أبعد من البخاري وابن تيمية والأزهر حملات السيسي لتجديد الخطاب الديني لخدمة مشاريع العسكرة والتغريب

منذ انقلاب الجنرال السيسي على الرئيس الراحل  “محمد مرسي”  في صيف 2013، لم تتوقف محاولات النظام العسكري، من شن حملات على رموز الإسلام، سواء أكانوا شخصيات أو مؤسسات أو آراء ثابتة تاريخيا وفقهيا أو منظومات تشريعية مستقرة، يراها المشروع العسكري عائقا أم ترسيخ أركانه في عقول وممارسات الجماهير، ومع مطلع شهر رمضان، شنت صحف مقربة من النظام العسكري المصري حملة جديدة وموسعة ضد الإمام “البخاري” وشيخ الإسلام “ابن تيمية”، بجانب شيخ الأزهر “أحمد الطيب”، ويشارك فيها شخصيات عامة وإعلاميون وكتاب علمانيون، تلك الحملة التي تقوم على تشويه تاريخ الرمزين الإسلاميين الكبيرين والتشكيك في آراء كل منهما إلى جانب الهجوم على الطيب.

وقدمت صحيفة “اليوم السابع”، تحقيقين بعنوان “31 عالما من أهل السنة والجماعة ينتقدون البخاري”، أشار كاتبهما إلى أن صاحب الصحيح تحول في زمن المماليك إلى “قديس”، وقال إن “الإمام مسلم يخالفه في منهجه”، وإن “الترمذي يصف سند أحد الأحاديث بأنه مضطرب”، وإن “أبا الفضل بن عمار أول من ألف كتابا في نقد الصحيحين”، وفي تبريرها لهذا الهجوم قالت “اليوم السابع”: “لا يمكن إنكار أن التراث الإسلامي مهم، لكن مع الزمن صار الأمر يحتاج إلى إعادة نظر، ويحتاج أن نخرجه من عباءة التقديس إلى رحابة العلم، وأن نقبل الرأي والرأي الآخر، وأن نجدد خطابنا الديني، وذلك لا يكون إلا بإعمال العقل.”

وبرغم ما أثاره مسلسل “الاختيار”، الذي تنتجه جهات سيادية مصرية من جدل سياسي؛ إلا أنه أثار جدلا من نوع آخر؛ حيث اتهم شيخ الإسلام ابن تيمية على غير الحقيقة، بأنه أفتى بقتل المدنيين وأن “الإرهابيين” في سيناء يعتمدون على فتواه تلك، وهو ما دفع الباحث المثير للجدل بآرائه حول البخاري وابن تيمية والتراث الإسلامي عامة ، إسلام بحيري، للإعلان عن سعادته لذكر اسم ابن تيمية صراحة كدليل في مناقشات الإرهابيين في “الاختيار”، معتبرا أن هذا “ليس شيئا بسيطا”، بل إنه “ليلة تاريخية ونصر عظيم”، خاصة أن “المسلسل يتابعه مئات الملايين، وأنتج تحت رعاية الدولة المصرية.”

وانضم المذيع المقرب من جهات أمنية أحمد موسى، للحملة بقوله عبر فضائية “صدى البلد” المحلية، إن “الإرهابيين الحاليين والسابقين والقادمين يحصلون على فكرهم من ابن تيمية، وأبي الأعلى المودودي، وسيد قطب، الذين أصلوا لفكر الجماعات الإرهابية المتطرفة”، بينما شن المذيع نشأت الديهي، عبر فضائية “تن” الممولة إماراتيا هجوما ضد ابن تيمية ووصف فتاواه بأنها كارثية ومحرضة على القتل والإرهاب،  وفي سياق الهجوم على الرموز الاسلامية، لا يتوقف إعلام السيسي عن تشوية مؤسسة الأزهر، وتحميلها مسئولية نشر العنف في المجتمع المصري، وهو ما يتوافق مع ما نشره نشطاء  من مقاطع مصورة منذ العام 2015، للإعلامي عمرو أديب، ينتقد فيه شيخ الأزهر ويطالبه بالتنحي.

وهو ما قوبل برفض شعبي وديني في المجتمع المصري عبر التعليقات على هاشتاجات السوشيال وعبر العديد من التصريحات الغاضبة من قبل علماء من داخل منظومة الأزهر نفسه، ففي تعليقه قال عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر في أسيوط‏ الدكتور مختار مرزوق، إن “الحملة القائمة بوسائل الإعلام على صحيح البخاري وفقهاء المسلمين القدامى والمحدثين ظالمة وجائرة أولا لأن الذين يقومون بها قوم من الجهلة ولا يعرفون شيئا عن صحيح البخاري”، مضيفا في تصريحات صحفية، أن “أحد المهاجمين للبخاري كشف عن جهله عبر مقطع فيديو مصور ولم يتمكن من قراءة اسم البخاري، بل وقال إنه ليس هناك شخص بهذا الاسم “أستاذ الفقه، أكد أن “دفاعه عن البخاري لا يعني أنه معصوم من الخطأ؛ ولكن الخطأ هنا طعن إنسان جاهل في البخاري”، مشيرا إلى أن “الصحيح عندما ألفه البخاري عرضه على 4 من كبار علماء عصره الذين أقروا بصحته إلا 4 أحاديث فقط”، أي أن صحيح البخاري يحظى بـ”إجماع الأقدمين والمحدثين “، مذكرا بقول الحافظ بن حجر: “والقول فيها ما قال البخاري”، وموضحا أن هذا “يعني الإجماع على صحة أحاديث البخاري الذي قبلته الأمة جيلا بعد جيل”،  وأضاف: “يكفي ما تزخر به مجموعة فتاوى ابن تيمية الموجودة في 37 مجلدا”، مشيرا إلى أن “كل أئمة المسلمين يؤخذ منهم ويرد وأحيانا يأخذ الأزهر برأي مالك وأخرى بقول الشافعي، فيما تأخذ دار الإفتاء برأي ابن تيمية في الطلاق.”

كذلك اعتبر علماء وشيوخ أزهريون أن حملة التشوية المتعمد ضد رموز الاسلام، ليست من تجديد الخطاب الديني في شيء؛ بل إن القائمين عليها ليس لهم غرض إلا تشويه رموز الإسلام وعلمائه الأفذاذ وأصحاب الفضل على الأمة لما قدموه من علم موثق وفقه مبني على القرآن والسنة، بل إن ابن تيمية، له فضل كبير على المصريين بشكل خاص حيث إن القوانين المصرية الخاصة بالطلاق اتخذت من فتواه بعدم وقوع الطلاق مع تكرار لفظه إلا مرة واحدة.

ولعل مثار الاستغراب، أن حملة تشوية الامام البخاري تنطلق من مجموعة من رويبضة الاعلام وشيوخ السلطان، الذين لا يثق فيهم وتحركهم الأجهزة المخابراتية لتحقيق مآرب السيسي، في مواجهة معارضي السيسي، على الرغم من أن البخاري هو الإمام الذي قدم لنا أحاديث رسول الله بعد توثيق وتدقيق بأسلوب علمي رصين، وإن كان البعض يتخذ من بعض متون شرح البخاري منطلقا لهذا الهجوم، في تصيد مقيت لأفضل علماء الأمة.

 

ما وراء الهجوم على الرموز الإسلامية بمصر

وبحسب الكاتب الصحفي خالد الأصور، أنه “بوضع كلام اليوم السابع، مع تخاريف خالد متنصر، وخزعبلات يوسف زيدان، وتخرصات إبراهيم عيسى، وخالد الجندي وسعد هلالي، يتأكد أن هناك طبخة فاسدة يجري طبخها بالمطبخ الديني، وفي شهر رمضان .”وهو ما يمكن فهمه بمحاولة خلط الأوراق واثارة الجدل في الشارع المصري، للتغطية على ممارسات النظام الفاشلة، على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والصحي والسياسي، في ضوء أزمة تفشي فيروس كورونا، بجانب مخططات النظام للدفع بإجراءات عملية على أرض الواقع نحو تطبيق “صفقة القرن” الأمريكية ” لتصفية القضية الفلسطينية، وغيرها من سياسات النظام العسكري.

 

خطوات نحو تجديد مشوه للإسلام

ولعل حملات تكسير الرموز الإسلامية في نفوس المصريين، تبدو مهمة للنظام العسكري، الذي يتبنى نموذجا مشوها عن الاسلام، يسعى من خلاله السيسي وعساكره نحو خلق بيئة دينية يترعرع فيها مفاهيم الاسلام المنزوع الفعالية من المجتمع المصري، وابقاء معالم الدين عند مجرد عبادات وشعائر فقط، وفق المشروع الاماراتي الصهيو أمريكي لإسلام استسلامي منزوع الفعالية الاجتماعية، كنموذج مضاد للصحوة الإسلامية وخركات الإسلام السياسي بالمنطقة العربية، التي تراها الأجندات الغربية والاماراتية والنظم القمعية في الخليج واسرائيل خطرا محدقا بهم وبكراسيهم.

وهو ما يتجلى أيضا في السعودية، من مشروع محمد بن سلمان، والذي يديره تحت عنوان “الإصلاح الاجتماعي” ، والتي تتصاعد فيها حملة التغريب غير المسبوق بالسعودية، والتي يستغل خلالها  بن سلمان سيطرته على كافة أدوات السلطة والقمع في بلاده، والتي وصلت لحد اعتقال العلماء الإصلاحيين، وتقريب المنافقين، ونشر ثقافة الخلاعة والميوعة عبر أنشطة “هيئة الترفيه”، وإنفاق الملايين على استقدام الفنانيين والمصارعين “رجال ونساء” لإلهاء السعوديين، وهو ما اعتبره معهد “ستراتفور” البحثي أن هدف النظام السعودي من ذلك هو “إعادة تعريف علاقته بالدين من أجل البقاء”.

الخطة التي ينفذها “ابن سلمان” – بحسب ستراتفور– هدفها “إعادة تشكيل الإسلام في السعودية مرة أخرى لتحقيق أهداف الملك وولي العهد؛ لأن ذلك يسهل من الدفع بإصلاحات اجتماعية واقتصادية يحتاجها النظام الملكي للبقاء على قيد الحياة في القرن الحادي والعشرين، وهي لافتة مشابهة للافتة السيسي “تجديد الخطاب الديني” الذي نتج عنها التهجم على الإسلام والنبي والصحابة والفقه في وسائل الإعلام، وانتشار دعاوى خلع الحجاب وثقافة تحجيم الدين والأزهر”.

وهذه الخطة التي تجري تحت لافتة “الإصلاحات الاجتماعية” في السعودية، مثل فتح دور السينما والسماح للنساء بقيادة السيارات، وتقليص نفوذ “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، والتضييق على الإصلاحيين في المدارس والجامعات بدعوى أنهم متطرفون يروجون لفكر الإخوان، يراها المعهد الأمريكي ليست سوى محاولة لتقديم “ابن سلمان” نفسه للغرب بطريقة مختلفة، وتلافي انهيار نظامه في ظل التطورات الدولية المتلاحقة، وهو ما ينطبق على نموذج السيسي في مصر أيضا.

حث يجري التخلص من تأثير الدين على الشعب المصري و”تأميم” الدين لصالح مؤسسة الحكم ، بحيث تحتكر هي الفتاوى وتطلب إصدار ما يناسبها منها بعدما كانت تتهم خصومها مثل “الإخوان” باستغلال الفتوى، فإذا بها تفعل ما اتهمت به “الإخوان” زورًا.

 

هدم الأزهر والدين

ولعل  حملة تسييس الدين التي يسعى من خلالها السيسي لتثبيت أركان الحكم العسكري بمصر، دفعت شيخ الأزهر – الذي شارك في انقلاب 3 يوليو 2013- ضد الحملة التي يقودها السيسي لما يسميه تارة “تجديد الخطاب الديني”، وتارة أخرى “تنقية النصوص الدينية”، وتارة ثالثة “تنقية السنة النبوية وإعادة قراءة تراثنا الفكري”، فهذا معناه إدراك الرجل الذي دعم الانقلاب الدموي أن القصة ليست فقط تجديد الخطاب الديني، وإنما خطة لهدم الدين وتقليص دور الأزهر باعتباره عقبة تقف ضد هذه الخطة الشيطانية، بما يضمه من آلاف العلماء الذين يعارض أغلبهم سياسات السيسي.

ولعل هجوم السيسي على الاسلام في الكثير من المناسبات الاسلامية، ووصفه المسلمين بالإرهاب ويخاطبهم بأنهم يهدفون لقتل غير المسلمين في العالم، قائلا: «يعني الـ1.6 مليار هيقتلوا الدنيا اللي فيها 7 مليار عشان يعيشوا هما؟»!!، وحديث السيسي في أكثر من مناسبة عما أسماه “التطرف والإرهاب” المنسوب للمسلمين ومهاجمته الإسلام والمسلمين، مدعيًا أن “هناك نصوصًا تم تقديسها على مدار مئات السنين تعادي الدنيا كلها”، كانت مدعاة لردود واضحة ومباشرة من شيخ الأزهر على تلك الأطروحات، مهاجما الارهاب المسيخي والغربي والارهاب اليهودي، وعدم اقتصاره على المسلين.

ففي مارس 2017 وخلال مؤتمر بالأزهر عن المواطنة، رد شيخ الأزهر على السيسي بطريقة أحرجته، حين هاجم ضمنًا تصريحات السيسي وتصريحات قيادات الكنيسة والغرب بشأن ادعاءات “الإرهاب الإسلامي”، بينما يتغاضون عن الإرهاب المسيحي واليهودي، فقد هدم شيخ الأزهر بكلمته نظرية الإرهاب الإسلامي التي ظل السيسي يروج لها لينال الدعم من الغرب، وقال الطيب إنه لا يوجد إرهاب إسلامي، واتهم الغرب ومجموعات مسيحية ويهودية وعلمانية بتبني الإرهاب وتغاضي الغرب عنهم، وقال في كلمته: إن”الإرهاب والعنف المسيحي واليهودي ضد المسلمين يمر في بقاع الدنيا بردًا وسلامًا على العالم الغربي”، ومع هذا كرر السيسي هذا في العام 2018- وللمرة الخامسة- مزاعمه عن أن الإسلام مرتبط بالإرهاب في أذهان العالم.

 

خمس سقطات ضد الإسلام

طالب قائد الانقلاب، منذ اغتصابه السلطة، بعدد من المطالب التي تخالف الدين، ورفض الأزهر توصياته أو تجاهلها، آخرها في المولد النبوي الحالي 2018، وهي على النحو التالي:

أولًا: في يناير 2015:

هاجم السيسي ما زعم أنه “تطرف” في الإسلام، ودعا الأزهر إلى تنقية النصوص الدينية من هذا التطرف، وقال لـ شيخ الأزهر”الدنيا منتظرة منكم ثورة دينية، والله لأحاججكم يوم القيامة، فقد أخليت ذمتي أمام الله”، وكان هدفه الأساسي في هذه الكلمة انتقاد الإسلام واعتباره دين عنفٍ، حيث قال: “نصوص وأفكار تم تقديسها على مئات السنين وأصبح الخروج عليها صعب أوي، لدرجة أنها بتعادي الدنيا كلها”، وأضاف: “يعني الـ1.6 مليار هيقتلوا الدنيا اللي فيها 7 مليار عشان يعيشوا هما؟.”!!


ثانيا: ديسمبر 2015
:

كرر السيسي هجومه على الإسلام والتراث الإسلامي؛ بزعم أنه يحوي تطرفًا ويشجع الإرهاب، وقال في كلمته بمناسبة المولد النبوي الشريف، ضمن دعوته لتجديد الخطاب الديني: “استمروا بعزم لا يلين في تصويب الخطاب الديني، أعيدوه إلى الصواب، فندوا الأفكار الخبيثة والتفاسير الملتوية”، وكان هدف كلمته أيضا الهجوم على الدين الإسلامي واتهامه بالإرهاب، حيث كرر هجومه على المسلمين وزعم ضمنا أنهم (المسلمون) يريدون إقصاء أصحاب الأديان الأخرى، قائلا: “جود (الكون) ليس لنا فقط، بل هناك أديان وأمم ومذاهب مختلفة ومش ممكن هنكون لوحدنا”.

ثالثا: في ديسمبر 2016:

هذه المرة أظهر السيسي نواياه بصورة أكبر، وهي السماح للعلمانيين من بعض مدعي الثقافة وعلم النفس أن يشاركوا في تنقية الدين مما أسماه “التطرف”، حيث دعا في كلمته باحتفالية المولد النبوي، إلى ما أسماه “تشكيل لجنة من كبار علماء الدين والاجتماع وعلم النفس  لتنقية النصوص الدينية”، وزعم أنه “بتصويب الخطاب الديني لا ندافع عن الدين الإسلامي الحنيف فقط، بل عن جميع الأديان وجوهر أفكارها”!، وفي هذا الخطاب قال كلامًا عجيبًا مثل: “اللي هيقدر على ربنا يبقى يقدر علينا”، وكأنه يساوي نفسه برب العالمين!!، وزعم أن “في شباب ابتدأت تكفر بفكرة الأديان، إحنا مش بندافع عن الإسلام، إحنا بندافع عن اللي بيحاولوا يخلوا الناس تنكر الأديان كل الأديان”.

 

رابعا: في نوفمبر 2017:

كرر السيسي في ذلك الحين دعوته إلى “المثقفين والكتاب في جميع القطاعات” لمشاركة الدولة “في عملية تجديد الخطاب الديني”، وزعم أن دعوته لتجديد الخطاب الديني “تستهدف تنقيته من الأفكار المغلوطة، التي يستغلها البعض لتضليل الأبناء، واجتذابهم إلى طريق الظلام والتدمير”. وفي هذا الخطاب دعا “الشعب المصري وشبابه إلى عدم التأثر بهذه الأفكار (الإسلامية التي يراها متطرفة)؛ لأنها لا تساعد على نهوض الشعوب والحضارات”.

 

خامسا: في نوفمبر 2018:

دعا إلى “تنقية السنة النبوية وإعادة قراءة تراثنا الفكري”، زاعما أننا “نقتبس من هذا التراث ما ينفعنا في زماننا ويناسب متطلبات عصرنا”، كان هذا أخطر الكلام؛ لأنه دعوة صريحة لإلغاء أحاديث شريفة وعدم الأخذ بها، والمطالبة بما يطالب به العلمانيون من تنقية الأحاديث النبوية بأخذ بعضها وإنكار البعض الآخر.

 

مطالب  السيسي

ومنذ انقلاب 2013، طلب السيسي من مؤسسة الأزهر والمؤسسات الدينية عدة مطالب أبرزها:

  • مطالبة الأزهر في 1/1/2015 بـ”ثورة في الخطاب الديني”، وإنهاء تقديس النصوص والأفكار حتى لا يعادي المسلمون العالم كله، خلال احتفال مصر بالمولد النبوي الشريف قائلا: “سأحاججكم أمام الله بالخطاب الديني”
  • تكرار مطالب السيسي للأزهر في 16/12/ 2016 بـ “تجديد المفردات ومواكبة العصر في الخطاب الديني”.
  • مطالبة السيسي لشيخ الأزهر 2/2/ 2015، بفتوى تدعو المصريين للتوقف عن الإنجاب لعدة سنوات.
  • مطالبة الرئاسة للأزهر والمؤسسات الدينية في 30/11/2016، بـ”الاستمرار في تقديم النموذج الحضاري الحقيقي للإسلام في مواجهة دعوات التطرف من أجل الحفاظ على الصورة الحقيقية للدين”
  • مطالبة السيسي لشيخ الأزهر في 24/1/2017، بإصدار قانون يمنع الطلاق الشفهي وعدم الاعتراف إلا بالطلاق الرسمي لدي المأذون الشرعي، بدعوى أنه سبب تزايد حالات الطلاق في مصر.

ولعل الأخطر في حملات السيسي لفرض نموذج التجديد التدميري الذي يتبناه، أنه يوجه للإسلام نفس الشبهات التي يسوقها أعداء الإسلام من المستشرقين والصهاينة، ويسوق دائما أنه دين مرتبط بالإرهاب، ويتهم المسلمين بأنهم يريدون قتل غيرهم من غير المسلمين والسيطرة عليهم، بينما لم يقل أحد من المسلمين بذلك.

وقد سعى السيسي لاستقطاب عدد من شيوخ السلطان في حملته هذه، حتى إنه في أحد احتفالات المولد النبوي حدث تلاسن على الهواء مباشرة بين وزير الأوقاف وشيخ الأزهر اللذين ألقيا خطبتين عكس بعضهما تقريبا بالكامل في حضور السيسي عن “تنقية الأحاديث النبوية”، وألقى كلٌّ منهما كلامًا على الآخر بشكل غير مباشر، وكانت كلمة شيخ الأزهر أكثر تغلبا على وزير الأوقاف ، وتشير ضمنا إلى قوله إنه لن يشارك في موضوع تنقية الأحاديث النبوية الذي يريده السيسي.

وقال شيخ الأزهر، ردا على كلام وزير الأوقاف: إن “سلخ القرآن عن السنة يضعه في مهب الريح ويفتح عليه أبواب العبث”، وانتقد “الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها والطعن في رواتها من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم، والمطالبة باستبعاد سنته الشريفة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام، والاعتماد على القرآن الكريم وحده في كل ما يأتيه المسلم من عبادات ومعاملات، وما لم نجده منصوصًا عليه في القرآن”. وهو ما تكرر في احتفال المولد النبوي 2019، مع رئيس جامعة القاهرة د.الكشت.

وتلى تلك المواقف، التي ابدى فيها الطيب تعارضا مع توجهات السيسي، حملات تشويه اطلقتها وسائل إعلام مقربة من النظام ، لا على شيخ الأزهر وحده، ولكن على كل علماء الأزهر، وصلت إلى وصف صحيفة “الوطن”، لـ”هيئة كبار العلماء بالأزهر” بما أسمته “هيئة علماء الطيب”، في إشارة ساخرة لتبعيتها لشيخ الأزهر، بعد رفض العلماء إلغاء الطلاق الشفوي، ووصفهم أيضا هيئة كبار علماء الأزهر بأنهم “يعيشون في جلباب الإخوان”، ما دفع الأزهر للرد بعنف، مهاجمًا مستشار السيسي الديني ووسائل الإعلام التي تهاجمه المشيخة.

 

وأظهرت الخلافات المتصاعدة بين السيسي وشيخ الأزهر، أن لجنة الخطاب الديني أعمالها متوقفة بسبب خلافات الأزهر والأوقاف، بجانب الخلاف حول ثلاث قضايا أخرى تشكل أسباب غضب السيسي على شيخ الأزهر وهي:

الأول: الزعم ببطء تفاعل الأزهر وهيئة علمائه مع مطالب السيسي المتكررة المتعلقة بـ”تجديد الخطاب الديني”، بل وتوقف اجتماعات لجنة الخطاب الديني، ففي كل مرة يجتمع السيسي والطيب ويطلب منه مطالب تتعلق بتغييرات دينية، يعده شيخ الأزهر ثم يعود ويجتمع مع “هيئة علماء الأزهر” فيرفضون ما يطالب به السيسي لأنه مخالف لثوابت الدين.

الثاني: تزايدت التصريحات السياسية التي أطلقها شيخ الأزهر، وتتعارض مع سياسات نظام السيسي، مثل نقده الضمني لقرض صندوق النقد الدولي الذي حصلت عليه الحكومة المصرية خلال كلمته في افتتاح مؤتمر “مَن هم أهل السنة والجماعة” الذي أقيم بالشيشان، وإصدار “هيئة كبار العلماء”، بيانا يرفض طلب السيسي بإصدار فتوي أو قانون يمنع “الطلاق الشفهي”، كما رفض شيخ الأزهر “الخطبة الموحدة” في صلاة الجمعة”. فضلا عن انتقاده السابق لمجزرة الحرس الجمهوري يوليه 2013، ومجزرة رابعة العدوية أغسطس 2013، ومطالبته بإعلان نتائج التحقيق، وتهديده بالاعتكاف في منزله ما لم يتم حقن الدماء، وتأكيد عدم علمه بفض رابعة بالقوة.

الثالث: رفض الطيب دعوات رئاسية ضمنية بالتخلص من شيوخ في هيئة كبار العلماء بسبب معارضتهم لخطاب السيسي الديني، ما دفع وسائل إعلام حكومية لوصفهم بأنهم “إخوان” ومحسوبون على الجماعة، مثل الدكتور سعد عمارة وغيره، كما رفض محاسبة وعاظ الأزهر على انتماءاتهم السياسية، كما فعلت وزارة الأوقاف.

 

وهناك مظاهر ودلائل أخرى للخلافات منها:

رفض الرئاسة ترشيحات مكتب شيخ الأزهر لرئيس جامعة الأزهر، منذ شهر يوليه 2016 حتى ديسمبر 2016، وتواتر تصريحات من مصادر أزهرية تشير إلى نية الرئاسة تعيين رئيس للجامعة دون الرجوع لشيخ الأزهر.

في مارس 2016 وأثناء وجودهما معا في مسجد المشير طنطاوي لأداء صلاة الجمعة، قام أحد حراس الرئيس بالجلوس بين السيسي وشيخ الأزهر بالمخالفة للبروتوكول، حيث يحظى شيخ الأزهر بمنصب رئيس وزراء، ما اعتبر دلالة على وجود خلافات، دفعت الحرس لإبعاده عن الرئيس.

في مايو 2015، أسندت الرئاسة مهمة تنظيم مؤتمر لتصحيح مفهوم الخطاب الديني إلى وزارة الأوقاف، وغاب عنه الطيب، مثلما غاب عن مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في مايو 2016، وهذا الغياب سبق أن كرره شيخ الأزهر في الخلافات بينه وبين الرئيس مرسي، حيث رفض حضور مؤتمرات دعا إليها الرئيس مرسي.

عقب إعلان شيخ الأزهر، رفضه تكفير تنظيم داعش بشكل صريح، وقوله في بيان (يونيو 2015) بأنهم “بغاة محاربون لله ورسوله ومفسدون في الأرض، يجب على ولاة الأمر قتالهم ودحرهم وتخليص العالم من شرورهم”، لوحظ تولي دار الإفتاء مهمة تكفير الدواعش عبر ما سمي (مرصد الفتاوى التكفيرية والمتطرفة) التي كفرت التنظيم، وغيره من الجماعات والتنظيمات الإسلامية.

انتقد شيخ الأزهر بشدة في مارس 2015، المذابح التي ترتكب بحق المسلمين السنّة على يد قوات الحشد الشعبي الشيعية في العراق، واستدعت بغداد سفير القاهرة لديها للاحتجاج، وحاولت الخارجية المصرية احتواء الموقف، يظهر شيخ الأزهر في المناسبات الرسمية صامتًا ولا يرفع يده حتى بالدعاء، على عكس كافة الموجودين في المسجد، وكثيرا ما يتم إبعاده عن السيسي بوضع وزير الدفاع أو غيره بجانب قائد الانقلاب كفاصل بينهما.

وفي 27 يناير 2020، قال شيخ الأزهر إن موضوع تجديد الفكر الإسلامي أو الخطاب الديني واسع الأرجاء ومترامي الأطراف، وأصبح مفهومًا غامضًا وملتبسًا، لكثرة تناوله فى برامج الفضائيات من الموهوبين فى التحدث بأي موضوع دون دراسة كافية أو إعداد علمي سابق، وكأنه يقصد السيسي، دون ذكر اسمه، وذلك خلال كلمته بمؤتمر الأزهر العالمي للتجديد فى الفكر الإسلامي، بحضور ممثلين عن وزارات الأوقاف ودور الإفتاء والمجالس الإسلامية من 46 دولة من دول العالم الإسلامي، في حين اعتذر السيسي  عن الحضور، وأوفد بديلا عنه،  رئيس الوزراء مصطفى مدبولي.

 

معركة قانون الأزهر

ومن ضمن محاولات السيسي كسر مؤسسة الأزهر بتركيبتها الحالية، مناقشة مشروع نيابي لتنظيم الأزهر، بعيدا عن الأزهر، إلا أن الأزهر انتصر على السيسي في المعركة ، وفشلت الحملة الحكومية التي تم التخطيط لها لتمرير التشريع الذي كان سيدمر المؤسسة الأزهرية ويفسدها، وفي اعتراف صريح بالهزيمة ذهب رئيس مجلس النواب علي عبد العال إلى شيخ الأزهر في مكتبه واعتذر له، وأعلن أن مشروع القانون “صفحة وطويت .”وأشار إلى أن الأزهر لعب دورًا مهمًا في حياة المصريين، ولم يكن فقط مجرد مدرسة دينية، وإنما كان ملاذًا للمصريين في الكثير من المواقف التي عانى فيها الشعب من ظلم الحكام، حيث كان يلجأ إلى الجامع أصحاب الشكاوى لرفعها إلى رأس الحكم.

وكان مشروع القانون الذي تم تقديمه للبرلمان، تضمن مواد عبارة عن خطة استراتيجية صليبية ماسونية لهدم الأزهر، وإعادة تشكيل المؤسسة لتتحول من تعليم الدين إلى محاربة الدين نفسه .واستتهدف القانون تحقيق 3 أهداف رئيسية أولها: انتزاع السيطرة على الأزهر من علماء الأزهر، وثانيها: تفكيك المؤسسة وتقليص حجمها، وثالثها: الاستفادة من الاسم وإعادة توظيف الأزهر لخدمة الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية وتقديم الإسلام بالطريقة التي ترضي الرئيس الأمريكي ترامب.

وجاءت أهم محاور القانون لتجريد شيخ الأزهر من صلاحياته، وتحجيم دوره ليصبح رئيس الجمهورية هو الرئيس الفعلي للأزهر، ليجمع بين الزعامة السياسية والسلطة الدينية في وقت واحد، فرئيس الجمهورية هو الذي يعين الأعضاء ويختارهم في كل الهيئات الأزهرية، ففي المجلس الأعلى للأزهر وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية وجامعة الأزهر يتم ترشيح الأسماء والرئيس هو الذي يختار من بينها، والترشيحات تأتي من هيئات ووزارات ومجالس هي في الأصل كلها بالتعيين .حيث يضع القانون خطة محكمة للتحكم في عملية اختيار شيخ الأزهر وجعلها في يد رئيس الجمهورية، فالاختيار يتم من خلال اجتماع مشترك لهيئتي كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية وأعضاء الهيئتين يختارهما رئيس الجمهورية.

كما يعمل القانون على تقليص حجم المؤسسة الأزهرية بتجريدها من دورها التعليمي، بانتزاع الكليات العلمية والأدبية من الأزهر وتتشكل منها جامعة جديدة باسم “الإمام محمد عبده للدراسات العلمية”، تخضع لإشراف المجلس الأعلى للجامعات ويسمح فيها بدخول غير المسلمين وهذا مطلب قديم للكنيسة المصرية منذ تولي البابا شنودة منصب البطريرك.

يشار إلى أنه منذ عهد محمد علي بدأ تقليص نفوذ الأزهر حتى قضى على استقلاليته الرئيس الأسبق  جمال عبدالناصر ، عبر مصادرة جميع أوقافه وإلغاء المحاكم الشرعية وإصدار قانون “103” لسنة 1961 .حتى استرد الأزهر قدرا من استقلاله بعد ثورة يناير 2011م، وتم النص على ذلك في دستور الثورة 2012 وهو ما تم إقراره كذلك في دستور 2014م.

 

أهداف  دعاوى التجديد

وبحسب ورقة بحثية لـ”الشارع السياسي”، تمحورت أهداف دعوات التجديد في؛  محاولة توظيفها كغطاء لحرب السيسي  على الحركات الإسلامية التي تمثل تهديدا مباشرا لنظامه العسكري، باعتبارها الأكثر شعبية وحازت على ثقة الشعب بعد ثورة يناير، فضلا عن ابتزازه المؤسسة الدينية باستمرار بتحميلها مسئولية هذا التجديد الذي لا ملامح له سوى التطاول على ثوابت الإسلام والخروج على إجماع الأمة؛ بهدف تحقيق أعلى درجات الانصياع من المؤسسة الدينية للنظام وتوجهاته، وهو ما تكلل بالنجاح مع مؤسسات الأوقاف والإفتاء، بينما بقيت مشيخة الأزهر وهيئة كبار العلماء عصية أمام هذا الابتزاز.

ثاني الأهداف، هو الاستجابة لأفكار اليمين الغربي – خاصة الأمريكي – التي تدعو لتفريغ الإسلام من مضمونه السياسي، خصوصا ما يتعلق بنصوص الجهاد، وهي الأفكار التي تلقى رواجًا إقليميًا منذ سنوات وخُصصت لها مراكز أبحاث برعاية ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الداعم الرئيسي للسيسي  .كما أن نفس الرؤية استجاب لها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وتأسس لأجلها مراكز بحث وغيرها لنشر هذه المفاهيم التي تتعامل مع الإسلام كـ”سوبر ماركت” تأخذ منه ما تريد وتدع ما تريد. بينما اعتبر خبراء أن خطابات  السيسي حول التجديد الديني،  محاولات هروبية، وأن الإلحاح عليه وتكراره بلا ملل هو محاولة للهروب من “الفشل” في شؤون الدنيا، بافتعال أزمة في أمور “الدين”.

 

خاتمة

وهكذا يمكن فهم التطاول المثار حول الرموز الإسلامية مؤخرا، كابن تيمية والبخاري..وغيرهم ، ضمن حملات موسعة لا تتوقف عند حدود، هدفها الأساس تمكين الحكم العسكري، باستخدام الدين ، ونزع فعاليته التي تتعارض مع القتل والتهديد والقمع العسكري الذي يمثل أساس حكم السيسي، ويتوافق مع رؤى الغرب ومصالحه التي يتظاهر بعضها بالتتشبث بالديمقراطية والقيم الحقوقية إلا أن وجهه الحقيقي يظهر عند تعارضها مع مصالحه وماريعه الاستعمارية المتطورة، والتي أصبحت بوسائل وأدوات قادة وزعامات عسكرية من داخل المناطق، المستهدف غربيا.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022