آفاق المصالحة الفلسطينية بعد تفاهمات القاهرة حول الانتخابات

 

 

اختتمت في القاهرة جلسات الحوار الوطني الفلسطيني، يوم 9 فبراير الجاري، والتي استمرت على مدار يومين، وقد توصل المشاركون إلى آليات إجراء الانتخابات التشريعية خلال شهر مايو المقبل، وخرجت ببيان مشترك من 15 نقطة، مهّد الطريق أمام إجراء انتخابات المجلس التشريعي، التي أجريت آخر مرة قبل 15 سنة.

ولأن الملفات الفلسطينية ثقيلة، سياسياً وأمنياً، بسبب الانقسام السياسي الذي تجذر منذ 2007 وحتى الآن بين طرفي الانقسام، حركة “فتح” التي تسيطر على الضفة الغربية، وحركة “حماس” التي تسيطر على قطاع غزة، تم تأجيل ملفات مهمة حتى الشهر المقبل، وفق طلب الجبهة الشعبية، على أمل أن يتفق الطرفان، اللذان عملا بجد طوال الأشهر الماضية للوصول إلى إنجاح الحوار الذي عقد تحت رعاية المخابرات المصرية، وفي مقرها بالقاهرة.

ورغم الإعلان عن نجاح الحوار الوطني، إلا أن البيان المشترك لم يحظ بإجماع الفصائل الأربعة عشر المجتمعة، حيث تحفظت عليه “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، وأما بالنسبة للانتخابات، فإنه من الواضح أن مشاركة جميع الفصائل في الحوار لا تعني مشاركتها لاحقاً في الانتخابات، إذ قررت حركة “الجهاد الإسلامي” عدم المشاركة في انتخابات سقفها اتفاق أوسلو، الذي أهدر حقوق الشعب الفلسطيني وثوابتها -حسب بيانها- ، فيما لم تقرر “الجبهة الشعبية” المشاركة في الانتخابات من عدمه حتى الآن.

وعلى الرغم من التحفظات، تضمن البيان الختامي قدرا من المسئولية السياسية لترتيبات مستقبلية، ومن أبرز النقاط في البيان المشترك الالتزام بالجدول الزمني الذي حدده مرسوم الانتخابات التشريعية والرئاسية، مع التأكيد على إجرائها في مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة دون استثناء، والتعهد باحترام النتائج وقبولها.

وكان الرئيس محمود عباس قد أصدر، في 5 يناير الماضي، عدداً من المراسيم حددت مواعيد إجراء الانتخابات التشريعية في مايو المقبل، تليها انتخابات الرئاسة في يوليو المقبل، ثم انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني في أغسطس المقبل. كذلك يتمسّك البيان بضمان حيادية الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة وعدم تدخلها في الانتخابات أو الدعاية الانتخابية لأي طرف. وتتولى الشرطة الفلسطينية (دون غيرها) في الضفة وغزة بزيها الرسمي تأمين مقار الانتخابات، ويكون وجودها وفقاً للقانون. كذلك اتفق المجتمعون على إطلاق الحريات العامة وإشاعة أجواء الحرية السياسية، والإفراج الفوري عن كل المعتقلين على خلفية فصائلية أو لأسباب تتعلّق بحرية الرأي.

 

تأجيل الخلافات

وبدا واضحا رغبة مشتركة بين حركتي فتح وحماس، لتأجيل الخلافات والقضايا غير الممتفق عليها، من أجل إنجاح الحوار بأي ثمن دفعتهما لتأجيل ملفات سياسية إشكالية معقدة لمناقشتها لاحقاً، مثل الانقسام وإصلاح منظمة التحرير، في إصرار على المضي إلى الأمام، على الرغم مما تحمله من ملفات ملغومة قابلة للانفجار بأية لحظة، والعودة إلى المربع الأول، وهو ما يمثل تحدي كبير لجهود الحوار السياسي، فلم ينجح  اجتماع القاهرة في إزالة الألغام القانونية من الطريق، بل عمل على تسكينها ليس أكثر، دون أي ضمانات قانونية حقيقية.

ولعل ذلك ما دفع “الجبهة الشعبية” للإصرار على عقد اجتماع آخر في مارس، وفق ما صرح به  القيادي في “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” عمر شحادة، “لقد تحفظت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على عدم تضمين البيان موقفاً واضحاً بالتمسك بقرارات المجلسين، الوطني والمركزي، التي تتحلل من اتفاقية أوسلو”. ومن أجل استكمال الوصول للأهداف المرجوة، كما تراها الجبهة، في عقد مجلس وطني جديد على أساس استراتيجية وطنية جديدة تقوم على المقاومة، وعقد مجلس وطني.

ومن أبرز ترسبات الانقسام وجود مؤسسات لسلطتين، في الضفة الغربية تسيطر عليها حركة فتح، وفي قطاع غزة تسيطر عليها حركة حماس. هذا الواقع سوف يبقى قائماً إلى ما بعد تشكيل الحكومة بعد الانتخابات. وهنا الخطر الأكبر الذي يتهدد الانتخابات، والذي لا تتوفر ضمانات بأن الانتخابات ستؤدي إلى إنهاء هذه الحالة، لأنها ستبقى مؤجلة، وربما تكون هذه الثغرة الكبرى في حوار القاهرة والبيان الذي صدر عنه، والذي يشير إلى أن هناك توجهاً لذات المنحى الذي حكم حالة حوارات المصالحة طيلة السنوات الماضية، والذي يقوم على تأجيل الملفات الشائكة والخلافية، وترحيلها إلى فترات لاحقة، وهو السبب الذي أدى إلى استمرار الانقسام، ويبقى الخطر في أن الانتخابات  قبل تصفية الانقسام، قد يؤدي إلى نظام من الهيمنة والمحاصصة بين طرفي الانقسام، فتح وحماس، وستضمن الانتخابات استمرار الوضع القائم، ليس أكثر.

أما على الصعيد القانوني فلا يبدو المشهد أقل تعقيداً، وتغذيه الاعتصامات والاحتجاجات اليومية لنقابة المحامين الفلسطينيين المستمرة منذ نحو شهر، ضد قيام عباس بإصدار قرار بقانون، عدل بموجبه قانون السلطة القضائية، لإحكام قبضته عليها، كما أكدت نقابة المحامين أكثر من مرة. فالمراسيم التي أصدرها عباس لها قوة القانون، وهي أعلى وأقوى من البيان الذي صدر عن حوار الفصائل في القاهرة.فلم ينجح بيان القاهرة بإزالة أي لغم قضائي. كل ما جرى هو تقاسم حصص على حساب عدالة القضاء ونزاهته، فوفق مؤسسة “الحق” الفلسطيني، فأن مجلس القضاء الأعلى، الذي جاء بقوة السلطة التنفيذية، برئيسه القاضي عيسى أبو شرار، الذي تطالبه الاعتصامات اليومية للمحامين بالرحيل بسبب وجوده غير الشرعي ما زال موجوداً، وهو ما يعزز قضم الحريات وفرض أجواء بوليسية على القضاء.

ونصّت النقطة الرابعة، في بيان القاهرة، على أنه “تُشكل محكمة قضايا الانتخابات بالتوافق مع قضاة من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وتتولى هذه المحكمة حصراً دون غيرها من الجهات القضائية متابعة كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية والقضايا الناشئة عنها… إلخ”، وهدفت هذه النقطة لإبعاد شبح المحكمة الدستورية عن العملية الانتخابية، لأنها محكمة تم تعيين قضاتها من قبل الرئيس محمود عباس لأهداف سياسية، وقامت بحل المجلس التشريعي السابق بقرار في عام 2018. ةعلى الرغم من اهمية المحكمة الجديدة، فإن هذا لا يغير من حقيقة وجود مجلس قضاء أعلى جاء بناء على السلطة التنفيذية، ويسلط سيف التقاعد القسري على القضاة الذين لا يخضعون لأوامره، ولا يغير من حقيقة وجود محكمة دستورية تم تشكيلها لأهداف سياسية. لكن الجديد هو أن عباس يقدم ضماناً، وكأنه يقول للمحكمة الدستورية ومجلس القضاء الأعلى ألا يفعلا أي شيء، هذا ما حصل لكن فعلياً لا يوجد ما يمنع أي مواطن أو محامٍ من أن يقدم طعناً يتعلق بالانتخابات أمام المحكمة الدستورية والمحاكم الأخرى، لا سيما الإدارية التي شكلها عباس قبل أربعة أيام من مرسوم الانتخابات، وحينها من السهل أن تقول السلطة التنفيذية إننا لسنا من قدم هذا الطعن.

 

تنازل حماس

وفي 16 يناير الماضي، أصدر رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” أمرا رئاسيا بالتجهيز لانتخابات المؤسسات الوطنية الفلسطينية الثلاث، الرئاسة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني الفلسطيني، وينص القرار على إجراء الانتخابات على مراحل، من مايو إلى أغسطس المقبلين. وفي 2009 صدر أمر بالتجهيز للانتخابات لكن تم إلغاؤه بعد أقل من 120 يوما بسبب الانقسام بين “فتح” و”حماس”.

وأصدر “عباس” قراره في وقت يعاني فيه النظام الفلسطيني أزمة داخلية وخارجية حادة، بعد أعوام من تهميش إدارة “ترامب” للقضية الفلسطينية، ومعاناة العالم من جائحة فيروس كورونا، والانتقادات العلنية اللاذعة لقيادتي “فتح” و”حماس”، وسارع “عباس”، الذي أوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل في عهد “ترامب”، إلى استئنافه بعد فوز “بايدن” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الأمر الذي أوقف بدوره جهود المصالحة بين جميع الفصائل الفلسطينية.

لكن “حماس” تنازلت عن مطلبها بإجراء انتخابات لجميع المؤسسات الثلاثة في موعد واحد كشرط في محادثات المصالحة، وقد مهد ذلك الطريق للانتخابات المقررة، وتشير الانتخابات ظاهريا إلى أن هناك احتمالا أكبر مما كان عليه في الماضي لحدوث مصالحة فلسطينية داخلية، ويمكن اعتبار الإعلان عن الانتخابات في الوقت الحاضر إنجازا مشتركا لـ “جبريل الرجوب”، أحد كبار قادة فتح، و”صالح العاروري”، القيادي البارز في “حماس”، والذي عمل على تعزيز المصالحة بين المنظمات.

 

معوقات في طريق الانتخابات

وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي تصاعدت مع اجتماعات القاهرة الأخيرة، إلا أن هناك العديد من المخاوف والعراقيل التي تهدد الوصول لانتخابات منجزة وممهدة للمصالحة الفلسطينية، فإلى جانب التقارير الاستخبارية عن تنسيق مصري أردني للحيللة دون فوز حماس بالانتخابات، وما يتضمنه من وسائل ملتوية قد تثير الشكوك والخلافات والتشظي الفلسطيني، تخضع مشاركة القدس الشرقية في الانتخابات، كما هو محدد في الأمر الرئاسي، لموافقة إسرائيل، وبالرغم أنه يمكن تجاوز الاعتراضات من جانب إسرائيل من خلال التصويت الإلكتروني أو التخلي عن الجزء الشرقي من المدينة، فإن هذا يعني صعوبات في الوصول وعدد أقل من الناخبين.

إلى جانب حملات التشكيك التي تثيرها العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، حول  نوايا عدد من الفصائل،  في مقدمتها؛  “فتح” و”حماس”، واحتمال ترشح الطرفين عبر قائمة مشتركة أو اتفاقهما على تقسيم المقاعد بينهما، علاوة على الغضب الواسع من الأزمة الاقتصادية واسعة النطاق بسبب قرار “عباس” عدم تلقي أموال الضرائب من إسرائيل. ويظهر الغضب أيضا بين العديد من المسؤولين في قطاع غزة الذين يعتمدون على السلطة الفلسطينية والذين تم تخفيض رواتبهم في الأعوام الأخيرة. وقد يؤثر كل ذلك على مدى ثقتهم بهذه الانتخابات، بل ومحاسبتهم في يوم الانتخابات إذا ما شاركوا فيها. ووعد عضو اللجنة المركزية لفتح، “أحمد خالص”، سكان غزة، نيابة عن “عباس”، بإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل التخفيضات.

 

عقبة دخلان

ومن أبرزالعقبات الكؤود التي تهدد بمزيد من الانقسامات، هو نية “محمد دحلان” للترشح، وعلى وجه الخصوص احتمال انضمامه إلى “مروان البرغوثي”، وكذلك انتقادات ابن شقيق “ياسر عرفات” “ناصر القدوة”، مما يزيد من مخاوف “عباس” ورفاقه. ويقترح ممثلو “دحلان” الترشح على قائمة مشتركة لـ “فتح”، ويحذرون من انقسام قد يؤدي إلى فقدان التنظيم مكانته التاريخية، وهو اقتراح لتسجيل موقف فقط مع علمهم مسبقا بأنه مرفوض.

 

مناورات عباس

ومن أبرز العقبات أمام تجاوز الخلافات والانقسام الفلسكيني عبر بوابة الانتخابات، ما يقوم به محمود عباس من هندسة للمشهد السياسي الفلسطيني، للحفاظ على موقعه على حساب القضية الفلسطينية ككل، حيث اتخذ “عباس” خطوتين بعيدتي المدى قبل إصدار أمر الانتخابات بيومين، وذلك لضمان إمكانية مواجهة كل تطور ممكن، الأول هو إصلاح النظام القانوني، أي إنشاء محكمة إدارية مستقلة تابعة له مباشرة، ويسمح له ذلك باتخاذ مجموعة واسعة من الإجراءات، بما في ذلك حل البرلمان، وتأجيل الانتخابات، وحتى إلغائها، فضلا عن فرض قيود على موظفي الخدمة المدنية المعنيين بالانتخاب، والخطوة الثانية هي تغيير القانون الذي ينص على أن هذه لم تعد انتخابات للسلطة الفلسطينية ولكن لدولة فلسطين، أي لرئيس الدولة والمجلس التشريعي لدولة فلسطين.

كما أنه يلغي النص الوارد في قانون 2007،  بعد فوز “حماس” عام 2006، والذي يقضي بأن على كل مرشح في الانتخابات قبول الالتزامات التي تعهدت بها منظمة التحرير الفلسطينية، وأثارت الخطوة الأولى غضب الحقوقيين والناشطين الفلسطينيين بسبب مساسها بالمحاكم فضلا عن السلطات العديدة التي تمنحها لـ”عباس” لكن الخطوة الثانية، التي تعني عمليا إلغاء اتفاقيات أوسلو وإمكانية ترشح منظمات لا تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية وتعارض سياستها وتنفي وجود إسرائيل، لم تثر الكثير من ردود الفعل.

 

الفرص الانتخابية

وأمام العقبات العديدة والتحزبات الداخلية في أوساط حركة فتح، تواجه “فتح” تحديا كبيرا بشكل خاص، في ظل الخصومات الشخصية التي أثارت انقسامات داخلية أدت إلى الانقسام إلى معسكرين، وقد يؤدي الانقسام إلى انتصار “حماس”، كما حدث في انتخابات عام 2006، لكن من المشكوك فيه أن تكون “حماس” حريصة على تحقيق نصر انتخابي واسع بعد أن أفرغت شرعيتها الدولية انتصارها السياسي السابق من مضمونه، وفي هذه المرحلة، تسعى “حماس” إلى الاندماج مع قيادة السلطة الفلسطينية والمؤسسات الوطنية، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي بناء شرعية لنفسها في الداخل وعلى الساحة الدولية.

وفي اطار استقراء  الفرص  الانتخابية،  تثير نوايا “عباس” المزيد من التكهنات والتساؤلات، حول  ما الذي دفعه، في سن متقدمة، إلى إجراء مثل هذا الإصلاحات الانتخابية والقضائية، قبل الانتخابات، بشكل قد يتسبب في تعقيدات مع إدارة “بايدن” بينما كان اتخاذ قرار إجراء الانتخابات مقصودا به في الواقع إرضاء الولايات المتحدة؟ فلماذا سارع لإجراء انتخابات بعد رفض كل محاولات المصالحة بين المنظمات الفلسطينية في الأعوام الأخيرة؟ ألا يخشى عواقب الانقسام في صفوف “فتح” نفسها؟ ويكمن الجواب في الطريقة التي تصرف بها “عباس” في الآونة الأخيرة كملك مطلق للقوة.

وعلى المستوى السياسي، قام “عباس” ظاهريا بخطوتين متناقضتين. فمن ناحية، جدد التنسيق الأمني مع إسرائيل، وأعرب عن استعداده العلني للعودة إلى المفاوضات السياسية في إطار دولي دون استبعاد الولايات المتحدة كوسيط وحيد، ومن ناحية أخرى، جدد عملية المصالحة مع “حماس” لكن العملية السياسية مع إسرائيل لن تتجدد دون إلغاء المطالب الثلاثة التي طلبتها الرباعية من “حماس” كشرط لمشاركتها في المفاوضات، وهي (الاعتراف بإسرائيل، ونبذ الإرهاب، واحترام الاتفاقات الموقعة من قبل منظمة التحرير الفلسطينية). وتستمر “حماس” في رفض هذه الشروط، وليس من الواضح كيف سينجح “عباس” في حشد الشرعية الدولية لحكومة مشتركة مع حماس، وكذلك ضمان التعاون مع إسرائيل واستئناف العملية السياسية.

بالنظر إلى هذه العقبات، هل يصبح الإعلان عن الانتخابات مجرد مناورة سياسية؟ أم هل من الممكن أن “عباس” يعتقد أنه قادر على إقناع إدارة “بايدن” وأوروبا، بالاعتماد على عدائهما المشترك لإدارة “ترامب”، لإضفاء الشرعية على ضم حماس إلى السلطة؟ أم تكون محاولة لتفادي الضغط من الداخل والخارج لإجراء انتخابات ديمقراطية، وكذلك للتأكيد للولايات المتحدة وأوروبا على أن الانتخابات الحرة تتطلب مشاركة حماس؟ وقد تكون أيضا مجرد محاولة للاقتراب من الغرب للضغط على إسرائيل للموافقة على استئناف العملية السياسية بشروط أكثر ملاءمة للفلسطينيين، وهو خيار مفضل بالنسبة للمخاطر التي تنطوي عليها مشاركة “حماس” في الانتخابات.

يحاول “عباس” المناورة بين هذه العوائق، ولا يعقل أنه اختار إعلان الانتخابات من أجل إطلاق عملية لا تتحقق بالضرورة. فبعد أن تنازلت “حماس” عن مطلب إجراء انتخابات لجميع المؤسسات في نفس الوقت، لم يكن أمام “عباس” خيار سوى إصدار الأمر الانتخابي، وذلك بعد أن حول إلى يديه معظم الصلاحيات التي تعطيه السيطرة في الساحة الفلسطينية قبل معارك الانتخابات وبينها وبعدها.

ويبدو أن “عباس” يعتقد أن التحركات التي اتخذها، وفشل خطة “ترامب”، ستسمح له بإعادة العلاقات مع الولايات المتحدة وربما حتى المضي قدما في التحركات السياسية التي تتماشى مع استراتيجية “بايدن”، وكذلك ضمان مكانة فتح واستمرار آليات السلطة التي بناها خلال 15 عاما من حكمه، وبالرغم أن “عباس” بشكل عام لا يعتبر مغامرا، خاصة بالمقارنة مع سلفه “ياسر عرفات”، يبدو أنه في هذه المرحلة من حياته يشعر بالثقة الكافية لاتخاذ القرارات في ظل ظروف من عدم اليقين، بالرغم من المخاطر التي تنطوي عليها، ومن الممكن أيضا أن نلاحظ بعض الذوبان في موقف “حماس”، التي أكدت منذ تقديم خطة “ترامب” للسلام اهتمامها بالاندماج في النظام السياسي الفلسطيني، واستمرت في السعي لتحقيق المصالحة بين المنظمات الفلسطينية، بل وامتنعت عن الهجوم بشكل صارخ على تجديد التنسيق مع إسرائيل.

على أية حال، إذا كان “عباس” يأمل في تجنب الانتخابات، بغض النظر عن المرسوم الرئاسي الذي أصدره، فإن هذا ينسجم مع تفضيل إسرائيل عدم إجرائها، لأنها قد تؤدي إلى سقوط “عباس” نفسه وهزيمة “فتح” ورغم الصعوبات التي تواجهها “حماس”، فهي في وضع أفضل من “فتح” ولا يخدم تزعزع استقرار السلطة الفلسطينية، وتهديد بقائها، وخروج “عباس” من المسرح، مصالح إسرائيل الأمنية، وذلك وفق تقدير سياسي، لـ” ونتان تسويف وكوبي ميخائيل/معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.

 

مستقبل القضية الفلسطينية

ولعل مجريات القضية الفلسطينية، تشئ إلى مخاطر جمة تحوط مستقبل الدولة الفلسطينية، العديد من المخاطر، وسط حراك التطبيع الصهيوني مع الدولالعربية المحيطة بالكيان الصهيوني والموقف الامريكي الضاغط على الفلسطينيين لاخضاعهم، لمقررات الأمن القومي الأمريكي، بحسب تصريجات الادارة الامريكية الجديدة، ورغم إعلان الإدارة الأمريكية مؤخرا توكيد حل الدولتين والتزام دولي هذا الحل لكن الكل يؤكد همسا وفي النقاش أنه حل لم يعد ممكنا بسبب الاستيطان المستمر. فالهدف الأمريكي الإسرائيلي إدامة الاحتلال بالحصار والجدار العازل وتكثيف الحواجز والسيطرة على الاقتصاد والأموال والواردات والصادرات وحركة الناس: نظام أبارتهايد متكامل الأركان.

حتى أصبحت السلطة الفلسطينية أسيرة الاحتلال والتحكم الإسرائيلي السياسي والاقتصادي والأمني لكنها لازالت «تتأمل» بإمكانية قيام الدولة الفلسطينية. وهو ما يؤكده الباحث الكويتي د.شفيق ناظم الغبرا بالقدس العربي، لن تخرج قضية فلسطين من أزمتها بدون: مواجهة شاملة لنظام المصادرة والقمع والحصار الذي يفرضه نظام الابارتهايد الإسرائيلي على شعب فلسطين. وبالرغم من جاذبية شعار الدولة، وبالرغم من إعلان الإدارة الأمريكية منذ ايام بأنها تؤمن بحل الدولتين، وبالرغم من أن دولا كثيرة في العالم تلتزم هذا الحل، إلا أنه عند التدقيق سنجد أن الكل يجمع همسا وبين السطور وفي النقاشات بأن هذا الاحتمال لم يعد ممكنا بسبب الاستيطان المستمر.

 

خاتمة

ويبقى الأجدى بحماس وفتح أن تتفقا على المصالحة لا على الانتخابات التي لا علاقة لها بإنهاء الأزمة الحالية! ولا يمكن الحكم على العملية الانتبخابية الشاملة قبل اجراؤها، على أية حال، ولكنها تبقى رهان مهم للمصالحة وردم الخلافات والانقسامات، وهو ما سعى إلى تدشينه حوار القاهرة الأخير، الذي ارتكز على مخرجات اجتماع الأمناء العامين وتفاهمات إسطنبول.

وأيضا يعطي التفاهم الفلسطيني  للنظام المصري، في خال نجاحه ورقة للعب السياسي مع الأطراف الإقليمية والدولية، وخاصة الإدارة الأمريكية في ظل حكم بايدن والديمقراطيين، الذين يبدون انتقادات عدة لنظام السيسي وانتهاكاته الحقوقية.

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022