مغزى زيارة وزير الاستخبارات الإسرائيلية للسودان.. توقيتها وتأثيراتها

 

 

في أول زيارة رسمية معلنة لمسئول إسرائيلي إلى السودان، جاءت زيارة وزير الاستخبارات الإسرائيلي، إيلي كوهين، إلى الخرطوم، في سرية دون الافصاح من الجانب السوداني عن تفاصيلها.

فبحسب صحيفة “إسرائيل هيوم”، جرت عدة تفاهمات حول قضايا أمنية بالدرجة الأولى، نحو “تبادل فتح سفارات بأقرب وقت”.. كما تخللت لقاءات الوفد الإسرائيلي مناقشة عدد من القضايا، بينها موضوع مكافحة الإرهاب، إلى جانب التعاون في مجالات عدة خصوصاً المياه والزراعة والطاقة والطيران والصحة والبنية التحتية.

حيث اصطحب كوهين في زيارته طواقم من مجلس الأمن القومي ووزارة الاستخبارات ومسؤولين من وزارات إسرائيلية أخرى، تناولت الاستقرار الأمني الإقليمي الضروري، لتطوير العلاقات الاقتصادية وتعميق التعاون الاستخباراتي. كما طُرح خلال المحادثات اقتراح لضمّ إسرائيل لـ”مجلس دول البحر الأحمر”، الذي يضم في صفوفه أيضاً كلاً من السعودية ومصر.

أما في المجال الاقتصادي، فقد طرح الطرف الإسرائيلي سلسلة من المشاريع الاقتصادية المشتركة المحتملة، مع التركيز على مجالات المياه والزراعة والطاقة المتجددة والصحة والطيران. وبحسب “الأناضول”، طرحت مقترحات للتعاون أيضاً في مجال مشاريع بنى تحتية ومنشآت لتحلية المياه وتبادل الوفود التجارية لشركات إسرائيلية، لتطوير بنى تحتية في القضايا المذكورة. ووفقاً للصحف الإسرائيلية، فقد استعرض الجانب السوداني التقدم في مسألة إلغاء قانون المقاطعة ضد إسرائيل، وأيضاً تعديل القانون الذي يفرض السجن على اللاجئين السودانيين، بمن فيهم الذين هاجروا إلى إسرائيل،نحو الغائه.

ونقلت وكالة “رويترز” عن  هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، إن “كوهين أجرى زيارة تاريخية للسودان، مساء الإثنين، في أول زيارة رسمية علنية لوزير إسرائيلي للدولة العربية بعد التطبيع بين البلدين، وتابعت هيئة البث أن مسؤولين إسرائيليين في هيئات مختلفة، رافقوا كوهين، في الزيارة، واجتمعوا مع نظرائهم في الخرطوم، وأن وفدا سودانيا سيزور إسرائيل “قريبا“.، وهو ما لم تعلق عليه السودان.

وفيما أعلن كوهين عن اجتماعه، خلال زيارته إلى الخرطوم، بكل من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ووزير الدفاع الفريق يسن إبراهيم يسن عبد الهادي، فيما كشف مصادر حكومي لـ”العربي الجديد” إن الوفد الإسرائيلي التقى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. وهو ما نفاه مقربون من حمدوك..

 

أولا:  سياقات  الزيارة:

وقد حملت زيارة أكبر مسئول اسرائيلي للسودان بشكل علني العديد من الأهداف والمغازي بجانب السياق الدولي والإقليمي والمحلي السوداني، من ضمنها:

-الاستهداف الأمريكي الإسرائيلي :

تزامنت زيارة كوهين للسودان، مع زيارة اندرويونغ، نائب قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا لشؤون الارتباط المدني العسكري، في زيارة تستغرق يومين، طبقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الحكومية. ويبحث المسؤول الأميركي خلال اجتماعاته مع كل من رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء ووزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان، بناء القدرات الأمنية والدفاعية وتعزيز الأمن والاستقرار في السودان والمنطقة، وهي نفس القضايا التي تضمنتها زيارة كوهين. وهو ما يرسم ابعادا اكثر تأثيرا على العمق الاستراتيجي السوداني.

فمنذ بداية تشكيل الاستراتيجية الإسرائيلية في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ديفيد بن جوريون David Ben-Gurion، أصبح السودان محل استهداف إسرائيلي نظراً لكونه في العمق الاستراتيجي الجنوبي لمصر، وكان الاتجاه دائماً صوب تفكيك العلاقة مع مصر، ودعم الحروب الأهلية، وتمزيق السودان إلى دول وأقاليم متنازعة، وجعل السودان بؤرة توتر وقلق مصري دائم، وإضعاف السودان ومنعه من التحول إلى دولة مؤثرة أو مركزية أو محورية في محيطها الإفريقي.

وبعد تطور العلاقة المصرية الإسرائيلية في عهد عبد الفتاح السيسي، تغيّرت الاستراتيجية الإسرائيلية مؤقتاً نحو جعل السودان منطقة جذب مصرية جنوبية، تتجه إليها حركة الهجرة والعمل إذا تعرضت مصر لأي انهيار سياسي أو كارثة عامة لمنع الاتجاه صوب الشرق، كما هو حاصل في أكثر التجارب التاريخية السابقة، كما يتاح للسودان أيضاً أن يكون قادراً على امتصاص حركة النزوح والهجرة في حال انهيار الدولة الإثيوبية ذات الكثافة السكانية العالية؛ حيث استسهل الإثيوبيون الهجرة إلى “إسرائيل” الأقرب إليهم من أوروبا والأقل كلفة في الهجرة غير الشرعية، ويمكنهم الادعاء أنهم يهود فلاشا Falash Mura. وهناك سبب ثالث يفترض أن السودان قادر على استيعاب الحركات الإفريقية، الموصوفة بالتطرف القادمة من وسط إفريقيا وغربها، والتي تمتاز بمرونة الحركة، وسرعة الانتقال، وسهولة الاختراق من جهات معادية لـ”إسرائيل” ومصر الحليفة لها، لا سيّما أن هذه الحركات تتحرك في الصحراء، والخلاء الفسيح، وفق منظومة حماية قَبَلية قوية بعيداً عن نفوذ الدول الإفريقية فيها.

وهذه الاستراتيجية الجديدة ما تزال محل نقاش متقدم، وهناك ربط لهذه الاستراتيجية يشترط بأن يتحول السودان إلى مركز ثقل استراتيجي أمريكي؛ من خلال إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية استراتيجية في شرق السودان على البحر الأحمر، تهدف للتدخل السريع في إفريقيا والشرق الأوسط.

 

-السرية والالهاء استراتيجية العسكر الخطيرة:

وأمام سياقات السرية والنفي والاتهامات المتبادلة، بات يُنظر إلى النفي المتكرر من الحكومة المدنية لحدود التطبيع مع إسرائيل بكثير من التشكيك في السودان، إذ إنه في كل مرة يتم فيها نفي أي حدث ويتبين عكس ذلك، يشار إلى أن تفعيل مسارات التطبيع من قبل النظام السوداني، حوى الكثير من السياسات الملتوية لتجاوز الغضب الشعبي، من التقارب السوداني الاسرائيلي.

وحرص النظام العسكري في السودان على تمرير اتفاقات التطبيع، في اطار الترحيب الشعبي بالعرض الامريكي بحذف اسم السودان من قوائم الارهاب الدولي، وتيسير قروض امريكية لسداد ديون سودانية للمؤسسات الدولية بنحو مليار دولار، ووسط تلك الأجواء، جاء توقيع السودان على “اتفاق ابراهام”  الذي وقع بين النظام السوداني ووزير الخارجية الامريكي، وبمقتضاه يفتح باب التطبيع مع إسرائيل واسعا.

كما عمدت الحكومة الانتقالية أيضا إلى افتعال أزمة المناهج الدراسية بإصدار رئيس الوزراء عبدالله حمدوك قرارا بتجميد المناهج ومن ثم استقالة مدير مركز المناهج عمر القراي، لشغل  الرأي العام بقضايا، وحتى الخلافات في السطح بين قوى الحرية والتغيير حول التطبيع غير حقيقية، لأن رافضي التطبيع لم يستقيلوا من الحكومة..

ومن وجهة نظر الخبير القانوني ووزير الخارجية السوداني السابق الدرديري محمد أحمد، لـ”الجزيرة نت”،  فإن إسقاط اسم السودان من قائمة الإرهاب كان مجرد مناورة استبدلت فيها الولايات المتحدة وسائل ضغط قديمة بأخرى جديدة أكثر مواكبة وأشد فتكا، فالاحتفاظ باسم السودان في قائمة الدول راعية الإرهاب -حسب الخبير القانوني- “من دون مبررات وجيهة، ومن دون نجاح في ربط السودان بعملية إرهابية واحدة؛ ظل محرجا لأميركا طوال العقدين الماضيين، فكيف به بعد التغيير الذي حدث في الطبقة الحاكمة، وهكذا ضمنت أميركا أنه رغم خروج السودان من قائمة الإرهاب فإنه يظل خاضعا لإجراءاتها ويقاضى بموجب تلك الإجراءات، وربما لعقود قادمة.

كما من المتوقع في حال تعثر مسار التطبيع أو الخضوع السوداني للاملائءات الاسرائيلية أو الغربية أو الامريكية، أن يقع السودان بعد خروجه من القائمة السوداء في بعض المشكلات، ربما كانت أولاها الحصانة القانونية التي لم تشمل هجمات 11 سبتمبر 2001،  إذ أن أميركا ستحدد وسائل أخرى للضغط غير قائمة الإرهاب،كالديمقراطية وتأخير المؤسسة العسكرية السودانية اجراء الانتخابات البرلمانية، حيث غضت واشنطن الطرف عن تمديد الفترة الانتقالية في السودان؛ مما يعني عدم إجراء الانتخابات في الموعد الذي حددته الوثيقة الدستورية. فيما القانون الذي أصدره الكونغرس في مارس 2020 الخاص بدعم الحكم المدني في السودان حوى الفصل 12 الذي يتحدث عن عقوبات يمكن أن تطبق بسبب تأجيل الانتخابات.

 

-تسريع مسار التطبيع

وبحسب تقدير استراتيجي لمركز الزيتونة للدراسات، 2020،  فـ”الأزمة الاقتصادية الطاحنة في السودان، والعقوبات الأمريكية القاسية، جعلت النظام السياسي الجديد الهش يسعى مضطراً للخروج منها عبر بوابة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. ومع ذلك، يواجه مسار التطبيع عقبات كبيرة بسبب المعارضة الشعبية الواسعة وحتى من داخل المكوِّن المدني في الحكم الانتقالي، كما أن المؤسسات الدستورية لم تكتمل في السودان؛ وهو ما يجعل التطبيع جزئياً، وخاضعاً للتدرج بناء على استجابة النظام السوداني للشروط الأمريكية الإسرائيلية”.

وكان مسار التطبيع الاسرائيلي السوداني، بدأ بلقاء جمع رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مدينة عينتبي الأوغندية في فبراير 2020، وذلك بقوة دفع أميركية إماراتية. ورفضت غالبية “قوى إعلان الحرية والتغيير”، التحالف الحاكم، اللقاء وعدّته تدخلاً من البرهان في صلاحيات مجلس الوزراء، المعني أولاً وأخيراً بالسياسة الخارجية،كما رأت تلك القوى أنّ التطبيع مع الكيان الصهيوني يتنافى مع مبادئ الدولة السودانية، وموقفها التاريخي المساند للقضية الفلسطينية، وأبرزها اللاءات الثلاث التي رُفعت في الخرطوم في مؤتمر القمة العربية 1967 عقب النكسة حيث “لا تطبيع ولا مصالحة ولا استسلام.

ورويداً رويداً، بدأ المكون المدني في التماهي مع دعوات التطبيع، خصوصاً بعد أن ربطت إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، شرط التطبيع ضمن شروط أخرى، لتتخذ قرار شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقد اتخذت واشنطن القرار في 23 أكتوبر الماضي، وفي ذات اليوم جمعت مكالمة هاتفية جماعية كلاً من ترامب والبرهان وحمدوك ونتنياهو.

وفي 6 يناير الحالي، وقّعت الحكومة السودانية بواسطة وزير العدل نصر الدين عبد الباري على ما يسمى بـ”اتفاق أبراهام” على هامش زيارة وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين إلى الخرطوم، الذي أكمل، بالمقابل، اتفاقيات مع الحكومة السودانية تمنح بموجبها حوافز التطبيع بأكثر من 1.1 مليار دولار، ووعود بإعفاء 3 مليارات من الديون الأميركية المستحقة على السودان، مع وعود قوية بحثّ بقية الدول والمؤسسات على إلغاء ديونها للخرطوم ويصل مجملها إلى نحو 60 مليار دولار. وبحسب موقع “واللا الإسرائيلي”، حاول البيت الأبيض في الأسابيع الأخيرة من عمر إدارة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، تنظيم حفل توقيع رسمي بمشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، و”البرهان“.، وكان أحد الخيارات، إقامة الحفل في العاصمة الإماراتية أبوظبي،  لكن الإغلاق في إسرائيل الذي تفرضه الحكومة للحد من تفشي وباء كورونا، والتوترات الأمنية بين السودان وإثيوبيا، أزالا الفكرة من جدول الأعمال.

 

-الدفع نحو الغاء قانون المقاطعة

وتشيء تداعيات الزيارة  السرية من قبل السودان، والتي أعلنها الجانب الصهيوني، لممارسة ضغوط واملاءات اسرائيلية على السودان  نجو تمهيد الطريق وتعبيده أمام قطار التطبيع الاسرائيلي، حيث لا تتوقف الضغوط الامريكية والاغراءات الصهيونية للعسكريين في السودان، وهو ما يبدو ان عسكر السودان سيستجيبون لها..حيث يتجه السودان،في الفترة الأخيرة  إلى إعادة النظر في قانون مقاطعة إسرائيل لتمرير صفقة التطبيع، وذلك بعد اقترابه من تبادل السفارات مع تل أبيب، بعد  زيارة وزير الاستخبارات الإسرائيلي، ايلي كوهين، للخرطوم الإثنين الماضي،

وبدأت خطوة دراسة القانون من جديد، داخل وزارة العدل، التي يدور فيها نقاش حول خيارين، الأول هو إجراء تعديلات على التشريع، والثاني إلغاؤه بالكامل، والرأي الأرجح، حتى الآن، إلغاء القانون كلياً، على أن تترك المواقف الدبلوماسية بالتطبيع أو المقاطعة لتقديرات الدوائر السياسية، دون تقييدها بنصوص قانونية، على أن يودع مشروع الإلغاء في دورة الانعقاد الأولى للمجلس التشريعي، المنتظر تكوينه خلال الأيام المقبلة، من تحالف الحرية والتغيير وحركات الكفاح المسلح وآخرين يرشحهم المكون العسكري.

وصدر قانون مقاطعة إسرائيل في العام 1958 أثناء حكم رئيس الوزراء، عبد الله خليل الموالي لحزب الأمة القومي، وذلك في ظل تنامي تيار القومية العربية والدعم العربي للقضية الفلسطينية، وقبل أن تبرز إلى الساحة دعوات المصالحة والاعتراف، ويتكون القانون من 7 مواد أساسية تحظر جميعها كافة أشكال التواصل مع إسرائيل، بما يشمل عقد، بالذات أو بالوساطة، اتفاق من أي نوع مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل، أو مع هيئات أوأشخاص يعلم أنهم ينتمون بجنسيتهم إلى إسرائيل أو يعملون لحسابها،  كما يحظر القانون التعامل مع الشركات والمنشآت الوطنية والأجنبية، التي لها مصالح أو فروع أو توكيلات عامة في إسرائيل، ومنع دخول البضائع والسلع والمنتجات الإسرائيلية وما في حكمها من السلع والمنتجات التي يعاد شحنها من إسرائيل أو التي تصدر من دولة أخرى لصالح إسرائيل، وبالمقابل، منع القانون تصدير السلع والمنتجات السودانية إلى إسرائيل والبضائع التي تدخل أراضي السودان أو تمر عبرها، وحدد القانون عقوبات لمن يخالف تلك المحاذير بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات أو بالغرامة التي تحددها المحكمة، أو بالعقوبتين معاً، إضافة لمصادرة الأشياء المضبوطة.

 

 

 

ثانيا: انعكاسات الزيارة:

وتحمل زيارة كوهين الخرطوم، العديد من الدلالات والانعكاسات الاستراتيجية ذات التأثيرات المهمة، في سياق شديد الاضطراب في السودان والمنطقة العربية.

-تطوير إسرائيلي لاتفاق إبراهام على أرض الواقع السوداني:

وتبرز أهمية الزيارة للجانب الاسرائيلي، الذي بمقتضاها دشن مرحلة التطبيع رسميا، رغم الرفض الشعبي السوداني الذي تشهده البلد المأزوم سياسيا وعسكريا وأمنيا، والذي عبر عنه بتظاهرات شعبية عديدة، واعلان تكتلات شعبية مناهضة للتطبيع مع اسرائيل، بجانب الازمة الاقتصادية، وتفاقم نقص امدادات الخبز بالمدن السودانية وارتفاع الاسعار.

وتولي إدارة نتنياهو أهمية بالغة لمسار التطبيع مع السودان، لما تفتحه من أفاق تعاون وتواصل سلس بين تل أبيب وافريقيا، بجانب سواحل السودان المديدة على البحر الأحمر، الذي يمثل حجر زاوية في الأمن الاستراتيجي لتل أبيب، كونه المدخل الجنوبي إليها، وما يتيحه لها من التشارك الواسع في ترتيبات الأمن الاقليمي العربي والاقليمي..

كما يمثل التنسيق الامني الاسرائيلي السوداني بالبخر الأحمر، فرصة كبيرة لتل ابيب لمواجهة التمدد الايراني في اليمن وشواطئ البحر الاحمر، في توقيت بالغ الخطورة ، اذ تهدد اسرائيل بانها اعدت خطة شاملة لتوجيه ضربة نووية إلى ايران، لافشال مشروعها النووي لانتاج قنبلة نووية، خلال الشهور المقبلة، وهو ما يزال في طي الدراسة والتحسب الامريكي..

 

-زيادة الاحتقان الشعبي السوداني:

ووفق تقديرات استراتيجية، تقود زيارة إيلي كوهين إلى تصاعد وتيرة المناهضة وسط القطاعات الشعبية كافة، لما تحدثه من تشطي مجتمعي بين السودانين، الذين يعانون ازمات اقتصادية غير مسبوقة في الفترة الأخيرة، إذ يعاني السودانيون منذ أسابيع طويلة من شح في السلع الضرورية مثل الخبز والدواء والوقود وغاز الطبخ، كما يتعرض الجنيه السوداني إلى انهيار يومي أمام العملات الأجنبية، وهو ما دفع الالاف للتظاهر في عشرات المدن السودانية، إثر زيادة أسعار الخبز، وضد قرارات سلطات ولاية الخرطوم ببيعه بالكيلوغرام.

وجاء خروج الثوار للشوارع في مناطق متفرقة من العاصمة والولايات تنديداً بسياسات التجويع والإفقار التي تصر عليها السلطة الانتقالية “وهي ذات سياسات نظام البشير وصدماته التي ثار عليها  السودانيون، علاوة على تفاقم حدة الانفلات الأمني التي تأخذ طابعا قبليا بأكثر من منطقة في دارفورخلال الأيام الماضية ، بعد إنهاء مجلس الأمن تفويض بعثة حفظ السلام بالإقليم بحلول الأول من يناير الحالي. بجانب التصعيد العسكري على الحدود الاثيوبية مؤخرا، فيما تتخذ حملات مناهضة التطبيع مع إسرائيل -الآخذة في التشكل في تنسيقية موحدة أشكالا سلمية، لكن ثمة مخاوف أبداها الأمين العام لحزب المسار الوطني لؤي عبد المنعم من انتهاج بعض الجماعات العنف لوقف قطار التطبيع.

وحتى الآن، تبرز القوى الشعبية لمقاومة التطبيع “قاوم” كأهم جهة مناهضة للتطبيع، بعد أن أعلنت عن كيانها الذي يضم عشرات الأحزاب والمنظمات السبت الماضي، وبحسب الأمين العام للقوى الشعبية لمقاومة التطبيع عثمان البشير الكباشي، فإن الكيان يضم 30 حزبا وجماعة ومنظمة مجتمع مدني، وكانت تنسيقية مقاومة التطبيع التي تضم كيانات شعبية، من أوائل المجموعات الداعية للتصدي للتطبيع، وبعدها جرى تواصل بين هذه المجموعات وأجمعت على فكرة كيان تنسيقي جامع، وتضمّ الأحزاب الرافضة للتطبيع داخل تحالف الحرية والتغيير: حزب الأمة القومي ، والحزب الشيوعي، والقوى العروبية التي تضم أحزاب البعث والناصريين.

ومن ضمن القوى التي وقعت على ميثاق القوى الشعبية لمقاومة التطبيع: حزب المؤتمر الشعبي، وحركة الإصلاح الآن، وحزب منبر السلام العادل، وتجمع الشباب المستقلين، وهيئة علماء السودان، والاتحاد السوداني للعلماء والأئمة والدعاة، وجماعة الإخوان المسلمين، ورابطة إعلاميون ضد التطبيع، فيما تثار الشكوك حول  فعالية مشاركة أحزاب الحرية والتغيير الرافضة للتطبيع، وهو ماأكده لكن الأمين العام لحزب المسار الوطني لؤي عبد المنعم، لـ”الجزيرة نت” ، بقوله ، إن قوى التغيير في الحكومة اكتفت بالبيانات ولن تنظم مظاهرات، لأن ذلك ليس من مصلحتها وإلا لكانت انسحبت من الحكومة والائتلاف الحاكم. ورغم ذلك يرى أن هناك اتجاها للتنسيق مع أحزاب الأمة والشيوعي والبعث.

كما من المتوقع أن التطبيع سيجد مقاومة شرسة حال فتح سفارة إسرائيلية في الخرطوم، وستكون هناك مظاهرات عارمة، وقد تستهدف السفارة بهجمات مسلحة من جماعات متطرفة وجهادية، مما سيدخل الحكومة في ورطة، وهو ما يمكن ان يكون مبررا للحكومة بأن تماطل في فتح سفارة إسرائيلية بالخرطوم، لأنها لن تضمن حماية الدبلوماسيين الإسرائيليين وأسرهم في الأسواق والمدارس والشوارع.

 

-تأزيم بين العسكر والمدنيين:

ويلقي ملف التطبيع بظلال أكثر قتامة على العلاقة المضطربة أصلا بين العسكر والمدنيين في الحكومة الانتقالية ، بالسودان، منذ أن زار رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان عنتيبي الأوغندية، والتقى سرا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فبراير2020، وحينها نفت الحكومة برئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك علمها المسبق باللقاء، الذي قسّم بدوره الحاضنة السياسية للحكومة “قوى الحرية والتغيير.

ومؤخرا، انتقد وزير الإعلام فيصل محمد صالح الجيش لتطويره علاقات مع إسرائيل من دون إخطار مسؤولي الحكومة، عقب زيارة وفد إسرائيلي لمنظومة الصناعات الدفاعية بالخرطوم في 23 نوفمبر 2020، وفي نفس السياق، أكد المتحدث باسم الحكومة السودانية فيصل محمد صالح قوهل أن مجلس الوزراء لم يكن على علم بزيارة وفد إسرائيلي إلى الخرطوم، بينما أكدت مصادر مطلعة أن الوفد زار البلاد بترتيب مع مجلس السيادة، فيما تتزايد الضغوط من العسكريين على الجانب المدني في الحكومة الانتقالية نحو القبول بمسار التطبيع، الذي بات واقعا لدى العسكريين والمدنيين، وهو ما تؤكده زيارة كوهين الخرطوم، حتى بات كثير من القوى السياسية والسلطة الانتقالية من قبلها تنظر لمسألة التطبيع كخطوة تفرضها الضرورة أكثر من الرغبة في التطبيع في حد ذاته.

وهذه الحالة عبر عنها زعيم حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، لوكالة الأخبار السودانية،  قبل قرار الإزالة من القائمة السوداء بقوله “هي محاولة من الحكومة ربما تأتي بثمار وربما لا“.، فيما تتواصل حملات “المليون توقيع لرفض التطبيع”، وغيرها من  الفعاليات الرافضة للارتماء بالحضن الاسرائيلي دون ارادة الشعب السوداني. بينما العسكر ذاهبون باقصى سرعة نحو التطبيع،  معتبرينه “لم يكن غاية للحكومة في ذاته، لكنها مضطرة إليه بعد أن ربطت الإدارة الأميركية القائمة السوداء بالتطبيع صراحة”

 

ثالثا: تداعيات مستقبلية:

– مستقبل مضطرب للعلاقات السودانية الاسرائيلية

وعلى الرغم من التطورات المتسارعة في ملف التطبيع السوداني الاسرائيلي، سواء بزيارة الوفد العسكري الاسرائيلي في 23 نوفمبر الماضي، أو زيارة وزير الاستخبارات الاسرائيلية كوهين للخرطوم الأخيرة، أو لقاءات سرية لرئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، مع مسئولين اسرئيليين  بالامارات ، تبدو فرص نجاحات التطبيع السياسي ضعيفة في ظلّ ظروف الحكم الانتقالي، الذي لا يتيح له اتخاذ قرار صريح ، دون مؤسسات تشريعية تتحمّل مسؤوليته أمام الشعب، ودون وجود حاضنة شعبية مؤيدة له؛ حيث تتحرك القوى الشعبية المعارضة لهذا القرار ضده..كما سيتخذ أنصار النظام السابق هذا التطبيع ذريعة لتأكيد اتهامهم للحكم الجديد؛ بأنه يعادي الإسلام والعروبة، وأنه مشروع غربيّ مفروض على السودان، وأن التطبيع محاولة لإبقاء النظام الانتقالي حياً على الرغم من موته اقتصادياً، وفشله في إدارة البلاد، وارتهانه للخارج.

ولكن الجانب الأكثر تأثيراً في إمكانية نجاح التطبيع في مراحله الأولى، هو في قدرة التطبيع على تفكيك الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وتوفير مستلزمات الحياة وضرورياتها للمواطن السوداني؛ وفي حال عدم ذلك فإن البيئة العامة التي تقبّلت هذا التطبيع تحت هذا المبرر ستنقلب عليه، وهو ما يبدو الاحتمال الأقوى في فشل هذا التطبيع نظراً لعمق الأزمة الاقتصادية في السودان، وتعاظم الأزمة الاقتصادية العالمية بسبب جائحة كورونا، كما أن “إسرائيل” ليس بمقدورها تقديم منح أو معونات كبيرة للسودان دون مقابل مادي مريح، لا سيّما أن السودان ليس مثل دول خليجية غنية، تجتهد “إسرائيل” في التطبيع معها، وتعوّل عليها كثيراً للخروج من أزمتها الاقتصادية هي أيضاً، فيما أن السودان يحتاج إلى رافعات مالية كبيرة لا تستطيع “إسرائيل” تحمّلها، كما أن الحماسة الأمريكية والإسرائيلية للتطبيع مع السودان سيخفِت بريقها بانضمام دول عربية فقيرة أخرى لمسلسل التطبيع، مما يزيد العبء الأمريكي الإسرائيلي، وستتبدل الأولويات بعد مرور زمن قصير، وسيشعر السودان بالغبن نتيجة الاهتمام الإسرائيلي بالدول الخليجية الغنية على حسابها.

ومن الجوانب المهمة في هذا السياق أن مصر، الجارة القوية للسودان، والتي تعد نفسها صاحبة الولاية المعنوية عليه، وأنها صاحبة القرار الاستراتيجي في مصيره، ليست سعيدة بهذا التطبيع ولا تعدّه إضافة إيجابية لها، لا سيّما أن مبررات التطبيع تتعلق بها بالأساس، ومن شأن تطور العلاقة السودانية الإسرائيلية أن يكون خصماً على حساب مصر ونفوذها، وإضعافاً لدورها في السودان، وستعمل مصر على استعادة دورها بسرعة بعد خروج السودان من العقوبات الأمريكية المفروضة عليه، وستحاول أن تحلَّ محل “إسرائيل” في التواصل مع الإدارة الأمريكية بشأن إدارة الملف السوداني مستقبلاً كما كانت سابقاً.

كما تسعى مصر لتعظيم تعاونها العسكري مع السودان، في ضوء ازمة سد النهضة مع اثيوبيا، وهو ما اثار خفيظة اثيوبيا واتهمت مصر بدعم حرب بالوكالة للسودان مع اثيوبيا، على خلفية الخلافات لاثيوبية السودانية المصرية.

 

خاتمة:

تبقى زيارة كوهين للسودان، مهمة وتحمل توريطا جديدا للمكون المدني في النظام السوداني، وتأتي بتنسيق أمني أمريكي من أجل ترتيبات أمنية اقليية في البحر الأحمر، في توقيت بالغ الخطورة، على الصعيد السوداني، الذي يواجه اضطرابات سياسة واقتصادية متصاعدة، إثر تفجر الصراعات في دارفور وعلى امتداد حدوده مع اثيوبيا، يفاقمها الأزمة الاقتصادية المستعرة.

ولعل مسار التطبيع الذي يبدو متسارعا على صعيد العسكريين السودانيين، ومن وراء حجاب المدنيين المشاركين في الحكومة الانتقالية، إلا أن الشعب السوداني بمكوناته يقف حجر عثرة أمام مسار التطبيع الذي يبقيه الرفض الشعبي في طيات أروقة السلطة غير الشرعية وغير المنتخبة، وهو ما قد يغير معادلته المستقبلية في حال جرت انتخابات عامة في الفترة المستقبلية، يجري هندستها في اروقة العسكر بتعاون اقليمي ودولي.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022