إقليم دارفور بعد اتفاق جوبا … التحديات الحقيقية في مواجهة الاتفاق

 

في الوقت الذي يراقب فيه السودانيون تطور الأوضاع بعد البشير، تدهورت الحالة الأمنية والمعيشية بولايات دارفور، غرب السودان، إلى مستوى غير مسبوق؛ ما أدى إلى حالة من التوتر الشديد خيَّمت على الإقليم. والعلاقة بين الحركات المسلحة في دارفور، وقوى إعلان الحرية والتغيير هي الأخرى قد ألقت بظلالها على الأحداث، فبعد سقوط نظام البشير، عبَّرت الحركات المسلحة عن عدم رضاها عن الإجراءات التي تبعت ذلك، خاصةً الترتيبات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.

 

إشكاليات تفاقم الأزمة وتعطيل الاتفاق

 

أدَّت المصالح المتعارضة للحركات المسلحة إلى إحداث قدر من الفوضى الأمنية، خاصةً وأن التوقيع على السلام يعني أن الجبهة الثورية سوف تحصل على القدر الأكبر من المكاسب في السلطة المركزية، على مستوى مجلس السيادة أو الحكومة، في حين أن باقي الحركات لديها نفس الطموح، وهناك مجموعات مسلحة يجري التعامل معها باعتبارها محسوبة على النظام السابق، وجرى استبعادها من مفاوضات جوبا، وعلى رأسها مجموعة التيجاني سيسي أتيم، ومجموعة أبو جردة، وتستهدف إفشال السلطة الانتقالية في الوصول إلى اتفاق سلام حول دارفور، وتتورط في الوقيعة بين أبناء الإقليم والحكومة[1].

 

كل هذا بجانب التجاذبات بين قيادات الحركات المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية، وبين عدد من القبائل النافذة هناك، وقيادات معسكرات اللاجئين والنازحين، ولم تنجح خطوات مجلس السيادة في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وهناك قيادات شعبية تدافع عن مصالحها، وترى أنها غير ممثلة في السلام، ولم يجر الاستجابة لمطالبها. كما أن هناك إشكالية أخرى ترتبط بالحركات المسلحة التي تشارك في مباحثات جوبا، وتخشى سحب البساط من تحت أقدامها لصالح المجتمعات داخل الأقاليم المختلفة، بما يخصم من أدوارها المستقبلية، ويهدد المكاسب التي حصلت عليها بالتفاهمات المبدئية حول قواعد السلام؛ وهو ما يجعلها مهتمة بشكل أكبر بما يجري على الأرض، وهو ما كان دافعًا لإصدار حركة العدل والمساواة لثلاثة بيانات، تؤكد فيها تضامنها مع مطالب المحتجين[2].

 

اتفاق جوبا

 

بعد تأجيله عدة مرات؛ في الأخير وقَّع قادة حركات متمردة في دارفور وممثلو الحكومة السودانية رسميًّا بالأحرف الأولى على اتفاق سلام تاريخي في جوبا، يضع حدًّا للنزاع في الإقليم، حيث كان الموقِّعون: الرئيس سلفاكير ميارديت عن حكومة جنوب السودان، والفريق أول محمد حمدان دقلو رئيس الوفد الحكومي السوداني، وجبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، ومني أركو مناوي والهادي إدريس عن حركة تحرير السودان -بتياريها-، وخميس عبد الله أبكر عن التحالف السوداني، وعبد الله يحيى عن تجمع قوى تحرير السودان. ويضم هذا التحالف (الجبهة الثورية) الحركات التي حاربت في دارفور وفي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق في الجنوب. وبدأت مفاوضات السلام بعد سقوط عمر البشير في جوبا[3].

 

أهمية الاتفاق وبنوده

 

خاطبت اتفاقيات السلام في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وبروتوكولات شرق ووسط السودان وشماله، قضايا محورية في مسائل قسمة الثروة والسلطة، إلى جانب الترتيبات الأمنية على نحوٍ يصفه قادة الحركات المسلحة والقوى في الجبهة الثورية بأنه غير مسبوق، ويضمن توزيعًا عادلًا للسلطة والثروة، وبموجبه يصبح قادة التمرد شركاء في الحكم الانتقالي، الذي تقرر أن يبدأ حساب فترته من تاريخ التوقيع النهائي على اتفاق السلام لمدة 39 شهرًا. وضمن اتفاق منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان الموقع مع مجموعة مالك عقار، نصيبًا من الثروة المنتجة محليًّا يصل إلى 40% لمدة 10 سنوات. ويكفل الاتفاق أيضًا لها حق التشريع، وأُسس نظام تشريعي استنادًا على دستور 1973، القائم على الاعتراف بالدينين الإسلامي والمسيحي، ويكفل المساواة في الحقوق والحريات لجميع مواطنيه، كما ستؤسس بموجب هذا الاتفاق مفوضية قومية للحريات الدينية، لها أفرع في المنطقتين[4].

 

أما اتفاق دارفور، فضمن استيعاب أبناء الإقليم في مؤسسات الخدمة المدنية عبر مرحلتين؛ الأولى: تتم بقرار سياسي، يقضي باستيعاب أبناء وبنات دارفور بنسبة 20% في كافة مؤسسات الخدمة المدنية بالدولة، ابتداءً من وكلاء الوزارات والمديرين العاميين والسفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية، وفي الإدارات المختلفة في المفوضيات والهيئات والشركات الحكومية، بالإضافة إلى الوظائف الوسيطة. والمرحلة الثانية: هي مرحلة تحديد أوجه الخلل في الخدمة المدنية. كما اتفق على أن تكون نسبة دارفور من الموارد النفطية والتعدينية المستخرجة من الإقليم 40% لمدة 10 سنوات. وكفل الاتفاق لقادة الجبهة الثورية وتنظيماتها مشاركة فعَّالة في أجهزة الحكم الانتقالي، حيث منحتهم الاتفاقية 75 مقعدًا في المجلس التشريعي الذي لم يتشكل بعد، والمكون من 300 مقعد إجمالًا، كما يحق للمتمردين السابقين المشاركة في مجلس السيادة بـ3 مقاعد و25% من مجموع المناصب التنفيذية في الحكومة، إضافة إلى المشاركة بنسبة 40% في الحكومات المحلية في إقليم دارفور[5].

كان بند الترتيبات الأمنية الأكثر تعقيدًا على طاولة التفاوض، وتسبب أكثر من مرة في تأجيل الوصول إلى اتفاق، حتى تم أخيرًا حسمه بأن تكون عملية الترتيبات الأمنية الشاملة في المنطقتين ودارفور وفق مدد وجداول زمنية للتنفيذ، يتفق عليها في إطار جيش سوداني مهني واحد. وتقرر أنه عند الوصول لوقف إطلاق النار الدائم، والترتيبات الأمنية النهائية التي وقعت كجزء من اتفاقية السلام، يلتزم الطرفان بمعالجة أمر المجموعات المسلحة التي لم توقع على هذه الاتفاقيات. كما تقرر دمج قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال، ومؤسساته الأمنية الأخرى، والقوى المسلحة في حركات دارفور الأخرى، في الجيش السوداني المهني الموحد، والقوات النظامية الأخرى، وفق المعايير المهنية المتعارف عليها خلال 39 شهرًا[6].

 

المعترضون على الاتفاق

 

بالرغم من الترحيب الكبير الذي قوبل به الاتفاق، إلا أن الكثيرين اعترضوا وتحفظوا عليه، ليس فقط عبد الواحد والحلو؛ بل هناك كثير من الكيانات المدنية والحركات العسكرية التي أعلنت بصورة واضحة رفضها لما تم توقيعه في جوبا، واعتبرت أن الاتفاق لن يقود إلى سلام واستقرار البلاد، وهي[7]:

– الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، الذي يمتلك سطوة عسكرية وقوات كبيرة في جنوب كردفان، ويحظى كذلك بتقدير واسع لدى الأهالي هناك، الذي أعلن أن المنهج المتبع في مفاوضات السلام يمثل التفافًا وتكتيكًا قديمًا، استخدمه النظام البائد للهروب من استحقاق السلام، وأكد أن الحلول الجزئية لن تفضي إلا لمزيد من تفاقم واستمرار عوامل انهيار وتفكك الدولة السودانية.

 

– حركة العدل والمساواة الجديدة، بقيادة المهندس منصور أرباب، التي اعتبرت أن الذي تم التوقيع عليه في جوبا سلام جزئي مع مجموعة لا تمثل الثقل الديموغرافي في دارفور، أو في أي منطقة أخرى من السودان، وأضافت الحركة في بيان لها أن المشهد يتكرر مرة أخرى، وتضيع فرصة إحلال سلام عادل وشامل ومستدام في السودان، وحذرت الحركة من أن يقود اتفاق جوبا إلى حرب أهلية جديدة في دارفور.

 

– وفي بيان مشترك حول اتفاق سلام جوبا، أعلنت 13 حركة، موقفًا رافضًا لسلام جوبا، واعتبرت الحركات في بيانها أن السلام الذي تم توقيعه سلام جزئي، أقصت فيه الجبهة الثورية كل المكونات الثورية الأخرى؛ لكسب مناصب في السلطة، واعتبر البيان الاتفاق بعيدًا عن الأرض، وأنه لن يوقف الحرب؛ بل يعيد الأزمة من جديد.

 

– الحزب الشيوعي، الذي أعلن منذ وقت مبكر -أكثر من مرة- عن خلل في منهج التفاوض، وطرح رؤية تقوم على مشاركة كافة الأطراف السياسية لمناقشة قضايا الحرب والسلام، وانتقد الحزب كثيرًا منهج التفاوض عبر مجلس السيادة، واعتبره مخالفًا لنص الوثيقة الدستورية التي أعطت الحكومة التنفيذية المدنية حق التفاوض مع حركات الكفاح المسلح.

 

– تجمع المهنيين السودانيين، الذي قال إن السلام الحقيقي هو إنهاء التهميش والإقصاء، والثقافة التي تعيد إنتاجهما، وكذلك السلام الذي يعيد النازحين إلى مدنهم وقراهم، ويضع رهن إرادتهم أن يحكموا أنفسهم، وبأيديهم ثروات مناطقهم، واعتبر تجمع السلام ناقصًا دون لحاق الحلو وعبد الواحد، داعيًا إلى اتصال العمل، وامتداد الجسور؛ حتى لا يستثني السلام أحدًا، وأن يكون بعيدًا عن التجزئة، وتجنب نسخ الاتفاقات بعضها لبعض، وتعدد المنابر والطاولات.

 

– شبكة الصحفيين السودانيين، وقالت الشبكة في بيان لها إن ما حدث في جوبا لا يعدو أن يكون تقاسمًا للسلطة والثروة، دون أن يمس جوهر قضايا العدالة الاجتماعية والتهميش، بل وزاد البيان بأن الاتفاق حفل كرنفالي لقوى السودان القديم، وتمثيل زائف لقضايا حقيقية وملحة، واعتبرت الشبكة ما حدث استجابة لضغوط قوى إقليمية، تريد أن تدخل حلفاءها في السلطة؛ لضمان مصالحها الخاصة، في تكرار لذات السيناريوهات القديمة لنظام البشير في التعامل مع الحركات المسلحة، عبر إغرائها بالمناصب والثروات بالاتفاقات الجزئية، دون مساس بجوهر القضية، المتمثلة في تحقيق السلام العادل الشامل، وتفكيك جذور الأزمة والصراع.

 

التحديات الحقيقية في مواجهة الاتفاق

 

يُعد الاتفاق تحولًا سياسيًّا كبيرًا، ربما لم يحدث منذ استقلال السودان، بين القوى السياسية؛ للوقوف على جذور الأزمة السودانية الحقيقية، وكيفية مناقشتها عبر منبر جوبا التفاوضي، ولكن التحديات والعقبات التي تواجه السلام ليست في التوقيع، إنما في التنفيذ، والضمانات الكافية؛ فالاتفاق مازال بحاجة إلى مزيد من الضمانات الدولية والإقليمية لإنجاح ما تم الاتفاق عليه في منبر جوبا؛ حتى لا تسترجع ذاكرة الشعب السوداني ما آلت إليه الاتفاقيات السابقة مرة أخرى[8].

 

الخُلاصة؛ رغم ظن البعض بأن اتفاق السلام الذي وُقع في جوبا بالأحرف الأولى هو تطور كبير على طريق إحلال السلام في إقليم دارفور غرب السودان؛ إلا أن الأمر لازال يواجه العديد من الصعوبات، على رأسها جمع كافة الفرقاء داخل الإقليم، وهو الأمر الذي فشل الاتفاق في تحقيقه، بالإضافة إلى إرضاء تطلعات شعب دارفور بتحقيق السلام الفعلي على الأرض، هذا بجانب ما تمر به الدولة السودانية هذه الفترة من أزمات تواجه الحكومة السودانية، وما تشهده المنطقة ككل من توتر، قد يدفع بعض الحركات المتمردة للمطالبة بالانفصال، كما حدث في جنوب السودان التي انفصلت من قبل، ويحدث الآن في شرق السودان المطالب بالانفصال.

————————————-

[1] آدم مهدي، “نيالا جنوبي دارفور: لا أثر للتغيير بعد الثورة”، العربي الجديد، 27/9/2019. https://2u.pw/QDIPY

[2] “إقليم دارفور يدفع ثمن اختلاف مصالح الحركات المسلحة”، العرب، 15/7/2020. https://2u.pw/bLqIA

[3] “الخرطوم توقع اتفاق سلام مع حركات متمردة لإنهاء النزاع في دارفور”، D&W، 31/8/2020. https://2u.pw/9cNVX

[4]  مزدلفة عثمان، “شمل 5 مسارات وغابت عنه حركتان .. 8 أسئلة تشرح بنود اتفاق الحكومة السودانية والجبهة الثورية”، الجزيرة نت، 31/8/2020. https://2u.pw/l9ECu

[5]  المرجع السابق نفسه.

[6]  المرجع السابق نفسه.

[7]  حافظ كبير، “اتفاق السلام بعيون الرافضين”، الجريدة، 2/9/2020. https://2u.pw/fjTjg

[8] عبد القادر جاز، “ملامح خارطة الطريق لبناء سودان ما بعد التوقيع!!”، فجاج، 31/8/2020. https://2u.pw/k5pMw

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022