قانون التصالح على مخالفات البناء..اختبار صعب للسيسي وللشعب أيضا

 

يأتي تصميم نظام عبد الفتاح السيسي على تطبيق بنود قانون التصالح على مخالفات البناء، في وقت بالغ الصعوبة الاقتصادية والأمنية، بل والاجتماعية بمصر، ولعل ما يزيد من فرص الانفجار الشعبي؛ عدم ادراك نظام السيسي السياق الاجتماعي والاقتصادي لعموم المصريين، والتي تعد جزءً أساسيا من تنفيذ بنود أية قوانين أو اتفاقات أو قراررات.

فوسط تشدد وتهديدات من السيسي في مناسبات عدة على ضرورة تطبيق القانون الذي يعني إزالة أكثر من 60% من عقارات مصر، أو دفع مبالغ كبيرة لتقنين المخالفات وليس تعديلها أو تجميلها، يجد الكثير من المواطنين أنفسهم خارج أسوار المنازل والعقارات، يواجهون التشرد بالشوارع، مع سوء إدارة مؤسسات الدولة في توفير بدائل للسكان المشردين من بيوتهم، التي بذلوا من أجلها الجزء الأعظم من أعمارهم، لبنائها أو شرائها.

وتقدر لجنة الإسكان بمجلس النواب عدد المباني المخالفة بـ2.8 مليون مبنى، وعدد الأدوار المخالفة 396 ألفًا و87 دورًا، و1.7 مليون وحدة مخالفة، على مستوى الجمهورية، وأزالت السلطات المحلية 9.609 مخالفات بناء داخل الحيز العمراني، و20.447 مخالفة بناء على الأراضي الزراعية، وأحالت إلى النيابة العسكرية 12.641 حالة، حتى أغسطس الماضي.

القانون الأزمة

وقد استغرق تشريع القانون نحو 4 سنوات، وصدرت نسخته الأولى في 8 أبريل من العام الماضي، وقد عدل القانون أكثر من مرة، لكن أبرز التعديلات التي طرأت عليه هي ما تضمنها القانون رقم 1 لسنة 2020 ويقضي بجواز تصالح السلطات في مخالفات البناء، التى ارتكبت بالمخالفة لأحكام القوانين المنظمة للبناء (وأبرزها القانون 119 لسنة 2008).

وحدد القانون الجديد غرامات التصالح، لتتراوح من 50 إلى 2000 جنيه للمتر المسطح الواحد، وذلك حسب المستوى العمرانى والحضارى وتوافر الخدمات في المناطق المختلفة، وهو ما تحدده لجان محلية معنية بكل محافظة، ويستثني القانون حالات بعينها من التصالح، أبرزها: المباني التي تتضمن خللا إنشائيا يضر بسلامتها، أو الأراضي المملوكة للدولة، وقد عدل القانون أكثر من مرة آخرها في 7 يوليو 2020، عندما أصدر محافظ القاهرة قرارا بتعديل قيمة سعر المتر المسطح لمقابل التصالح وتقنين الأوضاع.

لماذا القانون؟

ويأتي سياق اللجوء للقانون، بجانب رغبة نظام السيسي في تعويض تراجع الدعم المالي الخليجي، بعد أزمة انهيار أسعار النفط العالمية وأزمة كورونا، وأيضا ابتلاع مشاريع السيسي لموازنة الدولة دون مردود اقتصادي أومالي، ويمكن تلخيص أبرز أسباب اللجوء للقانون في التالي:

الأزمة السكنية

ويعالج القانون التشوهات السكنية التي ورثتها الانظمة المتلاحقة على حكم مصر وتسببت فيها، ولعل الجاني الأبرز في القضية هي أجهزة الدولة نفسها، التي صاغت وطبقت سياسات، بخست الفلاح حقه واهدرت قيمة الزراعة، فكان البناء على الأراضي الزراعية أكثر ربحية من زراعتها، في ضوؤ تقليص الدعم الحكومي للمحاصيل الزراعية، ورفع أسعار أدوات الانتاج.

البناء العشوائي

فالمنازل في القرية صغيرة ويضطر الناس للبناء عندما تكبر عائلاتهم، وهو ما يصفه مدير تحرير مجموعة أكسفورد للأعمال في مصر “كيفن جراهام” “إن الأرض المخصصة للإسكان باهظة الثمن في العادة”، متابعا: “تقتنص شركات التطوير العقاري هذه الأراضي لكن ينتهي بها الأمر في كثير من الأحيان إلى بناء منازل باهظة الثمن بدلاً من بناء منازل بأسعار معقولة”.

الأحوزة العمرانية

ويمثل عدم توافر أراضي للبناء قريبة من الكتل السكنية أزمة ممتدة لعقود، وتعاني المدن والقرى بالمحافظات من تكدس سكاني كبير إثر إقامة كافة المجتمعات العمرانية على نحو من 3-5% فقط من مساحة مصر، كما أن الأحوزة العمرانية قديمة وغير مستوعبة للزيادات السكانية، وهو ما يحتم على المواطنين المخالفة والبناء العشوائي، لمواجهة احتياجات عائلاتهم.

فساد المحليات والدوائر الحكومية

ولعل ما يفاقم الظاهرة هو الفساد الإداري والمالي المستشري بالإدارات الحكومية والمحلية، والذي سهل المخالفات العديدة، وحرم الدولة من تحصيلها حقوقها، وهو أمر مستشر منذ عقود، ويستحق محاسبة المسئولين عنه، لا معاقبة المواطن المضطر لذلك، إثر تعقد القوانين والإجراءات اللازمة للترخيص.

مركزية السلطة

وهو ما يصحبه تركز الحدمات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية في المناطق القريبة من المدن، وهو ما يسهل ويدفع نحو الهجرة من الريف إلى المدن، والتي تتزايد سنويا، وفق تقديرات البنك الدولي بنحو 14% سنويا.

عراقيل انفاذ القانون

وتواجه القانون عدة عراقيل، أهمها:

مخالفات دستورية

وبحسب قانونيين، يواجه القانون 1 لسنة 2020، عوارا وطعونا في دستوريته، لأنه “يُطبق بأثر رجعي” وتنص المادة 95 من الدستور المصري على أن “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون”، وهو ما يؤيده الخبير القانوني محمود فريد “في تصريحات لبي بي سي” ، حيث يرى أن القانون غير دستوري، ويتوقع أن تقضي المحكمة الدستورية العليا بذلك في نهاية المطاف.

فـ”القانون يطبق فعليا بأثر رجعي، إلى زمن صدور القانون رقم 106 لسنة 1976، وهو أول قانون لتنظيم البناء في مصر، وهذا يتعارض مع حكم للمحكمة الإدارية، يقول إن “تراخي جهة الإدارة في تنفيذ قرارات الإزالة للمباني المخالفة خلق أوضاعا مستقرة، وانتقالا للملكيات، كما أن توصيل الدولة المرافق إلى المباني المخالفة إقرار منها، بوجود المخالفة واستقرارها، بل إنها تحصل عنها ضريبة عقارية”.

وفي سياق متصل، أقام وحيد أدور فايز وجورج ألفي عزيز، المحاميان بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، دعوى مستعجلة أمام محكمة القضاء الإداري، مطالبان بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بتعديل بعض أحكام القانون في شأن التصالح مع بعض مخالفات البناء، وكذلك وقف تنفيذ قرارات الإزالة التي تصدر مخالفة للقانون، واختصمت الدعوى التي حملت رقم 48473 لسنة 74ق، كلًا من رئيس الجمهورية بصفته ورئيس مجلس الوزراء بصفته، ووزير التنمية المحلية بصفته.

وقال المدعيان في دعواهما أن المطعون ضده الأول و بصفته رئيسا للجمهورية، أصدر القانون رقم ١ لسنة ٢٠٢٠ بتعديل بعض أحكام القانون رقم 17 لسنة ٢٠١٩ في شأن التصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها، ونصت المادة الأولى على أنه يجوز التصالح وتقنين الأوضاع في الأعمال التي ارتكبت بالمخالفة لأحكام القوانين المنظمة للبناء الصادرة قبل العمل بأحكام هذا القانون وفي حالات تغيير الاستخدام في المناطق التي لا يوجد لها مخططات تفصيلية معتمدة والتي ثبت القيام بها قبل العمل بأحكام هذا القانون وذلك علي النحو المبين به.

وذكرت الدعوى، أن الدستور في بنوده نص على أن الجريمة شخصية لا تمس إلا مرتكبها، فأما من نأي بنفسه عن ارتكاب جريمة ما أو المشاركة فيها فلا يصح معاقبته عن جرم لم يرتكبه وهو ما عرفه الفقه والقضاء بمبدأ شخصية العقوبة، بيد أن القانون المطعون فيه قد اعتبر مالك الوحدة السكنية في عقار بني بغير ترخيص أو خالف كل أو بعض شروط الترخيص اعتبره هذا القانون متهمًا، عليه أن يسدد غرامة وقيمة التصالح وإلا أزيل سكنه.

وأضافت الدعوى، أن مبدأ عدم رجعية القوانين إلا إذا كانت أصلح للمتهم قد تم إهداره والالتفات عنه لمآرب خاصة تهدف إليها الدولة تتمثل في تحصيل المليارات عن جرائم ارتكبت، إن كان هناك جرائم في الماضي ويكون القانون الطعين قد خالف مبدأ الأثر الفوري للقانون وبات أي مواطن مهددًا باتخاذ أي إجراء عن أيه أحداث تمت في الماضي، ولا تشكل إلا جنحة تنقضي في الأساس بمضي ثلاث سنوات أن كان لها محل أصلا، واستكملت الدعوى أن القانون محل الطعن يمثل ردة كبيرة في مجال حقوق الإنسان والمساس بالملكية الخاصة، فضلًا عن مخالفته مبدأ عدم جواز المعاقبة عن فعل واحد مرتين.

دفوع أخرى:

وعلى عكس ذلك، يرى فريق أخر من القانونيين، كمحمد بشر المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة وباحث دكتوراة في القانون، أن مبدأ الأثر الفوري لتطبيق القانون مبدأ قانوني راسخ فعلا واكدته محكمة النقض في أحكامها المتعاقبة وقالت “عدم جواز انسحاب تطبيق القانون على ما يكون قد انعقد قبل العمل به من تصرفات وتحقق من أوضاع وأن من المبادئ الدستورية المقررة أن أحكام القوانين لا تسرى إلا على ما يقع من تاريخ نفاذها ولا تنعطف آثارها على ما وقع قبلها ما لم تنص على خلاف ذلك”.

متالعا، خلال حوار مع موقع برلماني :”الطعن رقم 2778 لسنة 74 وهو ما أقرته محكمة النقض الدائرة التجارية جلسة 25 / 12 / 2014، أي أن القانون لا يطبق بأثر رجعي ويطبق فور نشره في الجريدة الرسمية ولا ينسحب لما سبقه من وقائع، إلا في حالة أن القانون بينص علي غير ذلك، وهو ما يراه محققا في قانون التصالح، حيث نصت المادة 1 فقرة 2 : “”يجوز التصالح وتقنين الاوضاع في الاعمال التي ارتكبت بالمخالفة للقوانين المنظمة للبناء الصادرة قبل العمل بأحكام هذا القانون”.

وهو ما يراه بشر “ينسحب أثر قانون التصالح علي كافة المخالفات التي تمت في ظل القوانين المنظمة للبناء التي صدرت قبله ” إذ أن التفسير الذي يسووقه بشر، يتصادم مع المواد الراسخة للدستور والقوانين المصرية.

الضغوط الاقتصادية

ويستهدف القانون تحصيل مبالغ مالية ضخمة من جيوب المصريين، وصلت لنحو 1.5 مليار جنية حتى الآن، وفق تقديرات حكومية، فيما يستهدف السيسي تحصيل 7 مليار جنية، وذلك لمحاولة تعويض تراجع الإيرادات المتوقعة إثر أزمة كورونا، وتراجع تحويلات المصريين بالخارج، وشح عوائد التصدير والسياخة، وتعثر تحصيل الضرائب المتنوعة والرسوم المستحدثة بمصر.

سياسات الجباية

ولعل ما يزيد أزمة قانون التصالح، الذي بات يوسم بقانون الإزالات، أنه يأتي في سياق متواصل من الجباية والتوسع في تحميل المواطنين المزيد من الأعباء المالية، فالمواطن المصري، الذي كان يأمل العون من نظام عبدالفتاح السيسي، فإذا به يتحمل فاتورة إنفاقه الضخم، ومشاريعه الكبرى، من جيبه الشخصي، وهو ما لا يمكن تجاهله، خلال الشهور القليلة الماضية، حيث اصطدم المصريون  بحزمة من الضرائب، رغم تدهور أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، وتأثرهم بتداعيات أزمة فيروس “كورونا”.

وتمثل الضرائب أكثر من 75% من إيرادات الحكومة المصرية، التي تقدر بـ1.288 تريليون جنيه من الإيرادات المتوقعة بموازنة 2021/2020، وتعد جيوب المصريين هدفا سهلا في متناول الحكومة، حال التعثر ماليا، أو مواجهة أية أزمات طارئة، وهو ما ظهر جليا عند مواجهة أزمة “كورونا”، حيث لجأت الدولة إلى فتح صندوق لتلقي تبرعات لمواجهة الجائحة.

ويبدو أن صندوق التبرع لمواجهة “كورونا” لم يتلق الأموال المأمولة، فسارعت الحكومة المصرية إلى تمرير قانون ينص على خصم 1% من صافي دخل العاملين بالدولة (في القطاعين العام والخاص)، وخصم 0.5% من معاشات العاملين بالدولة، لمدة 12 شهرا، للمساهمة في مواجهة بعض التداعيات الاقتصادية لفيروس “كورونا”.

وعلى المنوال ذاته، صادق السيسي على القانون رقم 83 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسوم تنمية الموارد المالية للدولة، يونيو الماضي، ويهدف قانون “رسوم التنمية”، إلى تحصيل 15 مليار جنيه، من خلال زيادة الرسوم المفروضة على بعض الخدمات والأنشطة والسلع واستحداث أخرى جديدة.

كما تضمنت مواد القانون، فرض رسم على البنزين بأنواعه بواقع 30 قرشا للتر المبيع، و25 قرشا للتر السولار، كما تضمنت الرسوم التي زادت قيمتها خدمات الشهر العقاري، وعمليات الشراء من الأسواق الحرة، والحفلات والخدمات الترفيهية التي تقام في الفنادق والمحال السياحية، ومن ضمن الرسوم المستحدثة، نسبة تصل إلى 10% من قيمة عقود انتقالات الرياضيين، ورسوم على تراخيص شركات الخدمات الرياضية، وأغذية الكلاب والقطط والطيور الأليفة، و5% من قيمة أجهزة المحمول ومستلزماتها، إلى جانب فرض رسوم بنسبة 2.5% من قيمة فواتير الإنترنت للشركات والمنشآت ورسوم على التبغ الخام.

 

وفي السياق ذاته، أقرت الحكومة، زيادات جديدة على فواتير الكهرباء، بالتزامن مع استمرار أزمة “كورونا” وفقدان الكثير وظائفهم، ففي يونيو الماضي، أعلن وزير الكهرباء “محمد شاكر” زيادة أسعار الكهرباء للمنازل بنسبة 19.1% وذلك لجميع الاستخدامات ابتداء من يوليو 2020، وذلك ضمن خطة الحكومة لخفض الدعم المقدم للكهرباء والتي بدأت منذ 2015.

وبموجب الزيادات الجديدة، ترتفع قيمة الكيلووات من 30 إلى 38 قرشا للشريحة التي تستهلك حتى 50 كيلووات شهريا، ومن 40 إلى 48 للشريحة التالية (51-100 كيلووات) ومن 50 إلى 65 قرشا للشريحة الثالثة (حتى 200 كيلووات شهريا) ومن 82 إلى 96 للشريحة الرابعة (حتى 350 كيلووات شهريا) ومن 100 إلى 118 قرشا للشريحة الخامسة (حتى 650 كيلووات شهريا).

وأمام صمت المواطنين على تلك الزيادات المتلاحقة، يبدو أن شهية الحكومة انفتحت أكثر لجني المليارات، فسارعت إلى إعادة فتح ملف المباني المخالفة منذ سنوات، ونفذت إجراءات إزالة، وإحالة للنيابات العسكرية، في رسالة تخويف للمواطنين.

ووفق وزير التنمية المحلية اللواء “محمود شعراوي”، فن المواطنين الراغبين في التصالح تقدموا حتى الآن بنحو 600 ألف طلب، وبلغ إجمالي المتحصلات حتى الآن 1.5 مليار جنيه، خلال الفترة من 14 يوليو وحتى 5 أغسطس الماضي، ولم يفلت راديو السيارة من سياسة الجباية وفرض الضرائب، بعد تمرير مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 77 لسنة 1968 في شأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية.

وبموجب القانون، يؤدي كل مالك سيارة بها أجهزة إلكترونية أو ترفيهية أو مجهزة لاستعمال هذه الأجهزة رسما سنويا مقداره 100 جنيه يتم تحصيله عند سداد أية ضرائب أو رسوم مستحقة على السيارة، وتقدر الدولة حصيلة سنوية لضريبة راديو السيارة بنحو 500 مليون جنيه، وتقول إنها تكفي مرتب العاملين بمبنى ماسبيرو لمدة شهرين.

ووفق رئيس منتدى التنمية والقيمة المضافة “أحمد خزيم” في تصريحات للعربي الجديد، سياسات الحكومة بـ”الجباية”، متهما إياها بمعالجة أزماتها المالية من خلال وضع يدها في جيوب المواطنين، كذلك يحذر الخبير المصرفي “وائل النحاس”، من أن اقتصاد الجباية ستكون آثاره وخيمة ومدمرة على الطبقة الوسطى، مؤكدا تآكل تلك الطبقة بالفعل خلال الآونة الأخيرة، وفق تصريجات للجزيرة نت.

التطبيق القمعي

ومن أبرز العراقيل التي تواجه القانون، آلية التطبيق القمعي، ومع الجدل الدائر حول القانون الأزمة، ولمواجهة رفض المواطنين التجاوب مع القانون، خرج السيسي مهددا الشعب المصري، في خطاب موتور، متوعدا بنزول الجيش للمناطق والريف والقرى وإبادة المساكن المخالفة، وهو ما يمثل توريط جديد للجيش في مستنقع الاحتراب الهلي، على ما يبدو أن قيادات الجيش ترفضه.

وتعد القبضة العسكرية أخطر العراقيل التي تفشل مساعي السيسي، قفي 31 أغسطس الماضي رفض رئيس الوزراء مصطفى مدبولي”، مد فترة التصالح في مخالفات البناء، مؤكدا أن المدى الزمني هو الموجود في القانون آخر سبتمبر هو آخر فرصة، وهدد بأن قوات الأمن جاهزة لتأمين عمليات إزالة المباني المخالفة عقب انتهاء تلك الفترة.

وهو ما سبق وأن أكده السيسي ، بأن القوات المسلحة مستعدة تنزل وتبيد تلك المخالفات، وكان رئيس الوزراء شدد على تكليف من وزير الداخلية لجميع مديري الأمن بالمحافظات بالتنسيق الكامل لمواجهة تعديات البناء والمخالفات، وسرعة تجهيز قوات الأمن المطلوبة لتأمين أعمال إزالة مخالفات البناء، كما أحال النظام الاف المصريين للنيابات العسكرية، في مناطق الصيادين والقاهرة والقليوبية.. وغيرها.

ويواجه قانون التصالح، بجانب الصعوبات المالية التي يتحملها المواطن المصري الذي يعاني نحو 60% منهم الفقر، صعوبات أخرى حول من يتعين عليه تحمل قيمة المخالفات، مالك العقار أم الساكن، والذي سيعانون من عدم القدرة على السداد، مشيرين إلى أن مالكي العقارات هم من يتعين أن يتحملوا تكلفة التصالح.

من سيدفع المقاول أم المشتري؟

ومن أبرز المشكلات أن القانون لا يحدد من يلتزم وجوبا بالقيام بإجراءات التصالح، وترك الباب مفتوحا على سبيل المثال بين مالك العقار وملاك الشقق داخل ذلك العقار.

الرسوم الهندسية

وينص القانون في مادته الرابعة على أن يقدم طالب التصالح، ضمن الأوراق المطلوبة، تقريرا هندسيا معتمدا من مكتب استشارى هندسي، عن السلامة الإنشائية لكامل العقار المخالف، وهو ما أدى إلى تزاحم المواطنين أمام المكاتب الهندسية، التي تطلب مقابلا ماليا يبدأ من أربعة آلاف جنيه فأكثر، وذلك على الرغم  من أن هناك لجنة مشكلة من إدارات الأحياء والقرى، وتحصل على نسبة من حصيلة الغرامات..ولكنها لا تتولى وضع الرسوم الهندسية.

وينص القانون في مادته الثامنة على أن يحصل أعضاء تلك اللجان على “نسبة لا تزيد عن 1 في المئة، من المبالغ المحصلة”، وفي نفس سياق الصعوبات، غالبا ما يجري طلب تعديلات على الرسوم عدة مرات، وهو ما يكبد المواطن المثير من المصروفات ببنهندسين والمكاتب الاستشارية.

تداعيات تطبيق القانون

وخلال الايام القليلة الماضية، بدت العديد من التداعيات السلبية لتطبيق القانون، منها:

الغضب الشعبي

وهو أحد ابرز اشكالات تطبيق القانون، حيث لا يجد الممثير من المواطنين مأوى لابنائهم في حال هدم بيوتهم، بجابب ارتفاع اسعار المباني والبدائل التي يقدمها السيسي، والتي يصل فيها قيمة المتر الواحد 10 آلاف جنيه، وهو ما لايطيقه نحو 90% من المصريين، وفق مؤشرات الفقر الصادرة عن مجلس الوزراء المصري 2019.

وهو ما قوبل بغضب شديد من المواطنين، الذين خرجوا في تظاهرات مضادة لقرارات حكومة الس في مناطق الخانكة بالقليوبية ، والوراق بالجيزة، وروض الفرج بالقاهرة..وغيرها من مناطق الاسكندرية والعديد من المحافظات، وتصاعدت الدعوات الالكترونية بالنزول للشارع والتظاهر ضد السيسي، وتصدرت هاشتاجات #ارحل_يا_سيسي و#مش_عاوزينك…وغيرها من الهاشتاجات شبكات التواصل الاجتماعي.

وهو ما قرأته جيدا دوائر سيادية مقربة من السيسي، ورفعت تقارير  ببسيسي بضرورة التهدئة مع المجتمع المصري، المأزوم بعد خروج مواطنين عاديين عبر شبكات التواصل في بث مباشر من أمام منازلهم المزالة أو المهددة بالازالة، بوجوههم وبلا خوف، دعت تقارير الجهات السيادية لضرورة التراجع خطوات للوراء، أمام الغضب الشعبي، وهو ما تجلى في المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الوزراء، يوم السبت 12 سبتمبر، بحضور وزراء الدفاع والداخلية والاسكان والتنمية المحلية وعدد من الصحغيين والكتاب، ليعلن العديد من الاجراءات لتهدئة الغضب الشعبي، بغياب السيسي الذي دأب على الظهور مهددا للشعب بالويل والثبور، ومدد مدبولي فترة السماح بالتصالح المقرر اغلاقها في نهاية سبتمبر الجاري، ومد الفترة إلى نهاية نوفمبر، بزيادة 60 يوما..مع تخفيضات كبيرة للدفع الفوري، وتخفيف اجراءات التصالح، وقصر القيمة بالريف عند 50 جنيها فقط، وهو ما يعد أول انكسار، أو استجابة جزئية أمام صمود بعض المواطنيين ضد جرافات السيسي.

انكسار نظام السيسي

حيث تتصاعد حالة غضب شعبي أدت للجوء السيسي ونظامه لمجموعة حيل، لتحصيل الأموال، دون اغضاب الشارع، وهو ما كشفت عنه مصادر سياسية للعربي الجديد، الخميس 10 سبتمبر، مشيرة لصدور تحذيرات أمنية بشأن احتمالية حدوث اضطرابات واسعة في الشارع المصري حال الإصرار على هدم المباني المخالفة، وربطت التقارير الصادرة عن جهازي الأمن الوطني والأمن العام، بين حالة الغضب المكتوم، والدعوات التي بدأت تخرج للتظاهر في 20 سبتمبر الجاري.

وتتضمن المقترحات المطروحة أمام نظام  السيسي؛ السماح ببث ونشر مواد تتضمن انتقادات لقيمة التصالح في المخالفات ومطالبات بتخفيضها وتقسيطها، ومنح المحافظين سلطة خفض قيمة المخالفات، وتقسيط مبالغ المخالفة، في محاولة لتحقيق معدلات التحصيل المطلوبة لكن بحيل مختلفة، ووفق المصادر، فإن المؤسسة العسكرية نصحت رئاسة الجمهورية بالتريث في غلق باب التصالح أمام المواطنين..

وتعمل الحكومة المصرية على إعداد تعديل جديد على اللائحة التنفيذية لقانون التصالح يسمح باتخاذ تلك الإجراءات التيسيرية، خاصة في ظل معاناة الشارع من تداعيات أزمة تفشي “كورونا” وهو ما يمكن قراءته، في المؤتمر الصحفي ، الذي أعلن حلاله مصطفى مدبولي بغياب السيسي، عن إجراءات تيسيرات جديدة، حاول خلالها الظهور بالمشهد المحابي للمواطن، والذي يعمل على تحقيق مصالحه، وهو ما قد لا يقبله كثير من المتضررين من القانون، ويستمرون في موقفهم، مع بدء تراجع القبضة الأمنية في التعاطي مع الملف، استجابة لتوصيات الجهات السيادية، التي يذهب بعض المحللين لتأكيد رفض الجيش الولوج في ملفات أزمات السيسي المتصاعدة مع المواطنين، وسط أزمات محورية قد تستوجب التدخل العسكري، كأزمة سد النهضة، والانكسارات العسكرية في سيناء وفشل جهود محاربة الإرهاب، مع استمرار الأزمة الليبية وعدم حسم التوافقات السياسية، بجانب أزمات شرق المتوسط والأزمات في سيناء وغيرها.

المخاطر المستقبلية

ورغم التسهيلات والتراجع الذي ابدته الحكومة في المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء، السبت 12 سبتمبر، تبقى المخاطر متزايدة، وسط عدم الغاء اللائحة التنفيذية للقانون، والتي تنص على “سداد المخالف 25% من قيمة التصالح على المساحة التي تقدم للتصالح بشأنها، بحد أقصى المبالغ المحددة قرين كل مخالفة، طبقاً لما يلي: دفع مبلغ جدية تصالح لمخالفات الرسومات المعمارية الإنشائية بقيمة 20 ألف جنيه للمدن، و5 آلاف جنيه للقرى، 40 ألف جنيه للمدن، و 10 آلاف جنيه للقرى لمخالفات الردود، كما يشمل ذلك مبلغ جدية تصالح مخالفات الزيادة في سطح غرف السطح، بقيمة 50 ألف جنيه جدية التصالح للمدن، و12 ألف جنيه للقرى، إضافة إلى تحديد قيمة مبلغ الجدية لمخالفات بناء دور السطح بقيمة 80 ألف جنيه للمدن، و20 ألف جنيه للقرى، كما وافق المجلس على تحديد جدية التصالح لمخالفات البناء بدون ترخيص بقيمة 250 ألف جنيه لعواصم المحافظات والمدن الجديدة، و160 ألف جنيه للمدن، و40 ألف جنيه للقرى، إلى جانب تحديد مبلغ جدية التصالح لمخالفات تحويل البدروم إلى نشاط غير مرخص به بقيمة 120 ألف جنيه للمدن، و 30 ألف جنيه للقرى”.

ولم يتضمن مؤتمر مدبولي اية تسويات جديدة ، سوى تبريرات للقرارات الحكومية ، مع تخفيض فقط للمساكن المقامة بالأرياف، وتحفيز السداد الفوري بخصم قيمته 25% من قيمة المخالفة، وبجانب ذلك، تواصل النيابات العسكرية حبس الآلاف من المواطنين في كل المحافظات من دون استثناء “حتى بروز جديد في ملف المخالفة”، بحسب نص القرارات التي أصدرتها النيابات المختلفة، وتم إخلاء سبيل المئات من المواطنين الذين استطاعوا تدبير مبالغ التصالح أو غرامة المخالفات، بينما بقي في الحبس جميع المواطنين الذين لم يستطيعوا دفع المبالغ المالية، أو المتورطين في حالات بناء على أراضي الدولة ولم تتم إزالة المنشآت، ومنحت بعض النيابات العسكرية هؤلاء المتهمين فرصة تسوية القضية بالإزالة خلال فترة الحبس الأولى المقررة بخمسة عشر يوماً، بجانب وجود تعليمات بإحالة المتهمين إلى المحاكمة بسرعة في حال عدم تمكنهم من الدفع وإزالة المنشآت المخالفة، وأن النيابات أخبرت المحامين والمتهمين بأن فترة الحبس الاحتياطي في هذه القضايا لن تطول، وربما لا يتم تجديد الحبس أكثر من مرتين.

فيما تشير مصادر قضائية للجزيرة نت، أن النيابات العسكرية لا تملك المعلومات الكافية عن ملفات القضايا لعدم وجود أي لجان معاينة قضائية أو محلية يمكن الاعتماد عليها في كل واقعة على حدة، ولذلك فهي تعتمد فقط على محاضر التحريات الأمنية وملفات المخالفات المحالة من دواوين المحافظات، بناء على تقارير المحليات. وتسبّب هذا الأمر في قصور كبير بتفاصيل المخالفات، إذ أحيل عدد كبير من المخالفات التي تم التصالح فيها بالفعل، لكن لم يتم تحديث بياناتها لدى المحافظات، وكذلك أحيلت عشرات الوقائع التي تقاعست فيها المحليات عن إثبات الوقائع الجديدة أو امتناعها عن إزالة المباني المخالفة لأسباب فنية لا يتحمّل المواطنون مسؤوليتها.

وتولي القضاء العسكري مهام التحقيق والمحاكمة في هذه المخالفات بدأ بشكل معلن مطلع العام الحالي، بتوجيهات تنفيذية من السيسي من دون سند قانوني أو دستوري، بهدف تسريع الإجراءات، وما حدث في الأيام الماضية هو إحالة كل القضايا العالقة بلا استثناء للقضاء العسكري، وهو ما فسرته المصادر بأنها رغبة من المحافظين في إبراء ساحتهم وسرعة التصرف في الملفات التي أمامهم، وهو اتجاه جديد يكرس سلطة الجيش على مختلف إجراءات الملف، مع وضع ما سيستجد من خطوات في الاعتبار، مثل إسناد مهمة الفحص والبيانات لمنظومة المعلومات المكانية التي يديرها الجيش.

غير أن أحد المصادر قال إن الإحالة ليست فقط بتوجيهات شفهية، بل إن هناك قراراً جمهورياً “سرياً” لم يُنشر في الجريدة الرسمية حتى الآن بإحالة تلك القضايا إلى القضاء العسكري، مرجحاً في الوقت ذاته ألا يعمل المحامون على تصعيد مسألة عدم دستورية المثول أمام القضاء العسكري منعاً لإهدار المزيد من الوقت والجهد.

وتنص المادة 204 من الدستور بعد تعديلها العام الماضي على أنه “لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري، إلا في الجرائم التي تمثل اعتداءً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها أو المنشآت التي تتولى حمايتها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشراً على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم”. وهي حالات لا تتوافر في النسبة الكاسحة من قضايا مخالفات البناء، لا سيما أنه لم يصدر قانون باعتبار كل أراضي الدولة أو الأراضي الزراعية كمناطق عسكرية، على غرار ما حدث مع المنشآت الحكومية والمرافق من قبل.

خاتمة

وتبقى الأيام المقبلة حبلى بكثير من التجليات والمخاطر المجتمعية، حيث يضع نهب السيسي للمال وجبايته من جيوب الشعب المأزوم ماليا الدولة في اختبار صعب، أما تصاعد الغضب الشعبي، وهو ما قد يواجهه السيسي بمزيد من القمع أو التراجع عن تطبيق القانون، وهو ما سيعده المجتمع انتصارا للغضب الشعبي، الذي قد يتحول لعصيان مدني ضد جبايات السيسي المتنوعة ضد المصريين.

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022