تأجيل الانتخابات التشريعية مستقبل فلسطيني مجهول

 

منذ لحظة الإعلان عن الدعوة إلى الانتخابات الفلسطينية، منتصف يناير الماضي، كان معروفاً أن إجراءها في القدس الشرقية عُقدة يمكن أن تؤجل هذه الانتخابات أو تلغيها، لأن القرار مرتبط بإسرائيل بموجب بروتوكول ملحق باتفاق أوسلو. وكان متوقعا إلى حدٍّ كبير، أن إسرائيل لن توافق، خلافاً لما فعلته لمرّات ثلاث في السابق، ثمة أسباب كثيرة لدى سلطة عباس، منها مثلاً احتمال توكيد صعود شعبية حركة «حماس» والتعقيد المتوقّع في حال فوزها ثانيةً، بدليل اعتقال إسرائيل للعديد من المرشحين «الحمساويين». ومنها كذلك قبول ترشيح القيادي «الفتحاوي» مروان البرغوثي، رغم أنه معتقل ومحكومٌ بعشرات السنين سجناً.

غير أن كلّ الأسباب لا تبرّر إحباط انتخابات يلحّ المجتمع الفلسطيني أولاً، كذلك المجتمع الدولي، على وجوب عقدها، بغية تجديد الشرعية وإتاحة الفرصة لضخّ دماء ودينامية جديدتين في إدارة الأراضي الفلسطينية.

وجاء قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مساء الخميس الماضي، بتأجيل اجراء الانتخابات التشريعية في فلسطين التي كانت مقررة 22 مايو الجاري، دون موعد جديد، مخيبا للآمال في الداخل الفلسطيني وفي الخارج، جاء قرار عباس على وقع رفض اسرائيل اجراء الانتخابات في القدس، وهو ما اعتبرته فصائل فلسطينية، يخدم أهدافا خاصة لمحمود عباس ، خاصة وأن حركة فتح تعاني انقسامات داخلية، ترجمتها القوائم الانتخابية العديدة لأعضاء حركة فتح، كناصر القدوة وقائمة محمد دحلان.

القرار الذي كان متوقعا، أثار غضب الاتحاد الأوروبي ، الذي اعلن عن “خيبة أمله العميقة”، أما  وزارة الخارجية التركية، فدعت حكومة الإسرائيلية لاحترام بنود اتفاقية أوسلو 1995، وإنهاء موقفها الذي يمنع الانتخابات الفلسطينية في القدس، وذلك وفق بيان صادرعنها الجمعة الماضية، وحملت أنقرة إسرائيل مسؤولية تأجيل الانتخابات الفلسطينية، مشيرة إلى أن هذه الخطوة  تأتي نتيجة لعدم استجابة إسرائيل للطلب الفلسطيني لإجراء الانتخابات في القدس الشرقية، ومنعها إجراء الحملات الدعائية للمرشحين في المدينة، وتتضمن “اتفاقية المرحلة الانتقالية” -المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل والموقعة في واشنطن عام 1995- بندا صريحا عن إجراء الانتخابات في القدس المحتلة.

بينما حملت حركة “حماس” في بيان، الجمعة الماضية، حركة “فتح” ورئاسة السلطة الفلسطينية المسؤولية الكاملة عن قرار تأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية وتداعياته.بينما تظاهر مؤيدون لحماس في مختلف مناطق القطاع رفضا لتأجيل الانتخابات ودعما للقدس، وقالت حماس إنه “لا يجوز رهن الحالة الوطنية كلها والإجماع الشعبي والوطني لأجندة فصيل بعينه”، وقالت إن الفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة قادرون على فرض إرادتهم على المحتل، وفرض إجراء الانتخابات هناك، وفي تصريحات لقناة “الأقصى” التلفزيونية المحسوبة على حركة حماس؛ قال القيادي في الحركة حمّاد الرقب إن “الشعب الفلسطيني العظيم لديه للأسف قيادة هزيلة لا تمثّله ولا تعكس قوته وعظمته، عبّاس غير معني بالانتخابات الفلسطينية”.

وإلى جانب حماس، رفضت قرار التأجيل كل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعدد من القوائم المسجلة للانتخابات التشريعية، وفي المقابل رحّبت بالقرار حركة فتح وبعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وعقب إعلان التأجيل، أعلنت لجنة الانتخابات الفلسطينية وقف العملية الانتخابية، وعبرت عن أملها في تحديد موعد جديد للاقتراع

وبتأجيل الانتخابات التشريعية، سيتبعها لزاما تاجيل باقي الاستحقاقات، وتظل القضايا الفلسطينية معلقة، لإشعار آخر، ما يصب في صالح سلطة عباس، مما يفاقم الانقسام الفلسطيني، ولعل تراخي عباس المستهدف عن التمسك بالحق الفلسطيني، يثير سيلا من الشكوك حول تعاطيه المتصهين مع قضية الانتخابات بالاساس، اذأن قرار اجراء الانتخابات في موعدها في كل الأرض الفلسطينية، وتحميله المجتمع الدولي مسئوليته عن سير العملية الانتخابية بالقدس -حتى وان لم تتم عمليا- كان كفيلا باحراج اسرائيل وفضح مخطططات التهويد والسيطرة القميئة،  أي أنه كان بيده  اجراء الانتخابات ، رغم المصاعب العملية فيما يخص القدس، وكان يمكن تمرير اية مشاركة رمزية من فلسطيني القدس، عبر البريد او عبر مراكز البريد او السفارات الاجنبية، للحفاظ على هوية وفلسطينية القدس التي باتت تحت عربدة اسرائيل..

ولعل مقاومة الشباب الفلسطيني للخفاظ على الحقوق الفلسطينية في “باب العامود” وفي حقهم بالصلاة  في الأقصى مؤخرا، يقدم دليلا على امكانية تحدي القرارات الإسرائيلية وعدم الإذعان لها، وفرض أمر واقع يفضح اسرائيل ويبقي القدس فلسطينية.

 

رغبة مشتركة

وتشيء التقديرات الاستراتيجية إلى أن أمر تأجيل الانتخابات، لا يتعلق فقط بإسرائيل، فالإقليم لا يريد إجراء الانتخابات الفلسطينية، سواء مصر أو الأردن، لأنهم لا يريدون للانقسام الفلسطيني أن ينتهي، كما أن الولايات المتحدة الأميركية أعطت إشارات للقيادة الفلسطينية تتفهم فيها عدم إجراء الانتخابات.

كما أنه من الواضح أن هناك أصواتا في اللجنة المركزية لحركة “فتح” تسعى بكل ثقلها لعدم إجراء الانتخابات، أبرزها حسين الشيخ وعزام الأحمد، ووفق تقارير من داخل فلسطين لـ”العربي الجديد”، تواصل  عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” عزام الأحمد مع الفصائل الفلسطينية المتواجدة في سورية، خلال الأيام الماضية، وهي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين “القيادة العامة” و”الصاعقة”، وناقش معهم أهمية تأجيل الانتخابات في الوقت الحالي.

وحتى اللحظة، ترفض الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والمبادرة الوطنية الفلسطينية، وحركة “حماس”، وحركة “الجهاد الإسلامي”- رغم مقاطعتها للانتخابات– تأجيل الانتخابات، وتعتبره استحقاقاً لتجديد شرعية النظام السياسي..

وبحسب الكاتب اللبناني عبد الوهاب بدر خان، بصحيفة الاتحاد الاماراتية، فإن واقع الأزمة السياسية الإسرائيلية المستمرّة منذ ثلاثة أعوام وصعوبة تشكيل ائتلاف حكومي، وعدم وضوح خيارات الإدارة الأميركية الجديدة، دفعت الإسرائيليين إلى «تمييع» الاستحقاق الانتخابي الفلسطيني من دون أن يُؤخذ عليهم أي موقف رسمي يدفع إلى تأجيله”

 

حراك سياسي مجتمعي

وكانت الأيام الأخيرة شهدت ارتفاعا في وتيرة السخونة السياسية، بين الفلسطينيين، نحو احراء الانتخابات والبحث عن شرعية ديمقراطية تعيد للقضية الفلسطينية رونقها، ولعل ما يؤكد زيادة الوعي  السياسي  ، ارتفاع نسب تسجيل الناخبين الراغبين في المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية إلى 93% من مجمل أصحاب الحق في الاقتراع، ما يؤشر على مدى الاهتمام الشعبي بالعملية الانتخابية، وربما مدى تعويل الشارع الفلسطيني في مناطق السلطة على الانتخابات. بيد أن مشاركة الناخب النظرية مختلفة تماماً عن واقع مشاركته العملية، التي حاول المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية رصدها من خلال استطلاع رأي رقم (79)، نُفِّذ بين 14-19 من شهر مارس الماضي.

وتسارعت الأحداث الفلسطينية الداخلية منذ 19 مارس حتى الآن، مثل إعلان جميع القوائم الانتخابية، ولا سيما قائمتا فتح وحماس، وتشكيل قائمة انتخابية مشتركة بين ناصر القدوة ومروان البرغوثي، دون مشاركة مروان فيها، ما يفتح الباب أمام ترشح مروان للانتخابات الرئاسية، وكذلك بما يخص بعض تصريحات ناصر القدوة الخلافية المناهضة لما سماه “الإسلاموية السياسية”، التي دفعت مقربين من مروان إلى توضيح رفضه لها، وعدم توافقه مع خيارات ناصر ونهجه، رغم تشاركهم القائمة الانتخابية، فضلاً عن حالة الجدل والغضب التي خلفتها تلك التصريحات في الوسط السياسي الفصائلي والشعبي..

 

العشائرية والجهوية تنافس القوى السياسية

كما مثل تصاعد الدور العشائري والجهوي والعائلات الفلسطينية والتربيطات المحلية كمنافس أبرز  للتيارات السياسية، مشهدا لافتا في الأيام القليلة الماضية، ترجم ذلك زيادة عدد القوائم الانتخابية العشائرية التي تشكلت في الايام الماضية، وتصاعد النعرات الجهوية في المدن والمناطق الفلسطينية، ووصل عدد القوائم الانتخابية إلى 36 قائمة مشاركة في الانتخابات التشريعية، اشتملت على عدد من القوائم الحزبية التقليدية التي ترأسها مواطنون من الضفة الغربية، في حين ترأس قائمة حماس مواطن من قطاع غزة حاليا، وهذه هي الانتخابات الثالثة في 25 عاماً من عمر السلطة الفلسطينية.

كما يمكن ملاحظة غياب الانتخابات الداخلية التمهيدية في الأحزاب الرسمية، التي اعتادت أن تقدم نفسها كممثل وربما الوحيد للشعب الفلسطيني، وهي خطوة إلى الخلف عما جرى في الانتخابات التشريعية السابقة عام 2006، إذ جرت فيها انتخابات تمهيدية داخلية بغض النظر عما تخللها من إشكاليات، ويبدو أن معظم القوى ذات النفوذ في جميع الأحزاب اعتبرت أن من مصلحتها الإبقاء على الشكل الذي تراه من التمثيل، وهذا ربما ساهم في ظهور العديد من القوائم الانتخابية خارج الأطر السياسية التقليدية.

أما باقي القوائم فقد تراوح تشكيلها بين التمثيل العائلي أو الجهوي والتي تعتبر نفسها مستقلة، وتظهر فيها جلياً الاعتبارات الجهوية أكثر من الاهتمام بالتمثيل السياسي، إذ لم تقدم معظم هذه القوائم قائمة كاملة أي 132 مقعداً للمجلس التشريعي، وبالتالي فهي معترفة مسبقاً بعدم قدرتها على تسلم قيادة المجلس ولو من الناحية النظرية.

ومن الواضح أن العديد من القوائم ما زالت تتعامل مع الانتخابات التشريعية باعتبارها ضرورة للعائلة ولحضورها المجتمعي، دون وعي لمهمة ودور العضوية في المجلس التشريعي، من تشريعات ومحاسبة وإقرار للموازنة ومناقشتها وغيرها من المهام الواجبة على أعضاء المجلس. وهناك قوائم أخرى تعبر عن التفاوت الاجتماعي، ذات الطابع المصلحي الفئوي الذي يخدم قطاعاً معيناً من الاقتصاد، مثل التي تمثل قطاعات محددة من رجال الأعمال والغرف التجارية وغيرها، وهناك قوائم تمثل جزءا من الوطن وهي معتمدة على منطقة معينة لديها مصالح اقتصادية محددة.

وفي نفس الوقت لم تتغير توجهات الأحزاب الرسمية من الانتخابات والمرشحين، إذ بقيت نفس الوجوه تقريبا تتصدر هذه القوائم باعتبار التاريخ النضالي والسياسي يؤهل المتقدم للقيادة في المستقبل.

في وقت نجد أن الشباب الذين لم يشاركوا في أي انتخابات عامة سابقا لم يعطوا المواقع التي يستحقونها على الرغم من الحديث الجميل عن دور الشباب، وطبعا قانون الانتخابات نفسه عمل على وضع المعيقات أمام ترشح الشباب، عندما اشترط ألا يقل عمر المرشح عن 28 عاما. وبالمجمل، فإن جميع الشعب لم يعطَ الفرصة لاختيار الممثلين منذ العام 2006 (ويمثل منهم أقل من 40 عاما حوالي 40% من أصحاب حق الاقتراع) وبقي الشعب رهينة الخلافات والانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة وهو ما ادى لشلل في عمل المجلس التشريعي السابق، والذي وصل إلى حل المجلس بمرسوم رئاسي في عام 2018 محتفظا بكل الصلاحيات لدى رئيس السلطة.

 

تداعيات تأجيل الانتخابات

ويمثل قرار التأجيل امتدادا للفراغ الدستوري الحاصل في الضفة وغزة، وذلك بحسب تقدير سياسي، لـ” قدس برس”، إذ كان من المفترض أن يكون لدى الفلسطينيين  مرسوما رئاسيا يجعل من الحالة والمؤسسات الرسمية للسلطة ضمن مرحلة انتقالية، إلى حين إجراء الانتخابات، وليس تعليقها.. لأن تجميد المؤسسات وتعليقها، دون تقديم بديل دستوري أو توافق، قد يدخل البلاد مجددا في أزمة سياسية ودستورية وتشريعية، وستصبح هذه المؤسسات في حالة تآكل كبير وإتاحة الفرصة لأطراف داخلية وخارجية التشكيك بشرعيتها..

كما تتعاظم المخاطر والمخاوف، من إدخال الشارع الفلسطيني حالة من الإحباط الشديد، بعد أن علق آمالا عريضة على دور الانتخابات، في تغيير الوضع السياسي والإقتصادي المتدهور، ومع تلك الحالة قد تتزايد  الاحتجاجات والفوضى على مستويات شعبية، في ظل الشعور باستمرار الأزمات والعودة إلى المربع الأول، خاصة وأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس  انفرد باتخاذ قرار التأجيل دون الرجوع إلى الفصائل الفلسطينية أو الحصول على توافق وطني بشأن الوضع الحالي، خاصة وأنها تتمسك برفضها إجراء انتخابات دون القدس، وهو ما يعيد القضية الفلسطينية إلى مربع أسوأ من قبل.

ولعل الوصول إلى قرار التأجيل، تتحمله أطراف عدة فلسطينية واسرائيل الى جانب الأطراف الإقليمية، والتي لعبت دورا كبيرا في الضغط على السلطة الفلسطينية، فيما يتعلق بسير الانتخابات، خاصة بعدما شهدته الأشهر القليلة الماضية من حوارات مكثفة بين المخابرات المصرية والأردنية وقيادات من السلطة حول المشهد القادم، وجاء استخدام القدس كذريعة لتأجيل الانتخابات، وكوسيلة ناجعة لتعطيل المسار الديمقراطي والحفاظ على المنصب، من قبل سلطة عباس.

وهو ما عبر عنه موسى ابو مرزوق  نائب رئيس حركة حماس، في حواره مع “قدس برس”، بأن الدافع الحقيقي وراء السعي نحو التأجيل، هو انقسامات حركة “فتح”، رغم أن دولًا عملت على الحفاظ على وحدتها والنزول لقائمة واحدة، ولكنهم فشلوا”..وتخوض الحركة الانتخابات بثلاثة قوائم انتخابية.

 

حجج التأجيل من قبل ابو مازن:

ويعطي قانون الانتخابات الصلاحيةَ لرئيس السلطة الفلسطينية اتخاذ مثل هذا القرار بناءً على معطيات وظروف يراها موضوعية.

ومنها، بحسب تقدير استراتيجي لمركز الامارات للدراسات:

– التفكُّك الحاصل في حركة فتح، والذي قد يؤدي إلى خسارتها الانتخابات التشريعية بصورة مدوية، حيث تشارك حركة فتح في الانتخابات بثلاث قوائم متنافسة على الأقل، هي قائمة حركة فتح الرسمية التي تمثل الرئيس الفلسطيني محمود عباس واللجنة المركزية، وقائمة المستقبل التي تمثل التيار الإصلاحي (تيار محمد دحلان)، والقائمة الثالثة برئاسة المفصول من حركة فتح ناصر القدوة والمدعوم من قبل الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي(قائمة الحرية).

– تصاعد جائحة كورونا في ظل الانتشار الكبير للجائحة، وعجز الجهاز الصحي الفلسطيني عن مواجهة ضغوطات عدد الإصابات المرتفع.

– الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية والعربية لتأجيل الانتخابات خوفًا من احتمالات فوز حماس.

– العقبات التي قد تضعها إسرائيل على العملية الانتخابية، مثل منع إجراء الانتخابات في القدس، مما قد تشكل ذريعةً للرئيس الفلسطيني تأجيل الانتخابات.

 

تحديات وطنية أعمق من الانتخابات

وعلى أية حال، فإن تأجيل الانتخابات  إلى أجل غير مسمى، يطيح بالفلسطينيين في اتون المجهول وسط أوضاع محلية مرتبكة وضغوط اقليمية ودولية متواصلة، فممّا لا شك فيه أن أزمة المشروع الوطني الفلسطيني التي باتت تعكس نفسها على مجمل القضية الفلسطينية وما تعانيه من تراجع، كما على حياة الشعب الفلسطيني في مختلف مناطق وجوده في الداخل أو في اللجوء أو في الشتات، وكذلك على وحدة الشعب ووحدة مرجعياته السياسية كما يتجلى في الانقسام الذي فرضته سياسات كل من حركتي فتح وحماس كسلطتين منفصلتين في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، إضافة إلى تفاقم الوضعين الاجتماعي المعيشي والصحي وكذلك تغوّل سياسات الضمّ والاقتلاع التي تمارسها سلطات الاحتلال الصهيوني في مناطق الضفّة وفي القدس وترسيخ سياسة الأبهارتايد الصهيونية من خلال قانون يهودية الدولة.. مضافا إلى كل ذلك فشل القوتين السياسيتين الكبريين على الساحة الفلسطينية الممسكتين بالسلطة في حلّ أي من تلك القضايا أو طرح برامج واضحة لحلِّها.

ومع قرار التأجيل ، يقف الشارع الفلسطيني على حافة الانتفاضة الداخلية مجددا، حيث كانت عدة قوائم مرشحة للانتخابات بدأت تنظيم برنامج فعاليات احتجاجية بدءاً من الخميس 29 ابريل، تزامناً مع اجتماع السلطة الفلسطينية بقيادة عباس، رفضاً لتأجيل الانتخابات الفلسطينية. وشكلت القوائم الانتخابية، لجنة تنسيقية عليا تضم رؤساء القوائم أو من ينوب عنهم، وممثلين عن المجتمع المدني، لاطلاق  برنامج تصاعدي قانوني وميداني لـ”التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في المشاركة في الانتخابات التشريعية في موعدها في كل المحافظات، وفي القلب منها القدس”.

 

ترتيبات في حكم المجهول

ولعل اخطر ما ينتظر الفلسطينييين في المرحلة المقبلة، مع تعثر اجراء الانتخابات بشكل فاعل او تاجيلها، الترتيبات السياسية، المرتبطة بالانتخابات وما بعدها، حيث أن إصدار مرسوم الانتخابات  جاء نتيجة حوارات مطولة جرت بين ممثلي حركتي “فتح” و”حماس” في إسطنبول، والتي عُقدت على خلفية مخطط إسرائيل لضم مناطق من الضفة الغربية وردًّا على اتفاقات التطبيع التي توصلت إليها مع عدد من الدول العربية برعاية الولايات المتحدة.

وأسفرت حوارات إسطنبول عن إعلان الحركتين، في 24 سبتمبر 2020، عن “رؤية مشتركة” تستند إلى المسارات التي توصل إليها مؤتمر الأمناء العامِّين للفصائل الفلسطينية الذي انعقد مطلع سبتمبر 2020، في كل من بيروت ورام الله؛ حيث كان التوافق على إجراء الانتخابات التشريعية، والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني، أحد هذه التوافقات.

وعلى الرغم من أن حوار إسطنبول ناقش مسائل أخرى ظلت دائمًا محور جهود المصالحة الداخلية، مثل: إصلاح منظمة التحرير، والموقف من الاحتلال، وأشكال “المقاومة”؛ فإن الاكتفاء بتنظيم الانتخابات يعني أن حسم هذه القضايا سيتوقف على نتيجة هذه الانتخابات. فقد توصلت كل من “فتح” و”حماس” لاستراتيجية مشتركة لمواجهة الاستيطان والتهويد في الضفة الغربية عبر استخدام المقاومة الشعبية، لكن هذه الاستراتيجية لم يتم تطبيقها.

ومما مهَّد لإصدار مرسوم الانتخابات تراجع “حماس” عن مطالبتها بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني بشكل متزامن؛ حيث وافقت بدلًا من ذلك على أن تتم بالتوالي والترابط. في حين أن هناك تسريبات تشير إلى أن “فتح”، في المقابل، وافقت على طلب حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” باعتبار المجلس الوطني والمؤسسات المنبثقة عنه “مرجعية الشعب الفلسطيني وكل المؤسسات بما فيها السلطة الفلسطينية، تلك الترتيبات ستتوقف وتتعثر المسارات السياسية بشكل كبير في ظل الغموض الذي يدخله الرئيس عباس للقضية برمتها ، بقرار التأجيل.

وتبقى على الفصائل الفلسطينية في المرحلة المقبلة دورا حاسما في التنسيق النضال السياسي من أجل إجبار سلطة عباس للاحتكام لإرادة الشعب والاتجاه لانتخابات برلمانية، مع الضغوط الدولية على إسرائيل للسماح  بها في القدس، وباقي الأراض الفلسطينية، وذلك بعدما بات الفلسطينيون بلا خيارات واضحة لإنهاء عقدٍ ونيفٍ بدون انتخابات إذ أن تأجيلها يبدو بمثابة إلغاء مفتوح وإدامة للإحباط الداخلي، وهو ما قد يعقد الأوضاع الفلسطينية بصورة كبيرة في الأيام المقبلة وسط انسداد سياسي يفاقم ازمات الحاضر ويحاصر المستقبل الفلسطيني.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022