أزمة معبر الكركرات وفرص التسوية للأزمة بين “البوليساريو” مع المغرب

بعد أيام من تدشين الإمارات قنصلية لها في منطقة الصحراء -على الرغم من عدم وجود أحد من رعاياها في المنطقة المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو- دخلت أزمة الصحراء المغربية مرحلة جديدة من التأزيم السياسي والعسكري، بعد التصعيد العسكري الذي شهده معبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا، منذ أسابيع، حيث عرقلت جماعة “البوليساريو” مرور حركة البضائع المغربية إلى موريتانيا، بحجة خرق المغرب للاتفاقيات الموقعة بينهما، وقامت بإغلاق المعبر في 21 أكتوبر الماضي.

والأسبوع الماضي، انتقد العاهل المغربي الملك “محمد السادس” عرقلة بوليساريو حركة النقل بين المغرب وموريتانيا عبر الكركرات، ثم أعلنت الرباط التدخل العسكري يوم الجمعة 13 نوفمبر، وفتح المعبر بالقوة دون التوسع في التصعيد العسكري، والاكتفاء بإقامة حزام أمني حول المعبر، الذي تحرسه قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، وفق ما أشار إليه أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة “ابن طفيل القنيطرة” بالمغرب رشيد لزرق، في تصريحات صحفية نقلها موقع “نون بوست”، مشيرا الى إن بلاده تدخلت وفق ميثاق الأمم المستحدة الذي يخول للدول اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة من أجل الدفاع الشرعي الوقائي المتمثل في عرقلة مرور البضائع والأشخاص.

ومع التصعيد العسكري المغربي، أعلنت البوليساريو أنها في حالة حرب مع المغرب، وفق ما أشار إليه ممثل الجبهة في الجزائر “عبدالقادر طالب عمر”، الجمعة الماضية، وقال “عبدالقادر” إن “وقف إطلاق النار تم خرقه”، بعد الحملة التي شنها الجيش المغربي في معبر “الكركرات” وفي غضون ذلك، دخلت الجزائر على خط الأزمة، وأرسلت يوم الإثنين 16 نوفمبر، مساعدات معيشية إلى الجبهة تقدر بـ60 طنا، وصلت إلى مطار “الرائد فراج” في ولاية تندوف، عبر طائرتين عسكريتين تابعتان للقوات الجوية الجزائرية، وفق صحية “النهار” الجزائرية، كما استعرضت الجزائر قدراتها العسكرية، في تحد للرباط. مستنكرة، العمليات العسكرية، التي جرت الجمعة الماضي، ودعت إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، مع مساندة واضحة للجبهة ودعم حقها في تقرير المصير “حسب رؤيتها”، وهو ما ترك أثره على العلاقات المغربية الجزائرية طوال السنوات الماضية حتى اليوم. وأيضا نشرت وزارة الدفاع الجزائرية تقريرا لافتا، الأحد 15 نوفمبر، من حيث المحتوى والتوقيت، استعرضت فيه قدراتها العسكرية، وظهر خلال الفيديو للمرة الأولى “صاروخ إسكندر الباليستي” وأكد تقرير وزارة الدفاع الجزائرية أن “القضية الصحراوية  قضية عادلة نصرتها ودعمتها الجزائر وستدعمها حاضرا ومستقبلا” وتعترف الجزائر بجبهة البوليساريو، التي تطالب بانفصال أقاليم الجنوب في المغرب. وكان تم إغلاق الحدود البرية بين الجزائر والمغرب عام 1994، عقب هجوم إرهابي استهدف فندقًا في مدينة مراكش السياحية، وظل معبر “زوج بغال” موصدًا بين البلدين منذ ذلك الحين.

 

أهمية معبر الكركرات

ويعتبر معبر الكركرات، الواقع على بعد 11 كيلو مترا من الحدود مع موريتانيا وعلى بعد 5 كيلو مترات من المحيط الأطلسي، منطقة منزوعة السلاح بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في 6 سبتمبر 1991م الذي ترعاه الأمم المتحدة، والذي يعتبر الجدار الذي شيده المغرب في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي خطاً لوقف إطلاق النار، حيث تنتشر القوات الأممية “المينورسو” لمراقبة تنفيذه. وتعرف منطقة الكركرات في الأوساط الشعبية بـ قندهار”، نظرا لحالة الفراغ التي تعيشها وازدهار عمليات التهريب فيها. وتحوّل معبر الكركرات الحدودي إلى نقطة توتّر منذ صيف عام 2016، حينما بادر المغرب إلى إطلاق حملة تمشيط للمعبر الحدودي الرابط بينه وبين موريتانيا، مستهدفاً شبكات التهريب والاتجار غير المشروع، حيث حجزت السلطات المغربية حينها ما يربو على 600 عربة غير قانونية، وهو ما ردّت عليه جبهة “البوليساريو” بإيفاد مجموعة من مسلحيها إلى المعبر، مسبّبة حالة من التوتّر الإقليمي والدولي.

وبعد شهور طويلة من التوتّر، الذي خيّم على المنطقة، انتهت الأزمة من الجانب المغربي في شهر فبراير 2017، إذ استجابت المملكة لطلب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بسحب قواتها التي دفعت بها نحو المنطقة لمواجهة مسلحي “البوليساريو” الذين أتوا إليها من معسكراتهم الواقعة إلى الشمال. لكن الجبهة الانفصالية رفضت الامتثال لذلك الطلب، وبقيت في محيط المعبر الحدودي إلى أن اقترب موعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي في نهاية إبريل 2017، إذ نفّذت انسحاباً جنّبها إدانة رسمية من طرف المجلس. وفي يناير الماضي عادت المنطقة لتشتعل بعدما عمد بعض المنتمين إلى “البوليساريو” إلى دخول هذه النقطة الحدودية التي تعتبر المنفذ البري الوحيد للمغرب مع موريتانيا، واعتصموا فيها، ما تسبّب في إغلاقها، وذلك بالتزامن مع وصول المشاركين في سباق “أفريقيا إيكو ريس” للسيارات إلى هذه النقطة الساخنة في الصحراء، قبل أن تضطر الجبهة إلى الانسحاب بعد تدخل الأمم المتحدة. ورغم هذه الانسحابات، إلا أن المعبر بقي نقطة توتّر، خاصة من جانب جبهة “البوليساريو” التي تلوّح بتهديده كلما واجه ملف الصحراء أزمة جديدة.

 

أسباب تصاعد أزمة الكركرات

تباطؤ الحلول الدولية

وتعود أسباب تفجر الصراع بين البوليساريو والمغرب مؤخرا، إلى تباطؤ جهود المجتمع الدولي في حلحلة الأزمة الأقدم في إفريقيا. ودعا الوزير السابق محمد الشيخ بيدالله، جبهة البوليساريو للانضمام إلى الحل الذي اقترحته المغرب لتسوية النزاع حول الصحراء. وقال بيدالله، الأمين العام الأسبق لحزب “الأصالة والمعاصرة”، في تغريدة نشرها عبر حسابه الخاص على موقع “تويتر”، إنه “آن الأوان للبوليساريو أن يستخلص الدروس من تجربة الحركات المشابهة في إيرلندا وأمريكا الجنوبية، ويطرح السلاح، ويتحول إلى كيان سياسي، وينضم إلى الحل الجدي الذي اقترحته بلادنا للم الشمل، والتفرغ معًا لبناء وطن موحد”، حسبما نقلت وكالة “سبوتنيك”، أن الدعوات المذكورة قد تكون وجيهة لكن قرار جبهة البوليساريو مملوك من لدن “دولة أخرى”، وحصول تحول في طبيعة وعقيدة الجبهة لن يتحقق إلا إذا رأت الجزائر مصلحتها في الموضوع، أو بواسطة إجراءات قد تكون بعضها رادعة.

وفي فبراير الماضي، استقر رأي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على تعيين وزير خارجية سلوفاكيا الحاليّ والرئيس السابق للجمعية العامة للأمم المتحدة ميروسلاف لايتشاك كمبعوث خاص له إلى الصحراء، وكان غوتيريش قد أخبر الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول الأوروبية الكبرى بقراره هذا دون استشارة مسبقة مع الأطراف المعنية بالنزاع، مما يعد سابقة في تاريخ المنظمة الدولية وتاريخ النزاع بشأن الصحراء. ويضع غوتيريش بهذا التعيين حدًا لشغور منصب المبعوث الأممي الخاص إلى المنطقة الذي استمر لنحو تسعة أشهر، أي منذ استقالة الألماني هوريس كوهلر نهاية شهر مايو 2019 لدواعٍ صحية، بعدما تسلم مهامه في يونيو 2017، وخلال هذه الفترة القصيرة نجح كوهلر في جمع الأطراف المعنية إلى طاولة الحوار، لا سيما حين عقد في سويسرا اجتماعين في ديسمبر 2018 ومارس 2019 شارك فيهما كل من المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا، لكن لم تنجح هذه المحادثات في إيجاد مخرج للنزاع الشائك، وظلت متوقفة منذ استقالة كوهلر.

 

استفزازات البوليساريو

ودأبت عناصر البوليساريو التحرش على بالمغرب في مناطق التماس، وخاصة الكركرات التي تقع في المنطقة العازلة رغم صدور قرارات من مجلس الأمن تأمر البوليساريو بالانسحاب من المنطقة، منها القرار 2414و 2444  والأخير في 2548، ودعاها الأمين العام دون أن تمتثل، ووفق الرؤية المغربية، عرضت البوليساريو موظفي الأمم المتحدة للخطر، وقد كان غرض وخلفيات البوليساريو من ذلك هو وقف تقدم الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، والذي يسير لصالح المشروع السياسي المغربي بالحكم الذاتي. في مقابل ذلك، تعتبر جبهة البوليساريو العملية العسكرية المغربية في الكركرات “خرقًا ينسف نهائيًا اتفاق وقف النار” الموقع في العام 1991م، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصحراوية التابعة للجبهة، متهمة الرباط بإرسال مجموعة بزي مدني لـ”الهجوم على المدنيين الصحراويين المحتجين أمام ثغرة الكركرات”.

وعلى ما يبدو -حسب وكالة “سبوتنيك”-  أن أزمة الكركرات لن تنتهي، وسيظل المعبر عنوانًا لأزمات قادمة في الصحراء الغربية فكلا الطرفين المتنازعين يسعى لفرض رؤيته هناك. جدير بالذكر أن جبهة البوليساريو – التي أعلنت جمهورية مستقلة في الأرض الصحراوية في السبعينيات وخاضت حرب عصابات مع المغرب- لا تنظر بعين الرضا لمعبر الكركرات، وترى في إنشائه انتهاكًا لاتفاقية وقف إطلاق النار ومحاولة من المغرب لفرض سياسة الأمر الواقع. وعادة ما يستخدم معبر “الكركرات” في نقل البضائع بين المغرب وموريتانيا. ويقع المعبر في الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا، وهي منطقة حدودية عازلة منزوعة السلاح خالية من أي وجود عسكري لأي من الأطراف الثلاث (المغرب وموريتانيا والبوليساريو) بموجب اتفاق وقف إطلاق النار 1991 الذي ترعاه منظمة الأمم المتحدة.

 

الأزمة الداخلية بالإقليم الصحراوي

ولعله من أسباب تصعيد البوليساريو للآزمة بالكركرات يرجع إلى الأزمات الداخلية التي تعيشها قيادة البوليساريو وتراجع المساندة الجزائرية بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها، وهوما يفسر سعي البوليساري لتحريك المياة الراكدة في ملف مصيرها المستقبلي. ويطالب الصحراويين باستفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية، وفق تصريحات الأمين العام لوزارة الأمن والتوثيق في الحكومة الصحراوية “سيدي أوگال” لوكالة الأخبار المستقلة الموريتانية، إن “شروط التهدئة مع المغرب تبدأ باحترام الشرعية الدولية والانصياع لقراراتها، واحترام الاتفاقات المبرمة بيننا كطرفي نزاع مع بعثة الأمم المتحدة” مضيفا ، أن من بين شروط التهدئة “إغلاق الثغرة غير الشرعية في الڭرڭرات، وعودة القوات المغربية إلى ما كانت عليه يوم 6 من سبتمبر 1991م”، بالإضافة إلى “إطلاق سراح سجنائنا المعتقلين في السجون المغربية خاصة مجموعة اكديم إزيك” وقال إن من بين هذه الشروط أيضا “تحديد تاريخ محدد لإجراء استفتاء تقرير المصير المعطل منذ 1991م، والشروع العملي في ذلك، إضافة إلى تفعيل بعثة الأمم المتحدة لإجراء الاستفتاء في الصحراء الغربية لتصبح مثل بقية البعثات الأممية في العالم”.

 

دور الإمارات في إشعال حرب الصحراء

وعلى طريقة الأفعى، التي تتبعها إدارة محمد بن زايد، اتخذت الإمارات دوراً جديداً لها، وهو زيادة حالة الانقسام بين الدول العربية، من خلال إقدامها على افتتاح قنصلية لها في الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر. فبعد أيام قليلة من افتتاح الإمارات قنصلية لها في الصحراء الغربية، تحرك المغرب لوقف ما سماه “الاستفزازات الخطيرة وغير المقبولة”، من جبهة “البوليساريو” في منطقة الكركرات بالمعبر الحدودي مع موريتانيا. ولعل ما حدث في الكركرات كان بتشجيع من الإمارات التي افتتحت قنصلية لها في الصحراء الغربية. وكان رئيس حركة مجتمع السلم في الجزائر، عبد الرزاق مقري، أكد أن الإمارات لديها مشروع لزعزعة استقرار منطقة المغرب العربي.

وفي مقال له نشره بموقعه الإلكتروني، حمل عنوان “الإمارات في مدينة العيون.. أينما حلت الإمارات تعقدت الأزمات.. وسالت الدماء”، قال مقري: “يجب أﻻ نعتقد في الجزائر أنه حين يحط حكام دولة الإمارات رحالهم في المغرب العربي، ويدخلون في مشكلة معقدة بين بلدين شقيقين جارين، سيتفقان يوماً ما” ووصف مقري التحركات الإماراتية، بأنها مشروع صهيوني مسنود أمريكياً وفرنسياً لابتزاز منطقة المغرب العربي. وسبق أن حمَّلت أوساط مغربية، الإمارات مسؤولية ظهور زعيم جبهة “البوليساريو” على قناة “الحرة” الأمريكية كعقاب للمغرب، بسبب موقفه من الأزمة بين السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى، ورفض الرباط تأييد دول الحصار.

وخلال شهر يونيو الماضي، حذَّر مركز بحثي مغربي من أن المال الإماراتي يؤدي دوراً حاسماً في الحرب الإعلامية التي تقودها الصحافة اليمينية في إسبانيا ضد المغرب، إضافة إلى أنه سجَّل أن دائرة الخلاف المغربي الإماراتي بلغت مرحلة الصراع حول المذهب “المالكي” وبحسب تقديرات استراتيجية، تناقلها موقع لـ”الخليج أونلاين”، بأن الامارات كانت وراء الضغط في ملف الصحراء مقابل ملف التطبيع مع “إسرائيل”، حيث تم التلويح بهذه المقايضة غداة زيارة مستشار الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنر، الأخيرة للمغرب، وتأكيد المغرب رفضه المسار التطبيعي الحالي، وتقف أبوظبي اليوم كوكيل حصري لـ”إسرائيل”، والولايات المتحدة في الهلال الممتد من نواكشوط إلى مقديشو. ومع تلك الرؤى لا يمكن استبعاد الدور الإماراتي في تصعيد  النزاعات في منطقة الصحراء المغربية.

 

دور مصري غير مستبعد

وفي تطور، حاول السيسي امساك العصا من المنتصف، باتصال دبلوماسي من قبل وزير الخارجية سامح شكري، يوم السبت الماضي، حاثا على التهدئة  والالتزام بالحلول السلمية، وبحث وزير الخارجية المصري “سامح شكري” في اتصالات منفصلة، مع كل من نظيريه المغربي “ناصر بوريطة”، والجزائري “صبري بوقادوم”، تطورات العملية العسكرية التي أطلقتها المملكة المغربية ضد ميليشيات بوليساريو في منطقة الكركرات. جاء ذلك في بيان صادر عن الخارجية المصرية، السبت، في أول تعليق للقاهرة على ما يجري في منطقة الكركرات. وقال البيان المصري إن القاهرة “مستمرة في متابعة مستجدات الموقف عن قرب، وإجراء الاتصالات اللازمة بما يحفظ الاستقرار، انطلاقا من مسؤوليتها تجاه أشقائها العرب وبما يصون مصالحهم ويجنب المنطقة أي توتر”. هذا  الموقف الدبلوماسي، لا يمكن ان يتجاوز مسار العلاقات المأزومة مع المغرب منذ سنوات. ففي اكتوبر 2016م، استقبل النظام  المصري وفد جبهة “البوليساريو” بقيادة خطري إدوه رئيس البرلمان الصحراوي للمشاركة في المؤتمر البرلماني العربي الإفريقي، الذي عقد في شرم الشيخ بمناسبة الاحتفال بمرور 150 سنة على أول برلمان مصري بمشاركة وفود برلمانية تمثل 47 دولة عربية وإفريقية.

وهو ما صعد الخلافات بين مصر والمغرب، وتسببت اللقاءات التي عقدت على هامش المؤتمر وبعدها مع بعض أعضاء البرلمان المصري، فضلاً عن عدد من المسؤولين والدبلوماسيين في اثارة حفيظة القيادة المغربية، وهو ما اعتبرته مواصلة القاهرة لنهجها المعهود في “استفزاز” المملكة المغربية. وتشهد العلاقات المصرية المغربية موجات من المد والجذر، والشد والجذب، ما بين الحين والآخر، كان أبرزها ما حدث في العام 2015، حيث قام وفد مصري بزيارة للعاصمة الجزائرية من أجل حضور مؤتمر دولي داعم لجبهة “البوليساريو”؛ ما تسبب في غضب الشارع المغربي. كما زادت حدة التوتر أكثر حين قدم المغرب طلبًا رسميًا للعودة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، بعد انسحابه عام 1984، بسبب انضمام البوليساريو للمنظمة، وهو ما دفع 28 دولة إفريقية من الدول المقربة من المغرب للتوقيع على وثيقة تطالب تعليق مشاركة البوليساريو في جميع هياكل الاتحاد الإفريقي، لكن المفاجأة أن مصر لم تكن ضمن هذه الدول الموقعة، ما يعني موافقتها على استمرار الجبهة في المنظمة، وهو ما اعتبرته الرباط إخلالاً بتعهدات القاهرة السابقة بدعم الموقف المغربي.

وفي ضوء الخلاف الإماراتي المغربي، شنّ عدد من الإعلاميين المصريين، حملات ضد المغرب قيادةً وشعبًا، فضلاً عما تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال مقطع فيديو لأحد الضباط المصريين برتبة رائد مع مجموعة من جماعة البوليساريو وهو يحرضهم ضد دولة المغرب. فيما رد الإعلام المغربي بحملة مماثلة ضد القاهرة، وعلى الفور بثت القناة الأولى المغربية الرسمية تقريرًا عما أسمته “الآثار السياسية للانقلاب العسكري في مصر”، وقال مقدم النشرة: “عاشت مصر منذ الانقلاب العسكري الذي نفّذه المشير عبد الفتاح السيسي، عام 2013م، على وقع الفوضى والانفلات الأمني، حيث اعتمد هذا الانقلاب على عدد من القوى والمؤسسات لفرضه على أرض الواقع وتثبيت أركانه”، أما القناة المغربية الثانية فبثت تقريرًا عن الوضع الاقتصادي في مصر بعد وصول السيسي إلى الحكم، مشيرة إلى أنه أصبح على رأس السلطة عبر انقلاب وتولي عدد من وسائل الإعلام المصرية اهتمامًا بالنزاع الصحراوي متبنية مقاربة جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.

وتسير العلاقات المصرية المغربية على مسار ملتهب، إثر الدور المصري في ليبيا والذي يتعارض مع الاتفاق المغربي للحل ، المعروف بـ”اتفاق الصخيرات”، وهو ما تسعى القاهرة للتنصل بالانقياد له، وفق مشروع السيسي الداعم للمخطط الإماراتي. كما تصطدم العلاقات المغربية المصرية، في الملف السوري، حيث تتبنى الرباط المطالب برحيل بشار الأسد بأي حل سياسي أو عسكري، بينما تعزف القاهرة على وتر الخروج بحل سياسي مع الإبقاء على بشار استجابة للقرار الروسي. كما تعادي القاهرة حكومة حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي، والذي تعمل ضده الإمارات والسعودية، لابعاد الإسلاميين عن المشهد السياسي المغربي.

 

سيناريوهات المستقبل

وأمام تلك التطورات، يبقى النزاع الذي طال أمده بشأن قضية الصحراء مستعصيًا على الحلول التوافقية، ويستنزف الموارد منذ ما يزيد على أربعة عقود، ففي الوقت الذي يرى فيه المغرب ضرورة الحل السلمي ويصر على مقترح الحكم الذاتي، تطالب جبهة البوليساريو بالانفصال وتهدد بين الفينة والأخرى بامتشاق الأسلحة وجر المنطقة إلى أتون الحرب. ولعل الولوج الإماراتي على خط النزاع يزيد من لهيب الصراعات في الفترة المقبلة بصورة كبيرة، قد تجر الجزائر والمغرب نحو التصادم العسكري. أو قد يكون ثمن التهدئة من قبل المغرب هو السير في طريق التطبيع العلني مع إسرائيل، وفق المخطط الإماراتي لهيكلة المنطقة العربية ووفق الأجندة الصهيو أمريكية، وهو ما يفقد القضية الفلسطينية المزيد من قوتها وداعميها.

وأمام تلك الرهانات المستقبلية، لن يستطيع البوليساريو تحريك المجتمع الدولي نحو حلول لا ترضي المغرب، في ظل أحكام محكمة العدل الدولية في السبعينيات، المؤكدة للوجود المغربي في الإقليم ومبايعة القبائل الصحراوية للقيادة المغربية، وهو ما يفقم الأزمة ويزيد من الشلل السياسي الممتد، في إطار الحلول الفاشلة، والتي بدات منذ محاولة منظمة الوحدة الإفريقية إيجاد حل تصالحي منذ اشتعال نار الحرب وخاصة في مؤتمرها الـ19 المنعقد بأديس أبابا عام 1983م، لكن انسحاب المغرب عام 1984 من المنظمة عندما اعترفت بما يسمى بـ”الجمهورية العربية الصحراوية” عضوًا فيها حال دون مساعي المنظمة الإفريقية للوصول إلى أي حل. ثم استعصت المشكلة على الحل السياسي والدبلوماسي، فحلت منظمة الأمم المتحدة محل المنظمة الإفريقية، وفي صيف 1988 طرح الأمين الأممي السابق خافيير ديكويلار على المغرب والبوليساريو خطة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء، وهو تصور سيقود في حالة إجرائه إلى الإنضمام للمغرب أو الاستقلال عنه، وتم تقرير موعده في 6 من ديسمبر 1998م.

وسكتت المدافع فعليًا في المنطقة منذ سبتمبر 1991، حيث أشرفت الأمم المتحدة فعليًا على اتفاقية لوقف إطلاق النار، كما أسست بعثة سلام أسمتها “مينورسو”، مهمتها مراقبة وقف إطلاق النار من خلال دوريات جوية وبرية، والإشراف على خطة تنظيم الاستفتاء الذي أعلن توقفها في 1999 بسبب الخلافات الحادة بين الطرفين على من يحق له التصويت. إلى الاستقلال أو الانضمام ينضاف حل ثالث وهو الحكم الذاتي، حيث يمنح استقلالية ذاتية موسعة مع البقاء تحت السيادة المغربية، وهو حل سياسي اقترحته فرنسا وأمريكا عام 2000، ودعا مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى الصحراء جيمس بيكر الطرفين إلى حل تفاوضي يستبعد خطة الاستفتاء، وحظي الحل الثالث بقبول من طرف المغرب لكن رفضته البوليساريو والجزائر. وكحل رابع يأتي خيار التقسيم، يقترح إعطاء المغرب ثلثي الصحراء وهو إقليم الساقية الحمراء، وإعطاء الثلث الباقي، أي إقليم وادي الذهب للبوليساريو حيث تقيم دولتها هناك، لكن هذا الحل الذي وقفت وراءه الجزائر، لقي رفضًا من المغرب لأنه رأى فيه مساسًا بسيادته واقتطاعًا لجزء من أراضيه، كما لم ترغب فيه البوليساريو أيضا لأنها تريد منطقة الصحراء بأكملها.

أما الحل الأخير الذي اتخذته الأمم المتحدة عام 2003، يجمع بين خطة التسوية التي اقترحها جيمس بيكر ويدعو الأطراف المعنية إلى مواصلة الجهود للتوصل إلى اتفاق، حيث يدعو هذا الخيار إلى حكم ذاتي يتراوح من 4 إلى 5 سنوات، وإجراء استفتاء لتقرير المصير بعد هذه الفترة، كما يدعو جبهة البوليساريو إلى إطلاق سراح ما تبقى لديها من المتعقلين المغاربة تنفيذًا للقانون الإنساني، وقد حظي هذا التصور بتأييد الولايات المتحدة وموافقة جبهة البوليساريو والجزائر في حين رفضه المغرب مؤيدًا من طرف فرنسا. ويطرح المغرب مبادرة الحكم الذاتي كحل لإنهاء نزاع الصحراء التي تمنح المنطقة حكمًا ذاتيًا موسعًا مع الاحتفاظ برموز السيادة كالعلم والسياسة الخارجية والعملة وغيرها، فيما تصر جبهة البوليساريو على خيار الاستقلال وترفض التفاوض بشأن المقترح المغربي، ومن حين إلى آخر يخرج زعيم الجبهة الحاليّ إبراهيم غالي مهددًا المغرب بالحرب، معتبرًا إياها محطة إجبارية لا مفر منها. ومع استمرار الفشل، تفاقم التوتر وظلت عناصر مسلحة لكل من المغرب وجبهة البوليساريو على مقربة من بعضهما البعض، وتدخلت بينهما قوات “المينورسو” لحفظ السلام وحالت دون اندلاع مواجهات بين الطرفين، إثر ذلك أصدر الأمين العام للأمم المتحدة بيانًا، 25 من فبراير 2017، أعرب فيه عن قلقه ودعا كلا الطرفين إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لتجنب التصعيد واحترام روح اتفاق إطلاق النار.

في اليوم الموالي من صدور بيان غوتيريس، أعلن المغرب سحب قواته، ورحبت الأمم المتحدة بقرار المغرب، بينما أدانت بشدة استمرار وجود قوات البوليساريو بمنطقة “الكركرات” وأمرت بإخلاء هذه المنطقة التي كادت تشعل حربًا جديدة بين طرفي النزاع، وفي نهاية أبريل 2017 سحبت البوليساريو مقاتليها، بعدما اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع قرار تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الصحراء “مينورسو”  لمدة عام إلى غاية 2018، بعدما طردت الرباط موظفي البعثة. كما أن مقترح الحكم الذاتي الذي تعرضه الرباط على الأمم المتحدة، نحو حسم النزاع في إطار السيادة المغربية تعزز بارتفاع عدد الدول التي لا تعترف بجبهة البوليساريو ليصل إلى 163 دولة، ومن أصل 80 دولة كانت تعترف بـ”الجمهورية الصحراوية” لجبهة البوليساريو خلال الثمانينيات، قامت 50 دولة بسحب اعترافها بالجمهورية التي تم إعلان قيامها 27 من فبراير 1976 من جانب واحد.

وتحظى الرباط بدعم حلفائها التقليديين (باريس ومدريد)، فيما تتخذ واشنطن موقفًا محايدًا تجاه قضية الصحراء، على الرغم من أن المغرب كان أول دولة تعترف باستقلال أمريكا سنة 1777، إلا أن ثمن الدعم الأمريكي لقضية المغرب الوطنية بدا باهظًا جدًا، حينما اقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “صفقة مقايضة” تشترط تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية، فيما يقوم هو بإقناع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدعم الموقف المغربي في قضية الصحراء. وتحاول “إسرائيل” ابتزاز المغرب من أجل تحقيق مساعيها في كسب الاعتراف بـ”صفقة القرن” ولعل دخول الإمارات على طريق الأزمة، يبدو متناغما مع الضغوط الإسرائيلية لفتح مالات اوسع للتطبيع بين المغرب والكيان الصيوني، وهو ما سيظل محفزا لتصعيد عسكري من قبل البوليساريو خلال المرحلة المقبلة، إلا أن أزمة الجزائر السياسية والاقتصادية قد لا تدفع نحو هذا السيناريو، وسط مطالبات شعبية بالتهدئة وعدم الانسياق وراء دعوات التصعيد العسكري مع المغرب.

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022