لقاء “نيوم” بين نتنياهو وابن سلمان.. تحولات استراتيجية نحو تصفية القضية الفلسطينية مقابل كرسي الملك

ضمن التطبيع الخفي منذ سنوات بين السعودية وإسرائيل، جاء لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بمنطقة “نيوم” السعودية، الأحد 22 نوفمبر2020م، وقد بدء سريا ثم جرى تسريبه لاحقا بالتوافق بين الطرفين، جسا لنبض الداخل السعودي، بهدف التمهيد للدخول في الإعلان الرسمي للتطبيع، الذي يجري إعداده على نار هادئة، منذ صعود محمد بن سلمان للمشهد السياسي بالسعودية.

ولكن إخراج المشهد قد يفلح وظهر الارتباك في المنظومة الحاكمة، حيث نفى وزير الخارجية الأمير “فيصل بن فرحان”، الثلاثاء 24 نوفمبر، صحة تقارير إسرائيلية أفادت بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” زار المملكة سراً في اليوم السابق. وكتب “بن فرحان”، على حسابه الرسمي على “تويتر”: “لاحظت أن بعض وسائل الإعلام تناقلت خبرا مفاده أن سمو ولي العهد التقى بمسؤولين إسرائيليين ضمنهم رئيس الوزراء خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة إلى المملكة. الخبر عار عن الصحة تماما ولم يحدث اللقاء المزعوم”.

بينما نقلت صحيفة “هآرتس” أن اللقاء “حضره رئيس الموساد “يوسي كوهين”، وذلك لتعميق التنسيق الامني والاستخباري في المنطقة، ضد التمدد الإيراني، بحسب دوائر غربية. ووفق الصحيفة، فإن الرحلة شوهدت على مواقع تتبع الرحلات الجوية. وظلت الرحلة على الأرض بمنطقة (نيوم) حوالي 5 ساعات وعادت إلى إسرائيل في حوالي منتصف الليل والنصف، وفقًا لمواقع تتبع الرحلات الجوية. وفي السياق ذاته، نقلت  صحيفة “إسرائيل اليوم” عن مصدر مطلع قوله؛ إن ولي العهد السعودي وافق على نشر خبر اللقاء بهدف اختبار ردود الفعل في العالم العربي، مشيرة إلى أن هذا اللقاء ليس الأول بين “نتنياهو” و”ابن سلمان” وأن لقاءات مماثلة جرت في الماضي.

وجاء تسريب اللقاء، من قبل الطرف الإسرائيلي، ليحقق أهداف عدة، منها رغبة نتنياهو التهرب من جلسة مسائلته في الكنيست فيما يتعلق بفضيحة فساد الغواصات الألمانية، حيث تحوم الشبهات حول مقرّبين منه، وقد تطوله شخصيًا، فضلا عن الغضب الشعبي الإسرائيلي المتنامي على خلفية تُهم الفساد، بالإضافة إلى إظهار أن عملية التطبيع لا تزال مستمرة، وأنه يحقق انتصارات جديدة للإسرائيليين في هذا الشأن. وبحسب مجلة ستراتفور، جاء اللقاء، استغلالا للأيام الأخيرة لدونالد ترامب في حرث القضايا الشائكة في منطقة الشرق الأوسط، وتهيئة المنطقة لمقررات التطبيع وتجذر الدور الصهيوني إقليميا، لضمان عدم التراجع عنها مستقبلا، في ضوء تغيرات في  توجهات إدارة الديمقراطيين في الرئاسة الامريكية.

 

مسار ممتد من التطبيع

منذ مجيء ولي العهد محمد بن سلمان، تصاعد للعلن مشروعه السياسي، الذي تضمن العديد من التحولات الكبرى على المستويات الاجتماعية والاقتصادية  والسياسية. وفي ضوء ذلك تسارعت الخطوات الرامية للتطبيع والتحالف مع الصهاينة، وتم تدشين حملات إعلامية متزامنة، تستهدف غسيل أدمغة السعوديين للقبول بالصهاينة والإلحاح على أن التهديد هو إيران وتركيا والحركات الإسلامية التي يتم وصفها بالإرهاب.

ومن ضمن تلك الخطوات، وفق دراسة سابقة لـ”الشارع السياسي”:

-في نوفمبر2017م،  كشف وزير (إسرائيلي) عن اتصال سري مع الرياض، وهو اعتراف نادر بالتعاملات السرية التي تناولتها شائعات كثيرة ظهرت وقتها، والتي نفاها الجانب السعودي مرارا، وعندما أعلن ترامب في ديسمبر2017م، اعترافه بالسيادة “الإسرائيلية” على القدس عاصمة موحدة للصهاينة وقرر نقل سفارة بلاده من “تل بيب” المحتلة إلى “القدس المحتلة”، دان النظام السعودي القرار ظاهرا؛ لكن مسئولين عرب صرحوا لوكالة أنباء رويترز بأن السعودية تتفق مع الولايات المتحدة على صعيد الاستراتيجية الأوسع نطاقا لخطة سلام فلسطينية إسرائيلية تبدو في مراحلها الأولى، وتؤكد شبكة “إن تي في” الالمانية أن ابن سلمان التقى سرا نتنياهو في خريف2017م قبل إعلان ترامب قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة للصهاينة ونقل السفارة إلى القدس.

-في مارس 2018م، قررت المملكة فتح المجال الجوي للطيران التجاري الإسرائيلي للمرة الأولى لتبدأ رحلات من إسرائيل إلى الهند والعكس عبر المجال السعودي، وهي الخطوة التي وصفها الجانب “الإسرائيلي” بأنها تمثل ثمار عامين من الجهود على صعيد التعاون بين البلدين.

-أبدى ولي العهد السعودي مواقف صادمة للعرب والمسلمين جميعا حول القضية الفلسطينية؛ وذلك في حواره مع مجلة “ذي إتلانتك” الأمريكية في إبريل 2018م، حيث اعتبر “فلسطين المحتلة” وطنا للصهاينة لهم الحق في العيش فيه بسلام على أرضهم!. وذلك أثناء المقابلة الصحفية التي أجراها معه جيفري غولدبرغ، رئيس تحرير أتلانتك، الصدمة في هذه التصريحات أنها وضعت الصهاينة المحتلين على قدم المساواة مع الفلسطينيين أصحاب الحق والوطن في المطالبة بالأرض واعتبارها وطنا لهم؛  وهو أمر غير مسبوق لم تتضمنه تصريحات أي من كبار المسؤولين السعوديين من قبل، كما لم تأت أي من تلك التصريحات على مدار السنوات الماضية من ذكر أي “حق” للإسرائيليين منذ بدأت السعودية في تولي الدور الأكبر في رعاية مبادرة السلام العربية في 2002، والتي تتبنى حل الدولتين لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.  وهي التصريحات التي أطلقت حالة احتفالية في (إسرائيل)، وصلت إلى حد وصف كلام ولي العهد السعودي بأنه “وعد بلفور جديد” وهو فعلياً يرتقي إلى هذا المستوى، طالما أنه تم الإقرار بأن فلسطين هي أرض أجداد اليهود، وزاد ابن سلمان على ذلك في تصريحاته للمجلة الأمريكية بإصدار فتوى بأنه لا مانع دينيا من وجود “إسرائيل” على الأراضي الفلسطينية، وأنه لا يمانع من إقامة علاقات تجارية اقتصادية ومصالح مشتركة مع الاحتلال بشرط أن يكون ذلك في سياق حل القضية الفلسطينية ضمن اتفاق سلام لم يحدد حدوده وأبعاده، هذه التصريحات الصادمة دفعت شبكة (BBC) إلى اعتبارها تمهيدا لــ”صفقة القرن” حتى خرجت “الصفقة” للعلن ولاقت من بن سلمان ونظامه ترحيبا كبيرا.

-في يونيو 2018م، كشفت صحيفة “إنتليجانس أون لاين” الفرنسية عن اجتماع سري عقد في مدينة العقبة الأردنية في 17 يونيو 2018م، وضم كل من رئيس الاستخبارات السعودي خالد بن علي الحميدان، ورئيس الاستخبارات المصري عباس كامل، ورئيس الاستخبارات الأردني عدنان عصام الجندي إضافة إلى ممثل عن السلطة الفلسطينية، وأضافت أن  فريقاً أمريكياً يضم جيسون غرينبلات وجاريد كوشنر كان حاضراً في الاجتماع، إضافة إلى رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، وذلك لبحث سبل دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لافتة إلى أن الاجتماع تزامن مع الجهود الأمريكية الجارية حالياً في المنطقة من أجل إتمام “صفقة القرن” منوهة إلى العلاقات السرية الممتدة بين الرياض وتل أبيب منذ سنوات طويلة.

-كشفت صحيفة “الأخبار اللبنانية” في تقرير نشرته في مايو 2019م، أن ولي العهد السعودي عرض على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن 10 مليارات دولار للسلطة للقبول بصفقة القرن الأمريكية، العرض السعودي جاء في تقارير بعث بها رئيس مكتب تمثيل الأردن في رام الله، خالد الشوابكة، للخارجية بعد لقاءات جمعته مع مجدي الخالدي، المستشار الدبلوماسي للرئيس الفلسطيني، وبشارة العزة، مستشار عباس وصهر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني في ديسمبر 2017م، وتقدم ابن سلمان بهذا العرض خلال زيارة قام بها عباس إلى السعودية في نوفمبر2017م، أي قبل إعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة أبدية موحدة للكيان الصهيوني بشهر واحد. هذه الضغوط تكررت بعد ذلك، بعد إعلان صفقة القرن مباشرة؛ حيث كشف المعلق الإسرائيلي المختص بالشؤون العربية، عوديد غرانوت، في تحليل نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم”، في 30 يناير2020م، أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حاول إقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقبول الصفقة، مضيفاً أن بن سلمان قال لعباس: “لن تحدث كارثة في حال تم تدشين عاصمة الدولة الفلسطينية في بلدة أبوديس، المحيطة بالقدس”. وأضاف أن محاولات ابن سلمان لإقناع عباس تدل على أنه كان على علم مسبق بما تتضمنه الخطة.

-في نوفمبر 2018م، استقبل ولي العهد السعودي وفد الإنجيليين الأمريكيين في الرياض وهو اللقاء الذي استمر ساعتين، وبحسب رئيس الوفد جويل روزنبرغ للقناة العاشرة العبرية، فإن بن سلمان هاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإيران، وبحسب “روزنبرغ” الذي يحمل الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية وعمل من قبل في مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فقد تحدث محمد بن سلمان عن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والعلاقات “الدافئة” بين الرياض وتل أبيب لنحو ساعة ونصف من اللقاء الذي استمر قرابة الساعتين، غير أن الأمير السعودي طلب من أعضاء الوفد ألا يتم الكشف عن فحوى ما دار بينهم حول هذين الموضوعين. وقال “روزنبيرغ”:”طرحنا قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وربما كانت القضية الأكثر حساسية، تحدث محمد بن سلمان إلينا مطولا ولكنه طلب منا ألا نكشف علنا عن هذا الجزء من اللقاء”، حسبما نقل موقع “أكسيوس” الأمريكي.

-في مايو 2019م، ثار جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن كشفت خارجية إسرائيل عن زيارة وفد يهودي في وقت لاحق للمملكة العربية السعودية بناء على دعوة من رابطة العالم الإسلامي التي يوجد مقرها بمكة المكرمة، وكانت صفحة “إسرائيل تتكلم العربية” التابعة للخارجية الإسرائيلية نشرت تغريدة على حسابها في تويتر أكدت فيها أنه للمرة الأولى سيزور وفد يهودي المملكة استجابة لدعوة من رابطة العالم الإسلامي، وضمّنت الصفحة مقطعا للأمين العام للرابطة الشيخ محمد العيسى أثناء توقيع اتفاقية تعاون مع مؤسسة نداء الضمير الأميركية لتعزيز قيم الوئام ومحاربة التطرف، وقال أحد المغردين إن الشعار الموضوع خلف العيسى وهو يوقع الاتفاقية يشير إلى منظمة “أي جي سي غلوبال” (AJCGlobal)، وهي منظمة يهودية بأميركا هدفها الرئيسي مناصرة إسرائيل واليهود عالميا.

– في 26 يناير2020م، وقبل إعلان صفقة القرن بيومين فقط، وافق النظام السعودي على السماح للصهاينة بالسفر للمملكة لأسباب دينية أو تجارية، وهو ما كشف عنه مرسوم وقعه وزير الداخلية بحكومة الاحتلال “آرييه درعي” باستعداد وزارته منح تصريحات للإسرائليين الراغبين في السفر إلى السعودية لأسباب دينية أو اقتصادية. بل إن موقع “Walla” العبري نشر تقريرا في ذات اليوم تضمن خريطة بأهم المواقع السياحية التي يمكن زيارتها في المملكة وبحسب التقرير فإن قرار السماح للإسرائيليين بالسفر إلى السعودية ربما كان في الأيام الأكثر هدوءا العنوان الرئيسي في مواقع الأخبار، لكن كثرة الأحداث السياسية التي ظهرت تباعًا بكثافة شديدة حالت دون حصول خبر السماح للإسرائيليين بالسفر للمملكة على الاهتمام الكافي. في ذات التوقيت، أثنى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تغريدة على زيارة الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي “محمد العيسى”، معسكر الاعتقال النازي “أوشفيتز- بيركينو” في بولندا، للمشاركة بالذكرى الـ 75 لتحريره، واعتبر نتنياهو أن زيارة العيسى الذي سبق وشغل منصب وزير العدل السعودي هي”علامة أخرى على التغيير في موقف الهيئات الإسلامية وبالطبع الدول العربية تجاه (إسرائيل) والمحرقة واليهود”.

-في فبراير 2020م، أثنى الجنرال جوزيف ووتال، الذي عمل قائداً للقوات الأميركية في الشرق الأوسط والخليج، بالعلاقات السرية والتعاون الوثيق بين دول عربية و(إسرائيل) في مجالات الاستخبارات و”السايبر” والتقنيات والاقتصاد، واعتبر هذه العلاقات وذلك التعاون مفتاح الطريق نحو التطبيع الكامل وتكريس العلاقات الدبلوماسية، وفي حوار مع صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية أوضح أن النظم العربية التي ترتبط بعلاقات وثيقة علنية أو سرية مع (إسرائيل) لا تعتبر تل أبيب عدوا بقدر ما تتخوف من زعزعة بقائها في السلطة والمس بأوضاعها الداخلية وداعش وإيران.

 

كما لم تتوقف التحولات الكبرى التي يقودها ولي العهد السعودي عند حدود التصريحات واللقاءات السرية والقرارات المتجاوبة لأعلى درجة مع مصالح الكيان الصهيوني، بل امتد ذلك إلى أمرين بالغي الخطورة:

الأول،  هو محاولة القضاء على الصحوة الإسلامية والزج بمعظم قادتها في السجون بتهم سياسية بالغة التلفيق والافتراء؛ وذلك بهدف إضعاف مناعة المجتمع وشل قدرته على  مقاومة توجهات التطبيع السعودي التي يرعاها ولي العهد، وهو ما تزامن أيضا مع تهميش تيار السلفية التقليدية التي كانت دوما في صف الحكام ولم يعرف عنها يوما مخالفتهم في شيء رغم الانحراف الواسع الذي يمارسه نظام الحكم السعودي بعيدا عن قيم الإسلام ومبادئه وأحكامه. وجرى في ذات الوقت ترميز تيار الجامية المدخلية وهو التيار الذي يبدي أعلى مستويات التطرف في الطاعة للحكام حتى لو مارسوا الكبائر وقهروا الناس بظلمهم وبطشهم فطاعة هؤلاء للحكام هي رأس الإسلام عندهم وقبل كل شيء. حتى لو خالفوا أوامر الله ورسوله عيانا جهارا. وفرض ولي العهد إجراءات شديدة القمع أسفرت عن اعتقال مئات الدعاة والعلماء في الوقت الذي يتم فيه إكراه المجتمع كله على تبني سياسات الترفيه والرقص والغناء تحت دعاوى التحديث والمدنية، تحت إشراف «هيئة الترفيه» التي أنشأها بن سلمان، وجعل على رأسها أحد المقربين منه.

الثاني،  هو توظيف الإعلام والدراما من أجل تهيئة المجتمع السعودي للتطبيع مستقبلا، وفي رمضان 1441هـ،  تم عرض مسلسلي «أم هارون ــ مخرج 7» على شبكة “MBC” السعودية واللذين أثارا جدلا واسعا وغضبا أوسع ذلك أن المسلسلين يسوقان للرواية الصهيونية للصراع العربي الإسرائيلي من جهة ويروجان في ذات الوقت للتطبيع العلني مع الكيان الصهيوني ولا يتوقفان عند هذا الحد بل يشوهان النضال الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية في تزييف للوعي العربي من جهة وانحياز سافر للكيان الصهيوني من جهة أخرى. ووفقاً لحسن حسن، مدير برنامج في منظمة The Center for Global Policy البحثية الأمريكية، ظهور شخصية تدافع عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل على شبكة تلفزيون تديرها السعودية هي “سابقة من نوعها”. وعد ذلك صادما لجماهير العرب ذلك أن علاقات التطبيع التي تنامت سرا في سنوات باتت تطرح علنا ويتم توظيف الدراما التي ينفق عليها بسخاء بالغ للتسويق لها. فالمسلسلان يعكسان التحولات الكبرى في السياسة السعودية منذ تصعيد محمد بن سلمان وليا للعهد في منتصف 2017م. فكلا النظامين السعودي والإسرائيلي يشتركان في مواقف كثيرة أهمها العداء أولا للحركات الإسلامية السنية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وحركات المقاومة الفلسطينية كحماس والجهاد. وكلاهما يجاهر بالعداء للمشروع الإيراني باعتباره يمثل الخطر الأكبر على المنطقة. وكلاهما يتمتع بعلاقات وثيقة مع الحليف الأمريكي الذي يفرد مظلته ورعايته على السعوديين والصهاينة على حد سواء.  وفقا لشبكة NBC News الأمريكية، يرى كريستيان كوتس أولريكسن، زميل باحث في شؤون الشرق الأوسط بمعهد بيكر للسياسة العامة التابع لجامعة رايس الأمريكية، أن المسئولين السعوديين يوظفون الدراما لدفع الرأي العام إلى اتباع  أجندة النظام السياسية والتحول إلى نفس الاتجاه” موضحا  أن  “أية رسالة أو قصة تظهر في المسلسلات الرمضانية تحمل شيئاً من التأييد الرسمي”.  وبالتالي فإن الهدف الأعمق هو اختبار موقف السعوديين من القضية .  فوضع المناقشة حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في إطار درامي هو بمثابة اختبار يستهدف قياس موقف السعوديين من هذه القضية، إضافة إلى كونه توظيفا  للدراما لخدمة أجندة ولي العهد. وبحسب محللين ومراقبين، فإن توقيت بث المسلسلين يحمل رسالة لا تخفى في مضامينها وتوجهاتها، فالنظام السعودي حريص على توظيف الدراما لخدمة أجندته السياسية  تستهدف ليس فقط تهميش القضية الفلسطينية بل تصفيتها وتشويه المقاومين واغتيال المشروع الفلسطيني من أساسه.  وجه الدهشة في توقيت الرسالة السعودية أنها تتزامن مع توجهات شديدة العدائية من جانب حكومة الاحتلال الإسرائيلي والتي تصر على تنفيذ ما تبقى من صفقة القرن الأمريكية وضم الضفة الغربية والمستوطنات وغور الأردن للسيادة الإسرائيلية حتى وإن جرى تعليق ذلك مؤقتا بسبب اتفاق التطبيع الإماراتي. معنى هذا الأن السعوديين لا يرون بأسا فيما تقوم به حكومة الاحتلال، بل إنهم يمارسون أكبر عملية اختراق للعقل العربي بهدف تزييف الوعي وتسويق روايات صهيونية بالغة الفبركة والركاكة على حساب الحقائق الناصعة التي تؤكد عدالة القضية الفلسطينية ووجوب دعمها إنسانيا وحتى بحسابات القوانين الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة.

 

التطبيع الاقتصادي والتنسيق الأمني

موضوعيا، انصبت سجالات التطبيع وحواراته السرية بين السعودية وتل ابيب حول ملفات عدة من أهمها، التطبيع الاقتصادي والتنسيق الأمني، فواقع الأمر أن التطبيع الرسمي السعودي بدأ  فعليا مع الكيان الصهيوني على مستوى الاقتصاد والأمن، فالتنسيق الأمني في إطار ما تسمى بالحرب الكونية ضد الإرهاب قائم بين الرياض وتل أبيب، وكانت صحيفة “ذا تايمز” البريطانية، قد كشفت عن مستويات متقدمة من التطبيع الاقتصادي بين الطرفين. وتؤكد “ذا تايمز” أن الاحتلال ودولا خليجية شيدت بدون ضجيج علاقات أمنية مشتركة واسعة بدافع الخوف المشترك مع التهديد الإيراني.  وتؤكد الصحيفة أن إسرائيل ودولاً خليجية قامت بدون ضجيج ببناءعلاقات أمنية بدافع الخوف المتبادل من إيران، حيث قام وفد سعودي برئاسة الجنرال المتقاعد أنور عشقي برحلة إلى إسرائيل العام الماضي وسط حرص إسرائيلي على توسيع التحالف، حيث قال وزير الدفاع الإسرائيلى أفيغدور ليبرمان: “أعتقد أنه من الأفضل بكثير التعاون في القضايا الاقتصادية أكثر من مكافحة الإرهاب”، مشيدا بالجهود المبذولة لحصار قطر.

وعلى المستوى الاقتصادي، كشفت الصحيفة البريطانية أنه بمجرد تصعيد محمد بن سلمان وليا للعهد أجرى مفاوضات مع حكومة الاحتلال لإقامة علاقات اقتصادية، وهو ما وصفته بالخطوة المثيرة التي تضع إسرائيل على طريق العلاقات الطبيعية مع معقل الإسلام السني وحارس المدن الإسلامية المقدسة. وتربط ذا تايمز هذه التوجهات بحصار قطر لإجبار الدوحة على الانصياع الكامل لصفقة  القرن  وقطع علاقاتها بحركة المقاومة الإسلامية حماس. ومن المشروعات المقترحة تسير خطوط طيران مباشرة من “تل أبيب” إلى الرياض، وكذلك خط  سكة حديد يمر عبر الأردن إلى المناطق المقدسة في مكة والمدينة. وفي أبريل 2017م، عرض وزير النقل والاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس، على جيسون غرينبلات، ممثل الرئيس الأميركي وقتها، خطة “سكة قطار السلام الإقليمي”، والتي تتحدث عن ربط إسرائيل بالأردن ومنها بالسعودية ودول الخليج عبر شبكة سكك حديد تسمح للدول العربية بمنفذ إلى البحر المتوسط.  وأوضح كاتس لمبعوث ترامب أنه “لا يطلب دعماً مالياً أميركياً للمشروع، وإنما يطلب فقط تشجيع الأردن والسعودية ودول الخليج لقبوله”، مضيفاً أن “السكك الحديد التي ستمر في الدول العربية ستموّلها شركات خاصة بهدف الربح المالي”. وقال كاتس وفقا لشبكة “سي إن إن” الأميركية إن غرينبلات أعرب عن استعداده لـ”تجنيد واشنطن لدفعه قُدماً”، حسبما أفادت الإذاعة الإسرائيلية “عربيل”. بدورها، أفادت صحيفة “جيروزاليم بوست” أن السكة الحديد ستنطلق من مدينة حيفا”، مرورا بمدينة بيت شيعان، ومنها إلى جسر الملك حسين، الذي يربط الضفة الغربية بالأردن فوق نهر الأردن، ثم إربد، قبل أن تصل إلى مدينة الدمام السعودية.

وكانت السعودية فتحت أجواءها أمام الطائرات المغادرة والقادمة من إسرائيل إلى الإمارات والبحرين، وذلك بعد أن وقعتا اتفاقيتين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، في الـ15 من سبتمبر الماضي، وسط تنديد عربي وإسلامي شعبي واسع. بينما، قال رئيس جهاز المخابرات الخارجي الإسرائيلي “الموساد” السابق “داني ياتوم”، إن لقاءات المسؤولين الإسرائيليين مع نظرائهم العرب ليست وليدة اللحظة، ولكن الفرق في الإعلان، ففي السابق “كنا نلتقي العرب سرا وبملابس نسائية”، في إشارة إلى حرج الأنظمة من الغضب الشعبي لمثل تلك اللقاءات.

 

الدور الأمريكي في لقاء “نيوم”

وبحسب تحقيق استقصائي لصحيفة “الجارديان” البريطانية، منشور الثلاثاء 24 نوفمبر الجاري، تم الاتفاق بشكل أو بآخر على شروط مثل صفقة القرن، خلال فترة “ترامب” المضطربة، حيث تم طرحها بين مبعوثه وصهره جاريد كوشنر ومحمد بن سلمان الذي كان لديه وجهة نظر مختلفة تمامًا عن الإسرائيليين والصراع الفلسطيني من قادة سعوديين آخرين. لقد تركزت أفكارهم على تهديد إيران بدلاً من كون الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو مركز الخلل في المنطقة، واتفقوا على أن إسرائيل يمكن أن تساعد، لا أن تعيق، التقدم في هذا المجال.وتجنب الأمير “محمد” آراء والده وأعمامه بأن العودة إلى خطوط عام 1967 هي نقطة انطلاق للسلام، لصالح خط “كوشنر” الذي يرى بأن القادة الفلسطينيين هم سبب ركود المحادثات.

وتحسنت العلاقات بسرعة، خاصة منذ مايو 2017، عندما استقبلت السعودية “ترامب” كبطل بعد أن ألغى الاتفاق النووي مع طهران، وأعاد توجيه تركيز واشنطن نحو الرياض. فتم التخلص من القنوات السرية المستخدمة للتواصل بين المملكة وإسرائيل، وكذلك كانت الحاجة إلى وسطاء، حيث قام المسؤولون السعوديون بزيارات منتظمة إلى تل أبيب وبالعكس. ولعل قرب رحيل ادارة ترامب، سببا في اصرار واشنطن  على تحقيق خطوة تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل أو على الأقل رعاية توقيع بعض المعاهدات ذات الطبيعة الاقتصادية بينهما، قبل نهاية العام الحالي، لأسباب تتعلق برغبة ترامب في الاحتفاظ بعلاقات وطيدة بالدوائر الصهيونية الرئيسية في الولايات المتحدة، ورغبة بومبيو في تأمين دعم تلك الدوائر ودولة الاحتلال لمستقبله السياسي.

 

الدور المصري ومطامع الاقتصاد العسكري

ووفق التقارير المتواترة، كانت الرئاسة المصرية محاطة علماً بقرب إجراء نتنياهو، زيارة إلى منطقة “نيوم” السعودية للقاء ولي العهد السعودي، وإن تنسيقاً مسبقاً بين نتنياهو وعبد الفتاح السيسي يجري في إطار الاستعداد لشراكة ثلاثية بين دولة الاحتلال والسعودية ومصر، وربما تصبح رباعية بإشراك السودان في العديد من المشاريع التنموية والاستراتيجية، التي ترى الأطراف المختلفة أنه بات من الضروري البدء فيها لتحسين أوضاعها الاقتصادية، ارتباطاً بالتغيّرات التي حصلت في المنطقة جراء الأزمات المتواصلة في ليبيا وسوريا واليمن وكذلك في العالم بسبب جائحة كورونا.

وبحسب تقديرات استراتيجية، مشروع التعاون السعودي الإسرائيلي المصري، سيمثل أحد أوجه التعاون الرئيسية بين الحكومات الثلاث، كما أنه ارتكز أساساً عند إطلاقه على تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وما استتبع ذلك من إقامة علاقات أمنية وعسكرية بين الرياض وإسرائيل للتنسيق في المنطقة البحرية الفاصلة بينهما والتي يشترك فيها كلٌّ من مصر والأردن أيضاً. يضاف إلى ذلك وجود تطلعات لنتنياهو لتوسيع الاستفادة من موجة التطبيع التي كرسها بمساعدة الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب والسيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، لفتح آفاق تعاون استثماري مستدام مع المحيط العربي بالكامل.

كما أن استراتيحية السيسي تتوقع ألا يشهد قطار التطبيع المتسارع إبطاءً يُذكَر من الإدارة الأميركية الديمقراطية الجديدة، وأنه ما زال مؤمناً بأن مشاركته في تلك الخطوات “مهمة وحيوية” للحفاظ على دوره في المنطقة، إلى جانب مشاريع الطاقة في شرق المتوسط. ويأتي ذلك على وقع تراجع دور القاهرة إقليمياً في القضايا البارزة محل الاهتمام الأميركي، وعزوف واشنطن عن المشاركة الفعالة في عدد آخر من القضايا، خصوصاً إذا ما قورن الدور المصري بأدوار الدول الخليجية وعلاقاتها القائمة مع واشنطن، والصراع المتصاعد بين السعودية والإمارات على مستوى، وبينهما وبين قطر وتركيا على مستوى آخر، حول مساحات التأثير في العالم العربي، والذي أدى إلى تراجع مكانة مصر ودورها في عهد السيسي.

وإلى جانب مشروع نيوم ذي الطبيعة السياحية والاستثمارية، فإن مشاريع تطوير البنية التحتية لدول الشرق الأوسط لتداول الغاز الطبيعي وإسالته، هي مدخل أساسي للمضي قدماً في مشاريع التسوية بين الأنظمة العربية وإسرائيل، وتصفية القضية الفلسطينية، فالسعودية التي بحثت بالفعل شراء الغاز الطبيعي من إسرائيل، قريبة من الإسهام في تصورات لتدشين مشاريع مشتركة بين دول المنطقة في ساحة البحر الأحمر برعاية أميركية.

وبحسب مصادر دبلوماسية وحكومية مصرية، فإن من ضمن الأوراق التي تطرحها القاهرة أن تشارك السعودية في مشروع مستقبلي يجري الاتفاق على تفاصيله مع الحكومة الإسرائيلية لإقامة وحدة أو اثنتين لإسالة الغاز الطبيعي الذي يسيطر عليه الإسرائيليون، والمصري في البحر الأحمر، بهدف تصديره إلى الخليج ودول آسيا، لمزاحمة أكبر الدول المصدّرة للغاز إلى الدول الصناعية الكبرى في جنوب آسيا والمعروفة بأنها من الأكثر استهلاكاً للطاقة في العالم مثل الصين واليابان.

ومن الأفكار التي تطرح أيضاً لهذا المشروع، دخول السودان بعد التطبيع كشريك مقابل مساعدات كبيرة له لتوسيع إمكانياته التعدينية في البحر الأحمر، ومن دون الحاجة لترسيم الحدود البحرية مع السعودية أو مصر، وستبقى مسألة مثلث حلايب وشلاتين تلقي بظلالها على هذه النقطة.

ونوقشت هذه الأفكار المصرية الإسرائيلية بالفعل في اجتماعات منتدى شرق البحر المتوسط للغاز، مدعومة من بعض الشركات الناشطة في هذا المجال بالبلدين، في ضوء التعاون المتقدّم بين شركات “نوبل إينرجي” الأميركية، و”ديليك” الإسرائيلية، و”غاز الشرق” المصرية المملوكة حالياً من الدولة ممثلة في جهاز المخابرات العامة وهيئة البترول (تختلف عن شركة غاز شرق البحر المتوسط محل الصفقة ومالكة شبكة الأنابيب بين البلدين) وكذلك “دولفينوس” المملوكة من مستثمرين مصريين. من جهتها، ستستفيد السعودية نظرياً من المشاركة في مثل هذه المشاريع، فهي في حاجة إلى الغاز من إسرائيل، وهي بدورها في حاجة إلى وحدة لإسالة الغاز لضمان تحقيق قدر أكبر من الأرباح عند التصدير. أما مصر فقد أبدت للجانب الإسرائيلي استعدادها لإقامة وحدة الإسالة في منطقة صناعية جديدة على شاطئ البحر الأحمر كجزء من مساعي نظام السيسي لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى منطقة الصحراء الشرقية وجنوب السويس وتوفير المزيد من فرص العمل المؤقتة والدائمة، كما حدث لدى إنشاء وحدتي الإسالة اللتين تتميز مصر بهما في هذه المنطقة، على شاطئ البحر المتوسط، في إدكو ودمياط.

وبحسب تقديرات استراتيجية، ففي حال الاتفاق على تطوير مشروع كبير للطاقة في منطقة البحر الأحمر فسوف يتحتم على السعودية تمويل الجزء الأكبر منه، مقابل الحصول على حصتها من الغاز المسال بصفة دائمة والتشارك المصري والإسرائيلي في أرباح التصدير على المدى الطويل. ولا يمكن النظر إلى هذا المشروع باعتباره الوحيد الذي يمكن تنفيذه في منطقة البحر الأحمر، فبعد إقرار اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، بدأت الدولتان البحث عن استغلال الغاز في المنطقة الاقتصادية لكل منهما، وفقاً لتصريحات الوزير السعودي خالد الفالح في مارس 2019، الذي تحدث عن أن الشركة المحلية “أرامكو” ستعمل على التنقيب خلال العامين المقبلين. وفي الشهر ذاته، أعلنت وزارة البترول المصرية من خلال شركة “جنوب الوادي” الحكومية عن طرح مزايدة عالمية للبحث والتنقيب والاستغلال في 10 قطاعات بالبحر الأحمر وانتهت قبل أيام مدة تلقي العروض.

ووفقاً للشق المالي من “صفقة القرن” الأميركية، فإن دول الخليج العربي، وبالأخص السعودية والإمارات، ستموّل أكثر من 50% من المبالغ المخصصة لمصر وقيمتها 9.167 مليارات دولار، في شكل قروض. وتفرد الصفقة أولوية واضحة لمشاريع ربط الطاقة والاستثمار فيها بين مصر والاحتلال الإسرائيلي والدولة الفلسطينية لتوفير فرص العمل للفلسطينيين والمصريين وزيادة العوائد المالية على القاهرة. ومن المقرر أن يتم تخصيص مليار و500 مليون دولار لدعم الجهود المصرية المشتركة مع الإسرائيليين لإنشاء مركز إقليمي كبير للغاز الطبيعي في مصر، وتوظيف الإنتاج الكبير من الحقول المصرية وتحسين جودة شبكات نقل الغاز والغاز المسال، وذلك على مدار 5 سنوات، وتخصيص 5 مليارات دولار كاملة لدعم البنية التحتية للدولة المصرية بصفة عامة، نصفها في صورة قروض على مدار 10 سنوات، وتخصيص نصف مليار دولار لدعم الجهود المصرية لإنشاء وتطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وزيادة المشاريع والمصانع والمناطق اللوجستية فيها، مع تخصيص نسبة من العمالة المؤقتة والدائمة فيها للفلسطينيين.

 

دلالات توقيت لقاء نيوم

ويكشف توقيت اللقاء التطبيعي أن نتنياهو يحاول الاستفادة من الوقت المتبقي للإدارة الأمريكية الحالية في خدمة مشروعه التوسعي والتطبيعي،  قبل أن يغادر دونالد ترمب، وإدراته البيت الأبيض، وكما يرى الباحث والمحلل السياسي، سليمان بشارات، في حديثه لـ”قدس برس”  أن تعزيز دور بومبيو شخصيا للمرحلة السياسية القادمة، وهذا ربما نابع من دافع رغبته بالترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية، بعد انتهاء ولاية جون بايدن، فشخصية بومبيو القائمة من منطلق رجل الأعمال والسياسي الطامح، تجعله يستغل العديد من الفرص لتعزيز حظوظه المستقبلية…

وعلى الجانب الآخر، يستهدف ولي العهد السعودي، تعزيز وتأمين مستقبله السياسي والأمني بالمنطقة، من خلال تقوية علاقاته، التي تشكل الإدارة الأمريكية و”تل أبيب” بوابتها في الحالة الإقليمية والعربية، في ظل حالة التطبيع التي انطلق قطارها من الإمارات، وكذلك إمكانية تعزيز الدور السعودي بالمنطقة، أمام منافسين، تركي محتمل، في ظل رئاسة بايدن، وكذلك في ظل المخاوف من التمدد الإيراني بالمنطقة.

ويعبر اللقاء عن رؤية مشتركة بين السعودية وإسرائيل، في العديد من ملفات المنطقة، وقد تطور هذا التعاون في الآونة الأخيرة، في ظل التخوفات المشتركة من إيران والقوى التابعة لها، إضافة إلى التخوف السعودي المتنامي من الدور التركي المتصادم معها في المنطقة..وهو ما قد يكون الهدف من اللقاء مناقشة هذه المخاوف المشتركة بشكل عام، وعلى وجه الخصوص الملف النووي الإيراني وتنسيق المواقف المشتركة حياله، ومحاولة عرقلة أي مساعي لإدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدين، تجاه إعادة إحياء الاتفاق من جديد، كما أنه لا شك أن السعودية كانت هدف نتنياهو الكبير من تطبيع العلاقات الخليجية مع إسرائيل، لما تمثله المملكة من مكانة دينية واستراتيجية في المنطقة. فهي الدولة العربية التي تحتوي رمزية الإسلام الذي يمثل حائط صد قوي في وجه التشويه الفكري الذي يمارس على عقول العرب والمسلمين تجاه الصراع مع عدوهم الإسرائيلي الذي يحتل ثالث الحرمين بعد حرمي مكة والمدينة. وهي إحدى مجموعة العشرين التي تمثل دول أقوى اقتصادات العالم (ثلثي التجارة وعدد السكان و90% من المواد الخام). فإسرائيل تريد السعودية بقوة لمواجهة إيران التي تصنفها بأنها “تهديد استراتيجي”..

 

أبعاد لقاء ابن سلمان- نتنياهو

ويكشف القاءعن أبعاد عدة تتعلق بالمواقف والتجليات الاستراتيجية على الصعيد السعودي والعربي والإقليمي، ومنها:

– من الواضح أن الرئيس “دونالد ترامب” ووزير الخارجية “مايك بومبيو” أرادا تقديم هدية فراق لـ”نتنياهو”، بالإضافة إلى العديد من المزايا الأخرى على مدى السنوات الأربع الماضية، ومن الواضح أن القيادة السعودية لا تستطيع تحمل ضغوط الإدارة الأمريكية بسهولة، وليس من الصعب تخيل كيف يمكن لـ”ترامب” أو “بومبيو” تهديد “محمد بن سلمان” من خلال تسريب معلومات عن تورطه في مقتل كاتب العمود في “واشنطن بوست”، “جمال خاشقجي” أو عن سلوك المملكة المثير للجدل في الحرب في اليمن، وفق الباخث عماد حرب،في تقدير استراتيحي، لـ”المركز العربي”، كما أن الكشف عن المسؤولية الشخصية لـ”محمد بن سلمان” في أي من هذه الأمور يمكن أن يقوض بسهولة أي شرعية يتوق إليها الطامح إلى العرش السعودي محليًا ودوليًا.

– يبدو أن الملك “سلمان بن عبدالعزيز” فقد السيطرة أخيرًا على سفينة الدولة لصالح ابنه، بينما كانت المملكة حذرة في التعليق على (وإن لم تنتقد) إعلان الإمارات التطبيع مع (إسرائيل)، فقد أعلنت في النهاية أنها ضد هذه الخطوة حتى يتم إيجاد حل عادل ومنصف للقضية الفلسطينية، وهو موقف دافع عنه الملك بشدة، بينما يشيخ الملك “سلمان” ويقل انتباهه، ربما يرى ولي العهد الأمير “محمد” أن الباب ينفتح ببطء لتغيير جذري في السياسة، ومن المؤكد أن المؤشرات كانت حاضرة منذ فترة طويلة مثل الهجوم الذي شنه الأمير “بندر بن سلطان”، سفير الرياض السابق في واشنطن، ضد القيادة الفلسطينية في أكتوبر الماضي، حيث كان ذلك مؤشرًا واضحًا على موقف “محمد بن سلمان” ومن المرجح أن  يُتبع الاجتماع السعودي الإسرائيلي بسرعة كبيرة باجتماعات عامة أخرى قد تتوج بحفل توقيع في البيت الأبيض قبل 20 يناير المقبل.

– هناك احتمال مخيف وخطير للاجتماع الآن، حيث يفقد “ترامب” و”بومبيو” المزيد من النفوذ في طريقهما للخروج، وهو خطة لضربة عسكرية على إيران، حيث ربما يُطلب من “محمد بن سلمان” المساهمة فيها، وقد نشرت الولايات المتحدة مؤخرًا قاذفات “بي52” في المنطقة، من المفترض أن “تردع العدوان وتطمئن شركاء الولايات المتحدة وحلفائها، ومع تهوره قد يقتنع ولي العهد بحجج الحماية الأمريكية والإسرائيلية من الانتقام، يمكن أن يكون هذا مدعوماً من جانب الإماراتيين والبحرينيين، الذين ينظرون إلى علاقاتهم مع إسرائيل على أنها بوليصة تأمين، وإذا حدث هذا بالفعل وقررت إدارة “ترامب” مهاجمة إيران، فلن يلوم “محمد بن سلمان” وولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد” أي شخص آخر على الكارثة القادمة إلا نفسيهما.

-هناك تطورات جادة في إسرائيل لا تبشر بالخير لرئيس الوزراء “نتنياهو”؛ أطلق شريكه في الحكومة، وزير الدفاع “بيني جانتس”، تحقيقًا في فساد محتمل في صفقة شراء غواصات بقيمة ملياري دولار من ألمانيا، شارك فيها مقربون من رئيس الوزراء، بصرف النظر عن تدهور العلاقات بين “نتنياهو” و”جانتس”، يمكن أن يسبب هذا التحقيق لرئيس الوزراء الحالي صداعًا سياسيًا لا يوصف قد يؤدي إلى استقالته، وصفقة التطبيع مع السعودية في هذا السياق يمكن أن تساعده مع الجمهور الإسرائيلي.

-كما  ليس من المستبعد توقع حملة قمع جديدة في السعودية ضد أفراد العائلة المالكة السعودية والمجتمع الأوسع من أجل إسكات أي معارضة لقرار تغيير السياسة السعودية طويلة الأمد تجاه إسرائيل وفلسطين، وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى دراسة استقصائية للرأي العام أجراها المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات في الدوحة، والتي أظهرت أن 89% من السعوديين يعتبرون القضية الفلسطينية قضية تهم جميع العرب وليس فقط الفلسطينيين، وأن 65% منهم يعارضون التطبيع مع إسرائيل، كما رفض 29% من المشاركين في الاستطلاع السعودي الإجابة على سؤال التطبيع، مشيرين إلى تخوفهم من التعبير بحرية عن رأيهم في الموضوع، وفي النظام الملكي المطلق، سيؤدي هذا المستوى من المعارضة لمثل هذا السؤال المهم بالتأكيد إلى قمع مطلق، ومهما كانت نتيجة لقاء “محمد بن سلمان” و”نتنياهو”، فمن المعروف أن دول الوضع العربي الراهن -خاصة السعودية ومصر والإمارات- قررت بالفعل التخلي عن دعمها لنضال الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي، لقد أصبح من الواضح تماما أن الفلسطينيين ليس لديهم دولة عربية ستتبنى قضيتهم، ومرة أخرى، يتم تذكير الفلسطينيين بأنهم وحدهم يتحملون المسؤولية الكاملة عن العمل من أجل ضمان حقوق الإنسان الخاصة بهم كشعب وإعمال حقهم القومي في دولة مستقلة.

مخاطر التطبيع الصهيوني السعودي

وبحسب تقديرات استراتيجية لمركز الشهاب للدراسات الفلسطينية، فالتطبيع مع إسرائيل ليس خطراً على القضية الفلسطينية فحسب، ولكنه يمثل تهديداً لاستقرار دول المنطقة وضد مصالح شعوبها. فإسرائيل لا يمكن أن تكون مصدراً للاستقرار في المنطقة فهي تعيش على الخلاف العربي الذي يهدر قوتهم ويبدد شملهم، وتقتات على الحروب المذهبية التي تبدد قوة أعدائها وخصومها في المنطقة. وما يؤكد ذلك أن فكرة الصهيونية قائمة على سيادة اليهود على الاخرين، وإسرائيل -القائمة على الصهوينية- كيان عنصري لا يقبل التعايش مع أي وحدة عربية أو إسلامية، وبالتالي ستحرص باستمرار على التفريق بين دول وشعوب المنطقة لتبقى لها السيادة. ومن المؤسف أن هذه النزعة السادية موجودة لدى بعض أنظمة المنطقة، وبعضها يتشارك مع إسرائيل رغبتها الجامحة في السيطرة المباشرة على المراكز الجيواستراتيجية في المنطقة بدءً بالبحر المتوسط مروراً بالبحر الأحمر والخليج العربي وليس انتهاء بقناة السويس ومصادر نهر النيل.

ولم تعد المبادرة العربية للسلام (بيروت 2002) قابلة للحياة أمام الواقع الذي سلب العرب قوتهم المشتركة وفضح وحدتهم الشكلية، فالخلاف العربي يحجب أن يتم تبني مواقف موحدة خلف تلك المبادرة، فهي ولدت سعودية وبقيت ذلك. فاشتراط المبادرة إقامة دولة في حدود 1967م لا يوجد من هو مستعد للقتال من أجله، فمن سيطبع مع إسرائيل لا يبالي بحدود الدولة أو شكلها بقدر ما يهمه هو تحلله من الالتزام بمواجهة إسرائيل، بحثاً عن استقرار حكمه واستمرار سيادته. وحتى مبدأ حل الدولتين الذي تستند إليه المبادرة قد بدده التطبيع -الجزئي أو الكامل- فإسرائيل لم تعد مضطرة لوقف مشاريع الاستيطان المستمرة والتي تمثل خطة ضم 30% من مساحة الضفة إليها، حيث لم يتبقى من حدود الدولة الموعودة على 22% وهي حدود 1967م ما يمكن أن يستوعب دولة حتى منزوعة السلاح كما يقبل بها رئيس السلطة محمود عباس! ناهيك أن لا تكون القدس عاصمة لها.

وحتى لو جاءت إدارة الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن بمبادرة لإعادة “عملية السلام” على أساس حل الدولتين فإنها ستبقى مجرد كلمات ونقاشات لن تستطيع تغيير واقع “يهودية الدولة” في ظل غياب موقف عربي موحد واستبعاد ضغط أمريكي حقيقي يوقف الاستيطان أو يعترف بالقدس عاصمة لفلسطين، ومهما كان شكل التطبيع كاملاً أو جزئياً، اقتصادياً أو سياسياً، سرياً أو علنياً، فإنه لن يوفر استقراراً سياسياً للمنطقة ولا تنمية اقتصادية للدول ولا رفاهية اجتماعية للشعوب، وإذا كانت إيران تمثل خصماً لبعض دول المنطقة إلاّ أن إسرائيل تمثل عدواً مشتركاً للجميع وتهديد للقيم القومية التي كانت وستبقى محل خلاف يمكن تجاوزه، أما الاحتلال فلا يمكن التعايش معه أو قبوله، طالما أن الشعب الفلسطيني لم يحصل على حقوقه بالحرية الاستقلال بدولة وعاصمتها القدس.

ومن أبرز المخاطر المترتبة على التطبيع الصهيوني السعودي، حصار  المقاومة الفلسطينية، ومحاولة قطع الإمدادات عنها، والضغط عليها بكل الوسائل، وهو ما يمكن أن يكون مقدمة بالإقدام على عمل عسكري مباشر، وإزاء التتطبيع العربي والسعودي، تبدو المقاومة متضررة ، فعلى الصعيد المعنوي تعد الدول العربية هي عمق القضية الفلسطينية، والسعودية دولة مركزية وخساراتها كبيرة للقضية الفلسطينية، كما أن هنالك ضرر مباشر على المقاومة نتيجة الأدوار التي قد تلعبها هذه الدول بما فيها الرياض، وذلك على صعيد تجفيف منابع تمويل المقاومة الفلسطينية، وعرقلة خطوط إمدادها، وممارسة تضييقات أمنية على الأشخاص والمؤسسات المتعاونة مع المقاومة أو العاملة لأجل القضية الفلسطينية بشكل عام.

 

مسار التطبيع بين الفرص والتحديات

من جانب أخر، وعلى الرغم من إصرار ابن سلمان على استكمال مسار التطبيع، تبرز العديد من العوائق أمام مسارات التطبيع، منها:

أن القيادة السعودية منقسمة حول قضية التطبيع، فبينما يصدر القادة السعوديون السابقون والحاليون تصريحات براجماتية بشأن إسرائيل، يبدو أن الملك “سلمان” يلتزم بوجهة نظر أكثر تقليدية بشأن إسرائيل والقضية الفلسطينية. ففي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2020، ربط “سلمان” مرة أخرى التطبيع بتلبية إسرائيل لمجموعة من الشروط بناءً على معايير المبادرة العربية للسلام، وقد تعكس الرسائل المتناقضة التي ترسلها القيادة السعودية بشأن هذه القضية اهتمام المملكة بالحفاظ على مساحة كافية للمناورة لتمكينها إما من التراجع عن التطبيع أو التقدم نحوه، حسب الظروف، وستزداد احتمالية التطبيع مع إسرائيل بعد وفاة الملك “سلمان”، وبالتأكيد إذا تم تعيين ابنه ولي العهد “محمد” ملكًا، ومن المفترض أن تتأثر مسألة التطبيع مع إسرائيل بفهم “ابن سلمان” إلى أي مدى يمكن أن يتدخل مثل هذا الإجراء في تعيينه.

ولعل السؤال هو عن مدى انفتاح المجتمع السعودي المحافظ على اتفاق مع إسرائيل؟؟

ففي السنوات الأخيرة، أظهر المجتمع السعودي قبولا لتغييرات اجتماعية واقتصادية كبيرة، لكن هذا لا يعني أن اتفاقية سلام مع إسرائيل ستلقى مثل هذا الدعم، في الوقت نفسه، فإن التغييرات الهيكلية الأخيرة في المملكة، بما في ذلك مجلس الشورى السعودي ومجلس كبار العلماء ستساهم في تمهيد الطريق للتطبيع، ومن المرجح أن تساعد مثل هذه التغييرات العائلة المالكة على التصرف بمزيد من المرونة حيال هذه الإجراءات بعيدة المدى، ولم يُخفِ القصر الملكي السعودي رغبته في تغيير الخطاب الداخلي للبلاد، بما في ذلك الخطاب الديني، ويلعب الدين دورًا رئيسيًا في خطاب المملكة حيث تستخدمه السلطة كوسيلة للتأثير على المشاعر وكسب الدعم الشعبي، ومن المتوقع أن يواصل “ابن سلمان” استخدام المؤسسة الدينية ضد المعارضة لتمهيد الطريق لإجراءات سياسية مثيرة للجدل، بما في ذلك التطبيع مع إسرائيل.

وهناك مؤشرات على تبني موقف أكثر تسامحًا تجاه اليهود واليهودية، من أجل اختبار رد الفعل الشعبي، ولكن أيضًا لتهيئة الرأي العام، وجاءت ردود الفعل السلبية على هذا المسعى بالدرجة الأولى من السعوديين في المنفى، ومعظمهم يعارض النظام، وليس من السكان المحليين، الذين يخشون التعبير علانية عن آراء تتعارض مع موقف الحكومة، ويعتبر التحدي الآخر أمام المملكة هو الحفاظ على مكانتها في العالم الإسلامي، وهذا الهدف، الذي هو مصلحة عليا للرياض، قد يتضرر من انتقادات جهات مثل تركيا وإيران تسعى لتبني القضية الفلسطينية واستخدامها لمهاجمة المملكة، ونظرًا لوضع المملكة في العالم الإسلامي، تعتبر اتفاقية التطبيع ذات قيمة خاصة لإسرائيل، التي تأمل أن تسهل مثل هذه الاتفاقية علاقات أفضل مع العالم الإسلامي بأسره.

كما تعتبر الرياض الاتفاق مع تل أبيب وسيلة لتعزيز علاقاتها مع واشنطن، وتعتقد السعودية أنه من المرجح أن يؤدي الاتفاق مع إسرائيل إلى تحسين صورتها ومكانتها الدولية، بما في ذلك في الكونجرس الأمريكي، حيث تضررت في السنوات الأخيرة بسبب تصرفات “بن سلمان” وهذا يتطابق مع الجهود السعودية لتسويق “الإسلام المعتدل” كجزء من عملية التحديث المستمرة، وبالرغم من مزايا العلاقات السرية بين السعودية وإسرائيل، فإن تطبيع العلاقات سيساعد على الوصول بسهولة إلى التكنولوجيا الإسرائيلية كما يعزز نفوذ السعودية في الأماكن الدينية في القدس، ومن المرجح أن يكون القلق السعودي المتزايد بشأن إيران عاملاً يحفز المملكة على التحرك نحو التقارب مع إسرائيل، ليس بالضرورة من خلال توقيع اتفاق رسمي، ولكن في المقابل يمكن أن يكون ذلك العامل رادعًا ضد توثيق العلاقات.

بالنسبة للسعودية، تتوقف مسألة العلاقات مع إسرائيل على استقرار المملكة ومكانتها، ومن المحتمل أنه يُنظر في الوقت الحالي، إلى اتفاقية تطبيع كاملة مع إسرائيل على أنها خطوة بعيدة جدًا، لكن هذا لا يعني أن الاستعدادات لمثل هذا الاتفاق ليست جارية، لا سيما في تشكيل الرأي العام الذي لا يزال يعارض في الغالب التطبيع مع إسرائيل، ما يعني أن القيادة السعودية قد تحتاج المزيد من الوقت حتى تشعر بالثقة بشأن اتخاذ تدابير تجاه التقارب مع إسرائيل، ومن المحتمل أن تكون مطالب الرياض أعلى من مطالب أبوظبي. فإذا كان الاتفاق الإسرائيلي- الإماراتي أوقف الخطة الإسرائيلية لضم الأراضي في الضفة الغربية، فإن الشروط السعودية يمكن أن تتضمن مطالب أكبر من إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية، علاوة على ذلك، تطالب الإمارات بالوصول إلى أسلحة أمريكية متقدمة، بما في ذلك مقاتلات “إف 35″، ومن المحتمل أن تكون مطالب السعودية في هذا المجال أعلى من مطالب الإمارات وربما تمتد إلى المجال النووي.

ويعد موقف دول الخليج من إسرائيل ديناميكيا، لذلك من الممكن أن يكون التزام الرياض بشروط مبادرة السلام العربية كأساس للمفاوضات مفيدًا ليس فقط للحفاظ على استقرار المملكة ومكانتها، ولكن أيضًا كورقة مساومة في المفاوضات مع الولايات المتحدة حول شروط التطبيع. وبحسب غيل مورسيان، من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين، في حواره مع DW فأن توقيت هذه الزيارة ومجيئها بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يشي بأنه “أصبح من الواضح لكلا الجانبين الإسرائيلي والسعودي أن الرئيس الأمريكي المستقبلي جو بايدن لن يواصل المسار الذي اتخذه دونالد ترامب فيما يتعلق بإيران. وقد عملت إدارة ترامب على التقارب بين إسرائيل وبعض الدول العربية، ومن المحتمل أن تخدم زيارة نتنياهو  هذا الغرض أيضاً، إذ أن التقارب الذي حصل بين الإمارات والبحرين و إسرائيل، “كسراً للمحرمات”، إلا أن التحدي الذي يواجه السعودية أكبر بكثير من الذي واجه الإمارات والبحرين. وذلك “نظرا للرمزية الدينية التى تحظى بها المملكة في العالم العربي، ووجود المقدسات الإسلامية، مكة والمدينة على ترابها. في الوقت نفسه، هناك إصرار من نتنياهو على قناعته القديمة بأن المحادثات والتقارب بين إسرائيل والعالم العربي ممكن، إلا أن  المخاطر الناجمة عن التطبيع العربي الصهيوني، يمثل التهديد الأكبر  لحل الدولتين ومبادرة السلام العربية التي رعتها السعودية عام 2002.

كما أن الصراع العربي الإسرائيلي لم يعد له أولوية في المنطقة،  بل بات هناك صراع عربي إيراني وصراع عربي تركي ،  وبالتالي إسرائيل قد لا تكون الهم الأول لبعض العواصم العربية، خصوصا أن إسرائيل باتت شريكة لبعض الدول العربية في أي اتفاق مقبل مع إيران، وإن الموقف العربي من تركيا خصوصا الخليجي والمصري من تركيا سيؤسس لمرحلة جديدة، وبحسب تقرير صادر عن “ستراتفور” الخميس، 26 نوفمبر، فإن السعودية وإسرائيل تسعيان لتقليل اعتمادهما على أمريكا من خلال تنويع علاقاتهما الدولية، بما في ذلك مع بعضهما البعض، خشية أن تتبنى الإدارة القادمة للرئيس الأمريكي المنتخب “جو بايدن” نهجا معتدلا تجاه إيران، ونهجا أكثر انتقادا لسجل حقوق الإنسان لدى دول المنطقة، ولدى السعودية وإسرائيل مخاوف متبادلة بشأن ميليشيا الحوثيين في اليمن والتي تهدد كل من الأراضي السعودية والشحن الإسرائيلي في البحر الأحمر. كما يتشارك الجانبان المخاوف بشأن الميليشيات الأخري الموالية لإيران في العراق ولبنان وسوريا والتي تراكم قدرة صاروخية كبيرة بمرور الوقت، ومن شأن توصل “نتنياهو” و”ابن سلمان” إلى علاقة دفاع مشتركة أن يوفر خيارات جديدة لكليهما لمواجهة إيران، لا سيما في العمليات السرية في المسارح بالوكالة مثل سوريا والعراق واليمن. كما أن ذلك قد يخفف بعض المعارضة في الكونجرس الأمريكي لمبيعات الأسلحة الجديدة إلى السعودية، حين يصبح الإسرائيليون حليفا أكثر علانية للمصالح السعودية وأولوياتها في مجال الدفاع، وأثناء حملته الانتخابية، انتقد “بايدن” حملة “أقصى ضغط” التي شنتها إدارة “ترامب” على إيران، وكذلك انسحاب الإدارة المفاجئ من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018.

وبالإضافة إلى منح البلدين رصيدا استراتيجيا ضد إيران، فإن المزيد من التطورات في العلاقات السعودية الإسرائيلية سيكون بمثابة دفعة كبيرة للتطبيع الإسرائيلي عالميا. ولا تزال السعودية تملك تأثيرا ملحوظا في العالم الإسلامي، وهو ما يعطي وزنا لتحركاتها بين الرأي العام العالمي، وبينما تقترب الرياض من إسرائيل، فمن المحتمل أن تهدئ خطواتها من المواقف المعادية لـإسرائيل في البلدان الأخرى ذات الأغلبية المسلمة، ما يعزز الزخم نحو التطبيع في دول مثل باكستان وإندونيسيا وماليزيا وبنجلاديش، كما أن توثيق العلاقات السعودية الإسرائيلية قد يكون مفيدا لكلا الجانبين من الناحية الاقتصادية، حيث تعتمد السعودية في مشاريعها التنموية على التقنيات المتقدمة، وتعد إسرائيل بالفعل من بين الدول الرائدة في العالم في هذه القطاعات، وهو ما قد يرسم مستقبل التطبيع الصهيوني السعودي ، وقد يكون الخطوة التالية او السابقة عمان، كي تزداد مبررات ادارة بن سلمان للسير نحو التطبيع، متجنبا العراقيل الداخلية التي قد تتصاعد بالمرحلة المقبلة.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022