انتخابات التيجراي

 

أعلن إقليم التيجراي شمالي إثيوبيا أنه سيمضي قدمًا في الانتخابات، متجاهلًا قرار المجلس الانتخابي بتأجيل الانتخابات؛ مما يضع إدارة الإقليم في وضع تصادمي مع الحكومة الفيدرالية لإثيوبيا بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد. وقرار إدارة إقليم التيجراي يسلط الضوء على الانقسام بين الجماعات الإثيوبية بعد سنتين من تولي رئيس الوزراء آبي أحمد السلطة، الذي وعد بتخفيف سلطة الدولة، كما وعد بإصلاحات سياسية شاملة؛ الأمر الذي شجع الجماعات السياسية الإثيوبية على المطالبة بقدر أكبر من الحكم الذاتي الإقليمي؛ مما أثار الصراعات في البلاد، وأثَّر على خطط الانفتاح الاقتصادي على الاستثمار الأجنبي. وتعتبر الانتخابات العامة في إثيوبيا اختبارًا حقيقيًّا لمصداقية إصلاحات رئيس الوزراء آبي أحمد، التي كان من المقرر لها أن تكون في أغسطس الماضي، قبل أن تتخذ الحكومة قرارًا بتأجيلها بسبب جائحة كورونا، كما قام مجلس النواب الإثيوبي بالموافقة على مد ولايته التي كانت ستنتهي في أكتوبر القادم، حتى موعد الاستحقاق الانتخابي في 2021. وحتى يتضح المشهد، يمكن وصف الصراع وأطرافه في الداخل الإثيوبي في السطور القليلة القادمة.

 

العرقيات في إثيوبيا:

هناك العديد من القوميات في إثيوبيا، ويُعد التمايز اللغوي أحد أبرز أسباب الخلافات فيما بينها، حيث يوجد في هذا البلد نحو 100 لغة. وتضم إثيوبيا مجموعة من العرقيات، أبرزها[1]:

الأورومو: وتتركز قومية الأورومو في أوروميا بوسط إثيوبيا، ويشكِّلون نحو 34% من عدد السكان البالغ نحو 103 مليون نسمة، وهم يتحدثون اللغة الأورومية، ويعتنق أغلبهم الدين الإسلامي، ويعملون بالزراعة والرعي. وكانت احتجاجات الأورومو المناهضة للحكومة قد اندلعت في عام 2015؛ بسبب نزاع بين مواطنين غالبيتهم من عرقية أورومو والحكومة حول ملكية بعض الأراضي، ولكن رقعة المظاهرات اتسعت لتشمل المطالبة بالحقوق السياسية وحقوق الإنسان، وأدت لمقتل المئات واعتقال الآلاف.

الأمهرة: وهي ثاني أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا ويتحدثون اللغة الأمهرية، وهي اللغة الرسمية للجمهورية الإثيوبية، ويشكِّلون نحو 27% من عدد السكان.

التيجراي: يشكل التيجراي نحو 6.1% من الشعب الإثيوبي، وأغلبهم يعيشون في شمال البلاد، ويعتنق أغلبهم الدين المسيحي.

الصوماليون: يشكل الصوماليون أيضًا نحو 6.1% من تعداد الشعب الإثيوبي، وهم يتركزون في منطقة أوجادين، كما ينتشرون في أنحاء البلاد. وتنقسم القومية الصومالية إلى عشائر، وتُعد العشيرة جزءًا مهمًّا من ثقافتهم، والإسلام هو الدين المهيمن بينهم.

عرقيات أخرى: هناك قوميات أخرى أصغر في إثيوبيا، مثل: الغوراغ والولياتا وعفار وهادييا وغامو وغيرها.

 

جذور الصراع بعد تولي آبي أحمد:

منذ جاء آبي أحمد إلى السلطة في أبريل 2018، قام بعدة إصلاحات، فأفرج عن سجناء سياسيين، ورفع الحظر عن الأحزاب، وحَاكَم مسؤولين متهمين بارتكاب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، لكن العنف العرقي لم يتوقف، بل اندلع في عدة مناطق، فقد كانت هناك مقاومة من الإقليم الصومالي الإثيوبي (أوجادين)، وإقليم قومية التيجراي الذي كان يقود العملية السياسية منذ رئيس الوزراء السابق ملس زيناوي. ورأى هؤلاء أن آبي أحمد يقوم بعملية إحلال للنخب الحاكمة في مفاصل الدولة، وهذا الإحلال اقتضى التحالف مع قومية الأمهرة لصالح قومية الأورومو؛ الأمر الذي تسبب في احتجاج القومية الصومالية، وبقايا النظام القديم في السلطة، والجيش. كان آبي قد أجرى تغييرات في صفوف الجيش، وأجهزة المخابرات، أكسبته أعداء أقوياء، بينما تكافح حكومته للسيطرة على الشخصيات القوية في المجموعات العرقية الكثيرة في إثيوبيا التي تقاتل الحكومة الاتحادية؛ الأمر الذي أنتج محاولة الانقلاب عليه في 2019، قُتل على إثرها قائد الجيش وهو من قومية التيجراي، وقتل رئيس ولاية أمهرة، وهو ما حمل رسالة استهداف لرئيس الوزراء وحلفائه من القوميات الأخرى[2].

 

أزمة الانتخابات:

قرر مجلس الانتخابات الإثيوبي -وهو هيئة دستورية مستقلة- في 31 مارس الماضي تأجيل إجراء الانتخابات العامة جراء فيروس كورونا. وكانت الانتخابات مقررة في 29 أغسطس؛ ليقود هذا التأجيل الساحة السياسية إلى حالة من الشد والجذب والاحتقان، ما بين معارض ومؤيد للخطوة. وتعد هذه الأزمة، التي أطلت برأسها على المشهد الإثيوبي، سابقة سياسية ودستورية؛ حيث لم تواجه إثيوبيا من قبل ظروف تحتم عليها تأجيل الانتخابات. وفي الخامس من مايو، صادق البرلمان الإثيوبي على إحالة طلب تفسيرات دستورية بشأن إجراء الانتخابات في ظل التأجيل بسبب جائحة كورونا إلى مجلس التحقيق الدستوري للبت فيه .ومجلس التحقيق الدستوري مكون من 11 عضوًا ترأسه رئيسة المحكمة الفيدرالية العليا ونائبها و6 خبراء قانونيين، عينهم الرئيس الإثيوبي، وثلاثة أعضاء من المجلس الفيدرالي، وهو هيئة دستورية قانونية تتبع المجلس الفيدرالي؛ حيث يختص دون سواه بمراقبة الدستور، والبت في المنازعات الدستورية[3].

 

موقف المعارضة:

توجه المعارضة الإثيوبية الانتقادات لحكومة آبي أحمد؛ لعدم التشاور معها قبل قراري تأجيل الانتخابات ومد ولاية الحكومة؛ الأمر الذي رد عليه آبي أحمد خلال خطابه، عندما قال: “إنه ليس وقت تبادل الاتهامات”، وأضاف: “سنعمل معًا لضمان أن الانتخابات القادمة حرة ونزيهة وشفافة”. كما تحدث رئيس الوزراء الإثيوبي -خلال رسالته- باستفاضة عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها إثيوبيا بسبب جائحة كورونا، مطالبًا المعارضة الإثيوبية بالتعاون، ولعب دور في مواجهة هذه التحديات، وحذر آبي أحمد من أن جائحة كورونا وآثارها على البلاد قد تتفاقم مع حلول موسم الأمطار والبرد. ولم يفوت آبي أحمد فرصة ظهوره دون الحديث عن أزمة سد النهضة؛ حيث أشار -بنهاية رسالته- إلى أن “أولوية حكومته ستكون مواجهة التحديات المحتملة على السيادة الإثيوبية”، بالإضافة لموضوعات أخرى، في إشارة مبطنة منه لأزمة سد النهضة مع كل من مصر والسودان[4]. وترجع حالة الشد والجذب، التي أطلت على المشهد السياسي، إلى الدستور الذي أغفل نقطة مهمة، تتعلق بتحديد الخطوات اللازمة في حال انتهاء الولاية الشرعية للحكومة المنتخبة؛ حيث لم يحدد الدستور ما يتخذ من إجراءات في حال عدم تمكن الحكومة القائمة من إجراء الانتخابات في موعدها لأي طارئ، قد يواجه البلاد.

 

موقف الحكومة:

بعد أيام من معارضة جبهة تحرير شعب التيجراي الإثيوبي وعدد من الأحزاب السياسية قرار البرلمان الإثيوبي تأجيل الانتخابات الإقليمية، وتمديد ولاية رئيس الوزراء وكل الإدارات الإقليمية؛ خرج رئيس الوزراء آبي أحمد في خطاب للشعب الإثيوبي، عبر فيديو مسجل نشره على صفحته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ليتناول فيه التعديلات الأخيرة. وخلال رسالته للشعب الإثيوبي التي استمرت لـ 11 دقيقة ونصف، فسر آبي أحمد الظروف التي أدت لقرار الحكومة والتحديات التي تواجهها بلاده، مشيرًا إلى أولويات الحكومة في المستقبل. وأشار آبي أحمد -خلال خطابه- إلى أن قرار البرلمان جاء بعد تعاون ومشاورات بين عدد من المؤسسات الإثيوبية، على رأسها البرلمان والمجلس الانتخابي الإثيوبي، الذي أرسل طلب التأجيل لمجلس الشورى، الذي بدوره أحاله للجنة التحقيق الدستوري، قبل أن يتخذ المجلس قراره الأخير، مضيفًا أن هذه العملية جاءت لمواجهة التحديات الراهنة، ومساعدة البلاد في تجربتها الديمقراطية. وفي رسالة مبطنة للأحزاب والجماعات المعارضة لقرار البرلمان الإثيوبي -على رأسها جبهة تحرير شعب التيجراي- قال آبي أحمد: “إن هذا القرار، قرار الشعب، ليس قرار الحكومة أو قرار الأحزاب”. وأشار آبي أحمد أنه يرى في اللحظة الراهنة تكليفًا لحكومته للدفاع عن البلاد والشعب الإثيوبي، داعيًا لمزيد من المسؤولية. وفي رسالة أخرى للمعارضة، قال آبي أحمد: “إن الحزب الحاكم سيستمر في إجراء مناقشات ومشاورات مع المعارضة بشأن القضايا الوطنية؛ لصالح تطوير التجربة الديمقراطية، وبناء توافق وطني”. لكن أحمد لم يوضح ما هي القضايا الوطنية التي ستدور حولها النقاشات مع أحزاب المعارضة[5].

 

قرار التيجراي:

إقليم تيجراي هو أحد الأقاليم الإثيوبية التسعة، ويتمتع بحكم شبه ذاتي، ضمن النظام الفيدرالي المتبع في البلاد. ويحكم هذا الإقليم جبهة تحرير تيجراي، وتتزعمها قائدة الائتلاف السابق، التي قررت إجراء انتخابات في إقليمها بمعزل عن الانتخابات العامة المؤجلة بسبب جائحة كورونا. حاكم إقليم تيجراي ورئيس حزب الجبهة، دبرصيون جبراميكائيل، أعلن عن تمسكهم بإجراء انتخابات في الإقليم. واعتبر تأجيل الانتخابات بسبب كورونا غير دستوري، وقال إنهم سيجرون الانتخابات في موعدها؛ أي قبيل انتهاء الفترة الدستورية للحكومة الحالية في 11 أكتوبر المقبل. وأوضح جبراميكائيل، أن تمسكهم بإجراء الانتخابات بمعزل عن الانتخابات العامة المؤجلة يمنحه الدستور. وقال سيتم إجراء الانتخابات ودعوة مجلس الانتخابات لعقدها ومراقبتها، وستشارك بها الأحزاب السياسية المعارضة في إقليم تجراي، مع الحفاظ على التوجيهات والإرشادات المتعقلة بفيروس كورونا. وتُعد خطوة جبهة تحرير تجراي تصعيدية وغير دستورية؛ حيث يمنح الدستور الإثيوبي حكومات الأقاليم حق طلب إجراء انتخابات محلية، شريطة موافقة وإشراف مجلس الانتخابات، وهو ما لم يتوفر، فيما تتجه إليه جبهة تحرير تجراي، التي قررت إجراء الانتخابات دون الحصول على موافقة مجلس الانتخابات. وتندرج خطوة الجبهة في إطار ممارسة الضغوطات على الحكومة الفيدرالية، وإرباكها دستوريًّا؛ بغرض إجبارها على التفاوض معها، وإعادة هيبتها في المشهد السياسي، الذي افتقدته بوصول آبي أحمد للسلطة[6].

 

الخُلاصة:

تُعد الانتخابات الإثيوبية أزمة جديدة تطل برأسها على المشهد الإثيوبي، وتكرس لانقسامه، وتمهد لسلسلة من الأزمات التي على حكومة آبي أحمد التعامل معها بشيء من الحكمة، في ظل بروز أربعة حلول للتعامل مع الفراغ الدستوري الذي نتج عن تأجيل الانتخابات، هي: فرض حالة الطوارئ، أو حل البرلمان الحالي، أو تعديل الدستور بشكل يفسر الوضع الحالي للحكومة، أو البحث عن تفسير دستوري وفقًا للدستور القائم. ولا يبدو الحلان الأول والثاني مناسبين؛ لما تمر به البلاد من أزمة، قد تضاعفها حالة الطوارئ، ولما لحل البرلمان من أثر سلبي، من شأنه إضعاف الحكومة وتكبيلها، وهو ما يجعل الحلين الأخيرين هما الأقرب للواقع؛ لإيجاد حل دستوري للوضع القائم بالبلاد، لاسيما إن تم ذلك في إطار الدستور القائم دون الحاجة لتعديله. وفي الأخير لابد للأطراف المتصارعة من التفاوض للوصول لحل للأزمة؛ للحيلولة دون تصاعد الاحتقان الداخلي وانفجار الأزمة.

 

———————————————-

[1]  “من بينها الأورومو والأمهرة، تعرف على أكبر القوميات الإثيوبية”، عربي BBC، 29/6/2019. متاح على الرابط: https://2u.pw/IXQPu

[2]  نهى محمود، “”أمهرة وتيغراي” .. كلمتان وراء “الانقلاب الفاشل” في إثيوبيا”، عربية sky news، 24/6/2019. متاح على الرابط: https://2u.pw/sZEvR

[3] “انتخابات إقليم تجراي .. مأزق دستوري وأزمة حكومية”، العين الإخبارية، 15/8/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/OWHPS

[4] محمد هيكل، “إقليم “التيجراي” الإثيوبي يصطدم مع الحكومة ويؤكد تمسكه بإجراء الانتخابات .. أبرز ما جاء في المشهد الإثيوبي اليوم السبت”، المرصد المصري، 13/6/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/GPuMy

[5] محمد هيكل، مرجع سبق ذكره.

[6] “انتخابات إقليم تجراي .. مأزق دستوري وأزمة حكومية”، مرجع سبق ذكره.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022