أجهزة السيسي الأمنية وعلاقتها بتصميم وهندسة البرلمان المقبل.. حدود الدور ومداه ومآلاته

 

يمضي نظام الانقلاب في مصر منذ اغتصاب السلطة منتصف 2013م نحو تكريس الحكم العسكري الشمولي بالهيمنة على جميع مفاصل السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية. أما السلطة التنفيذية فقد جرى التحكم فيها من الألف إلى الياء من خلال الهيمنة المطلقة لزعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي على جميع أجهزة القوة في البلاد ممثلة في الجيش والمخابرات والعامة والحربية وهيئة الرقابة الإدارية التي جرى توسيع صلاحياتها بخلاف وزارة الداخلية ممثلة في قطاعات أمن الدولة والأمن العام والأمن المركزي؛ وجرى وضع أكثر القيادات ولاء للنظام على رأس هذه الأجهزة.

وفي سبيل الهيمنة على السلطة القضائية، جرى التنكيل بكل القضاة الذين رفضوا الانقلاب لاعتبارات دستورية وقانونية وتم فصلهم تعسفيا من السلك القضائي، كما سن النظام عدة قوانين أفضت إلى تحكم رئيس الانقلاب في تعيين رؤساء المحاكم والهيئات القضائية والنائب العام وحتى التحكم في تشكيل الدوائر القضائية بما عصف بما كان قد تبقى من هامش استقلالية للقضاء، وقد أثبت الأحكام السياسية الجائرة أن السيسي قد هيمن بالفعل على كل مفاصل السلطة القضائية ولم يسمع للقضاة صوت يعارض هذه الهيمنة والعصف بكل معنى لاستقلال القضاء.

أما السلطة التشريعية فقد مضى نظام السيسي على سنة أسلافه الدكتاتور جمال عبدالناصر وأنور السادات ومحمد حسني مبارك؛ حيث تشرف أجهزة النظام الأمنية على تصميم وهندسة تشكيل البرلمانات منذ الانقلاب الأول في 23 يوليو 1952م والذي حول مصر من ملكية دستورية إلى عسكرية مطلقة. ولم تشهد مصر منذ سيطرة  الجنرالات على الحكم منذ سبعين سنة برلمانا انتخبه الشعب بإرادته الحرة دون تدخل من الأجهزة الأمنية سوى برلمان الثورة سنة 2012م ومن العجيب أنه جرى حله بحكم قضائي بعد ستة شهور فقط بينما البرلمانات التي جاءت بالتزوير تكمل مدتها تحت حراسة الأجهزة التي شكلتها.

وقد أشرفت المخابرات العامة على هندسة وتصميم برلمان 2015 الذي شهد سيطرة أمنية مطلقة بعد إقصاء أكبر الأحزاب السياسية في البلاد (الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين والذي حظي بـ43% من جملة أعضاء برلمان الثورة بخلاف أحزاب أخرى كان لها تمثيل ملموس كأحزاب الوسط والبناء والتنمية وغد الثورة وغيرها)، وكان الناشط السياسي حازم عبدالعظيم قد أكد في مقال له  نشره في يناير 2016م بعنوان “شهادة حق في برلمان الرئيس”  أن قائمة “في حب مصر ودعم مصر” التي  هيمنت على برلمان 2015 قد جرى تأسيسهما داخل غرف جهاز المخابرات العامة وأنه حضر بنفسه اجتماع التأسيس بمبني جهاز المخابرات؛ وهو الاعتراف الذي كلفه حريته وتم الزج به في السجن معتقلا منذ عدة سنوات بتهم سياسية ملفقة.

ومنذ شهور تعكف أجهزة السيسي الأمنية في جهازي المخابرات وأمن الدولة على تصميم وهندسة تشكيل البرلمان المقبل بما يضمن استمرار هيمنة النظام على السلطة التشريعية من الألف إلى الياء كما كان يجري في برلمان 2015 حيث كانت تديره الأجهزة  الأمنية بالريموت كنترول.

 

جدول إجراءت البرلمان المقبل

وبداية من يوم  “17” سبتمبر تتلقى ما تسمى بالهيئة الوطنية  للانتخابات  أوراق المرشحين لانتخابات مجلس النواب الجديد والتي تمتد حتى  “26” سبتمبر 2020م. وبحسب رئيس الهيئة المستشار لاشين إبراهيم، فإن الانتخابات ستجري على مرحلتين[[1]]:

الأولى تضم محافظات: (الجيزة والفيوم وبني سويف وسوهاج والمنيا وأسيوط والوادي الجديد وقنا والأقصر وأسوان والبحر الأحمر والإسكندرية والبحيرة ومطروح). وستجري في أيام 21 و22 و23 من أكتوبر 2020 للمصريين المقيمين بالخارج. على أن تجري في الداخل على مدار يومي 24و25 من الشهر نفسه. وتعلن النتيجة النهائية للجولة الأولى في موعد أقصاه الأول من نوفمبر 2020م. وتجرى انتخابات الإعادة للمرحلة الأولى للمصريين في الخارج أيام 21 و22 و23 نوفمبر، وفي الداخل على مدار يومي 23 و24 من الشهر نفسه، مع إعلان النتيجة النهائية لها في موعد أقصاه نهاية نوفمبر 2020م”.

في حين تجري انتخابات المرحلة الثانية في محافظات: (القاهرة والقليوبية والدقهلية والمنوفية والغربية وكفر الشيخ والشرقية ودمياط وبورسعيد والإسماعيلية والسويس وشمال سيناء وجنوبها)، على أن يبدأ تصويت المصريين بالخارج أيام 4 و5 و6 نوفمبر، وفي الداخل على مدار يومي 7 و8 نوفمبر، وإعلان نتائجها النهائية في موعد أقصاه 15 نوفمبر، على أن تجرى انتخابات الإعادة للمرحلة الثانية في الخارج أيام 5 و6 و7 ديسمبر2020، وفي الداخل على مدار يومي 7 و8 ديسمبر، مع إعلان النتائج النهائية للانتخابات في موعد أقصاه 14 ديسمبر 2020م.

وقال رئيس الهيئة المستشار لاشين إبراهيم، في كلمة مكتوبة تلاها عبر التلفزيون الحكومي، إن “المادة 106 من الدستور حددت مدة عضوية مجلس النواب بخمس سنوات، تبدأ من تاريخ أول اجتماع له، وأوجبت إجراء انتخابات المجلس الجديد خلال الستين يوماً السابقة على انتهاء مدته؛ ولما كان المجلس الحالي قد اجتمع في 10 يناير/ كانون الثاني 2016، فإن مدته تنتهي في التاسع من الشهر ذاته عام 2021”.

وينص دستور 2014م، على أن “يشكل مجلس النواب من عدد لا يقل عن أربعمائة وخمسين عضواً، ينتخبون بالاقتراع العام السري المباشر، بحيث يخصص للمرأة ما لا يقل عن ربع إجمالي عدد المقاعد. ويشترط في المترشح أن يكون مصرياً، متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وحاصلاً على شهادة إتمام التعليم الأساسي على الأقل، وألا يقل سنه يوم فتح باب الترشح عن خمس وعشرين سنة ميلادية”.

وكان البرلمان الحالي الذي شكله جهاز المخابرات العامة في 2015م قد وافق في 18 أغسطس 2020م، على قانون تقسيم الدوائر الانتخابية المقدم من ائتلاف “دعم مصر” الحكومي، وينص على أن يكون عدد أعضاء المجلس 568 بواقع 284 مقعداً تخصص للانتخاب الفردي من خلال 143 دائرة انتخابية، و284 مقعداً لنظام القوائم المغلقة المطلقة، والتي تهدر نحو 49% من أصوات الناخبين بإعلان فوز جميع أسماء القائمة الحاصلة على 50%+1 من الأصوات. وخصص للقاهرة بموجب القانون أعلى عدد مقاعد، وهو 31، بينما حصلت الإسكندرية على 16 وبورسعيد على مقعدين. ووفقاً للقانون، يتم تمثيل محافظة الإسماعيلية بـ5 مقاعد، والسويس بمقعدين، والقليوبية بـ16 مقعداً. كما يتم تمثيل الشرقية بـ21 مقعداً، والدقهلية بعدد المقاعد نفسه، بينما تحصل دمياط على 4 مقاعد وكفر الشيخ على 10 مقاعد، ويتم تمثيل محافظة الغربية بـ14 مقعداً، والمنوفية بـ11 والبحيرة بـ18، فيما تحصل الجيزة على 25 مقعداً، والفيوم على 10، في حين يتم تمثيل بني سويف بـ8 مقاعد، والمنيا بـ16 مقعداً، وأسيوط بـ12 مقعداً. ووفقاً للقانون أيضاً، يتم تمثيل سوهاج بـ14 مقعداً، وقنا بـ9، والأقصر بـ3 مقاعد، وأسوان بـ5، ومطروح بمقعدين، والأمر نفسه بالنسبة لمحافظة الوادي الجديد (مقعدين)، والبحر الأحمر بـ3 مقاعد. أما شمال سيناء، فيتم تمثيلها بمقعدين وجنوب سيناء بمقعدين كذلك.

 

تقاسم النفوذ بين المخابرات وأمن الدولة

تأتي انتخابات البرلمان في أعقاب الانتهاء من انتخابات ما يسمى بمجلس الشيوخ والذي صممت تشكيله أجهزة السيسي؛ وبحسب محللين ومراقبين فإن ذات الفلسفة التي جرى بها تشكيل “الشيوخ” هي التي ستتحكم في  تشكيلة البرلمان المقبل.

وبحسب مصادر مطلعة داخل حزب “مستقبل وطن” الذي يعتبر البديل الحكومي للحزب الوطني في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، فإن جهازي المخابرات العامة وأمن الدولة يتقاسمان النفوذ في هندسة وتصميم تشكيل البرلمان المقبل؛ فالمخابرات ستتولى مهمة اختيار الشخصيات التي ستمثل النواة الأساسية للبرلمان. وسيعتمد الجهاز على هذه الشخصيات في تحريك القضايا المختلفة، وقيادة الأغلبية التي سينتمي معظم أعضائها، بطبيعة الحال، للأقاليم والمناطق الريفية، فضلاً عن أداء تلك الشخصيات دوراً أساسياً في تمثيل البرلمان أمام الرأي العام وفي وسائل الإعلام، وفي تسويق وتمرير مشاريع القوانين والمواقف الرسمية للنظام داخل البرلمان.

وقد جرى تقسيم أعضاء مجلس النواب المستهدفين إلى ثلاث فئات:

الفئة الأولى وهي أكبرها عدداً، بنسبة تصل إلى 60 في المائة، من الفردي والقوائم، شاملة حصة المرأة، سيتم اختيارهم بمعايير القبلية والعلاقات الإقليمية بالمناطق الريفية. وأسندت هذه المهمة إلى الأمن الوطني، حيث بدأت منذ أسابيع الاتصالات والاجتماعات التنسيقية مع العائلات والقبائل ولجان الأحزاب الموالية للنظام بالمحافظات، بحضور مديري الأمن والعمد ومشايخ القرى. وسيتم تحديد المرشحين المختارين بناء على عدة عوامل، من بينها القدرة على الإنفاق على الدعاية لصالح القوائم أو الحزب، ودفع مبالغ مالية للنظام وأجهزته والمحافظات تحت مسمى “تبرعات”، إلى جانب مدى تعاون المرشحين أمنياً وقوة اتصالاتهم بالأجهزة المختلفة، لا سيما أن هيئة الرقابة الإدارية ستلعب دوراً أساسياً أيضاً في التصديق على الاختيارات الأمنية.

الفئة الثانية، وتصل نسبتها إلى 30 في المائة من أجمالي عدد النواب وهي تضم نواب الفردي والقوائم بالقاهرة الكبرى والإسكندرية والمناطق الحضرية على مستوى الجمهورية. وأسندت مهمة اختيارهم إلى لجان مشكلة من ممثلي الأمن الوطني، والمخابرات العامة، والرقابة الإدارية، حيث يلعب الجهازان الأخيران دوراً أكبر في الاختيار بناء على معايير، من بينها -وليس على رأسها- القدرة المالية للمرشحين، فالأهم للنظام بالنسبة لهذه الفئة هو قوة التعاون مع الأجهزة وكيفية التعامل مع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. وهناك توجه لاختيار نسبة كبيرة من هذه الفئة من بين الشخصيات الحزبية الحاصلة على دورات تأهيلية من الأكاديمية الوطنية للتدريب التابعة لدائرة رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وأكاديمية ناصر العسكرية. كما تميل المخابرات لاختيار معظمهم دون 45 سنة، مع اختيار عدد منهم لمناصب قيادية بلجان البرلمان المختلفة.

أما الفئة الثالثة، التي تبلغ نسبتها عشرة في المائة، فسيستأثر باختيارها جهاز المخابرات العامة، وتحديداً مكتب مديره عباس كامل بقيادة الضابط النافذ أحمد شعبان، مضافاً إليها نسبة الخمسة في المائة التي سيعينها السيسي بالمجلس، حيث سيتم اختيار رئيس البرلمان القادم ووكيليه ورؤساء اللجان والمكاتب المختلفة من هذه الفئة. علماً بأن شعبان يقود حالياً أيضاً عملية اختيار الأعضاء المائة الذين سيعينهم السيسي في مجلس الشيوخ، مشكلين ثلث مقاعده.

وتثير هذه التقسيمة للنفوذ بين الأجهزة حساسية لدى بعضها؛ فالمخابرات وبعض الدوائر المقربة من السيسي تتهم أمن الدولة بالتقصير والفشل في حشد الناخبين بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ، التي سجلت أدنى مستويات المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية بالعقد الأخير، بنسبة 14 في المائة بعد استنفاد وسائل الحشد غير المشروعة. أما أمن الدولة فيشكك باستمرار في كفاءة اختيارات دائرة السيسي وعباس كامل على صعيد الممارسة السياسية؛ وربما يترتب على ذلك شيء من الصدام استنادا إلى رغبة المخابرات في تصعيد أكبر عدد ممكن من الجيل الجديد (شباب البرنامج الرئاسي لإعداد القادة الجدد بخلاف أكاديمية التدريب وتنسيقية شباب الأحزاب ومنتديات الشباب) وهي الهيئات والجهات التابعة لمكتب مدير المخابرات مباشرة، ويسيطر عليها العقيد أحمد شعبان، وهو ما سيفضي إلى تغيير كبير في ملامح البرلمان المقبل على مستوى الشكل دون تغير في التوجهات حيث سيبقى البرلمان أسيرا وخاضعا لإشراف الأجهزة الأمنية بشكل مباشر.

 

دور محمود السيسي

ويحظى العقيد أحمد شعبان مدير مكتب عباس كامل، بنفوذ واسع في اختيار الفئة الأكثر أهمية من مرشحي مجلس النواب كما جرى في تشكيل مجلس الشيوخ تماما. ورغم التسريبات التي نشرت في ديسمبر 2019م، وزعمت ابتعاد شعبان عن  التحكم المباشر في الملف  السياسي والإعلامي، لكن الحقيقة أن هذه التسريبات جرت برعاية من أجهزة السلطة من أجل التغطية على ملف التوريث الذي أثير بشكل كبير وقتها وتصاعد نفوذ نجل السيسي الضابط محمود. ولا يزال نجل السيسي والضابط أحمد شعبان يحظيان بنفوذ واسع في إدارة الملف السياسي والإعلامي، ويشرفان بشكل مباشر على مجموعة من الأنشطة الرئيسية للنظام، ومنها “تنسيقية الشباب” التي لا يتجاوز عمرها العامين، وبات لها ممثلون في جميع التشكيلات الحكومية رفيعة المستوى، دون ظهور أي عمل أو نشاط لها على الأرض.

وقبل أسابيع، اتهمت عضوة حركة “تمرد” السابقة دعاء خليفة شعبان بالتربص بها والحيلولة دون انضمامها لتنسيقية الشباب التي أنشأها حتى لا تتمكن من العودة للعمل السياسي. ونشرت عدة منشورات ومقاطع فيديو، على صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، اتهمت شعبان بالتسلط وحجب الحقائق عن السيسي والسعي لتعيين المقربين منه بمجلس النواب دون اعتبارات للكفاءة، ضاربة عدة أمثلة لذلك، قبل أن تعود وتحذف جميع ما نشرته حتى مقاطع الفيديو، وتنشر مقطعاً آخر تزعم فيه أن “الصفحة كانت مخترقة”، في تعبير واضح عن حجم الضغوط التي مورست عليها، بما في ذلك إصدار بيان رسمي من “تنسيقية الشباب” وإذاعته في وسائل الإعلام الرسمية يتهمها بالافتقاد لحسن السمعة وارتكاب مخالفات مالية وأخلاقية.

وتؤكد مصادر مطلعة بالنظام أنه في الوقت الذي يجري فيه العمل على هندسة شكل البرلمان المقبل، عاد الحديث مجدداً بشأن تنامي نفوذ محمود السيسي، القيادي في جهاز المخابرات العامة، ونجل رئيس الانقلاب، بشكلٍ فتح باب التساؤلات حول الهدف من وراء ذلك، وما إذا كان تفكيراً مبكراً في التوريث، أم أنها محاولة من والده لتأمين ظهره وزرع الدوائر القريبة منه بأشخاص يضمن ولاءهم. ويؤكد عدد من المصادر المقربة من دوائر صناعة القرار أن هناك ملفات وتحركات واسعة تتم تحت إشراف السيسي الابن لهندسة مجلس النواب الجديد، بعد انتهاء آخر الفصول التشريعية لمجلس النواب الحالي.

ويعزو مراقبون أسباب إسناذ هندسة وتصميم البرلمان المقبل لنجل السيسي إلى رغبة السيسي الأب في توسيع صلاحيات نجله حتى يضمن تأمين ظهره في ظلّ حالة من عدم الثقة بجميع من حوله، تسيطر على السيسي الأب باعتباره رجل مخابرات سابقاً، وكذا بسبب قلقه من الكثير من الأطراف الإقليمية، بما فيها أطراف تربطه بها علاقات وطيدة”. فالسيسي في ظل المخاطر التي تحيط به وتصاعد الغضب الشعبي واحتمال تملل قطاعات بمؤسسات الدولة؛ يسعى لتأمين الدوائر القريبة والأجهزة الحساسة برجال موثوقين، هذه الدوائر لا بدّ أن يقوم بالإشراف على عملها شخص يثق به السيسي بشكل أعمى، وهو ما جعله لا يفكر سوى بنجله الأكبر، خصوصاً مع إدراكه أنّ أيّ شخص مهما كانت ثقته به، من الممكن أن يتغير ويتآمر ضده في لحظة ما وتحت ضغوط ليست مستبعدة في أي مرحلة من المراحل”.

ويستهدف السيسي بذلك اكساب نجله خبرات وصقله بالتجارب التي تؤهله مستقبلا لأن يكون وريثا للحكم من بعده، وبالتالي فإن فكرة التوريث حاليا مستبعده حتى يكتسب السيسي الابن الخبرات والكفاءة اللازمة ودراسة كافة الملفات  وتكوين دوائر مصالح تدين له بالولاء، والأهم من ذلك توفير الظهير العسكري اللازم له، عبر تمكينه من ملفات ذات علاقة بالجيش وذلك تحت أعين وبصر والده بشكل يضمن عدم معارضته، أو رفضه من جانب قيادات الجيش الكبرى. ولعل هذا يفسر أسباب إسناد ملفات بالغة الحساسية للسيسي الابن وأهمها السياسة والإعلام كما أنه يتدخل بتوصيات من رئيس جهاز المخابرات العامة الحالي اللواء عباس كامل، في الملفات الخارجية الأهم والتي تضمن له على المدى البعيد تكوين شبكة علاقات دولية، تسهّل له بعد ذلك تحيّن اللحظة الحاسمة لاكتساب اعتراف دولي به، ومباركة الخطوة المرتقبة بالتوريث. فالابن يشارك في صناعة قرارات بالغة الأهمية أيضا على المستوى الإقليمي مثل ملف سيناء والعلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، وملف الفصائل الفلسطينية، كما أنه بات مشاركاً بشكل استشاري في ملف ليبيا والقبائل الليبية. كذلك، فهو حاضر في ملف العلاقات مع أميركا والتسليح، وكذا ملف سدّ النهضة، والعلاقات مع السودان، وهو الأمر الذي لم يكن ليحدث إلا لشخص واحد فقط وهو رئيس الجهاز، وما دون ذلك، فإن لكل شخص ملفا يعمل عليه ومتخصص فيه.

والخطوة التي يريدها السيسي لنجله على المستوى المتوسط (خلال مرحلة ما بعد 2024م) وفق مخططات التوريث هي إعداده ليكون رئيسا لجهاز المخابرات العامة؛ يعزز هذه التوجهات أنّ ما تمّ على مدار عامين في جهاز المخابرات العامة عبر النزول بأعمار قيادات الصف الأول، لم يكن له سوى معنى وحيد، وهو تهيئة الساحة للسيسي الابن حتى يكون تدرجه يبدو وكأنه منطقي. ويرى فريق من المهتمين أن السيسي يعد نجله لأحد منصبين: إما رئيس المخابرات العامة خلفا لعباس كامل. وإما نائبا لرئيس الجمهورية؛ وهو الموقع الخالي حالياً، إذ ما زال السيسي على خطى مبارك، لا يرغب في تكليف أي شخصية بهذا المنصب الحساس؛ربما خوفا من التآمر في ظلّ ما يتمتع به هذا الموقع من شرعية ونفوذ”. ولفت المصدر إلى دور محمود السيسي “بتشكيل النخبة السياسية الجديدة وأحزاب المعارضة، عبر ما يعرف بتنسيقية شباب الأحزاب، إذ سيكون أعضاؤها في مرحلة لاحقة هم أساس الأحزاب”، مؤكداً أنّ “المشهد جارية تهيئته بشكل كامل وهو مخطط بإحكام شديد هذه المرة لتلافي سلبيات تجربة مبارك في توريث الحكم لنجله جمال.

 

ملامح البرلمان المقبل

ويختلف شكل البرلمان المقبل عن البرلمان الحالي في بعض السمات والملامح اتساقا مع ما جرى في تصميم وهندسة تشكيل ما يسمى بمجلس الشيوخ.

السمة الأولى، أن البرلمان المقبل سوف يهمين عليها رجال الأعمال، فتشكيل البرلمان أكثر تعقيدا من تشكيل مجلس الشيوخ؛ فالأجهزة الأمنية التي تهندس البرلمان ترغب في تطعيم قوائم مجلس النواب بأعداد محدودة للغاية من المرشحين الحزبيين، في مقابل التوسّع لصالح المرشحين من رجال الأعمال وأصحاب الملايين الذين سيتحمّلون التكلفة الفعلية للانتخابات”. وبلغ سعر المقعد في القائمة المغلفة لحزب “مستقبل  وطن” نحو 10 ملايين جنيه، وربما تصل لأرقام تفوق ذلك بكثير ويتردد أن أحد التجار الكبار بسوهاج والمعروف بتهريب الآثار، اتفق مع قيادة أمنية رفيعة على دفع 28 مليون جنيه مقابل ضمه للقائمة.  حتى الكوتا المخصصة للشباب، باتت محجوزة لأبناء رجال الأعمال الكبار، الذين يملكون الأموال اللازمة لدفع ثمن المقعد، والأمر لا يتوقف على الطامعين في الدخول بالقائمة المغلقة فهناك طامعون تفاوضوا على المقاعد الفردية ؛ على اعتبار أن المرشح تحت لافتة “مستقبل وطن” سيضمن الفوز بالمقعد على الأرجح في ظل سيطرة الأجهزة الأمنية على مسرحية الانتخابات من الألف إلى الياء. لكن بالطبع سعر المقعد الفردي أقل من مقعد القائمة لأن القائمة سيضمن الفوز أما الفردي فربما يواجه منافسة من آخرين ظنوا أن الاعتماد على عوائلهم كفيل بالفوز بدلا من دفع هذه المبالغ الطائلة.

السمة الثانية، هي التواجد الكثيف لرجال عهد مبارك بقوائم “مستقبل وطن”، وقررت الأجهزة الأمنية الاستعانة بعدد من رموز نظام الرئيس الراحل حسني مبارك، في القائمة المغلقة بهدف الاستفادة من نفوذهم في بعض الدوائر الانتخابية. وقد كشفت تقارير صحافية عن ترشيح  عضو البرلمان عن الحزب الوطني (المنحل)، وزير الإنتاج الحربي السابق سيد مشعل، على مقاعد القائمة عن دائرة شمال ووسط وجنوب الصعيد. كما دفعت القائمة بترشيح رجل الأعمال البارز محمد أبو العينين عن الدائرة نفسها، الذي سبق أن شغل منصب رئيس لجنة الصناعة في مجلس الشعب السابق (البرلمان). وبعد وفاة النائب محمد بدوي دسوقي، شارك أبو العينين في الانتخابات الفرعية عن دائرة الجيزة في فبراير2020، وفاز على نجل الراحل، هشام محمد بدوي دسوقي، الذي اتهمه بشراء أصوات الناخبين في الدائرة مقابل الحصول على مبالغ مالية. وعلى إثر ذلك أصدر حزب “مستقبل وطن” قراراً بتعيين أبو العينين نائباً لرئيس الحزب لشؤون المجالس النيابية. هناك أيضا رئيس نادي سموحة الرياضي، رجل الأعمال الآتي من الاسكندرية، محمد فرج عامر، ورئيس لجنة الشؤون العربية في آخر دورتين لبرلمان مبارك، اللواء سعد الجمال. ومن أبرز الأسماء المطروحة على القائمة أيضاً، نائب الحزب الوطني عن دائرة المراغة في سوهاج همام العادلي، والقيادي العمالي في حزب مبارك السابق جبالي المراغي، والنائب السابق عن الحزب في قنا معتز محمود، الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس حزب “الحرية المصري”، علاوة على رئيس ائتلاف “دعم مصر” الحالي عبد الهادي القصبي، المعين من مبارك في مجلس الشورى السابق، بخلاف العشرات من نواب الوطني السابق والذين تربطهم علاقات وثيقة بجهاز أمن الدولة.

السمة الثالثة، الغياب التام لجميع أشكال المعارضة واختفاء كتلة “20ـ30″، فانتخابات البرلمان ستكون نسخة مكررة من مسرحية انتخابات مجلس الشيوخ ؛ وسوف تستحوذ قائمة “من أجل مصر” المشكلة برعاية الأجهزة الأمنية على الغالبية الكاسحة من المقاعد من دون اعتبار لأحزاب المعارضة التي أُقصيت تماماً من المشهد السياسي بطريقة خشنة، أو حتى لأحزاب الموالاة، مثل “النور” السلفي و”المحافظين” و”السلام الديمقراطي” و”مصر بلدي”، التي لفظها النظام الحاكم من تحالفه الانتخابي. ولن تسمح الأجهزة الأمنية بوجود نواب تكتل “20ــ30” الذي أبدى هامشا من المعارضة في بعض المواقف ورغم أنهم لم يكن لهم تأثير يذكر إلا أن الأجهزة الأمنية لن تسمح بوجود أي هامش معارضة على الإطلاق. والأرجح أن يقومن حزب الوفد بهذا الدور بعد أن جرى تهميشه وتخصيص نحو 20 مقعدا فقط للحزب بالقوائم على مستوى الجمهورية؛ الأمر الذي دفع الهيئة العليا للحزب إلى إعلان الانسحاب من القائمة وعدم التنسيق مع أي حزب بشأن الانتخابات، رغم إصرار رئيس الحزب بهاء الدين أبو شقة على البقاء في قائمة الأجهزة الأمنية.

السمة الرابعة، انتهاء دور حزب النور السلفي، وقد أبدى النظام عن هذا التوجه في مسرحية مجلس الشيوخ؛ إذا جرى استبعاد مرشحي الحزب من القوائم المغلقة لحزب “مستقبل وطن”، وعلى المقاعد الفردية خرج الحزب بصفر كبير رغم أنه قد تقدم بـ 16 مرشحا؛ الأمر الذي فسره مراقبون ومحللون بأن دور حزب النور  قد انتهى ولم يعد نظام السيسي في حاجة له بعد أن جرى استخدامه في مشهد الانقلاب كواجهة إسلامية لتبرير جريمة الانقلاب والزعم بأن هناك رأي عام كاسح يؤيد الإطاحة بالرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي. وثمة تقارير  تنقل عن مصادر مطلعة بالنظام تؤكد أن الفترة المقبلة سوف تشهد حل الحزب؛ لأن السيسي لا يريد أي دور لأي حزب له مسحة إسلامية حتى لو كان خادما للنظام ويبدي أعلى درجات الانصياع لأجهزته الأمنية.

 

لماذا يصر النظام على تطويع البرلمان؟

أسباب إصرار النظام على تطويع البرلمان والهيمنة على تشكيلته من الألف إلى الياء هو حرصه على تستيف الشكل الرسمي لصناعة القرار حتى لو  خلى من أي مسحة ديمقراطية أو مشاركة شعبية حقيقية في صناعة القرار الذي تهيمن عليه الأجهزة الأمنية كنوع من الوصاية المفروضة بالإكراه على  الشعب المصري.

فمهام البرلمان ووظيفته في أي نظام سياسي حقيقي هي التشريع والرقابة على أداء الحكومة، لكن برلمان 2015 الذي شكلته الأجهزة الأمنية لم يمارس أي دور رقابي على الإطلاق على أداء الحكومة ولم يتم مناقشة سوى استجواب واحد انتهى إلى لا شيء، وفي مجال التشريع جرى سن 887 قانونا صبت كلها في خدمة النظام ولم يرفض مشروع قانون تقدمت به الحكومة على الإطلاق وبالتالي فإن القوانين التي جرى تمريرها للأسف لم تحقق مصلحة الشعب والمواطنين بقدر ما كانت تستهدف خدمة أجندة النظام حتى لو على مصالح الشعب كله.

الهدف إذا هو تشكيل البرلمان بما يضمن بقاءه  خادما للسلطة ومنصاعا لأجهزتها الأمنية وهو ما يمثل وصاية سلطوية على الشعب مفروضة بالحديد والنار وأدوات البطش الأمني والتخويف والترهيب؛ وعبر ترسانة التشريعات الشاذة جرى تكريس سلطوية النظام واستبداده وتقنين عسكرة الدولة والمجتمع، وتقنين عمليات الجباية والإتاوات الباهظة التي أحالت حياة الناس إلى جحيم لا يطاق.

 

أبرز التشريعات الشاذة لبرلمان 2015

وكان المجلس قد أوقف بث جلساته مباشرة على الهواء في الجلسة الثانية لانعقاده، على الرغم من نص الدستور على علانية الجلسات، ورفض كذلك الاستجابة لملاحظات مجلس الدولة بشأن مخالفة لائحته الداخلية للدستور، بعدما أدرج موازنته رقماً واحداً في الموازنة العامة، لعدم إخضاعها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، إلى جانب عدم التزام أغلب النواب بتقديم إقرارات الذمة المالية عند شغل عضويتهم، أو احترام نصوص الدستور بشأن تفرغهم للعمل النيابي.

ويمكن رصد الكوارث التي تسبب فيها برلمان العسكر منذ انعقاده في 10 يناير 2016م:

أولا، مرر البرلمان، خلال أدوار انعقاده، خمس موازنات عامة للدولة غير دستورية، لم تف أي منها بنسبة العشرة في المائة من الناتج القومي الإجمالي المخصصة لقطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي، والواردة في المواد 18 و19 و21 و23 من الدستور، علاوة على الموافقة على 14 قراراً للسيسي بإعلان ومد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد.

ثانيا، تقنين بيع أصول الدولة؛ حيث وافق البرلمان في دور انعقاده الخامس على مجموعة من التشريعات الخطيرة، مثل تعديل بعض أحكام قانون “إنشاء صندوق مصر السيادي”، والذي أجاز لرئيس الجمهورية نقل ملكية الأصول المستغلة المملوكة للدولة، أو غير المستغلة إلى الصندوق، ومن ثمّ إعادة طرحها للبيع أمام القطاع الخاص لصالح الصندوق غير الخاضع لأي شكل من الرقابة، والمعفي من جميع الضرائب والرسوم بموجب القانون. واشترط تعديل التشريع ألا ترفع الدعاوى ببطلان العقود التي يبرمها الصندوق، أو التصرفات التي يتخذها لتحقيق أهدافه، أو الإجراءات التي اتخذت استناداً لتلك العقود أو التصرفات، إلا من أطراف التعاقد من دون غيرهم، وذلك بغرض تحصين هذه العقود، وما يشوبها من فساد أو عوار، من الملاحقة القضائية، مع إجازة الاستعانة بأحد بيوت الخبرة الدولية لتقييم الأصول المملوكة للصندوق.

ثالثا، تقنين خصخصة قطاع الأعمال، حيث أقرّ مجلس النواب تعديلات موسعة على قانون شركات قطاع الأعمال العام، من أجل الانتقاص من حقوق العاملين في الشركات التابعة للقطاع، والتمهيد لعمليات “خصخصة” الشركات الخاسرة منها، من خلال طرح أسهمها أمام المستثمرين المحليين والأجانب، فضلاً عن إجازة مادتين في قانون الاستثمار تستهدفان تحصين قرارات بيع شركات قطاع الأعمال العام، والحد من منازعات التحكيم الدولي ضد الدولة المصرية.

رابعا، نزع ملكية العقارات، كما وافق مجلس النواب على تعديل بعض أحكام قانون “نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة”، والذي يهدف إلى تقرير المنفعة العامة بقرار من رئيس الجمهورية، أو من يفوضه، وتحديد قيمة التعويض المبدئي مقابل إجراءات نزع الملكية، عن طريق لجنة تشكل في كل محافظة بقرار من وزير الموارد المائية والري، بدعوى الانتهاء من مشروعات الطرق والجسور الجاري تنفيذها.

خامسا، الموافقة على قانون الخدمة المدنية، وهو التشريع الذي جمد حوافز الموظفين في جهاز الدولة ارتباطاً بتاريخ 30 يونيو 2014، وتسبب في خفض زيادتهم السنوية إلى نحو 80 في المائة، على الرغم من ارتفاع تكاليف المعيشة، والزيادة المطردة في الأسعار.

سادسا، الموافقة على قانون مكافحة الإرهاب، حيث وافق البرلمان على تعديل بعض أحكام ما يسمى بقانون “مكافحة الإرهاب”، والهادف إلى تجميد عضوية المعارضين والرافضين للانقلاب الذين أدرجوا من جانب سلطة الانقلاب على قوائم “الإرهابيين” في النقابات المهنية، ومجالس إدارات الشركات والجمعيات والمؤسسات، وأي كيان تساهم فيه الدولة أو المواطنون بنصيب ما، ومجالس إدارات الأندية والاتحادات الرياضية، وأي كيان مخصص للمنفعة العامة، والتوسع في مصادرة أموال وممتلكات المعارضين من المحسوبين على جماعة “الإخوان المسلمين”، بحيث تشمل “الأصول المادية والافتراضية، وعائداتها، والموارد الاقتصادية، وجميع الحقوق المتعلقة بأي منها”.

سابعا،  الموافقة على التفريط في سيادة مصر على جزء من أراضيها؛ حيث وافق البرلمان على اتفاقية تنازل السيسي عن جزيرتي “تيران وصنافير” للسعودية  في جلسة يوم 14 يونيو 2017م، خصوصا أن  البرلمان أقر الاتفاقية متجاهلا  أحكام القضاء الإداري ببطلان توقيع الحكومة على الاتفاقية، ما دفع ناشطين إلى تداول أسماء النواب المؤيدين للاتفاقية في ما عُرف بـ”قوائم العار”.

ثامنا، كما وافق على تعديل بعض أحكام قانون “إنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر”، والذي يقضي بإشراك القطاع الخاص في إدارة وتشغيل وصيانة مشروعات البنية الأساسية، وشبكات هيئة السكك الحديدية على مستوى الجمهورية، إيذاناً بطرح أصول المرفق العام للبيع أمام شركات القطاع الخاص، وزيادة أسعار بيع تذاكر القطارات، وهو ما حدث بالفعل بزيادة أسعار تذاكر 174 قطاراً في الأول من أغسطس2020م. كما أقرّ مجلس النواب تشريعاً لإدخال اختصاصات نوعية جديدة للهيئة القومية للأنفاق، تشمل إشراك المستثمرين المحليين والأجانب في إدارة المرفق، وتأسيس الهيئة القومية للأنفاق شركات مساهمة بمفردها، أو بالاشتراك مع شركاء آخرين لإدارة وتشغيل وصيانة المشروعات، وهو ما أسفر عن زيادة سعر تذكرة مترو أنفاق القاهرة من جنيه واحد إلى 10 جنيهات للتذكرة وفقاً للزيادات الأخيرة.

تاسعا، سن القوانين التي تكرس عسكرة الدولة والمجتمع وحماية بيزنس الجيش وتحصين قياداته من أي محاكمة على جرائمهم بعد ثورة يناير وانقلاب 3 يوليو 2013م؛ حيث  لغى البرلمان تشريع المناقصات والمزايدات القائم في مصر منذ 20 عاماً، مستبدلاً إياه بقانون “تنظيم التعاقدات العامة”، والذي يهدف إلى تكريس الشراكات الاستثمارية بين الحكومة المصرية والجيش، وإلغاء القيود القانونية على الجهات الحكومية المختلفة في التعاقد بالأمر المباشر مع مستثمرين أو شركات مقاولات خاضعة لتبعية القوات المسلحة، من أجل إرساء المشروعات على شركات الجيش من دون اشتراط تقديمه العطاءات الأقل سعراً. كذلك، وافق مجلس النواب على قانون “تكريم بعض كبار قادة القوات المسلحة”، الهادف إلى تحصين قادة انقلاب الثالث من يوليو 2013 قضائياً، من مسؤولية الجرائم التي ارتكبت بحق المعتصمين السلميين في وقائع العنف الدامية التي أعقبت الإطاحة بالرئيس الشهيد محمد مرسي، فضلاً عن منع توجيه اتهام دولي من قبل أي هيئة قضائية أجنبية أو دولية ضدهم، وتمتعهم بحصانة دبلوماسية أثناء وجودهم خارج البلاد. واستهدف التشريع أيضا منع قادة الانقلاب من الترشح مستقبلاً لأي مناصب سياسية، إلا بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، تحسباً لاعتزام أحدهم الترشح في مواجهة السيسي عقب تعديل الدستور، مقابل منحهم امتيازات مالية واسعة، مثل تمتعهم بجميع المزايا والحقوق المقررة للوزراء في الحكومة، إلى جانب المخصصات الأخرى التي يحددها قرار من رئيس الجمهورية، وجواز الجمع بينها، وبين أي ميزة مقررة بموجب قانون آخر.

عاشرا،  وأقر البرلمان زيادة رواتب الوزراء في الوقت الذي جرى فيه فرض رسوم الجباية والإتاوات الباهظة على الشعب،  حيث مرر مجلس النواب تعديلاً على أحكام القانون رقم 100 لسنة 1987، ويقضي برفع مرتبات نائب رئيس الجمهورية، ورئيسي مجلسي النواب والشيوخ، ورئيس مجلس الوزراء، ونوابه، والوزراء، إلى ما يعادل الحد الأقصى للأجور (42 ألف جنيه شهرياً)، واستحقاق تلك الفئات معاشاً شهرياً يُعادل 80 في المائة من راتب أو مكافأة كل منهم في تاريخ انتهاء شغل المنصب.

حادي عشر،  قام البرلمان بدور عرَّاب السوء وسهل لرئيس الانقلاب وحكومته التوسع في الاقتراض من جهات  التمويل الدولية والإقليمية حتى وصلت ديون مصر الخارجية إلى نحو 125 مليار دولار، والمحلية إلى أكثرمن 5.5 تريليون جنيه، وآخر القروض التي وافق البرلمان عليها اتفاق بين حكومة السيسي وصندوق النقد الدولي لتسهيل إتاحة تمويل، تحصل بموجبه مصر على قرض بنحو 2.77 مليار دولار، وآخر بقيمة 5.2 مليارات دولار، في مواجهة تداعيات أزمة تفشي فيروس كورونا، وذلك عقب قرض ثالث بقيمة 12 مليار دولار في عام 2016، ليصل مجموع ما حصلت عليه مصر من الصندوق 20 مليار دولار تقريباً.

ثاني عشر، في 16 إبريل 2019، وافق مجلس النواب نهائياً على طلب تعديل الدستور بأغلبية 531 نائباً من مجموع 595، والذي أضاف نصاً انتقالياً يسمح باستمرار السيسي في الحكم حتى عام 2030، من خلال زيادة مدة رئاسة الجمهورية من 4 إلى 6 سنوات، والسماح للرئيس الحالي بالترشح لولاية ثالثة عند انتهاء ولايته الثانية في 2024، مع العلم أنه انتخب في عام 2018 لمدة 4 سنوات فقط، وهي التعديلات التي كرست وصاية الجيش على الدولة والمجتمع وعصفت بما تبقى من هامش استقلال القضاء ومنحت السيسي صلاحيات مطلقة على السلطة القضائية.

ثالث عشر، وافق البرلمان على قانون التصالح في مخالفات البناء والذي منح سلطات الانقلاب صلاحيات هدم منازل المواطنين والمساجد والعقارات بدعوى أنها مخالفة؛ وتضمن القانون إتاوات باهظة لتقنين مخالفات البناء وبما يرهق كواهل جميع الأسر المصرية والتي تبدأ بعشرات الآلاف وتصل إلى ملايين بحسب مساحة العقار وحجم المخالفة. وتسبب هدم السيسي لمئات المنازل وعشرات المساجد في تصاعد موجات الغضب بين المواطنين  خصوصا وأن حجم المخالفات يصل  إلى 20 مليون وحدة سكنية وهو ما يهدد ملايين الأسر بالتشرد بإزالة منازلهم أو دفع إتاوات باهظة لا يقدرون على سدادها.

الخلاصة، أن البرلمان في مصر لا يعبر عن الإرادة الشعبية بقدر ما يعبر عن إرادة السلطة العسكرية التي فرضت نفسها وصيا على الشعب المصري كله بعد اغتصاب السلطة بانقلاب عسكري منتصف 2013م، وتشرف أجهزة السيسي الأمنية (المخابرات  العامةــ أمن الدولة ــ هيئة الرقابة الإدارية)على هندسة وتصميم تشكيل البرلمان المقبل بما يضمن بقاءه خادما للنظام وبما يجعل من السلطة التشريعية أداة طيعة يوظفها النظام وأجهزته لخدمة أهدافه وأجندته وتكريس طغيانه واستبداده.

وتشير المؤشرات والشواهد إلى أن برلمان السيسي المقبل ــ حال جرى تشكيله في انتخابات صورية ولم تشهد مصر تطورات تحول دون ذلك ــ سيكون أكثر سوءا من برلمان 2015م الذي لم يحظ بأي رضا شعبي على الإطلاق، خلال مدته التي استمرت خمس سنوات. وسيهيمن على البرلمان المقبل رجال الأعمال وفلول نظام مبارك،  وسط توجهات بتقليص دور المعارضة الصورية والأحزاب الموالية للنظام باستثناء حزب “مستقبل وطن”، فيما يتواري حزب النور ويبدو أن السيسي وأجهزته قد قرروا التخلص منه بعد انتهاء دوره في خدمة أجندة الانقلاب خلال السنوات الماضية، كما سيتواري ائتلاف (20ـ30) رغم أنه كان يمثل معارضة مدجنة بالغة الاستسلام للسلطة.

 

 

الهوامش والمصادر

البرلمان المصري: 5 سنوات من معاداة الشعب والخضوع للسيسي/العربي الجديد 01 سبتمبر 2020

حازم عبد العظيم: المخابرات تدخلت في الانتخابات البرلمانية/ شبكة رصد الجمعة، 1 يناير 2016،

جدول انتخابات مجلس النواب المصري الجديد/العربي الجديد 10 سبتمبر 2020

الأمن يتحكم بانتخابات البرلمان.. رسالة مدوية من عضوة بحزب الوفد للسيسي/ الجزيرة نت 16 سبتمبر 2020

مصر.. حزب “الوفد” ينسحب رسميا من القائمة الوطنية/ روسيا اليوم 17 سبتمبر 2020

مصر: تقاسم اختيار نواب البرلمان بين المخابرات والأمن الوطني/العربي الجديد 07 سبتمبر 2020

مفاوضات تشكيل البرلمان المصري الجديد: المقعد لمن يدفع أكثر/العربي الجديد 04 سبتمبر 2020

مصر: “مستقبل وطن” يرشح رجال مبارك بقائمة النظام للانتخابات/العربي الجديد 11 سبتمبر 2020

مصطفى محمد/ بعد انتهاء دوره التشريعي.. ماذا قدم البرلمان في قرابة الـ5 سنوات؟/ مصر العربية 25 أغسطس 2020

[1] جدول انتخابات مجلس النواب المصري الجديد/العربي الجديد 10 سبتمبر 2020

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022