الدعوة لحراك 20 سبتمبر 2020 ..تقدير موقف

تتصاعد يوما بعد الاخر مظاهر الغضب الشعبي بمصر، على كافة الأصعدة والمستويات، سواء بين الجماهير أو النخبة، وداخل مؤسسات الدولة نفسها التي باتت ترى نفسها أن السيسي وضعها في فوهة المدفع بمواجهة الشعب، وهو ما ترافق  مع ظهور دعوات مسيسة وغير مسيسة للتظاهر والنزول إلى الشوارع، رفضا لقرارات وسياسات السيسي الأخيرة، سواء فرض الضرائب والرسوم أو هدم المنازل والبيوت المخالفة.

الدعوات الشبابية تنوعت أهدافها ووسائلها، على فضاء التواصل الاجتماعي، بين هاشتاجات مطالبة برحيل السيسي، وكسر النظام، أو عبر فيديوهات تبثها مواقع اليوتيوب وبعض الفضائيات الرافضة للانقلاب العسكري والتي تبث من خارج مصر.

وتجلت الدعوات وزاد بريقها مع ظهور جديد للفنان والمقاول محمد علي من اسبانيا، حيث يقيم، داعيا المصريين لاعادة ما أسماه هوجة سبتمبر، ضد فساد السيسي واستبداده.

 

أسباب وملامح الغضب الشعبي

وتتعدد في الآونة الأخيرة أسباب الغضب الشعبي، ما بين ممارسات قتل المصريين بأقسام الشرطة، سواء المعتقلين السياسيين والمعارضين، أو المواطنين العاديين، كاسلام الاسترالي، بقسم شرطة المنيب، بالجيزة، مؤخرا، حيث زج بوالدته والعشرات من أصدقائه المحتجين أمام قسم الشرطة، والغاضبين من قتل الشاب خلال ساعات من توقيفه، وادعاء الداخلية مقتله بمشاجرة بعيدا عن الشرطة، وهو ما ذكر المصريين بأجواء ثورة 25 يناير، بمقتل ايقونة الثورة خالد سعيد بنفس الطريقة، وقد جاء بيان النيابة العامة حول مقتل “الاسترالي” متناقضا، محاولا امتصاص الغضب الشعبي فقط، باعدا المسئولية عن الداخلية، والتي مارست منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، جرائم متعددة بحق المواطنين في مجزرة فض اعتصامي رابعة والنهضة وفي الحرس الجمهوري ورمسيس وعلى الهواء مباشرة.

وهو ما يؤكد أنها لم تعد تصلح كجزء في بناء دولة جديدة فهي تحتقر الناس وتتعامل معهم مثل الكلاب، كما أصابت أفرادها حالة من التوحش نتيجة غياب العقاب والحساب وبات باستطاعة أمين شرطة حبس مواطن وتعذيبه وقتله دون رادع أو رقيب، في ظل أن النيابة العامة أصبحت غير مستقلة فهي تحت سيطرة منظومة القضاء التي تخضع كلية للسلطة التنفيذية.

ومع تصاعد عمليات الإزالة للعقارات في كل مدن مصر وقراها بجميع المحافظات، تطبيقا لقانون التصالح على مخالفات البناء رقم 1 لسنة 2020، دون تقيد بقواعد دستورية أو قانونية، ورغم عدم انتهاء مهلة تقديم طلبات التصالح التي تنتهي في 30 سبتمبر، أو نهاية نوفمبر كما وعد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بمؤتمر صحفي بالقليوبية مؤخرا، والتي جاءت بتوصية من الأجهزة السيادية بالدولة، بتوجيه من وزارة التنمية المحلية للمحافظين بتنفيذ حملات إزالة موسعة للضغط على الشعب للتقدم بطلبات التصالح تحت سيف الترهيب.

وإزاء ذلك، تصاعدت أعمال المقاومة الشعبية والغضب ضد نظام السيسي؛ فقطع المئات من أهالي منطقة الدويقة بحي منشأة ناصر بالقاهرة طريق الأوتوستراد احتجاجا على هدم المنازل بالمنطقة دون توفير مساكن بديلة.

وأظهر مقطع متداول تجمهر المئات من المواطنين وسط الطريق،  ودوى هتاف “ارحل يا سيسي” بين المواطنين ؛ حتى جاءت قوات الشرطة  وتعدت بالضرب على المواطنين وجرى تفريق المظاهرة بالقوة، وهو ما تكرر أكثر من مرة في نفس المنطقة، وفي مناطق الخانكة بالقليوبية، والمنشية والصيادين والمنتزة بالاسكندرية والصعيد، ضد القوى الأمنية التي تراجعت أمام غضب المصريين، دون تنفيذ الازالات.

وبحسب مراقبين ومحللين فإن تعدد مشاهد الغضب الجماهيري تمهد الطريق نحو موجة جديدة من الثورة الشعبية لن تتمكن أجهزة القمع الأمنية من احتوائها؛ وأن إصرار السيسي على فرض هذه الإتاوات الباهظة على ملايين الموطنين وفق معادلة “إما الدفع وإما الإزالة” سوف تدفع جميع مؤسسات الدولة نحو صدام مباشر مع عشرات الملايين من الناس وهو ما يمثل أكبر تهديد للأمن القومي للبلاد ويمثل روشتة مقصودة لإشعال حرب أهلية لن تبقي ولن  تذر، وسوف تسهم بشكل كبير في تسريع عمليات تفكيك الدولة على نحو مفاجئ وسريع. وبالتالي فإن السيسي بهذه القرارات العشوائية وضع نفسه في معادلة صعبة أمام أجهزته ومؤسساته لأن بقاء السيسي اليوم باتت خطورته على النظام نفسه أكبر من خطوره الإطاحة به؛ فهل يفضي ذلك إلى تطورات مفاجئة وسريعة تطيح بالسيسي وفق معادلة الإطاحة برأس النظام لحماية النظام نفسه، وهي التي جرى العمل بها مع مبارك؟

هذا التساؤل المحوري، قد يتبلور خلال الفترة المقبلة ، التي قد تطول أو تقصر والتي غالبا ما ترتبط بمعادلة القوى بمصر، والمتعلقة بمواقف ثلاثة أطراف؛ الشعب، الجيش، القوى الدولية وخاصة أمريكا.

 

موقف الشعب من النظام

يعيش كل بيت في مصر حالة من الغضب، من ممارسات نظام السيسي المتوحشة ضد الغلابة والطبقة المتوسطة الدخل، والمتمثلة في اتاوات الازالات، وسلسلة الضرائب والرسوم المتنوعة، ورفع أسعار الخدمات الحكومية والسلع والتعليم والصحة، وفرض رسوم على كل شيء ورفع أسعار الكهرباء والمياة وخفض وزن رغيف الخبز و…غيرها من سياسات الجباية.

ومع توالي السياسات الانتقامية، بدأ الشعب في كسر حاجز الخوف الذي بنته السلطة الغاشمة منذ انقلاب 3 يوليو 2013، وتمثل ذلك الانكسار، في تهديدات المواطنين بالقاء الحجارة على قوات الشرطة بالمحافظات خلال عمليات الهدم للمباني المخالفة، وأيضا تظاهر الالاف بمنطقة المنيب بالجيزة ضد مقتل الشاب اسلام الاسترالي، وعودة عمال بعض مصانع النسيج للتظاهر ضد بطش أصحاب الاعمال، وقطع الطريق بمنطقة منشية ناصر، بالقرب من المناطق العسكرية بمدينة نصر عدة مرات رفضا لهدم منازلهم دون تعويض حكومي، بجانب صوت الانتقادات التي باتت معهودة بالفترة الأخيرة بوسائل المواصلات وعلى المقاهي وبالمؤسسات وخلال تجمعات الشباب والمواطنيين العاديين وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.

ومن أبرز ملامح الغضب الشعبي في السياق، بروز العديد من الوسوم الغاضبة، كوسم (#الحل_في_إيد_الشعب)، الذي تصدر قائمة التفاعلات على موقع تويتر في مصر، للثورة ضد النظام.

وقبل أيام، عاد وسم “#ارحل_يا_سيسي” للصدارة من جديد محققًا أعلى التفاعلات على تويتر في مصر، إلى جانب وسوم #مش عايزينك” و#نازلين_في_وقت_مفاجئ” وحتى الوسم الأبرز لثورة يناير المجيدة “#الشعب_يريد_اسقاط_النظام”، وكلها تصدرت التفاعل المصري في توقيتات متباينة خلال الأيام الأخيرة. ومن أبرز الوسوم التي تصدرت موقع تويتر ضد السيسي أيضا “#انزل_20_سبتمبر”، و #مش_عايزينك_ونازل_20_سبتمبر”، و”#مش_عايزينك_يا_سيسي”، و”مش_عايزينك_يا_سيسي_وهنخلعك”، و”اغضب_يا_مصري”…..

وكلها مؤشرات على غضب قابل للانفجار في حال خرج البعض للشوارع أو الميادين في أي لحظة.

 

موقف الجيش

ووفق تقديرات ومؤشرات تجلت مؤخرا، حول تململ داخل مؤسسة الجيش، إثر سياسات السيسي وتوريطه الجيش في ملفات غير استراتيجية ، كتصديره لمواجهة الأزمات الاقتصادية المتفجرة بسبب سياسات الحكومة، وتهديد السيسي غير المحسوب بالتدخل العسكري بليبيا، أو التصعيد العسكري ضد تركيا بشرق المتوسط، على الرغم من عدم اصطدام تركيا بالمصالح المصرية الاستراتيجية، بل راعت أنقرة  المصالح المصرية، وتجلى ذلك في لقاءات سرية عقدت بين الجانبين على صعيد المخابرات والأجهزة الامنية، وتنسيقها بشأن ترسيم الحدود المصرية اليونانية والقبرصية، وتقديم انقرة لوثائق تفيد مصر بترسيم حدودها مع قبرص واليونان، إلا أن مصر لم تاخذ بالرؤية التركية، وخسرت نحو 42 ألف كلم بترسيم الحدود البخرية مع قبرص، وخسارة حقلي غاز لصالح اسرائيل، ومن ثم إخراج مصر من معادلة تصدير الغاز لأوروبا، عبر خط ميد الاسرائيلي القبرصي اليوناني، والذي يمر بأراضي تنازلت عنها مصر لقبرص، ثم خسارة مصر نحو 11 ألف كلم لليونان بترسيم الحدود الأخير، وكل ذلك نكاية في تركيا المختلفة مع السيسي، وقد سبقت أن طالبت الأدارة القانونية بوزارة الخارجية باعتماد الرؤية التركية وأيضا رفض إدارة المساحة العسكرية الرؤية اليونانية في ترسيم الحدود إلا أن السيسي خالف توصيات المختصين.

وكان تململا كبيرا بين قيادات الجيش تزايد في 2016 حينما تنازل السيسي للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين، وهو ما فجر مظاهرات شعبية انذاك تراخت أجهزة المخابرات والحيش في قمعها، تعبيرا عن رفضها ما ذهب إليه السيسي.

وقد تحدثت تقارير غربية عن حالة من عدم الرضا تجمع السيسي وقادة أركان المؤسسة العسكرية، على الرغم من اطاحة السيسي بقيادات المجلس العسكري الذي ساعده بالانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي سابقا، حيث بدا غضب السيسي في مؤتمره الأخير، الذي هدد فيه بنزول الجيش في قرى ومناطق مصر وابادة المخالفات بالعقارات، موجها حديثه لوزير الدفاع بالقول “يامحمد زكي”، فيما وجه حديثه لباقي مسئولي الدولة مسبوقا بكلمة سيادة “السادة العمد والسادة المحافظين والسادة المسئولين..” وهو ما قرأه مراقبون بأن الجهات السيادية رفعت تقارير تحذر من غضب شعبي قابل للانفجار، في وجه الجميع، بسبب سياسات الازالات، ومن قبلها ارتفاع الأسعار وتزايد الضرائب والرسوم التي تثقل كاهل غالبية الشعب المصري، بجانب اعتراضات سابقة على سياسات الاقتراض والاستدانة المتزايدة من قبل السيسي، وهو ما رفضه السيسي وأصر على تحميل الجيش المسئولية، وسبق ذلك حديث بعض الدوائر المقربة من السلطة عن رفض الجيش النزول للشارع لتأمين انتخابات مجلس الشيوخ التي جرت أغسطس الماضي وسبتمبر الجاري، وهو ما كان يحدث حالة من الشو الإعلامي والوطني، ويخلق أجواء مشجعة للجماهير على النزول للشوارع، وهو ما قد يكون أحد أسباب تراجع نسب المشاركة التي أعلن عنها رسميا بنحو 14% وتلاه قرار غاضب من سلطة السيسي بتحويل نحو 54 مليون مصري للنيابة العامة لتغريمهم مبالغ 500 جنيها.

كما راهن مراقبون على غضب يجمع السيسي والجيش، بالصلاحيات الأمنية والاقتصادية الممنوحة لجهاز الأمن الوطني في تعديلات قانون الشرطة، الذي صادق عليه السيسي مؤخرا، وهو ما يعد مزايا كبيرة للأمن الوطني، يستميل به السيسي ولاء الجهاز ويمنحه سلطات مخولة للمخابرات سواء العامة أو الحربية، ومن دلائل عدم تماهي المواقف بين السيسيي والجيش، اعتراض الجيش على السلطات الواسعة لنجل السيسي، محمود، بجهاز المخابرات العامة، والتي تسببت في إخراج رواية أنه تم نقله من المخابرات الى منصب مسئول عسكري بالسفارة المصرية بروسيا، وهو ما نفته مؤخرا تقارير إعلامية، افادت بإنه جرى تقليص صلاحياته بجهاز المخابرات، واسناد ملف سيناء إليه بجهاز المخابرات، ولعل ما يفسر عدم تناغم المؤسسة العسكرية معه، زيادة عدد الضحايا والعمليات التي استهدفت العسكريين بسيناء خلال الفترة الأخيرة، ووصل الأمر لاحتلال التنظيمات المسلحة لـ5 قرى ببئر العبد، وهو ما رأه محللون خلافات حول متخذي القرارات العسكرية بسيناء، بدا فيه تفشيل لجهود نجل السيسي واثبات عدم كفاءته.

كل تلك المؤشرات تعبر عن شيء ما حول السيسي، كما سبق وأن تحدث عنه الباحث جمال عبد العظيم، قريب الصلة بالاوساط الأمريكية، والذي تحدث في تدوينة على حسابه على الفيس بووك، بأن أمريكا قد تدعم أي تحرك يقوده الجيش المصري ضد السيسي في الفترة المقبلة، إلا أن كل ذلك يبقى مؤشرات قد تعبر عن شيء ما مستقبلا، أو يثبت عدم تأثيرها، وذلك في ضوء سياسات حرث الجيش الذي اتبعها السيسي، والتي بدأت منذ وقت بعيد.

وبحسب جمال عبد العظيم، بمقاله “الجيش المصري في عهد عبد الفتاح السيسي”، المنشور بـ”موقع الحوار المتمدن”، العدد: 6541 – 2020 / 4 / 19: “شهد الجيش المصري تغييرات جذرية في علاقته بالسلطة وعلاقته بالشعب، وأيضا في استراتيجيته وعقيدته القتالية وتسليحه ومسرح عملياته، بل وفي هيبته وإحترامه وصورته في عيون شعبه وعيون العالم، وقد إستغرق فرض هذه التغييرات على الجيش نحو خمسة سنوات، شهدت تسريح وعمليات إغتيال واسعة لكبار القادة (تحت زعم الإرهاب) بالإضافة للسجن الذي طال أعداد كبيرة من القادة قدرتها المصادر ب 2000 سجين، وكان هدف السيسي هو تحويل القوات المسلحة المصرية إلى قوات عبد الفتاح السيسي، وجرى مايشبه أخذ البيعة له من خلال سؤال مبطن يقول : “معانا ولا مش معانا”، وتمت الإطاحة بكل من رفض تغيير ولائه من الولاء لمصر إلى الولاء للسيسي”.

وبدون أن تشعر الجماهير حول السيسي جيش مصر إلى حزب سياسي خاص به، وهو ما إحتاج التوسع في الأنشطة التجارية للجيش لإرضاء من قبلوا بالولاء الجديد، وبهذا زادت معاناة أفراد الشعب الذين ينافسهم الجيش في أرزاقهم، كبارا وصغار حتى طال الأمر صائد السمك والبائع المتجول، أما عن الاستراتيجية والعقيدة القتالية فقد تغيرت من جيش مجهز لحرب برية كبيرة ضد العدو الصهيوني على أرض سيناء، إلى جيش يجري إعداده وتجهيزه للإنتقال والقيام بعمليات خارج حدود الوطن، وهو ما ترفضه تقليديا النخبة العسكرية، ولا تجد له أي مبرر لأن مصر لا تتعرض لأخطار من أي دولة في المنطقة سوى إسرائيل، وتمكن عبد الفتاح من كسر هذه الممانعة وفرض التغييرات التي أرادها، وطبعا إحتاجت الاستراتيجية الجديدة إلى سلاح بحرية متطور لينقل القوات خارج حدود الوطن ليؤدي مهمة غامضة، وسرعان ما تطور سلاح البحرية والذي كان هو الحلقة الأضعف بالجيش المصري، لتصبح هي السادسة على العالم والأولى على المنطقة، متقدمة على البحرية التركية والفرنسية والإيطالية واليونانية .

ووفق دراسة لمركز كارينغي، بعنوان “الجيش المصري: العملاق المُستيقظ من سباته” لروبرت سبرنغبورغ,  أف. سي. “بينك” وليامز، نشرت في28 فبراير 2019: “في سلسلة سريعة ومتلاحقة من صفقات السلاح تم شراء طائرات وصواريخ وقطع بحرية وحاملات طائرات وغواصات …الخ، وقد تكلفت هذه الصفقات مبالغ خرافية لم يحتملها الإقتصاد المصري المنهك منذ  25 يناير، ومن ضمن الصفقات المهولة، صفقة تكلفت 5,2 مليار يورو وهي صفقة 16فبراير 2015 مع فرنسا (24 طائرة رافال وفرقاطة بحرية)، وهي طائرات لا تحتاجها، فما ينقصها هو الطائرات التي تستخدم في المطاردات داخل المناطق الجبلية لتمكين الجيش من الإرهابيين، ومثالها طائرات الأباتشي أو المروحيات عموما وليس مقاتلات الرافال”، بحسب عسكريين .

ولتكتمل عملية تطويع جيش مصر للسيسي لم يتوقف الأمر على ملاحقة القيادات بالإغتيال والتسريح والسجن، فقام السيسي بكسر هيبة وجعله أضحوكة للعالم بأكمله، وكانت البداية في 22 فبراير 2014 حيث نشر المتحدث العسكري على صفحته بموقع فيس بوك بيانا، أعلن فيه عن إختراع مصري لإكتشاف وعلاج الفيروس سي ، وفي نوفمبر 2017 وجه السيسي إهانة جديدة للجيش المصري ، حيث وقف في مزرعة سمك يستعرض ضباط يقدمون له أنفسهم على أنهم مقاتلين ويمارسون أعمالهم القتالية داخل مصنع ثلج أو علف ، وضباط مقاتلين على خط الجمبري المسلوق ، وأخرين يقاتلون على خط الجمبري منزوع الرأس ، وبعد دقائق كان الجيش المصري قد أصبح من جديد محط سخرية العالم .

وبحسب دراسة مركز كارينجي، وقعت مصر مع أمريكا في يناير 2018 مذكرة التفاهم (في مجال الأمن والإتصالات) المعروفة بإسم “سيزموا”، وهو ما يلزمها بأن تسمح بدخول عناصر وأفراد من الجيش الأمريكي إلى مرافقها ونظم الإتصالات الخاصة بها،  وأشارت الدراسة إلى أن السلطات أخفت توقيعها على هذه الإتفاقية لمدة شهرين خشية ردود فعل سلبية من جانب الجيش، كما أوضحت الدراسة أن مصر رفضت هذه الإتفاقية على مدى 30 سنة، وطبعا واضح أن القيادة الجديدة لا تعتبر إسرائيل عدو ولا تحمي أسرار الجيش المصري من عيون أمريكا راعية إسرائيل .

وبمجئ السيسي وجدت إسرائيل في الجيش المصري أداة لتنفيذ إستراتيجيتها، والتي تقضي بمحاصرة دولتي الممانعة إيران وتركيا لإفساح المجال لظهور إسرائيل العظمى، من أجل هذا تم بناء حلفين بحريين في البحرين الأحمر والمتوسط والجيش هما “مصر والإمارات والسعودية لمحاصرة إيران في البحر الأحمر والخليج” و”مصر وقبرص واليونان لمحاصرة تركيا في البحر المتوسط”، وهكذا حول عبد الفتاح السيسي جيش مصر إلى تابع استراتيجي لإسرائيل، يقوم نيابة عنها بمحاصرة خصومها الإسلاميين، والإشتباك معهم إذا لزم الأمر لإسكات ممانعتهم للتمدد الإسرائيلي.

وبهذا يكون السيسي قد أنفق عشرات المليارات من الدولارات لتمويل صفقات سلاح لا حاجة لمصر بها ، وإعتصر المصريين وخرب بيوتهم من أجل بناء جيش يخدم مصالح إسرائيل ويحاصر أعدائها، كي تتمدد بهدوء وأمان لتصبح هي القوى الإقليمية المهيمنة على المنطقة بأكملها . وقد أدى الإنفاق العسكري الضخم إلى وضع مصر على حافة الهاوية ، وجرى تبريره بمبررات مختلفة مثل : مكافحة الإرهاب في سيناء ، حماية حقول الغاز في البحر المتوسط ، حماية نهر النيل، ولا يزال الإرهاب يضرب في سيناء بينما رصاص الجيش المصري لا يصيب إلا الأهالي بزعم أنها أخطاء غير مقصودة، ولم يقم الجيش المصري بتأمين نهر النيل وترك الشعب يواجه الموت، ويبدو المشهد كما لو أن جيش مصر لم يعد جيشنا بمجئ عبد الفتاح السيسي، نخلص من هذا إلى نتيجة مؤداها أن السيسي اتبع مع الجيش نفس الأساليب التي يتبعها مع الشعب من صدمات واعتقال وفصل من الخدمة، وإنتهى الأمر بإختطاف عبد الفتاح لجيش مصر مثلما تم إختطاف الحكم والدولة من قبل .

 

 

أمريكا والقوى الدولية

وبجانب عنصري المعادلة الاساسية لاستقرار أي حكم بمصر”الشعب، الجيش”، يأتي العامل الدولي الموازن، أو الحافظ لموازين القوى بمصر، والمحرك الاساس لعلاقات السلطة بين أطراف المعادلة، والذي يكون موقفه عامل حسم نهائي، في أي صراع داخلي، كما حصل في 25 يناير، حينما تأكدت الاوساط الأمريكية ومن ثم الغربية والتي تقود المجتمع الدولي غالبا، بأن حسني مبارك خسر رضاء الشعب وأيضا رضاء المؤسسة العسكرية بسبب مشروع التوريث لجمال مبارك، فأعلنت واشنطن أن على مبارك الرحيل، وتتارت البيانات حتى وصلت الصياغة إلى “الآن”..فكان بيان الجيش الذي ضغط على مبارك، بأن عليه الرحيل الآن.

ومنذ لحظات الانقلاب العسكري في 2013، تواصل السيسي والمؤسسة العسكرية من خلف نظام الرئيس مرسي، مع واشنطن، وأبلغهم بأن تحركا عسكريا سيكون ضد مرسي، وهو ما قبلت به الأوساط الأمريكية سرا، في بادئ الأمر، وتوالت المواقف المنحازة لانقلاب العسكر، وعلى امتداد 7 سنوات، تماهت السياسات المصرية مع الاجندة الامريكية بالمنطقة العربية والشرق الأوسط، وتغاضت واشنطن واطراف دولية عدة عن تجاوزات السيسي القمعية، ومع تعدد توجهات مؤسسات الادارة الامريكية، ظهرت الكثير من الانتقادات للموقف الامريكي من سياسات السيسي، وزادت تلك الانتقادات من جانب الديمقراطيين، وهو ما دفع بعض السياسات التي يمكن توصيفها تغيرا مرتقبا تجاه السيسي، عبرت عنه الكثير من الدراسات والتوقعات السياسية الأمريكية مؤخرا.

ومنها؛ ما كتبته الباحثة بمركز “بروكينجز الأمريكي” تمارا كوفمان ويتس، “الهوس الأمني لدى السيسي أضر بمصالح أمريكا، حيث وصفت العلاقة بين الجانبين، بأنها غير متوازنة وغير فعالة بالنسبة للمصالح الأمريكية كما هي في هذه اللحظة. حيث  انتقلت السياسة الأمريكية تجاه مصر من شراكة شاملة متبادلة إلى شراكة يتم تحديدها بشكل حصري تقريبا من خلال العلاقات العسكرية. مستشهدة باتجاه المساعدة الأمريكية لمصر على مدى العقود الثلاثة الماضية. ففي السنة المالية 1990، كانت نسبة المساعدة العسكرية الأمريكية إلى المساعدة الاقتصادية المقدمة لمصر تزيد قليلا عن 1 إلى 1. أما في السنة المالية 2018، كانت نسبة المساعدات العسكرية إلى الاقتصادية أعلى بكثير من 4 إلى 1.

ومع تركيزه على أمن النظام والتوغل على كافة مؤسات الدولة، باتت دراسات امريكية تعتبر “السيسي” شريكا بخيلا وغير موثوق به في الشؤون الإقليمية، وغير مهتم بالتعاون لتحقيق الاستقرار في منطقة مضطربة. بل على العكس من ذلك، تؤدي مقارباته القسرية على الصعيدين المحلي والخارجي إلى تفاقم عدم الاستقرار والمشاكل الأمنية، ليس فقط للمنطقة ولكن لأوروبا والولايات المتحدة. وبدلا من أن تقود مصر في عهد “السيسي” السياسات العربية مثلما فعلت في عهد الرئيس السابق “حسني مبارك”، فإنها تتبع خطى الداعمين الرئيسيين، السعودية والإمارات.

وفي الوقت نفسه، يصر “السيسي” على خوض حرب إقليمية من أجل السلطة والنفوذ ضد خصومه المتصورين، وهم الحركات السياسية الإسلامية وقطر وتركيا، والأهم من ذلك كله، أي شخص داخل مصر يجرؤ على معارضة آراء “السيسي” كما أدت رعاية “السيسي” للجنرال “خليفة حفتر” إلى إطالة الحرب الأهلية الليبية وتفاقمها، ما أعطى مساحة أكبر لـ”الجماعات المسلحةة” في بلاد المغرب الإسلامي، وسمح بنزوح آلاف الأشخاص، وعزز أعداد المهاجرين واللاجئين الذين يسعون إلى الفرار من ليبيا إلى أوروبا.

وتضمنت الكثير من حملة “السيسي” لمكافحة التمرد في سيناء تكتيكات الأرض المحروقة، التي شملت هدم القرى وتشريد الآلاف من السكان، وهو نهج يصفه أمريكيون واسرائيليون بأنه “مدمر” وعلى نطاق أوسع، يثير قمع “السيسي” المكثف، والأعداد الكبيرة من السجناء السياسيين، مخاوف حقيقية حول ما إذا كان نهج الحكومة المصرية يغذي التطرف أكثر من محاربته.

ويحافظ “السيسي” على علاقات دبلوماسية واتصالات مفتوحة مع نظام “بشار الأسد” في دمشق، وكذلك مع طهران. وقام “السيسي” بعمليات شراء عسكرية كبيرة من روسيا، ويحافظ على التجارة مع كوريا الشمالية، ويرحب بالاستثمارات الصينية في مصر، ويحتجز المواطنين الأمريكيين وأفراد أسرهم. ويواصل اضطهاده للمجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان. وفي مواجهة هذه المخاوف، وضع الكونجرس شروطا صارمة بشكل متزايد على جزء من المساعدة العسكرية الأمريكية للقاهرة، بجانب اشتراطات عديدة وفيتو على صادرات السلاح لمصر والسعودية والامارات.

وبحسب دراسات وتقديرات استراتيجية أمريكية، تحتاج القواعد القديمة المتعارف عليها حول الشراكة الأمريكية المصرية إلى المراجعة والتحديث في ضوء التغيرات العميقة في مصر والمنطقة، فيما يكالب خبراء امريكيون ادارة ترامب، بأن تخرج من مسارها الحالي، حيث يؤدي دعم إدارة “ترامب” لـ”السيسي”، إلى جانب النسبة الهائلة من المساعدة العسكرية، إلى جعل الولايات المتحدة تظهر للمصريين بشكل متزايد على أنها ماكينة أموال داعمة لجيش مستبد يقوم بقمع شعبه وإساءة معاملته بلا هوادة.

منطق التوصيات الاستراتيجية داخل المجتمع الامريكي أنه من مصلحة الولايات المتحدة أن ترى الشعب المصري يحقق تطلعاته في الأمن والكرامة والحرية. وهذه هي التطلعات التي يجب أن نستثمر فيها. كما يتوقف الدعم الامريكي للسيسي ايضا، من جانب اخر، على رغبتها في أن تساهم مصر بفعالية أكبر في تأمين النظام الإقليمي القائم في المنطقة.بجانب أملها بأن علاقتها الأمنية الحيوية مع مصر لن يتم تقويضها من قبل روسيا أو فرنسا أو أي منافس آخر لها. ولعل فوز المرشح الديمقراطي، بايدن، سيكون محركا اكثر للضغوط الامريكية على نظام السيسي، وتقليص قمعه للشعب المصري، او حتى التخلي عن دعمه في حال ثار الشعب المصري ضده.

 

قوى إقليمية ودولية أخرى

ويبقى عدة داعمين أخرين، يستند اليهم السيسي في سياساته الاقليمية والمحلية، ويتمثلون في روسيا والصين، وهم أبرز داعمين للنظام القمعي في مصر، حيث يدعم الروس وجود السيسي عبر صفقات متواصلة من الاسلحة والمعدات، وسط حركة شراء متواصل من قبل ادارة السيسي، سواء للقمح المصاب بالاراججوت أو غيره، مقابل وعود بعودة السياحة الروسية للمنتجعات السياحية بمصر، علاوة على دعم مصري للتحركات الروسية في سوريا وليبيا، وهو ما بدا في تناغم المواقف والدعم المتبادل بين البلدين، وهو ما يمكن أن يعرقل اية تحركات خاصة من قبل العسكريين ضد السيسي في المرحلة المقبلة..

أما الصين، فقد وسع السيسي من استثماراتهم بمصر خلال السنوات القليلة الماضية بصورة كبيرة، وكان أخر تلك الثفقات التي يشتري من خلالها الحماية السياسية الصينية له، قطار العين السخنة العلمين، فائق السرعة، وعديم الجدوى الاقتصادية في الوقت الحالي، وبحسب مراقبين، فان تمكين الشركات الصينية جزء من تحالف السيسي، مع الصين وروسيا لدوافع حماية شخصية له من أية عواقب لجرائمه دوليا، إذ أن أي انقلاب عسكري على السيسي، أو ثورة ضده فسيقف الروس والصينيون معه، كما فعلوا مع السفاح بشار الأسد”.

وتجدر الإشارة إلى أن التحدي الاستراتيجي الأكثر أهمية للوضع الراهن قد يأتي من الصينيين، الذين ركّزوا حتى الآن في المقام الأول على المساعدات الاقتصادية. ومع تركيز الصين على الانشطة الاقتصادية القريبة من  قناة السويس كجزء من مبادرة “الحزام والطريق” الخاصة بها، قد تجعل أهدافها في نهاية المطاف في حالة صراع مع أهداف الولايات المتحدة. وتبقى الصين لمستفيد الأول من تلك الاستثمارات ، حيث إنها تجد أفريقيا سوقا واسعا لمنتجاتها، فضلا عن أنها لا تعتمد على الأيدي العاملة المصرية في مشاريعها، بل على الأيدي الصينية..وهو ما يجري بالعاصمة الادارية حاليا ومشاريع الجلالة والعلمين. فالاستثمارات الصينية بمصر بلغت 35 مليون دولار بالربع الأول من 2020، حيث أكد سفير الصين بالقاهرة لياو لي تشانغ في 5 ديسمبر 2019، أن استثمارات بلاده بمصر،  بلغت 7 مليارات دولار، من خلال 1560 شركة، وفرت نحو 30 ألف فرصة عمل، مشيرا إلى أن منطقة “تيدا” الصينية بالسويس خلقت 3500 فرصة عمل بمصر، وتوفر ضرائب تقدر بنحو 58 مليون دولار لمصر، وأشار السفير الصيني في 18 يونيو 2020، إلى أن المشروعات الكبرى المنفذة من قبل مستثمري بلاده تشهد تقدما وخاصة بحي المال والأعمال بالعاصمة الإدارية الجديدة ومنطقة “تيدا” وخاصة بالمجالات الكهربائية والألياف الزجاجية.

بجانب الإمارات والسعودية وإسرائيل، والذين يعمل السيسي لتحقيق مصالحهم بصورة كبيرة، عبر تقديم التسهيلات غير المتناهية لإسرائيل بسيناء، وبتنسيق المواقف معها والضغط على حركات المقاومة الفلسطينية لصالح الاجندة الإسرائيلية، فيما يجري ابتزاز الإمارات والسعودية واسالة لعابهم، بدعم عسكري مصري لهم في الملفات الليبية واليمنية، بجانب اتخاذ قرارات جمهورية بتسريع نقل وضم عدد من الأراضي والعقارات المملوكة للدولة، إلى أصول صندوق مصر السيادي. كأرض ومبنى مجمع التحرير، ومباني وزارة الداخلية، ومقر الحزب الوطني المنحل، وسط القاهرة، وأرض ومباني القرية التعليمية الاستكشافية، والقرية الكونية بمدينة السادس من أكتوبر، ومباني ملحق معهد ناصر وحديقة الأندلس بمحافظة الغربية ، وذلك تمهيدا لبيعها لداعمي السيسي الاقليميين، من مستثمري الامارات والسعودية، وكذلك تسريع مشروع القاهرة 2050، القاضي بتفريغ القاهرة من العشوائيات وتطوير مباني مناطق شرق النيل وغربه، لصالح مستثمرين إماراتيين بالاساس، وهو ما يمثل حبالا يمدها السيسي للداعمين الاقليميين والدائمين للتمسك به حتى الرمق الأخير.

 

تساؤلات اللحظة

وأمام تلك المعطيات وتوازنات الثوى السياسية، يثور الكثير من التساؤلات أمام احتمالات الصراع في مصر خلال الأيام المقبلة، من عينة: هل يستطيع السيسي تجاوز الغضب؟ وآلياته؟ وإلى أي مدى يمكن أن يتحمل الشعب؟ ومعادلة المكسب والخسارة؟ وطبيعة الصراعات ومحفزات الانفجار الشعبي؟ ومخاطره؟ وافقه؟…..وغيرها من التساؤلات المحورية.

فأمام ما يواجهه عموم الشعب المصري، من قهر اقتصادي وسياسي واجتماعي وحملات إبادة إعلامية وتشوية عقلي، يتواجد على الحافة فئات، تستفيد من نظام السيسي ويعتمد عليها السيسي في التبرير لقراراته ومساندته على طول الخط، وهي فئات تبقي الصراع والغضب المجتمعي داخل حيز الاحتمال، والتثبيط المجتمعي، وهو ما يمكن ،ن يطلق عليه “شعب السيسي” بحسب الكاتبة الأردنية، إحسان الفقيه ، بالقدس العربي، وهو مكون من الجيش الذي أغرقه السيسي بالنِّعم، يُربي فيهم مفهوم أنهم ملوك الدولة والدولة لهم، ولا حكم سوى حكم العسكر، وغيّر عقيدته القتالية من عداء الصهاينة والمحتلين إلى عداء المعارضين.

والمكوّن الثاني هو أجهزة الأمن والشرطة، التي عادت لتنتقم من الشعب المصري، جراء ثورته التي وجدت الشرطي نفسه خلالها منزوع الهيبة، ثم القضاء الذي يوزع الأحكام الجائرة على المعارضين، ثم الإعلام، حيث أبواق لم يُر لها مثلٌ في التدليس وقلب الحقائق، إلى الحد الذي غدا رجال هذه المؤسسة لا يهتمون كثيرا للحبكة الدرامية في دَجَلهم، فحتى لو أشارت إليهم كل سبّابة في العالم بالكذب، فإنهم ماضون في التطبيل للزعيم الملهم، ثم كبار رجال الأعمال، الذين وضعوا أيديهم على الحصة المتبقية من مقدرات الشعب، ويتحكمون في الأسواق، ويدهسون الصغار، ويستوردون الأغذية الفاسدة، ويحتكرون السوق، ويمتهنون مهنة تهريب الآثار المصرية، ويضعون أيديهم على أراضي الدولة بمباركة رسمية.

ولا ينقص هذا (الكوكتيل) حتما عمائم تُسبح بحمد النظام، وتزعم المعجزات لهذا الزعيم المخلص، ولما كان شيخ الأزهر قد نأى بنفسه عن هذا الدور، دقّ وزير الأوقاف صدره قائلا: هاأنذا، وترك الكلام في الشريعة وأصبح بوقا سياسيا، وإذا تكلم في الدين قيل: يا ليته سكت، فلا يتكلم إلا بطبل، ولا يفتي إلا بمزمور، يقوم بعمل هامان على أكمل وجه، هذا هو شعب السيسي.

أما الشعب الآخر، فهم المعارضون والمطحونون والبسطاء، والطبقات المتوسطة التي انقرضت، ولم تجد لها مكانا إلا على الهوامش، هم الكادحون الذين يكابدون من أجل البقاء. هؤلاء هم الشعب الآخر، الذين ينال منهم كل قانون يُسن، وينهش في لحومهم كل قرار رئاسي، لا يكادون يفيقون من صدمة لقرار جائر، حتى يُصبَّحوا بغيره، فغدا الناس كأنهم سكارى وما هم بسكارى، لكنه الاستبداد الذي لا يرحمهم، هذا الشعب الآخر، هو المتضرر من السياسة الاقتصادية للنظام القائمة على الجِباية، فالزعيم الذي لا يمتلك رؤية اقتصادية، يعتمد على التفنن في كيفية تحصيل الأموال من الناس، أمرهم بـ«صبّح على مصر بجنيه» وملء صندوق تحيا مصر.

ويمضي في رفع الدعم حتى باتت فواتير الكهرباء والغاز والمياه تحتاج إلى عمل إضافي لتسديدها، حتى رغيف الخبز المدعم الذي يعتمد عليه الفقير، يقل وزنه إلى ثلاثة أرباع تقريبا، وهو ما يعني محاربة الفقراء حتى في القوت. وكل فترة يُفاجأ هذا الشعب الآخر بفرض ضرائب جديدة تضيف أعباء جديدة، بينما شعب السيسي لا تمثل له هذه القضايا شيئا. وبينما كان الشعب الآخر يموت أبناؤه بسبب جائحة كورونا لنقص المعدات والتجهيزات الطبية، كان الزعيم رقيق القلب يجود بها على الصين وإيطاليا والولايات المتحدة. بجانب ذلك يضع السيسي المصريين ، الفقراء منهم، أمام تحد استراتيجي كبير، قد يعوق تحركهم المناوئ له في حال تفجره، وهو مآلات أزمة المياة بعد سد النهضة، فبدل أن يتخذ قرارات صارمة حيال هذه الأزمة، التي تهدد الشعب المصري بالعطش، وتهدد أراضيه الزراعية، بل ثروته السمكية، اتخذ قرارات غاشمة تجاه المصريين، وتعقّب العقارات المخالفة، وفرض جبايات جديدة لتصحيح الأوضاع فيه إجحاف مبين يفوق طاقة المصريين. وصار المشهد المألوف في مصر هو هدم المنازل، حتى صارت آلاف الأسر، الذين لا يجدون مأوى لهم، في العراء.

ويبقى السؤال: هل السيسي لا يدرك حقا حجم الأزمات التي يغرق فيها الشعب؟ ألا يخاف من هذه السياسات الجائرة أن يثور عليه المصريون؟ وأمام تلك التساؤلات المحورية، يدرك السيسي بالفعل أنه حوّل حياة المصريين، إلى جحيم، لكنه يدرك تماما أنه امتلك زمام الأمور، وأرهب الشعب وأظهر له أنيابه، ووضع مؤسسات الدولة الصلبة في جيب سترته، ويحظى بمؤازرة صهيونية وأمريكية وأوروبية وإماراتية وسعودية. تجعله مطمئن البال حيال عرشه، طالما أنه قد اعتصم بحبل هذه القوى وتماهى مع أطماعها، وهم الذين يوفرون له الغطاء المناسب على جرائمه، وطالما أنه لا يعبث بمصالحهم! غير أنه يغفل عن نهايات المستبدين، التي ليس منها مناص، ويتجاهل أن أحزان هذا الشعب قنبلة موقوتة، ربما يطول الوقت اللازم لانفجارها، إلا أنها إذا فعلت فلن تبقي ولن تذر.

 

تحركات السيسي الاستباقية

وانتظار للحظة الانفجار المتوقعة، يلجأ السيسي لمسكنات وقرارات حمائية يزن أنها ستحميه. ومع رفع الجهات المعلوماتية تقارير تحذر السيسي من حراك شعبي محتمل، لجأ السيسي للعديد من التحركات الاستباقية، سواء في ملف الازالات او القوانين والقرارات ، التي يراه مراقبون استباق لتوسع الغضب الشعبي من ناحية، ورفع كفاءة مؤسسات نظامه، وتحفيز معسكره المؤيد لسياساته..ومنها:

– تعديل قانون الشرطة: حيث صادق السيسي  الأسبوع الماضي، على القانون رقم 175 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة ،  ومنحت التعديلات قطاع الأمن الوطني المشاركة في وضع سياسات الأمن ومتابعة تنفيذها، واتخاذ كافة الإجراءات التي تكفل له تحقيق أهدافه واختصاصاته، مثل حق طلب الاطلاع أو التحفظ على أي ملفات أو بيانات أو أوراق أو الحصول على صورة منها وذلك من الجهة الموجودة فيها هذه الملفات أو البيانات أو الأوراق بأمر قضائي مسبب، وكذلك رصد المشكلات التي تواجه دولة العسكر وقياس اتجاه الرأي العام في شأنها، ورفع تقارير بشأنها للجهات المعنية.كما استحدثت تعديلات المادة (131) إبرام التعاقدات بالأمر المباشر “لوزير الداخلية” أن يفوض رئيس القطاع في سلطاته بشأن تنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات العاملة” ويكون لرئيس القطاع اتخاذ إجراءات التعاقد بالاتفاق المباشر دون التقيد بالنصاب المالي والقواعد والإجراءات الواردة بقانون التعاقدات. ومنحت التعديلات الداخلية الحق في الاستثمار على غرار الجيش، حيث نصت على أن أموال وزارة الداخلية والجهات التابعة لها أموال عامة، ويكون لها في سبيل اقتضاء حقوقها اتخاذ إجراءات الحجز الإداري طبقا لأحكام القانون المنظم للحجز الإداري. ووفق التعديلات الجديدة، فإن لقطاع الأمن الوطني الحق في التصرف في المخلفات الناتجة عن أنشطته (تشمل الأموال المضبوطة أو الأموال النقدية أو ما يعادلها)، واستخدام عائداتها في الصرف منها على أعمال الصيانة للمنشآت التابعة له…وهو ما عده مراقبون استمالة للجهاز الأهم في مواجهة الاضطرابات السياسية ومعالجة قضايا المعارضة..

-تخفيف شكلي لاجراءات الازالة: ومن جملة الاجراءات التلطيفية، جملة من تطمينات لفظية على لسان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ، يوم السبت الماضي، خلال مؤتمر صحفي بحضور وزيري الدفاع والداخلية والتنمية المحلية والاسكان، بالقليوبية ، واعلان عددا من الاجراءات ، التي لم يصدر بها قرار –حتى كتابة تلك السطور– سواء بمد اجل التصالح على مخالفات البناء، حتى نهاية نوفمبر 2020، وهو ما عاد وتجاهله تقرير نشره المركز الاعلامي بمجلس الوزراء ، شمل تهديدا بتنفيذ الازالات في اول اكتوبر القادم، مع تحويل عدد من مسئولي الادارات الهندسية بالمحليات الى النيابة العامة، واعلان المحافظين عن تخفيضات لمن يتقدم بالتصالح، دون الاعلان عن المبالغ التي كانت قبل التخفيضات بالادارات الحكومية، وهو ما يمثل خداعا للمواطنيين.

-حملات اعلامية مضادة:قادتها وسائل الاعلام التي تسيطر عليها المخابرات والاجهزة الامنية، لتشميم المصريين بان ما تتناقله وسائل الاعلام الجديد وتلفزيونات المعارضة، تلفيق، وغير حقيقي. بجانب اظهار ان السيسي حامي مساجد الله، رغم اعلانه شخصيا بهدمم 107 مسجدا بالبخيرة والاسكندرية، لتنفيذ محور المحمودية.

 

-اغلاق المقاهي والكافيهات، ليل الإثنين، ترافقا مع مباراة كرة قدم بين فريقي الاهلي والاتحاد السكنندري، خشية من تحول الاختفالات بفوز الاهلي بدرع الدوري، الى مظاهرات مضادة للنظام، كما جرى بالعام 2019..مع  تعميم امني على العمل بتقليل تواجد الجماهير بالشارع، ونشر قوات امن سرية بوسط القاهرة، لتفتيش التلفونات ، والتفتيش الذاتي، علاوة على تصعيد تحذيرات وزارة الصحة بتزايد الاصابات بكورونا، مع نداءات بالاغلاق او تجنب النزول للشوارع والميادين والتقليل من ركوب المواصلات خلال الفترة المقبلة.

-حملات تجميل صورة النظام، من عينة اعداد تقارير تلفزيونية وصحفية عن دور السيسي في تعظيم الاستفادة من مشروع تكافل وكرامة لخدمة محدودي الدخل، وحملة السيسي راعي بيوت الله…رغم اقدامه على اغلاق عشرات الالاف منها منذ الانقلاب العسكري،  وهدم 107 مسجدا بطريق محور البحيرة، بإلاضافة لحملة فتاوي مسيسة، من عينة أن مقاومة قوات انفا ذ القانون خلال هدمها بيوت المواطنين، لا يجوز وانه بلجة وارهاب وعدم طاعة لولي الامر، على عكس الفتاوى المعتبرة دينيا ومنطقيا بالدفاع عن مال الأنسان، وبيته وأهله.

-التخلص من المنافسين المحتملين: ومن جملة التخركات الاستباقية، ما بدأ السبت 5 سبتمبر 2020م بأولى جلسات إعادة محاكمة الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء بعهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، في قضية فساد وزارة الطيران المدني، وذلك بعد مرور 7 سنوات من الحكم ببراءته من محكمة جنايات القاهرة سنة 2012م. أصدرت المحكمة قرارها بالتأجيل إلى جلسة الثاني من نوفمبر المقبل، بعد أن طلب الدفاع من المحكمة، أجلًا للاطلاع والاستعداد للمرافعة.

وتربط تقارير إعلامية بين إعادة محاكمة شفيق واعتقال رجل الأعمال صلاح دياب (رئيس مجلس إدارة جريدة المصري اليوم) قبل ذلك بأسبوع؛ حيث كشفت المصادر أن الأمن الوطني بلغته انتقادات وجهها دياب للنظام وهو يحكي بعض تفاصيل مفاوضات الأجهزة الأخيرة معه، خلال جلسة جمعته بشفيق، في قرية بالساحل الشمالي منذ أسبوعين، كما تهكم الاثنان في حديثهما على إدارة الأمن الوطني لانتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة، وبعض القضايا الأخرى، حيث ربطت بعض المصادر بين هذه الجلسة وما حدث لدياب وبين إحياء قضية فساد وزارة الطيران. وبحسب مراقبين فإن إعادة محاكمة شفيق بعد سبع سنوات من الحكم ببراءته يمثل رسالة واضحة الدلالة على أن السيسي ماض في الإطاحة بكل منافس محتمل من داخل أركان الدولة العميقة، خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي.

 

مستقبل الأوضاع المصرية

وحول مستقبل الاوضاع التي باتت حرجة بمصر، تقول مجلة فورين أفيرز الأمريكية إن السيسي يحاول مجاملة مؤسسات الدولة خاصة الجيش والشرطة حتى تكون أقل استجابة لأى احتجاجات جماهيرية تطالب بإسقاطه، مشيرة إلى أنه دعم الشرطة والأجهزة الأمنية والجهاز القضائي وكفل لهم فى دستوره سلطة غير مسبوقة لضمان دعمهم المتواصل له، وأشارت المجلة فى تقرير لها أعده كل من إيريك تراجر، جلعاد وينيج إلى أن قادة الجيش والمخابرات الحاليين أقل احتمالاً للتحرك ضد نظام السيسي مما كانوا عليه في حالة الحكومات التي قادها مبارك والرئيس محمد مرسي. وأضافت أن السيسي اختص المقربين منه بمناصب عليا في المخابرات والجيش والداخلية والقضاء، مؤكدة أن هذه العلاقات لن تحول دون حدوث اضطرابات بسبب عدم قدرة السيسي على إصلاح الاقتصاد المصري المنهك.

وأشار التقرير إلى أن سياسة التحفيز التي تنتهجها حكومة الانقلاب، فضلاً عن عدم وجود إيرادات من السياحة وغيرها ستفضي إلى مزيد من استنزاف وتجفيف الاحتياطات النقدية ما يضعف قدرة نظام السيسي على تلبية الاحتياجات الأساسية للمصريين. وأكد أن صبر المصريين قد نفد ووصلوا إلى نقطة الاشتباك مع نظام العسكر موضحا أن السيسي قد يكون مقاوماً للانقلابات أكثر من سابقيه، لكن ذلك لا يعني عدم اشتعال الثورة ضده مهما كانت وحشية قمع المتظاهرين.

فيما يرى العميد السابق عادل الشريف ، في تصريحات صحفية،  إن السيسي عاد لنفس المسلك الذي اتخذه المخلوع حسنى مبارك مبكرا، لكن السيسي كان يحاول أن يعتمد بشكل كلي على الجيش، ويبدو أنه غير قادر على جعل الجيش يمارس دور الشرطة مع المواطنين، لافتا إلى أن صورة الجيش اهتزت لدى المصريين بسبب تهديدات السيسي المستمرة لهم بالجيش كنزوله القرى لإزالة مخالفات البناء. فالسيسي عندما كان مديرا للمخابرات الحربية، كان يقوم بتقليم أظافر أمن الدولة بهدف تقليص صلاحياته، وهو نفس الشيء الذي فعله مع جهاز المخابرات العامة من أجل ترويض الجهاز ومسئوليه، مؤكدا أن السيسي يهيمن على المخابرات لكنه لا يهيمن على جميع الجيش، ويعتمد على نخب معينة من وحدات الصاعقة والمظلات و999 و777.

ومن جانبه ، يرى الباحث بالشؤون العسكرية محمود جمال أن السيسي صاحب رؤية شخصية ضحلة جدا ولا يريد تحسين الأوضاع لأنه لن يكون موجودا حينها، ولكنه “ما هو إلا “رأس جبل الجليد”.. والقيادات العسكرية متورطة في كل ما يحدث” ملمحا إلى أن التململ موجود داخل القوات المسلحة لكن يفوقه خوف غير عادي نتيجة القمع والبطش. ولكن ومع تصاعد الاستبداد وتوزيع الحاكم المستبد الثروات على المقربين منه، المحيطين بكرسيه من ذوي المصالح، فإن الناس من أصحاب الطبقات المتوسطة والدنيا، تنقبض أيديهم عن السعي والإنتاج والإعمار، فيضعف الاقتصاد ثم ينهار، وهذا ما يحدث تحديدا مع الشعب المصري في عهد السيسي. وأمام تلك الحالة فإنه يمكن التأكيد على أن التغيير القادم في مصر غير أيديولوجي نتيجة الصراع بين البسطاء و”عصابة السيسي”  التي تستولي على ثروات الشعب المصري ومقدراته. وأن التحرك الحاسم بالشارع سواء جاء في 20 سبتمبر أو بعده، قد يحدث التغيير السياسي في مصر..حيث بات التغيير قدرا على المصريين، بعدما طالت سياسات القمع الجميع، والتي ظلت لفترة موجهة ضد جماعة الاخوان المسلمين والمعارضيين السياسيين، إلا أن تحولت لتطال الجميع.

ماذا لو استمر السيسي؟

ولعل قراءة مستقبل الأوضاع المصرية، مع احتمالات رحيل السيسي أو بقائه، تبرز نقطة أخرى بالغة الخطورة، حول مستقبل مصر كدولة في حال استمر السيسي، وهو الأمر الذي سبق وأن أشارت له، دراسة صادرة في ديسمبر 2019 عن معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط للأكاديمي والباحث، تيموثي كالداس، بعنوان “استبداد السيسي الهش.. لماذا سيكون سقوط النظام في مصر فوضويا للغاية؟”. لافتا إلى أنه كلما زاد السيسي في سيطرته وقبضته الغاشمة على الدولة المصرية، كلما اقترب الانهيار الفوضوي بالبلاد. مضيفة “تراهن العديد من الدول التي تحافظ على علاقات وثيقة مع الحكومة المصرية على قوة واستقرار نظامه. وفي الوقت الذي تعاني فيه المنطقة من الاضطرابات، تشعر العديد من القوى الأجنبية بالراحة تجاه الهدوء الظاهري الذي استطاع السيسي فرضه على مصر، وإن كان ذلك عبر وسائل وحشية. وقد جرى هذا التركيز الواسع للسلطة في مصر من خلال استراتيجية تعتمد على حفنة من الأفراد المقربين من السيسي شخصيا، بما في ذلك أفراد عائلته، وفي حين أن هذا يساعد على ضمان ولاء أصحاب النفوذ، لكنه يأتي على حساب وجود نظام مؤسسي أكثر انتشارا واستقرارا. وتابعت الدراسة: قد تكون قبضة السيسي على السلطة السياسية في هذا الوقت قوية، لكن الطريقة التي عزز بها هذه السلطة تجعلها أيضا هشة للغاية، وحساسة للصدمات غير المتوقعة.

هذا المزيج بين القوة والهشاشة في مواد مثل شفرات السكين، ويمكن الحفاظ على حدة حواف الفولاذ الصلب لفترة أطول بكثير إذا ما تم استخدامه بعناية، ومع ذلك إذا أصاب هذا الفولاذ الصلب أثناء الاستخدام أي مواد صلبة أخرى، فسوف تفقد السكين حدتها أو تنكسر، فمع زيادة الصلابة يصبح الصلب أكثر هشاشة. وتتراوح الدول، مثل السكاكين، في المرونة والصلابة، وتكون الدول المرنة أكثر استعدادا للتعامل مع الصدمات غير المتوقعة، ويتمتع النظام المتصلب بميزة القدرة على التحرك بسرعة وحسم، لكنه يكون عرضة للصدمات غير المتوقعة. على سبيل المثال، يعتبر العديد من الدبلوماسيين أن قبضة  السيسي الاستبدادية على السلطة هي السبب في قدرته على اتخاذ إجراءات فشل في اتخاذها كل من سبقوه، مثل رفع الدعم على عدد من السلع، خاصة الطاقة. وكانت مثل هذه الإصلاحات بعيدة المنال للأنظمة السابقة التي كانت أكثر استجابة للجمهور، علاوة على ذلك، فإن السلطة التي يعتمد عليها النظام تتركز شيئا فشيئا في دائرة صغيرة نسبيا، ويزيد كل هذا من صلابة النظام، وبالتالي هشاشته في نفس الوقت.

وأسهم جهد السيسي النشط في تفكيك مؤسسات الدولة وتقويض استقلاليتها في زيادة هشاشة الدولة بشكل عام، ومن أبرز دلائل هشاشة المؤسسات بمصر، ما جرى مع مؤسسة القضاء، والذي كان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه الأكثر استقلالية بين المؤسسات المدنية في مصر، حتى إنه اتخذ في بعض الأحيان مواقف مستقلة تماما، مثل اتهام نظام مباركبالتزوير الانتخابي، فإن القضاء نفسه الآن يدعم “السيسي” بحماس، وشارك بنشاط في جولة هائلة المواقف الخاضعة للسلطة، مثل إطلاق الأحكام القضائية المسيسة على المعارضين السياسيين، والإشراف على سلسلة من الانتخابات الوهمية، ما تسبب في فقدان المؤسسات القضائية لمصداقيتها لدى الجمهور.

 

ونظرا لتراجع مصداقية القضاء وشعبيته، فقد عمل “السيسي” أيضا على وضعه تحت سلطته المباشرة، ما قوض استقلاله القانوني أيضا، في البداية، استخدم حلفاء “السيسي” التشريعات لزيادة سلطاته في تعيين قضاة المحكمة العليا، قبل أن يتم تكريس هذه الصلاحيات في الدستور، ويجلس “السيسي” الآن على رأس هيئة جديدة تشرف على القضاء بأكمله، يتمتع فيها الرئيس بحق النقض “الفيتو” وهو ما يمكن تعميمه على مؤسسة البرلمان والجيش وغيرهم من مؤسسات الدولة، التي باتت تتمتع بكم هائل من العدوات بين أبنائها الحاليين والسابقين، بالاضافة لمواقف المعارضين والرافضين لنظام السيسي..

 

خاتمة

يمكن التعويل على الحراك الشعبي إن استطاع الصمود للوهلة الاولى أمام الالة القمعية، وهو ما يمكن أن يغير كثير من المعايير والمواقف الداخلية لمؤسسة الجيش أو الإقليمية والدولية، سواء أمريكا أو أوروبا، ويبقى 20 سبتمبر المقبل مؤشر على بواقي من حياة روح الثورة بمصر، الا انه ليس موعدا حاسما لتغيير نظام السيسي، إلا أنه يؤشر لحراك شعبي عفوي قد ينطلق بدايات أكتوبر المقبل، مع نهاية فترة التصالح مع مخالفات البناء، وبداية التنفيذ الموسع للازالات في قرى ومدن مصر، عندها قد يثور الشارع، وعندها قد تجد القوى السياسية منساقة وراء الحشود الجماهيرية، التي عليها ان ترشد حراكها فقط، وليس قيادته، إلا أن الأهم هو بقاء روح الثورة والغضب في اوساط الحماهير، طالما بقيت سياسات العسكرة والقمع.

 

 

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022