صعود السيسي كما ترصده ايميلات هيلاري كلينتون

 

تبقى ثورة يناير، والمرحلة الانتقالية التي تلتها، والسنة التي حكمها الرئيس مرسي، في حاجة لدراسات عدة، تجمع تفاصيل الصورة، وتستكشف أبعادها، وتحاول تقديم تفسيرات مناسبة لما حدث وتطوراته، كما يجدر على المهتمين بدراسة هذه الفترة، أن يقفوا على الشهادات والمراجعات والوثائق التي تغطي هذه الفترة، لأهميتها في تكوين تصور واقعي ومنطقي عما حدث، ومن الوثائق الهامة عن هذه الفترة ما جاء في إيميلات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، في الفترة من 2011 وحتى 2013، عن تطورات هذه المرحلة في مصر، نحاول في هذه السطور أن نسلط الضوء على الصعود السريع للسيسي في تلك الفترة الهامة من تاريخ الثورة في مصر، مستفيدين مما جاء في هذه الايميلات، ونحاول تسليط الضوء على العوامل التي تقف وراء هذا الصعود.

 

لحظة الإعلان الدستوري المكمل:

في الوثيقة التي أرسلتها شخصية أمنية أمريكية، إلى وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون، بتاريخ 26 نوفمبر 2012، بعنوان: “السياسة الداخلية المصرية بشأن استحواذ مرسي على السلطة”، وتتناول كواليس ما جرى في مؤسسة الرئاسة، بعد إصدار الرئيس محمد مرسي إعلانا دستوريا في 22 نوفمبر 2012، وقد أثار جدلا كثيرا في أوساط المصريين آنذاك[1].

وكان الإعلان الدستوري الذي أعلنه الرئيس مرسي قد تضمن (إعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم القتل، والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين، وجرائم الإرهاب التي ارتكبت ضد الثوار، مع اعتبار الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد نهائية ونافذة بذاتها، وغير قابلة للطعن عليها، وإقالة النائب العام المعين من قبل حسني مبارك المستشار عبد المجيد محمود، وتحصين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور ضد الحل من قبل أي جهة قضائية، وتمديد عمل الجمعية التأسيسية لعمل مشروع الدستور لمدة شهرين)[2].

وقد جاء في الوثيقة أن الرئيس المصري محمد مرسي وبعد مناقشات له، في 25 نوفمبر 2012، مع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، التقى مع وفد من كبار القانونيين والقضاة في محاولة منه لشرح ملابسات قراره بإعلان صلاحيات رئاسية استثنائية، بما في ذلك الحد من سلطة القضاة في الحكم على شرعية المراسيم الرئاسية، وأن بديع كان يرى أن هذا التطور يعتبر فرصة لترسيخ سيطرة جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة على المشهد السياسي في مصر، بينما كان مرسي يتوقع احتجاجاً شعبياً على قراره، لكنه تفاجأ بمستوى العنف الذي وقع، لا سيما بين المتظاهرين العلمانيين/الليبراليين وأنصار الإخوان المسلمين، وقد كان الاجتماع مع القضاة يستهدف كسب تفهمهم، إن لم يكن دعمهم، بخصوص توسيع السلطات، خفض مستوى العنف المرتبط بالاحتجاجات، حتى مع استمرار التظاهرات[3].

كما ذكرت الوثيقة، أن الفريق أول عبدالفتاح السيسي، كان وزير الدفاع وقتها، قال في عصر 25 نوفمبر 2012، أن الرئيس مرسي قبل أن يعلن إعلانه الدستوري طلب من الجيش تأكيدات تثبت دعمه وعدم رفضه لهذه الخطوة، وقال السيسي لمرسي ​​إن الجيش سيدعمه وإذا لزم الأمر سيعمل على الحفاظ على النظام العام، لكنه اقترح بشدة أن يعتمد الرئيس على قوة الشرطة الوطنية للسيطرة على التظاهرات، ووافق مرسي على ذلك[4].

وبالتالي يبدو مما ورد في هذه الوثيقة، أن المؤسسة العسكرية، بقيادة السيسي في هذا التوقيت أعربت عن دعمها للرئيس مرسي بعد الإعلان الدستوري الذي أصدره، رغم علمها بما سيجره الإعلان من معارضة ورفض واسع، سواء من جانب السلطة القضائية، أو من جانب الشارع السياسي، بل كشفت الوثيقة عن تعاون المؤسسة العسكرية والمخابرات العسكرية مع الرئيس مرسي في مواجهة تداعيات الإعلان الدستوري؛ حيث طالب السيسي المخابرات العسكرية بشكل سري بإبقاء بعض القضاة والقيادات العلمانية / الليبرالية الذين تم تحديد أسمائهم تحت المراقبة، لا سيما مع تطور المظاهرات العنيفة بشكل متزايد، وكانت المخابرات العسكرية تتابع أيضاً قادة حزب النور السلفي، الذين يعتقد مرسي أنهم لا يدعمون رؤيته الأكثر اعتدالًا بخصوص إقامة دولة إسلامية.

هذا التأييد يسلط الضوء على أحد أسباب ثقة الرئيس مرسي وجماعة الإخوان في السيسي وزير دفاعه، فالرجل ومن خلفه المؤسسة العسكرية أكدت وقوفها بجانب السلطة القائمة، في مواجهة الرفض المتوقع للإعلان الدستوري المكمل، لكن هذا التأييد المعلن من المؤسسة العسكرية يبقى مجهول الدوافع؛ فهل كان من باب إلتزام العسكريين بتأييدهم للنظام القائم، حتى لو كان من الإسلاميين، أم كان من باب تأجيج الانقسامات داخل الصف الثوري، وبين القوى الجديدة المحسوبة على الثورة، والطامحة للمشاركة في السلطة، يبقى هذا مجهولاً.

 

إقالة المجلس الأعلى للقوات المسلحة:

بحسب الوثيقة نفسها، ففي أغسطس 2012، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، استطاع مرسي بمعاونة السيسي وقيادة جهاز المخابرات العسكرية أن يتفوق على رئيس الدولة بالإنابة المشير محمد حسين طنطاوي، وعلى رئاسة البرلمان، وعلى أعلى المستويات القيادية داخل الإخوان / حزب الحرية والعدالة (بعد القرارات التي اتخذها بإحالة طنطاوي وعنان وآخرين للتقاعد وتعيين السيسي وزيراً للدفاع).

وبحسب الوثيقة أيضاً، فإن السيسي والضباط الأصغر منه سناً، والذين كانوا يسيطرون حينذاك على الجيش المصري، كانوا مستعدين لقبول محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك وأعضاء حكومته، شريطة عدم تقديم طنطاوي وغيره من كبار قادة الجيش للمحاكمة، وقد أكد لهم الرئيس مرسي أنه سيفي بالالتزامات التي قطعها على نفسه تجاه طنطاوي في أغسطس 2013، عندما تولى السيسي والضباط الأصغر سناً قيادة الجيش.

ومن ثم كان هناك إيحاء دائم من المؤسسة العسكرية والسيسي بأنهم لا يناهضون حكم جماعة الإخوان، ولا يرفضون بقاء الرئيس مرسي في الحكم، ما دام الأخير يحفظ للعسكريين مكانتهم في المجتمع، فلا يقدم كبار قادة الجيش للمحاكمة، وفي حال إلتزام الرئيس بهذا الخط فإن الجيش في صف الرئيس ضد جميع مناوئيه سواء كانوا من القضاة أو كانوا من رفاق الصف الثوري السابقين.

في ظل هذا التعاون الوثيق بين الرئيس والمؤسسة العسكرية في تلك الفترة، كانت علاقة الرئيس بجماعته ليست على سابق عهدها، فبحسب الوثيقة، كانت هناك خلافات بين الرئيس والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، منذ الانتخابات الرئاسية التي فاز بها مرسي وحتى الإعلان الدستوري للرئيس مرسي، حيث كان بديع يرى أن مرسي يعمل باستقلالية تامة عن قيادة جماعة الإخوان المسلمين، في حين أنه –أي الرئيس- في هذا الوقت كان في حاجة إلى دعمهم القوي، بل إن الدكتور محمد بديع أسرّ إلى مستشاريه، بأنه كان أيضاً يخشى أن يشعر مرسي بالراحة في منصبه، وألا يكون مستعداً للتخلي عن سلطاته الموسعة في منتصف عام 2013 كما وعد، وفي اعتقاد بديع، أنه إذا حدث هذا، فإن بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين سينضمون أيضاً إلى المتظاهرين العلمانيين / الليبراليين في الاحتجاجات ضد نظام مرسي.

لم تقف خلافات الرئيس مع رفاقه –بحسب الوثيقة- عند هذا الحد، بل كانت هناك خلافات أيضاً بين الرئيس ومحمد سعد الكتاتني رئيس البرلمان، والذي كان يرى ضرورة أن تكون الحكومة تحت هيمنة البرلمان الذي يسيطر عليه حزب الحرية والعدالة، وأن البرلمان، وليس الرئيس، هو الذي يجب أن يختار رئيس الوزراء.

لكن هل يمكن أن تدفعنا هذه الملابسات للقول، أن النخبة العسكرية بدأت التخطيط للإنقلاب على السلطة المنتخبة منذ لحظة إعلان “مرسي” أول رئيس مدني منتخب للبلاد، وأن إظهار التأييد للرئيس مرسي لحظة الإعلان الدستوري، وفي قرار إقالة قادة المؤسسة العسكرية “طنطاوي” و”عنان”، كانا جزءاً من مخطط الإنقلاب، بهدف شق الصف الثوري وتأجيج الاستقطاب وفصل الرئيس عن القوى الداعمة له.

 

رؤية الاخوان للدولة الاسلامية وكيف استغلها العسكريين:

في وثيقة أخرى مرسلة من وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون إلى مصدر في مكتب الرئيس الأمريكي، مؤرخة بـ 17 ديسمبر 2011، بعنوان “السياسة والأمن المصري / الجيش والإخوان المسلمين”، تتحدث عن وضع الإخوان لخطط لإدارة الشؤون الأمنية في مصر بعد اعتماد دستور جديد وانتخاب حكومة مدنية عام 2012، تنقل الوثيقة نقاشات مرشد الجماعة محمد بديع، ورئيس حزب الحرية والعدالة محمد مرسي، عن شكل وتوجهات الحكومة القادمة والوضع الاقتصادي للبلاد والعلاقات مع الغرب[5].

تقول الوثيقة أن مرشد جماعة الإخوان، كان يرى أن مصر الجديدة ستكون إسلامية، قائمة بشكل ما على النموذج التركي، مع ضرورة أن تؤسس الحكومة المصرية القادمة والجيش لعلاقة عمل بينهما تكون قائمة على المبادئ الإسلامية، وأن الجماعة واثقة من قدرتها على تأسيس بيئة أعمال من شأنها تعزيز التعاون مع الشراكات الغربية، وأن الجماعة والحزب سيتخذان مسار تأسيس نظام إسلامي في مصر، مع الأخذ في الاعتبار أن يتم التقدم في ذلك بوتيرة معقولة، وأن يتجنب إثارة قلق الرتب العليا في الجيش في ظل المجلس الأعلى للقوات المسلحة القائم آنذاك، أو قلق الحكومات الغربية المعنية.

وتنقل الوثيقة عن مصادرها أن الجماعة تراقب بهدوء آراء صغار الضباط وضباط الصف والجنود في الجيش المصري، ويعتقدون أن ما يصل إلى 90% من هذه القوات سيؤيدون تشكيل حكومة تتبع المبادئ الإسلامية الصارمة، وأن الجماعة وحزب الحرية والعدالة أجريا استطلاعات سرية بين الضباط الصغار، كشفت أن العديد من صغار ضباط الجيش والقوات الجوية الذين سافروا إلى الولايات المتحدة للتعلم (للحصول على درجات علمية في المجال العسكري) أو تدربوا مع القوات العسكرية الأمريكية، قد عادوا إلى مصر ولديهم عداء عميق تجاه المجتمع الغربي بشكل عام، والثقافة الأمريكية على وجه الخصوص، وأنه بينما ينبهر هؤلاء الضباط الشباب بمستوى الديمقراطية في الولايات المتحدة، فإنهم يشعرون بالعداء تجاه الأنشطة التي تقوم بها المنظمات الدينية المسيحية واليهودية هناك، والتي يعتقدون أنها تناصب العداء للفكر الإسلامي[6].

هذه الوثيقة تكشف عن استنتاجين؛ الاستنتاج الأول: أن من غير المستبعد أن تكون هذه النتائج التي توصلت لها الجماعة، بخصوص وجود عداء شديد تجاه المجتمع الغربي والقيم الغربية لدى عديد من صغار ضباط الجيش الذين درسوا في الخارج، هي جزء من خطة الخداع التي تعرضت لها جماعة الإخوان والرئيس مرسي، لإيهامهم بأن الجيش لن يعارض حكمهم بل لن يعارض توجهاتهم ورغبتهم في تحكيم الشريعة وأسلمة الدولة.

الاستنتاج الثاني: أن هذه الوثيقة تكشف عن وجود مكون في الإدارة الأمريكية يسعى لتوصيل رسالة لواشنطن مفادها أن جماعة الإخوان تسعى لإحداث تغيير جذري في الدولة المصرية وتأسيس دولة إسلامية، حتى إذا تحرك الجيش للإنقضاض على السلطة المنتخبة لم تناهض واشنطن هذا التغيير، وهو ما أكدته وثيقة أخرى، جاء فيها أن بعد تولي الحكومة الجديدة ذات التوجهات الإسلامية للسلطة في مصر، لن يصبح جنرالات الجيش وكبار قادته، قادرين على السيطرة على ضباط الجيش الشباب ذات الرتب الصغيرة والتوجهات المحافظة، وأن وصول حكومة إسلامية في مصر، حتى وإن كانت معتدلة، ستعقد جهود الشركات والبنوك الغربية لممارسة الأعمال التجارية في هذه البلاد[7].

 

 

[1] عادل رفيق، رسائل كلينتون: أحداث ما بعد الإعلان الدستوري لمرسي، المعهد المصري للدراسات، 16 أكتوبر 2020، الرابط: https://bit.ly/3pAdT9f

[2] الجزيرة نت، الإعلان الدستوري للرئيس محمد مرسي، 7 ديسمبر 2012، الرابط: http://bit.ly/2LVcoTw

[3] عادل رفيق، رسائل كلينتون: أحداث ما بعد الإعلان الدستوري لمرسي، مرجع سابق.

[4] المرجع السابق.

[5] عادل رفيق، رسائل كلينتون: الإخوان والحكم الإسلامي في مصر، المعهد المصري للدراسات، 15 أكتوبر 2020، الرابط: https://bit.ly/3filWCL

[6] عادل رفيق، رسائل كلينتون: الإخوان والحكم الإسلامي في مصر، المعهد المصري للدراسات، 15 أكتوبر 2020، الرابط: https://bit.ly/3filWCL

[7] عادل رفيق، رسائل كلينتون: خطط الإخوان لمواجهة ذرائع المجلس العسكري، المعهد المصري للدراسات، 16 أكتوبر 2020، الرابط: https://bit.ly/3fa4al4

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022