الملفات الخارجية الثلاثة التى قد تتسبب فى الإطاحة بالسيسى

شهدت الأيام القليلة الماضية مجموعة من التطورات المتعلقة بالقضايا الخارجية والتى قد تؤثر بالسلب على علاقة نظام السيسى بداعميه الخارجيين، وإثارة الخلافات داخل أجنحة النظام، وزياده السخط الشعبى على السيسى. وقد ظهرت تلك التطورات فى ثلاث قضايا رئيسية هى: تجهيز الإمارات بديل للسيسى، والضغط الإماراتى على السيسى للتدخل العسكرى فى ليبيا، وأخيراً طرح صفقة القرن التى أعلن عنها ترامب فى 28 يناير 2020.

أولاً: الإمارات وتجهيز بديل السيسى:

بعد سنوات من غيابه بعد أن كان أيقونة ثورة 25 يناير المصرية، عاد وائل غنيم إلى الظهور للعامة مستخدماً حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي (سواء عبر صفحته الشخصية على الفيس بوك وتويتر أو عبر صفحة “كلنا خالد سعيد” التى أعاد تنشيطها)، ولكن بشكل وأيديولوجيا جديدة تمثلت فى1:

  1. دعم النظام وتثمينه لمنطق الحوار معه على منطق الخروج عليه، كما دعا الشباب إلى عدم الاستجابة لمطالبات المقاول والممثل المصري محمد علي، بالنزول إلى كافة الميادين تزامناً مع الذكرى التاسعة للثورة المصرية، والمطالبة برحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي. ما مثل تخلياً عن مبادئه الثورية.
  2. ضد الإسلاميين، حيث نقد قوى المعارضة الإسلامية ووصفها بالضعف والتمزق والعجز عن التغيير وغرقها في مشكلاتها الذاتية.
  3. وصم الإعلام المعارض بالفشل وبتلقيه تمويل أجنبي. وطالب بإغلاق قنوات المعارضة المصرية في الخارج وعلى رأسها قناتي الشرق ومكملين، كما طالب باغلاق قناة الجزيرة القطرية.
  4. هاجم دولة قطر واتهمها بدعم الإرهاب، وتطاول بالسب والقذف على أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني2. فى حين اعتذر لولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، عن كل إساءة وجهها له عبر مقاطع فيديو اليوتيوب.

وبعد هذه المواقف الجديدة لغنيم، أطلق نشطاء وسم “وائل عميل الإمارات”، مع نشر صور له بصحبة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، والرئيس السيسي. وكان من أبرز المهاجمين لغنيم أنس حسن، مؤسسة شبكة رصد الإخبارية، الذى أشار فى مجموعة من البوستات على صفحته ب”فيس بوك” إلى أنه تم تجنيده من قبل جهاز أمن أبوظبي بعد 2012، وتم استقطابه بعد الثورة واستخدامه في حملات الاستعداد للإنقلاب، وهو من أدخل صفحة “خالد سعيد” لمعسكر الإنقلاب. كما أشار حسن إلى وجد تسريبات تشير إلى أن غنيم هو أحد رجال يوسف العتيبة في واشنطن ويتلقى تمويل إماراتي3. فضلاً عن استخدامه من قبل الإمارات ومصر للتعرف على المعارضين المتواجدين فى الخارج، وتسهيل القبض عليهم.

ويمكن القول، أن الإمارات هى من دفعت وائل غنيم للظهور فى هذا التوقيت لتحقيق هدفين: الأول/ التشويش على دعوات محمد على للتظاهر ضد السيسى فى ذكرى يناير، وبالتالى إفشال الحراك والحفاظ على حليفها المقرب الرئيس السيسى. الثانى/ الاستعداد لإمكانية حدوث حراك حقيقى يطيح بالسيسى، وبالتالى تجهيز بعض القوى السياسية التى تدعم خيارات الإمارات، كما حدث من قبل عندما قامت أبو ظبى بتمويل حركة تمرد للإطاحة بالرئيس مرسى، وهى ذات الحركة التى قدمت الدعم للسيسى. ويعتبر وائل غنيم هو البديل المناسب لحركة تمرد باعتباره محسوب على ثورة يناير، والأهم من ذلك هو توافقه مع الأفكار الإماراتية المعادية للإسلاميين والدول الداعمة لهم مثل قطر.

ولكن الملاحظ هنا، أن ظهور وائل غنيم فى هذا التوقيت قد يؤدى إلى احراقه ككارت فى يد الإمارات، وهو ما ظهر فى تصاعد الإنتقادات لغنيم باعتباره عميل للإمارات، والذى ظهر فى وصول هاشتاج # وائل عميل الإمارات إلى المرتبة السادسة فى مصر خلال فترة قصيرة. فضلاً عن إمكانية إدراك السيسى للمساعى الإماراتية بتجهيز بديل له، وهو ما قد يتسبب فى سوء العلاقة بينهما.

 

ثانياً: الإمارات والضغط على السيسى للتدخل العسكرى فى ليبيا:

فى تغريدة للأكاديمى الإماراتى عبدالخالق عبدالله، والمقرب من محمد بن زايد، أكد على أن جيش حفتر إذا لم يتمكن من السيطرة على طرابلس، فإن الجيش المصرى وحده سيكون القادر على حسم الأمور4. كما استضافت مؤسسات رسمية في أبوظبي على مدار يناير الحالي عدداً كبيراً من الكتاب والمفكرين والشخصيات العامة المؤثرة في صناعة القرار المصري، في اجتماعات ولقاءات مع باحثين ومسؤولين إماراتيين تحت مظلة مراكز أبحاث أحدها تابع لوزارة الدفاع الإماراتية، انصبت النقاشات خلالها على حتمية الحسم العسكري للأزمة الليبية، وعدم تحقيق ذلك إلا عبر بوابة الجيش المصري.

فضلاً عن وجود أحاديث عن اتصالات رفيعة المستوى بين الإمارات ومصر، سعى خلالها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لإقناع القيادة المصرية بحسم الأزمة الليبية عسكرياً في وقت سريع، عبر تدخل مباشر للجيش المصري بعد تعثر اللواء المتقاعد خليفة حفتر وعدم استطاعته حسم المعركة المستمرة للسيطرة على طرابلس منذ إبريل 2019. وأن أبوظبي والرياض ربطتا موافقة الإدارة المصرية على التدخل المباشر في لبيبا بحزمة اقتصادية ضخمة، بالإضافة لتحمل كافة نفقات المعركة هناك، مع تقديم كافة أشكال الدعم المختلفة5.

ومن المتوقع أن يتزايد الضغط الإماراتى على مصر بعد قيام الدفاعات الجوية التابعة لحكومة الوفاق بإسقاط طائرة إماراتية مسيرة شرق مدينة مصراتة، شرقي العاصمة طرابلس6، وهو ما قد يشير إلى تحسين القدرات الدفاعية للوفاق بعد تزايد الدعم العسكرى التركى لها. كما سيتزايد الضغط بعد وصول بارجتين حربيتين تركيتين إلى ميناء طرابلس، فى 29 يناير الجارى، حيث أنزلتا جنوداً ومعدات عسكرية لدعم القوات الموالية لحكومة الوفاق، وقد لجأت تركيا إلى الدعم عبر البحر بعد قيام حفتر بإغلاق المجال الجوي لطرابلس ومصراتة7.

ولكن القاهرة قد أبلغت أبوظبي بشكل واضح بأن فكرة تدخل الجيش المصرى فى ليبيا مرفوضة تماماً خشية تورط الجيش المصري في معركة طويلة الأمد تستنزف قواته، كما حدث في حرب اليمن إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، موضحة أن إدارة معركة حربية في مسرح عمليات مثل ليبيا، لن تكون بالعملية السهلة كما يروج قادة الإمارات. وهناك أيضاً الحسابات المتعلقة بجوانب السياسية الدولية، وتوازنات القوى والقرار الأوروبي والأميركي، فى ظل تواجد التجاذبات السياسية، وارتباك أحلاف المصالح في منطقة الشرق الأوسط. ولذلك فإن مصر ترفض التدخل العسكرى المباشر فى ليبيا، مع تعهدها بزيادة كافة أشكال الدعم اللوجستي والعسكري لحفتر8.

وربما يكون هذا الأمر من الأسباب التى قد تؤدى إلى حدوث خلاف بين الإمارات ومصر، خاصة فى ظل الأحاديث السابقة عن حدوث خلاف بين مصر والإمارات فى ظل رفض القاهرة لحملة حفتر العسكرية على طرابلس، والتى جاءت بدعم إماراتى. كما أن مطالبة الإمارات للجيش المصرى بالتدخل عسكرياً فى ليبيا قد يثير حفيظة بعض القيادات العسكرية داخل الجيش، التى ترى فى ذلك تدخل إماراتى فى القرارات العسكرية المصرية.

وربما ذلك ما دفع تلك القيادات العسكرية إلى الضغط على السيسى بعدم الاستجابة للضغوط الإماراتية فى هذا الاتجاه. أكثر من ذلك، فإن تلك القيادات كان لديها مخاوف من إمكانية خضوع السيسى للضغوط الإماراتية، ولذلك فقد طالبت بالحصول على ضمانات من قبل السيسى بعدم السير خلف الإمارات والتورط فى الملف الليبى عبر إرجاع بعض القيادات العسكرية الرافضة للتدخل العسكرى فى ليبيا مثل رئيس الأركان السابق، والمختص بالملف الليبى، الفريق محمود حجازى.

وفى حالة ما إذا وجدت الإمارات أن هناك رفض مصرى قاطع لعدم التدخل العسكرى فى ليبيا فإنها قد تتوقف عن تقديم مزيد من الدعم والمساعدات المالية لمصر، مما يؤثر بالسلب على العلاقة بين البلدين.

 

ثالثاً: صفقة القرن والموقف المصرى المتخاذل:

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء 28 يناير الجارى، أثناء استقباله لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عن خطة السلام بين الإسرائليين والفلسطينيين والمعروفة إعلامياً باسم “صفقة القرن”.

وقد نشرت وزارة الخارجية الأميركية نص خطة السلام، فى 28 يناير الحالى، بعنوان “رؤية لتحسين حياة الفلسطينيين والشعب الإسرائيلي”. وقد احتلت مصر جزءاً من تلك الخطة تحت عنوان “تعزيز التنمية الإقليمية والتكامل”، ورصدت الخطة 9.167 مليارات دولار أميركي للمشروعات المقررة، منها 917 مليون دولار عبارة عن منح، و4.325 مليارات قروض و3.925 مليارات تمويل ذاتي.

وجاء في الخطة الأميركية المقترحة 12 مشروعاً اقتصادياً مرتبطة بمصر التي تمتلك حدوداً مع قطاع غزة في فلسطين، تتمثل فى9:

المشروع الأول، يهدف إلى تحقيق “الاستقرار الاقتصادي” من خلال إنشاء صندوق يسمح بالحصول على قروض للشركات الصغيرة والمتوسطة، وذلك على مدار عامين وبتكلفة 125 مليون دولار أميركي عبارة عن قروض ويتم خلال عامين.

المشروع الثاني، يتمثل فى تقديم خدمات عبر الحدود بإنشاء خطوط نقل إلى غزة، وإعادة تأهيل الخطوط المصرية الحالية المرتبطة بغزة. وذكرت الخطة أنه عندما يتم ذلك سيكون الفلسطينيون قادرين على الحصول على مزيد من إمدادات الطاقة من مصر بسعر متفق عليه من الطرفين، ورصدت الخطة 12 مليون دولار أميركي عبارة عن منح وتتم خلال عام واحد.

المشروع الثالث، وهو ترقية خطوط الطاقة بين مصر وغزة على مراحل، على أن تكون المرحلة الأولى عبارة عن زيادة إمدادات الطاقة من مصر إلى غزة عن طريق تحديث خطوط النقل لدعم قدرة إجمالية قدرها 50 ميغاواط. وقال المشروع إنه عندها سيكون بإمكان الفلسطينيين شراء طاقة إضافية من مصر بسعر متفق عليه، وتم رصد 10 ملايين دولار للمشروع عبارة عن منح وينفذ خلال عام.

المشروع الرابع، فسيتم زيادة إمدادات الطاقة من مصر إلى غزة عن طريق تحديث خطوط النقل لدعم قدرة إجمالية قدرها 100 ميغاواط بالسعر المتفق عليه بين مصر والفلسطينيين، ورصد المشروع الأميركي 20 مليون دولار عبارة عن منح على مدار 3 سنوات.

المشروع الخامس، والخاص بـ”التجارة الإقليمية”، يعمل على اكتشاف طرق للاستفادة من المناطق الصناعية المؤهلة في مصر لتعزيز زيادة التبادل التجاري بين مصر و”إسرائيل” والضفة الغربية وغزة، ويمكن أن تشمل الميزات الرئيسية لهذا البرنامج مراجعة الإمكانات والتعديلات على حصة المحتوى المصري أو الإسرائيلي أو الفلسطيني المطلوبة لتصل إلى 35 في المائة لكل طرف، على أن يتم المشروع في مرحلة واحدة خلال عامين.

المشروع السادس، وهو خاص أيضاً بالتجارة الإقليمية، فهو إنشاء مركز للطاقة “شرق المتوسط”، ودعم إنشاء مركز إقليمي للغاز الطبيعي في مصر يسمح بزيادة الصادرات إلى الأسواق الدولية من محطات الغاز الطبيعي المسال المصرية. ويتكلف المشروع ملياراً ونصف مليار دولار أميركي، 450 مليون منها عبارة عن قروض، و1.05 مليار تمويل ذاتي على أن يستغرق 5 سنوات.

المشروع السابع، فكان موقعة السويس، حيث تم التخطيط لإنشاء “منطقة القناة الاقتصادية”، ودعم توسعات الميناء، والحوافز التجارية للمركز التجاري المصري بالقرب من قناة السويس، على أن يتكلف المشروع 500 مليون دولار أميركي نصفها قروض والنصف الآخر منح والتنفيذ خلال 5 سنوات.

المشروع الثامن، في الخطة فجاء تحت بند “الاستقرار الاقتصادي”، وهو تطوير الطاقة في سيناء، من خلال دعم مشاريع توليد الطاقة في سيناء لزيادة الإمداد الجديدة، ويتم على مرحلتين خلال 5 سنوات بتكلفة 500 مليون دولار؛ 125 مليوناً منها عبارة عن منح و250 مليوناً قروض و125 مليوناً تمويل ذاتي.

المشروع التاسع، المياه في سيناء، الذى يهدف إلى تطوير، ودعم مشاريع البنية التحتية للمياه في سيناء لدعم التنمية الاقتصادية على نطاق أوسع، ويتم على مرحلتين بتكلفة 500 مليون دولار؛ 125 مليوناً منها عبارة عن منح و250 مليوناً قروض و125 مليوناً تمويل ذاتي.

المشروع العاشر، خاص بالتجارة الإقليمية في سيناء ووسائل النقل من خلال دعم طرق سيناء والبنية التحتية للنقل لربط المشروعات الجديدة، ويتم على مرحلتين خلال 5 سنوات بتكلفة 500 مليون دولار نصفها منح والنصف الآخر قروض.

المشروع الحادى عشر، و الذى جاء تحت عنوان “الاستقرار الاقتصادي”، وهو خاص بالسياحة في سيناء، ويعتمد على تطوير ودعم المشروعات السياحية في سيناء، بما في ذلك على ساحل البحر الأحمر، ويتم على 3 مراحل خلال 8 سنوات بتكلفة 500 مليون دولار؛ 125 مليوناً منها عبارة عن منح و250 مليوناً قروض و125 مليوناً تمويل ذاتي.

المشروع الثاني عشر والأخير، فخاص بالنقل واللوجستيات، وهو عبارة عن برنامج لدعم البنية التحتية الجديدة للنقل في مصر لتحسين الاتصال المحلي والإقليمي، ويتم على 3 مراحل خلال 10 سنوات بتكلفة 500 مليون دولار نصفها قروض والنصف الآخر تمويل ذاتي.

وفيما يتعلق بالموقف المصرى من تلك الصفقة، فهو أقرب إلى دعمها أكثر من كونه موقف محايد. فوفقاً لبيان وزارة الخارجية المصرية، فقد أكد البيان على “تقدير مصر للجهود المتواصِلة التي تبذلها الإدارة الأمريكية من أجل التوصُل إلى سلام شامل وعادل للقضية الفلسطينية، بما يُسهم في دعم الاستقرار والأمن بالشرق الأوسط، وينهي الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مشيرة إلى أن مصر ترى أهمية النظر لمبادرة الإدارة الأمريكية من منطلق أهمية التوصُل لتسوية القضية الفلسطينية بما يعيد للشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة من خلال إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفقًا للشرعية الدولية ومقرراتها”.

وكما أشار البيان إلى “دعوة مصر الطرفين المعنيين بالدراسة المتأنية للرؤية الأمريكية لتحقيق السلام، والوقوف على كافة أبعادها، وفتح قنوات الحوار لاستئناف المفاوضات برعاية أمريكية، لطرح رؤية الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إزاءها، من أجل التوصل إلى إتفاق يلبي تطلعات وآمال الشعبين في تحقيق السلام الشامل والعادل فيما بينهما، ويؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة”10.

أكثر من ذلك، فقد نقل موقع “مدى مصر” عن أحد المصادر المطلعة على بيان الخارجية وتعديله بعد ذلك أن البيان اختلف في بعض الصياغات عن مسودة أصلية أعدتها الخارجية قبل إرسالها لرئاسة الجمهورية لإقرارها. حيث أن المسودة ذكرت “الدولة الفلسطينية على اﻷراضي المحتلة في 1967، وعاصمتها القدس الشرقية”، لكنها حُذفت من نسخة الرئاسة الأخيرة.

كذلك، حُذفت من نسخة الرئاسة جملة وردت في المسودة نصت على “ضرورة أن تدرك إسرائيل أن تحقيق السلام في المنطقة لن يتم دون ضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”، فيما اكتفت نسخة الرئاسة بالإشارة إلى أن القاهرة تدرك “أهمية النظر لمبادرة الإدارة اﻷمريكية من منطلق أهمية التوصل لتسوية للقضية الفلسطينية بما يعيد للشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة من خلال إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على اﻷراضي الفلسطينية المحتلة، وفقًا للشرعية الدولية ومقرراتها”.

وكما أن البيان المصرى كان الأضعف مقارنةً ببيانات رسمية أخرى صدرت عن دول حليفة لمصر والولايات المتحدة ولها مصالح قوية مع إسرائيل في المنطقة. مثلًا، تحدث بيان الخارجية اﻷردنية، الصادر في التوقيت ذاته، عن دولة فلسطينية “على حدود 4 يونيو 1967″، بناءً على حل الدولتين بحسب القانون الدولي، فضلًا عن إشارته إلى “القضية الفلسطينية بوصفها القضية اﻷهم للعالم العربي”. وحذر البيان اﻷردني “إسرائيل من اتخاذ أي خطوات أحادية بما في ذلك ضم أراض فلسطينية أو التوسع في المستوطنات الإسرائيلية أو النيل بأي شكل باﻷماكن المقدسة”. كما أشار بيان وزارة الخارجية السعودية -الحليف الأهم لواشنطن في المنطقة- إلى المبادرة العربية للسلام، التي كانت طرحتها الرياض في 200211.

وبدون بذل كثير من الجهد فى تحليل هذا البيان، يتضح أنه يعبر عن الدعم المصرى للصفقة عبر تثمينه للجهود الأمريكية، وأنه أقرب إلى الموقف الإسرائيلى الذى وافق على تلك الصفقة. ومخالفاً لموقف السلطة الفلسطينية والمواقف العربية التى أعلنت رفضها لتلك الصفقة، وحملت الإدارة الأمريكية المسئولية عن إفشال العملية التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ويمكن تفسير هذا الموقف المصرى فى ضوء مجموعة من العوامل منها:

1- الوساطة الأمريكية فى ملف سد النهضة: حيث يتواجد وزير الخارجية سامح شكري في واشنطن من أجل الاجتماعات بشأن «سد النهضة»، حيث تلعب الولايات المتحدة دور الوسيط في الأزمة بين القاهرة وأديس أبابا، ما يجعل الموقف المصري حكماً مكبلاً، خاصة أن الحديث الدبلوماسي المصري هو عن «ضغوط أميركية كبيرة» على إثيوبيا التي هددت بفرض سياسة الأمر الواقع في بدء تخزين المياه من دون إتفاق12.

2- الدعم الأمريكى فى شرق المتوسط: فهناك رغبة مصرية فى الحصول على الدعم الأمريكى فى صراعها ضد تركيا فى منطقة شرق البحر المتوسط. وهو ما ظهر فى إعلان وزارة البترول المصرية، فى 28 يناير الجارى، وهو ذات اليوم الذى تم فيه الإعلان عن صفقة القرن، إن الوزير طارق الملا وقع اتفاقيتين جديدتين مع شركة إكسون موبيل الأمريكية باستثمارات حدها الأدنى 332 مليون دولار ومنح توقيع 17 مليون دولار لحفر سبع آبار للتنقيب عن النفط والغاز بالبحر المتوسط13.

كما يتضح من المشروعات التى نصت عليها الخطة والمتعلقة بمصر، أن هناك دعم أمريكى لإنشاء مركز للطاقة “شرق المتوسط”، ودعم إنشاء مركز إقليمي للغاز الطبيعي في مصر يسمح بزيادة الصادرات إلى الأسواق الدولية من محطات الغاز الطبيعي المسال المصرية.

3- عدم اشتمال الصفقة على أراضى مصرية: فبنود الخطة التى تم الإعلان عنها لم تشتمل على أى أراضى مصرية، خاصة فى ظل الأحاديث الإعلامية السابقة عن أن مصر ستقوم بالتنازل عن جزء من سيناء يُضم إلى قطاع غزة؛ من أجل إنشاء الدولة الفلسطينية الجديدة. وبالتالى يمكن القول أن ترامب قد سمح للسيسى بعدم التنازل عن جزء من سيناء مقابل دعم تلك الصفقة وتمريرها عربياً من خلال منع اتخاذ أى خطوات فعلية ضدها على مستوى الجامعة العربية، بجانب تقديم مزيد من التسهيلات الاقتصادية والحدودية إلى قطاع غزة.

إلا أن هناك مجموعة من المشاكل التى قد تواجه النظام المصرى نظير موافقته على تلك الصفقة تتمثل فى14:

1- وجود حالة من الغضب الشديد في الأوساط الدبلوماسية والحكومية المصرية، إلى حد تواصل عدد من السفراء المصريين في العواصم الكبرى، العربية والأوروبية واللاتينية، مع ديوان الخارجية في القاهرة ومرافقي وزير الخارجية سامح شكري الموجود حالياً في واشنطن، للإعراب عن غضبهم واحتجاجهم على صيغة البيان التي لم تتعرض للثوابت المصرية السابقة تجاه القضية الفلسطينية، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس الشرقية، وهي العبارة التي كان يذكرها السيسي في كل بياناته السابقة تقريباً.

2- صعوبة مهمة تكليف مصر بإدارة الملف الأمني في غزة والسيطرة على حركة حماس وتحجيم قوتها العسكرية، والتي سبق للسيسي محاولة إنجازها في صورة “المصالحة الفلسطينية” والتي شهدت انتكاسة كبرى العام الماضي.

3- طبيعة المشاريع التي تدخل ضمن “الحزمة التحفيزية لإنجاز الخطة”، إذ يرى السيسي ضرورة مراعاة حساسية وضع الجيش المصري في سيناء واستثناء بعض المناطق من احتمال ضمها لتلك المشاريع، فضلاً عن اعتباره أن بعض المقترحات الخاصة بالتمويل والقروض تفتقد للموضوعية والسرعة المطلوبة.

4- إمكانية حدوث حراك شعبى داخلى، فقد دعت جماعة الإخوان المسلمين المصرية من وصفتهم بأبناء الأمة في بقاع العالم المختلفة أن “ينتفضوا في احتجاجات شعبية سلمية؛ للتعبير عن رفضهم لصفقة القرن، وأن يجعلوا من يوم الجمعة القادم وما بعده أيام دعم ومناصرة للقضية الفلسطينية”15. وربما تسعى الجماعة إلى استغلال حالة الغضب الشعبى من تلك الصفقة ومن الموقف المصرى المتخاذل من أجل دفع الجماهير الغاضبة للنزول إلى الشوارع احتجاجاً على تلك الصفقة. خاصة وأن النظام المصرى قد يجد حرجاً فى قمع تلك التظاهرات باعتبارها تدافع عن أهم القضايا العربية والإسلامية، كما أنها موجهة لقضية خارجية وليس داخلية متعلقة بالنظام القائم، فضلاً عن أن هناك توقعات بأن تكون هناك تظاهرات فى عموم الدول العربية والإسلامية احتجاجاً على تلك الصفقة.

وإن كان من المتوقع ألا يسمح النظام بنزول الجماهير بأعداد كبيرة إلى الشوارع، خاصة فى ظل الانتشار الأمنى الكثيف منذ بداية يناير الجارى استعداداً للذكرى التاسعة لثورة يناير، وربما أيضاً استعداداً لإمكانية حدوث مظاهرات رافضة لصفقة ترامب. كما يخشى النظام المصرى من أنه إذا سمح للجماهير بالنزول إلى الشوارع فإن ذلك قد يؤدى إلى توجيه تركيز التظاهرات من القضية الفلسطينية إلى التركيز على سياسات النظام الداخلية والمطالبة باسقاط السيسى.

وإجمالاً لما سبق؛ يمكن القول أن هناك ترابط بين صفقة القرن والقضايا المصرية المتمثلة فى غاز شرق المتوسط وسد النهضة الأثيوبى. حيث أن ترامب قد ربط الدعم الأمريكى لمصر فى شرق المتوسط ضد تركيا والضغط على أثيوبيا فى ملف سد النهضة بالموافقة المصرية على الصفقة. كما أنه ليس من المستبعد أن يتم استخدام تلك الملفات الخاصة بمصر من أجل دعم خطة ترامب، وذلك من خلال تصدير الغاز المصرى إلى قطاع غزة والضفة الغربية، وتراجع أثيوبيا عن تقليل حصة مصر فى مياه النيل مقابل توجيه جزء من هذه الحصة لمشروعات البنية التحتية فى سيناء، ولم لا توجيه جزء منها إلى إسرائيل، ومن الجدير بالذكر فى هذه النقطة، أنه تم تأجيل اجتماعات وزارء الخارجية والري من مصر والسودان وإثيوبيا في العاصمة الأمريكية واشنطن التى تهدف إلى محاولة التوصل إلى إتفاق شامل حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة إلى يوم 28 يناير الجارى (اليوم الذى تم فيه الإعلان عن صفقة القرن) بعد فشل تلك المشاورات قبل أسبوع من ذلك اليوم16.

أكثر من ذلك، فهناك أحاديث17 عن إمكانية تنازل مصر عن جزء من أراضى سيناء بالفعل، خاصة وأن ترامب أكد على أن الخطة التى أعلن عنها “قد تكون خطة السلام”، أى أنها ليست نهائية، وبالتالى قد يتم أخذ جزء من الأراضى المصرية فى المستقبل. وبصورة أدق، قد يتم السماح لتوطين الفلسطينيين فى جزء من سيناء مع بقائها تحت السيادة المصرية، ولعل ما يدعم ذلك ما تقوم به مصر من بناء سحارات مثل سحارة سرابيوم لنقل المياه من الضفة الغربية لقناة السويس إلى الضفة الشرقية18، وذلك فى ظل تهجير أهالى سيناء، وهو ما يشير إلى أن نقل هذه المياه ليس لخدمة أهالى سيناء كما يروج إعلام النظام وإنما لخدمة المقيمين الجدد من الفلسطينيين. وليس بعيداً عن ذلك أيضاً، موافقة البرلمان المصرى على قانون منح الجنسية المصرية، الذى يسمح للأجانب بالحصول على الجنسية مقابل وديعة لا تقل عن 7 ملايين جنيه مصرى على الأقل أو ما يعادلها من العملة الأجنبية19، أى أن الفلسطينيين قد يحصلوا على الجنسية المصرية التى تسمح لهم بالإقامة الدائمة فى الأراضى المصرية، ومن المؤكد أنهم سيفضلون الحصول على أراضى قريبة من فلسطين (أى سيناء).

 

 

 

 

 

 

1 ” وائل غنيم.. أداة مصر والإمارات الهزلية ضد ثورات الشعوب”، الخليج أونلاين، 23/1/2020، الرابط: https://bit.ly/2Oit3Px

2 ” الإمارات أجبرت وائل غنيم على سب أمير قطر مستغلة مقاطع صُورت له خلسة في فنادق دبي بأوضاع مخلة وشاذة”، وطن يغرد خارج السرب، 22/1/2020، الرابط: https://bit.ly/2RRCQNk

3 أنس حسن،”الصفحة الشخصية على الفيسبوك”، الرابط: https://www.facebook.com/Anas7asan

4 عبدالخالق عبدالله، “الصفحة الشخصية على تويتر”، الرابط: https://twitter.com/tiselavabifo

5 “فشل إماراتي بإقناع السيسي بتدخّل عسكري مباشر في ليبيا”، العربى الجديد، 28/1/2020، الرابط: https://bit.ly/2RC0Mp7

6 ” قوات الوفاق الليبية تعلن إسقاط طائرة إماراتية في مصراتة”، العربى الجديد، 28/1/2020، الرابط: https://bit.ly/2O9r9ka

7 ” رصد وصول بارجتين حربيتين تركيتين إلى ميناء طرابلس”، إندبندنت عربية، 29/1/2020، الرابط: https://bit.ly/37EVRJr

8 “فشل إماراتي بإقناع السيسي بتدخّل عسكري مباشر في ليبيا”، مرجع سابق.

9 ” التفاصيل الخاصة بمصر في “صفقة القرن”: 10 مليارات دولار و12 مشروعاً اقتصادياً”، العربى الجديد، 28/1/2020، الرابط: https://bit.ly/38ZDqQb

10 “الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية المصرية”، 28/1/2020، الرابط: https://bit.ly/2OevKl4

11 ” الأربعاء 29 يناير: المحذوف من بيان الخارجية عن «صفقة القرن»”، مدى مصر، 29/1/2020، الرابط: https://bit.ly/37FhQA5

12 “القاهرة تقرّر الصمت: المصالح مع تل أبيب وواشنطن كبيرة”، الأخبار، 28/1/2020، الرابط: https://bit.ly/2vtTsDi

13 “مصر توقع اتفاقيتين مع “إكسون موبيل” للتنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط”، القدس العربى، 28/1/2020، الرابط: https://bit.ly/2GrBALs

14 ” السيسي يوفر ظهيراً إقليمياً لخطة ترامب: انكفاء سياسي وخلاف حول 3 نقاط”، العربى الجديد، 30/1/2020، الرابط: https://bit.ly/2OaGXmA

15 ” “الإخوان” تدعو لاحتجاجات شعبية سلمية لرفض “صفقة القرن””، عربى21، 29/1/2020، الرابط: https://bit.ly/38RAhS8

16 ” اجتماع جديد بواشنطن الثلاثاء بشأن أزمة “سد النهضة””، عربى21، 27/1/2020، الرابط: https://bit.ly/2t4gqzU

17 صابر مشهور، ” ترامب يستبعد أراضي مصر والأردن من صفقة القرن”، يوتيوب، 28/1/2020، الرابط: https://bit.ly/37Fc6X8

18 ” سحارة سرابيوم.. أول مشروع قومي ينقل مياه النيل إلى سيناء”، مصراوى، 20/12/2020، الرابط: https://bit.ly/2vrL336

19 ” بعد موافقة البرلمان.. ننشر نص قانون منح الجنسية للأجانب المقيمين بوديعة”، اليوم السابع، 16/7/2020، الرابط: https://bit.ly/2RB7Im6

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022