على خطى الجيش.. إمبراطورية الداخلية الاقتصادية .. صراع النفوذ والهيمنة

فكرة تأسيس كيان اقتصادي لوزارة الداخلية، بدأت في عام 2000، خلال ولاية الوزير الأسبق حبيب العادلي، أطول وزراء داخلية  الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بقاء في المنصب “13 سنة”، والذي تبنى تأسيس منظومة موسعة من الشركات الاستثمارية والتجارية تعمل وفقا لقوانين تأسيس شركات القطاع الخاص من أجل توسيع صلاحيات هذه الشركات في تنفيذ تعاقدات مع جهات ليست حكومية، وأغلب هذه الشركات على خطى شركات الجيش، تستثمر نفوذ الوزارة في احتكار أغلب مناقصات الهيئات الحكومية، أو فرض سطوتها على بعض المشاريع الخاصة. ويتمثل الوجه الخفي للاستفادة المالية الضخمة لهذه الإمبراطورية الاقتصادية الضخمة لوزارة الداخلية وكبار لواءاتها في استخدام بعض القيادات الأمنية صلاحياتهم داخل إدارة هذه الشركة في منح بعض المؤسسات الخاصة، مناقصات واستثمارات تابعة للوزارة وشركاتها يقومون بها من الباطن مقابل مكافآت مالية لهذه القيادات، أو دخولهم في شراكات سرية في هذه الشركات الخاصة التي تعمل مقاولا فرعيا في مشاريع شركات تابعة للوزارة ولغيرها من الوزارات والهيئات الحكومية.

وتشير تقارير غير رسمية إلى أن اقتصاد الجيش يتراوح بين 35 – 60% من الاقتصاد المصري عام 2018، وبالمقارنة فإن اقتصاد الشرطة الظاهر يشكل تقريبًا 1% من الاقتصاد المصري، في حين تبلغ قيمة الصناديق التابعة للوزارة 12 مليار جنيه، ولها قيمة سوقية تفوق ذلك، فيما يشير البعض إلى أن حجم تجارة ضباط الشرطة قد تصل إلى أكثر من 10% من حجم الاقتصاد المصري من نفس العام. لكن تجدر الإشارة إلى أن الوجود الأكبر يجري التعبير عنه بشكل أو بآخر بإمبراطورية اقتصادية من الباطن، تتجاوز تلك الصورة النمطية عن التجارة الاقتصادية المباشرة، وتتمثل في المعادلة التالية: (رجال أعمال لكل منطقة + كبار الضباط من مختلف قطاعات الجهاز + موظفون في الجهاز البيروقراطي للدولة). على سبيل المثال سنجد تحالفًا يتشكل بين مديري الأمن والمحافظين لدعم شركات من الباطن هم فيها شركاء، وإرساء المناقصات الخاصة على هذه الشركات. أغلب تلك القطاعات تدور حول الاستيراد والتصدير، وترتيبات التوريد، ثم يأتي في المرتبة الثانية العقارات وصولًا لقطاعات خاصة بكل محافظة، كالقطاع الغذائي والزراعة.([1])

ويعتبر عمر عاشور، أستاذ الدراسات الأمنية والعلوم السياسية بجامعة إكستر البريطانية،  والزميل المشارك بالمعهد الملكي للدراسات الدولية (تشاثام هاوس)، مشاريع وزارة الداخلية المصرية إحدى تجليات صراع أكبر بين وزارتي الداخلية والدفاع على الموارد المالية، والنفوذ الاستثماري، إذ سعت وزارة الداخلية للسير على خطى الجيش في تأسيس إمبراطورية اقتصادية موازية خارج رقابة الأجهزة الرقابية تذهب أرباحها إلي كبار القادة واللواءات وأصحاب النفوذ ثم الأفراد العاملين فيها، موضحاً أن هذه الاستثمارات الضخمة لوزارة الداخلية تعكس الصراع السياسي الذي بدأ في عهد مبارك وامتد إلى مرحلة ما بعد ثورة يناير حتى انقلاب 30 يونيو حيث تعزز نفوذ الجيش في الوقت الذي لم يتم فيه المساس بإمبراطورية الشرطة الاقتصادية باعتبارها ذراع النظام من أجل الحماية والبقاء.

توسع نفوذ إمبراطورية الجيش لن يكون على حساب إمبراطورية الشرطة، التي ترى في زيادة نفوذ الجيش مبررا وشرعنة لحقها في بسط النفوذ وتوسيع الإمبراطورية الاقتصادية الخاصة بها وبقادتها وشبكة المافيا التابعة لها. بالتوازي مع مافيا الجيش ونفوذه الواسع. وثمة فارقا جوهريا بين استثمارات الجيش والشرطة، يتمثل في أن معظم قطاعات الاقتصاد التي يديرها الجيش محمية بقوة القوانين، خلافاً لاستثمارات وزارة الداخلية المحمية بالتلاعب والسطوة والتهرب من تنفيذ القانون”.

وعلى خطى أحد قيادات المجلس العسكري بعد ثورة يناير عندما أعلن أن الجيش لن يفرط في عرقه وشركاته لأي طرف مهما كان؛ في دلالة على أن الجيش تحول إلى دولة داخل الدولة بل أعلى من الدولة، يشدد  اللواء أحمد جاد منصور، مساعد وزير الداخلية، ورئيس أكاديمية الشرطة الأسبق، أن استثمارات الشرطة «حق مشروع»، لأبناء الوزارة الذين يضحون بحياتهم، قائلا: « “لن تفرط الوزارة في حق أبنائها المستحق تحت أي ظرف» بحسب تصريحاته لصحيفة “العربي الجديد” سنة 2016م.

 

خريطة شركات الداخلية

أولا، صندوق مشروعات أراضي الوزارة، تأسس في  1983، كمكافاة لجهاز الشرطة على خدماته لنظام مبارك، ويُعنى ببيع وإدارة المشروعات العقارية للأراضي المخصصة للوزارة في جميع أنحاء الجمهورية. كما اتخذت العديد من القرارات لزيادة الصناديق الخاصة للوزارة كرعاية الجنود أو الضباط حتى بلغت أكثر من 67 صندوقًا خاصًّا، 4 فقط منهم تخضع للرقابة الإدارية، والشركات التابعة لها غير مدرجة في البورصة المصرية، كما تؤكد العديد من المصادر غياب تلك النشاطات عن الموازنة العامة للدولة. ويعتبر مجمع النخيل التابع لجهاز مشروعات أراضي وزارة الداخلية من أهم المدن السكنية في التجمع الخامس بجوار أكاديمية الشرطة، يقع على مساحة 52.2 كليومتر مربع، تتراوح أسعار الشقق فيه من مليون إلى 3 ملايين جنيه، والفيلات من 10 ملايين إلى 30 مليون جنيه. وتتبع مدينة الخمائل بالشيخ زايد جهاز مدينةـ 6 أكتوبر، وكان رئيس الوزراء الحالي قد أقر توسعة بالمدينة وضم أراضٍ وهو يشغل منصب وزير الإسكان في 2017. كما تمتلك الوزارة أبراج الفيروز في مصر الجديدة، وأبراج الندى بزهراء المعادي، وأبراج السنابل وعمارات أرض النادي بالمعادي، وتمتلك في كل محافظة عددًا من الأبراج العقارية التي تُخصص بعضها لضباط الشرطة، وأخرى تدفع بها للعمل التجاري مثل المحلات.

ثانيا، شركة الفتح للتوريدات والاستثمارات، والتي تأسست سنة 2000 بقرار من اللواء حبيب العادلي وزير داخلية حسني مبارك والذي ظل في المنصب 13 سنة، وتعد أولى شركات الإمبراطورية الاقتصادية  لوزارة الداخلية، ترأس مجلس إدارة الشركة اللواء جهاد يوسف عز الدين محمد مساعد الوزير للشئون المالية،  والذي تولى رئاسة 5 إدارات عامة، هي الإدارة العامة للمشروعات والبحوث المالية، والإدارة العامة لإمداد الشرطة، والإدارة العامة للأسلحة والذخائر، وإدارة خدمات ديوان عام الوزارة، والإدارة المركزية للحسابات والميزانية. كما تولى أيضا رئاسة مجلس إدارة صندوق أراضي ومشروعات وزارة الداخلية السكنية والاستثمارية، ورئاسة مجلس إدارة نادي النيل لضباط الشرطة، ومجلس إدارة المنطقة الصناعية لوزارة الداخلية ولجنة الاستثمار، وهي اللجنة التي ترأس جميع صناديق التأمين الخاصة بالضباط، قبل أن يتم إجباره في 23 مايو  عام 2011 على الاستقالة بعد خضوعه لتحقيقات عقب ثورة يناير إثر عدد من البلاغات والشكاوى تتهمه بالفساد المالي والإداري.

تتولى شركة الفتح جميع عمليات الإنشاء والصيانة والترميم بجميع جهات الوزارة ومقاولات تأسيس السجون وأقسام الشرطة، فضلا عن تنفيذ عدد من المشاريع الاستثمارية لصالح جهات حكومية وهيئات خاصة، عبر حصر كافة المناقصات التي فازت بها الشركة خلال الفترة من عام 2010 وحتى عام 2015، والتي بلغ عددها 225 مناقصة.

وتشمل مشاريع شركة الفتح أيضا إقامة صالات ألعاب رياضية، واستراحات للوزارة بعدد من المحافظات، ومباني تتبع هيئات الأسلحة والذخيرة، وشرطة المسطحات المائية، ومباني للأحوال المدنية، ومشاريع إسكانية لعدد من الوزارات الأخرى، فيما يعد مشروع إعادة تأسيس نادي قضاة إسكندرية، وبناء مدينة القضاة السكنية بمنطقة برج العرب غرب الإسكندرية، أحد أكبر المشاريع التي تولتها الشركة بعد إرساء مناقصة المشروع عليها بالأمر المباشر من قبل المستشار أحمد الزند وزير العدل السابق، وتبلغ تكلفة المشروع 100 مليون جنيه، وفقا لما أكده المستشار الزند في تصريحات صحفية قائلا لدى وضع حجر الأساس في عام 2014 “الشرطة معمرة، يد تبني ويد تحارب الإرهاب”.

ثالثا، شركة المستقبل للأعمال الاستثمارية والتوريدات العامة والخدمات، تأسست أيضا سنة 2000، في ظل مخططات الوزارة لتكوين إمبراطورية اقتصادية على غرار إمبراطورية الجيش. يعرفها موقعها الإلكتروني، على أنها إحدى شركات قطاع الاستثمار في وزارة الداخلية، وتقوم بأنشطة في مجال الخدمات البترولية، وتصنيع وتوريد لوحات المرور المعدنية، والاستثمارات العقارية، والاستثمارات الزراعية، والمقاولات، والتوريدات العامة، وأعمال الصيانة، وأعمال النظافة، والخدمات السياحية. بلغ رأس مال  الشركة عند تأسيسها 200 مليون جنيه،  وتشمل قائمة المساهمين في تأسيس الشركة كُلاً من صندوق تحسين الرعاية الاجتماعية والصحية لأعضاء هيئة الشرطة، صندوق العطاء لضباط الأمن المركزي، صندوق التأمين الخاص بضباط المرور، صندوق التضامن لضباط أكاديمية الشرطة، صندوق الوفاء لضباط أمن القاهرة، صندوق التكافل لضباط قطاع السجون. وحصلت الشركة على عدد من المناقضات لإقامة عدد من المشروعات منها مناقصات توريد مستلزمات جراحية، وسيارات مفرقعات، ومهمات لقوات حفظ السلام، وأجهزة كهربائية ومفروشات وأثاث، وتجهيز الفنادق التابعة لوزارة الداخلية، كما قامت بمشاريع لصالح جهات حكومية على رأسها الهيئة العامة لسكك حديد مصر، وشركة السويس لتصنيع البترول.

رابعا، المنطقة الصناعية لوزارة الداخلية،  تأسست سنة 2000، وتضم 8 مصانع على طريق القاهرة السويس، تعمل في تصنيع الملابس والأحذية والأثاث.

خامسا، شركة تكنولوجيا المعلومات  المدنية “سيتك”، تأسست سنة 2000، وتعمل في إدارة مشروعات تكنولوجيا المعلومات وإنتاج وتصميم البرمجيات للشركات والبنوك، وتقديم الحلول المتكاملة لأنظمة إدارة أصول المنشأة ERP، وأنظمة الأرشيف الإلكتروني ومتابعة الدورة المستندية، وأنظمة وأجهزة ومستلزمات الشبكات والتأمين وأنظمة التشغيل، وتجهيز مراكز المعلومات، وكافة أعمال توريدات الحاسب الآلي”.  كما توفر عملية التدريب في مصر والدول العربية. ويصل رأس مال الشركة المرخص به إلى مائة مليون جنيه، وتضم قائمة المساهمين فيها كلاً من صندوق تطوير نظام الأحوال المدنية، وصندوق تحسين الخدمات الاجتماعية والصحية لأعضاء هيئة الشرطة، والشركة المصرية للمشروعات الاستثمارية المملوكة لوزارة النقل، والشركة المصرية للاتصالات.  وكان يرأس مجلس إدارة الشركة  سنة 2016 اللواء الدكتور مصطفى راضي (مساعد أول وزیر الداخلية). وتوسعت أنشطة الشركة لتشمل توفير مراكز تدريب مجهزة ومعتمدة، وإعداد مراكز خدمة العملاء والدعم الفني، وتقديم الاستشارات الفنية، وعقود الصيانة، وعقود الدعم الفني لجميع العملاء داخل مصر من القطاع الخاص أو الحكومي.

سادسا، مطابع وزارة الداخلية، وتم تأسيسها عام 1988، ضمن منظومة الشرطة المصرية الاقتصادية، إذ تتولي طباعة تذاكر مباريات الدوري العام لكرة القدم.

سابعا، مُجمع الشرطة لصيانة السيارات، جرى تأسيسه في عام 2001 يعمل في مجال صيانة السيارات وبيع وتوريد قطع الغيار.

ثامنا، الأندية والفنادق، تمتلك الشرطة نوادٍ لضباط الشرطة في كل ربوع القطر المصري، كما تتربح من تأجير قاعاتها للأفراح في هذه الأندية، إلا أنها تمتلك – إلى جانب ذلك – العديد من المشروعات السياحية والفندقية. تمتلك الوزارة فندقي حورس وإيزيس بمدينة نصر، وتمتلك دار المراسم التابعة لنادي ضباط الشرطة بالجزيرة، قد تتجاوز فيها تكاليف العرس الواحد 100 ألف جنيه مصري، كذلك تمتلك دار الضيافة بمدينة نصر والتي تستخدمها كنشاط تجاري أيضًا كاستضافة فندقية وتأجير القاعات للمناسبات.

تاسعا، منافذ بيع السلع الغذائية ” سلسلة أمان”،  تأسست في شهر أكتوبر 2015م بقرار من اللواء مجدي عبدالغفار وزير الداخلية وقتها،  تحت اسم سلسلة أمان لتبلغ بنهاية عام 2018 أكثر من 190 سلسلة متنقلة في جميع المحافظات.  يتبع ذلك جهاز استثماري يوفر إنتاج تلك السلع واستيرادها، بالإضافة لوجود ثلاجات ضخمة لحفظ المنتجات، كل ذلك يعد بمثابة استثمار جديد لجهاز الشرطة. كما تم التوجيه بعمل منافذ بيع ومعارض خاصة للملابس والورقيات مع قدوم موسم المدارس وتوسعت بشكل كبير في ظل الوزير الحالي محمد توفيق، يعتبر البعض أن لهذه النوعية من المشاريع وجهين؛ وجهًا اقتصاديًّا ربحيًّا، والوجه الآخر يعيد صياغة الصورة الذهنية للوزارة بعد ثورة يناير 2011.

وتساهم تلك الشركات في تعظيم موارد وزارة الداخلية الاقتصادية التي تضم أرباح الشركات التابعة بها، والرسوم الإدارية المفروضة على المواطنين، إلى جانب مخصصاتها المالية في الموازنة العامة، وفقا لما يؤكده منسق المبادرة الوطنية لإعادة بناء الشرطة والعقيد بالمعاش محمد يوسف، والذي يرى في الشركات التي أسستها الوزارة محاولة للاستفادة من نفوذها المجتمعي وسطوتها القانونية التي تتيح لها احتكار أغلب المناقصات الخاصة بها، قائلا: “هذه المصالح التجارية لا تخضع للإشراف من جانب الأجهزة الرقابية المصرية”.([2])

 

انعدام الرقابة

أولا، تنعدم الرقابة تماما على الشركات التابعة لوزارة الداخلية كما هو الحال مع شركات الجيش، فكافة الشركات التابعة لقطاع الاستثمار في وزارة الداخلية، ليست مُسجلة في البورصة، وهو ما كشف عنه نسخة عام 2016 من الكتاب السنوي للبورصة الذي يضم كافة أسماء الشركات المُدرجة بها. تفسير ذلك أن الإدراج في البورصة يفرض على الشركات المُسجلة درجة أعلى من الإفصاح والشفافية، إذ تلزم البورصة الشركات المُسجلة بالإفصاح عن رأسمالها والمساهمين في حصص بها، وإعلان أرباحها بشكل دوري خلافا للشركات غير المُسجلة”.

ثانيا، شركات الداخلية لا تخضع فعليا لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات،  دليل ذلك أنه في نهاية عام 2015 تقدم عاصم عبد المعطي، الوكيل السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، وعضو المركز المصري لمكافحة الفساد، ببلاغ إلى النائب العام، ضد القائمين على الصناديق الخاصة لوزارة الداخلية والتي تدخل إليها أرباح شركات المنظومة الاقتصادية للشرطة. وفي بلاغه، اتهم عبد المعطي الوزارة، بفتح حسابات سرية للصناديق الخاصة التي تتبعها، رغم صدور القانون رقم 139 لسنة 2006، والذي يقضي بإغلاق كل الحسابات المفتوحة خارج نطاق إجراءات رقابة البنك المركزي.وأكد مقدم البلاغ أن الجهاز المركزي للمحاسبات غير مخول بمراقبة هذه الصناديق، أو حصر أموال الحسابات السرية للداخلية، لأسباب تتعلق بأن دور الجهاز يقتصر على التدقيق في مالية الدولة المرتبطة بالموازنة الرسمية، المرتبطة بالبنك المركزي.

ثالثا، يكشف البيان التحليلي لموازنة عام (2016-2017)، المنشور على الموقع الرسمي لوزارة المالية عدم إدراج أموال الصناديق الخاصة، التي تضم أرباح المشاريع الاستثمارية وإيرادات الداخلية، ضمن بند مُخصصات الوزارة المالية؛  وتفسير ذلك أن كل صندوق يدار على أنه إقطاعية مالية خاصة للفئة المستفيدة منه في الوزارة، وحتى اليوم يتجاهل نظام السيسي ضم هذه الصناديق الممولة لمشاريع وزارة الداخلية الاستثمارية إلي خزينة الدولة، وإدراج الأرقام الواردة ضمن البيان المالي لتخفيض عجز الموازنة العامة للدولة.

الأمر الرابع،  عدم خضوع شركات الإمبراطورية الاقتصادية للداخلية للضرائب بقوة نفوذها وسلطتها وليس بقوة القانون؛ فشركات الداخلية الاستثمارية تصنف ضمن الشركات المُساهمة، الخاضعة للقانون رقم 159 لسنة 1981، والقانون 91 لسنة 2005 الذي لا يمنح كافة الشركات التي تندرج تحته، أي إعفاء ضريبي، بخلاف شركات الجيش المعفاة تماما من ضرائب الدخل  وفقاً للمادة 47 من قانون ضريبة الدخل لعام 2005، وكذلك المادة الأولى من قانون الإعفاءات الجمركية لعام 1986 التي تنص على إعفاء واردات وزارة الدفاع ووزارة الدولة للإنتاج الحربي من أية ضريبة. فجميع شركات الإمبراطورية الاقتصادية للشرطة لا تخضع للضرائب رغم إلزام القانون لها بتسديد الضرائب المفروضة عليها، بعد تقديم إقرار ضريبي سنوي. فهناك 13 مما تسمى بجهات سيادية  لديها شركات استثمارية ومن بينها وزارة الداخلية التي لديها العديد من المشاريع الربحية الضخمة، لا تدخل قيمة ضرائبها في الموازنة العامة للدولة”.

خامسا، إدراج موازنة الوزارة كرقم واحد عن طريق الاعتمادات الإجمالية غير المفصلة على شكل بنود الإنفاق يسهل من تملص الوزارة من كل أشكال المراقبة على جهات إنفاقها، وهذا الأمر مخالف للقانون رقم 72 لسنة 2013 الذي أضاف تعديلاً لقانون الموازنة العامة للدولة رقم 53 لسنة 1973 والذي حدد أن ما يُدرج كاعتمادات إجمالية لا يجوز أن يزيد على 5 % من إجمالي الاعتمادات المدرجة لإنفاق الجهة بالموازنة العامة للدولة، مستثنياً في ذلك موازنة القوات المسلحة التي تُدرج كرقم واحد.

 

مافيا الجيش والشرطة.. صراع أم تقاسم؟

قامت النيابة العامة في عام 2015 بالتحقيق في سيطرة  (جمعية النخيل) التابعة للداخلية، على ما يبلغ قيمته مليار جنيه من خلال وزارة الإسكان. هذا الخبر يعبر أولًا عن محاولة الجيش إخضاع الشرطة في ظل التنافس الاقتصادي المحموم بينهم بُعيد 2013، ثانيًا أن هذه جمعية واحدة ضمن عدد ضخم من الجمعيات التعاونية للشرطة والصناديق الخاصة «فما خفي كان أعظم». وجمعية النخيل أنشأها لواءات شرطة كجمعية تعاونية، حصلت على أراضٍ من وزارة الإسكان في القاهرة الجديدة لبناء سكن للضباط، لكنها قامت باستثمار تلك الأرض، سواء ببيعها أو بالدخول في شراكة من الباطن، وذلك ما حدث بالدخول في شراكة مع شركات ورجال أعمال كماجد سامي جرجس، مالك نادي وادي دجلة، الذي أخذ أراضي الضباط مقابل إعطاء العضوية لضباط الشرطة داخل النادي، ومثل ما حدث أيضًا من بيع الأرض لإدوارد فكرى لبناء مول تجاري، ورجائى عبد الرازق لبناء مدرسة دولية، وعماد راغب لبناء معهد خاص، وعلاء خليفة لبناء مدارس زوسر الدولية، وشركة يوجو مصر لبناء مول تجاري، وحمدي الملا لبناء مدارس كمبريدج مصر، وإبراهيم عبد الله لبناء معهد حاسبات، ونيرمين إسماعيل لبناء مدارس مصر 2000، ومحمود شاكر لبناء مدارس منارة الفاروق، وشركة الفقيه القانوني أحمد كمال أبو المجد المصريين للاستثمار لبناء مبنى إداري.

مستقبل هذه العلاقة، بين إمبراطوريتي الجيش والشرطة في مجال الاستثمار والصراع الخفي بين الطرفين مُرشح للتصاعد خلال  المرحلة المقبلة بعد توسع صلاحيات المؤسسة العسكرية، ودخولها طرفا رئيسيا في عدد من مشاريع الإنشاءات والأشغال العامة بالتعاون مع مستثمرين ومتعاقدين من القطاع الخاص، واحتكار كافة مناقصات المشتريات الحكومية الأساسية”، فالسلطة الحالية تترك هامشاً من هذه المشاريع لصالح الداخلية، حتى لا يعود التنافس بين المؤسستين إلى ما كان عليه وقت مبارك، دون أن تسمح لها بالتغلغل في الدولة ومنافسة الجيش لتبقى حدود عملها ضمن مشاريع تعبر عن مصالح العاملين فيها.

وثمة رأيا آخر، يرى أن الوضع الاقتصادي المتضخم للشرطة ينبئ عن عصر جديد من تقاسم المكاسب بين الأجهزة الأمنية، وعودتهم كمنتفعين مباشرين من بقاء هذا النظام، وبالتالي السعي للحفاظ عليه. فهل يتمكن النظام من بقاء هذا التوازن في توزيع المغانم والمكاسب أم تطغي نوازع الصراع والهيمنة والاحتكار لتطيح بكل هذه المافيا وما تديره من إمبراطوريات اقتصادية ضخمة تعمل لحساب قادة المافيا بعيدا عن الشعب المسحوق بفعل هذا الصراع الخفي والضاري في ذات الوقت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر

  • خالد عبدالعال/”العربي الجديد” يكشف: إمبراطورية الشرطة المصرية الاقتصادية/ العربي الجديد 30 ديسمبر 2016
  • محمد أبو العينين/الاقتصاد في قبضة الأمن: حصة جهاز الشرطة من السوق المصري/ إضاءات 29 يونيو 2019
  • ممدوح حسن ووليد ناجى/ المستشار هشام جنينة لـ«الشروق»: مخالفات وزارة الداخلية بالمليارات.. وجهات رقابية شريكة فى الفساد (1 – 2)/ بوابة الشروق الثلاثاء 18 مارس 2014

 

  • باسل درويس/”أفريكان كونفدنشال” تكشف الفساد في “الصناديق الخاصة” بمصر/ “عربي 21” السبت، 30 مايو 2015
  • عش الدبابير الذي تجنب السيسي ضمه للموازنة.. قصة الصناديق التي تحوي مئات المليارات وتتبع لجهات سيادية/ عربي بوست 20 أكتوبر 2019
  • عبدالغني دياب ومحم نصار/أداء البرلمان مخيب للآمال..هشام جنينة: فتح ملف الصناديق الخاصة ليس في صالح جهات سيادية/ مصر العربية 2 ديسمبر 2016م
  • سناء عبدالوهاب/صناديق الشرطة: فساد الحسابات الخاصة في وزارة الداخلية/ المصري اليوم الأحد 8 يوليو 2012

 

 

 

 

[1] محمد أبو العينين/الاقتصاد في قبضة الأمن: حصة جهاز الشرطة من السوق المصري/ إضاءات 29 يونيو 2019

 

[2] خالد عبدالعال/“العربي الجديد” يكشف: إمبراطورية الشرطة المصرية الاقتصادية/ العربي الجديد 30 ديسمبر 2016

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022