ظلام يخيم على مصر: بي بي سي وأم زبيدة

 ظلام يخيم على مصر: بي بي سي وأم زبيدة

مقدمة

الصحافة الأجنبية تقوم بما لا تستطيع فعله الصحافة المصرية سواء التابعة للدولة أو المستقلة، ربما تمارسه من منطلق أن ذلك هو العمل، وربما تمارسه من منطلق إنساني، ولكننى أستبعد أن هناك دوافع سياسية وراء ذلك تدفعهم إلى التخبيط في عرش السيسي وذلك لأن السيسي لا يعادي الغرب بطبعه بل يتبعهم.

منذ أيام أصدرت بي بي سي فيلمًا وثائقيًا بعنوان الظلام يخيم على مصر، بدأ منذ عنف الشرطة المصرية مع متظاهري يناير 2011 وحتى معارضة 2018 لولاية السيسي الجديدة مرورًا بالقمع التى يتخلل فترة حكمه[1]، وقبل الدخول في صلب الفيلم كان من المفضل النظر لمجموعة أبعاد أخري في الفقرات التالية.

الدول الكبري عادة ما تستطيع بأدوات عديدة ومختلفة تحقيق مصالحها والقضاء على كل ما يقف أمامها، ذلك الأمر الذي يدفعنا إلى البحث وراء جنسية الجهة التى صنعت هذا التقرير لنجدها بريطانية وذلك على افتراض أن الصحافة تؤدلج وفقًا للدولة التى تصدر منها وذلك الأمر بالتأكيد هو خطأ مهنى.

بالنظر إلى العلاقات المصرية الإنجليزية نجد أن الحكومتين لا توجد بينهما أية شدٍ أو جذبٍ، فالعلاقات هادئة إلى حد كبير الأمر الذي يدفعنا إلى استنتاج مهنية تلك الصحيفة وأيضًا يعكس حجم حرية الصحافة هناك وعدم تدخل السلطة في المحتوى الإعلامي. وبالنظر إلى بي بي سي نجد أنها تتبنى الدفاع عن قضايا إنسانية عديدة لا تتعلق بمصر فقط وعلى سبيل المثال الدفاع عن السوريات اللاتي تمارس عليهم ضغوط تتعلق بالجنس مقابل المعونات وتحديدًا في جنوب سوريا[2]. فضلًا عن أن السفير البريطاني في مصر لم يعلق على هذا الفيلم ولكن حسابه على تويتر يركز منذ مدة على المنح التى تقدم للشباب المصري في سياق مشروع مصر تبدأ[3]

فيلم بي بي سي

التوقيت: فيلمًا وثائقيًا لم يتجاوز 14 دقيقة ولكنه استطاع تغطية 7 سنوات من زاوية ما محددة، أغضب السلطات المصرية كثيرًا لاحتواءه على أدلة إدانة عديدة في وقت تمارس فيه السلطة جهدًا تعبويًا جبار من أجل إعادة الثقة بين الحاكم والمحكوم وعلى سبيل المثال نجد العملية الشاملة في سيناء هى الخطوة الأهم لدى النظام في محاولات تعديل الرأي العام؛ ربما ما أغضب السلطة هو توقيت الفيلم أكثر من مضمونه لأن الدولة لم تنزعج مثل فيلم العساكر[4] على سبيل المثال الذي أنتجته الجزيرة منذ أشهر.

لغة الفيلم وقدر المهنية: تم إنتاج الفيلم وثائقيًا من قبل المراسلة (أورلا جيرين) بصوتها وبلغتها الإنجليزية، مما يعكس أنه موجه للرأى العام العالمي وتصدير الصورة الحالية عن النظام الحاكم في مصر.

يجدر بالذكر وخاصة بعد الاتهامات التى وجهت لأورلا المتعلقة بعدم المهنية أنها أعدت تقارير دولية عديدة في بلدان مختلفة كالاتحاد السوفتي قبل انهياره وكوسوفو وإسرائيل وسوريا والعراق واليمن وليبيا؛ ويجدر بالذكر أيضًا أنها زوجة مايكل جورجي، المدير السابق لمكتب "رويترز" بالقاهرة عام 2015.[5]

تفكيك الظلام الذي خيّم على مصر

انقسم الفيلم إلى عدة نقاط محورية تعكس مدى سحق المعارضة المصرية كالآتي:

§         ميدان التحرير – لا شيء: يبدأ ظهور المراسلة في قلب ميدان التحرير وتسرد تحول الميدان من حاضنة للثورة إلى لا شيء.

§         جيل السجن – علاء عبد الفتاح: ذلك الشخص هو الأول الذي قامت بالحديث عنه من منطلق أنه كان أحد رموز الثورة ومن منظمي احتجاجاتها إلى أن صار معتقل في سجون النظام السياسي الحالي لمعارضته له.

§         التعذيب – محمود محمد حسين: اعتقل هذا الشاب لمجرد ارتداءه تي سيرت مكتوب عليه (لا للتعذيب) ثم تم تعذيبه وكهربته في أكثر الأماكن حساسية في جسم الإنسان وضربه أيضًا في نفس الأماكن مما أعاقه عن الحركة بشكل جيد لمدة سنوات.

§         الاختفاء القسري – عايدة سيف الدولة: هي تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان منذ سنوات طويلة وقالت أنها لم ترى أبدًا عدم احترام لحقوق الإنسان مثل هذه الفترة في تاريخ مصر.

§         الابنة – زبيدة: قالت عنها الأم في حوارها مع المراسلة أنها وجدت جسمها مقطع ومتكهربة وتم تعذيبها وقالت أن زبيدة قالت لها أنه تم الإعتداء عليها جنسيًا بطرق مختلفة وكان ذلك في مرة الإعتقال الأولي ، ومنذ أكثر من 10 أشهر اختفت زبيدة من حياة أمها تمامًا مما أثّر نفسيًا على الأسرة كاملة بالسلب، ولكن كان الملفت في كلام أمها أنها كانت تقول لو أن كلامي هذا سوف يدفعهم إلى تعليقي إلى حبل المشانق سأتكلم أيضًا مما يعكس الإيمان الشديد بظلم السلطة.

ظهور زبيدة!

بعد أيام قليلة للغاية أجرى عمرو أديب حوارًا في منزل زبيدة وبجوارها شخص يقول أنه زوجها ويحمل طفل يقول أنه ابنهما وتم الزواج بدون علم أمها منذ سنة وهى لم تعتقل ولم تعذب ولا أية معلومات مما ذكرتها أمها فضلًا عن أنهم لا يعرفون أصلًا أن أمها قالت شيء وكانت زبيدة تنكر أي اعتداء وقع عليها نهائيًا.[6]

الأخ الأصغر لزبيدة

بعد البحث في قصة زبيدة واعتقالها الأول في عام 2014 كانت قد ظهر فيديو لأخيها الصغير يتحدث فيه عن زيارته لهما (هى وأمها) وعن رؤيتهم لهم التى لا تتعدى دقائق بعد انتظار ساعات وتحدث فيه عن إيمانهم (زبيدة وأمها) الشديد بالقضية والاستموات من أجل شرعية الرئيس مرسي وكانتا ينصحانه بالاستمرار في المشاركة في المسيرات ويعطونه الأمل إلى أن يعود الرئيس الشرعي.[7]

رد السلطات المصرية على الفيلم

·         هيئة الاستعلامات – ضياء رشوان: التقرير يحتوي على تناقضات ويمثل انتهالك لكل المعايير المهنية في مجال الصحافة والاعلام، كما قرر استدعاء مديرة مكتب بي بي سي لتسليمها خطاب رسمي من أجل تصحيح ما أقدمت عليه مراسلتها من مخالفات مهنية، فضلًا عن ظهور زبيدة الذي يعكس كذب بي بي سي.[8]

·         النائب العام: أصدر النائب العام في مصر بيانا يأمر فيه السلطات باتخاذ إجراءات قانونية ضد وسائل الإعلام التي "تبث أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة"، وجاء ذلك الأمر بعد يوم من دعوة الهيئة العامة للاستعلامات في مصر المسؤولين والشخصيات البارزة إلى مقاطعة بي بي سي بعد بثها فيلما وثائقيا عن حقوق الإنسان وصفته الهيئة بأنه "مليء بالأكاذيب"[9]

·         وزارة الخارجية – سامح شكري: انتقد سامح شكري، وزير الخارجية، في كلمة أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، الثلاثاء الموافق 27فبراير، بي بي سي وغيرها من وسائل الإعلام لما وصفه بأنه «الاعتماد على مصادر مختلقة لأغراض سياسية»[10]

·         الإعلام المصري على اعتباره أحد مكونات السلطة: تم توجيه اتهامات حادة وعنيفة من قبل اعلام السلطة كأن يقول أحمد موسي أن ما يقال في هذا الفيلم كذب وكأن يقول مقدم برنامج بالورقة والقلم أن كل ما تم استضافتهم في الفيلم (شمال) وكأن يوجه سب لعلاء عبد الفتاح وأسرته بالكامل.[11]

رد بي بي سي على اعتراض السلطات المصرية

بعد كل ذلك وكل تلك الاتهامات والغضب أكدت بي بي سي أنها "تساند مصداقية العمل الصحفي لفرقها"، وقالت إنها "ستناقش الشكوى بشأن الوثائقي مع السلطات المصرية في الأيام المقبلة".[12]

خاتمة:

في الحقيقة واقعيًا هذا الفيلم لم يقدم شئ جديد لا تعلمه المعارضة المصرية، ولا حتى السلطة ولكن أن يأتي من جهة كـ بي بي سي لابد حتمًا أن يأخذ حقه من تسليط الضوء، تناقضت الرؤي فقط حول زبيدة والكل تجاهل باقي النقاط الأمر الذي يعكس مدي تأثير الإعلام الحالى على عقول المواطن الحالي، فبدأت أشعر شعور شخصي إزاء المصري بأنه يشكل رؤيته للوجود السياسي بشكل مرحلى ولحظي  وعادة ما يكون وليد السياقات المختلفة؛ ستتجاهل السلطة مضمون الفيلم وتتعامل مع شكليات الأمر بشكل بيروقراطي مهدر للوقت ومشتت لذهن المتابع ويدفع لبيع القضايا من قِبل الإنسان.



[1] صدام جديد لـ«الاستعلامات» مع الإعلام الأجنبي، مدي مصر،27فبراير2018، الرابط : https://is.gd/H7OOTR

[2] سوريات يتعرضن للاستغلال الجنسي مقابل الحصول على المساعدات الانسانية، بي بي سي عربي،27فبراير2018، الرابط : https://is.gd/5QHZZr

[3] حساب السفير البريطاني على تويتر ، الرابط : https://twitter.com/fcojohncasson?lang=ar

[4] فيلم العساكر .. حكايات التجنيد الإجباري في مصر، يوتيوب، 27نوفمبر2016، الرابط : https://is.gd/2mmiQn

[5] بعد مطالبات المصريين بطردها، من هى مراسلة بي بي سي، الدستور، 1مارس2018، الرابط : http://www.dostor.org/2074855

[6] الحوار الكامل مع زبيدة بعد ادعاء اختفائها القسري، يوتيوب، 26مارس2018،الرابط : https://www.youtube.com/watch?v=SS0JaXeGveU

[7] شقيق المعتقلة زبيدة يونس، يوتيوب،25مارس2014، الرابط : https://is.gd/EvtsSt

[8] بي بي سي تعلق على شكوى الاستعلامات، 1مارس2018، الرابط : https://www.almasryalyoum.com/news/details/1265052

[9] بي بي سي : سنناقش مع السلطات المصرية شكواها من وثائقي عن حقوق الإنسان، بي بي سي،28فبراير2018، الرابط : https://is.gd/6a2eZZ

[10] بي بي سي تعلق على شكوى الاستعلامات، ، مرجع سابق

[11] بالورقة والقلم – بي بي سي تنشر فيلم للتحريض ضد مصر،24فبراير2018، الرابط : https://is.gd/OIGdAm

[12] بي بي سي : سنناقش مع السلطات المصرية شكواها من وثائقي عن حقوق الإنسان، مرجع سابق

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022