فاجأت ما تسمى بهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية المسلمين والعالم بهجوم مفاجئ على جماعة الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية في مصر و العالم، وأصدرت الهيئة بيانا شانئا احتوى على كثير من المغالطات والأكاذيب حيث ادعى البيان أن الجماعة لا تمثل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي الدين الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب. وواصل البيان هجومه على الجماعة بلا دليل أو برهان زاعما أنه لم يظهر من “الإخوان” عناية بالعقيدة الإسلامية، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم ومن رحمها خرجت جماعات إرهابية”. وفي سياق الحملة السعودية السوداء ضد الجماعة خصصت وزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد موضوع خطبة الجمعة 13 نوفمبر 2020م عن التحذير من جماعة الإخوان المسلمين بالتحديد وليس من تنظيمات داعش أو القاعدة! وجرى توظيف منابر الحرمين الشريفين لهذه التوجهات «السياسية»؛ حيث حذَّر خطيب الجامع الحرام أسامة خياط من التحزب والاختلاف وخص بالذكر الانتماء إلى تنظيمات وأحزاب وجماعات مخالفة في نهجها كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد “صلى الله عليه وسلم” وهدي سلف الأمة؛ مؤكدا أن عاقبة ذلك الفشل وذهاب الريح وسوء المصير والعذاب في الآخرة مستدلا على ذلك ببيان ما تسمى بهيئة كبار العلماء.[[1]]
أولا، تطاول المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية على الإخوان ليس الأول من نوعه، فقد سبق أن أصدرت بيانا مماثلا سنة 2017م يحذر مما سمته “منهج الجماعة القائم على الخروج على الدولة”. لكن بيان «كبار العلماء» الأخير أشار صراحة إلى الجماعة باعتبارها “إرهابية، لا تمثل الإسلام، وتتبع أهدافها الحزبية”. لكن اللافت أن البيان صيغ بعبارات سياسية تفتقد إلى الصيغة الفقهية الشرعية، وعبَّر عن توجهات ومضامين «سياسية» تتطابق مع تصورات النظام ورؤاه السياسية دون أن يبرهن على الاتهامات الخرافية التي ساقها ضد جماعة الإخوان المسلمين؛ وبالتالي فالبيان هو تكرار لذات التوجهات والمضامين والتوصيفات المعلبة التي وردت في بيان وزارة الداخلية السعودية في مارس 2014م، والذي صنف جماعة الإخوان على أنها تنظيم “إرهابي”؛ في سياق دعم نظام آل سعود للانقلاب العسكري في مصر والعصف بكل ما له صلة بالديمقراطية وإرادة الشعب الحرة. كما يمثل بيان الهيئة تماثلا مع توجهات ولي العهد الذي وصف في مارس/آذار 2018 جماعة الإخوان بأنها “حاضنة للإرهابيين” كما هاجم الجماعة في مقابلة تلفزيونية في محطة “سي بي الأميركية، متعهدا بـ”اجتثاث عناصر الإخوان المسلمين” من المدارس السعودية في وقت وجيز.
المؤسف في الأمر من جهة ثانية، أن بيان هيئة كبار العلماء السعودية يزيد الانقسام والفرقة داخل الأمة ويزيد من لهيب الفتنة المشتعلة أصلا في وقت حساس تحتاج فيه الأمة إلى الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق؛ في ظل تكالب الأعداء على الأمة الإسلامية؛ إضافة إلى أن الإخوان ومن يؤمنون بمدرستهم الفكرية في بلاد الحرمين لا يعرف لهم تنظيم أعلن الخروج على آل سعود؛ وتيار الصحوة المحسوب على الإخوان جرى اعتقال علمائه ودعاته على نحو ظالم؛ لمواقف وتصريحات رصينة تستهدف لم شمل الأمة وعدم تمزقها؛ وبالتالي فإن بيان ما تسمى بهيئة كبار العلماء يمثل برهانا ساطعا على حجم التوظيف السياسي للمؤسسة الدينية والإسلام ذاته من أجل إضفاء مسحة شرعية دينية على مواقف سياسية هي محل خلاف كبير، وبذلك يجري “تديين السياسة” وصبغها بقداسة مزيفة عبر فتاوى وبيانات تنحاز للسلطة وتدور معها ومع مواقفها حيث دارت بعيدا عن الموقف الشرعي الصحيح من المسألة موضع النظر. كما يمثل برهانا على أن “المؤسسة الدينية” الرسمية تحولت بدورها إلى ظهير سياسي وأدوات في يد السلطة تتلاعب بها كيف تشاء في سبيل تكريس سلطتها الباطشة وحكمها الاستبدادي بهدف إضفاء صبغة شرعية على نظام يمارس الظلم والطغيان في أوسع صوره وأشكاله وبالتالي أمست المؤسسة الدينية أكثر من مجرد أدوات دعم للنظام؛ بل أضحت جزءًا من الطغيان نفسه، وشكلا سافرا من أشكال التطرف الديني”. وبالتالي فإن ما تحتاجه المجتمعات العربية والإسلامية عمليا ليس تحرير السياسة من الدين، لأن العلاقة بينهما ستبقى قائمة كما في أعرق الديمقراطيات في العالم كالمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرها، وإنما تحرير الدين من قبضة السياسة، لأنها هي من تستخدمه عمليا في تبرير القمع والفساد، وكل ذلك في معرض رفضها الإصلاح السياسي الحقيقي حتى تبقى مغتصبة للحكم لأطول فترة ممكنة.
بيان الهيئة السعودية من جانب ثالث يمثل سطوا مع سبق الإصرار والترصد للخطاب الديني واحتكارا لحق تأويله وتفسيره لحساب النظم القمعية التي استبان خذلانها للإسلام والمسلمين وعرفت الشعوب حجم خيانتها للأمة من خلال علاقاتها المشبوهة مع الكيان الصهيوني ودعمه ضد المسلمين والإقرار بحقه في اغتصاب واحتلال أرض المسلمين وبلادهم وإذلال شعوبهم؛ ذلك أن أية قوة إسلامية لا يمكن أن يكون بوسعها الادعاء بأنها تمثل الدين في ظل كثرة الحركات واختلافها في تفسير النصوص وتباين طروحاتها. كما أن هناك فرقا بين من يطرح رؤاه الدينية ويعرضها على الجمهور بقوة الإقناع، وبين من يفرضها بسطوة الأمن والمال، ومؤخرا بسطوة الفضائيات والصحف الممولة من مال المسلمين المنهوب، بل يفرضها من خلال مصادرة المساجد برمتها، والحيلولة دون سماع الناس أي رأي يخالف الرأي الرسمي؛ الأمر الذي يجعل من دعوات تحرير الإسلام من قبضة السياسة ضرورة ملحة، أكثر من حاجتنا إلى منع استغلال الدين في السياسة، لأن أحدا في التاريخ لم يكن بوسعه ادعاء الحق المطلق في النطق باسم الدين، ولم يتمكن أي عالم أو لون فكري أو مذهبي من صهر الناس جميعا في بوتقته.[[2]]
من جهة رابعة، فإن البيان يمثل توريطا للمؤسسة الدينية الرسمية في الضلال السياسي، وهو ما يمثل خطورة على مستقبل هذه المؤسسة وصورتها أمام الرأي العام المحلي والعربي والإسلامي؛ وعلى الأرجح فإن مثل هذا التوظيف السياسي للمؤسسة الدينية من جانب السلطة السعودية سوف يفضي تلقائيا إلى انكشافها وفضح أمرها ليس باعتبارها أدات من أدوات القهر والطغيان فقط، بل لأنها تمارس دور “القوَّاد” الذي يتستر على «الدعارة السياسية» التي يمارسها النظام السعودي، بمباركة مواقفه المخزية وسياساته الظالمة؛ حيث يبطش بالعلماء والدعاة الربانيين وسجون الطغاة وعلى رأسهم بن سلمان تضم أكثر العلماء تميزا واستنارة بين شعوبهم، في وضع أسوأ من العصور الوسطى في أوروبا، حيث يتعرضون لأقسى أنواع التعذيب داخلها. ولذلك جاءت الردود على بيان الهيئة من الهيئات الإسلامية المشهود لها بالمصداقية وعدم الانحياز للسلطة؛ وتدليلا على سقوط مكانة المؤسسة الدينية السعودية فقد وجه الداعية الهندي الشهير سلمان الحسيني الندوي انتقادا لاذعا للهيئة في بيان له أكد فيه أن “كبار العلماء السعودية” وبدلا من دعم الحق ونصرة المظلوم، سخرت منبر الحرم، وكافة المنابر لـ”مهاجمة عباد الله الصالحين”. وأضاف: «تتملقون للحكام الظلمة الفسقة المجرمين الذين انكشفت خباياهم للأمة الإسلامية فكرهتهم، وأبغضتهم فتجادلون عنهم، فمن يجادل الله عنكم يوم القيامة؟». وتابع بقوله «كانت شعوب الهند وباكستان وبنغلادش وغيرها تحبكم لخطبكم وإمامتكم في المساجد وندواتكم، والآن باتت تكرهكم وتبغضكم لنفاقكم وكذبكم وجرأتكم على الله في أرض الحرم»، واختتم بيانه بتأكيده «الحرم يستعيذ منكم بالله، ويستغيث الله، ويلعن من يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون».[[3]]
خامسا، بيان هيئة كبار العلماء ضد الإخوان يخالف مواقف كبار علماء السعودية وعلى رأسهم الشيخ عبدالعزيز بن باز ومحمد بن عثيمين والشيخ بن جبرين وغيرهم والذي أكدوا في خطبهم وتصريحاتهم وفتاوهم أن جماعة الإخوان جزء من أهل السنة والجماعة، وقد استند طلعت فهمي المتحدث باسم الجماعة إلى أقوال بعضهم في الرد على بيان الهيئة المشبوه مؤكدا أن هؤلاء قالوا إن الإخوان من أقرب الجماعات إلى الحق، ومن أهل السنة والجماعة، والفرق الناجية، وجماعة وسطية، وتقصد الإصلاح والدعوة إلى الله”. ودعا “الجميع إلى العمل على ما يوحد صف الأمة لرفعة دينها، والدفاع عن سنة نبيها، والتصدي للمخاطر والمخططات التي تتربص شراً بالأمة”. كما استغرب الكاتب الصحفي السعودي تركي الشلهوب، التحول في موقف الهيئة من جماعة الإخوان المسلمين. وعبر تويتر، استشهد الشلهوب في هذا الخصوص بفتوى سابقة صادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء التابعة لهيئة كبار العلماء السعودية، تصنف فيها جماعة الإخوان المسلمين “أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق”. وعلق قائلا: “بالأمس كانت المملكة تتبع قول ابن باز رحمه الله بأن جماعة الإخوان المسلمين أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق”، واليوم هيئة كبار العلماء “جعلتهم إرهابيين وأهدرت دمهم”؛ وهو بذلك يشير إلى أن المؤسسة الدينية السعودية تمارس التكفير وإهدار الدماء المعصومة كما يفعل تنظيم “داعش” تماما؛ فكلاهما وجهان لعملة واحدة (الطغيان والإرهاب). وتبدل مواقف الهيئة بحسب مواقف السلطة هو برهان على العمى والضلال؛ فعندما كانت العلاقات بين الجماعة والنظام السعودي وثيقة كان لكبار مشايخ الهيئة رأي سديد فلما جرى الانقلاب على هذه العلاقة منذ ثورة 25 يناير 2011م تغير موقف الهيئة الذي يدور حول فكرة واحدة هي الطاعة العمياء لأولى الأمر والحرص البالغ على بقاء واستمرار النظام مهما كان مستبدا وبالغ الظلم والفساد.
سادسا، الغمز في معتقدات الجماعة هو من قبيل الادعاءات والمزاعم؛ ذلك أن المكتبة الفكرية والفقية لعلماء الإخوان هي الأوسع انتشار في العالم الإسلامي فكتب الغزالي والقرضاوي ومحمد عمارة سيد سابق وسعيد حوى عبدالفتاح أبو غدة وغيرهم المئات هي أهم مكونات أي مكتبة إسلامية حديثة، كما أن اختيارات الجماعة الاعتقادية إنما تستمد من مذهب أهل السنة والجماعة كما جاء في رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، إضافة إلى التقدير الذي تحظى به مقولات الأشعري في الاعتقاد وهي التي يتبناها الأزهر الشريف؛ فهل تستطيع هيئة كبار علماء ابن سلمان أن تغمز في معتقدات الأزهر؟
سابعا، لم يعرف للهيئة مواقف ناصعة ضد أعداء الإسلام والمسلمين، فلم يصدروا بيانا ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يدعم نشر الرسوم المسيئة للرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، كما لم يعرف عنهم موقف عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة للكيان الصهيوني، والأكثر أسفا أن الهيئة تعاين انحرافات ولي العهد السعودي الذي نشر الفسوق والمجون في بلاد الحرمين وأقام مئات الحفلات الراقصة والماجنة والعري دون أن ينطق هؤلاء “الطبالين” بكلمة حق عند سلطان جائر. ويمضي بن سلمان نحو تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني في مخالفة صارخة للقرآن الذي يأمرنا بالبر والقسط لأهل الكتاب إلا إذا شنوا العدوان على المسلمين {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم أن تولهم ومن يتولهم منكم فإولئك هم الظالمون} دون أن نرى موقفا يرضي الله ورسوله والمسلمين من جانب هذه العمائم واللحي التي أدمنت المذلة والهوان وخنعت لكل جبار عنيد.
ثامنا، بيان الهيئة يذهب إلى تحريم الأحزاب والانتماء لها، وهو تأصيل بغير دليل لشكل من أشكال السلطة المطلقة؛ والهدف منه في كل الأحوال هو تحريم منافسة الحاكم على السلطة. لكن اجتهادات رصينة لا ترى في الأحزاب والانتماء لها بأسا بشرط أن يكون الهدف هو التطبيق الأمثل للشريعة ومبادئها وأحكامها وأن يكون الصعود إلى السلطة بقوة إقناع الجماهير بالأفكار والبرامج بدلا من الصراع المسلح على السلطة الذي يفضي حتما إلى سفك الدماء. والمعروف أن النظام السعودي أقام دولته في ثلاثينات القرن الماضي بقوة السلاح وليس بقبول شعبي أو شوري بمعناها الصحيح في الإسلام. بل مثل امتدادا لما يسمى بمصطلح “الإمام المتغلب” الذي يفرض سلطاته على الجماهير بقوة البطش والسلاح. وبالتالي فإن صعود حكومة منتخبة في بلد كبير مثل مصر بعد ثورة على الطغيان العسكري سنة 2011م؛ مثل في حد ذاته تهديدا لعروش ممالك الخليج التي تحكم وفق تصورات “الإمام المتغلب” التي تمثل اجتهادا جرى الالتفاف على بعض تفاصيله لخدمة نظم الاستبداد بما يشكل تناقضا مع مبدأ الشوري في الإسلام كما يناقض الأسس الديمقراطية الحديثة التي تعلي من إرادة الشعوب وتجعل لها حق السيادة على بلادها وحق اختيار حكامها وعزلهم إن أساءوا وتلك قواعد ديمقراطية أصيلة تتطابق مع الإسلام إلى حد بعيد.
مغزى التوقيت
يمثل توقيت البيان لغزا؛ فما الداعي لإصدار مثل هذا البيان المشبوه في هذا التوقيت بالتحديد؟ وما الدوافع لإصداره؟ وما الرسائل التي يريد أن يبعث بها؟ وما الجهات التي يراد إيصال الرسالة لها؟
أولا، يأتي البيان بعد أسابيع قليلة من إعادة تشكيل الهيئة؛ وبالتالي فإن الهدف هو رسالة من جانب المسئولين الجدد للسلطة بأنهم ماضون على خطاها شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو كانت مواقف السلطة مخزية وبالغة الشطط والانحراف؛ فالهيئة تبعث برسالة لابن سلمان بأنها ستمضي عمياء في طاعته وستغض الطرف عن مخازيه ومظالمه وسوف تقف بالمرصاد لكل من يراه ولي العهد عدوا. والغريب في الأمر أن الهيئة التزمت الصمت تجاه عمليات تجريف وتزييف للإسلام وتاريخه بالتشكيك في المسجد الأقصى حيث نشرت صحيفة عكاظ السعودية مقالا لأحد طبالي السلطة يزعم أن المسجد الأقصى في القدس ليس هو المسجد الذي ورد في القرآن وأن الأقصى الحقيقي يقع في منطقة تسمى “الجعرانة” بين المدينة والطائف وهو ما يمثل تهيئة للشعب المسلم في بلاد الحرمين من أجل القبول باتفاق تطبيع مرتقب مع الكيان الصهيوني تحت سمع وبصر الهيئة غير الموقرة.
ثانيا، يرى آخرون أن هدف البيان السعودي هو تشتيت الانتباه عن الانتصار الكبير الذي حققته أذربيجان المسلمة على أرمينيا وطرد الجيش الأرميني من إقليم “كراباخ” والأراضي الأذربيجانية المحتلة منذ ثلاثين سنة، وهو النصر الذي لم يكن ليتحقق لولا الموقف التركي الصلب الذي دعم أذربيجان بكل أشكال الدعم والسلاح وهو نصر عظيم لتركيا وتأكيد على النفوذ التركي المتعاظم إقليميا ودوليا في الوقت الذي تواجه فيه قوات التحالف السعودي هزائم مدوية في حرب اليمن حيث يجري قتل المسلمين بسلاح ابن سلمان وقواته التي لم يعرف لها جهاد في أي يوم من الأيام ضد أعداء الإسلام والمسلمين.
ثالثا، يمكن النظر إلى البيان باعتباره فتوى سياسية تتماشى مع التغيرات الإقليمية والدولية خاصة بعد فوز جو بايدن في سباق الانتخابات الأمريكية”، وقد تعهد بايدن بإعادة تقييم العلاقات مع السعودية، وانتقد ما اعتبره “تساهلاً وتغاضياً من قبل ترامب عن انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة”. وبالتالي فبيان “كبار العلماء” جاء للرد على “الحماس الذي أبداه بعض المتعاطفين مع الإخوان المسلمين لفوز يايدن وحديث البعض عن تأثيره السلبي المحتمل على العلاقات السعودية الأمريكية”. في حين يرفض آخرون ربط بيان الهيئة بنتائج الانتخابات الأمريكية، بل يربطونه بالهجمات التي شهدتها السعودية وعدد من دول الأوروبية في الآونة الأخيرة. ويقول معلقون وصحفيون سعوديون إن بيان هيئة كبار العلماء تضمن “رسالة واضحة إلى أوروبا مفادها أن جماعة الإخوان لا تمثل الإسلام، وأن خطرها على الإسلام هو نفسه الخطر الذي يتهدد أوروبا”، رغم اليقين الكامل بعدم علاقة الإخوان بهذه الهجمات. لذا يعتبر الموالون لابن سلمان أن البيان بمثابة إبراء ذمة تسعى من خلاله السعودية “الترويج لنموذج مختلف من التدين”. يراه الكاتب والمحلل السياسي محمد المختار الشنقيطي إسلاما منزوع الدسم، لا ينصر مظلوما، ولا يزعج ظالما .. وقد وجدوا في #عمائم_السوء وفقراء الضمائر ما يريدونه”.
رابعا، بيان الهيئة يمثل في بعض أبعاده رسالة بأن النظام السعودي متشبث بما تسمى بالحرب على الإرهاب كغطاء لاستئصال جميع الحركات الإسلامية التي تقاوم المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة؛ فقد دعمت السعودية ترامب رغم أنه ينتمي إلى اليمين المتطرف الذي يجاهر بالعداء للإسلام والمسلمين وينحاز بشكل سافر للكيان الصهيوني على حساب حقوق الفلسطينيين والعرب والمسلمين. وبالتالي فإن الهدف هو مغازلة الإدارة الديمقراطية الجديدة برئاسة جوزيف بايدن؛ بأن المملكة ستمضي في ما يسمى بالحرب على “الإرهاب” وفق مفردات المصالح الإسرائيلية التي تمثل مدخلا لابن سلمان لتلطيف الأجواء مع بايدن الذي طالما انتقد بشدة ولي العهد السعودي خصوصا في ما يتعلق بجريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي. فابن سلمان يدرك أن النفط السعودي لم يعد يحدد أولويات العلاقات بين واشنطن والرياض بعد الاكتشافات الضخمة للوقود الصخري في أمريكا وجعلها تحقق اكتفاء ذاتيا؛ وبالتالي فإن المدخل هو “إسرائيل” التي تقود ما تسمى بالحرب ضد الإرهاب من أجل حصار المقاومة المشروعة وكل الحركات التي تعمل على مواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة. وقد كشف ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مقال له بصحيفة “يني شفق” التركية أن بعض محاضر الاجتماعات المسربة بين المسؤولين السعوديين ومسؤولي الاستخبارات الأمريكية، أظهرت أن الجانب السعودي هو الطرف الذي يحاول إقناع نظيره الأمريكي بإعلان جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية. لكن الجانب الأمريكي لم يتمكن من إثبات أي نشاط غير سلمي لجماعة الإخوان المسلمين، لذلك لم يستجيبوا لإصرار الجانب السعودي، مشيرين إلى أن تصنيفها كمنظمة إرهابية سيقود إلى وضع يتعارض تماما مع ادعاءات ودور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وهو ما يعكس مخاوف النظام السعودي كغيره من نظم تحالف الثورات المضادة من فكر الإخوان الذي يقوم على حق الشعوب في الحرية والديمقراطية وحقها في اختيار حكامها وحق عزلهم إن أساءوا؛ وهو ما يناقض المشروع السعودي الذي يقوم على حق الحكام في التشبيث بالسلطة ووجوب طاعة الشعوب لهم حتى لو كانوا غاصبين للسلطة.[[4]]
خامسا، ياتي البيان السعودي المشبوه في توقيت حساس؛ وفي ظل الحرب التي تقودها حكومات أوروبية على الإسلام ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، كما جرى في فرنسا من خلال دعم الرئيس إيمانويل ماكرون لنشر هذه الرسوم بدعوى حرية الرأي والتعبير في ذات الوقت الذي لا يجرؤ على انتقاد “إسرائيل” لوجود قانون يجرم “العداء للسامية”. وبعد الاحتجاجات الواسعة المقاطعة للبضائع الفرنسية أبدى الرئيس الفرنسي شيئا من التراجع الظاهري مدعيا أن فرنسا لا تحارب الإسلام ولكنها تحارب ما يسمى بالإسلاموية؛ وهو مصطلح جديد يستهدفون به التستر على الحرب ضد الإسلام بدعوى محاربة الإرهاب تارة ومحاربة “الإسلاموية” تارة أخرى. وقد شنت فرنسا خلال الفترة الماضية حملات أمنية ضد مراكز إسلامية وأوقفت دعاة ونشطاء مسلمين تحت هذه المزاعم، كما أعلن وزيرداخليتها أنه جرى غلق مساجد في عهد ماكرون أكثر من أي حكومة فرنسية أخرى؛ وهي التصريحات التي جاءت في سياق التباهي باعتبار ذلك إنجازا يحسب للحكومة. كما شنت الحكومة النمساوية حملات أمنية طالت عشرات المسلمين واقتحمت عشرات المراكز الإسلامية بدعوى الحرب على الإرهاب وخصت بالذكر جماعة الإخوان رغم اعتراف الحكومة النمساوية أن هؤلاء الموقوفين ليست لهم علاقة بالحادث الذي وصف بالإرهابي في العاصمة “فيينا” وأسفر عن مقتل 4 وإصابة آخرين. وبالتالي فإن البيان السعودي ضد الإخوان في حقيقته هو رسالة دعم للعداء الفرنسي والنمساوي ولكل الحكومات الغربية التي تتبنى ما تسمى بالحرب على الإرهاب باعتباره “إسلاميا”.
[1] خطباء الجمعة بالسعودية يهاجمون “الإخوان” بتوجيه رسمي/ عربي “21” الجمعة، 13 نوفمبر 2020
[2] ياسر الزعاترة/ استخدام الدين في السياسة أم السياسة للدين؟/ الجزيرة نت “11” يونيو 2014
[3] داعية هندي شهير يهاجم “كبار العلماء السعودية”/ “عربي 21” السبت، 14 نوفمبر 2020
[4] مستشار لأردوغان يهاجم هيئة “علماء السعودية”.. هذا ما قاله/ “عربي 21” السبت، 14 نوفمبر 2020