تطبيع جديد بنكهة المقاومة : كيف صدرت الإمارات خضوعها لإسرائيل؟
استقيظ العالم العربي على تصريحات السادات المنادية بالسلام مع إسرائيل، وباستعداده التام للسفر لعاصمتهم، وصدرت مصر في تلك الفترة، أن السلام يستهدف حرصها على عودة الأراضي المحتلة في 1967، وبأن العدو يمتلك 99% من أوراق اللعبة، التي تجبر العرب على القبول بالسلام، ثم جاءت الأردن في التسعينيات لتعقد اتفاقية سلام شبيهة بالاتفاقية المصرية الإسرائيلية، وتبنت ذات المصطلحات.
وبعيدًا عن التفسيرات الرافضة لتلك الاتفاقيات التي توصف بالخيانة للقضية الأهم للمسلمين، إلا أنه كان هناك منطق من التطبيع، وما أقصده هنا أن تلك دول قامت بينها حروب ودماء وصراعات، لكن أن تخرج الإمارات على لسان ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للبلاد، بأنها عقدت اتفاقًا تجاريًّا ودبلوماسيًّا كاملًا مع الكيان الصهيوني، يقوم على خطة طريق، سيتم عرضها خلال الفترة المقبلة، مقابل قيام إسرائيل بتعليق قرار ضم المستوطنات الفلسطينية، فهنا لابد من الإشارة لاختلاف المقدمات والسياقات، وحتى النتائج والمآلات.
يبحث هذا التقرير حيثيات الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي، وردود الفعل الشعبية والثقافية، ومآلات المسار الجديد للتطبيع العربي.
مضمون الاتفاق ورسائله:
نشرت المؤسسات الصحفية الرسمية وغير الرسمية تفاصيل المكالمة التي جمعت بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وولي عهد أبو ظبي الأمير محمد بن زايد، ونتائج الاتصال هي تعليق ضم المستوطنات التي يدور حولها جدل كبير في الشهور الماضية، في مقابل تطبيع الإمارات مع إسرائيل، ومن المقرر أن يتوجه هذا الأسبوع وفد إسرائيلي رسمي إلى الإمارات؛ لبحث تفاصيل الاتفاق في مختلف المجالات؛ لإقامة علاقات دبلوماسية رسمية، وتبادل السفراء بين الطرفين، وفي هذا السياق، أكدت المتحدثة بلسان الخارجية الإماراتية، هند العتيبي، في مقابلة أجرتها، أمس السبت، مع صحيفة “هآرتس”، أن “الإمارات وباقي الأطراف متحمسون للمضي قدمًا، بما في ذلك مجال تأشيرات الرحلات والأعمال، فهذا مركب مهم في الاتفاقيات”، مضيفةً: “نحن نتوقع علاقات في مجال التأشيرات والطيران المتبادل كجزء من العلاقات الجديدة بين الدولتين، ونأمل حضور إسرائيليين كثر في معرض أكسبو في دبي في العام 2021، التي أقرت إسرائيل المشاركة فيه”، وأشارت إلى أن “هدفنا هو بدء مَأْسسة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع تبادل سفراء .. لا أستطيع الحديث عن الجدول الزمني، لكن هذه هي نيتنا”[1].
صدّرت الإمارات تطبيعها هذا وكأنها تدافع عن فلسطين، رغم أن نتنياهو ذاته أكد أن ما حدث مجرد تعليق لقرارات الضم، وليس تغيرًا في الموقف، لاسيما أن هناك حالة رفض داخلي لإجراءات الضم؛ لأنها ستضغط على الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعاني من تبعات جائحة الكورونا؛ ولذلك فمن مصلحة إسرائيل تعليق القرار في الوقت الحالي، والأهم من ذلك أن حكومة نتنياهو تمكنت من عقد اتفاق تاريخي، سيكون له توابع كبرى على مستقبل المنطقة، لاسيما بعد تصريحات جاريد كوشنر مبعوث ترامب في الشرق الأوسط، عندما أكد أن هناك دولًا أخرى ستنضم قريبًا لهذا الاتفاق، ويقصد بالطبع السعودية والبحرين وعمان، وهناك أقوال أن قطر ستجبر هي الأخرى على الانضمام[2].
ردود أفعال مختلفة حول الاتفاق:
تنوعت ردود الأفعال العربية حول الاتفاق، بين مرحب ومندد وصامت غير مهتم، وكان من أبرز المرحبين بالاتفاق على المستوى الرسمي، مصر والبحرين، في حين أن وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم، قد انتقد الخطوة الإماراتية بشدة، ووصفها بالمخزية.
وعبرت أحزاب سياسية ومواطنون في الجزائر عن رفضهم لخطوة التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، واعتبروها خيانة وطعنة” في ظهر الجسد العربي، وعلى المستوى الشعبي، خرجت عدة تظاهرات في عمان والجزائر، وغيرهما من البلاد العربية؛ للتنديد بالموقف الرسمي العربي، وعودة التطبيع من جديد.
وعلى المستوى الفلسطيني الداخلي، قوبل الاتفاق بتنديد فلسطيني واسع من القيادة وفصائل بارزة، مثل “حماس” و”فتح” و”الجهاد الإسلامي”، فيما اعتبرته القيادة الفلسطينية -عبر بيان لها- “خيانة من الإمارات للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية”، وقال محمد العماري الناطق باسم قيادة حزب جبهة التحرير الوطني، إن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي “غدر مكتمل الأوصاف، وخيانة بكل ما تحمله الكلمة من مضامين”[3].
إلى العلن: مآلات الاتفاق:
في حقيقة الأمر، لم يكن من المستغرب أن يخرج هذا الاتفاق؛ فالاتصالات الإماراتية الإسرائيلية قد وصلت لمعدلات غير مسبوقة من التنسيق، وليس فقط المحادثات والمشاورات؛ بل وهناك البعض الذي يؤكد على وجود مركز عمليات مشتركة لتوزيع المهام، ولكل طرف مصلحته؛ فالإمارات أدركت أن خطر الثورات والحرية قد يكون أهم وأخطر من خطر إيران، أما إسرائيل فهي تريد تصفية القضية الفلسطينية، ومن هنا فالاتفاق يقوم على حصول الإمارات على الدعم والشرعية الدولية في تصفية ومواجهة دول الربيع العربي، في مقابل جر الدول العربية لعقد اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وترك الفلسطينيين بمفردهم لمواجهة مصيرهم.
ويعادي المحور الخليجي الصهيوني هذا بقوة النموذج التركي، بصورة ربما أكبر من إيران؛ لأن الأول يدعم الربيع العربي بقوة، ويتمدد يومًا بعد يوم في مساحات لطالما كانت محرمة في الماضي.
إن ما يحدث هو إعادة لتشكيل الإقليم العربي والشرق الأوسط بصفة خاصة؛ حيث يحاول المجتمع الدولي تأسيس شرق أوسط جديد خالٍ من النزاعات المؤرقة، تقوده نخب تابعة بالكامل للمنظومة الإمبريالية، من خلال التنسيق العلني الكامل مع شرطي المنطقة، المتمثل في حكومة الاحتلال الصهيوني، ولذلك لا يجب أن تستغرب الاتفاقيات المقبلة بين الكيان وكثير من دول العالم العربي.
——————————————
[1] اتصالات أمريكية مع عمان والبحرين للانضمام لاتفاق الإمارات، العربي الجديد، 16/8/2020
[2] بلال ياسين، “تطبيع الإمارات مع إسرائيل ليس من أجل الفلسطينيين” عربي 21، 15/8 2020
[3] الجزائر .. رفض سياسي وشعبي للتطبيع الإماراتي الإسرائيلي، الأناضول، 15/8/2020
القمة الـ 22 لمنظمة شنغهاي .. صعوبات أمام “التعددية القطبية”
منذ انطلاقتها, يومي الخميس والجمعة 15-16سبتمبر الجاري، سعت قمة منظمة شنغهاي للتعاون الدولي…