عودة التوتر بين المغرب والبوليساريو برعاية جزائرية

 

 

ترعى الأمم المتحدة منذ عقود جهودًا لإيجاد حل سياسي ينهي النزاع حول الصحراء الغربية، لكن المفاوضات التي تشارك فيها الجزائر وموريتانيا توقفت منذ 2019 بعد استئنافها في 2018. ومؤخرًا حدث تصعيد جديد في منطقة الكركرات، وهي نقطة عبور بين الصحراء الغربية وموريتانيا، في منطقة منزوعة السلاح، تُراقبها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وظهرت الجزائر بقوة خلال تلك الأزمة، وهو الأمر الذي يرجع إلى موقفها القديم من قضية الصحراء، والمبني على نقطتين؛ إحداهما: مُعلنة، وهي أنه منذ ثورة نوفمبر فإن الجزائريين تربوا على عقيدة رفض كل حالة استعمار من أي جهة كانت، ولهذا كانت الجزائر بجانب العديد من الحركات التحررية في إفريقيا والعالم، ومنها جبهة البوليساريو، التي ترى الجزائرُ أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي. والنقطة الثانية غير مُعلنة، وتنبع مع الصراع التاريخي بين المغرب والجزائر على قيادة المنطقة؛ فالجزائر دائمًا تنظر إلى المغرب على أنه تهديد، والخلاف بين البلدين يعود إلى عقود مضت، منذ السنوات التي تلت استقلالهما، وعندما ظهرت مشكلة في الصحراء الغربية وجدت فيها الجزائر فرصة لإضعاف المغرب، وأيضًا لقطع ارتباطها بإفريقيا جنوب الصحراء. فما هي جذور الأزمة؟ وكيف كانت نتائجها وردود الفعل حولها؟ وما موقف الجزائر والقوى الدولية منها؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عنها.

 

بداية الأزمة:

عادت التوترات مرة أخرى بين المغرب وجبهة البوليساريو، عند معبر الكركرات الواقع على الحدود المغربية الموريتانية. المعبر الذي يمثل نقطة توتر بين الحين والآخر، شهد تظاهرات يوم الأربعاء 21 أكتوبر، لعشرات المواطنين الصحراويين، من مختلف مكونات المجتمع المدني. وحسب وكالة الأنباء الصحراوية، فقد طالبوا بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو)، بتحمل مسؤولياتها والإغلاق الفوري للمعبر الذي وُصف بغير القانوني. وفي سبتمبر، زار الجنرال دكور دارمي عبد الفتاح الوراق، المفتش العام للقوات المسلحة المغربية، المنطقة الجنوبية عند الجدار الأمني. وجاءت الزيارة على إثر بعض التحركات لجبهة البوليساريو، قامت بتهديد قوافل التجارة. وقرارات مجلس الأمن

-بما فيها القرار 2351 وما بعده- كانت قد ألزمت جبهة البوليساريو بالامتناع عن التحرك فوق رقعة المنطقة العازلة، أو القيام بأي نشاط. وتستخدم الجبهة المعبر وسيلة ضغط على المغرب بين الحين والآخر؛ من أجل الحفاظ على موقعها في المشهد، حيث يمثل المعبر أهمية كبيرة، خاصةً في ظل حركة التجارة التي تمر من خلاله. وجاء ذلك في سياق قرب انعقاد الجمعية العامة بالأمم المتحدة، وخصوصًا مع اقتراب موعد التصويت على تقرير مجلس الأمن بخصوص بعثة المينورسو التي انتهت مهمتها في 31 أكتوبر[1]. واندلعت الأزمة بعدما أطلق المغرب عملية عسكرية لإعادة فتح معبر الكركرات الحدودي في المنطقة العازلة باتجاه موريتانيا، وذلك بعد عرقلته من طرف أعضاء في بوليساريو لثلاثة أسابيع، فيما تقول الجبهة إنهم مدنيون اتخذوا مبادرة التظاهر في الكركرات بحجة أنه غير شرعي. وكان المغرب انتهى من بناء جدار رملي في الكركرات، يمتد الآن إلى الحدود الموريتانية، والهدف من الجدار هو التأمين النهائي لحركة مرور المدنيين والتجارة في طريق الكركرات الواصل بين المغرب وموريتانيا. وفجَّرت الأزمة مخاوف من عودة النزاع المسلح بين الطرفين إلى ما كان عليه قبل وقف إطلاق النار[2].

 

نتائج الأزمة وردود فعل طرفيها:

خلَّف الهجوم تدمير آلية لحمل الأسلحة شرق الجدار الأمني بمنطقة المحبس، وتقع المحبس شمال الجدار الدفاعي، الممتد على نحو 2700 كيلو متر، والذي يفصل -منذ نهاية الثمانينيات- القوات المغربية عن مقاتلي البوليساريو، وتحيط به المنطقة العازلة، وعرضها خمسة كيلو مترات من الجهتين. واستؤنفت السبت 21 نوفمبر حركة المرور، عبر طريق الكركرات الحيوي لنقل البضائع نحو موريتانيا وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء، بحسب ما أكدته مصادر مغربية وموريتانية[3]. أما عن ردود الأفعال، فقد ذكرت وكالة الأنباء التابعة لجبهة البوليساريو أن جيش التحرير الشعبي الصحراوي شن هجمات مكثفة على قواعد للجيش المغربي في قطاعات المحبس وحوزة وأوسرد والفرسية؛ مما أسفر عن سقوط خسائر في الأرواح. وقالت إن المحافظة السياسية لجيش التحرير الشعبي الصحراوي أكدت في بيان لها، بأن عدة مواقع معادية قد تعرضت لضربات مقاتليها على طول الجدار المغربي، مشيرةً إلى أن ذلك يأتي ردًّا على ما حدث من الجيش المغربي بمنطقة الكركرات؛ حيث قامت القوات المغربية فجر الجمعة، بفتح ثغرتين جديدتين إلى جانب الثغرة الأولى في الجدار، فيما اعتبرته الجبهة خرقًا صارخًا لوقف إطلاق النار بين الجانبين المعمول به منذ 30 عامًا، وأن الحرب بدأت. وأوضحت قيادة القوات المسلحة المغربية في وقت لاحق أنها أقامت حزامًا أمنيًّا من أجل تأمين تدفق السلع والأفراد عبر المنطقة العازلة في الكركرات. وبينما أكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن الأمر لا يتعلق بعملية هجومية، إنما هو تحرك حازم إزاء هذه الأعمال غير المقبولة، وأن عناصر المينورسو الموجودين على الأرض لم يسجلوا حدوث أي احتكاك مع المدنيين[4].

 

الدور الجزائري:

الجزائر هي الدولة التي أُعلن منها قيام الجمهورية العربية الصحراوية في عام 1976، ويتواصل الدعم الجزائري لجبهة البوليساريو الانفصالية على جميع المستويات والمؤسسات؛ فقد أعلن حزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر أكبر الأحزاب السياسية الذي يمتلك الأغلبية البرلمانية، أنه يضع مناضلي حزبه تحت تصرف البوليساريو، في معركتهم ضد الجيش المغربي. وقال الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، أبو الفضل بعجي، إن الآلاف من مناضلي جبهة التحرير الوطني تحت تصرف القضية الصحراوية والشعب الصحراوي. وشدَّد في ندوة مشتركة مع سفير البوليساريو بالجارة الشرقية، أنه لا يمكنهم البقاء مكتوفي الأيدي أمام هذا العدوان، في إشارة إلى ضرورة تحرك الجيش الجزائري نحو الصحراء المغربية. وتكشف تصريحات الأمين العام لحزب جبهة التحرير تدخل الجزائر بشكل واضح في ملف الصحراء المغربية، في وقت يدَّعي فيه النظام الجزائري أنه مجرد طرف محايد في النزاع الإقليمي المفتعل. ويدفع الحزب الذي قاد الجزائر منذ الاستقلال إلى اليوم في اتجاه التصعيد العسكري بين المغرب وجبهة البوليساريو؛ من أجل حسم الصراع بالسلاح. ويتجه الموقف الجزائري الآن ليصبح أكثر تطرفًا من ذي قبل في تعاطيه مع ملف الصحراء، خاصةً في ظل الدعم العربي والإفريقي والدولي الواسع للتدخل المغربي في معبر الكركرات، وإعادة الوضع الطبيعي بالمنطقة[5]. ويرى رئيس اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي، سعيد العياشي، أن حالة الحرب كانت منتظرة بعد الخروقات التي ارتكبها المغرب، سواء بخرق وقف إطلاق النار، أو نهب ثروات الصحراويين، أو انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، والتباطؤ في تعيين المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة من طرف المغرب، في الوقت الذي ضاعت فيه ثقة الصحراويين في الأمم المتحدة ومجلس الأمن[6].

 

دور الأطراف الخارجية:

قد يكون التصعيد الأخير بين المغرب وجبهة البوليساريو له علاقة بإحساس الجبهة بأن قضيتها لم تعد محل اهتمام العالم، وأن الدول المساندة لها تخلت عنها، أو منشغلة بقضايا أكثر أهمية، فقررت لفت الأنظار، وإحياء النزاع من خلال ما قامت به من استفزاز في المنطقة المحايدة، ولكن أيضًا هناك خشية أن أطرافًا خارجية عن الأطراف المباشرين للأزمة وراء التصعيد الأخير، وتريد تفجير الأوضاع في المغرب، وبينه وبين الجزائر، في سياق الفوضى السائدة في المنطقة. وهو ما أكدته تصريحات مسئول جزائري بأن التطورات الأخيرة التي فرضها النظام المغربي بالتدخل العسكري في منطقة الكركرات، جعلت الجزائر تضبط مقاربتها الجديدة تجاه القضية الصحراوية، باعتبارها تمثل من الآن فصاعدًا قضية سيادية، تتعلق أساسًا بالعمق الأمني الإستراتيجي لإقليمها الوطني، ولم تعد مقتصرة على كونها مسألة مبدئية ترتبط بتقرير المصير، وفق ثوابتها الخارجية في دعم قضايا التحرر العادلة عبر العالم منذ اندلاع ثورة نوفمبر. وبذلك فإن مؤسسات الدولة الجزائرية -المدنية منها والأمنية- تتعامل حاليًّا مع المشهد الصحراوي، ليس من منطلق السعي لتصفية آخر استعمار في المنطقة فقط؛ بل وفق مقاربة صيانة مصالحها العليا، وحماية أمنها الإقليمي، بعد انتهاك الشرعية الدولية، وخرق اتفاق وقف إطلاق النار، بتواطؤ إماراتي وصهيوني وفرنسي –على حد قول المسئول الجزائري-[7].

 

الخُلاصة:

يُعد تأجُّج الصراع المغربي الصحراوي في تلك الفترة، جولة جديدة من جولات الصراع التي تتجدد من آنٍ لآخر، لا سيما في ظل التجاهل الدولي الذي تحياه القضية الصحراوية في تلك الفترة. وفي الأخير يُمكن القول إن العلاقة الوطيدة بين الجزائر وجبهة البوليساريو -وخاصةً أنها الداعمة الأساسية لها- ستنعكس سلبًا على العلاقات الجزائرية المغربية. لكن هذا التأثير سيظل محدودًا؛ لأن العلاقات بين البلدين في وضعية غير طبيعية منذ سنوات، لكن لن يؤدي هذا إلى وقوع حرب. فجميع الأطراف ليس من مصلحتها أن يحدث هناك أي توتر عسكري في الميدان؛ أي أنه سيظل خلافًا سياسيًّا.

 

[1] “توترات جديدة بين المغرب و”البوليساريو” .. هل تصل إلى الصدام العسكري؟”، عربي Sputnik، 23/10/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/Iz6dn

[2] “الأمم المتحدة تؤكد تبادل إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو”، DW، 17/11/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/T7HUr

[3] “الصحراء الغربية: إطلاق نار بين القوات المغربية ومقاتلي البوليساريو”، France 24، 16/11/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/BZtkO

[4] “البوليساريو توجه ضربات عسكرية لمواقع للجيش المغربي .. ووزير إعلامها: الحرب بدأت”، عربي Sputnik، 14/11/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/iUcFr

[5] “الحزب الأغلبي بالجزائر يضع “مناضلين” في خدمة مرتزقة البوليساريو”، هسبريس، 24/11/2020، متاح على الرابط: https://2u.pw/JR5U2

[6] مصطفى هاشم، “في مواجهة المغرب .. لماذا تدعم الجزائر جبهة البوليساريو؟”، الحرة، 16/11/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/nhxFM

[7] “من المسؤول عن التصعيد بين المغرب وجبهة البوليساريو؟”، عربي BBC، 21/11/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/8eE8k

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022