حشود شعبية غير مسيسة في هذه الجنازات، يعزز المخاوف الأمنية أن الضغوط التي يتعرض لها جموع الشعب حاليا بسبب الغلاء الفاحش الذي طال كل شيء كفيل بإشعال نيران الاحتجاجات في أي وقت، ولعل هذا سبب كاف لإصرار أجهزة السيسي الأمنية على منع أي جنازات شعبية لقادة الجماعة، ومنع أي حشود من الأساس.

سادسا،  رعب النظام لم يتوقف عند حدود منع الجنازة والعزاء، بل امتد إلى شن حرب واسعة ضد كل من يبدي تعاطفا مع الشهيد الراحل، ولم يتحمل نظام الانقلاب أن تنشر نقابة الأطباء نعيا صغيرا تترحم فيه على العريان، حيث كتبت النقابة يوم السبت 15 أغسطس 2020م، على صفحتها الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: «توفي إلى رحمة الله الدكتور عصام العريان، أمين صندوق النقابة الأسبق، خالص العزاء لأسرته، ونسأل الله أن يتغمده برحمته الواسعة»، لكن الآلة الإعلامية للانقلاب من صحف وفضائيات ومواقع وكتائب إلكترونية شنت هجوما لاذعا على النقابة حتى أجبرتها على حذف النعي، بل تقدمت النقابة باعتذار عن نشرها لهذا النعي لأحد قادتها الذين خدموا النقابة وأعضاءها لسنوات طويلة،[[7]] فقد كان العريان عضوا بمجلس النقابة منذ سنة 1986م، حتى تولى أمانة صندوق النقابة لدورات عديدة، والملاحظ في نعي النقابة وحتى اعتذارها أنها لم تجرح الشهيد عصام العريان باي وصف مسيء كدأب النظام وآلته الإعلامية وذبابه الإلكتروني في رمي الشرفاء الأبرياء بأبشع الأوصاف في انعكاس لمدى الفجر في الخصومة واحتراف الكذب البواح، والهدف من هذا الإرهاب هو الحيلولة دون ترك الحرية لأي جهة للتعبير عن دعمها وتضامنها مع الإخوان وقادتهم وأن النظام ماض في عدائه للجماعة ولجميع قوى ثورة يناير بلا تردد أو مراجعة لهذا العداء، وأنه لن يقبل مطلقا بمثل هذا التعاطف لأنه ربما يمثل بداية لتوافق سياسي بين الجماعة وباقي الفصائل السياسية المعارضة للنظام سواء في الداخل أو الخارج، كما ينطوي سلوك النظام على التحريض على الكراهية والمبالغة في التعبير عنها والإصرار على تشويه الجماعة بكل الوسائل غير المشروعة وغير الشريفة.

سابعا، فتحت وفاة العريان ملف اغتيال المعتقلين في سجون النظام بالإهمال الطبي المتعمد، وقد عملت منظمات حقوقية مختلفة على توثيق أسماء وملابسات وفاة المعتقلين السياسيين وغيرهم منذ الانقلاب العسكري، منها المنظمة العربية لحقوق الإنسان، والشهاب، والتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، و”هيومن رايتس مونيتور”، وغيرها، فضلا عن جهود نشطاء حقوقيين مستقلين، وتراوحت تقديرات عدد من تلك الجهات ما بين 840 و890 حالة تم توثيقها بشكل مفصل، أغلبها لسياسيين مناهضين للنظام، وشملت كذلك مسجونين جنائيين، وبحسب تلك التقديرات، فإن أكثر السجون التي شهدت حالات وفاة لمعتقلين، هما: سجن تحقيق طرة وسجن طرة 1 الشديد الحراسة (المعروف بالعقرب) في مجمع سجون طرة، يليهما سجن برج العرب في وادي النطرون، فضلا عن مقرات احتجاز شرطية في مقدمتها أقسام شرطة محافظة الشرقية.[[8]]

ثامنا،  تؤكد تقارير إعلامية نقلا عن مصادر مطلعة بحكومة الانقلاب أن قطاع مصلحة السجون بوزارة الداخلية ينتهج سياسة واضحة إزاء ملف “الإهمال الطبي” المتعمد داخل السجون، مؤكدة أن الانتهاكات التي تتعرض لها قيادات “الإخوان” في السجون تستند إلى تعليمات “رئاسية” من السيسي مباشرة، وتهدف إلى وفاة أكبر عدد من هؤلاء القادة داخل السجون، حتى يتجنب النظام مهاجمته من الخارج في حال تنفيذ حكم الإعدام بحقهم، وأن قطاع السجون لديه تعليمات من وزير الداخلية، اللواء محمود توفيق، بعدم الاستجابة نهائياً لمطالب أي من قيادات جماعة “الإخوان”، الذين يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة، بالعلاج داخل مستشفى السجن أو على نفقتهم الخاصة في مستشفيات خارجه، علاوة على منع إدخال الأدوية لهم من خلال ذويهم”، كما جرى توثيق شهادات لأطباء أجبروا على كتابة تقارير عن صحة بعض  قيادات الجماعة بما يخالف الحقيقة، وأن عدداً ممن وافتهم المنية من قيادات الإخوان داخل السجون، كان من بينها مرشد جماعة الإخوان السابق محمد مهدي عاكف، تمّ التلاعب في التقارير الطبية الخاصة بهم، لإخلاء ساحة إدارات السجون التي كانوا محتجزين فيها من تهمة الإهمال الطبي أمام المنظمات الدولية، وبحسب شهادة طبيب فإن “الهدف الأساسي من نقل الأجهزة الأمنية للسجناء السياسيين إلى المستشفيات المتواجدة خارج السجون، كان تجنب الضغوط الخارجية، عبر إعداد واستصدار تقارير مزيفة، بعد إجبار الأطباء وإدارات المستشفيات الحكومية على ذلك”. وتؤكد شهادات هؤلاء الأطباء أن شعار السلطة تجاه قادة الجماعة الذين يعانون من أمراض مزمنة هو “سيبوهم يموتوا”.[[9]] وهذا ما يفسر أسباب وفاة العريان وقبله المرشد السابق للجماعة محمد مهدي عاكف بالإهمال الطبي في 22 سبتمبر 2017م. وفي أغسطس/آب 2017، توفي عضو مكتب الإرشاد في جماعة “الإخوان”، عبد العظيم الشرقاوي، على وقع تدهور حالته الصحية داخل سجن بني سويف، ما دفع “جبهة قيادات الإخوان” إلى إصدار بيان -آنذاك- يؤكد أن الشرقاوي “اغتيل داخل السجن بواسطة الإهمال الطبي”، لأنه رحل بعد رحلة قاسية من منع العلاج والدواء عنه، ومعاناته من الموت البطيء لفترة طويلة داخل سجن انفرادي شديد الحراسة، كما قضى الدكتور فريد إسماعيل ،وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس الشعب بعد الثورة، نحبه بالإهمال الطبي أيضا، والبرلماني السابق محمد الفلاحجي، وأستاذ الأمراض الجلدية بكلية الطب في جامعة عين شمس، طارق الغندور، وغيرهم الكثير،[[10]] وقد أكد العريان عليه رحمة الله ذلك في إحدى مرافعاته أمام قضاة العسكر حيث وجه كلامه للقاضي قائلا: «نحن نقتل في السجون، إنهم ينتقمون منا».

خلاصة الأمر، تؤكد وفاة العريان إما بالإهمال الطبي أو فيروس “كورونا” ثم ما جرى أمنيا بمنع تسليم جثمانه لأسرته ومنع الدفن والعزاء شعبيا، يؤكد أن نظام العسكر يصر على أن تكون المعركة معه “صفرية”؛ وهو ما يستوجب من جميع القوى السياسية والشعبية التي آمنت بثورة يناير ومبادئها أن تسمو فوق الخلافات وأن يتحد الجميع على كلمة سواء هي الخلاص من هذا النظام الذي أدمن البطش والتجبر، فإن لم يفعلوا فإن الدور قادم على الجميع دون استنثاء، فإما الحرية للجميع وإما التنكيل بالجميع.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] إخوان مصر: عصام العريان توفي في “ظروف غير إنسانية”/ الأناضول 13 أغسطس 2020

 

[2] مجدي مصطفى/ عصام العريان.. رجل لم يعرف الفراغ/ الجزيرة نت 31 أكتوبر 2013م

[3] مصادر أمنية توضح ملابسات وفاة «العريان»: مشادة مع قيادي إخواني انتهت بأزمة قلبية/ المصري اليوم  الخميس 13 أغسطس 2020

[4] مصر.. حملة حقوقية: تفاصيل “خطيرة” في وفاة عصام العريان/ “عربي 21” الأحد، 16 أغسطس 2020

[5] هل مات العريان بسبب مشاجرة داخل السجن؟ تسريبات للصحف المحلية المصرية للترويج لهذه الرواية/ عربي بوست 13 أغسطس 2020

[6] مصر.. استئناف زيارة السجناء بـ”ضوابط”/ الأناضول 15 أغسطس 2020

[7] نقابة أطباء مصر تتراجع وتحذف نعي العريان وتعتذر.. قرارها أثار ردود أفعال بين مصريين/عربي بوست 16 أغسطس 2020

[8] عبد الرحمن محمد/ آخرهم عصام العريان.. مئات الضحايا للإهمال الطبي في سجون السيسي/ الجزيرة نت 13 أغسطس 2020

[9] “سيبوهم يموتوا”… شهادات عن قتل السيسي لخصومه السياسيين في السجون/العربي الجديد 14 اغسطس 2020

[10] مصر: وفاة عصام العريان في محبسه جراء الإهمال الطبي/العربي الجديد 13 اغسطس 2020

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022