الغاز الإسرائيلي لمصر " وهم الجون "
في تعليقه على صفقة استيراد شركة "دولفينوس" الخاصة للغاز الاسرائيلي بقيمة 15 مليار دولار لمدة 10 سنوات، برر عبد الفتاح السيسي بأنها "ستدعم مركز مصر كمركز اقليمي للطاقة في الشرق الاوسط"، وتشغيل منشأت تسييل وتكرير الغاز المصرية المتوقفة والمعطلة منذ نضوب الغاز في الحقول المصرية وتوقف التصدير الي اسرائيل.
السيسي تحدث وكأنه كان يبحث لإسرائيل عن مخرج لتصدير غازها الذي يعاني منافسه كبيرة في أسواق الغاز ويصعب تصديره لأوروبا دون المرور عبر انابيب مصر، فذكر أنه كان هناك 3 خيارات (يقصد أمام اسرائيل لتصدير غازها) هي: أن تصدره الي تركيا عبر انبوب جديد تحت البحر ومنها لأوروبا، أو أن تقوم بنقله عبر حاويات تسييل الغاز لأوروبا، وكلاهما خيارا مكلفا لإسرائيل.
أما الخيار الثالث فكان عن طريق مصر التي لديها تسهيلات ومنشآت للتعامل مع الغاز الطبيعي الخام غير موجودة في أي دولة بشرق المتوسط، معتبرا أن هذا سيجل مصر مركزًا إقليميًا للطاقة في شرق المتوسط، على اعتبار أنها سوف تجني (عبر الشركة الخاصة) أرباحا علي نقل الغاز الصهيوني الى اوروبا عبر مصر.
اذ يطمح السيسي إلى جذب الغاز الخام المكتشف في كل من قبرص وإسرائيل ولبنان ودول المنطقة الأخرى ومعالجته في منشآت مصر ومصنعي الإسالة في دمياط وإدكو المعطلين قبل إعادة تصديره لأوروبا والحصول على عائد كوسيط.
والاهم أن الاتفاق سوف يتضمن حلا للنزاع القائم حول القرار التحكيمي الصادر بتغريم مصر 1.76 مليار دولار لصالح إسرائيل منذ قطع الغاز المصري عنها سابقا.
لهذا قال السيسي علي نفس طريقة الترويج لتفريعه قناة السويس التي لم تحقق أي مكاسب حتى الان: "إحنا جبنا جون يا مصريين في الموضوع ده .. إننا نبقى مركز إقليمي للطاقة في المنطقة".
ويوجد بمصر مصنعان لإسالة الغاز الطبيعي، الأول مصنع إدكو، المملوك للشركة المصرية للغاز الطبيعي المسال، ويضم وحدتين للإسالة؛ والآخر في دمياط ويتبع شركة يونيون فينوسا الأسبانية الإيطالية ويضم وحدة واحدة فقط.
وتساهم وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية في مجمع مصنع إدكو من خلال الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» بنسبة 12%، والهيئة المصرية العامة للبترول بنحو 12%، فيما تتوزع باقي الحصص بين شركة بريتش جاز (شل حاليًا) بـ35.5%، وبتروناس الماليزية بـ35.5%، وجاز دي فرانس الفرنسية (إنجي حاليا) بنحو 5%.
كما تدير شركة يونيون فينوسا مصنع دمياط لإسالة الغاز الطبيعي، والذي يخضع لملكية مشتركة بين يونيون فينوسا وشركة إيني الإيطالية بنسبة 80% من المشروع. أما باقي الأسهم فتملكها الشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي «إيجاس» بنسبة 10%، والهيئة المصرية العامة للبترول (10%.
وبموجب الاتفاق ستقوم شركة "ديليك دريلينج" الإسرائيلية وشريكتها "نوبل إنرجي" تم توقيع اتفاقيتين ملزمتين مع شركة "دولفينوس القابضة" التي يملكها رجل الاعمال علاء عرفة (ابن اللواء طيار أحمد عبد المقصود عرفة صديق مبارك وصاحب شركات جولدن تكس والتي كان يعمل بها الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام)، لتصدير 64 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من حقلي تمار وليفايثان على مدار 10 سنوات في اتفاقية بقيمة 15 مليار دولار.
الغاز لمصر ام للتصدير لأوروبا؟
روج السيسي والاعلام المصري للاتفاقية بشكل كبير على انه ليس اتفاق تطبيعي ولكن بيزنس قامت به شركة خاصة، ستتولى استيراد الغاز من اسرائيل وقبرص ودول اخرى إضافة للغاز المصري وتسيله وتصدره لأوربا بأسعار اعلي مربحة ما سيحول مصر الي "مركز اقليمي للطاقة في الشرق الاوسط".
تصريحات السيسي كشفت أنه دعم اسرائيل ووفر لها الخيار الارخص لتصدير غازها بعدما كانت كل الخيارات الأخرى مكلفة وتجعل تسويق غازها (الذي هو غاز مسروق يقع ضمن السيادية الاقتصادية البحرية لمصر)، كما أنه تحركه استهدف أيضا محاربة الخيار التركي الذي كانت اسرائيل تفكر فيه لتصدير غازها عبر انبوب يمتد لتركيا.
ولكن تعليقات المحللين الاسرائيليين والمصريين اشارت لعكس ما يثار في الاعلام المصري من أنه سيحول مصر لمركز اقليمي للطاقة، وأن الاتفاق يخدم اسرائيل ولا يخدم مصر لأنه الغاز الذي سوف تستورده من اسرائيل سيكون للاستهلاك المحلي ويصعب تصديره لأنه سيكون أغلى من الغاز الروسي المنافس الذي تستورده أوروبا.
ويمكن في يلي استعراض هذه الحجج والآراء التي تنفي أن الغاز الصهيوني سيتم تصديره لأوروبا بما يجعل مصر مركزا للطاقة وأنه سيكون للاستهلاك المحلي على النحو التالي:
(أولا): يقول د. نائل الشافعي الخبير في شئون النفط المصري والذي كتب دراسات عن سرقة إسرائيل لهذا الغاز وكيف انه يقع في الأرض الاقتصادية المصرية، أن الغاز الإسرائيلي المستورد إلى مصر سيكون للاستهلاك المحلي داخل مصر فقط، ولن يعاد تصديره إلى خارج مصر.
ويوضح أن هذا الغاز لن يتم تصديره على الأقل لمدة العشر سنوات القادمة لحين التمكن من مد أنبوب إسرائيلي في المياه التي تنازلت عنها مصر لقبرص وإسرائيل واليونان، علما أنه لا توجد تكنولوجيا تتيح مد أنبوب على عمق 3581 متر تحت سطح البحر، وهي أعمق نقطة لابد أن يمر بها الأنبوب الإسرائيلي، في "سهل هيرودوت" بين مصر وقبرص واليونان ناهيك عن المشاكل السياسية بين اليونان وتركيا.
ويوضح د. الشافعي سببان لاستهلاك الغاز الإسرائيلي في مصر:
1- أن إسالة الغاز الإسرائيلي في مصر بهدف تصديره تجعله باهظ السعر، فهي ستبيع الغاز لمصر بمبلغ 64 مليار متر مكعب بسعر 15 مليار دولار، أي 6.70 دولار للألف قدم مكعب، أو 6.72 دولار للمليون وحدة حرارية، وإسالته في دمياط (أو أدكو) تتكلف نحو 1.50 الى 2 دولار، وأيضا فك الإسالة في أوروبا يتكلف نحو 1 دولار، ما يعني أن الغاز الإسرائيلي سيصل أوروبا بسعر يناهز 9 دولار.
هذا بينما الغاز الروسي (الذي لا يحتاج إسالة) يباع في أوروبا بسعر يتراوح من 4 -7 دولار حسب الطلب، ما يعني أن على إسرائيل بيع الغاز بسعر 1 دولار لمعامل التسييل في مصر حتى يمكنها التصدير لأوروبا ومنافسة روسيا، وهذا مستحيل، لهذا ستستهلكه مصر فقط.
2- السبب الثاني لصعوبة تصدير هذا الغاز الإسرائيلي عبر مصر لأوروبا أن انتاج حقل ظهر لا يزال ضعيفا لا يكفي استهلاك مصر، والغاز الصهيوني يصل لمصر بدون إسالة، ما يعني إن السوق المصري سيكون هو المنفذ الوحيد للغاز الإسرائيلي.
3- أيضا سيكون نحو 90% من انتاج حقل ظهر ملك الشركات الأجنبية، لحين استرداد الاستثمارات المزعومة، وهو ما قد يستغرق أكثر من عشر سنوات، وربما ترسل شركتا "إيني" و" برتش بتروليوم" بحصتيهما إلى معمل الإسالة في دمياط الذي هو ملكهما (بنسبة 75%) وتحت إدارتهما (بنسبة 100%).
ويكشف د. الشافعي أنه يتم إغلاق جميع صنابير حقول الغاز المصري منذ 2011، تحضيرا للسوق المصرية لتستقبل الغاز الإسرائيلي، ويتوقع بالتالي أن صفقة الغاز الصهيونية لن تتم، والسنوات السبع الماضية أظهرت أن صفقة تصدير غاز مصر إلى إسرائيل لم تكتمل.
(ثانيا): عندما سئل وزير البترول طارق الملا حول إمكانية توجيه الغاز المستورد من إسرائيل إلى السوق المحلية أم أنه سيتم تسييله وإعادة تصديره للخارج أجاب قائلا "التفاصيل حول الصفقة سيتم توضيحها في وقت لاحق، ولكن تبقى كل الخيارات مفتوحة"، ما يؤكد التوقعات بأن هذا الغاز لمصر لا للتصدير لأوروبا كما يشيع اعلام السلطة لتبرير الصفقة.
واستطرد الملا أن الشركتين ستتقيدان، في حال إتمام الصفقة، بأسعار الغاز السوقية، حتى تصل مصر إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي.
(ثالثا): كشف الكاتب الصهيوني "أمير فوستر" في صحيفة معاريف" 20/2/2018 أن تصدير الغاز إلى مصر سيدخل إسرائيل (لا مصر) عصراً جديداً وستتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، من خلال تأسيس شبكة علاقاتها مع "الدول العربية المجاورة المعتدلة وتعزيزها"، بحسب قوله.
وأكد أن جزء كبير من الغاز سيذهب للاستهلاك في مصر عكس ما يروجه اعلام السيسي أنه لتصدير لأوروبا، وأن "اتفاقية التصدير الموقعة مع مصر هي لتزويد السوق المحلية المصرية التي تعاني جرّاء تراجع كبير في استخراج الغاز من المخزونات القديمة، رغم حقل "ظهر".
وأنه في ضوء أزمة الغاز الخطرة، التي عانت جرّاءها السوق المصرية في السنوات الأخيرة، وتوقف إمداد الغاز إلى منشآت تسييل الغاز، التي كانت في الماضي تصدّر الغاز السائل (LNG) إلى شتى أنحاء العالم، والنقص في الغاز الذي حول هذه المنشآت لتصبح بلا عمل، جاء دور الغاز الصهيوني.
(رابعا): كشف الكاتب "ديفيد روزنبرغ" في تقرير نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن اتفاق تصدير الغاز بين القاهرة وتل ابيب يفيد إسرائيل وأنه سيكون غالبا للتصدير لمصر فقط بسبب صعوبة تكاليف نقله مسيلا لأوروبا موضحا أن:
1- بناء خط أنابيب تحت البحر من قبرص إلى اليونان ثُمَّ إلى إيطاليا، وهو مقترح طرح عام 2017 مُكلف، والتكلفة ستكون ضخمة، إذ تبلغ 6 مليارات يورو (7.4 مليارات دولار تقريباً)، وسيكون على الأنبوب اجتياز مياه عميقة وطريقٍ طويلة، كما أنه مقترح غير قابل للتطبيق فنياً.
2- أن بناء خط أنابيب أقل تكلفة إلى تركيا، التي ستستهلك هي نفسها بعض الغاز وترسل البقية إلى أوروبا، سيواجه عقبة رفض أنقرة قبول السيادة القبرصية على غازها، على أساس أنَّ دولة قبرص التركية المُنفصِلة تريد الحصول على حصتها.
3- الخيار الثالث هو تسييل الغاز وإرساله عبر الناقلات إلى أوروبا، أو إلى حيثما يوجد الطلب في العالم.
ويقول إن وجود منشأتين للغاز الطبيعي المُسال في مصر مغلقتان الآن، جعل الخيار المصري هو الأفضل والارخص بحيث تُورَّد تل ابيب إليها إمدادات الغاز.
وبحسب الكاتب، فإن كل ما سبق يُوضِّح لِماذا كانت إسرائيل في "مزاج احتفالي" بالاتفاق مع مصر لأنه من المُربِح تحويل مصر إلى نقطة الخروج المشتركة لغاز كل المنطقة.
كيف هيأ السيسي اجواء استيراد الغاز؟
بسبب حساسية استيراد الحكومة المصرية الغاز مباشرة من الدولة الصهيونية، جري التحايل لسن قانون يبيح للشركات الخاصة المقربة من السلطة استيراد الغاز، لتصبح هي الذراع السري للنظام في عملية الاستيراد، بدليل الربط بين الاستيراد وتنازل اسرائيل عن تعويض يقارب الملياري دولار من مصر لسبق توقف مصر عن مدها بالغاز المصري بعد ثورة يناير.
ففي السابع من أغسطس 2017، صدق السيسي على قانون تنظيم أنشطة الغاز، فاتحًا الباب أمام شركات القطاع الخاص لاستيراد الغاز من الخارج للمرة الأولى، حيث سمحت بنود القانون الـ 52 لشركات القطاع الخاص باستيراد الغاز من الخارج بعد الحصول على ترخيص من هيئة تنظيم أنشطة الغاز التي استحدثها القانون وترأسها وزير البترول.
وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، حينئذ أن قانون الغاز الجديد الذي اصدره قائد الانقلاب يصب في مصلحتها، لأنه يقنن عمل الشركات الخاصة التي ستستورد الغاز من الدولة الصهيونية بحيث لا يبدو أن الدولة المصرية هي التي تتعامل مع الاحتلال كما كان يحدث في عهد مبارك وإنما التحايل هذه المرة بإظهار أن الامر يتعلق بشركات خاصة.
وقالت الصحيفة أن مصر بعد تمرير القانون في طريقها إلى أن تصبح سوقا رئيسية لصادرات الغاز الطبيعي الإسرائيلي، وذلك بعد أن وقع السيسي تشريعا، الثلاثاء، لتشكيل سلطة تنظيمية للغاز والسماح لشركات القطاع الخاص باستيراد الغاز.
وجاء هذا في اعقاب مفاوضات بين بعض شركات القطاع الخاص المصري، وعلى رأسها شركة دولفينوس، وإسرائيل لاستيراد الغاز ترجع إلى عام 2014، وفي مطلع عام 2017 بحث وفد من مجموعة تمار الإسرائيلية، مع شركة دولفينوس، تفاصيل الاتفاقية، ثم صدر قرار السيسي.
وقبل الاعلان عن صفقة استيراد خُمس المخزون الاستراتيجي للغاز من حقل "تمار" الإسرائيلي، حوالي 60 مليار متر مكعب، لأكثر من 15 عاما بتكلفة قُدرت بما بين 15 مليار دولار و20 مليار دولار، بأسبوع واحد، اعتمدت حكومة السيسي اللائحة التنفيذية لقانون سوق الغاز، ما يشير لتنسيق واضح بين النظام والشركات الخاصة.
ولدخول الاتفاقيتين حيز التنفيذ، يجب على الشركات الحصول على الموافقات الرقابية والحكومية في كل من مصر وإسرائيل.
وقد أشار وزير البترول طارق الملا لأنه سيتم تمرير الصفقة الضخمة المبرمة بين شركة دولفينوس المصرية وشركتي ديليك ونوبل إنرجي بواسطة الحكومة المصرية ولكنه طالب بحل مشكلة التحكيم والتعويضات الاسرائيلية المطلوبة من مصر، قائلا إن الصفقة يجب أن تمر بثلاث مراحل تتضمن: موافقة الحكومة، والقيمة المضافة للصفقة بالنسبة للاقتصاد المصري، وكذلك حل قضايا التحكيم الدولي بين البلدين والتي رفعتها إسرائيل بعد أن توقفت مصر عن تصدير الغاز إلى تل أبيب في أعقاب ثورة يناير 2011.
حل مشكلة التعويضات "مكسب السيسي"
أحد المكاسب التي تسعي لها حكومة السيسي من وراء الصفقة هي دفع تل ابيب للتنازل عن 1.76 مليار دولار لصالح إسرائيل صدر بموجبها القرار التحكيمي الدولي الصادر بتغريم مصر.
ويعتقد أن التفاوض على استيراد الغاز من إسرائيل كان يهدف بالأساس إلى تخليص مصر من عبء دفع غرامات قضايا التحكيم الدولي، والتي تشمل نحو 1.7 مليار دولار لصالح شركة كهرباء إسرائيل و200 مليون دولار لصالح شركة شرق غاز المتوسط، بالإضافة لإنهاء التحكيم الاستثماري الخاص بالشركاء المعنيين في شركة غاز المتوسط، فضلًا عن غرامة تحكيم محتملة قُدّرت قيمتها بنحو 8 بليون دولار لصالح شركة يونيون فينوسا.
ايضا أصدرت غرفة التجارة الدولية «ICC» بجنيف في نهاية 2015 حكمًا بإلزام الشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» والهيئة العامة للبترول المصريتين، بدفع قيمة التعويض المذكور لكل من شركة غاز شرق المتوسط وشركة كهرباء إسرائيل، بعد قرار القاهرة وقف تصدير الغاز لتل أبيب فى إبريل 2012 في ضوء تعرض أنبوب تصدير الغاز المصري لهجمات متكررة وتحول مصر إلى مستوردٍ للغاز الطبيعي مع تزايد احتياجات السوق المحلية.
وسبق لرئيس الوزراء شريف إسماعيل القول إن غرامات التحكيم تحول دون أية اتفاقات استيراد للغاز مع إسرائيل، ولن يتم السماح باستيراد الغاز من إسرائيل مالم يتم إسقاط هذا القرار التحكيمي الصادر لصالح شركة الكهرباء الإسرائيلية ضد كل من الهيئة العامة للبترول والشركة القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) وشركة غاز شرق المتوسط.
وحين تحدث وزير البترول طارق الملا مع عدد من مقدمي برامج التوك شو حول الصفقة قال أيضا إنه "لن يتم البدء في استيراد الغاز الإسرائيلي ما لم يتم حل النزاع القائم مع إسرائيل حول القرار التحكيمي".
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة البترول حمدي عبد العزيز أن "استقبال الغاز الإسرائيلي جزء من الحلول المطروحة للتوصل لاتفاق بشأن قضايا التحكيم المطروحة بين الشركات"، ويعد هذا التصريح إشارة إلى أن الحكم الصادر بتغريم مصر 1.76 مليار دولار لصالح إسرائيل والذي قال عنه رئيس الوزراء شريف إسماعيل إنه يحول دون إتمام أية اتفاقيات لاستيراد الغاز من إسرائيل، في طريقه للحل.
وسبق لموقع "مدى مصر" أن نقل عن مصادر حكومية أن الحكومة الإسرائيلية وافقت بعد وساطة أمريكية وأوروبية على تخفيض قيمة الغرامة من مليوني دولار الي قرابة 500 مليون، مقابل سماح حكومة مصر باستيراد الغاز من إسرائيل، وفتح باب التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، بيد أن حكومة السيسي تتعمد التعتيم على أي اخبار تتعلق بالغاز الصهيوني أو الاتفاقات معها.
وسيكون التوصل لحل سريع لهذا النزاع في مصلحة إسرائيل، والتي ستحصل حكومتها على نحو 50% من إيرادات صفقة بيع الغاز لشركة دولفينوس، وفقا لميكي كورنر، المحلل الاقتصادي السابق لدى هيئة الغاز الطبيعي الإسرائيلية، في تصريحات لصحيفة جيروزاليم بوست.
فبحسب "كورنر": بمجرد البدء في تشغيل أحد خطوط الأنابيب – وهو الأمر الذي سيستغرق سنوات قليلة – فإن مشغلي حقول الغاز الطبيعي الإسرائيلية سيحصلون على ما بين 1 إلى 1.5 مليار دولار سنويا، وقال إن الحكومة يمكن أن تفرض إتاوة بنسبة 12.5% على إيرادات الغاز الطبيعي، وستحصل أيضا على ضريبة دخل وضريبة على الأرباح الزائدة بنسبة 20% لكل منها.
وأشار كورنر إلى أنه، في حين أن الاتفاقية تعكس العلاقات الجيدة بين البلدين، إلا أن عمليات تصدير الغاز يمكن أن تتسبب في تعقيدات من بينها النزاعات التجارية ومشكلات الإمداد وهو ما يمكن أن يلقي بظلاله على التعاون الأمني القوي.
ولكن هناك حكم اخر صدر بعد يوم واحد من خبر اتفاقية تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر، قد يزيد من أزمة القرار المصري، هو حكم من "مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي" بإلزام كل من الهيئة العامة للبترول والشركة القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) بدفع تعويضات بقيمة 1.03 مليار دولار إلى رجل الأعمال الإسرائيلي يوسي ميمان المؤسس المشارك في شركة غاز شرق المتوسط.
وقال مكتب ثروت عبد الشهيد للمحاماة والاستشارات القانونية، والذي مثل شركة غاز شرق المتوسط في القضية، إن الحكم الصادر بالتعويض يعد الأكبر في تاريخ المركز التحكيمي.
ويبدو أن رجال الاعمال المصريين والصهاينة يضعون اعينهم على خط الغاز الذي شيده شركة "شرق المتوسط" لتصدير الغاز المصري لإسرائيل والمتوقف حاليا، ليكون هو مجال التصدير بالعكس من اسرائيل الي مصر، ومحاولة حل مشكلة التعويض الجديد الذي اصدره مركز القاهرة للتحكيم الدولي.
حيث نقل موقع «مدى مصر» من مصدر قريب من صفقة استيراد شركة دولفينوس القابضة للغاز الإسرائيلي أن شركتي ديليك الإسرائيلية ونوبل إنيرجي الأمريكية قد بدأتا التفاوض مع المساهمين في شركة «غاز شرق المتوسط» تمهيدًا لشراء حصص المساهمين في الشركة، وذلك حتى تمتلكان الحصة الحاكمة في الشركة لاستخدام خط أنابيب الغاز الواصل بين مصر وإسرائيل في توريد الغاز الإسرائيلي لمصر وفق الصفقة الجديدة.
وبحسب المصدر، فإن من المقرر البدء في التنفيذ الفني لتعديل خط أنابيب الغاز الذي كانت مصر تستخدمه قبل ثورة يناير لتصدير غازها لإسرائيل، ليستخدم للتوريد بدلًا من التصدير؛ إلا أن ذلك التعديل الذي يفترض أن يتم قريبًا ينتظر قيام هيئة قضايا الدولة المصرية بالتوقيع على اتفاقية لعدم الإفصاح non-disclosure agreement تتعهد مصر رسميًا بمقتضاها بألا تلجأ لاستخدام الاتفاقية الجديدة أو المعلومات المتبادلة بشأنها في أية معاملات قانونية تتعلق بقضايا تحكيم قائمة أو محتملة مع إسرائيل أو شركاتها.
الغاز المصري المسروق
المفاجأة التي كشفها خبراء مصريون، منهم الخبير نايل الشافعي هي إن الغاز الذي تصدره لنا "إسرائيل" هو غاز مصري تسرقه الدولة الصهيونية من الحقول الموجودة في المياه الاقتصادية المصرية الممتدة تحت دمياط وغيرها.
فبحسب تقرير هيئة المساحة الأمريكية الصادر في مارس عام 2010، فإن اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص، الموقعة في 17 ديسمبر عام 2010، تجعل لمصر أحقية في أكبر اكتشاف للغاز بشرق البحر الأبيض المتوسطـ، غير أن قبرص وقعت اتفاقا مع "إسرائيل" بما يخالف اتفاقها مع مصر.
وبدون النظر لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي تم إبرامها عام 1982، ودخلت حيز التنفيذ عام 1994، اتفقت الدول الموقعة على أن يكون عرض البحر الإقليمي لكل دولة 12 ميلا بحريا، أما المنطقة الاقتصادية الخالصة، فهي منطقة بحر عالٍ تترتب عليها حقوق استغلال الثروات، وتقاس من خط الأساس بعرض لا يزيد على 200 ميل بحري.
ولم توقع "إسرائيل" على "اتفاقية قانون البحار"، وأنشأت شبكة دفاعية كلفتها قرابة 620 مليون دولار، إضافة إلى تجهيز 4 سفن حربية بمضادات للصواريخ حول منصات الغاز، ومن بينها حقول "تمار" و"لفيازان" اللذان تبلغ قيمة ثرواتهما ما يزيد على 200 مليار دولار، وكلاهما يقعان ضمن نطاق المنطقة الاقتصادية المصرية بعد إعادة تعيين الحدود بين قبرص و"إسرائيل
"علاء عرفة" هو "حسين سالم" الجديد
أبرز رجال الاعمال المصريين المتعاملين مع الدولة الصهيونية بموجب قانون استيراد الغاز الجديد، هو "علاء عرفة" الذي يوصف بانه "حسين سالم" جديد، وصاحب شركة (دولفينوس) المصرية، الذي تعاقد مع مجموعة (تمار) الإسرائيلية لاستيراد الغاز الطبيعي من حقول في الدولة الصهيونية للشركة المصرية بقيمة 15 مليار دولار.
ونجم الغاز الجديد علاء عرفة هو شقيق أحمد وأشرف عرفة ويمتلك ثلاثتهم مجموعة جولدن تيكس التي تدير المجموعة مصانع للملابس ومحلات وملابس لويس، كونكريت، ميكس، وجراند ستورز وحرية مول وملابس بيير كاردان ودانيال هكت وگى لاروش.
ورجل الاعمال (علاء عرفة) هو ابن اللواء طيار أحمد عبد المقصود عرفة صديق مبارك وصاحب شركات جولدن تكس والتي كان يعمل بها الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام.
وشقيقه أحمد عرفة صديق مقرب من المخلوع السابق حسني مبارك منذ أن كانا في نفس الدفعة بالكلية الجوية ولذلك بيعت شركة ومحلات أوركو (قطاع عام) إلى نجليه بدون اعلان أو مناقصة وبثمن زهيد، وقد قاما بتغيير اسم المحلات من أوركو الى جراند ستورز.
وبدأت قصة ظهور علاء عرفة، يوم 4 ديسمبر 2015 حين اصدرت غرفة التجارة الدولية حكما في قضية تعويض طالب منتجي الغاز المصريين وشركة غاز شرق المتوسط المملوكة لحسين سالم، بتعويض قدره 4 مليارات دولار، لكن المحكم الدولي حكم لإسرائيل بتعويض بقيمة 1.76 مليار دولار.
منذ ذلك الحين ظهر دور علاء عرفة في التفاوض مع الاسرائيليين وحسين سالم ليحل محله في تجارة الغاز مع الصهاينة ولكن هذه المرة بالاستيراد بدل التصدير.
ولن يختلف الحال بين السيسي ومبارك، فإذ كان مبارك باع غاز مصر لإسرائيل بنحو 70 سنتا للمليون وحدة حرارية بينما كان سعر الانتاج العالمي 2.65 دولارا للمليون وحدة حرارية، فقد جاء شراء مصر الغاز الاسرائيلي بالسعر العالمي دون تخفيض (حوالي 7 دولارات) ما يعني ربحها الملايين من مصر دون حاجة لطلب تعويض.
النزاع المحتمل حول حقول الغاز بالمنطقة
منذ 2008 ومعاهد البحث والتحليل السياسي والاستراتيجي تتحدث عن حرب الغاز في الشرق الاوسط، مثلما تتوقع التقارير حربا للمياه بين دول المنطقة في مرحلة لاحقة.
اذ تتضارب المصالح بين فريقي مصر واسرائيل وقبرص والاردن مع مصالح تركيا وقطر في ملف الغاز، ويزيد من النزاع المحتمل حول حقوق الغاز في المنطقة ما تشير له الدراسات الفنية عن سرقة تل ابيب للغاز المصري الواقع في المياه الاقتصادية المصرية، وترسيم السيسي الحدود البحرية مع قبرص بما يجعلها ايضا تستولي على غاز مصري يقع في المياه الاقتصادية المصرية بالبحر المتوسط.
بالتوازي مع سعي شركة دولفينوس القابضة لاستيراد الغاز الإسرائيلي عبر أنابيب شركة غاز شرق المتوسط، فإن التحركات جارية حاليًا للتوصل أيضًا لاتفاق لاستيراد الغاز من قبرص، عبر إيصال حقل أفروديت الواقع في المياه الإقليمية القبرصية بحقل ليفياثان الإسرائيلي.
ويقول المسئولون في قبرص أن تصدير الغاز من قبرص لمصر هو «جزء من مشروع كبير سيشمل أيضا اليونان وإسرائيل وربما دولًا أخرى في شرق المتوسط"، ولكن تركيا هددت بعدم اعترافها بهذه الاتفاقيات بين مصر وقبرص.
وما يزيد الخلاف المصري التركي أن قبول السيسي استيراد الغاز من اسرائيل وحديثه عن تحول مصر لمركز للطاقة ووسيط بين اسرائيل وأوروبا لنقل الغاز لها، جاء في أعقاب خطط تركيه لتقديم نفسها إلى دول الاتحاد الأوروبي باعتبارها مركزًا عالميًا لنقل الغاز الطبيعي من الشرق إلى الغرب عبر الخط الناقل للغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.
وغير المرجح أن تحل مصر ودول شرق البحر المتوسط محل روسيا كأكبر مزود للغاز الطبيعي لأوروبا، ولكن بإمكانها (عبر الغاز الاسرائيلي المسروق) خفض اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي.
وتأمل إسرائيل أن تمكنها احتياطاتها من الغاز من الاكتفاء الذاتي في حقل الطاقة مع آفاق تحولها إلى مصدر للغاز إلى أوروبا، فضلا عن استخدامه في تطوير علاقات استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، ما يشير لتوقعات أن تشهد المنطقة نزاعا على حقول النفط والحدود البحرية.