الأزمة السياسية في إثيوبيا وتأثيرها على مفاوضات سد النهضة

شهدت إثيوبيا منذ عام 2015 عددًا من الاحتجاجات هي الأعنف منذ ما يقرب من ربع قرن، والتي عمَّت مناطق متفرقة من البلاد، خاصةً تلك التي وقعت في المناطق الحدودية بين إقليم الصومال الإثيوبي وإقليم أورومو، وتسببت في سقوط ما يقرب من ألف قتيل ونزوح عشرات الآلاف، وفي هذا الإطار قدَّم رئيس وزراء إثيوبيا السابق هايلي مريام ديسالين، استقالته الخميس 15 فبراير2018، على خلفية تلك الاضطرابات التي شهدتها بلاده، والتي سقط فيها الكثير من الضحايا؛ وذلك للمطالبة بالإفراج عن المزيد من قيادات المعارضة، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية لبقية الأطياف العرقية في المجتمع الإثيوبي.

 

ليأتي فيما بعد آبي أحمد في 2 أبريل 2018، الذي تمكَّن -لما حظي به من قبول شعبي- من إعادة الاستقرار والهدوء للحياة السياسية الإثيوبية، فمن ناحية أعاد آبي أحمد خلال سنته الأولى هيكلة مؤسسات الدولة الديمقراطية، وعمل على تمكين المرأة الإثيوبية، وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء المعارضين، بالإضافة إلى رفع حركات المعارضة المسلحة من لائحة المجموعات الإرهابية في البلاد، كما استطاع تحقيق السلام الإثيوبي الإريتري، الذي يُعد أحد أهم الإنجازات التاريخية التي حققها آبي أحمد؛ لتتم مكافأته بجائزة نوبل للسلام.

 

إلا أن هذا الوضع لم يدم طويلًا؛ فما لبث الوضع أن عاد للتوتر في بداية العام الثاني لحكم آبي أحمد، ففي 22 من يونيو 2019 جرت محاولة انقلاب فاشلة على آبي أحمد، فقد خلالها 5 من كبار معاونيه من مسؤولي الحكومة والجيش، كان أبرزهم رئيس هيئة الأركان الجنرال سعري مكنن، الذي لم يفارق آبي أحمد منذ تعيينه في جميع مشروعاته لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وما لبثت بعدها أن توالت الأزمات التي فجرَّت الوضع في الداخل الإثيوبي، فما هي جذور هذا التوتر؟ وما هي التداعيات التي أخلفها على أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا؟ هذا هو ما سنحاول الإجابة عنه خلال السطور القليلة القادمة.

 

 

جذور الأزمة الإثيوبية

 

على مدى عقود، ظل حزب واحد، أعضاؤه من إقليم تيجراي الشمالي، يهيمن على الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، ما أثار استياء الأورومو المقيمين باتجاه الجنوب، وأثارت خطة حكومية لتوسعة العاصمة باستخدام أراضٍ زراعية مملوكة للأورومو في عام 2015 احتجاجات استمرت ثلاث سنوات، وقمعًا دمويًّا، قاد في نهاية الأمر إلى استقالة رئيس الوزراء وتعيين آبي أحمد، الذي أتاح حريات كبيرة على مستوى البلاد، لكن أجزاء من أوروميا في الغرب والجنوب ظلت خاضعة للحكم العسكري الفيدرالي؛ حيث سجلت منظمة العفو الدولية أعمال قتل وانتهاكات تمارسها قوات الأمن[1].

 

وتمكَّن آبي أحمد من إحداث تغيير في حزب الائتلاف الحاكم، وقام بتوسيع مساحاته، بعد أن ظل حبيس 4 أحزاب رئيسة منذ تأسيسه عام 1991، وأعلن عن حزب الازدهار الجديد، الذي استوعب فيه الجميع؛ ليكون حزبًا قوميًّا، وائتلافًا جديدًا لأكثر من 8 أحزاب، بينها خمسة أحزاب جديدة، وأعلن حزب الازدهار الذي يقوده رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في ديسمبر 2019 خوض الانتخابات المقبلة، ويضم 8 أحزاب، بينها 3 رئيسة تشكل الائتلاف الحاكم بالبلاد، وهي (الأورومو الديمقراطي، والأمهرا الديمقراطي، والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا)[2]. إلا أن شعب الأورومو ينتقد هذا التحرك لآبي أحمد؛ حيث يرون بأنه دفع بحزبه الجديد على حساب الأورومو.

 

وفي 29 يونيو 2020 أثار مقتل المغني الشاب وكاتب الأغاني الإثيوبي هاشالو هونديسا، رميًا بالرصاص في إحدى ضواحي أديس أبابا، ردود فعل غاضبة، قلبت إثيوبيا رأسًا على عقِب، أفضت إلى احتجاجات عنيفة، تخللتها اشتباكات بين مواطنين وقوات أمن، ردت عليها السلطات بحظر لخدمات الإنترنت والاتصالات، واعتبرت المعارضة مقتل هونديسا ضربة لقومية الأورومو التي ينتمي إليها[3]. وخرج آلاف الأشخاص في منطقة أوروميا إلى الشوارع؛ اعتراضًا على مقتل هونديسا، وقُتل المئات خلال تلك الاحتجاجات، واعتُقل جوار محمد وبيكيلي جربا، وهما من المعارضين البارزين لآبي من قبيلة أورومو، وانتقد السياسيون المعارضون لحكومة آبي أحمد إعلانها حالة الطوارئ في أبريل؛ بسبب تأثير فيروس كورونا، وكذلك بسبب تصويت البرلمان لتأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها في أغسطس، والسماح لآبي أحمد بالبقاء في منصبه، وصار من غير المحتمل الآن أن تكون هناك انتخابات حتى تسعة أشهر على الأقل بعد زوال تهديد فيروس كورونا، وهو ما اعتبره خصوم آبي أحمد محاولة للتمسك بالسلطة[4].

 

هذا بجانب تردد أنباء عن كون وزير الدفاع الإثيوبي ليما ميجرسا يخضع للإقامة الجبرية بعد إقالته من قِبل آبي أحمد، وهو ما يعتبره المنتمون لشعب الأورومو خيانة لقضيتهم التي أوصلت آبي أحمد إلى السلطة؛ حيث يُعد ليما هو الرجل الذي وضع آبي أحمد في المقدمة، وجعله رئيسًا للوزراء[5]. كل هذا أجَّج الوضع في الداخل الإثيوبي، بالشكل الذي أعاد للمشهد الدعوات المنادية بالانفصال.

 

 

تداعيات الأزمة الإثيوبية على مفوضات سد النهضة

 

لطالما راهنت الحكومة الإثيوبية على المضي في إجراءاتها الأحادية من أجل توحيد جبهتها الداخلية، وهو الأمر الذي من ناحية ربما يدفع إثيوبيا إلى التصعيد في المفاوضات؛ بهدف تعبئة الرأي العام الداخلي في اتجاه قضية السد، بدلًا من التفاته للمشكلات الداخلية، ومن ناحية أخرى قد يدفعها للتهدئة في المفاوضات، أو على الأقل تأجيلها؛ بحجة التوتر الذي يعيشه الداخل الإثيوبي، فإثيوبيا تسعى دائمًا لتوظيف الأزمات الخارجية لتوحيد الداخل، وتوظيف الداخل لتهدئة الخارج، وهو الأمر الذي قد ينتج عنه مد في أمد المفاوضات حول أزمة سد النهضة.

[1]  “لماذا أثار قتل مغنٍّ احتجاجات دامية بين شعب الأورومو في إثيوبيا؟”، العربي الجديد، 2/7/2020. https://2u.pw/pHUfc
[2]  “إنجازات وآلام .. عامان لآبي أحمد في رئاسة وزراء إثيوبيا”، شبكة عين الإخبارية، 2/4/2020. https://2u.pw/bBX4O
[3]  “احتجاجات عنيفة وقطع للإنترنت بعد “قتل مغنٍ معارض” .. ماذا يحدث في إثيوبيا؟”، مصراوي، 30/6/2020. https://2u.pw/r2Lzr
[4] “Is Ethiopia spiralling into political crisis?”, Aljazeera, 5/7/2020. https://2u.pw/veRPS
[5] Awol Kassim Allo, Post on Facebook, 12/8/2020. https://2u.pw/y5oag.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022