المشهد السياسى : عن الفترة من 19 سبتمبر وحتى 25 سبتمبر 2020

أولاً: المشهد المصري

احتجاجات الغلابة: قراءة في المضامين والدلالات:

اندلعت تظاهرات احتجاجية مناهضة للسياسات القاسية التي تتبعها السلطات المصرية، تظاهرات بدأت تتسع رقعتها بمرور الوقت، وتكتسب أراضي جديدة ومشيعين جدد، فبعد مرور 7 أيام على بدأ الاحتجاجات، وصلت نقاط الاحتجاج إلى 16 نقطة احتجاج أو يزيد، موزعة على عدة محافظات على مستوى الجمهورية؛ لكنها ظلت محصورة بصورة كبيرة في القرى والأرياف، وفي هوامش وعلى تخوم المدن الكبيرة.

غابت القوى السياسية عن الاحتجاجات، بدا هذا واضحًا في تركز الاحتجاجات في الأطراف والهوامش، وبمشاركة المواطنين غير المسيسين، كما بدا في صمت القوى السياسية حيال ما يحدث، وهو صمت يمكن فهمه باعتباره نتيجة لضعف القوى السياسية العاملة في الداخل المصري عن المشاركة.

أما موقف السلطات من الاحتجاجات، فقد تدرج على ثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى: أنكرت النوافذ الإعلامية المقربة من النظام وقوع أية تظاهرات، معتبرين أن صور الاحتجاجات هي “فبركة” واختلاق من جانب القوى المعارضة، وليس لها وجود حقيقي في الواقع. في المرحلة الثانية: اعترفت النوافذ الإعلامية المحسوبة على النظام بوجود احتجاجات محدودة، أصحابها لهم مطالب مشروعة، يجب أن تستمع لهم الحكومة، وتنظر في مطالبهم. المرحلة الحالية: بدأت نوافذ إعلامية محسوبة على النظام تتهم جماعة الإخوان المسلمين والإعلام المعارض والتابع لها في الخارج، بأنها من تقف وراء التظاهرات الأخيرة، وأن الشعارات المرفوعة في التظاهرات تؤكد أن جماعة الإخوان وكوادرها هم الوقود الحقيقي لهذه التظاهرات.

أما على مستوى التعامل الأمني، فهناك حضور أمني قوي في المدن والميادين الكبرى؛ للحيلولة دون تسرب الاحتجاجات لهذه المناطق والمساحات، فهناك ما يشبه الحصار في حواضر وميادين المدن الكبرى. أما في المناطق الهامشية في الأرياف والصعيد التي شهدت احتجاجات، فقد تعامل الأمن معها بدرجة عنف أقل من المعتاد من جانب القوى الأمنية، التي تتعامل عادة بكل قسوة مع أية احتجاجات.

يمكن أن تتطور الاحتجاجات الحالية في مصر في أحد اتجاهين؛ الأول: أن تبدأ الاحتجاجات في اكتساب طابع سياسي أكبر، وذلك من خلال انضمام مجموعات جديدة مدينية[1] أكثر، ويضاف للمطالب الاجتماعية للمحتجين مطالب ذات طابع سياسي أكبر. الثاني: الخفوت التدريجي؛ نتيجة عدم استجابة شرائح جديدة وانضمامها للمحتجين، أو نتيجة لجوء الحكومة لخيار العنف.

ثانياً: المشهد الإقليمي والدولي

التطبيع مع الكيان الصهيونى وأثره

– تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل يسرع من توجه الفلسطينيين نحو تركيا:

يبدو أن توقيع الإمارات والبحرين، في 15 سبتمبر 2020، اتفاقيتين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، سوف يسرع من توجه الفلسطينين نحو تركيا، وهو ما يمكن تلمسه في:

1- إعلان وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أن بلاده قررت التخلي عن حقها في رئاسة مجلس الجامعة العربية للدورة الحالية، ردًّا على التطبيع العربي مع إسرائيل. وقال المالكي في مؤتمر صحفي عقده في مقر الوزارة برام الله، إن هذا القرار جاء بعد اتخاذ الأمانة العامة للجامعة موقفًا داعمًا للإمارات والبحرين، اللتين طبعتا علاقاتهما مع إسرائيل، في مخالفة للمبادرة العربية للسلام[2].

ما يشير إلى وجود خطوات فلسطينية رسمية للخروج عن التوجه العربي، الذي تقوده كل من الإمارات والسعودية ومصر في التقرب من إسرائيل، وهو التوجه الذي كان أهم دوافعه محاولة تكوين تحالف إقليمي لمواجهة تركيا.

2- اجتماع حركتي حماس وفتح، 22 سبتمبر 2020، في تركيا؛ لمناقشة كيفية تطبيق مخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، الذي انعقد مطلع شهر سبتمبر في رام الله وبيروت، برئاسة رئيس السلطة محمود عباس، ومشاركة قيادات الفصائل، الذي تم التوافق فيه على خطوات إنهاء الانقسام والمصالحة، وكيفية مواجهة موجة التطبيع العربي، وخطوات الضم الإسرائيلية[3].

ما يشير إلى رغبة تركية، وبموافقة من السلطة والفصائل، على أن تقوم بدور الوسيط للمصالحة الفلسطينية، وأن تكون الدولة صاحبة الدور القيادي الداعم للقضية الفلسطينية، بعد تخاذل الدول العربية.

3- تغيب فلسطين عن المشاركة في حفل توقيع اتفاقية تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية في 22 سبتمبر 2020. والدول الموقعة هي: إسرائيل ومصر واليونان وإيطاليا والأردن وقبرص الرومية[4].

وربما تكون أحد الدوافع الفلسطينية لرفض التوقيع على هذه الاتفاقية هو عدم إثارة غضب تركيا، خاصة وأن هذا المنتدى تم إنشاؤه بالأساس من أجل تحجيم الدور التركي في منطقة شرق المتوسط.

– تحويل منتدى شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية .. الفرص والتحديات:

أشار تقرير[5] للمرصد المصري التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية لمجموعة من الفرص والتحديات التي تواجه خطوة تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية بعد توقيع كل من إسرائيل ومصر واليونان وإيطاليا والأردن وقبرص، في 22 سبتمبر 2020، على ميثاق تحويل المنتدى إلى منظمة إقليمية مقرها القاهرة.

وقد ذكر التقرير مجموعة من الفرص التي تؤثر على نجاح المنتدى، لعل أبرزها:

1- الاكتشافات الغازية الضخمة في منطقة شرق المتوسط، فمنذ عام 2009، تتوالى اكتشافات الغاز الطبيعي بمنطقة شرق المتوسط، فقد كانت البداية مع اكتشاف إسرائيل لحقلي “تمار وليفثيان”، واكتشاف قبرص لحقل “أفروديت”. وأخيرًا اكتشاف مصر لحقل ظهر. وفي إطار توالي تلك الاستكشافات، قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية من قبل احتواء حوض شرق البحر المتوسط ما بين 340 إلى 360 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، تتراوح قيمتها المالية ما بين 700 مليار دولار و3 تريليونات دولار.

2- التعاون بين الدول الأعضاء في ترسيم حدودها الاقتصادية، فبخلاف فلسطين، تم توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية ما بين الدول الأعضاء؛ حيث تم التوقيع بين مصر وقبرص عام 2003، ومصر وإسرائيل عام 2005، وقبرص وإسرائيل عام 2010، وإيطاليا واليونان يونيو 2020، وأخيرًا مصر واليونان أغسطس 2020.

يضاف إلى ذلك ما تلقاه المنتدى من دعم دول كبرى كالولايات المتحدة وفرنسا. ففي السادس عشر من يناير 2020، تم الإعلان عن طلب فرنسي بشكل رسمي بشأن الانضمام إلى عضوية المنتدى، كما أبدت الولايات المتحدة رغبتها -هي الأخرى- في الانضمام إلى المنتدى كمراقب بصفة دائمة.

وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه المنتدى، فقد أشار التقرير لمجموعة من التحديات، منها:

1- عدم الاستقرار بدول مشاطئة لمنطقة شرق المتوسط كسوريا وليبيا ولبنان، كذلك غياب ترسيم الحدود البحرية ما بين إسرائيل ولبنان، هذا إلى جانب النزاع الفلسطيني الإسرائيلي الممتد، الذي انعكس بدوره على عرقلة الجانب الإسرائيلي لأعمال الإنتاج داخل الحقول الفلسطينية (غزة مارين، مارين2)، وتقويض إسرائيل أيضًا لأي محاولات من شأنها تطوير تلك الحقول، أو تصدير الناتج عنها إلى الأسواق العالمية.

2- التحدي التركي؛ حيث ترى تركيا أن إنشاء هذا المنتدى يستهدفها بالأساس، ولذلك اتخذت مجموعة من الإجراءات التي تعرقل إمكانية نجاح هذا المنتدى، منها: قيام تركيا بوضع رؤيتها الخاصة إزاء ترسيم حدودها البحرية بمنطقة شرق المتوسط (وفقًا لما يُعرف بإستراتيجية “الوطن الأزرق”، التي صكها الخبير العسكري التركي “كيم جوردينيز” في عام 2006، التي تشير إلى المناطق البحرية التي يجب أن تقع تحت السيادة التركية، وشملت “المناطق الاقتصادية التركية” في بحار إيجه والمتوسط والأسود، أي مسافة 200 ميل بحري في مختلف الاتّجاهات)، وتقتطع تلك الرؤية التركية أجزاء من المنطقة الاقتصادية لكل من قبرص واليونان. كما انتهجت أنقرة منحى تصعيديًّا بالمنطقة، تمثل في توقيف البحرية التركية لسفن الشركات الدولية العاملة بالمنطقة، علاوة على إجراء مناورات عسكرية، ومرافقة سفن عسكرية لسفن التنقيب التركية.

وأخيرًا، عاودت تركيا العمل على إضفاء الشرعية على تحركاتها الاستكشافية والتصعيدية بالمنطقة، وذلك عبر توقيعها في نوفمبر 2019 مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق الليبية، متعلقة بتأطير التعاون الأمني والعسكري، وتحديد مناطق السيادة البحرية. وهو الاتفاق الذي ينظر إليه باعتباره انتهاكًا للسيادة البحرية لكل من اليونان وقبرص؛ نظرًا لوجود كليهما بمنتصف طريق الحدود التي يحاول الاتفاق تحديدها. كما أن هذا الاتفاق يهدف إلى عرقلة مشروع أنابيب “إيست ميد”، وهو المشروع الذي تقوم به كل من إسرائيل وقبرص واليونان لنقل الغاز إلى أوروبا.

الأزمة الليبية

– انفراجة سياسية في الأزمة الليبية .. المؤشرات والمعوقات:

تشهد الأزمة الليبية مجموعة من المؤشرات التي توحي بأنها تتجه نحو الانفراج، أبرزها:

1- إعلان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، 16 سبتمبر 2020، عن اقتراب المسؤولين الأتراك والروس من اتفاق حول معايير وقف إطلاق النار والعملية السياسية في ليبيا. ويأتي هذا التوافق بعد جولة من المشاروات بين تركيا وروسيا حول الوضع في ليبيا؛ حيث جرت ثلاث جولات بين الطرفين، أولها في 21 و22 يوليو في أنقرة، ثم جولة ثانية بموسكو في 31 أغسطس و1 سبتمبر، وآخرها في أنقرة يومي 15 و16 سبتمبر 2020.

2- الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن ليبية في مختلف المناطق في الغرب والشرق، التي كان من نتائجها قيام الطبقة السياسية بتقديم بعض التنازلات، ففائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق أعلن استعداده تسليم السلطة التنفيذية للجهة التي ستختارها لجنة الحوار المشتركة بين مجلس النواب والدولة. كما أن رئيس الحكومة المؤقتة عبد الله الثني، قدم استقالته لرئيس برلمان طبرق (شرق) عقيلة صالح. بينما قرر حفتر فتح قطاع النفط بعد إغلاقها لمدة ثمانية أشهر.

3- لقاء وفد من مجلس نواب طبرق بوفد من المجلس الأعلى للدولة في مدينة بوزنيقة المغربية، ورغم أن اللقاء لم يخرج سوى باتفاق حول آليات توزيع المناصب السيادية، إلا أنه شكل انطلاقة للحوار السياسي، والمقرر أن يستأنف في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر. كما أن لجنة الحوار ستوكل لها مهمة أساسية، تتمثل في اختيار رئيس مجلس رئاسي جديد خلفًا للسراج، لكن مع نائبين فقط، بدل 8 أعضاء، ورئيس حكومة منفصل عن الرئاسي، خلال اجتماع من المقرر أن يعقد في جنيف أكتوبر المقبل.

4- اقتراب تعيين مبعوث أممي جديد، فمنذ ستة أشهر لم يتم اختيار خليفة للمبعوث الأممي السابق غسان سلامة؛ بسبب إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على تعيين رأسين للبعثة الأممية؛ الأول مبعوث خاص للأمين العام، والثاني منسق للبعثة التي تضم نحو 200 موظف أممي.

وفي 15 سبتمبر، وعقب تمديد مجلس الأمن ولاية البعثة الأممية في ليبيا لمدة عام كامل، وموافقته على المقترح الأمريكي، حثت خمس دول أوروبية (بلجيكا وإستونيا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا)، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على “تعيين مبعوث خاص لليبيا، في أسرع وقت ممكن”. ومن شأن تعيين مبعوث أممي جديد تسريع الحوار السياسي بين أطراف النزاع الرئيسة، بالإضافة إلى الحوار العسكري ضمن لجنة 5 + 5 (خمسة ضباط من الجيش الليبي وخمسة من مليشيات حفتر)[6].

ولكن على الرغم من مؤشرات النجاح السابقة، إلا أن هناك مجموعة من العوامل التي قد تتسبب في إفشال حل الأزمة الليبية، يأتي على رأسها التوافق حول الشخصيات التي ستشكل المجلس الرئاسي الجديد.

فبعد أن كان هناك ما يشبه التوافق الإقليمي والدولي على أن يكون عقيلة صالح ممثل الشرق في المجلس الرئاسي الجديد، وكانت آخر هذه المؤشرات إعلان الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات عن صالح، على خلفية إدراج الاتحاد الأوروبي عقيلة صالح على القائمة السوداء منذ 2016، متهمًا إياه بعرقلة جهود السلام[7]. وأن يكون وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا، المدعوم من قبل تركيا وأمريكا، ممثلًا للغرب، وكانت آخر مؤشرات ذلك هو عودة باشاغا مرة أخرى وزيرًا للداخلية، بعد أن قام السراج بتوقيفه والتحقيق معه.

إلا أن هناك محاولات من قبل بعض الشخصيات لقطع الطريق على هذه الترتيبات، ويأتي على رأس تلك الشخصيات كل من خليفة حفتر، قائد ما يسمى بالجيش الليبي في الشرق، وأحمد معيتيق نائب رئيس المجلس الرئاسي في الغرب. فقد خرج حفتر ومعيتيق ببيانين منفصلين، ولكنهما متزامنان، 18 سبتمبر 2020، أعلنا فيهما عن التوصل إلى اتفاق باستئناف ضخ النفط بعد تسعة أشهر من إغلاق حقوله ومنشآته. وهو الاتفاق الذي جاء برعاية روسيا، التي استضافت اجتماعات أمراجع غيث، وزير المالية في الحكومة المؤقتة في الشرق، وأحمد معيتيق في مدينة سوتشي الروسية؛ من أجل استئناف عملية النفط. ويبدو أن هذا الاتفاق محاولة من قبل روسيا لقطع الطريق على المحاولات الأمريكية التي تسعى إلى إخراج مرتزقة فاغنر الروسية من منطقة الهلال النفطي، كشرط لعملية إعادة إنتاج النفط، التي كان آخرها جعل منطقة سرت والجفرة منطقة منزوعة السلاح[8].

كما أنه من غير المستبعد أن يتم اللجوء إلى شخصيات لم يقترحها أحد، كما في حالة السراج وفريقه سابقًًا. كذلك، تبرز ضرورة المصادقة على المجلس الجديد بالأغلبية من البرلمان و”المجلس الأعلى للدولة”؛ الأمر الذي فشل في حالة حكومة الوفاق[9].

الاتحاد الأوروبى و تركيا

– اجتماع الاتحاد الأوروبي، وإمكانية فرض عقوبات على تركيا:

يتوقع العديد من المحللين أن تخرج القمة الأوروبية ببيان تضامن لا لبس فيه إلى جانب اليونان، فذلك مقتضى عضويتها (مع قبرص اليونانية) فيه، إضافة لتزايد أهمية فكرة التضامن داخل الاتحاد بعد “البريكست” والأزمات الأخرى التي يواجهها، فضلا عن تحريض دول عديدة -في مقدمتها فرنسا- ضد تركيا.

وهناك توقعات أيضًا بأن يطلب الاتحاد مطالب واضحة من تركيا، في مقدمتها وقف أنشطة المسح والتنقيب، وتهيئة الأجواء لحوار بناء مع اليونان، والتلويح بعقوبات إن رفضت أنقرة ذلك. وهو -كما يبدو- موقف مبدئي قابل للتطوير لاحقًا حسب المستجدات، وخصوصًا رد تركيا. وقد يصدر كذلك عن القمة بعض العقوبات الخفيفة أو الهامشية؛ لإرضاء اليونان وبعض الدول ذات المواقف المتشددة[10].

وفي المقابل، هناك ترجيحات بألا يقوم الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات كبيرة ومؤثرة على تركيا؛ وذلك لمجموعة من الأسباب، منها:

1- انقسام المشهد الأوروبي بشكل كبير بين معسكرين أساسيين تجاه طريقة التعامل مع تركيا؛ أحدهما يرى ضرورة كبح جماح أنقرة، وإجبارها على تغيير سلوكها، عبر فرض عقوبات، وتبني موقف أوروبي موحد، في حين ترى الكتلة الثانية ضرورة العمل على احتواء الموقف، والبعد عن التصعيد، وذلك من خلال الحوار. يأتي على رأس الكتلة الأولى كل من اليونان وفرنسا، في حين يأتي على رأس الكتلة الثانية كل من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا[11].

2- يدرك الاتحاد الأوروبي أن عقوبات كبيرة على تركيا ستعني انحيازًا كاملا ونهائيًّا منه إلى جانب اليونان ضد تركيا، ما سيخسره ثقة الأخيرة، وبالتالي يفقده قدرته على لعب دور الوسيط مستقبلا، وهو الدور الذي ما زال حريصًا عليه.

3- يدرك الاتحاد أن العقوبات -ولا سيما السياسية والاقتصادية- ليست ذات تأثير كبير على تركيا أو غيرها من الدول، وأنها -في كثير من الأحيان- لا تعدو كونها تصديرًا لموقف أكثر منها أداة لتغيير سياسيات الدول.

4- صدور تصريحات أوروبية كثيرة، تركز على فكرة الحوار مع تركيا، والرغبة في الحفاظ على العلاقات معها، كان آخرها تغريدة الرئيس الفرنسي التي نشرها باللغة التركية، في 19 سبتمبر 2020، التي دعا فيها تركيا لإعادة فتح حوار مسؤول مجددًا بخصوص شرق المتوسط[12]. بجانب الاتصال الهاتفي الذي جمع الرئيس التركي والفرنسي، في 22 سبتمبر 2020، وهو الأول بين الجانبين عقب أسابيع من تصاعد التوتر بينهما، وتأكيد الجانبين -خلال الاتصال- على ضرورة احتواء التوتر في شرق المتوسط، عبر “الحوار المشترك”[13].

5- تواصل اللقاءات العسكرية التركية اليونانية برعاية حلف شمال الأطلسي “الناتو” في مقر الحلف بالعاصمة البلجيكية بروكسل، الذي وصل حتى يوم 22 سبتمبر 2020 إلى خمسة لقاءات؛ بهدف الوصول لتخفيف التوتر بينهما في شرق البحر المتوسط.

كما أعلنت وزارة الخارجية اليونانية، 22 سبتمبر 2020، عن قرب انطلاق الجولة الـ 61 من المباحثات الاستكشافية مع تركيا في مدينة إسطنبول. فقد انطلقت الجولة الأولى من المحادثات الاستكشافية بين البلدين حول التنقيب في المناطق المتنازع عليها شرق البحر المتوسط عام 2002، وانعقدت آخر جولة منها ورقمها 60، في 1 مارس 2016 بالعاصمة اليونانية أثينا. وبعد ذلك التاريخ، استمرت المفاوضات بين البلدين على شكل مشاورات سياسية، دون أن ترجع إلى إطار استكشافي مجددًا[14].

6- دعوة أنقرة المتكررة للحوار، وتعاطيها الإيجابي مع الوساطات والمبادرات، مع الوساطة الألمانية في البداية، ثم مع مبادرة حلف شمال الأطلسي، ثم قرار سحب سفينة عروج رئيس قبل القمة، وهي السفينة التي أرسلت مرفوقة بأسطول حربي إلى المنطقة المتنازع عليها في شرق البحر المتوسط، والتي أثارت توترات مع اليونان، فضلا عن تأكيد الرئيس التركي طيب أردوغان بأنه مستعد للقاء رئيس الوزراء اليوناني ثنائيًّا، أو بحضور طرف ثالث؛ من أجل إعطاء الدبلوماسية كل فرصة ممكنة، والاستماع لكل دعوة مخلصة.

7- هناك منظومة طويلة من المصالح والمهددات المشتركة وأوراق القوة والضغط المضاد التركية التي يمكن أن توازن (ولو نسبيًّا التيار الدافع باتجاه العقوبات)[15]، فقد تلجأ تركيا إلى خيار التحالف مع روسيا، أو تعليق عضويتها في الناتو، أو السيطرة على الجزر المتنازع عليها، أو السماح للقبارصة الأتراك بتنظيم استفتاء يتيح لهم الانضمام إلى تركيا، إضافة إلى ورقة اللاجئين، وكل هذه الأوراق ستكون مزعجة للأوروبيين، كما أن سلامة المنطقة والاستفادة منها مرهون بموافقة تركيا، وهذا ما تدركه أغلب الدول الموجودة في خارطة الصراع[16].

8- أن أي قرارات أو ضغوطات أو عقوبات من الاتحاد الأوروبي لن تؤدي إلى تغيير موقف تركيا، التي تَُعدُّ أزمة شرق المتوسط في صلب أمنها القومي وحقوقها في ثروات المتوسط، وهي حقوق غير قابلة للتنازل بالنسبة لها[17].

9- رفض الولايات المتحدة لفرض عقوبات على تركيا، خصوصًا أن محادثات تقنية جرت برعاية الحلف الأطلسي في العاصمة البلجيكية؛ لخفض التصعيد بين اليونان وتركيا، فواشنطن لن تقبل بأن تصل الأمور إلى حد الاشتباكات المسلحة بين عضوين أطلسيين، قبل أسابع قليلة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية[18].

يبدو أن تنظيم داعش على موعد جديد من الازدهار، في ظل تطور وتجدد عملياته الإرهابية؛ حيث قام بعملية في شمال لبنان، وتترقّب الأجهزة الأمنية؛ للتأكد من مصدر العملية، في وقت سأل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي عن سرّ وتوقيت ظهور هذه المجموعات كل مرة، في لحظة سياسية يكون فيها حزب الله محرجًا في الداخل، وذهب بعضهم إلى حد السؤال: هل هذه المجموعات التي نقلها الحزب في باصات مكيّفة من الجرود الشرقية هي نفسها التي دخلت من الشباك الشمالي؟

وكانت عملية أمنية نفّذتها القوة الضاربة في فرع المعلومات بمؤازرة الجيش اللبناني في الساعات القليلة الماضية، وأسفرت -بحسب بيان صادر عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي- عن تطويق 15 مسلّحًا إرهابيًّا تابعين لخلية خالد التلاوي، كانوا يتحصّنون في جبل الفرض في وادي خالد بمحاذاة الحدود اللبنانية السورية، والاشتباك معهم، ومقتل أفراد هذه المجموعة.

وجاء في البيان: “في إطار متابعة شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي لمنفّذي جريمة كفتون، تمكّنت هذه الشعبة من تحديد هوية الفاعلين، وعددهم 4 أشخاص، الذين تبيّن أنهم جزء من خلية تعمل لصالح تنظيم الدولة في لبنان. بنتيجة المتابعة الاستعلامية والميدانية، تمكنت شعبة المعلومات من تحديد هويات جميع أعضاء المجموعة الإرهابية، وعددهم أكثر من 15 شخصًا، يعملون تحت إمرة السوري (م. ح)، بحيث أوقفت 3 من أعضاء المجموعة”.

وأضاف: “بتاريخ 26-9-2020، توصّلت الشعبة إلى تحديد مكان وجود أعضاء المجموعة الإرهابية في منطقة وادي خالد في منزل منعزل، فجرى تنفيذ عملية أمنية لمحاصرة المنزل من قبل القوة الضاربة في الشعبة. بادر عناصر المجموعة بإطلاق النار من أسلحة خفيفة ومتوسطة باتجاه القوة، فتم الردّ عليهم؛ ما أدى إلى قتل جميع الإرهابيين”[19].

لكن العملية لم تنته عند هذا الحد؛ بل إن مسلحين في سيارة عمدوا إلى إطلاق النار على أحد مراكز الجيش في المنية؛ ما أدى إلى مقتل عسكريين.

ولفت بيان لقيادة الجيش إلى أنه “بتاريخ حوالي الساعة 1.00، أقدم إرهابيون يستقلّون سيارة على إطلاق النار باتجاه عناصر الحرس في أحد مراكز الجيش في محلة عرمان – المنية، وقد ردّت العناصر على مصدر النيران بالمثل. ونتج عن ذلك استشهاد عسكريين اثنين، بالإضافة إلى مقتل أحد الإرهابيين، وقد فرّ الإرهابيون الآخرون إلى جهة مجهولة”.

وفي ذلك الإطار، سيؤثر هذا الحادث على استقرار الدولة اللبنانية، ومصير الحراك، أكثر من أي وقت مضى، في ظل تدهور الأوضاع، واقترابها من الانفجار.

وهناك من يتهم حزب الله، بأن له دورًا في السماح لهذه العملية بأن تتم، وهو ما يعني أن المشهد السياسي اللبناني، سيشهد أوضاعًا استقطابية جديدة، في ظل تبادل الاتهامات، ولن يجد المواطن اللبناني من يشعر بآلامه الاقتصادية والاجتماعية في تلك الآونة.

 

[1]                       أي من أهل وسكان المدن والحواضر.

[2]                      “اعتراضًا على التطبيع .. فلسطين تتخلى عن رئاسة مجلس الجامعة العربية”، تي أر تي عربي، 22/9/2020، الرابط: https://bit.ly/3kLbnd5

[3]                      “اجتماع بين حركتي حماس وفتح في تركيا لاستكمال الحوارات”، المركز الفلسطيني للإعلام، 22/9/2020، الرابط: https://bit.ly/3hZAYNo

[4]                      “فلسطين تتغيب عن حفل إطلاق “منتدى غاز شرق المتوسط””، القدس العربي، 22/9/2020، الرابط:  https://bit.ly/3cwCLIH /

[5]                      “مستقبل منظمة منتدى غاز شرق المتوسط ما بين الفرص والتحديات”، المرصد المصري، 22/9/2020، الرابط: https://bit.ly/2G6FdJI

[6]                      “مؤشرات داخلية ودولية لبداية انفراج الأزمة الليبية (تحليل)”، الأناضول، 22/9/2020، الرابط: https://bit.ly/3iXoMhr

[7]                      “الاتحاد الأوروبي يرفع اسم عقيلة صالح من لائحة العقوبات”، عربي 21، 22/9/2020، الرابط: https://bit.ly/3iYJhKS

[8]                      “صمت دولي ومعارضة داخلية يهددان بتقويض اتفاق حفتر – معيتيق”، العرب، 21/9/2020، الرابط: https://bit.ly/2Ewg378

[9]                      “اتفاقات ليبيّة أوّليّة: نحو فشل متجدّد؟”، الأخبار، 19/9/2020، الرابط: https://bit.ly/33V0uyw

[10]                    “القمة الأوروبية: هل ستفرض عقوبات على تركيا؟”، عربي 21، 21/9/2020، الرابط: https://bit.ly/3kC7Ldc

[11]                    “موقف الاتحاد الأوروبي من السلوك التركي: إجماع على الإدانة وانقسام حول العقوبات”، المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، 21/9/2020، الرابط: https://bit.ly/3hWYQRQ

[12]                    “القمة الأوروبية: هل ستفرض عقوبات على تركيا؟”، مرجع سابق.

[13]                    “توافق تركي يوناني لإجراء محادثات حول التنقيب شرق المتوسط”، عربي 21، 23/9/2020، الرابط: https://bit.ly/3mIqoOB

[14]                    المرجع السابق.

[15]                    “القمة الأوروبية: هل ستفرض عقوبات على تركيا؟”، مرجع سابق.

[16]                    “أبعاد الخلاف التركي اليوناني ومآلاته”، مركز الفكر الإستراتيجي للدراسات، 8/9/2020، الرابط: https://bit.ly/33NuU5L

[17]                    “القمة الأوروبية: هل ستفرض عقوبات على تركيا؟”، مرجع سابق.

[18]                    “قمة القادة الأوروبيين أمام إشكالية فرض عقوبات على تركيا”، مرجع سابق.

[19]                    مقتل 15 مسلّحًا في عملية أمنية في لبنان، وإطلاق نار على مركز للجيش يقتُل عسكريْين، القدس العربي، 26/9/2020

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022