التداعيات السياسية لفيروس كورونا على النظام الدولي والمنطقة العربية

يتعرض النظام العالمي -الذي نعيش في أطره الفكرية والسياسية والاقتصادية والإدارية- إلى اختبارات جدية تهز كياناته بقوة بين الحين والحين، تتراوح بين أزمات مالية تعصف باقتصادات دُولِهِ، أو تلوثات بيئية تتجاوز مخاطرُها نطاقَها المحلي والإقليمي، أو توترات سياسية تنذر بتحول صراعات محلية إلى إقليمية أو إلى دولية، أو أوبئة تتجاوز قدرات العديد من الدول على التعامل معها.

ويعتبر وباء كورونا أحد الاختبارات الأكبر لقدرات هذا النظام في الاستمرار على البقاء بأطره الحالية؛ فالعالم كله مشغول على جميع المستويات بمتابعة أخباره، ويتعاظم قلقه مع اتساع وتيرة انتشاره إلى جميع دوله، والعديد منها غير قادر بالمرة على مواجهة تداعياته، كما أن هناك شكوكًا حول مدى توافر هذه القدرات لدى الدول المتقدمة؛ فهو تحدٍّ حقيقي للنظام العالمي القائم.

ويرى العديد من الكتاب والمحللين أن انتشار الفيروس قد يفسح المجال لإرساء “نظام دولي جديد”، مؤكدين على أن “عالم ما بعد كورونا لن يكون كما قبله”[1].

وسنحاول في هذه الورقة التعرف إلى بعض ملامح هذا النظام الدولي الجديد بعد كورونا، وتبعات هذا الفيروس على المنطقة العربية:

 

أولًا: ملامح النظام الدولي الجديد بعد كورونا:

أثار انتشار فيروس كورونا الذي ضرب كل بقاع العالم تقريبًا، العديد من التساؤلات، لعل أبرزها ما أثير حول تداعيات هذا الفيروس على النظام الدولي الحالى، وبرغم أنه لا يمكن لأي شخص -مهما بلغ علمه- أن يحكم على المستقبل وظروفه وسط كل هذه الكوارث، إلا أن ذلك لا يعني استحالة وضع تصورات أولية لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع، سواء على المدى المتوسط أو البعيد.

وعليه يمكن وضع مجموعة من التصورات الأولية للنظام الدولي الجديد بعد كورونا، لعل أبرزها:

تراجع العولمة: يرى العديد من المراقبين -مثل روبن نيبليت، الرئيس والمدير التنفيذي لـ”تشاثام هاوس”، المعروف بالمعهد الملكي للشؤون الدولية ومقره بريطانيا- أن جائحة فيروس كورونا قد تكون القشة التي قصمت ظهر بعير العولمة الاقتصادية، ووفقًا لنيبليت، فقد أجبر تفشي “كوفيد-19” الحكومات والشركات والمجتمعات أيضًا على تعزيز قدرتها على التعامل مع فترات طويلة من العزلة الاقتصادية الذاتية[2]، وهو ما قد يتسبب في إنهاء ثقافة العولمة، ويعيد نظام الحمائية، ويلغي سياسة الحدود المفتوحة، ويطيح بالمنظمات الدولية والإقليمية (النموذج المؤسسي للعولمة) كالاتحاد الأوروبي[3].

فمع انتشار الفيروس الجديد، اتخذت دول عديدة مجموعة من السياسات المخالفة لثقافة العولمة، فبينما تعني العولمة -في أبسط معانيها- حرية انتقال البشر والبضائع ورؤوس الأموال بين دول العالم، إلا أن ما اتخذته الدول من سياسات لمواجهة كورونا كان عكس ذلك تمامًا، وهو ما يمكن توضيحه كما يلي:

1- تحجيم حركة البشر: فقد لجأت أغلب دول العالم إلى تحجيم تنقلات البشر بين الدول، فتم إيقاف جميع الرحلات الجوية والبرية والبحرية بين الدول، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ولكنه شمل أيضًا مجموعة من الإجراءات الصارمة التي تم اتخاذها داخل كل دولة؛ من أجل الحد من انتشار الفيروس، وهي إجراءات أقرب ما تكون إلى منع التجول، والعزل الصارم، والحجر الصحي.

2- اللجوء لسياسة الاحتكار: كما لجأت العديد من الدول إلى فكرة الاحتكار؛ حيث قامت الحكومة الصينية بشراء الإمدادات الكاملة من الأقنعة في أرجاء البلاد، بالتزامن مع استيراد كميات ضخمة من الأقنعة والكمامات من الخارج، وهو ما تسبب في نقص حاد للكمامات في السوق العالمي، لم يمكن دولًا أخرى من مواجهة هذا المرض، ولم يكن سلوك الدول الأوروبية بأفضل من نظيره الصيني؛ حيث قامت كلٌّ من روسيا وتركيا بحظر تصدير الأقنعة والكمامات الطبية، وحذت ألمانيا وفرنسا حذوهما، مع أنهما عضوان في الاتحاد الأوروبي، الذي يُفترَض أن لديه تجارة حرة غير مقيدة ضمن الدول الأعضاء.

بينما أكدت الولايات المتحدة على لسان “بيتر نافارو” المستشار التجاري للرئيس دونالد ترمب، على أنه في ظل العجز الذي تواجهه أمريكا في توفير الأدوات الطبية لمواجهة انتشار الفيروس بداخلها، فإنها ستقوم بمزيد من الانسحاب من سوق التجارة العالمية، مجادلًا بأن على الولايات المتحدة “أن تُعيد الإمكانيات التصنيعية وسلاسل الإمداد الخاصة بالأدوية الضرورية إلى أرض الوطن”.

وبالتالي، فقد تقرر العديد من البلدان بما أن صحة وسلامة مواطنيها على المحك أن تحظر الصادرات أو تُصادر إمدادات ضرورية للخارج، حتى إن عنى الأمر إلحاق الضرر بدول حليفة أو جارة لها[4].

3- تفكيك الاتحاد الأوروبي: يعتبر الاتحاد الأوروبي أحد النماذج المؤسسية للعولمة، والذي كشف فيروس كورونا عن هشاشة التضامن بداخله، ما يرجح إمكانية تفكيكه.

فبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) رسميًّا مطلع العام، يأتي وباء كورونا ليفتّ في عضد أواصر الاتحاد، خصوصًا شعوب دوله، التي لم تعد ترى أي شكل من أشكال التضامن الذي يبرر تلك الوحدة، خاصة أن دول الاتحاد لديها مشكلة كبيرة لا يمكن حلها بسهولة، تتمثل في نقص المستلزمات الطبية، كما أنه لا يمكنها الاعتماد على استيراد معدات ومستلزمات من أمريكا، الشريك التقليدي في الأزمات، فالولايات المتحدة تعاني هي أيضًا من نقص المستلزمات، واضطرت لتحويل شركات صناعة سيارات وشركات صناعية أخرى لإنتاج أجهزة التنفس، وغيرها من المستلزمات الطبية؛ لمواجهة تفشي  كورونا.

وقد دفع ذلك العديد من الدول الأوروبية إلى مصادرة الأدوات الطبية الموجهة لمساعدة دولة أوروبية أخرى لمواجهة انتشار الفيروس، فقد قامت جمهورية التشيك بمصادرة مئات آلاف معدات الوقاية الطبية وأجهزة التنفس التي أرسلتها الصين هبة لإيطاليا، وقد بررت التشيك هذه المصادرة بأنها “تمت في إطار عملية مكافحة تهريب”، إلا أن الهدف الحقيقي تمثل في رغبة التشيك في الحصول على تلك المنحة؛ من أجل الاستعداد لمواجهة كورونا، كما ذكرت تقارير إعلامية أن ألمانيا صادرت أيضًا شحنة بأكثر من 800 ألف قناع ومستلزمات أخرى كانت متوجهة إلى إيطاليا، وذكرت أيضًا وكالة “بلومبرغ” أن سويسرا والنمسا انزعجتا بشدة من منع ألمانيا شحنات من آلاف الأقنعة الواقية وغيرها من المستلزمات من الوصول إليهما[5].

وفي مقابل ما قد يسببه الفيروس من تراجع للعولمة، فإنه سوف يسهم في تعزيز دور الدولة المركزية؛ حيث يرى ستيفن والت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد الأمريكية، أن جائحة كورونا ستسهم في تقوية الدولة وتعزيز الوطنية، وأن الحكومات في مختلف أنحاء العالم ستتبنى إجراءات طارئة لإدارة الأزمة المتمثلة في تفشي الوباء، لكن العديد من تلك الحكومات لن ترغب في التخلي عن السلطات الجديدة عندما تنتهي الأزمة[6].

وفي ختام هذه الجزئية، يجب الإشارة إلى أنه برغم تأكيد أغلب الكتاب والمراقبين على أن الفيروس سيؤدي إلى تراجع العولمة، إلا أن البعض يرى أن الفيروس لن يؤدي إلى انهيار العولمة بقدر ما سيسرع من عملية الانتقال من العولمة التي تتمحور حول الولايات المتحدة إلى عولمة تتمحور حول الصين[7]؛ لأنه في مقابل تراجع الولايات المتحدة من الانخراط في النظام الدولي، خاصة سوق التجارة العالمية، فإن الصين ستسعى إلى الحفاظ على هذا النظام؛ لأن قوتها الاقتصادية تعتمد بالأساس على فتح الأسواق العالمية لتصدير منتجاتها أو استيراد احتياجاتها، فضلًا عن محاولتها لترسيخ هذه العولمة الاقتصادية، وقيادتها عبر مشروع “الحزام والطريق”.

 

تراجع الديمقراطية: فمنذ سنوات، والمفكرون والخبراء يتناولون مأزق الديمقراطية الغربية، والتي تظهر في وصول قيادات غير كفأة في عدد من الدول الديمقراطية، ليس ترامب في الولايات المتحدة وجونسون في المملكة المتحدة سوى نموذجين عنها، وهناك أيضًا الصعود غير المسبوق لقوى اليمين المتطرف الشعبوي العنصري، وقد تزامن تراجع الديمقراطية في هذه الدول مع صعود الأدوار الإقليمية والدولية لدول غير ديمقراطية (روسيا والصين).

أكثر من ذلك، فهناك دعم دولي (حتى من قبل الدول الديمقراطية) لنظم الحكم الديكتاتورية، وهو ما ظهر في تحول تركيز دول غربية عديدة، من نشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، إلى محاربة الإرهاب، واحتواء موجات اللجوء، ووقف زحف اللاجئين، وذلك بعد أن أصبحت قضايا الأمن والاستقرار تحتل مكانة متقدمة على موضوعات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما انعكس على عودة عواصم غربية عديدة لتوثيق تحالفها مع أنظمة الاستبداد على امتداد خريطة العالم.

يأتي وباء كورونا المستجد من أجل تعزيز مكانة الدول غير الديمقراطية، فقد أظهر الفيروس أن الأنظمة غير الديمقراطية “الصين” ليست أكثر إنسانية فحسب؛ بل وأظهرت أنها أكثر كفاءة في التعامل مع جائحة كورونا، وأكثر قدرة على استيعاب تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية من أنظمة الديمقراطية الليبرالية كأمريكا وأوروبا[8].

 

تزايد نفوذ اليمين المتطرف في أوروبا: لعل منع الانتقال الحر بين مواطني الدول الأوروبية، وإن كان لأهداف تتعلق بالوقاية من كورونا، يعد بمثابة انتصار كبير لتيارات اليمين المتطرف في المرحلة الراهنة، حيث تعد مسألة الهجرة، أحد أهم الأولويات لدى تيارات اليمين المتطرف، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة؛ حيث كان التدفق الكبير للمهاجرين إليها بمثابة الكابوس، الذي سعوا إلى مطاردته، سواء بسبب المخاوف الأمنية المرتبطة باحتمالات تسلل عناصر إرهابية إلى داخل تلك الدول، وبالتالي تنفيذ عملياتهم في قلبها، أو على خلفية الأزمات الاقتصادية، والتي ارتبطت -إلى حد كبير- بانتقال مواطني دول أخرى، ومزاحمة المواطنين الأصليين في فرصهم الاقتصادية.

وقد تسببت تلك المخاوف لدى عناصر اليمين المتطرف في حالة من الغضب لدى قطاع كبير من المواطنين في العديد من الدول الأوروبية؛ مما دفعهم إلى التعبير عن ذلك، عبر الصناديق أولًا، من خلال التصويت للتيارات اليمينية، ثم بعد ذلك من خلال إطلاق المظاهرات الغاضبة، والتي شهدت موجات عنف غير مسبوق، على غرار احتجاجات «السترات الصفراء» في فرنسا.

وبالتالي، فإن التزامن بين تفشي فيروس كورونا، والتحديات الأمنية والاقتصادية سالفة الذكر، يساهم -بصورة كبيرة- في إضعاف سياسة الحدود المفتوحة، التي طالما نادى بها اليمينيون[9].

تصاعد الخلافات الأمريكية – الصينية: فقد ترافق انتشار الفيروس عالميًّا مع حرب إعلامية بين الصين والولايات المتحدة؛ حيث اتهمت الصين الولايات المتحدة رسميًّا بنشر الفيروس من خلال جنودها الذين زاروا الصين، وشاركوا في أحد الأنشطة الرياضية، في المقابل استخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عند الإشارة إلى الفيروس “كوفيد 19” مصطلح الفيروس الصيني؛ مما أثار حنق الصينيين وغضبهم، فهم يعتبرون أن منشأ الفيروس أمريكيّ؛ تسبب ذلك في قيام كل من الصين وأمريكا بإغلاق مؤسسات إعلامية لبعضهما البعض؛ بدعوى التحريض السياسي، مع تهديدات متبادلة.

كذلك هناك صراع على إنتاج اللقاح المضاد للفيروس، ففي الصين، يعمل 1000 عالم على إنتاج لقاح مضاد للفيروس، وقد تحول الأمر إلى مسألة عسكرية: فقد طوّر باحثون تابعون لأكاديمية العلوم الطبية العسكرية لقاحًا يعتبر مرشح البلاد الأول للنجاح في مواجهة الفيروس، وبدأ تجنيد متطوعين لإجراء التجارب السريرية عليهم، وفىي المقابل تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اجتماعات مع المديرين التنفيذيين لشركات الصناعات الدوائية الأمريكية، مؤكدًا أهمية إنتاج لقاح على الأراضي الأمريكية؛ لضمان سيطرة الولايات المتحدة على إمداداته[10].

فضلًا عن محاولات أمريكية وأخرى صينية لشراء براءات الاختراعات وحقوق الإنتاج، كان أبرزها محاولة ترامب شراء شركة إنتاج أدوية ألمانية، هي شركة “كيورفاك CureVac”، بمبلغ قدره مليار دولار؛ كي تنتج اللقاح في الولايات المتحدة؛ لتحتكره الأخيرة وتستخدمه ضمن إستراتيجيتها الاقتصادية العالمية، وهو ما أثار غضب الألمان بقولهم: “ألمانيا ليست للبيع”[11]، وتسعى الصين هي الأخرى لشراء براءات الاختراعات، فقد عرضت شركة صينية 133.3 مليون دولار لتملك حصة من الأسهم بجانب حقوق أخرى في شركة ألمانية تخوض سباق اللقاحات، وهي شركة “بيونتيك BioNTech[12]“.

ويرى العديد من المراقبين أن المحاولة الأمريكية بإنتاج أو شراء لقاح للفيروس هو محاولة أمريكية لقطع الطريق على الصين لإنتاج أو شراء لقاح ناجع لفيروس كورونا أفضل من اللقاح الأمريكي وبسعر أقل، كما أن نجاح الصين في الوصول إلى لقاح للفيروس سيعتبر خسارة أخرى للولايات المتحدة أمام الصين في المجال الطبي والدوائي، وذلك عقب خسارتها في مجال تكنولوجيا الاتصالات، عندما قامت الصين باختراع نظام تشغل لموبايلات هواوي ينافس نظام تشغيل الأندرويد التي تنتجه شركة غوغل الأمريكية، بعد قيام ترامب بإصدر أوامره لشركة غوغل بالتوقف عن تزويد موبايلات هواوي الصينية بنظام تشغيل أندرويد[13].

 

الصين تتقدم وأمريكا تتراجع: برغم أن الصين كانت أول دولة يضربها كورونا، إلا أنها كانت الأنجح في مكافحة هذا الفيروس، وقد نجحت الصين في لفت الانتباه العالمي إليها كقوى دولية، عبر التعامل مع الأزمة الكبيرة التي لحقت بها، بعدما توقع الكثيرون أنها ستكون النهاية بالنسبة لها، لتقدم نموذجًا دوليًّا في كيفية إدارة الأزمات الدولية؛ ما قد يدفع العديد من الدول نحو الاستعانة بالتجربة الصينية، وهو ما يعني زيادة كبيرة في نطاق التأثير العالمي لبكين[14].

وفي مقابل النجاح الصيني في احتواء الفيروس، فقد كانت استجابة إدارة ترمب للفيروس الجديد بطيئة، فضلًا عن أن الموارد الأمريكية شحيحة، بما لا يمكنها من توفير شيء للدول الأخرى، ومما يزيد الأمور سوءًا أن أمريكا قد تجد نفسها عما قريب تتلقى الصدقات الصينية؛ حيث عرض “جاك ما” الملياردير الصيني والمؤسس المشارك لموقع “علي بابا”، التبرع بنصف مليون عدة اختبار، ومليون قناع طبي[15].

 

أكثر من ذلك، فقد حرصت بكين على تقديم نفسها كقائد في المعركة العالمية ضد الفيروس الجديد؛ لتوسيع نطاق تأثيرها، فبينما رفضت أي من الدول الأوروبية تقديم المساعدة الطبية لإيطاليا وإسبانيا وصربيا من أجل مواجهة الفيروس، إذ رفضت ألمانيا وفرنسا دعم هذه الدول بالكمامات الواقية، بحجة أن مخزونها يكفي لمواطنيهما فقط، كما ركزت الإجراءات الأمريكية على حماية نفسها بدرجة أكبر من مساعدة حلفائها، حيث تم حظر السفر إلى أوروبا – فقد سارعت الصين بإرسال أطباء وأجهزة تنفس اصطناعي وأقنعة وبزات واقية، بالإضافة إلى الماسحات، إلى كل من هذه الدول[16]، ما دفع الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش إلى القول إن “الاتحاد الأوروبي وقت الشدائد ليس أكثر من كذبة، وأننا بدأنا نفكر جديًّا بالاعتماد على التعاون والشراكة مع الصين بدل الغرب”[17].

ويرى البعض أن تداعيات الفيروس لا تتوقف على مجرد صعود الصين وتراجع أمريكا، بل إنه سيؤدي إلى تراجع القوى الغربية في مقابل تصاعد القوى الشرقية؛ حيث إن انتشار الوباء قد يسرع من وتيرة تحول السلطة والنفوذ من الغرب إلى الشرق، وهو ما ظهر في استجابة دول شرقية لمواجهة المرض، مثل  كوريا الجنوبية وسنغافورة (وتايوان وهونغ كونغ[18]) بشكل أفضل من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية؛ ما قد يؤدي إلى تشويه الهالة التي طالما أحاطت بالتعامل الغربي مع الأزمات[19].

وإن كانت هناك بعض الآراء المشككة في خروج الصين منتصرة من مكافحة هذا الوباء، على اعتبار أنها مصدر رئيس للعديد من الفيروسات والأوبئة، كما أنها لم تقم بما يكفي للاكتشاف المبكر لفيروس كورونا؛ بل حاولت التعتيم في البداية، وكانت بطيئة في مواجهة الفيروس في البداية، أيضًا الصين تعلم أن أسواق الحيوانات البرية “wet markets” يمكن أن تكون مصدر ظهور نوع جديد أو تجدد ظهور نوع قديم من فيروسات الأنفلونزا؛ لكنها لم تفعل شيئًا لمحاصرتها وإنهائها[20].

وبين هذا وذاك، يمكن القول إن الصين خرجت منتصرة نظريًّا، ولكنها قد تخسر فعليًّا، وذلك في ضوء عاملين متداخلين؛ الأول: يتجلى في وعي الدول بضرورة الاكتفاء الذاتي، وهذا يعني تغليب التصنيع المحلي؛ ما يعني فرض مزيد من القيود على الصادرات الصينية للخارج.

العامل الثاني: رغبة الولايات المتحدة بإقناع شركائها بأن الوباء فرصة تاريخية للتقليل من الاعتماد على الصين، والحيلولة دون ريادتها للعالم مستقبلا، فهي تعادي قيم الغرب، وأنه حانت الفرصة لإعلان حرب باردة ذات طابع تجاري ضدها[21].

وعليه، فإنه برغم أن الصين تعتبر نظريًّا منتصرة في أعين الرأي العام العالمي، جراء احتوائها للوباء، وتقديم مساعدات لعشرات الدول، ولكنها في العمق لم تنتصر، فهي تدرك أن وارداتها ستتراجع بعد أزمة الوباء، وأن العولمة التي مكنتها من أكبر قفزة نوعية في اقتصادها القائم على التصدير، قد أشرفت على نهايتها[22].

ثانيًا: تداعيات كورونا على المنطقة العربية:

من المتوقع أن يكون لفيروس كورونا تأثيرات وتداعيات كبيرة على قضايا المنطقة العربية، يمكن توضيحها وفقًا لما يلي:

تراجع محور الثورات المضادة: يعتمد محور الثورات المضادة بالأساس على المال الإماراتي والسعودي، سواء بتسليح المليشيات الموالية لهما في العديد من الدول العربية، أو تقديم الدعم المالي للتحركات الشعبية ضد خصومهما، أو تقديم القروض والمنح للدول الحليفة والصديقة.

ولكن بعد الأزمات المتلاحقة التي أصابت الاقتصادات العالمية جراء انتشار فيروس كورونا (خاصة في مجال السياحة الذي يمثل جزءًا مهمًّا من الموارد المالية لأبوظبي)، ثم الحرب النفطية التي تتزعمها الدولتان (السعودية والإمارات) مع روسيا، وأدت إلى انخفاض أسعار النفط إلى أقل من 30 دولارًا للبرميل، من المرجح أن تسقط الدولتان في أزمة اقتصادية ضخمة؛ ما يؤدي إلى تراجع الدعم المالي للثورات المضادة[23].

 

حل الأزمة الخليجية: ظهرت مؤخرًا مجموعة من المؤشرات التي تسير في اتجاه إمكانية حل الأزمة الخليجية؛ وذلك من أجل توحيد الجهود الخليجية لمواجهة فيروس كورونا، من هذه المؤشرات:

1- تصاعد الدعوات المطالبة بحل النزاعات في الوطن العربي؛ من أجل التفرغ لمواجهة فيروس كورونا، فقد دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في كلمة متلفزة بمناسبة الاحتفال بمرور 75 عامًا على تأسيس جامعة الدول العربية في 23 مارس، بحل الخلافات والنزاعات سواء داخل كل دولة أو ما بين الدول العربية؛ من أجل مجابهة الفيروس المستجد الذي يهدد الأمن القومي العربي من هرمز إلى جبل طارق، ومن النيل إلى الجولان.

2- دعوة رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، دول مجلس التعاون الخليجي إلى تجاوز خلافاتها، في ظل تفشي فيروس كورونا.

3- بعد أن منعت السعودية سابقًا وزيرة الصحة القطرية، حنان الكواري، من المشاركة في اجتماع خليجي بالرياض، انعقد لقاء طارئ عبر الفيديو، لوزراء الصحة بدول مجلس التعاون الخليجي، 14 مارس 2020م؛ لمناقشة مستجدات فيروس كورونا، بمشاركة دولة قطر، وبعدها بأيام، وتحديدًا في الـ23 من مارس، عقد وزراء المالية في مجلس التعاون الخليجي -بمشاركة قطر أيضًا- اجتماعًا استثنائيًّا هو الأول منذ نحو 3 سنوات، عبر “اتصال مرئي”؛ لمناقشة الآثار المالية والاقتصادية لتفشي كورونا في المنطقة[24].

وقال المجلس، في بيان إن وزراء المالية أكدوا “ضرورة تنسيق التدابير الاحترازية بين دول المجلس على كافة القطاعات لدعم الانتعاش الاقتصادي، وتوحيد التدابير والإجراءات المتخذة لمكافحة انتشار الوباء”، كما أكدوا ضرورة “تسهيل حركة البضائع بين دول المجلس، لا سيما البضائع والشحنات المرتبطة بالمواد الاستهلاكية والأساسية، والمواد المرتبطة بالنمو الاقتصادي بشكل عام”[25].

تراجع زخم الثورات والحروب أيضًا: فقد أدى انتشار فيروس كورونا إلى تراجع زخم ثورات الجزائر والعراق ولبنان، ويعود ذلك إلى:

1- فرض حكومات تلك الدول حالة الطوارئ، بما تتضمنه من حظر للاحتجاجات والمسيرات بجميع أشكالها، ضمن خطة مواجهة فيروس كورونا المستجد.

2- قيام المتظاهرين (كما في الجزائر) بتعليق المظاهرات؛ خوفًا من تفشي الفيروس بين المحتجين، بجانب محاولة قطع الطريق على محاولات الحكومة بتحميل المحتجين مسئولية نشر الوباء، وبالتالي فإن التزامهم بعدم النزول -ولو مؤقتًا- سيحمل السلطة وحدها مسؤولية تردي الوضع الصحي.

3- أنه برغم إصرار بعض المتظاهرين (خاصة العراقيين) على استمرار التظاهرات، إلا أنه مع استمرار ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا سيجدون أنفسهم مرغمين على تأجيل تظاهراتهم حتى تتراجع معدلات الإصابة[26].

ومع تراجع زخم الثورات، فقد تراجعت أيضًا حدة المعارك، وذلك على خلفية تصاعد الدعوات الدولية والإقليمية لوقف الحروب، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، فقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 23 مارس 2020، إلى وقف “فوري” للصراعات المسلحة في جميع أنحاء العالم، والعمل على إنشاء ممرات للمساعدات المنقذة للحياة؛ لمواجهة فيروس كورونا.

كما دعا الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط في 22 مارس، إلى ضرورة توقف تلك الحروب الدائرة في عددٍ من الدول العربية، مضيفًا: “لقد آن للمدافع التي يقتل بها أبناء الوطن الواحد بعضهم البعض أن تسكت، خصوصًا وأن الوضع العالمي في مواجهة جائحة كورونا يجعل من استمرار مثل هذه النزاعات نوعًا من العبث”[27].

ويبدو أن تلك الدعوات لاقت استجابة هذه المرة من قبل الدول العربية التي تشهد صراعات بداخلها. ففي ليبيا، أعلن أطراف الصراع الليبي -بعد دعوة الاتحاد الأوروبي و8 دول غربية وعربية- عن وقف فوري إنساني للقتال، في ظل تهديد وباء كورونا، ووقف النقل المستمر لجميع المعدات العسكرية والأفراد العسكريين إلى ليبيا؛ من أجل السماح للسلطات المحلية بالاستجابة لتحدي الصحة العامة غير المسبوق الذي يشكله كورونا.

وفي سوريا، هناك استمرار لوقف إطلاق النار في مدينة إدلب، بعد أن شهدت تلك المدينة معارك قوية بين كل من تركيا ونظام الأسد، ويرجع ذلك التوقف إلى انشغال كل من الدول المتدخلة في الحرب السورية (تركيا وإيران وروسيا) في مكافحة كورونا داخل حدودها. بجانب انشغال نظام الأسد بمحاولة تحجيم انتشار هذا المرض بين صفوف قواته، خاصة وأنها تضم العديد من الإيرانيين (وإيران من أكثر الدول إصابة بالفيروس)[28].

فضلًا عن أن هذا الوباء لا يقتصر على إصابة المدنيين، ولكنه يصيب القطاع العسكري والأمني في معظم دول العالم بشكل غير مسبوق؛ ما قد يؤثر على الاستعداد القتالي لتلك القوات المتحاربة، وربما يكون عدم شفافية دول مثل ليبيا وسوريا التي تعلن أنه لا توجد بها أي إصابات بالفيروس، يرجع إلى المخاوف المتزايدة من تأثيره على مساعيها العسكرية؛ لأن الإعلان يحتمل بث الذعر في الكوادر القتالية والقيادية، وفي حالة سوريا وليبيا قد يشكل ذلك انهيارًا، لا سيما في ظل التأثير الكبير للبعد المعنوي في تحديد مسارات الخيار العسكري[29].

وفي اليمن، فقد دعا وزير الدولة في الحكومة الشرعية، عبد الرب السلامي، لتشكيل خلية مشتركة من وزارة الصحة في حكومته وسلطات الحوثيين في صنعاء، وذلك برعاية منظمة الصحة العالمية للحد من انتشار كورونا. من جانبها رحبت جماعة “الحوثي” (24 مارس)، بدعوة غوتيريش إلى وقف إطلاق النار، وقالوا إن الدعوة “مهمة لتوحيد جهود المجتمع الدولي في مواجهة كورونا”، وأضاف: “نعرب عن أملنا في أن تعي دول تحالف العدوان ومرتزقتها (تقصد التحالف العربي والحكومة اليمنية) رسالة الأمين العام للأمم المتحدة، والتعاطي الإيجابي معها، وإنهاء عمليات وغارات التحالف، ورفع الحصار عن الشعب اليمني”[30].

تعقد مشكلة اللاجئين: لم تكد تمر بضعة أسابيع على انتشار الفيروس القاتل في الدول الغربية التي تتبنى برامج لإعادة توطين اللاجئين من ضحايا الصراعات والحروب في الشرق الأوسط وأفريقيا، حتى أعلنت المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 17 مارس الحالي، تعليقًا مؤقتًا لسفر اللاجئين في إطار إعادة التوطين، وجاء ذلك نظرًا لخفض البلدان نسبة الدخول إلى أراضيها بشكل حاد؛ بسبب الأزمة الصحية التي يمر بها العالم جراء كورونا، والقيود المفروضة على السفر الدولي جوًّا؛ ومن ثم تأثرت بشدة ترتيبات السفر الخاصة بإعادة توطين اللاجئين، كما أعلنت بعض الدول الأوروبية تعليق برامج إعادة توطين اللاجئين، مثل الحكومة الألمانية التي كان من المقرر أن تستقبل 5500 لاجئ خلال العام الحالي، بينهم 3 آلاف سوري[31].

 

[1] “فيروس كورونا: هل يؤدي تفشي الوباء إلى ميلاد “نظام دولي جديد”؟”، بي بي سي، 20/3/2020، الرابط: https://bbc.in/2J66BGh

[2] “هكذا يبدو العالم بعد كورونا .. نهاية النفوذ الأمريكي وصعود الصين”، الجزيرة نت (مترجم)، 21/3/2020، الرابط: https://bit.ly/3adoX47

[3] “البشرية ما بين الوباء وصراع الكبار”، ميدل إيست أونلاين، 21/3/2020، الرابط: https://bit.ly/3dos7Ui

[4] “عولمة الكورونا .. كيف سيجعل الوباء الصين في قيادة العالم “اقتصاديًّا” وسيدفع أمريكا للخلف؟”، ميدان (مترجم)، 18/3/2020، الرابط: https://bit.ly/2U7UA9w

[5] “هل يفكك “كورونا” الاتحاد الأوروبي أكثر؟”، إندبندنت عربية، 23/3/2020، الرابط: https://bit.ly/33HfkrI

[6] “هكذا يبدو العالم بعد كورونا .. نهاية النفوذ الأمريكي وصعود الصين”، مرجع سابق.

[7] المرجع السابق.

[8] “كورونا و«العلوم السياسية»”، الدستور الأردنية، 22/3/2020، الرابط: https://bit.ly/3abSevT

[9] “«كورونا» يغير خريطة العالم .. نجاح الإجراءات الصينية في مكافحة الفيروس يساهم في تعزيز مكانة الصين الدولية بعد الخروج من «دائرة الخطر» .. وتحول الموقف من فرصة لخصوم بكين لكبح جماحها إلى انتصار دولي للبلد الآسيوي”، اليوم السابع، 14/3/2020، الرابط: https://bit.ly/2xg3uc8

[10] ““مسألة أمن قومي” .. البحث عن لقاح لكورونا يتحول لسباق تسلّح عالمي، من سيصل أولًا؟”، عربي بوست (مترجم)، 22/3/2020، الرابط: https://bit.ly/3bnkOKP

[11] “عولمة الكورونا .. كيف سيجعل الوباء الصين في قيادة العالم “اقتصاديًّا” وسيدفع أمريكا للخلف؟”، مرجع سابق.

[12] ““مسألة أمن قومي” .. البحث عن لقاح لكورونا يتحول لسباق تسلّح عالمي، من سيصل أولًا؟”، مرجع سابق.

[13] “هل سيصنع وباء كورونا نظامًا دوليًّا جديدًا؟”، القدس العربي، 20/3/2020، الرابط: https://bit.ly/3beVlTZ

[14] “«كورونا» يغير خريطة العالم .. نجاح الإجراءات الصينية في مكافحة الفيروس يساهم في تعزيز مكانة الصين الدولية بعد الخروج من «دائرة الخطر» .. وتحول الموقف من فرصة لخصوم بكين لكبح جماحها إلى انتصار دولي للبلد الآسيوي”، مرجع سابق.

[15] “عولمة الكورونا .. كيف سيجعل الوباء الصين في قيادة العالم “اقتصاديًّا” وسيدفع أمريكا للخلف؟”، مرجع سابق.

[16] المرجع السابق.

[17] “البشرية ما بين الوباء وصراع الكبار”، مرجع سابق.

[18] “سياسات ناجعة لمكافحة كوفيد-19″، المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، 23/3/2020، الرابط: https://bit.ly/2UcSPb0

[19] “هكذا يبدو العالم بعد كورونا .. نهاية النفوذ الأمريكي وصعود الصين”، مرجع سابق.

[20] “كورونا في مواجهة رأسمالية جشعة”، عربي 21، 20/3/2020، الرابط: https://bit.ly/2wnOtoB

[21] “ما بعد وباء كورونا: بكين لم تنتصر وواشنطن لم تنهزم”، القدس العربي، 23/3/2020، الرابط: https://bit.ly/2Ugm6Ss

[22] المرجع السابق.

[23] “المشروع السعودي – الإماراتي في المنطقة .. هل يتهاوى في ظل الأزمة الاقتصادية؟”، تي أر تي، 23/3/2020، الرابط: https://bit.ly/3agj3yV

[24] “دعوات متزايدة في ظل “كورونا” .. هل باتت المصالحة الخليجية قريبة؟”، الخليج أونلاين، 23/3/2020، الرابط: https://bit.ly/2QJfjyc

[25] “كورونا يجمع وزراء المالية بدول الخليج لأول مرة منذ حصار قطر”، الخليج أونلاين، 24/3/2020، الرابط: https://bit.ly/2QYpXS7

[26] “هل يتسبب كورونا في إنهاء ثورات لبنان والجزائر والعراق؟”، الخليج أونلاين، 17/3/2020، الرابط: https://bit.ly/2Jcgwdd

[27] “هل يسهم “كورونا” بإيقاف الحرب في اليمن وسوريا وليبيا؟”، الخليج أونلاين، 24/3/2020، الرابط: https://bit.ly/2QKc4qy

[28] “اليمن وسوريا وليبيا .. كيف ألقت أزمة كورونا بظلالها على الصراعات في الدول؟”، تي أر تي، 23/3/2020، الرابط: https://bit.ly/2WGXSC8

[29] “هل يسهم “كورونا” بإيقاف الحرب في اليمن وسوريا وليبيا؟”، مرجع سابق.

[30] المرجع السابق.

[31] “كورونا يعمق أوجاع اللاجئين وسط تراجع الاهتمام الدولي ووقف برامج التوطين”، إندبندنت عربية، 23/3/2020، الرابط: https://bit.ly/2UhjzHG

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022