العراق وتركيا زيارة مهمة وملفات عالقة

 

ذهب رئيس الوزراء العراقي الكاظمي إلى أنقرة بعدما أصدرت حكومته منذ شهرين ورقة الإصلاح البيضاء، الخاصة ببرنامجه الاقتصادي، وقد وردت الفقرة التالية: “وعلى الرغم مما يبدو من جوانب إيجابية لخفض قيمة الدينار العراقي، والتي ترتبط بقدرة الحكومة على تسديد مدفوعات الرواتب للموظفين والمتقاعدين، إلا أنه سيؤدي لاحقا إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، وبالتالي يخفض من مستوياتها لغالبية السكان، نظرا لاعتماد البلد الكبير على الاستيرادات لتلبية الاستهلاك، وسيؤدي إلى تفاقم الضغوط على الاقتصاد غير المنظم، الذي تضرر بشدة من الصدمات الناجمة عن الإغلاق المصاحب لجائحة كورونا، وخفض الإنفاق الحكومي على النفقات الرأسمالية، وتقييد الإنفاق على السلع والخدمات، وغير ذلك، ولكن انخفاض سعر العملة سيؤدي إلى استرجاع تنافسية الاقتصاد العراقي تجاه شركائه التجاريين”[1]. فقد رأي كثير من محللي السياسة العراقية، أن الزيارة تنطوي على أسباب اقتصادية بالأساس من جانب العراق وسياسية من جانب انقرة، حيث يحاول الكاظمي الحصول على متنفس يساعده اقتصاديًا بعد الأضرار التي أصابت البلاد جراء فيروس الكورونا، في حين يحارب اردوغان من اجل التخلص من حزب العمال الكردستاني وجيوبه العسكرية في العراق.

 

حزب العمال الكردستاني على رأس أهداف اللقاء التركي العراقي:

دعا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، العراق إلى تكثيف معركته على الأرض ضد المقاتلين الأكراد في حزب العمال الكردستاني خلال زيارة لأنقرة قام بها رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي. وأعلن اردوغان، خلال مؤتمر صحفى  إلى جانب الكاظمي، اتفقنا على مواصلة المعركة ضد أعدائنا المشتركين، وشدد على أن المنطقة لن تنعم بالسلام قبل أن يتم سحق رأس الإرهاب بالكامل. وأوضح أن لا مكان أبدا لمنظمة العمال الكردستاني في مستقبل تركيا والعراق وسوريا. واضاف، قررنا مع الكاظمي مواصلة مكافحة الأعداء المشتركين المتمثلين بتنظيمات داعش وبي كا كا وغولن الإرهابية.
مضيفًا، سنجري زيارة إلى العراق بمشيئة الله لعقد اجتماع المجلس الاستراتيجي التركي ـ العراقي رفيع المستوى في أقرب وقت. وأوضح أن تركيا تولي أهمية لحماية وحدة أراضي العراق وكيانه السياسي، ومستعدة لتقديم كل أشكال الدعم لعملية إعادة الإعمار، مختتمًا كلامه بأن كل الشعب العراقي أخوة لنا، ونثق بأن سياسات الحكومة العراقية التي تحتضن الجميع ستجلب الاستقرار للعراق.
ولفت إلى إمكانية تحقيق هدف رفع حجم التجارة بين تركيا والعراق إلى 20 مليار دولار سنويا. وأكد على التفاهم مع الكاظمي، من أجل تقوية أرضية تعاقدية لإزالة كافة العقبات التي تقف أمام تعاون البلدين، وأن اتفاقية منع الازدواج الضريبي التي تم توقيعها اليوم “تعد مثالا يعكس هذه الحقيقة.

وأعرب أردوغان عن رغبته بمشاركة بلاده العراق تجربتها المتميزة في إدارة المياه وإعادة تدويرها وتكنولوجيا الري من أجل تذليل المصاعب من أمام العراق، بعد تقديم خطة عمل بهذا الخصوص للجانب العراقي، مبينًا أن تركيا تؤكد ضرورة اعتبار قضية المياه مجالا للتعاون وليس النزاع بين البلدين.

كما وقعت وزارة السياحة والثقافة التركية ووزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية مذكرة تفاهم، للتعاون الثقافي، ووقع المذكرة كل من وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو ونظيره العراقي فؤاد حسين.[2]

من جانبه، أكد الكاظمي في المؤتمر الصحفي أن الدولتين ستعملان على تفعيل المجلس الأعلى للتعاون الإستراتيجي، واللجان العراقية التركية المشتركة، معتبرا أن تركيا من أهم الشركاء التجاريين للعراق، وأعرب الكاظمي عن رغبة العراق بمزيد من التطور في العلاقات والشراكة الاقتصادية مع تركيا والاستثمار بشكل خاص في القطاعات التي يحتاج إليها العراق حاليا، مشيرا إلى أن أبواب العراق مفتوحة لجميع رجال الأعمال والاستثمارات التركية، الكاظمي، الذي كان يقوم بأول زيارة له لتركيا منذ توليه مهامه في مايو، رغم أن تركيا تنظر إلى علاقاتها مع العراق بأهمية كبيرة، لكن الزيارة تأخرت لأسباب سياسية. وتبدو أنها متأخرة بالمقارنة مع الزيارات الأخرى التي قام بها إلى إيران وحتى أميركا، وجولاته العربية وغيرها.[3]

ويرجح أن تأخر الزيارة يتعلق بموضوعين رئيسين، الأول أن تركيا تنظر إلى الكاظمي على أنه حليف للإمارات والسعودية، وتشعر بقلق وانزعاج جراء هذا الموضوع. أما الأمر الثاني فهو موضوع إطلاق تركيا عملية المخلب شمالي العراق، وما حدث من قتل لضابط عراقي حيث شهدت العلاقة بعد ذلك نوعا من التعثر، حتى إن بغداد ألغت زيارة وزير الدفاع التركي إليها احتجاجا على ذلك، ولذا فالزيارة تذهب باتجاه حلحلة الأمور، أو إعادة العلاقة إلى مسارها.

وفيما يخص الملف الأمني أكد الكاظمي أن موقف العراق واضح في إدانته أي عمل يهدد أمن تركيا أو ينطلق من الأراضي العراقية لتهديد الأمن القومي التركي. وأكد عدم السماح لأي جماعات أو منظمات خارج إطار القانون باستخدام أراضي العراق لتهديد جيرانه، وأوضح نحن نتعاون مع الجانب التركي لمواجهة هذه الجماعات سواء داعش أو أي جماعات إرهابية تهدد استقرار المنطقة.[4]
وتابع قمنا مؤخرا في هذا السياق باتخاذ خطوات مهمة في منطقة سنجار وأيضا على الحدود السورية العراقية لمنع دخول هذه التنظيمات خصوصا ما حصل قبل يومين من محاولات من قبل بعض هذه المجموعات للعبور إلى إقليم كردستان. وكان هناك موقف شجاع لقواتنا في الإقليم لمنع هذه التجاوزات.

 

الموصل حاضرة في احاديث الغرف المغلقة:

هناك ملف لم يتم التطرق له كثيرا في وسائل الإعلام والمواقع الصحفية  رغم أهميته، وهو خاص بالصراع الاقليمي بين إيران وتركيا على مدينة الموصل الاستراتيجية.

فعلي المستوى الجغرافي، يحيط بمدينة الموصل خمس محافظات رئيسة، هي: دهوك من الشمال الغربي، وأربيل في الشمال الشرقي، وكركوك في الشرق، وصلاح الدين من الجنوب، ومحافظة الأنبار من الجنوب الغربي، فضلًا عن امتلاك محافظة نينوى حدودًا برية تصل إلى أكثر من 320 كلم مع الجانب السوري وممرًّا ضيقًا يقع ضمن المناطق المتنازع عليها مع إقليم كردستان في قرية فيش خابور يوصل الموصل بتركيا مباشرةً لكنه الآن يخضع لسلطة إقليم كردستان. ولذلك فهناك صراع تركي إيراني على الموصل، يحاول أردوغان استغلال حالة العداء بين الكاظمي وطهران للفوز بهذا الصراع، حيث تقع الموصل ضمن اهتمام خارطة الانتشار الاستراتيجي الإقليمي الإيراني بشكل مباشر؛ إذ مثَّلت طريقًا ثالثًا لإيران نحو البحر المتوسط. يمتد الطريق الأول من البصرة نحو الأنبار ومن ثم إلى سوريا والبحر المتوسط ولبنان، والطريق الثاني يمتد من الحدود الشرقية في ديالى إلى بغداد ومن ثم الأنبار ليلتقي بالطريق الأول، أما الطريق الثالث؛ فقد بات يمتد من ديالى-كركوك-الموصل- تلعفر ومن ثم الرقة فحلب وصولًا إلى اللاذقية والبحر المتوسط، قاطعًا بذلك مناطق تعتقد تركيا أنها خاصة بنفوذها في العراق وسوريا لدواع تاريخية وحضارية وجغرافية في البلدين. بذلك، حققت إيران هدفًا استراتيجيًّا ليس فقط بالوصول إلى طريق إضافي للبحر المتوسط عبر الموصل، بل في مزاحمة تركيا، ومحاولة حرمانها من خيار استراتيجي.[5]

تعاني تركيا من عدة جهات في صراعها مع حزب العمال الكردستاني، فرغم رغبة أنقرة في التركيز على ملفات الاقتصاد والتحالف الاستراتيجي مع العراق من بوابة الموصل، وتطويرها في محافظاتها ألاخرى، وتوفير فرص استثمار كبرى للشركات التركية في ملفات اعادة الاعمار، إلا أنها انشغلت بمواجهة تهديدات انطلقت من محافظة نينوى، من حزب العمال الكردستاني الذي يتمركز منذ طرد تنظيم الدولة في سنجار غرب الموصل، وظهرت منذ عام 2003 معالم تخبط كبير في الاستراتيجية التركية تجاه الموصل، مما تسبب بأن تكون نينوى مصدر تهديد، بدلًا من أن تكون نقطة التقاء حضاري وثقافي مع العراق ككل.

رغم ذلك، حاول الجانب التركي ولأكثر من مرة إعادة افتتاح معبر أفوكاي الذي يربط تركيا بالموصل مباشرةً عبر مدينة فيش خابور المتنازع عليها مع إقليم كردستان، غير أن رغبات تركيا اصطدمت بشكل مباشر بإصرار أربيل على ضمِّ ذلك الشريط الحدودي التابع إداريًّا للموصل، من أجل تحقيق ربط جغرافي مع المنطقة الكردية في سوريا. وقد استمر التواصل التركي مع العراق يجري من خلال معبر إبراهيم الخليل في مدينة زاخو التابعة لكردستان، دون تحقيق تماس مباشر مع الموصل وهذا ما أضعف بشكل كبير عملية التواصل التركي معها.[6]

ولعل هذا الموضوع يكون أكبر من طموحات تركيا والموصل نفسها لتدخل فيه صراعات أخرى أكثر تعقيدًا وهي عدم رغبة إيران بفتح معبر منافس لها ولسوق تجارتها في الموصل وما يمكن أن تمارسه من ضغوطات على الطريق الواصل بين مدينة أفوكاي الحدودية التركية والموصل الذي يبلغ طوله أكثر من 200 كم، يقع جزء منه تحت سيطرة الفصائل الموالية لإيران في العراق بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة تمتلك وجهة نظر خاصة بها لا تدعم مثل هذا التوجه بين تركيا والموصل إلى حدِّ الآن.

 

الخاتمة:

وفقًا لما تقدم، ورغم الآمال المرجوة، يتوقع أن تكون الزيارة شكلية لإزالة التوتر غير المعلن، في العلاقة بين البلدين، مستبعدا حصول انعكاسات حقيقية على الملفات الكبرى كملف الأمن وملف المياه، فرغم الدعم الكبير الذي يحصل عليه الكاظمي من الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه لا يستطيع القيام بأي شيء دون الاستقرار السياسي في العراق، مثل قرارات سياسية حاسمة دون الرجوع إلى القوى السياسية الفاعلة داخل مجلس النواب العراقي، التي تتقاطع معه في كثير من الملفات، خاصة أن بعض المسائل كمسألة الموصل، التي يحذر منها الفصائل والمليشيات التابعة لطهران.

والمحصلة، أن النظام السياسي الحالي يضع تحديات كبيرة أمام الكاظمي، ولا يمنحه القوة للتوصل إلى اتفاقيات حاسمة ومهمة بين الطرفين.

———————

[1] يحيي الكبيسي، ” إدارة الدولة وسياسة التجريب في العراق”، القدس العربي، 17/12/2020، الرابط: http://bit.ly/37yjkhN

[2] أردوغان: ندعم إعادة إعمار العراق ووحدة أراضيه، وكالة الأناضول، 17/12/2020، الرابط: http://bit.ly/34rC4O9

[3] اردوغان استقبل الكاظمي: اتفاق على مواجهة «الكردستاني» وتبادل تجاري بـ 20 مليار دولار سنويا، القدس العربي، 17/12/2020، الرابط: http://bit.ly/2WwWSiJ

[4] المرجع السابق

[5] على اغوان،  بين تركيا وإيران.. من يربح سباق النفوذ في مدينة الموصل؟، ميدان الجزيرة، 9/12/2020، الرابط: http://bit.ly/2WuIojw

[6] المرجع السابق

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022