اجتماع مجلسي النواب والأعلى للدولة الليبي في مدينة طنجة المغربية .. النجاحات والإخفاقات

 

 

انطلق الاجتماع التنسيقي بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبي “لجنة “13+13″”، في 30 نوفمبر 2020، بمدينة طنجة المغربية؛ لمناقشة توحيد الأجسام القيادية السياسية في البلاد؛ ومن ثم الاتفاق على آليات اختيار قيادات تلك الأجسام.

وتتمثل أبرز قضايا النقاش في كيفية توحيد المؤسسة التشريعية الليبية، ومناقشة ما تم التوصل له في ملتقى الحوار السياسي بتونس، الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة للدعم بليبيا، ومحاولة توحيد الموقف من المسار السياسي والدستوري في البلاد، وفتح ملف المناصب السيادية السبعة المنصوص عليها في المادة 15 من الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات عام 2015[1].

 

أولًا: نجاحات اجتماع طنجة:

أسفرت تلك الاجتماعات عن مجموعة من التوافقات، خاصة فيما يتعلق بتوحيد البرلمان، وهي التوافقات التي جاءت أيضًا مع حل أزمة عائدات النفط بين المؤسسة الوطنية للنفط والبنك المركزي، وهو ما سنعرضه بمزيد من التفاصيل فيما يلي:

– توحيد البرلمان: فقد أعلن أعضاء مجلس النواب، في طبرق وطرابلس، عقد جلسة عامة مكتملة النصاب، في 7 ديسمبر الجاري، في مدينة غدامس؛ تنفيذًا لما اتفق عليه في الأيام الماضية، بشأن توحيد المجلس؛ لمناقشة الاستحقاقات المقبلة في البلاد[2].

كما اتفق النواب على تشكيل أربع لجان نيابية؛ الأولى تضطلع بمهام إعداد مقر المجلس في غدامس، والثانية لوضع مقترحات لإعادة النظر في لائحة المجلس الداخلية، والثالثة لإعداد جدول أعمال الجلسة الأولى في غدامس في 7 ديسمبر الجاري، والرابعة تنتظر التوافق خلال اجتماعات النواب الحالية حول قضية اختيار رئاسة جديدة للمجلس بديلًا عن عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب في طبرق حاليًّا[3].

ما يعكس تطورًا كبيرًا في سبيل توحيد المؤسسة التشريعية “البرلمان”، التي تعتبر خطوة أولى لإنهاء حالة الصراع والانقسام داخل المؤسسات كافة، وتمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق إطار دستوري، وإنهاء المرحلة الانتقالية في أقرب وقت ممكن:

– حل إشكالية إيرادات النفط: فقد عقد رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، في 1 ديسمبر الجاري، بالعاصمة طرابلس، اجتماعًا طارئًا لإنهاء الخلاف الذي اندلع بين أكبر مؤسستين اقتصاديتين في ليبيا، المصرف المركزي بقيادة المحافظ الصديق الكبير، ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، بعد نزاع حول عوائد النفط، وأوجه صرفها بين الطرفين.

وكان هذا الخلاف قد ساهم في تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد؛ إذ تسبب في تراجع كبير لقيمة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، بعد إعلان المؤسسة الوطنية للنفط تجميد الإيرادات النفطية في حساب خاص، وعدم تحويلها لحساب المصرف المركزي؛ لاتهامها له بسوء إدارة هذه الموارد، على لسان رئيسها مصطفى صنع الله.

وكشف المكتب الإعلامي  لحكومة “الوفاق” عن نتائج إيجابية لهذا الاجتماع الطارئ الذي دعا له السراج؛ لمناقشة فك تجميد الإيرادات النفطية، بحضور محافظ المصرف المركزي ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط، وعدد من القيادات السياسية في طرابلس، يتقدمهم رئيس مجلس الدولة خالد المشري. وبين أن “المشاركين في الاجتماع اتفقوا على تفعيل دور اللجنة المالية المشتركة، التي تضم أعضاء من وزارة المالية والمصرف المركزي وديوان المحاسبة، وممثلين عن وزارة المالية في المنطقة الشرقية؛ للشروع في توحيد المالية العامة، وإعداد مشروع ميزانية موحد للبلاد”. وأضاف المكتب الإعلامي أن “الاجتماع بحث آلية رفع التجميد القائم على ايرادات النفط، مع التأكيد على تفعيل آليات الرقابة، والتقيد بمعايير الإفصاح والشفافية لهذه الإيرادات من قبل المصرف المركزي”[4].

 

ثانيًا: مؤشرات فشل اجتماع طنجة:

ظهرت مجموعة من الإخفاقات على ضوء هذا الاجتماع، التي قد تؤدي إلى إطالة أمد الأزمة الليبية، منها:

1- مهاجمة توحيد البرلمان: فقد هاجم رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح المسارات الموازية
-في إشارة لحوارات طنجة وبوزنيقة- باعتبارها تحاول إفشال الحوار الليبي الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة. ويرجع هجوم صالح بالأساس إلى تخوفه على منصبه كرئيس للبرلمان، وكذلك تلاشي فرص وصوله إلى رئاسة المجلس الرئاسي الجديد، خاصة وأن الخطة الأممية تقضي بإزاحة الطبقة السياسية الحاكمة حاليًّا[5].

2- التحشيد العسكري: فقد أقام طرفا النزاع في ليبيا، خلال الأيام الماضية، مناورات عسكرية، تشير إلى إمكانية عودة الطرفين مرة أخرى إلى الصراع المسلح. ففي جانب حكومة “الوفاق”، أعلنت غرفة عمليات سرت والجفرة، في 26 نوفمبر، الانتهاء من مشروع رماية بـ “المدفعية”، بمشاركة واسعة لـ “المنطقة العسكرية والكتائب والسرايا المتخصصة”.

أما مليشيات حفتر فقد أطلقت مناورة عسكرية غرب بنغازي، في 25 نوفمبر، “شملت ضرباتٍ جوية من قبل الطيران الحربي، إضافة لعملية إنزال جوي لفرق المشاة، وتعاملهم بالذخائر الحية الدقيقة”، بالاضافة لــ “فرق من سرايا الهاون والهاوز والدبابات”.

وما يزيد الأمور تعقيدًا، ما كشفه موقع “ذا درايف” الأمريكي، في 26 نوفمبر، عن رصده -من خلال فيديو- المناورات الذي عرضته مليشيا 106 التابعة لحفتر، عن مشاركة مقاتلات روسية من طراز “Su-24 فينسر” وأخرى من طراز “ميغ-29” فيها، بالإضافة لظهور مروحية روسية من طراز Mi-24 وهي تطلق صواريخ، مؤكدة أنها مؤشرات تدل على حجم الوجود الروسي الكبير إلى جانب مليشيات حفتر.

ويعتبر ظهور سلاح روسي متقدم أثناء المناورات، رسالة من حفتر بأنه لا يزال يمتلك القوة لتقويض كل شيء. كما يعتبر رسالة من  موسكو بأن أي مفاوضات لا توفر لها مصالحها -سواء في الملف الليبي أو غيره- يعني قدرتها على الدفع بحفتر مجددًا كعامل لتخريب أي تقدم في المفاوضات الحالية[6].

3- إشكالية عوائد النفط: فبعد أن تم حل إشكالية الإغلاقات المتكررة للقطاع النفطي في ليبيا، التي كان أحدثها في يناير الماضي، حين أغلقت قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر حقولا ومنشآت نفطيةـ ليقوم حفتر -بضغوطات دولية، في 18  سبتمبر الماضي- بفك الحصار عن المنشآت، واستئناف إنتاج وتصدير النفط.

فسرعان ما ظهرت إشكالية أخرى، تمثلت في تصاعد الخلاف بين الرئيس التنفيذي لـ «المؤسسة الوطنية للنفط»، مصطفى صنع الله، ومحافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، المحسوب على جماعة «الإخوان المسلمون». فقد أوقفت المؤسسة إحالة أموال النفط إلى المصرف بعد اتهامات متبادلة بالاختلاس، في خطوة من شأنها تجميد الأموال، حتى التوافق على آلية التوزيع العادل لها[7].

وعلى الرغم من حدوث انفراجة في حل الأزمة بين الكبير وصنع الله -عقب الاجتماع الطارئ الذى دعا له السراج، المشار إليه أعلاه- إلا أنه من المتوقع أن تتجدد تلك المعركة في القريب العاجل؛ لمجموعة من الأسباب، منها:

– أن تلك المعركة تهدف بالأساس إلى الإطاحة بالصديق الكبير من منصبه رئيسًا للمصرف المركزي، وهو ما ظهر في تزامن الأزمة بين الكبير وصنع الله مع ظهور أصوات تطالب باستبعاد الكبير وتعيين محمد الشكري مكانه، الذي كان برلمان طبرق قد انتخبه بديلًا عن الكبير في ديسمبر 2017.

كما أنها تأتي بالتزامن مع العملية السياسية الجارية حاليًّا، التي ستقود -حسب ما هو معلن- إلى استبدال المسؤولين على رأس المؤسسات السيادية، بما في ذلك مؤسسة النفط والمصرف المركزي[8]. وعليه فطالما ظل الكبير في منصبه، فإن احتمالات عودة الصراع مرة أخرى لا تزال قائمة.

– أن الصراع بين الكبير وصنع الله يأتي بدعم من رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج لصالح الأخير؛ حيث أكد صنع الله أن قرار حجب الإيرادات جاء بناء على تعليمات رئيس المجلس الرئاسي المكلف بالإشراف على المؤسسة الوطنية للنفط، وفقًا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (2259) لسنة 2015. ويأتي دعم السراج لصنع الله بعد أن بدا الصراع بين السراج والكبير واضحًا خلال سنتين، منذ أن رفض الكبير تسييل ميزانيات جديدة للمجلس الرئاسي.

كما أن هذا القرار “حجب إيرادات النفط” يعتبر خطوة في طريق دعم اتفاق نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق وحفتر، التي أعلن عنها في نهاية سبتمبر الماضي، وسمحت بعودة تدفق النفط مجددًا. فقد أشار معيتيق في تصريحات سابقة إلى أن الاتفاق المبرم بينه وبين حفتر جاء بدفع من السراج.

– الدعم الخارجي لأطراف الأزمة، ففي حين تدعم تركيا الصديق الكبير؛ نظرًا لخلفيته الإسلامية، وقربه من جماعة الإخوان، وتسعى لإبقائه على رأس المصرف المركزي، خاصة مع تعثر المسار السياسي[9]. ففي المقابل تدعم دول أخرى -على رأسها فرنسا وأمريكا- رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله.

وهو ما ظهر في استنكار السفارة الأمريكية والفرنسية، في بيانين منفصلين، حادثة اقتحام المؤسسة الوطنية للنفط من قبل مجموعة مسلحة، التي وقعت في 23 نوفمبر. وفيما جددتا دعم بلادهما للمؤسسة، هددت السفارة الفرنسية بفرض عقوبات على معرقلي قطاع الطاقة، ومحاولات البحث عن حل سياسي لأزمة البلاد. ما يشير إلى وقوف فرنسا وأمريكا بجانب صنع الله، ضد الكبير، خاصة أن عددًا من وسائل الإعلام الليبية -نقلًا عن مصادرها- تشير إلى أن المجموعة المسلحة على صلة بمقربين من محافظ البنك المركزي[10].

4- تنافس دول الجوار على قيادة حل الأزمة الليبية: فهناك ما يشبه التنافس الصامت بين دول الجوار الليبي (مصر وتونس والمغرب) على من يقود عملية حل الأزمة الليبية. فمع استضافة المغرب في مدينة طنجة جلسة تشاورية بين مجلس النواب والأعلى للدولة لتوحيد البرلمان، واستضافة تونس لملتقى الحوار السياسى لاختيار مجلس رئاسي جديد – فقد وجه رئيس البرلمان المصري علي عبد العال دعوة لرئيس البرلمان الليبي في طبرق عقيلة صالح، ومن يريد الحضور من النواب، لعقد جلسة في القاهرة.

ويرجع التنافس بين تلك الدول إلى محاولة كل دولة إلى فرض رؤيتها حول كيفية حل الأزمة الليبية، ففي حين ترى مصر ضرورة إقصاء التيار الإسلامي عن الحكم في ليبيا؛ بل وتحميله مسؤولية تصاعد العنف في المنطقة، وفي أحسن الأحوال يمكن مشاركته بأدنى حد ممكن في الحياة السياسية. ففي المقابل، تتبنى الدول الثلاث المغرب والجزائر وتونس، رؤية مختلفة ترى ضرورة منح التيار الإسلامي فرصة للمشاركة في السلطة، ولا ضير من وجوده بنسبة كبيرة، طالما أنه يستطيع الحصول عليها بالطريق السياسي، الذي يؤهله للحكم، أو التحالف مع شركاء يقبلون به، مع التفرقة بين معتدلين ومتشددين.

ولكن يرى البعض أنه قد حدث تحول في رؤية دول الجوار الثلاثة، فمع وقوع تطورات دولية كثيرة، وصلابة في مواقف المغرب وتونس والجزائر، وكي لا يتم حصر دورها في نطاق الشرق فقط، فقد قامت القاهرة برفع اعتراضها على مشاركة التيار الإسلامي في الحكم بلا هيمنة، واستضافت لقاءات لممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة منذ حوالي شهرين، تحت شعار سد الفجوة المناطقية، بين الشرق والغرب.

كما عدّل كل من المغرب وتونس من رؤيته للقوى الفاعلة، وبدآ التوسع في الانفتاح على قوى من الشرق والجنوب، ولم يعد الاهتمام منصبًّا على الغرب بصورة تقليدية، فالمؤشرات الظاهرة للحل تراعي جميع المكونات المناطقية؛ لأنّ تفوق جهة واحدة كفيل بعدم التوصل إلى تسوية مستقرة[11].

 

 

[1] “الحوار الليبي في المغرب: مساعٍ لتوحيد المؤسسات والاتفاق على الآليات”، العربي الجديد، 30/11/2020، الرابط: https://bit.ly/3fYS66x

[2] “حزمة تفاهمات جديدة تعزز المسار التفاوضي للأزمة الليبية”، إندبندنت عربية، 2/12/2020، الرابط: https://bit.ly/37rvWpM

[3] “ليبيا: “فشل” للجولة الثانية من الحوار السياسي يقابله “نجاح” لاجتماع النواب في طنجة”، العربي الجديد، 27/11/2020، الرابط: https://bit.ly/3og1hme

[4] “حزمة تفاهمات جديدة تعزز المسار التفاوضي للأزمة الليبية”، مرجع سابق.

[5] “ما هدف رئيس برلمان طبرق من مهاجمة “توحيد البرلمان”؟”، عربي 21، 29/11/2020، الرابط: https://bit.ly/3ogigF0

[6] “ليبيا: “فشل” للجولة الثانية من الحوار السياسي يقابله “نجاح” لاجتماع النواب في طنجة”، مرجع سابق.

[7] “زحمة حوارات بلا نتائج: ليبيا أمام أفق مسدود؟”، الأخبار، 2/12/2020، الرابط: https://bit.ly/3mynEmb

[8] “تصعيد يمهد لإقالة الكبير من المصرف المركزي الليبي”، العرب، 1/12/2020، الرابط: https://bit.ly/3mwvXiH

[9] المرجع السابق.

[10] “صراعات قادة ليبيا في الكواليس .. وورقة “النفط” كلمة السر للبقاء”، العربي الجديد، 30/11/2020، الرابط: https://bit.ly/36vIY6v

[11] “تنافس صامت بين بلدان شمال إفريقيا لحل الأزمة الليبية”، العرب، 27/11/2020، الرابط: https://bit.ly/3mxEJNi

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022