هل تشارك الحركات والفصائل الفلسطينية فى الانتخابات القادمة؟

 

 

أصدر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في 15 يناير 2021، مرسومًا رئاسيًّا حدد فيه مواعيد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير) على ثلاث مراحل، لتكون المرة الأولى منذ 15 عامًا، التي تنظم فيها مثل هذه الانتخابات. وحُدِّد يوم 22 مايو 2021 لإجراء الانتخابات التشريعية، ويوم 31 يوليو 2021 للانتخابات الرئاسية، على أن تعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، وعلى أن يتم استكمال انتخابات المجلس الوطني في 31 أغسطس 2021. وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول موقف الحركات والفصائل الفلسطينية من خوض تلك الإنتخابات؟، وهو ما سنوضحه خلال السطور القادمة.

ولكن قبل الخوض في ذلك، يجب التأكيد على أن إمكانية تنظيم انتخابات للمجلس الوطني تبدو متدنية جدًّا؛ لأن هذا الأمر لا يتوقف على إرادة الفصائل الفلسطينية فقط، بل يتطلب تعاون حكومات الدول التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين، والتي لا تسمح ظروف بعضها بإجراء مثل هذه الانتخابات، فضلًا عن أنه يمكن افتراض أن نسبة كبيرة من الفلسطينيين، تحديدًا الذين يحملون جنسيات البلد المقيمين فيه، مثل الأردن، لن يتحمسوا للمشاركة في انتخابات المجلس الوطني. لذا، ففي حال أُنجزت الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فمن المرجح أن يتم تشكيل المجلس الوطني بناء على المحاصصة مع الأخذ بعين الاعتبار موازين القوى كما عكستها الانتخابات البرلمانية[1].

 

أولًا: تيار السلطة الرسمي بقيادة حركة فتح:

وهو التيار العريض الذي يمثل الجهات الرسمية المتمثل في المنظمة والسلطة, وهو يملك نقاط قوة تساعده على المنافسة الانتخابية أهمها:

– علاقات رسمية لدى المنظمات العربية والإسلامية والدولية تضمن له دعمًا سياسيًا وماليًا.

– المسئول عن الاتفاقيات مع الاحتلال وتطبيقها بدقة, الأمر الذي يجعله مقبولا لديه وبالتالي تسهيل مهام الحياة اليومية للمواطن في غزة والضفة والقدس من خلاله.

– السيطرة على الإمكانيات البشرية والمادية للسلطة, وبالتالي قدرته على التأثير على الصوت الانتخابي الرسمي, واستغلال مؤسسات السلطة لصالحه.

وفي المقابل فإن هذا التيار عليه مآخذ عديدة وهي نقاط ضعف من شأنها تؤثر سلبًا على وضعه ووزنه الانتخابي من أهمها:

– غالبية نقاط القوة لهذا التيار مرتبطة بالغير والدعم من المستوى الرسمي ومن الاحتلال وليس عوامل قوة ذاتية.

– إصراره على التمسك باتفاقيات أوسلو رغم انتهائها وفشلها وخاصة شقيها الأمني والاقتصادي.

– تهميش وتعطيل دور منظمة التحرير واختزالها بمؤسسات السلطة وبالتالي تهميش وإهمال الشعب الفلسطيني في الشتات والذي يمثل خمسين بالمائة من مجموع الشعب.

– المساهمة القوية في محاصرة قطاع غزة وتطبيق قرارات الفصل الوظيفي, وقطع الرواتب, ومنع الموازنات, ووقف الترقيات, الأمر الذي طال أبناء السلطة وحركة فتح وحلفائها, وهذا اكتوى به كل أبناء غزة الذين يمثلون حوالي أربعين بالمائة من سكان الضفة والقدس وغزة.

– فشل التصدي للاستيطان في الضفة بسبب محاربة المقاومة حتى السلمية, وتجفيف منابعها ومطاردتها.

– التشرذم التنظيمي, والتفكك الداخلي, والصراعات الناعمة والخشنة الذاتية, فحتى اللحظة نحن أمام عدة تيارات داخل هذا التيار: تيار عباس, تيار القيادى المفصو محمد دحلان, تيار مروان البرغوثي[2].

وبناءً على ما سبق؛ فإن إجراء الانتخابات في هذه الظروف يمثل مخاطرة بالنسبة لحركة فتح؛ سيما بعد إعلانها عن أن الرئيس عباس سيكون مرشحها الوحيد في الانتخابات الرئاسية. فحسب آخر استطلاع للرأي العام في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن شعبية عباس متدنية؛ حيث أظهر أن أكثر من 60% من الفلسطينيين يطالبون باستقالته[3]. وفى المقابل، فإن استطلاع أجراه «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والبحثية» قبل أيام، كانت نتيجته تفوق البرغوثي فى حالة ترشحه للانتخابات بحصوله على 61% من الأصوات في حال وُضع ليس أمام عباس، بل أمام رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية.

وفيما يتعلق بالانتخابات التشريعية، فقد هدد الرئيس عباس باستخدام «القوة» ضد أي قائمة أخرى باسم «فتح» منافِسة لتلك الرسمية، وذلك خلال حديثه باجتماع المجلس الثوري لحركة فتح، الذي عقد في 26 من شهر يناير الماضى، وقبلها بيومين، في اجتماع اللجنة المركزية للحركة. وتأتى تلك التهديدات على خلفية الحديث عن أن هناك قائمة يقودها الشباب، وسيدعمها البرغوثي، ويُحتمل أن تكون فيها شخصيات من «اللجنة المركزية» وأخرى من السلطة على مستوى الضفة وغزة.

أما التيار «الإصلاحي»، فينوي المشاركة بقائمة موازية وتعزيزها بقيادات يعمل دحلان على شراء ولاء بعضهم على مستويَي الضفة وغزة عبر مبالغ ضخمة بعشرات الملايين من الدولارات بتمويل إماراتي.

مع ذلك، تبقى بيضة القبّان بيد البرغوثي، الذي تُظهر استطلاعات الرأي العام أنه الأكثر شعبية «فتحاوياً» وفلسطينياً ــــ في الضفة على الأقل ــــ، وآخرها استطلاع «المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والبحثية» الذى قدر أنه إذا شكل البرغوثي قائمة مستقلّة، فسيحصل على 25% من أصوات الجمهور.

ولتفادى هذا الانقسام الفتحاوى، فإن هناك تحركات من قبل قيادات فتح لتوحيد الجبهة قبل الدخول فى الانتخابات، منها؛ قيام أمين سر «اللجنة المركزية لفتح»، جبريل الرجوب، بزيارة مروان البرغوثي في السجن ليثنيه عن الترشح ضد عباس، ولمحاولة إرضائه بوضعه على رأس قائمة «فتح» في المجلس التشريعي[4]. وحسب بعض التسريبات الإعلامية، أثارت حالة انعدام اليقين بشأن جاهزية حركة “فتح” للانتخابات قلقًا لدى كل من مصر والأردن؛ حيث توجه كل من رئيس المخابرات المصري، عباس كامل، والأردني، أحمد حسني، معًا إلى رام الله للقاء الرئيس عباس وحثَّاه على توحيد فتح عشية الانتخابات والمشاركة في قائمة موحدة لتقليص فرص فوز حماس فيها[5].

 

ثانيًا: التيار الإسلامي بقيادة حركة حماس :

يملك هذا التيار عناصر قوة قد تساعده في الانتخابات القادمة من أهمها:

– التمسك بمسار المقاومة فكرا وممارسة, وتطويره بشكل لافت.

– الصمود في وجه العدوان الصهيوني في أربع جولات حرب على غزة (2006م ,2008م ,2012م ,2014م ) وتحقيق الردع، فضلًا عن إنجاز صفقة وفاء الأحرار بعد نجاح في أسر الجندي المقاتل “شاليط ” وفي تأمينه, والتفاوض عليه من مركز قوة لمدة خمس سنوات، بجانب امتلاكها أوراق قوية في ملف جنود الاحتلال ممن وقعوا في الأسر خلال عدوان 2014 م.

– القدرة على المحافظة على محافظات غزة منذ 2006م _ للآن بعد أن كان مخطط لها الانهيار والضياع والغرق في الحصار والفقر والتشتت المجتمعي.

– النجاح في إدارة علاقات خارجية متزنة مع الدول الصديقة والدول المعادية.

– وحدة الصف والقرار, وغياب المحاور والشللية التنظيمية والانقسامات الداخلية على عكس فتح.

وفي المقابل فإن هذا التيار يواجه نقاط ضعف قد تؤثر على وزنه الانتخابي من أبرزها:

– عدم رضا الاحتلال والمجتمع الدولي والنظام العربي الرسمي عليه وبالتالي محاربته بكل الطرق ومنعه من الانخراط في الحياة السياسية بما فيها الانتخابات.

– الربط بين فوزه وبين الحروب والحصار والفقر, وهذا يخوف الناخب الفلسطيني.

– وثيقة حماس السياسية خاصة بعد تعديلها فى عام 2017 يعتبرها البعض نقطة ضعف وخاصة في تقارب البرامج السياسية ومرحلية الطرح والاقتراب مع رؤية تيار فتح السياسي[6].

وبناءً على ما سبق؛ فقد وضعت حماس عدداً من السيناريوات للانتخابات التشريعية، منها الدخول بقائمة منفردة أو بقائمة مع فتح، أو بقائمة مع فصائل المقاومة، أو حتى قائمة مع المستقلين، لكنها ستنتظر ما ستفضي إليه حوارات القاهرة خلال الأسبوع الثانى من شهر فبراير الحالى؛ لتحديد طبيعة مشاركتها، وأي السيناريوهات ستحقق لها أكبر فوز، كما أن هذه الحوارات، كما يبدو، ستكون محطة فاصلة في تقييم الانتخابات وجديتها.

وعلى رغم سعيها إلى الفوز بأكبر قدر من المقاعد فى الإنتخابات التشريعية، إلا أن حماس لا ترغب في تشكيل الحكومة وحدها مجدداً في حال نيلها الغالبية، بل هي تفضل تأليف حكومة وحدة وطنية أو حكومة كفاءات لتلافي حصار جديد[7]. بينما لم تحسم حماس إلى الآن إمكانية المشاركة فى الانتخابات الرئاسية، سواء عبر ترشيح مرشح عن الحركة أو دعم مرشح مستقل، أو مرشح إحدى الفصائل الفلسطينية، أو مرشح فتح للرئاسة كذلك[8]، وإن كانت معظم التحليلات ترجح عدم قيام حماس بالدفع بمرشح منها لانتخابات الرئاسة.

 

ثالثًا: بقية الفصائل:

اعترضت “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” على إجراء الانتخابات قبل حل القضايا الجوهرية التي أفضت إلى الانقسام الداخلي[9]، ولا تزال الجبهة متشككة في نيات رئيس السلطة، محمود عباس، وإمكانية استخدامه المحكمة الدستورية ضد خصومه في حال لم يحالف الفوز «فتح». وبناءً على ذلك، لم تحسم الجبهة بعد قرار المشاركة بالانتخابات التشريعية سواء بالمشاركة في قائمة وطنية تضم جميع الفصائل، أو التحالف مع حماس، أو بقائمة منفردة.

وإن كان هناك معارضة داخلية للدخول في قائمة موحدة مع فصائل المنظّمة تضمّ «فتح»، خشية من استغلال الأخيرة تلك القائمة، وتعزيز تفردها بالقرار الفلسطيني، وتقوية برنامجها السياسي القائم على التفاوض مع الاحتلال. كما تربط «الشعبية» مشاركتها بالتوافق في القاهرة على النقاط الخلافية، وأبرزها «تشكيل محكمة الانتخابات بتوافق وطني بعيداً من التفرد والتلاعب الذي جرى في المجلس الأعلى للقضاء على يد عباس»[10].

وتشي المواقف الصادرة عن حركة “الجهاد الإسلامي” بأنها ستواصل موقفها الرافض للمشاركة في الانتخابات، على اعتبار أن دخولها النظام السياسي قد يقيدها أو يحد من قدرتها في العمل المسلح ضد إسرائيل[11]. ومع أن موقف الجهاد من الانتخابات التشريعية واضح برفضها عدم المشاركة بها، فإنها قد تسمح لأعضائها بحرية الاختيار فى الانتخابات التشريعية والرئاسة كما حدث فى انتخابات 2006 مع ترجيح دعم القوائم المحسوبة على حماس أو المقربين منها. بينما هناك أحاديث عن أن «الجهاد» لديها رغبة كبيرة في دخول انتخابات «المجلس الوطني» ضمن شروط معينة، أرجأت التباحث في هذه الشروط حتى التأكد من إمكانية حدوث هذه الانتخابات المقررة نهاية الشهر الثامن[12].

 

رابعًا: تيار المستقلين:

ففي الضفة الغربية وقطاع غزة، تجرى مشاورات وراء الكواليس وفي العلن، بين شخصيات أكاديمية ومهنية، وأخرى حزبية غاضبة من تياراتها، لتشكيل قوائم انتخابية مستقلة لخوض الانتخابات المقبلة[13]، هذه القوائم ممكن نسجل لها عدة نقاط قوة من أهمها:

– احتمالية الاستفادة من الصوت الغاضب من كل التيارات التابعة للفصائل.

– قد يكون بعض المستقلين مقبولين من الفصائل (وربما نقطة توافق بينهم) أو من جهات عالمية وعربية داعمة.

– خلو صفحاتهم  الذاتية من أخطاء الفصائل.

وفي نفس الوقت ممكن نسجل لهم نقاط ضعف تحول بينهم وبين اقناع الناخبين من أبرزها:

– التصادم مع طبيعة المجتمع الفلسطيني الذي يميل إلى التحزب والعمل الوطني من خلال الفصائل.

– تجربة الناخب الفلسطيني في الانتخابات السابقة ليست ايجابية مع الشخصيات المستقلة.

– المنافسات بين التيارات والفصائل ستكون قوية وشرسة ما يوحى بعدم وجود فرصة لصمود شخصيات لا ظهير جماهيرى لها.

– أثبتت التجربة أن الغالبية العظمى ممن يقدمون أنفسهم ضمن المستقلين ينحدرون من فصائل وأحزاب, بمعنى أن الناخب يشعر بالخداع[14].

———————————-

[1] ” الانتخابات الفلسطينية 2021: السياق والتوقعات”، مركز الجزيرة للدراسات، 29/1/2021، الرابط: https://bit.ly/2YH1J24

[2] “الانتخابات الفلسطينية: قراءة تقديرية في أوزان الفصائل والأحزاب”، الرسالة نت، 30/1/2021، الرابط: https://bit.ly/3oHvMBb

[3] ” الانتخابات الفلسطينية 2021: السياق والتوقعات”، مرجع سابق.

[4] “انقسام ثلاثي يهدّد «فتح»: الحسم بيد البرغوثي”، الأخبار، 1/2/2021، الرابط: https://bit.ly/3rcIfhU

[5] ” الانتخابات الفلسطينية 2021: السياق والتوقعات”، مرجع سابق.

[6] “الانتخابات الفلسطينية: قراءة تقديرية في أوزان الفصائل والأحزاب”، مرجع سابق.

[7] “«حماس» تسعى للغالبية… و«الجهاد» تدرس خياراتها”، الأخبار، 1/2/2021، الرابط: https://bit.ly/39I4xlD

[8] “حماس تتحدث لـ”عربي21” عن خياراتها بالانتخابات ولقاء القاهرة”، عربى21، 1/2/2021، الرابط: https://bit.ly/39OiMWt

[9] ” الانتخابات الفلسطينية 2021: السياق والتوقعات”، مرجع سابق.

[10] ” «الشعبية» متردّدة… والبقية يخشون السقوط”، الأخبار، 1/2/2021، الرابط: https://bit.ly/2YEjWx1

[11] ” الانتخابات الفلسطينية 2021: السياق والتوقعات”، مرجع سابق.

[12] “«حماس» تسعى للغالبية… و«الجهاد» تدرس خياراتها”، الأخبار، 1/2/2021، الرابط: https://bit.ly/39I4xlD

[13] ” طموحات “المستقلين” بالانتخابات.. هل تكسر ثنائية فتح وحماس؟”، العين الإخبارية، 3/2/2021، الرابط: https://bit.ly/3at4tpf

[14] “الانتخابات الفلسطينية: قراءة تقديرية في أوزان الفصائل والأحزاب”، مرجع سابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022