التعديلات الوزارية والسياسية محاولة إرضاء الجميع دون حل لإشكالات السودان الإستراتيجية

بعد أقل من 10 أيام على تظاهرات “تصحيح مسار” الثورة السودانية” في 30 يونيو الماضي، أعلن السودان، الخميس الماضي، إجراء تعديل وزاري على الحكومة الانتقالية، شمل 7 وزارات من إجمالي 18، ويأتي ذلك بعد أقل من 10 أيام على اندلاع تظاهرات شعبية حاشدة تطالب بـ”تصحيح مسار” الثورة، وقال مجلس الوزراء، في بيان مقتضب: “التزاما بما جاء في خطابه بتاريخ 29 يونيو الماضي، رئيس مجلس الوزراء (عبد الله حمدوك) يجري تعديلا وزاريا.

وقدم الوزراء استقالاتهم من مواقعهم لإتاحة الفرصة لإعادة تشكيل الحكومة، وقبل رئيس الوزراء استقالة كل من وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله، ووزير المالية والتخطيط الاقتصادي إبراهيم البدوي، ووزير الطاقة والتعدين عادل علي إبراهيم، كما قبل حمدوك استقالة وزير الزراعة والموارد الطبيعية عيسى عثمان شريف، ووزير النقل والبنى التحتية هاشم طاهر، ووزير الثروة الحيوانية علم الدين عبد الله أبشر، فيما أصدر حمدوك قرارا بإعفاء وزير الصحة أكرم علي التوم.

في المقابل كلف حمدوك وزير الدولة بالخارجية عمر إسماعيل قمر الدين بتصريف أعمال وزارة الخارجية، وهبة أحمد علي بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي إلى حين تعيين وزراء جدد، كما كلف خيري عبد الرحمن بتصريف أعمال وزارة الطاقة والتعدين، وعبد القادر تركاوي بوزارة الزراعة والموارد الطبيعية، وهاشم ابنعوف بوزارة البنى التحتية والنقل، وعادل فرحح إدريس بوزارة الثروة الحيوانية، وسارة عبد العظيم حسنين بوزارة الصحة إلى حين تعيين وزراء جدد، وبحسب تصريحات لمسئولين سودانيين، يأتي التعديل الوزاري الجديد ، لمواجهة تحديات المرحلة الحالية، بعد توقيع اتفاق السلام مع الحركات المسلحة في جوبا شرق السودان.

وفي تصريحات لوكالة “سبوتنيك” قال  محمد مصطفى، مدير المركز العربي الأفريقي لثقافة السلام والديمقراطية بالسودان، “ظل الشارع يندد بضعف الحكومة التي لم تحقق السلام، كما لم تحسن الاقتصاد، فصفوف الخبز والوقود وغاز الطهي وأزمة المواصلات كلها لم تبرح مكانها بل تفاقمت”، ويوم الاثنين الماضي، تعهد حمدوك، باتخاذ “قرارات حاسمة في مسار الثورة، ستحدث تغييرات اجتماعية وسياسية” في غضون أسبوعين مقبلين، دون أن يعلنها آنذاك.

وفي 30 يونيو الماضي، خرج آلاف المتظاهرين بالعاصمة الخرطوم، ومناطق متفرقة من البلاد، للمطالبة بـ”تصحيح مسار الثورة وبدأت بالسودان، في 21 أغسطس 2019، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وتحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير”، بجانب حكومة انتقالية، وجاءت الفترة الانتقالية بعد أن عزلت قيادة الجيش، في 11 أبريل 2019، عمر البشير (1989-2019)، تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت أواخر 2018، تنديدا بتردي الأوضاع الاقتصادية.

وعلق حمدوك على التعديل الوزاري قائلا: “يأتي بعد تقييم شامل ودقيق لأداء الجهاز التنفيذي، وسعيا نحو تطوير الأداء وتنفيذ مهام الفترة الانتقالية، واستجابة للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة وذكر حمدوك في تصريح نشره بحسابه على موقع “تويتر”، أن “الأمانة التي حملها الشعب لحكومة الفترة الانتقالية، تلزمنا بالاستماع والإنصات إلى صوت الشارع ومطالب الثوار”، معربا عن تقديره لدور الوزارء، في محاولة إصلاح “تركة الفساد” التي خلفها النظام السابق، وجاء التعديل الوزاري، لمحاولة تهدئة غضب الشارع السوداني الغاضب من الاداء الوزاري، على اصعدة عديدة، منها؛ الاقتصاد والصحة والتشغيل والأمن وغيرها..

 

إرضاء الحركات المسلحة

كما جاء التعديل، لاسترضاء القوى المسلحة التي تتفاوض مع الحكومة السودانية في مناطق شرق السودان في حوبا، وفي هذا السياق ، ذكرت صحيفة “المشهد” السودانية أن الحكومة وقوى الحرية والتغيير وممثلي الحركات المسلحة اتفقوا ، مؤخرا، على تخصيص 75 من مقاعد المجلس التشريعي الانتقالي للحركات التي تتفاوض مع الحكومة بجوبا.

وأوضحت الصحيفة أن “مسودة الاتفاق تنص على منح الحركات المسلحة من الجبهة الثورية وحركة تحرير السودان مناوي 75 مقعدا بالمجلس التشريعي الانتقالي”، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن يعقد اجتماع الخميسالمقبل، حول تفاصيل الاتفاق، وتحديدا فيما يخص النقاط العالقة، للتوصل إلى موقف نهائي.

ولفتت إلى أن الطرفين بقيا يتفاوضان لأيام عدة، وسط ضغط الشارع السوداني، حول نصيب الحركات المسلحة بالمجلس التشريعي، وتمسكت بمنحها 35% حتى صباح الأربعاء الماضي، لكنها قبلت بعد ذلك بـ75 مقعدا بالسلطة التشريعية الانتقالية، وذكرت الصحيفة السودانية أن “الحركات المسلحة كانت تطالب بالبدء بعدد 140 مقعدا بالبرلمان، من حصة قوى الحرية والتغيير البالغة 201 مقعد.

فيما تم منح الفصائل المسلحة 4 وزارات ولكن من غير المعلوم حتى الآن هل ستترك تلك الحقائب شاغرة حتى إقرار عملية السلام الذي لم يتم الانتهاء منه حتى الآن، ومن غير المعقول أن تعلن أسماء لشغل تلك الوزارات قبل التوافق، غالبا ستترك تلك الحقائب شاغرة حتى التوصل لاتفاق السلام النهائي.

 

ارضاء الغرب واليسار

كما ترافقت مع التعديلات الوزارية، جملة تعديلات قانونية، صادق عليها رئيس مجلس السيادة السوداني “عبد الفتاح البرهان” حد الردة وسمحت لغير المسلمين بشرب الخمور وحيازتها وبيعها بجانب تجريم ختان النساء، وحسب وكالة الأنباء السودانية الرسمية، قالت وزارة العدل، يوم الجمعة الماضية: “اكتملت إجازة عدد من القوانين بعد توقيع رئيس مجلس السيادة عليها، الخميس، في خطوة نحو تحقيق مهام الفترة الانتقالية الواردة في الوثيقة الدستورية

بدوره، اعتبر رئيس الوزراء “عبدالله حمدوك” التعديلات الجديدة بمثابة خطوة هامة في طريق إصلاح المنظومة العدلية، معتبرا أن عملية مراجعة وتعديل القوانين ستستمر لإكمال كافة التشوهات في النظم القانونية السودانية، وإضافة إلى إلغاء حد الردة والسماح لغير المسلمين بشرب الخمور وبيعها وتجريم ختان النساء، كما أقرت التعديلات القانونية الجديدة حق المرأة في اصطحاب أطفالها في حال السفر خارج السودان وغيرها من الحقوق.

كما منعت التعديلات تطبيق حكم الإعدام على من لم يبلغ سن الثامنة عشرة من عمره، واستثنت أيضا من تجاوز سن السبعين من حكم الإعدام، فيما عدا جرائم الحدود والقصاص والجرائم الموجهة ضد الدولة وجرائم المال العام، وبحسب وكالة الأنباء الرسمية، قالت الوزارة: “اكتملت إجازة عدد من القوانين بعد توقيع رئيس مجلس السيادة عليها، الخميس، في خطوة نحو تحقيق مهام الفترة الانتقالية الواردة في الوثيقة الدستورية

وشملت القوانين التي تمت إجازتها، وفق الوكالة، تعديل المادة 141 من القانون الجنائي السوداني، والخاصة بـ”تجريم ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية” أو ما يعرف بـ”ختان الإناث وبذلك يدخل التعديل القانوني الخاص بـ”ختان الإناث”، حيز التنفيذ منذ الخميس، وهو تاريخ التصديق عليه، ويجرم من يرتكب هذا الفعل بالسجن لمدة 3 سنوات وغرامة مالية يحددها القضاء، وفي 29 أبريل الماضي، رحبت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، بتصديق الحكومة السودانية آنذاك، على هذا التعديل القانوني، وتقول “يونيسف”، إن السودان من بين الدول التي ترتفع فيها نسبة “ختان الإناث”، حيث وصل معدل تلك الممارسة عام 2014، ما نسبته 86.6 % من إجمالي الإناث بالبلاد وتأتي تلك التعديلات، في إطار مساعي  العسكر وحكومة حمدوك لاسترضاء اليسار الذي يتصدر المشهد السياسي بالسودان، حاليا.

وأيضا تتوافق التعديلات مع أجندات الغرب واشتراطاته، لإعادة السودان للمجتمع الدولي، بعد عقود من العزلة والحظر ، خيث تتواجه السودان بالعديد من القيود والعراقيل الدولية، التمثلة في العقوبات الدولية ، المتعلقة بتواجدها على قوائم الارهاب الدولي، ومن ثم تعد التعديلات المنطلقة من خلفية علمانية قد تتصدم مع عموم الشعب السوداني، عربون  للغرب للرضاء السياسي عن السودان في مساره الجديد.

 

تحديات استراتيجية أمام السودان

وأمام التغيرات الهيككلية في البنية السياسية والاجتماعية في السودان، تبرز العديد من التحديات أم السودانيين، في مقدنمتها ؛ الأزمة الاقتصادية ، وتحديات استمرار التوغل العسكري في المسارات السودانية كافة، وأزماتها الحدودية مع اثيوبيا، سواء فيما يتعلق بسدالنهضة أو النزاعات الحدودية، واقرار السلام الشاممل في جوبا ودارفور وغيرها من المناطق السودانية..كما يبرز من جانب آخر وضعية التيار الاسلامي بالبلاد وطبيعة تعامله مع التغيرات المجتمعية وحركة العلمنة المتصاعدة بالبلاد، ويتنازع المستقبل السوداني ، بين طرفي حركات الحرية والتغييروشركاؤه االداعين لدعم التيار المدني داخل مؤسسات الحكم، في مواجهة الطرف العسكري، في حين يتمثل الطرف الثاني ،في الأحزاب الواقعة خارج إطار الإئتلاف الحاكم، وهؤلاء يطالبون بإسقاط الحكومة تماما.

ويتواجه النظام السوداني أيضا، بمطالبات إصلاح المنظومة العدلية وتصفية تمكين عناصر النظام البائد في القضاء والنيابة، وتقديم رموز النظام البائد ومرتكبي كل الجرائم منذ 30 يونيو 1989 وحتى اليوم، لمحاكمات عادلة وعلنية بشكل عاجل ودون تأجيل، بجانب تحدي هيكلة المؤسسة العسكرية، وبناء جيش وطني قومي واحد تحت إشراف كامل من مجلس الوزراء المدني، بجانب ذلك، يقف السودان ذاعنا أمام املاءات الخارج ، سواء من قبل الغرب وأمريكا، من أجل منحه الصلاحية للعودة للمجتمع الدولي.

فبحسب حزب المؤتمر الوطني، الذي أسسه حسن الترابي “السودان فقد قراره السياسي، وأصبحت تملى عليه القرارات من الخارج”…وهو أمر يستلزم إعادة الدراسة والتوقف كثيرا أمامه،ويتعلق بالاستقلال الوطني السوداني، ومعه فلا قيمة لأية تعديلات جذرية بالسودان نحو التحول الديمقراطي والتنمية والاستقلال، ويبقى التوصل لاتفاق سلام شامل ومنجز مع كل الفصائل السودانية محطط اختبار جدي لمسار الثورة السودانية، إذ يرى مراقبون أن  التوقيع على اتفاق سلام ليس قريبا، كما يتم الترويج له. فمشكلة السلام بالسودان معقدة، والتفاوض الحالي يتم بين الحكومة وجزء من الحركات المسلحة وليس جميعها..وهو ما يبقى التعديلات الوزارية غير ذي جدوى على المدى المنظور.

أما مطالب الشارع ، والذي يصطلي بنار الفشل الحكومي، لن تتحقق على ما يبدو، في ضوء أن الوزراء الجدد خرجوا من الوزارات نفسها، وهم الشخص الثاني في كل وزارة، وهي إشارة سلبية، بأنه لن يكون تغيير حقيقي، وكان لا بد من تسمية وزراء جدد، لإزالة الإحباط بشأن بقاء الوضع على ما هو عليه، وتبقى الأزمة الاقتصادية، محورا مؤثرا بل وحاسما في صياغة التحولات السياسية والاجتماعية في السودان، خلال الفترة المقبلة، حيث جاءت التعديلات الاجتماعية والقانونية، بعد أيام من “مؤتمر شركاء السودان” الذي عقد ببرلين، يوم 26 يونيو الماضي، والذي قدك عدة تعهدات بدعم الاتحاد الأوروبي للسودان.

وطلبت الحكومة السودانية من صندوق النقد الدولي برنامجاً مدته 12 شهراً يدعم جهود الحكومة في استعادة الاستقرار الكلي للاقتصاد ويساعدها في تعبئة الموارد الخارجية”، هذا ما جاء في تقرير صندوق النقد يوم الثلاثاء 23 يونيو 2020، قبل يومين من موعد انعقاد مؤتمر شركاء السودان ، وتوصلت الحكومة السودانية وبعثة الصندوق إلى اتفاقية بشأن السياسات والإصلاح الاقتصادي ضمن ما يسمى “برنامج مراقبة موظفي الصندوق SMP”. هذا البرنامج مصمم لمساعدة الدول في تخفيض عدم التوازن في مؤشرات الاقتصاد الكلي والحد من التشوهات الهيكلية للاقتصاد وتقوية شبكات الأمان الاجتماعية، هذه الإجراءات الهدف منها تخفيف عبء الديون بالنسبة للدول الفقيرة المثقلة بالديون. أضاف الصندوق في التقرير ذاته أن الاقتصاد في السودان انكمش بـ2.5 في المئة في عام 2019 ويتوقع أن ينكمش بـ8 في المئة هذا العام، ويواجه مخاطر دين يشكل 190 في المئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي وتضخم في مايو 2020 بلغ 114 في المئة. وأشار صندوق النقد إلى أن الحكومة السودانية قدمت مجموعة من الإصلاحات لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتعزيز النمو وتعمل على إصلاح دعم المحروقات والتوزيع في الإنفاق على البرامج الاجتماعية بما في ذلك الدعم النقدي المباشر للأسر. ويرى الصندوق أن السياسة النقدية الحكيمة وإصلاح سعر الصرف سوف تحد من التضخم، وشدد على ضرورة معالجة الفساد وتحسين بيئة الأعمال. وتعهد الصندوق بدعم جهود الحكومة في الإصلاح ومساعدتها في الوصول للشركاء الدوليين بهدف تعبئة الموارد الكافية لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي.

وقالت مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها بتاريخ 22 يونيو 2020، إن الشراكة بين المدنيين والعسكريين في السودان مهددة إذا لم يتوافر الدعم الدولي وستكون تداعيات هذا كارثية على السودان والمنطقة. التقرير يسلط الضوء على أهمية تمويل المانحين للبرامج الاجتماعية للحكومة بعد إجراءات رفع الدعم عن الوقود. وترى المجموعة أن عدم توافر دعم عاجل يساعد الحكومة السودانية على الالتزام ببرنامج الدعم النقدي المباشر للأسر سترتفع مخاطر عدم الاستقرار، وطلبت من حكومة حمدوك أن تسعى إلى تحقيق الاجماع السياسي حول برنامج الإصلاحات الاقتصادية، وتحديداً حشد دعم الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية، وهي تحالف القوى الموقعة على إعلان الحرية والتغيير الذي قاد الشارع للإطاحة بحكومة البشير. ومن المعلوم أن خلافاً بينهما حول الخطة الاقتصادية عطلت إجازة الإصلاحات الاقتصادية بصورة رسمية، إذ يرى تحالف الحرية والتغيير أن رفع الدعم عن السلع الإستراتيجية ستكون له تداعيات اجتماعية وسياسة وخيمة وهي المخاوف ذاتها التي تشير إليها مجموعة الأزمات الدولية.

وبعد الإطاحة بحكومة البشير في 11 أبريل 2019، مثلث المساعدات التي قدمتها كل من السعودية والإمارات عاملاً مهماً في توفير السلع الإستراتيجية ودعم الموسم الزراعي الشتوي في فترة حرجة كان السودان يعاني فيها الاضطرابات وعدم الوصول للتسوية السياسية.

 

مستقبل قاتم

ولعل ما يعانيه السودان في مرحلته الانتقالية من أزمات داحلية أثرت على مواقفه الدولية والاقليمية، وهو ما كشفت عنه الأيام القليلة الماضية، حيث ساد  الارتباك في الموقف السوداني في تفاعلات سد النهضة الإثيوبي، حيث جرى اتخاذ قرارات أو تحديد مواقف ثم التراجع عنها، كما بدا واضحاً وجود ثنائية متناقضة في التعبير عن موقف الدولة من هذا الملف المفصلي الذي وضع السودان بين شقي رحى بسبب الاستقطابات الراهنة ما بين الموقفين المصري والإثيوبي، فضلاً عن المخاطر التي تهدد السودان ذاته، في حال إصرار أديس أبابا على حجم تخزينٍ مائي ضخم.

وفي مسألة سلامة الإنشاءات الهندسية لسد النهضة ومدى تأثيرها في السودان فإن وزير الري السوداني ياسر عباس تراجع عن مسألة تمتُع السد بدرجةٍ عالية من الأمان، وأنه لا يهدد بلاده بأي شكل من الأشكال، وذلك في تصريحات صحافية لجريدة “السوداني”، وهو الموقف الذي كان مصراً عليه على مدى سنوات وعبر نظامين سياسيين، لكنه خلال الساعات الماضية تحدّث عن إمكانية وجود مخاطر لسد النهضة على السودان.

أما على مستوى القرارات السياسية، فمن الملاحظ الثنائية الواضحة في وزارة الخارجية السودانية بين ما تعبِّر عنه وزيرة الخارجية أسماء عبد الله والذي كان يعبّر عنه وزير الدولة في الخارجية عمر قمر الدين، فالوزيرة في حوار لتلفزيون السودان القومي رفضت بشكل مطلق الملء الأول لسد النهضة من دون اتفاق مع دولتي المصب (مصر والسودان)، بل وطالبت القاهرة بالتشدد في مواقفها، بينما وزير الدولة قال في وقت لاحق إن بلاده لن تذهب إلى مجلس الأمن، وأنه لو تم ملء أوليّ للسد من جانب أديس أبابا فإن السودان لن يُصعِّد ضد أديس أبابا، ولن يذهب إلى مجلس الأمن رافضاً هذه الخطوة من جانب القاهرة. ولكن السودان تراجع عمّا قال به وزير الدولة للخارجية، وقال بذهابه إلى مجلس الأمن، ولكن على لسان وزير الري هذه المرة.

هذا المشهد السوداني المرتبك أعطى إشارات متناقضة للإقليم وللعالم عن الاتجاهات السياسية السودانية، وطبيعة تفاعلات اتخاذ القرار، وطريقة صناعته، وذلك بشأن أمور البلاد الحيوية، وهو ربما يضع السودان في موقف حرج على المستوى السياسي، ولا يمكّنه من تحقيق مصالحه الاستراتيجية، التي من المفترض أن تكون ذات طابع مستدام، ذلك أنه من المعروف أن التموضع الإقليمي لأي دولة يكون استجابة لمعطيات موقعها الجيوسياسي، وليس استجابة لنخبٍ ونُظمٍ سياسية متغيرة.

وإذا كانت حالة السيولة السياسية والهشاشة المترتبة على تغيير النظام السياسي السوداني، وكذلك الانقسامات الجديدة والخلافات في كواليس القوى السياسية والتجمعات المهنية القائدة لثورة ديسمبر تبرر نسبياً هذه الهشاشة، ووصف نائب رئيس المجلس السيادي الفريق حميدتي بالفشل، فإنه يبدو أن الأزمة هي أعمق من ذلك ولها أسباب تاريخية ومستجدة. تؤثر على العديد من الملفات الاستراتيجية بالسودان، سواء أكانت هويته أو رسم سياساته، التي لم تعد داخلية، وستذداد سوءا مع الجزء الثاني من الفترة الانتقالية، التي يتسيد فيها  العسكر، وصولا للانتخابات العامة بالبلاد.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022