ذكرى تحرير سيناء بين السيادة المنقوصة والدعوات المشبوهة

يستخدم النظام العسكري الآلة الإعلامية لتزييف الوعي وينفق بسخاء بالغ من  أجل تكريس هذه الآلة الإعلامية للمبالغة في تمجيد العسكرية المصرية وتحويل هزائمها إلى انتصارات وفساد بعض قادتها واستبدادهم إلى متنهى الوطنية والانتماء، وحتى اليوم لم تتحرر سيناء بشكل كامل فلا تزال أم الرشراش “إيلات” محتلة منذ سنة 1949 وحتى اليوم وسط تواطؤ وخيانة من النخبة العسكرية، ولم يكتف نظام السيسي بذلك، بل فرط في التراب الوطني بالتنازل عن جزيرتي “تيران وصنافير” في 2016 رغم الرفض الشعبي والحكم القضائي البات بمصرية الجزيرتين.

الأمر الآخر، أن سيادة مصر على سيناء منقوضة بناء على مذكرة التفاهم الموقعة في مارس 1979م، فلا يسمح حتى اليوم للجيش المصري إدخال معدات ثقيلة إلا بعد استئذان الكيان الصهيوني؛  والواقع يؤكد أن سيناء تحولت إلى مستعمرة أمريكية، محكومة بموجب “كتالوج” من 5 بنود، تتلخص في: وضع سيناء كرهينةً في يد “إسرائيل”، تستطيع أن تعيد احتلالها في أي وقت تشاء، بمساعدة أمريكا، وبيع القطاع العام بعد نجاحه في تمويل حرب أكتوبر 1973، وتأسيس نظام سياسي تُحظر المشاركة فيه على أي تيار أو جماعة ترفض الإعتراف بإسرائيل، وصناعة طبقة من رجال الأعمال بأموال المعونة الأمريكية، تكون حامية للسلام المزعوم، فضلا عن إعادة صياغة مصر عسكريًّا وطبقيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا وثقافيًّا على مقاس أمن “إسرائيل”، وحمايتها أمنها.

يكبل السيادة المصرية على سيناء أيضا، ما يتعلق بعجز النظام العسكري عن فرض الأمن والاستقرار بسيناء، فقد مضى على تعهد رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي  في نوفمبر 2017م بالقضاء على «الإرهاب» في سيناء في غضون ثلاثة اشهر فقط،  أكثر من سنتين دون جدوى، فلماذا يفشل الجيش المصري المصنع التاسع عالميا -وفق موقع غلوبال فاير باور- في حسم صراع غير متكافئ مع عدة مئات من المسلحين؟ ولماذا يستمر الفشل؟ ولماذا لم تحقق الاستراتيجية القائمة على استخدام «القوة الغاشمة» أهدافها؟ وكيف تمكن عدة مئات من المسلحين في إلحاق كل هذه الخسائر بأقوى تاسع جيش عالميا؟ ولماذا فشلت العملية الشاملة وقبلها 6 عمليات عسكرية موسعة في القضاء على التمرد المسلح في سيناء؟

اطلق رجل الأعمال صلاح دياب، رئيس مجلس إدارة صحيفة “المصري اليوم” دعوة لجعل سيناء إقليميا اقتصاديا مستقلا في سلسلة مقالات نشرتها الجريدة تحت اسم مستعار “نيوتن” والتي  أثارت جدلا واسعا حيث دعا دياب إلى استحداث وظيفة جديدة “حاكم سيناء” لمدة 6 سنوات بصلاحيات تتجاوز مهام المحافظ بإتاحة الحرية لحاكم سيناء لإقامة النظام الأفضل للحكم المحلي الذي يحقق الاستقرار لهذا الإقليم، على أن تكون الوظيفة مستقلة تماما عن بيروقراطية القوانين السائدة في الاستثمار، وفي استخدام الأراضي مثلا، اهتداء بنماذج ناجحة مثل سنغافورة أو ماليزيا، وانتقد دياب من يرفعون شعار “سيناء خط أحمر” متهما إياهم بأنهم يريدونها أن تبقى مهجورة وملعبا مفتوحا للجماعات المتطرفة والصفقات المشبوهة، في مقال ثان، استعرض دياب ما قال إنها رسائل من قراء يؤيدون رؤيته وكان من أخطر الفقرات التي اختارها نقلا عن قارئه قوله إن “الطرح ستواجه عقبات ومصاعب جمة، أولها وأهمها جهات اكتسبت بحكم تاريخ الصراع السياسي في الشرق أوضاعا ذات أولوية خاصة، تحتاج تفاهمات وترتيبات تيسر لمشروع القرن”.

ويجب الانتباه إلى أن “المصري اليوم” ما كان لها أن تنشر مقترحات صلاح دياب تحت اسم مستعار “نيوتن” حول استقلال سيناء اقتصاديا بدون ضوء أخضر من النظام ، والدليل على ذلك أمران: أولا أن النظام لا يسمح بنشر كلمة واحدة بدون أن تمر على الرقيب العسكري الذي بات يهمين على كل وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، ولا يسمح مطلقا بتمرير  شيء يخالف توجهات النظام. والثاني أن كل قيادات الجريدة موالون لنظام انقلاب 30 يونيو العسكري،  وتربطهم بالمؤسسة العسكرية تحديدا علاقات وثيقة. وعلى هذا الأساس فإن هذه المقالات ما هو إلا بالون اختبار تستهدف السلطة من ورائه قياس وحجم ردود الأفعال والبناء عليها مستقبلا من خلال قرارات خطيرة تمس الأمن القومي المصري في الصميم خصوصا مايتعلق بوضع سيناء في صفقة القرن الأمريكية. فالطرح على الأرجح تم بإيعاز من السلطة لجس النبض وتم تزيينه ليبدو مقنعا من أجل إقناع الجيش  والأجهزة الأمنية أو لكشف الرافضين داخل ما تسمى بالأجهزة بالسيادية لصفقة القرن الأمريكية.

 

 

 

 

 

 

 

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022