غينيا بيساو

 

تشهد جمهورية غينيا بيساو -تلك الدولة الصغيرة الواقعة في غرب إفريقيا- مجموعة من التوترات السياسية منذ مطلع 2020، كانت لها مقدمات منذ نهاية 2019 وحتى الآن. وتمثل هذه الأزمة انعكاسًا لأوضاع قديمة يعيشها هذا البلد منذ سنوات، وكذلك للتوترات التي تعصف بمنطقة الغرب والساحل الإفريقي ككل خلال تلك الفترة. فما هي خلفيات الأزمة في غينيا بيساو؟ وما هي التجاذبات الإقليمية هناك؟ وإلى أين وصلت الأوضاع هناك؟ تلك هي التساؤلات التي ستحاول تلك الورقة الإجابة عنها خلال السطور القليلة القادمة.

 

خلفيات الأزمة:

شهدت غينيا بيساو 9 انقلابات ومحاولات انقلابية منذ عام 1980، وكان البرلمان لم ينعقد قبل الانتخابات الأخيرة بأكثر من عام في تلك المستعمرة البرتغالية السابقة التي شهدت انقلابات كثيرة، كما أن الغضب العام في تزايد، بعد فشل محادثات بوساطة إقليمية في التوصل إلى حل للتناحر الشديد داخل النخبة السياسية. وكان قد تظاهر آلاف المحتجين في شوارع عاصمة غينيا بيساو منذ نوفمبر 2019؛ للمطالبة باستقالة الرئيس جوزيه ماريو فاز؛ لحل أزمة سياسية أصابت البلاد بالشلل. وخرج المحتجون في مسيرات بشوارع بيساو، مرددين هتافات: “ارحل يا جوماف”، وهو اسم مختصر للرئيس، وكان احتجاج لكن بأعداد أقل خرج قبل أسبوعين للمطالبة برحيله، في هذا البلد غير المستقر بشكل كبير، والذي يُعد مركز نقل رئيس للكوكايين إلى أمريكا اللاتينية[1].

وبعد الانتخابات، احتدمت الأزمة السياسية في غينيا بيساو، بعد أن عُين عمر سيسوكو إمبالو، الفائز رسميًّا بانتخابات الرئاسة في ديسمبر 2019 رئيسًا للوزراء، بينما عين البرلمان رئيسًا انتقاليًّا آخر، هو دومينجوز سيموز بيريرا، الذي يحظى حزبه بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، والذي قال إن تنصيب إمبالو غير قانوني؛ لأن المحكمة العليا ما زالت تنظر في طلب من حزبه بإلغاء الانتخابات؛ بسبب وقوع مخالفات في الاقتراع. وفي اليوم نفسه أصدر إمبالو مرسومًا بإقالة رئيس الوزراء، وهو من الأعضاء المخضرمين في الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان، وعين بدلا منه نونو نابيام، الذي كان أحد مرشحي الرئاسة. وزادت تلك التعيينات المتعارضة حالة الارتباك التي تسيطر على المشهد السياسي في البلاد منذ جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية. وقد أفضى هذا الوضع إلى استمرار الفوضى في المؤسسات التي شهدتها البلاد على مدى السنوات الخمس الماضية، عندما أدت خلافات سياسية لتعيين جوزيه ماريو فاز، الذي كان رئيسًا وقتها، لسبعة رؤساء للحكومة تعاقبوا على المنصب. وألحق عدم الاستقرار السياسي ضررًا بالاقتصاد، الذي يعتمد بشكل كبير على الأسعار المتقلبة للكاجو، الذي يمثل المصدر الرئيس لدخل أكثر من ثلثي الأسر في البلاد[2].

 

التجاذبات الإقليمية في غينيا بيساو:

منحت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “الإيكواس” مهلة للعدالة في بيساو حتى منتصف فبراير؛ من أجل تسوية النزاع الانتخابي. جاء ذلك خلال اجتماع عقده قادة “الإيكواس” برئاسة الرئيس الدوري للمجموعة محمدو إسوفو، وذلك على هامش أعمال القمة الـ 33 للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا. وجاء تحديد مهلة جديدة، بينما تقدم رئيس الحزب الحاكم ومرشحه للانتخابات الرئاسية دومينجوز سيموز بيريرا بطعن جديد أمام المحكمة العليا في بيساو؛ للمطالبة بإلغاء انتخابات 29 ديسمبر 2019[3]. كل هذا في الوقت الذي تقع فيه جمهورية غينيا بيساو بين كماشتي السنغال وغينيا كوناكري، وتشكِّل دائمًا إزعاجًا للإيكواس، وهو ما اتضح خلال تلك الأزمة؛ حيث دعمت السنغالُ في شخص الرئيس ماكي سال الرئيسَ المنتخبَ عمر سيسوكو إمبالو، بينما دعمت غينيا كوناكري في شخص الرئيس ألفا كوندي منافسَه دومينجوز سيموز بيريرا. واتهم إمبالو غينيا كوناكري بالتدخل في الشأن الداخلي لبلده، وتعمل على زعزعة التعايش الهش القائم فيها؛ نظرًا لكون غينيا بيساو قد عاشت حربًا أهلية، والكثير من الانقلابات، ووفاة رئيسين للبلاد قبل اكتمال فترة رئاستيهما[4].

 

تطورات الوضع:

منذ ذلك الحين، أدَّت الأولويات المتنافسة إلى تأجيج التوترات بين الرئيس سيسوكو إمبالو، الذي تركز حكومته الجديدة على تعزيز السلطة، والجهود التي يبذلها الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر(PAIGC) ؛ من أجل خوض الانتخابات البرلمانية في 29 يونيو؛ للموافقة على برنامج حكومة نونو نابيام. بينما عرض الرئيس تشكيل حكومة تعددية، تشارك نونو نبيام كرئيس للوزراء، وهو الأمر الذي قوبل بمعارضة من الحزب الإفريقي، الذي رفض الانضمام إلى الحكومة في ظل الظروف القائمة. واستغلت شبكات الجريمة المنظمة تحديات إدارة الحدود لتهريب الكوكايين عبر المحيط الأطلسي، وقامت بعثة الأمم المتحدة في غينيا بيساو خلال هذا العام بعمليتي “كاراباو” و”نافارا”، التي أدت إلى ضبط ما يقرب من 3 أطنان من الكوكايين؛ مما شكَّل صعوبة لتقدم تلك الشبكات.[5]

 

الخُلاصة:

دخلت غينيا بيساو خلال تلك الأزمة في دورة جديدة من التوترات السياسية والاقتصادية التي تهدد استقرار الداخل؛ حيث الدولة المفككة والحدود الهشة، وهو ما يصب -في الأخير- في المزيد من هشاشة الدولة. ويأتي هذا في إطار التجاذبات الإقليمية والدولية في منطقة الغرب الإفريقي، الذي يُعد منطقة صراع دولي ما بين قوى تقليدية مسيطرة وقوى جديدة صاعدة.

 

 

——————————-

[1]  “قمة طارئة لـ “إيكواس” تبحث الأزمة السياسية بغينيا بيساو”، العين الإخبارية، 6/11/2019.  متاح على الرابط: https://2u.pw/TVWRI

[2] “احتدام الأزمة السياسية في غينيا بيساو بوجود رئيسين”، RT عربي، 1/3/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/925vc

[3]  “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا تحدد مهلة لتسوية الأزمة الانتخابية في غينيا بيساو”، وكالة الأنباء السعودية، 10/2/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/Zp1Rf

[4]  حاتم البطيوي، “أزمة انتخابات غينيا بيساو تقضّ مضجع «سيدياو» .. ومهلة لتسويتها”، الشرق الأوسط، 12/2/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/8ejUQ

[5] “Political crisis in Guinea-Bissau: UN Representative urges political leaders to enact reforms”, UN News, 10/8/2020. https://2u.pw/blAAe

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022