المشهد السياسي.. عن الفترة من 17 وحتى 23 أكتوبر 2020

 

أولا : المشهد المصري

المجال السياسي:

معارك الدولة العميقة:

اشتدت رحى الصراع المكتوم بين وزير الإعلام أسامة هيكل، المعروف بقربه من المؤسسة العسكرية وقياداتها، وبين المسؤول الفعلي -بحسب المراقبين- عن المشهد الصحافي والإعلامي في مصر، العقيد بالمخابرات أحمد شعبان.

صراع على النفوذ بين وزير جاء لضبط إيقاع عمل المؤسسات الإعلامية والصحافية بعد سبتمبر 2019، التي شهدت احتجاجات مناهضة للنظام القائم، وكانت الأولى من نوعها منذ 2013، فعمل النظام على تغيير السياسات الإعلامية القائمة؛ بغرض تبييض صورة النظام، واستعادة قدرة الإعلام المحسوب على السلطات الحاكمة على التأثير بعد تراجع نسب مشاهدته بصورة كبيرة، فقد رأى النظام في الاحتجاجات دليل فشل النوافذ الإعلامية والصحافية التي تتغنى ليل نهار بإنجازات النظام، فكان استقدام “هيكل” بغرض تحقيق هذا التغيير في السياسات الإعلامية، وهو ما كان يعرف “هيكل” أنه جاء لتحقيقه، وبين الضابط الشاب بالمخابرات، المتحكم الفعلي في المشهد الصحافي والإعلامي في مصر، ويبدو “شعبان” كلف بهذه المهام؛ باعتباره مدير مكتب عباس كامل رجل السيسي الأول. نستطيع أن نقول بصيغة أخرى إنه صراع بين الحكومة الرسمية وبين حكام الظل أو مراكز القوى الجديدة التي تأسست في أعقاب أحداث 3 يوليو 2013[1].

معركة “هيكل” و”شعبان” ليست الوحيدة في الأيام الأخيرة، فقد سبقها واستمر معها، خلاف آخر برز للسطح، هذه المرة كان بين العقيد بالمخابرات الضابط أحمد شعبان، وكل مؤهلاته أنه مدير مكتب اللواء عباس كامل، تنقل معه من الجيش للرئاسة، وأخيرًا للمخابرات العامة، وبين الصحافية والعضوة المؤسسة بحملة تمرد، التي حركت الاحتجاجات ضد الرئيس محمد مرسي، ولاحقًا عضو الحملة الانتخابية للسيسي، وعضو لجنة العفو الرئاسي عن السجناء؛ لكن موضوع الخلاف هذه المرة ليس الإعلام والصحافة، إنما السياسة، فقد اتهمت “خليفة” “شعبان” بمسؤوليته عن إفساد الحياة السياسية في مصر، عبر أداته «تنسيقية شباب الأحزاب»، وعبر إفساده لمشهد انتخابات الشيوخ، واختياره لمرشحي النواب، فقد صرحت “خليفة” أن “شعبان” هو المسؤول عن إدارة الحياة السياسية، وهو ما يعمل على تحقيقه من خلال «تنسيقية شباب الأحزاب»، و«البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب»، وفاعليات «مؤتمر الشباب السنوي»، ومن خلال إدارته لعملية اختيار مرشحي مجلسي “النواب” و”الشيوخ”، وهو نفوذ واسع في الحقيقة، ويبدو أن مسؤولية “شعبان” في هذه القضايا تتوقف عند تنفيذ ما يطلب منه من رئيسه المباشر، مدير المخابرات العامة عباس كامل، ومن السيسي؛ لكن هذا لا ينفي ما يتمتع به شعبان من نفوذ واسع جراء تأديته هذه المهام، وقد انتهى هذا الجدل باختفاء دعاء خليفة قسريًّا، قبل ظهورها بأحد السجون لاحقًا، وبرأي مراقبين، فإن معركة شعبان و”هيكل” ستحسم لصالح شعبان في النهاية؛ لما يتمتع به من نفوذ، ولانتصاره في معارك سابقة، لم تكن أقل قوة، ليس أقلها ما كان من خلافات مع المتحدث العسكري السابق أحمد سمير[2]، وفي استبعاده للصحافي المعروف بقربه من السيسي ياسر رزق، بعد تململه من سيطرة المخابرات العامة على المشهد الصحافي والإعلامي في مصر[3].

جزء من المشهد السياسي العبثي في مصر، التسريبات التي تم بثها للصحافي والبرلماني السابق عبد الرحيم علي، المعروف بعدائه لقوى الإسلام السيسي، وبقربه من النظام الحاكم، وعلاقاته مع المسؤولين الإماراتيين .. في التسريبات يكيل “علي” الشتائم للدولة وللقانون وللنظام ورجاله في مصر، ويستبعد إقدام النظام على توقيفه أو مساءلته، مشددًا على أنه يمتلك تسريبات وملفات “توديهم كلهم في دهية”، مؤكدًا أن مدير المخابرات العامة جاءه لبيته؛ للاعتذار له[4].

وفق مراقبين، فإن التسريب يأتي ضمن معركة انتخابية شرسة، شبهها البعض بمعركة “تكسير عظام”، يخوضها علي بانتخابات مجلس النواب أمام مرشحين لهم حظوتهم كذلك عند السلطة. وتسريبات علي تسلط الضوء على الخلافات الشديدة داخل التحالف الداعم للنظام؛ على خلفية توزيع كعكة الامتيازات على هؤلاء، خاصة الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي سحب النظام تأييده خلالها لكثير من حلفائه السابقين، وانتقادات عبد الرحيم علي -وقبله مرتضى منصور، قائلًا: “أنا ما دفعتش 50 مليون جنيه من دم الشعب عشان يحطني (يضعني) في القائمة .. اللي يدفع 50 مليون ده يبقى معاه كام؟، وبيجيب الفلوس دي منين، وهايلمهم إزاي؟!”- تسلط الضوء على الخلافات الدائرة بشأن كعكة الانتخابات البرلمانية.

تسريبات عبد الرحيم علي سبقتها تسريبات لوزير الإعلام أسامة هيكل، أذيعت على التلفزيون الرسمي![5]، بالتالي فالخلافات تقع في قلب التحالف الحاكم، وليست على حوافه، خلافات تكشفت أيضًا في القبض على صلاح دياب، رجل الأعمال المعروف بقربه للنظام ولحلفائه في (أبو ظبي)، وتكشفت في قضية بنك CIB[6].

هناك من يرى في هذه الصراعات والخلافات مؤشرًا سلبيًّا، ودليلًا على سوء ما وصلت إليه الأوضاع في مصر، لكن في المقابل يمكن اعتبار ما سبق ذكره دليلًا على أن النظام الحاكم في مصر بدء يكتسب ملامح سياسية، بدلًا من طبيعته العسكرية الصارمة والهيراركية المستحكمة؛ فهذه الخلافات والتباينات هي الملمح الأساسي لأي نظام حي وفاعل، أما التأميم والصوت الواحد، فهو يعني موت السياسة، كما أن ما يحدث يحمل بعض الأمل أن تقود هذه الخلافات إلى حدوث انفراجات في الحياة السياسية المصرية، تسمح ببعض حضور للقوى السياسية الممثلة للمجتمع، التي جرى تهميشها وإقصاؤها خلال السنوات السبع الأخيرة.

 

انتخابات النواب: بدء تصويت المصريين على مرشحي المخابرات العامة للبرلمان:

توجه المصريون، السبت 24 أكتوبر 2020، في 14 محافظة -بينها الجيزة والإسكندرية- إلى مراكز الاقتراع؛ للإدلاء بأصواتهم لاختيار أعضاء مجلس النواب في المرحلة الأولى من الانتخابات، وتشمل المرحلة الثانية 13 محافظة، بينها العاصمة القاهرة، وتبدأ في السابع والثامن من نوفمبر القادم، وفي هذا الاقتراع، يختار المصريون 568 نائبًا من أصل 596 عضوًا في المجلس، على أن يقوم السيسي بتعيين النواب الباقين. ومن المقرر أن تجرى جولات الإعادة في نوفمبر القادم، وسيتم الإعلان عن النتائج النهائية في ديسمبر. يتنافس في هذه الانتخابات أكثر من أربعة آلاف مرشح على 284 مقعدًا من أصل 568 بالنظام الفردي، كما تتنافس ثماني قوائم على 284 مقعدًا بنظام القوائم الحزبية. أبرز القوائم المرشحة “القائمة الوطنية من أجل مصر” -والمحسوبة بحسب كثير من المراقبين على جهاز المخابرات العامة- التي تمثل ائتلافًا سياسيًّا بقيادة حزب “مستقبل وطن”، الموالي للحكومة، والذي انتخب رئيسه عبد الوهاب عبد الرازق مؤخرًا، رئيسًا لمجلس الشيوخ المصري[7].

الغرفتان التشريعيتان -النواب والشيوخ- اللذان يجري تشكيل الأولى منهما حاليًّا -بعد الانتهاء من تشكيل الأخيرة- هما أداة النظام لتحقيق هدفين أساسيين فيما يبدو؛ الهدف الأول: تمويل مشروعات النظام من خارج الموازنة العامة، من خلال المبالغ الكبيرة التي جمعت من المرشحين على قوائم «حزب مستقبل وطن»، مقابل ترشحهم باسم الحزب أو على قوائمه؛  باعتبار ذلك ضمانة كافية لنجاح هؤلاء، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الأصوات المعارضة للطريقة التي اختير بها مرشحو الدولة -أصحاب الحظوظ الأوفر في الوصول للبرلمان- في الانتخابات النيابية القائمة، أكثر هذه الأصوات داعمة للنظام. الهدف الثاني: توسيع التحالف الداعم للنظام، من خلال ضم عناصر جديدة من رجال الأعمال، ومن أبناء كبار العائلات في الأرياف والصعيد؛ مقابل مبالغ كبيرة -كما سبق وأوضحنا-، لكن بالطبع خلق ذلك خلافات كبيرة؛ لأنه جاء على حساب مجموعات أخرى داعمة للنظام.

توسيع النظام لخارطة تحالفاته دفعت مراقبين للقول إن «القارئ للأسماء الـ100 التي عينها السيسي داخل مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، وما سبقها من الأسماء الفائزة في الانتخابات التي جرت مؤخرًا، وصاحبها الكثير من الجدل في ظل المقاطعة الشعبية لها، هذا بخلاف المرشحين لانتخابات مجلس النواب (البرلمان)، يجد أن المجلسين تحولا إلى شبكة عائلية كبيرة»، مشددين على أن ما يحدث يحمل دلالتين؛ الأولى: أنه لم تكن هناك قطيعة مع نظام مبارك، وأن اقتصار البرلمان على عدد من العائلات عرف راسخ في الحياة السياسية المصرية الحديثة، وأنه منذ أيام الخديوي إسماعيل (1830-1895) لم يحكم مصر إلا 16 أسرة فقط. الدلالة الثانية: أن سيطرة الشبكات العائلية على كراسي البرلمان بغرفتيه، يرجع إلى سيادة منطق العصبيات القبلية والمال السياسي، كمعيار محتفى به من قبل السلطات، وقد بات بوابة العبور نحو الحصول على النفوذ المطلوب، ومن المتوقع أن يظل هذا الوضع باقيًا لفترات لاحقة طويلة نسبيًّا؛ حال استمرت الفوارق بين الطبقات الاجتماعية في مصر، التي تتسع الهوة بينها بصورة مخيفة[8].

السياسات العامة:

النظام وسياسات الاسكان .. كيف تكرس السلطات الفرز الطبقي؟:

يعد قطاع العقارات في مصر من أكثر الأسواق قدرة على جلب استثمارات، وعلى تحقيق أرباح كبيرة للمنخرطين فيه، لكن يبقى ذلك مرتهنًا دائمًا بوجود استقرار، وبقدرة السوق على استيعاب المعروض، وإلا بات المعروض في الأسواق العقارية كاسدًا مع غياب المستهلكين؛ نتيجة تراجع الدخل، وارتفاع مستويات الفقر[9]. أهمية قطاع العقارات في مصر يرجع -في جزء كبير منه- إلى تراجع المجالات الاستثمارية الأخرى، خاصة الاستثمار في المجالات الإنتاجية؛ لتبقى قطاعات العقارات والخدمات (النقل، الاتصالات، الترفيه؛ إلخ) هي الأهم والأكبر.

هذه الأهمية المتزايدة لقطاع العقارات هي التي تدفع المؤسسة العسكرية للاستيلاء على الجزء الأكبر من قطاع الأراضي في مصر، وهي التي تدفع الرئاسة للاستيلاء على الثروة العقارية التي تمتلكها أجهزة الدولة والوزارات، ويبدو أنها تدفعه لتغيير الطبيعة الديمغرافية -عبر سياسات التهجير والنزوح، كما نشاهد في حالة الوراق مثلًا- للعاصمة؛ بهدف تفريغها وتجهيزها لبيعها للمستثمرين، وهو الدافع أيضًا للتوسع في بناء المدن الجديدة، وعلى رأسها العاصمة الإدارية.

لكن تبقى المشكلة أن قدرة السوق -الذي من المفترض أن يستوعب ويستهلك هذا النتاج من الوحدات العقارية الجديدة- قد تراجع بصورة كبيرة؛ نتيجة سياسات التقشف، وغيرها من إجراءات اقتصادية قاسية، ومن سياسات جائرة، دفعت كثيرًا من المراقبين لوصف الاقتصاد المصري بأنه اقتصاد جباية. لكن في المقابل هناك من الباحثين من يرى أن نشاط الدولة في قطاع العقارات يستهدف الشرائح العليا من الطبقة المتوسطة، ويستهدف البرجوازية المصرية، وهي فئات ما زالت قادرة على الاستفادة من هذا النشاط في قطاع العقارات، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة[10]. وفق هذا التصور الأخير، فإن السلطات المصرية تتخلص من جهة من التزاماتها تجاه المجتمع، وتحاول إعادة بناء التحالف -وتقويته- مع الشرائح العليا من الطبقة المتوسطة، ومع البرجوازية المصرية، وتحاول استعادة السيطرة على قطاع العقارات.

قد يبدو هذا مفهومًا، لكن المشكلة أن النظام يسعى لتمويل هذه التوجهات من جيوب المواطنين العاديين، ممن لن يستفيدوا من سياسات التوسع في الإنشاء العقاري، من الشرائح الأقل دخلًا في الطبقة الوسطى، ومن المجموعات غير الطبقية من ذوي الفقر المدقع، وذلك عبر آليتين؛ الأولى: قانون التصالح، الذي يفرض مبالغ كثيرة على المواطنين، وقد خلق اضطرابات واسعة أخافت النظام، خاصة احتجاجات سبتمبر 2020، الثانية: الضرائب المضافة على أسعار السلع، وهي ضرائب تتضرر منها -بشكل أساسي- الفئات الأقل دخلًا.

يمكن القول إن الكثير من سياسات النظام -خاصة سياسات الإسكان، وما يرتبط بها من قطاع العقارات- تعمل آلية للفرز الطبقي، وتعزز من التفاوت الطبقي، وتغذي التوترات الطبقية، ومما يضاعف الأمر خطورة هو تراجع الخطاب الديني؛ نتيجة التضييق الشديد على الإسلاميين بكل فئاتهم، وهو خطاب كان يقلص من التأثيرات السلبية للتفاوت الطبقي، عبر إشاعة ثقافة القضاء والقدر كحاكم للغنى والفقر، وقيم التساوي بين الجميع أمام الخالق ويوم القيامة.

لكن يبقى السؤال متعلقًا بقدرة النظام على الاستمرار للنهاية في سياساته، والمآلات التي يمكن أن تتحقق جراء هذه السياسات، وقدرة المجتمع على تحمل هذه السياسات، وردود الأفعال التي قد يأخذها تجاهها، وهي ليست بالضرورة ردود فعل سياسية؛ لكنها قد تكون ردود فعل شديدة السلبية، وقد تعلي من قيم الفردية على غيرها من قيم التعاون والعدالة والمساواة، وتجعل من التنافس للحصول على أكبر قدر من السلع والخدمات والثراء مقدمًا على كل قيمة سواها، وهو مما سيزيد من التوترات الاجتماعية، وسيزيد من معدلات الجريمة، ومن التفكك الأسري.

 

 

ثانيا : المشهد الإقليمي والدولي:

القضية الفلسطينية

– ما وراء تضارب تصريحات قيادات حركة فتح حول المصالحة الفلسطينية:

تصاعدت حدة التضارب في التصريحات بين قيادات حركة فتح حول المصالحة الفلسطينية، التي ظهرت مع خروج عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” عزام الأحمد، على قناة “الغد”، المحسوبة على القيادي المفصول من حركة “فتح” محمد دحلان، في 19 أكتوبر 2020؛ ليحمّل “حماس” مسؤولية تعطيل المصالحة الفلسطينية. فقد قال الأحمد إن “حماس لم ترسل حتى الآن ردها بشأن المصالحة وإجراء الانتخابات”، مضيفًا أنّ “الأمور لم تسر كما كانت البداية، والمفترض بعد اللقاء الذي جرى في تركيا أن ترسل حماس موافقتها على إجراء الانتخابات، كما تم التفاهم على ذلك؛ حيث إن كل الفصائل في البداية أرسلت رسائل خطية للرئيس الفلسطيني محمود عباس، عبر رئيس لجنة الانتخابات حنا ناصر”.

وعبّر الأحمد عن خشيته من تبدد الأمل، قائلًا: “أخشى أن يتبدد هذا الأمل؛ بسبب عدم إرسال حماس ردها حتى الآن، رغم مرور أكثر من حوالي ثلاثة أسابيع على لقاء إسطنبول، وهم رحبوا ببيان فتح، فلماذا رحبتم؟ إذا رحبتم إذًا وَافِقوا، أرسلوا ردكم، فـحماس بدأت تتحدث عن تهيئة الأجواء”. وكشف الأحمد عن تلقيه اتصالًا من القيادي في “حماس” موسى أبو مرزوق يطالب فيه بـ “تهيئة الأجواء”، والعديد من المطالب الأخرى، وتابع: “نحن لم نسمع ذلك، وفي اليوم الثاني فوجئت بتكرار الكلام على لسان صالح العاروري، الذي طالب بمجموعة مطالب، مثل الرواتب والتشريعي”[11].

وتأتي تصريحات “الأحمد” متضاربة مع تصريحات أمين سر اللجنة المركزية لحركة “فتح” “جبريل الرجوب”، ففي وقت سابق قال “جبريل الرجوب”، في تصريح صحافي، إنّ “بناء الشراكة الوطنية خيار إستراتيجي، لا عودة عنه، وجميع فصائل العمل الوطني الفلسطيني توافقت عليه بقناعة وإيمان مطلق، كمسار وخيار لحماية مشروعنا الوطني”.

وأضاف “الرجوب أنّ “ما تم الاتفاق عليه بين الفصائل لم يظهر أي خروج عنه أو تجاوز له، وإننا سنواصل العمل وفق مخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، الذي عقد برئاسة الرئيس محمود عباس، وتفاهمات إسطنبول”. وقال أمين سر اللجنة المركزية لحركة “فتح”: “نحن في طريقنا إلى الاتفاق من خلال حواراتنا الثنائية مع الإخوان في حركة حماس؛ للخروج من حالة الانقسام التي استمرت لأكثر من 13 عامًا”، مشددًا على التزام الحركتين بما تم الاتفاق عليه[12].

ويمكن إرجاع تضارب التصريحات بين قيادات حركة فتح حول المصالحة والانتخابات إلى مجموعة من الأسباب، منها:

1- محاولة دحلان عرقلة المصالحة: يرى العديد من المراقبين أن تصريحات عزام الأحمد -عبر إحدى القنوات المملوكة للقيادي المفصول من حركة «فتح»، ومستشار حكّام (أبو ظبي)، محمد دحلان- ما هي إلا محاولة من الأخير لعرقلة التقارب الأخير بين حركتَي «فتح» و«حماس»، الذي تمثل في عقد اجتماع للأمناء العامين، ومن ثمّ الاتفاق على إجراء انتخابات فلسطينية عامة.

حيث يخشى دحلان -وتيّاره المسمى «الإصلاحي»- بأن يؤدي التقارب بين حماس وفتح إلى إبعاده عن الساحة السياسية الفلسطينية، بعدما كان يمني نفسه بأن يكون بديلًا عن رئيس السلطة، محمود عباس؛ ما دفعه للعمل على تخريب تلك التفاهمات بين حماس وفتح؛ إذ عمل خلال اتصالات أجراها مع مسؤولين مصريين على تحريض القاهرة ضد التفاهمات، وإظهار أن الحركتين بدأتا الالتفاف على الدور المصري، لمصلحة «محور قطر وتركيا»، وهو ما تسبب في حالة من الشكّ والغضب لدى المصريين، الذي ظهر في تراجع القاهرة عن استضافة اجتماع الأمناء العامين الثاني[13].

2- الصراع حول خلافة عباس: فتضارب تلك التصريحات، يعكس نوعًا من الصراع من قبل قيادات فتح -خاصة الموجودين في “اللجنة المركزية”- على خلافة عباس في السلطة. وهو ما ظهر في معارضة رئيس جهاز المخابرات ماجد فرج، ومسؤول ملف المصالحة عزام الأحمد، خطوات القيادي جبريل الرجوب الأخيرة؛ إذ يرى رئيس المخابرات ومسؤول ملف المصالحة أن المصالحة التي يقودها الرجوب ستعزز فرص الأخير في خلافة عباس؛ بل إمكانية قبول «حماس» إياه مرشحًا عن «فتح» بعد عباس.

3- الخوف من تقوية حماس: وهناك أيضًا تخوف القيادات الفتحاوية من إمكانية أن تؤدي المصالحة إلى تسليم جزء لا يستهان به من السلطة و«منظمة التحرير» لـ «حماس». كما أن المصالحة قد ينتج عنها السماح لعودة نشاط حماس في الضفة الغربية.

4- اختلاف رؤية الحركتين حول أولويات المصالحة: فهناك اختلاف في وجهة نظر كل من فتح وحماس، ففي حين تشير حماس إلى أنه وفقًا لـ «تفاهمات إسطنبول»، تم الاتفاق على تجهيز اتفاق شامل حول مختلف القضايا، أي التوافق على تفاصيل الانتخابات، مثل الاتفاق على الأساس الذي ستقوم عليه الانتخابات، والجدول الزمني لها، والبدائل المطروحة منها في حال محاولة الاحتلال إعاقتها، إلى جانب التوصّل إلى صيغ تقاسم ومشاركة دون مغالبة بين الفصائل.

كذلك، تطالب الحركة، «فتح»، بتهيئة الأجواء للمصالحة، وذلك بخطوات من قبيل وقف العقوبات على قطاع غزة، وخاصة على الموظفين، وإنهاء التمييز بين غزة والضفة، ثم الذهاب إلى الانتخابات كبوابة لإنهاء الانقسام، وأن يُعرض هذا الاتفاق على الفصائل، ومعه تَصدر مراسيم بالانتخابات. إلا أن بعض قادة اللجنة المركزية لفتح تطالب بإرسال موافقة حماس على الانتخابات قبل عرض ما اتفق عليه على الأمناء العامين[14].

5- انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية: فهناك أحاديث عن أن مرسوم الانتخابات الفلسطينية لن يصدر قبل معرفة نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي ستجرى في نوفمبر القادم؛ حيث إن فتح تنتظر نتائج الانتخابات الأمريكية قبل التوجه للمصالحة مع حماس.

فهناك وجهة نظر ترى أن نجاح المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية سيقوي موقف السلطة وحركة فتح في حواراتها مع حركة حماس؛ ما قد يدفع فتح نحو التملص من المصالحة وإجراء الانتخابات. وإن كان هناك من يقول عكس ذلك تمامًا، بأن نجاح بايدن سيزيد من فرص إجراء الانتخابات؛ كونه سيعيد تصوّر إدارة باراك أوباما، التي هدفت إلى إدماج “الإسلام السياسي المعتدل” في الأنظمة السياسية القائمة في المنطقة العربية، وفي السلطة الفلسطينية.

وهناك من يقول إن نجاح دونالد ترامب، ومعارضته المتوقعة لتجديد شرعية السلطة ودمج “حماس”، من دون موافقتها على رؤيته، سيزيد من فرص اندفاع الفلسطينيين نحو الوحدة والانتخابات؛ لأنه يمثل استمرارًا للتهديد الذي تضمنته رؤيته لحل الصراع، وهي مرفوضة من الغالبية الساحقة من الفلسطينيين[15].

 

الانتخابات الأمريكية

الانتخابات الأمريكية تشهد حدثًا لم يحصل منذ أكثر من قرن:

للمرة الأولى منذ أكثر من 100 عام، يشارك قرابة الـ 53 مليون أمريكي في مرحلة التصويت المبكر، التي تسبق التصويت الأساسي بعشرة أيام تقريبًا.

وقد أشارت مؤسسات قياس الرأي العام، إلى تقدم جو بايدن في عموم أمريكا، وهو ما يدفع إلى أن التصويت المبكر يأتي نتيجة الغضب من إدارة ترامب، والحرص على حشد الناس ضده؛ للتخلص من شبح تجدد انتخابه مرة أخرى. وهو ما دفع ترامب لحشد أنصاره، والتصويت لنفسه في الانتخابات المبكرة؛ لإثبات أن شعبيته قائمة ومستمرة.

على الجهة الأخرى، يحاول باراك أوباما، الرئيس الأمريكي السابق، دعم نائبه الأسبق جو بايدن في تلك الانتخابات، من خلال تنظيم مؤتمرات لدعمه.

والجدير بالذكر، أن المناظرة الأخيرة التي جمعت بين ترامب وبايدن كانت ساخنة، وتمكن فيها بايدن من توجيه الاتهامات، والضغط على ترامب بشتى الصور، وهو ما أظهر ترامب ضعيفًا، وغير قادر على الرد؛ حيث هاجم بايدن ملفات الفساد والتهرب الضريبي لشركات ترامب، وهو ما عجز عن الرد عنه، بأن ثمة صفقة عقدت بين وزارة المالية وشركاته؛ حيث أكد بايدن أن ترامب يصرح بذلك منذ توليه الحكم، في حين لم تظهر أي بوادر حقيقية لتلك الصفقة التي يتحدث عنها، كما هاجم بايدن الطريقة التي أدار بها ترامب أزمة جائحة الكورونا، علاوة على أنه وصف ترامب بأنه المسؤول الأول عن موت وإصابة مئات الآلآف من الأمريكيين، في حين رد ترامب بأن الصين هي من تتحمل المسؤولية وليس إدارته. والمحصلة أن ترامب ظهر ضعيفًا في المناظرات، وغير قادر على توجيه هجوم منظم ضد بايدن، وهو ما دفع كثيرين للقول إن بايدن ربما يفوز؛ نتيجة حجم الكوراث التي أحدثها ترامب في فترته الأولى، وعجز عن حلها.

– الانتخابات الأمريكية وتأثيرها على جماعة الإخوان المسلمين:

يتنافس كل من المرشح الجمهوري والرئيس الحالي دونالد ترامب، والمرشح الديمقراطي ونائب الرئيس السابق جو بايدن، على رئاسة الولايات المتحدة، خلال الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر 2020. وخلال السطور القادمة سنحاول استشراف توجهات كلا المرشحين تجاه جماعة الإخوان المسلمين.

أولا: في حالة فوز ترامب:

يعتبر ترامب جماعة الإخوان جماعة إرهابية، وعملت إدارته على إدراج جماعة الإخوان المسلمين للقائمة الأمريكية الخاصة بـ “الجماعات الإرهابية الأجنبية “[16].

كما يرفض ترامب أى نوع من التواصل أو التعاون مع جماعة الإخوان، وهو ما يظهر في قيام وزارة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب بالكشف عن مراسلات هيلاري كلينتون، حينما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية، مع قيادات الإسلام السياسي في المنطقة.

وقد أراد ترامب -من خلال هذه التسريبات- انتقاد سياسة الحزب الديمقراطي، التي كان يمثلها الرئيس السابق باراك أوباما، والمرشح الحالي جو بايدن، خاصة تلك السياسة المتعلقة بالتواصل ودعم جماعات الإسلام السياسي “الإخوان المسلمين”؛ انطلاقًا من كون تلك السياسة تتناقض مع تعهدات أمريكية تم التأسيس لها منذ الـ 11 من سبتمبر 2001، بعدم التفاوض مع ما تراه أمريكا “جماعات إرهابية”، أو بناء صلات معهم، مهما كان مستواها[17].

ثانيًا: في حالة فوز بايدن:

يرى العديد من المراقبين أن فوز جو بايدن سيكون في صالح جماعة الإخوان المسلمين؛ فبايدن كان جزءًا من إدارة أوباما التي حاولت استيعاب جماعات الإسلام السياسي -وفي القلب منها الإخوان المسلمين- عبر إدماجهم في السلطة، خاصة وأن أوباما كان يرى أن الإخوان يمثلون الإسلام المعتدل (عكس التيارات المتشددة وقتها كالقاعدة)، كما أنهم يمثلون الوريث الشرعي لمؤسسات الحكم العربية؛ نظرًا لحجم الدعم الشعبي لهم. وهو ما ظهر في عدم معارضة أمريكا لوصول الإخوان إلى الحكم عقب ثورة يناير 2011، وقيامها بعد ذلك بتعليق جزء من المساعدات المقدمة إلى مصر عقب انقلاب السيسي على الإخوان في 2013[18].

وكان لافتًا قيام جو بايدن بإلقاء  كلمة أمام المؤتمر السنوي السابع والخمسين للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية “إسنا”، وهو فرع قديم تابع لجماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة. ويعتبر ذلك المرة الأولى التي يتحدث فيها مرشح رئاسي للمؤتمر. ويميل متابعون للشأن الأمريكي إلى أن العلاقة القوية التي جمعت جو بايدن بـ “إسنا”، ومن ورائها جماعة الإخوان، قد تفتح الطريق أمام علاقات مميزة بين الطرفين، فيما لو نجح المرشح الديمقراطي في الوصول إلى البيت الأبيض، وأن الأمر قد يؤثر على رؤية بايدن لما يجري في الشرق الأوسط[19].

ويأتي في السياق ذاته، الكشف عن مراسلات هيلاري كلينتون، حينما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية، مع قيادات الإسلام السياسي في المنطقة. وهي التسريبات التي كشفت عن التدخلات الأمريكية بـ “الربيع العربي”، والاتصالات المكثفة مع جماعات الإسلام السياسي “الإخوان المسلمين”؛ تنفيذًا للإستراتيجية الأمريكية في حينه، وجوهرها أنّ الإخوان المسلمين هم الجهة الأكثر قدرة على قيادة المنطقة، والحفاظ على المصالح الإستراتيجية لأمريكا، وأنهم الأقدر على منافسة التنظيمات المتطرفة، وأنّ هذا الدعم يأتي في سياقات الحيلولة دون وصول تنظيمات راديكالية لقيادة الدول في المنطقة[20].

وفي مؤشر على أن بايدن سيجعل من قضية حقوق الإنسان -على رأسها قضية المعتقلين، أغلبهم من جماعة الإخوان- جزءًا أساسيًّا في علاقته مع مصر، ما كشفته صحيفة “واشنطن بوست”، عن تقديم 56 نائبًا ديمقراطيًّا رسالة للسيسي، تدين انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وحث المشرعون السيسي على إطلاق سراح السجناء “قبل أن يصبح سجنهم غير المشروع حكمًا بالإعدام؛ بسبب جائحة فيروس كورونا”.

وبالتالي، فإن الرسالة من قبل الديمقراطيين (المحسوب عليهم بايدن)، وفي هذا التوقيت (اقتراب الانتخابات الرئاسية)، يشير إلى أن بايدن يريد أن يرسل رسالة للسيسي بأن قضايا حقوق الإنسان ستكون على رأس قضايا العلاقات مع مصر في حالة فوزه. وقد سبق أن أصدر بايدن، في 12 يوليو الماضي (2020)، تحذيرًا صارمًا للسيسي، قائلًا: إنه إذا تم انتخابه رئيسًا فلن يكون هناك “شيكات على بياض للديكتاتور المفضل لترامب”، ومؤكدًا على أن قمع القاهرة لحقوق الإنسان لن يتم تجاهله من قبل إدارته حال فوزه بالرئاسة الأمريكية[21].

الملف الليبى

– بعد توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين وفدي اللجنة العسكرية المشتركة الليبية (5+5) بجنيف .. هل تنتهي الأزمة الليبية؟:

أعلنت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، في 23 أكتوبر الجاري، عن توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين وفدي اللجنة العسكرية المشتركة الليبية (5+5) بجنيف، معتبرة ذلك تحولًا مهمًّا نحو تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا[22]. ويأتي هذا الاتفاق عقب انطلاق الجولة الرابعة من محادثات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5)، في 19 أكتوبر، بمقر الأمم المتحدة في جنيف، والتي من المقرر أن تستمر حتى الـ 24 أكتوبر.

وفيما يتعلق بالقضايا محل النقاش، فقد أشارت مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، في 21 أكتوبر، إلى هذه القضايا المتمثلة في وقف دائم لإطلاق النار، واستمرار حالة التهدئة الحالية على جبهات القتال، وتجنب أي تصعيد عسكري، واتخاذ خطوات لإعادة هيكلة حرس المنشآت البترولية؛ لضمان استمرار تدفق النفط، ورحيل كافة المقاتلين والمرتزقة[23].

ويأتي توقيع الاتفاق على وقف إطلاق النار، بعد توقيع كل من رئيس وفد المجلس الأعلى للدولة، فوزي العقاب، ورئيس وفد مجلس النواب، يوسف العقوري، اتفاقًا في مدينة بوزنيقة المغربية، يتضمن “تفاهمات حول معايير اختيار الشخصيات في المناصب السيادية وضوابطها، وفق الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات في 2015”. ما يشير إلى اقتراب الوصول إلى حل نهائي للأزمة الليبية.

إلا أن هناك مجموعة من العقبات التي تواجه تلك التفاهمات، منها:

1- صعوبة انعقاد مجلس نواب طبرق لعرض ما تم الاتفاق عليه في بوزنيقة وجنيف؛ إذ إن نحو نصف عدد نواب مجلس طبرق قد التحق بمجلس النواب في طرابلس، في حين يقيم عدد من الأعضاء خارج البلاد منذ سنوات، فضلًا عن وفاة عدد آخر من النواب. وحتى في حال توافر النصاب القانوني المطلوب لطرح الاتفاق على الجلسة العامة، المتمثل في قبول الأعضاء الملتحقين بمجلس النواب في طرابلس الانتقال إلى طبرق، وعودة المقيمين في الخارج، أو التصويت عبر الوسائط التكنولوجية -وهي فرضيات مستبعدة- فإن الخلافات العميقة بينهم تجعل من الصعب التوصل إلى توافق ثلثي أعضاء المجلس حول المعايير المطروحة لاختيار شاغلي الوظائف السيادية، كما تنص المادة 15 من الاتفاق السياسي الليبي.

2- على الرغم من أن تحقيق النصاب القانوني لعقد جلسة للمجلس الأعلى للدولة لا يمثل مشكلة، فإن خلافات عميقة تبرز بين أعضاء المجلس بشأن الحوار في بوزنيقة. فقد عبّر عدد من الأعضاء عن عدم رضاهم عن انخراط وفد المجلس في حوار بوزنيقة، معتبرين أن هذا المسار سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى منح المعسكر المساند لعملية “الكرامة” واللواء المتقاعد خليفة حفتر وداعميه الإقليميين مكاسبَ سياسية، ومواقعَ قيادية متقدمة، عجزوا عن تحقيقها بقوة السلاح، كما أنه سيؤدي إلى المساهمة في إعادة تأهيل مجلس النواب في طبرق، بعد أن فقد أكثر من نصف أعضائه، وباتت شرعيته محل تساؤل.

3- رغم النبرة المتفائلة التي أبداها الوفدان المتفاوضان في بوزنيقة، فإن ذلك لم يُخف تواصل أزمة الثقة بين الطرفين. فقد كان متوقعًا أن تُتوج الجولة الثانية بلقاء مباشر بين رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، وأن يشرفَا على توقيع الاتفاق، غير أن ذلك لم يحصل.

4- إشكالية المعايير المقترحة لشاغلي المواقع القيادية في الوظائف السيادية، فقد عُدّت هذه المعايير تكريسًا لمبدأ المحاصصة والترضيات، بناءً على حسابات مناطقية وجهوية وقبلية، وتهميشًا لمبدأ الكفاءة والجدارة، وانحرافًا بهذه المؤسسات عن أدوارها ومهماتها؛ إذ مثّل اقتسام المناصب على الأقاليم المعيار الأبرز في عملية الاختيار.

والخطير في حالة المفاوضات الليبية أن المحاصصة لا تجري على التمثيل في الهيئات السياسية فحسب؛ بل على وظائف الدولة أيضًا؛ ما يعطل عملية بناء جهاز دولة محايد تجاه الصراعات السياسية والإقليمية، ويعطل معايير عقلانية، مثل الكفاءة، والنجاعة، والولاء للدولة؛ بوصفها دولة. يجري هذا في وقت تنتفض فيه شعوب العراق ولبنان على نظام المحاصصة، الذي بات يطال جميع الوظائف في الدولة، ويُقوِّض كيان الدولة والمواطنة.

5- لا يزال خيار التصعيد العسكري قائمًا بجدية، في ظل التحشيد الكبير الذي تشهده مختلف الجبهات، وفي ظل تصاعد حجم التدخلات الإقليمية، وآخر فصول ذلك تمثّلُه الأنباء المتواترة عن تحضير قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر لشن هجوم جديد؛ بهدف استعادة مدن ترهونة وغريان وبني وليد، والوصول إلى تخوم العاصمة، وهو التطور الذي قابلته حكومة الوفاق برفع درجة استنفار قواتها، وتوجيه تشكيلات مقاتلة جديدة إلى الخطوط المقابلة لمحاور سرت والجفرة، وجنوب شرق طرابلس[24].

6- على الرغم من أن البعثة الأممية منخرطة بشكل كبير في اتجاه إخراج المرتزقة -خاصة فاغنر- من ليبيا، التي ظهر في زيارة رئيسة البعثة الأممية بالإنابة ستيفاني ويليامز لموسكو، في 16 أكتوبر، ولقائها بوزير الخارجية سيرغي لافروف، ووصف البعثة للقاء بـ “المثمر”؛ ما يشير إلى الوصول إلى تفاهمات حول وجود مرتزقة فاغنر بليبيا. ويبدو أن ويليامز استخدمت مع روسيا سياسة العصا، المتمثلة في إعلان الاتحاد الأوروبي، في 15 أكتوبر، فرضه عقوبات على شخصيات مقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بينهم يفغيني بريغوجين، المعروف بإدارته لمجموعة فاغنر، وسياسة الجزرة، المتمثلة في تعهد ويليامز بإشراك جميع القوى السياسية، بما فيها أنصار نظام القذافي، القريب من موسكو، في عملية الحوار السياسي – إلا أن موسكو يبدو أنها لن تتخلى بسهولة عن وجودها العسكري في ليبيا، وهو ما ظهر في تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف -خلال تصريحات صحافية، في 14 أكتوبر- أن واشنطن تسعى لإضعاف الدورين الروسي والتركي في ليبيا.

7- قرب انتهاء المهلة المعلنة من قبل رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، الذي حدد موعد استقالته بنهاية الشهر الجاري (أكتوبر)، من دون أن تناقش هذه المسألة التي قد تؤدي لوجود فراغ سياسي، يتزامن مع فراغ أممي أيضًا، فأيام مهمة ويليامز ستنتهي خلال أيام، وسط خلافات كبيرة بين أعضاء مجلس الأمن بشأن تعيين مبعوث جديد خلفًا لغسان سلامة، المستقيل منذ مارس الماضي[25].

8- اختلاف الرؤى السياسية حول اللجوء إلى الانتخابات، أم الدخول في مرحلة انتقالية جديدة؛ حيث سبق لرئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، أن طالب بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس 2021. وفي المقابل، يقترح رئيس “نواب طبرق” عقيلة صالح، اختيار مجلس رئاسي جديد من ثلاثة أعضاء بدل تسعة، ورئيس حكومة منفصل عن الرئاسي، يقود البلاد إلى مرحلة انتقالية رابعة[26]. ولم يتضح إلى الآن ما إذا كانت مسارات التفاوض ستفضي إلى انتخابات برلمانية ورئاسية، أم أنها ستدفع نحو مرحلة انتقالية جديدة.

 

مصر و تركيا

– مصر وتركيا تقتربان من التوصل إلى تفاهمات سياسية .. وهذه أبرز المؤشرات:

تزايدت رسائل الغزل بين مصر وتركيا خلال الفترة الماضية؛ بما يوحي بإمكانية التوصل إلى تفاهمات (سواء كلية أو جزئية) بينهما. ففي يونيو الماضي (2020)، بدأ منسوب الاتصالات التركية – المصرية، في الارتفاع استخباراتيًّا ودبلوماسيًّا، عقب تأزم الوضع في ليبيا، مع اشتداد وتيرة الصدام على خط “سرت – الجفرة”. وفي أغسطس الماضي، أطلق الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” أول إشارة صريحة نحو وجود تواصل بين البلدين، قائلًا إن “الجانب المصري طلب في لقاء مع دبلوماسيينا مؤخرًا إزالة سوء التفاهم الحاصل مع تركيا”.

لكن مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، “ياسين أقطاي”، كان أكثر صراحة، حينما استبعد مواجهة تركية مصرية على الأراضي الليبية، قائلا: “الجيش المصري جيش عظيم، نحن نحترمه كثيرًا؛ لأنه جيش أشقائنا”، متهمًا الإمارات وفرنسا بتحريض مصر على قتال تركيا. وحث مستشار “أردوغان” -في مقابلة مع موقع “عربي 21″، سبتمبر الماضي- أنقرة والقاهرة، على التواصل، بغض النظر عن أي خلافات سياسية بين الرئيس التركي والسيسي، متعهدًا بصون مصالح المصريين في ليبيا.

وفي رد مصري بدا متحفظًا، طالب وزير الخارجية المصري “سامح شكري”، الجانب التركي بالأفعال وليس الأقوال، دون نفي وجود تواصل بين الجانبين على أي من المستويات الاستخباراتية أو الدبلوماسية.

وفي الشهر ذاته (سبتمبر)، كشف وزير الخارجية التركي، “مولود جاويش أوغلو”، أن بلاده عرضت على مصر اتفاقية اختصاص بحري، مؤكدًا أن محادثات “استخباراتية” جارية بين البلدين.

وفي 14 أكتوبر الجاري، عبر المتحدث باسم الرئاسة التركية “إبراهيم قالن” عن استعداد بلاده للتقارب مع مصر، “حال تبنت أجندة إقليمية إيجابية”، واصفًا مصر بأنها “دولة من الدول المهمة في المنطقة والعالم العربي”. ورد وزير الدولة لشؤون الإعلام المصري “أسامة هيكل”، بعدها بأيام، نافيًا وجود أزمة بين الشعبين المصري والتركي، مطالبًا أنقرة بتهيئة المناخ للحوار الناجح.

وقد أشار كل من موقع “الخليج الجديد”، و”القدس العربي”، في أكتوبر الجاري -نقلًا عن مصادرهم- إلى أن هناك اتفاقًا عامًّا على هدنة إعلامية بين البلدين، بعد صدور تعليمات من أجهزة سيادية مصرية إلى وسائل الإعلام بتخفيف حدة الخطاب ضد تركيا و”أردوغان”، مقابل تعليمات مشابهة صدرت من الأجهزة السيادية التركية لوسائل الإعلام هناك[27].

وفي هذا السياق، فمن الملاحظ أن مصر لم تنضم إلى حملة مقاطعة المنتجات التركية التي أطلقتها كل من السعودية والإمارات؛ بدعوى الإساءة إلى قياداتها ومواطنيها.

وما يدفع من إمكانية تحول رسائل الغزل تلك إلى تفاهمات على أرض الواقع بين كل من مصر وتركيا، حالة الفتور التي تمر بها العلاقات الحالية بين مصر وكل من الإمارات والسعودية، وهما الدولتين اللتين تعترضان على أي نوع من تحسين العلاقات بين القاهرة وأنقرة.

وترجع أسباب حالة الفتور في علاقة مصر بالسعودية إلى مجموعة من الخلافات على الصعيد الإقليمي، منها: تباين وجهات النظر بين عبد الفتاح السيسي والإدارة السعودية، حول ملف الأزمة الخليجية ومستقبل العلاقات مع دولة قطر؛ حيث تملك القاهرة معلومات عن اتصالات متقدمة تقودها السعودية بشأن حلحلة بعض المسائل المعقدة داخل البيت الخليجي، في ظل تجاهل تام لمصر، باعتبار الأزمة تتعلق بـ “أمن واستقرار الخليج”.

كما تواجه العلاقات الثنائية بين مصر والسعودية تحديات مختلفة، أبرزها على الصعيد الاقتصادي؛ بسبب تراجع المساعدات، وعدم إبداء الجدية في تنفيذ العديد من المشروعات والملفات التي تم الاتفاق عليها مسبقًا. فلم تقدم السعودية منحة كان تم الاتفاق عليها بحوالي 700 مليون دولار لتنمية سيناء، ومشروع تطوير منطقة جبل الجلالة شرق مصر. كما لا يزال مشروع جسر الملك سلمان الرابط بين السعودية ومنطقة نبق في سيناء جامدًا منذ عامين، ويعتبر الجسر جزءًا من مشروع “نيوم” الاستثماري السياحي، الذي أعلن عنه ولي العهد السعودي عام 2017.

ومن الإشكاليات أيضًا بين البلدين، عدم وضوح الرؤية إزاء تجديد اتفاق توريد حصة البترول الخام من شركة “أرامكو” لمصر، والذي من المقرر أن ينتهي العام المقبل 2021، في ظل العقود الجديدة التي أبرمتها مصر مع العراق؛ لتفادي تكرار الإيقاف السعودي للتوريد، كما حدث في وقت سابق في فترة التعقيدات القضائية والبرلمانية داخل مصر، التي عطلت تنفيذ اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ونقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة[28].

وفيما يتعلق بالإمارات،  فهناك مخاوف مصرية بسبب حالة الانفتاح الكبيرة في العلاقات بين تل أبيب و(أبو ظبي)، وتحول الإمارات لمركز إقليمي للشركات الإسرائيلية من جهة، وجهاز الموساد من جهة أخرى، وهو ما يمثل خطرًا على الأمن المصري؛ نظرًا لوجود نحو مليون مصري يعملون في الإمارات، بخلاف مئات الآلاف الذين يترددون على الإمارات طوال العام لأسباب متعددة. فحالة الانفتاح التي تعيشها العلاقات الإماراتية الإسرائيلية في ظل وجود عدد كبير من المصريين في الإمارات، سيدفع المسؤولين المصريين للتعامل مع الدولة الخليجية باعتبارها مسرح عمليات استخباراتية جديدة، ما قد يجعل من تلك الجزئية مثار أزمات بين القاهرة و(أبو ظبي) لاحقًا[29].

كما يثير اتفاق التطبيع الإماراتي مع إسرائيل مخاوف من أن تصبح قناة السويس المصرية أول ضحاياه، في ظل الحديث عن مشاريع جيو إستراتيجية تجمع بينهما، تستثني وتهمش المجرى الملاحي المصري. فوفق تقارير صحافية غربية وإسرائيلية، تناقش أبو ظبي وتل أبيب إحياء خط أنابيب يتجنب المرور بقناة السويس، ويمتد من أبو ظبي -مرورًا بالأراضي السعودية- إلى ميناء إيلات في خليج العقبة بالبحر الأحمر (على الحدود المصرية)، ومنه إلى ميناء أشكلون بالبحر المتوسط.

وتتذرع إسرائيل في تسويق خط الأنابيب المزمع تدشينه مع الإمارات، بأن الطريق البحري المار من بحر العرب ومضيقي هرمز وباب المندب مرورًا بقناة السويس في البحر الأحمر، بات أكثر كلفة ماديًّا وأمنيًّا، في ظل المناوشات العسكرية في اليمن، وانتشار عمليات القرصنة.

وقد ظهرت تلك المخاوف المصرية في حديث رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، عن أن القناة أصبحت أمام تحديات وجود منافس بري أقل كلفة، وتأكيده أن الخط “من الممكن أن ينقل النفط إلى أوروبا”، وأن هناك ترتيبات إقليمية تمس الأمن القومي المصري.

ورغم تأكيده وجود “تداعيات محدودة”، فإن ربيع أبدى تخوفه من تركيز البضائع الخليجية في يد إسرائيل، قائلًا: “نراهن ونعتمد على العروبة في أن تكون التجارة البينية مع إسرائيل قائمة على عدم التأثير على قناة السويس بشكل كبير”[30].

 

الوضع الإيرانى إقتصاديا و أثره

معاناة إيران اقتصاديًّا تجبرها على توسيع نظام المقايضة:

يومًا بعد يوم، تزداد معاناة إيران الاقتصادية، وينعكس ذلك بالطبع على أدوارها الإقليمية؛ لذلك قرر محافظ البنك المركزي توسيع رقعة نظام المقايضة بالسلع الأساسية التي تحتاجها البلاد، في مقابل بيع النفط؛ وذلك نتيجة الانهيار الذي حدث في العملة الأجنية؛ بسبب العقوبات الأمريكية الحادة من جهة، وتداعيات فيروس كورونا من جهة أخرى.

وبالتالي يدور التساؤل حاليًّا، حول مستويات التنازل التي ستقدمها حكومة طهران؛ لتخفيف حدة الضغوط عليها، وإلى أي مدى قد تحدث الانتخابات الأمريكية المقبلة الفارق فيها، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا يترك مناسبة إلا ويهدد فيها طهران، رغم كل ما تعانيه؛ ولذلك كيف يمكن أن تستكمل الحكومة الإيرانية أدوارها في دعم الشعب الإيراني في ظل تلك الأجواء؟

 

ملف سد النهضة

ترامب يُهدد بضرب مصر لسد النهضة، وإثيوبيا ترد:

وجه ترامب تهديدًا شديد اللهجة لأديس أبابا -خلال اتصال جمعه برئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الجمعة 23 أكتوبر-؛ إذ أكد أن مصر قد “تُفجر سد النهضة” في حال عدم التوصل لاتفاق. وردًّا على ذلك، نشر مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بيانًا، أكد فيه على التزام إثيوبيا بمواصلة بناء السد؛ وذلك خدمة لتطلعات شعبها ومصالحها العليا. كما أكدت إثيوبيا أنها -بالتوازي مع مواصلة عملية بناء السد- ستعمل على إيجاد حل للقضية المتنازع عليها، على أسس الثقة المتبادلة والاستغلال العادل والمنطقي لموارد النيل. كما أكدت إثيوبيا على رفضها لما سمته بـ “التهديدات العدائية”، الرامية لإخضاعها لشروط غير عادلة في قضية سد النهضة، ووصفت أديس أبابا هذه التهديدات -التي اعتبرت أنها تمس سيادتها- بالـ “خاطئة وغير البناءة، والتي تُعد خرقًا للقانون الدولي”، وفقًا للبيان. وأكدت إثيوبيا جاهزية شعبها للدفاع عن سيادتها، وحماية مخططات الدولة للازدهار، مشددة على أنها لن تقف صامتة أمام “التهديدات الاستعمارية”، حسبما ذكر البيان[31].

ويأتي هذا بعد القرار الأمريكي بإيقاف المساعدات الخارجية التي تمنحها لإثيوبيا، والبالغة حوالي 130 مليون دولار؛ بسبب تعنتها في ملف سد النهضة، التي لم يكن لها تأثيرًا كبيرًا على الاقتصاد الإثيوبي. والجدير بالذكر هنا هو ما يحمله قرار الضربة العسكرية للسد على مخاطر جيوبولوتيكية على السودان من ناحية، ومخاطر سياسية على مصر، وربما الدول العربية كلها من ناحية أخرى؛ حيث سيتسبب ذلك في الدخول في صراع عربي – إفريقي طويل المدى وغير محسوم النتائج في المستقبل القريب، فهل يعِ النظام المصري خطورة مثل هذا القرار؟ أم يعتبر التصريح الأمريكي بمثابة الضوء الأخضر لشن حرب الخاسر الأكبر فيها هو مصر؟

 

الانتخابات الغينية

أحداث عنف واضطرابات إثر إعلان نتائج الانتخابات الغينية:

دوت أصوات إطلاق النار في كوناكري عاصمة غينيا الجمعة 23 أكتوبر، وفرقت قوات الأمن محتجين، بعدما أظهرت النتائج فوز الرئيس ألفا كوندي بولاية جديدة في انتخابات تقول المعارضة إنها غير دستورية؛ حيث ينافس فيها كوندي على ولايته الثالثة. وأظهرت نتائج أولية من لجنة الانتخابات الليلة الماضية أن كوندي (82 عامًا) حصل على نحو مثلي عدد أصوات أقرب منافسيه، مرشح المعارضة سيلو دالين ديالو، بعد فرز 37 من 38 دائرة. وأثار قرار كوندي الترشح لولاية ثالثة احتجاجات متكررة خلال العام الماضي؛ مما أدى إلى مقتل العشرات، بينهم 17 على الأقل في اشتباكات منذ الانتخابات التي جرت يوم الأحد. وقال معسكر ديالو إنه وجد أدلة على تلاعب، وسوف يطعن على النتيجة أمام المحكمة الدستورية. وقال عضو باللجنة الانتخابية لإذاعة محلية اليوم، إن مخالفات حدثت خلال عملية الفرز، وإن اللجنة أبطلت عددًا من كشوف حصر الأصوات، في حين نفى متحدث باسم اللجنة هذا. ودعا ائتلاف معارض -يسمى الجبهة الوطنية للدفاع عن الدستور- إلى مظاهرات في أنحاء البلاد، بدءًا من يوم الاثنين. ونددت الولايات المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بالعنف، وحثا جميع الأطراف على تسوية الخلافات سلميًّا من خلال القنوات القانونية[32]. ويأتي ذلك بعد أيام من التوتر منذ يوم الانتخابات؛ حيث أعلن كلا المرشحين فوزه بشكل أحادي، كاستعداد لحشد المعارضين في حالة إعلان فوز الآخر، وهو الأمر الذي يدخل غينيا كوناكري في دائرة جديدة من الاضطرابات والعنف، التي ستنتهي بأحد سيناريوهين؛ إما تدخل المؤسسة العسكرية، والقيام بانقلاب عسكري، أو توسط منظمات إقليمية -مثل الإيكواس والاتحاد الإفريقي- لحل الأزمة، ربما بتكوين حكومة وحدة وطنية، تشمل الأطراف المتصارعة. إلا أن السيناريو الأول هو الأرجح، لا سيما في ظل الدعم الدولي لكوندي ورفض ديالو، وهو ما يجعل الحل الأقرب لإرضاء القوى التقليدية هو القيام بانقلاب، يأتي بشخصية جديدة موثوقة.

 

السودان بين التطبيع و قوائم الإرهاب

أمر تنفيذي برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وإعلان التطبيع:

أعلنت الإدارة الأمريكية تحركها رسميًّا لرفع اسم الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب؛ حيث وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًّا، يقضي برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو ما اعتبره مجلس السيادة السوداني يومًا تاريخيًّا للبلاد. وقال البيت الأبيض إن ترامب  أخطر الكونجرس رسميًّا بعزمه رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وبعد ساعات من التوصل للاتفاق بين الطرفين، أعلن قادة الولايات المتحدة والسودان والكيان الصهيوني -في بيان مشترك- توصلهم لاتفاق تطبيع العلاقات، وأكد البيان أن ترامب ورئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك، ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، بحثوا هاتفيًّا التقدم التاريخي الذي أحرزه السودان نحو الديمقراطية، ودعم السلام في المنطقة. ويقضي الاتفاق المبرم بين الطرفين بإقامة علاقات اقتصادية وتجارية، مع التركيز مبدئيًّا على الزراعة. وذكر البيان أن واشنطن ستتخذ خطوات لاستعادة حصانة السودان السيادية، وتشجيع الشركاء الدوليين على تخفيف أعباء ديون السودان.[33] يأتي هذا بعد جولات من المفاوضات لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، والتي سبقها دفع السودان لمبلغ 335 مليون دولار كتعويضات، ومحاولات من مجلس السيادة لتأجيل قرار التطبيع؛ خشية تأزم الوضع في الداخل الساخط على مجلس السيادة بالأساس، إلا أنه مع ضغوط ترامب لإتمام الصفقة قبيل الانتخابات الأمريكية، تم تمرير القرار في الأخير.

والجدير بالذكر أن هذا القرار التنفيذي لترامب لا يُعد أمرًا نهائيًّا برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإنما لازال ينتظر موافقة الكونجرس، الذي يحق له الرفض؛ لتبدأ المحاولات من جديد، حسب رغبات الحزبين الكبيرين في أمريكا، وتعارض أجندتيهما، وهكذا تكون السودان قد دخلت بالفعل حلبة السباق الانتخابي الأمريكي في صف ترامب.

 

 

——————————————

[1] القدس العربي، المشهد الإعلامي في مصر .. هل تدور معركة “صلاحيات” داخلية؟، 22 أكتوبر 2020، الرابط: https://bit.ly/3kqLJKF

[2] العربي الجديد، إخلاء سبيل المتحدث العسكري المصري السابق بكفالة 100 ألف جنيه، 5 أكتوبر 2020، الرابط: https://bit.ly/34nQwqG

[3] عربي 21، هل أطاح السيسي بذراعه الإعلامية الأهم أم يسعى لترقيته؟، 29 سبتمبر 2020، الرابط: https://bit.ly/2Hv1X7s

[4] الجزيرة نت، تسريب لصاحب “صندوق مصر الأسود” .. هل انقلب السحر على الساحر؟، 23 أكتوبر 2020، الرابط: https://bit.ly/2TjSWAv

[5] الجزيرة نت، صدق أو لا تصدق .. التلفزيون الرسمي يذيع تسريبًا ضد وزير الإعلام المصري، 20 أكتوبر 2020، الرابط: https://bit.ly/37AosCA

[6] تقادم الخطيب (تويتر)، 23 أكتوبر 2020، الرابط: https://bit.ly/37QmX3t

[7] فرانس 24، مصر: بدء التصويت في أولى مراحل انتخابات مجلس النواب، 24 أكتوبر 2020، الرابط: https://bit.ly/35u2Fdd

[8] نون بوست، البرلمان المصري .. منصة للترضيات ومكافأة الموالين للنظام، 21 أكتوبر 2020، الرابط: https://bit.ly/3jrdHVt

[9] الأخبار اللبنانية، آخر ابتكارات السيسي: تأميم القطاع العقاري!، 24 أكتوبر 2020، الرابط: https://bit.ly/3dS6DzY

[10] علي الرجال، العمران والعنف: من صفقة مبارك إلى خطة السيسي، مدى مصر، 30 سبتمبر 2020، الرابط: https://bit.ly/34nvqca

[11] “تصريحات لعزام الأحمد تظهر تضاربًا بشأن المصالحة الفلسطينية”، العربي الجيدد، 20/10/2020، الرابط: https://bit.ly/31uPl75

[12] “تصريحات متضاربة لقيادات بحماس وفتح حول المصالحة .. هل السبب دحلان؟”، الخليج الجديد، 20/10/2020، الرابط: https://bit.ly/34glfG8

[13] “تحريض وتشكيك وتخريب: دحلان يحارب المصالحة”، الأخبار، 16/10/2020، الرابط: https://bit.ly/2HmDUXR

[14] “فلسطين | عودة إلى المراوحة: المصالحة رهن الخلافات «الفتحاوية»”، الأخبار، 21/10/2020، الرابط: https://bit.ly/31tXskk

[15] “ترامب – بايدن والانتخابات الفلسطينية”، مسارات، 13/10/2020، الرابط: https://bit.ly/31K996L

[16] “إدارة ترامب تعمل على تصنيف الإخوان المسلمين “منظمة إرهابية””، بي بي سي عربي، 30/4/2019، الرابط: https://bbc.in/37nZZjR

[17] “هل يستأنف الديمقراطيون تحالفهم مع الإسلام السياسي في حال فوزهم بالانتخابات؟”، حفريات، 21/10/2020، الرابط: https://bit.ly/3dM6jTx

[18] “سياسة أحلام الإخوان على جناح بايدن”، العين الإخبارية، 27/9/2020، الرابط: https://bit.ly/34f7rfb

[19] “استمالة جو بايدن أكبر إنجاز للإخوان في الولايات المتحدة”، العرب، 26/9/2020، الرابط: https://bit.ly/3m05CZm

[20] “هل يستأنف الديمقراطيون تحالفهم مع الإسلام السياسي في حال فوزهم بالانتخابات؟”، مرجع سابق.

[21] “رسالة قاسية من الديمقراطيين .. هل يعادي بايدن نظام السيسي؟”، عربي21، 19/10/2020، الرابط: https://bit.ly/3kge4n1

[22] “توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في ليبيا والأمم المتحدة تصفه بـ “البشرى السارة””، العربي الجديد، 23/10/2020، الرابط: https://bit.ly/2HvhILs

[23] “رحيل المرتزقة والنفط والحفاظ على التهدئة .. أهم الاتفاقات التي توصَّل إليها طرفا الصراع في ليبيا”، عربي بوست، 21/10/2020، الرابط: https://bit.ly/3olTLHp

[24] “إعلان بوزنيقة بشأن ليبيا: فرص النجاح والتحديات”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 18/10/2020، الرابط: https://bit.ly/3oerIte

[25] “أبرز محاور لقاء ليبيا العسكري المرتقب في جنيف”، العربي الجديد، 17/10/2020، الرابط: https://bit.ly/35nFG39

[26] “هل تختار ليبيا الانتخابات أم مرحلة انتقالية خامسة؟ (تحليل)”، الأناضول، 16/10/2020، الرابط: https://bit.ly/3dP1bOt

[27] “رسائل الغزل بين مصر وتركيا .. تفاهمات محتملة بلغة المصالح”، الخليج الجديد، 21/10/2020، الرابط: https://bit.ly/3dOfH98

[28] “فتور بين السيسي والرياض: خلاف حول الأزمة الخليجية والمساعدات”، العربي الجديد، 19/10/2020، الرابط: https://bit.ly/34m2y3L

[29] “قلق مصري من تحوّل الإمارات إلى مركز إقليمي للموساد”، العربي الجديد، 20/10/2020، الرابط: https://bit.ly/3mdvCAK

[30] “بعد أن ابتلعت الإمارات اقتصاد مصر .. لماذا يهدد التطبيع مع إسرائيل قناة السويس؟”، الجزيرة نت، 26/9/2020، الرابط: https://bit.ly/3meFzhh

[31]  “إثيوبيا ترد على تهديدات ترامب حول “تفجير مصر لسد النهضة”: جاهزون للدفاع”، CNN بالعربية، 24/10/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/IFRlD

[32]  “إطلاق نار في غينيا مع اتجاه الرئيس للفوز بولاية ثالثة”، بوابة الأهرام، 24/10/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/MNNA5

[33]  “يوم تاريخي .. ترامب يوقع على قرار رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب .. والخرطوم تنضم إلى قطار تطبيع العلاقات مع إسرائيل” صدى البلد، 23/10/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/WAGkH

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022