كيف نفهم عملية اختيار السلطة التنفيذية الجديدة فى ليبيا؟: 6 أسئلة تشرح لك

 

 

انتهت جولات الحوار السياسي في جنيف، فى 5 فبراير 2021، ومن بين ترشح 24 شخصية للمجلس الرئاسي و21 شخصية لمنصب رئيس الوزراء، وصلت قوائم المرشحين للتصويت النهائي بين قائمتين، ضمت القائمة الأولى للرئاسي عقيلة صالح (رئيس مجلس النواب)، أسامة جويلي (عسكري وآمر المنطقة العسكرية الغربية بحكومة الوفاق)، عبد المجيد سيف النصر (عضو المجلس الانتقالي السابق)، ولرئاسة الحكومة فتحي باشاغا (وزير داخلية الوفاق)، أما القائمة الثانية ضمت للرئاسي محمد المنفي (سفير ليبيا السابق لدى اليونان)، وعبد الله اللافي (عضو مجلس النواب عن دائرة الزاوية)، وموسى الكوني (عضو المجلس الرئاسي السابق)، وعبد الحميد دبيبة (رجل أعمال). وتفوقت قائمة دبيبة على قائمة باشاغا بـ 39 صوت مقابل 34 صوت من أعضاء الحوار السياسي[1].

 

أولًا: من هم رجال السلطة التنفيذية الجدد في ليبيا؟:

تشكلت القائمة الفائزة برئاسة محمد يونس المنفي، وهو أستاذ جامعي درس في فرنسا، وترشح عن مدينة طبرق شرقي ليبيا في انتخابات المؤتمر الوطني العام علم 2012م، والذي تولى زمام السلطة التشريعية في ليبيا عقب ثورة فبراير، والتي تسلمها من المجلس الوطني الانتقالي، وكان المنفي عضواً في تكتل بالمؤتمر الوطني العام رفض شرعية البرلمان عقب انتخابه 2014م في البداية، لكنه مؤخراً قد حسن مع رئاسته العلاقة، ورشحه البرلمان عن طريق حكومة السراج سفيراً لليبيا في اليونان قبل أن تطرده اليونان أواخر سنة 2020، على خلفية توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين طرابلس وأنقرة والتي أزعجت أثينا واستدعت على خلفيتها سفير تركيا في اليونان.

نائب رئيس المجلس الرئاسي الأول هو النائب بمجلس النواب عبدالله حسين اللافي النائب عن مدينة الزاوية والذي التحق بالبرلمان حال تشكيله في طبرق بأغسطس 2014، وبقي عضواً في طبرق حتى وقوع العدوان على طرابلس في الرابع من إبريل عام 2019، وكان يشغل منصب عضو لجنة الاقتصاد والتجارة والاستثمار بمجلس النواب المنعقد بطبرق.

بينما يمثل موسى الكوني منصب النائب الثاني لرئيس المجلس الرئاسي والممثل عن إقليم فزان، وقد كان الكوني سفيراً لليبيا في مالي إبان حكم القذافي، وعضواً في المجلس الرئاسي برئاسة فائز السراج قبل أن يستقيل بداية عام 2017 من المجلس الرئاسي، على خلفية ما سماه فشلاً في الأداء والمهام، مما شكل وقتها ضربة قوية لحكومة السراج قبل أن تستعيد توازنها مؤخراً.

رئيس الحكومة هو المهندس عبدالحميد الدبيبة من مدينة مصراتة شرقي طرابلس، ويقوم الآن بأولى مغامراته السياسية من خلفية إدارية لسنوات طويلة أدار فيها عدة شركات حكومية في مجال المقاولات والاستثمار، ويحظى الدبيبة بعلاقات دولية لا يستهان بها، فيما يتوقع منه أن يستغل خبرته في تقديم خدمات وتحقيق توافق كونه وجهاً جديداً على الساحة السياسية الليبية، ومن الصعب تصنيف الأيديولوجية الفكرية للدبيبة، فقد عمل كمدير للشركة الليبية للاستثمار العقاري إبان حكم القذافي، وبعدها استمر في مهامه بعد ثورة فبراير، مبتعداً كل البعد عن الاستقطاب والتصريحات في كل مجريات الأحداث التي عصفت بليبيا[2].

 

ثانيًا: لماذا كانت نتيجة التصويت مفاجئة؟:

جاءت نتائج التصويت مفاجئة لجميع المراقبين والمتابعين للشأن الليبى؛ لأن التوقعات كانت تشير إلى فوز القائمة التي يرأسها عقيلة صالح، نظرًا إلى أهمية الشخصيات المترشحة ضمنها، سياسيًا وعسكريًا واجتماعيًا؛ فعقيلة صالح، المنحدر من قبيلة العبيدات النافذة في المنطقة الشرقية، يتولى، منذ 2014، رئاسة مجلس النواب. أما فتحي باشاغا المنحدر من مدينة مصراتة، فقد بات إحدى الشخصيات المتصدرة المشهدين السياسي والأمني في العاصمة والمنطقة الغربية، منذ تعيينه وزيرًا للداخلية في حكومة الوفاق الوطني، ويتمتع بتأثير قوي في عدد من التشكيلات الأمنية في العاصمة، في حين يعدّ اللواء أسامة الجويلي، المنحدر من مدينة الزنتان التي ترأس مجلسها العسكري منذ الثورة، شخصية عسكرية بارزة في المنطقة الغربية أدت دورًا مهمًا في قيادة قوات حكومة الوفاق إبان الحرب التي شنتها قوات حفتر في عامي 2019 و2020.

فى حين أن المترشحين فى قائمة المنفى تشمل شخصيات لم تكن من الصف الأول في المشهدين السياسي والعسكري الليبي، ولم يعرف عنها أي انخراط مباشر في الصراع الدائر في البلاد، منذ عام 2014، ولم تكن لها مواقف منحازة إلى أحد طرفي النزاع خلال الحرب الأخيرة التي شنتها قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس[3].

 

ثالثًا: ما الذى تكشف عنه نتيجة هذا التصويت؟:

تكشف نتيجة هذا التصويت عن مجموعة من الملاحظات والدلالات الهامة، منها:

1- أن التصويت للقائمة الفائزة كان تصويتا ضد قائمة (عقيلة-باشاغا) أكثر من كونه تصويتا لصالح (دبيبة-المنفي)، فرغم أن قائمة عقيلة صالح التي راهنت عليها الأطراف المحلية (حزب العدالة والبناء وحفتر) والدولية (مصر، تركيا، فرنسا،) هي القائمة المعبرة عن الواقع على الأرض على مستوى البلاد، إلا أن جدلية الأسماء ومواقفها كانت سببًا أساسيًّا في فشلها.

فنجاح عقيلة صالح الذي دعم انقلاب حفتر في 2014 ودعمه على طول الخط في حروبه منذ ذلك الحين وصولا لحربه على طرابلس وحكومة الوفاق في إبريل 2019، في الوصول لرئاسة المجلس الرئاسي سيعد نصرا كبيرا لحفتر والدول الداعمة له، وربما ستكون تلك الخطوة قبل الأخيرة ليستكمل بها حفتر سيطرته على الدولة، بعد أن تمكن من انتزاع اتفاق تقاسم المناصب في 23 يناير بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، والذي تحصل بموجبه المنطقة الشرقية على منصب محافظ المصرف المركزي.

وفى المقابل، فإن تحركات باشاغا الأخيرة التي تهدف إلى تعزيز سيطرة وزارة الداخلية على العاصمة طرابلس، وتقويض نفوذ الميليشيات، وتصريحاته حول عملية صيد الأفاعي، وخلافاته المتصاعدة مع رئيس مجلس الوزراء فايز السراج، فاقمت من حالة الاحتقان والتوتر الأمني في المنطقة الغربية وأثارت تخوفا كبيرا من صعوده لرئاسة الحكومة.

وعلى الجهة الأخرى جاءت قائمة (دبيبة-المنفي) كقائمة تتحقق فيها شروط توافقية غائبة في القائمة السابقة، فالشخصيات المكونة للقائمة غير جدلية وغير مصنفة حزبيًّا وأيدولوجيا وتتسم بالبراغماتية والمرونة مع وجود رصيد أخلاقي تعززه مناهضتها لحروب حفتر العسكرية منذ عام 2014، كما أنها قائمة يستطيع أعضاؤها ممارسة أعمالهم من طرابلس ويستطيعون التنقل بين الأقاليم الثلاث بسهولة –على خلاف قائمة (عقيلة-باشاغا)-، فهي إذًا قائمة تلبي تطلعات خصوم حفتر وخصوم العدالة والبناء[4].

2- يمثّل وجود اللافي المنحدر من الزاوية، وعبد الحميد الدبيبة المنحدر من مصراتة، ترضية للمدينتين اللتين كان لتشكيلاتهما العسكرية الدور المحوري في دحر قوات حفتر عن العاصمة والمنطقة الغربية. أما اختيار موسى الكوني، المنحدر من قبائل الطوارق في الجنوب، فيبدو رسالة ضمنية مفادها الحرص على الوحدة الوطنية بالانفتاح على جميع مكونات المجتمع الليبي وإثنياته في المرحلة الجديدة، وإشراكها في الحكم والمسؤوليات[5].

كما يشير العديد من المراقبين إلى أن اختيار اللافي، المتحدر من مدينة الزاوية، يعكس نوع من الترضية للمجموعات المسلحة في المدينة التي وقفت إلى جانب وزير الدفاع بحكومة الوفاق، صلاح الدين النمروش، الرافض لهيمنة وزير الداخلية، فتحي باشاغا، على المشهد الأمني والعسكري في طرابلس[6].

3- يرى العديد من المراقبين أن هذه النتيجة تصب بصورة رئيسية فى صالح جماعة الإخوان المسلمين، وتمثلت المكاسب السياسية للإخوان فى؛ أنها لم تخسر منصب رئيس المجلس الأعلى للدولة بتراجع خالد المشري عن استكمال الترشح لمنصب رئاسة المجلس الرئاسي، وفوز حليفها عبد الحميد دبيبة بمنصب رئيس الوزراء، كما فاز محمد المنفي “ممثل برقة” برئاسة المجلس الرئاسي، وهو الذي تربطه تفاهمات بجماعة الإخوان منذ أن كان عضواً بالمؤتمر الوطني العام، وعبد الله اللافي “ممثل طرابلس” وهو عضو مجلس النواب المقاطع، وموسى الكوني “ممثل فزان” وهو عضو المجلس الرئاسي السابق لحكومة الوفاق[7].

وفى المقابل، فقد تم استبعاد عقيلة صالح الغريم الأقوى للجماعة سياسياً بخسارته منصب رئيس المجلس الرئاسي، بالإضافة لهذا فإن اتفاق المحاصصة يقتضي انتقال رئاسة مجلس النواب للجنوب بعد أن تولت المنطقة الشرقية رئاسة المجلس الرئاسي والمنطقة الغربية رئاسة الحكومة. ما يعني أن الخسارة خسارتان لعقيلة صالح حيث يفترض أن يتنحى عن رئاسة مجلس النواب حسب الاتفاق، في حين ربما يستمر مرشحا المنطقة الغربية (فتحي باشاغا وأسامة الجويلي) في مناصبهما بعد خسارتهما في حال حدث توافق بينهما وبين السلطة التنفيذية الجديدة[8].

وإن كان هناك بعض التخوفات من قبل جماعة الإخوان، من إمكانية أن يكون هناك استنساخ للنموذج المصرى من حيث تصدير الشخصيات المحسوبة على الجماعة إلى الحكم خلال تلك الفترة الانتقالية، مع العمل على تصدير المشكلات اليومية للمواطنين وابراز عجز الحكومة الجديدة عن تقديم حلول لتلك المشكلات، ما يعنى تحميل هذه الحكومة ومن يقف خلفها (الإخوان) فاتورة وتكلفة عدم حل تلك المشكلات، وبالتالى يصبحوا أمام غضب جماهيرى قد ينعكس على عدم التصويت لهم خلال الانتخابات القادمة فى ديسمبر المقبل، أو تمهيد الطريق لحدوث انقلاب عسكرى، مثلما حدث فى مصر عندما انقلب السيسى على مرسى فى 2013 بعد سماح الجيش للإخوان بالوصول إلى الحكم مع تصدير المشكلات للمواطنين والقاء اللوم على الإخوان.

أضف إلى ذلك، أن تلك الحكومة ستكون مؤقتة، ولا يسمح لأي من أعضائها بالمشاركة كمرشحين في الانتخابات العامة التي من المقرر أن تجرى نهاية العام. أما عقيلة صالح والآخرون فإمكانهم خوض غمار تلك المعركة.

4- أن السلطة التنفيذية الجديدة أقرب لتركيا من أي طرف دولي آخر، فاللافي محسوب على تيار الثورة المدعوم من تركيا، والكوني مناهض لحفتر، في حين أن المنفي كان سفير حكومة الوفاق لليونان قبل أن يتم طرده على خلفية اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، في حين أن رجل الأعمال ورئيس مجلس إدارة الشركة الليبية للتنمية والاستثمار ورئيس الحكومة الحالى عبد الحميد دبيبة له علاقات جيدة مع الحكومة التركية بحكم العلاقات التجارية بين البلدين حيث حصلت تركيا على عقود إنشاءات بمليارات الدولارات عبر الشركات والمؤسسات التي يتنفذ فيها آل دبيبة[9].

5- الاصرار الأمريكى على تقليل النفوذ الروسى فى ليبيا، فقد اتهم نشطاء ليبيين الولايات المتحدة بمحاولة التأثير بمجريات ملتقى الحوار لفرض أجندتها، ما دفع السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند للتأكيد على أن “القول بأن الولايات المتحدة تحاول فرض نتيجة معينة على ملتقى الحوار الليبي، تفكير قديم وإهانة للشعب الليبي الذي استودع آماله في هذه العملية”.

وما يرجح صحة اتهام هؤلاء النشطاء، على الرغم من نفى السفير الأمريكى، إصرار واشنطن على بقاء الدبلوماسية الأميركية ويليامز في منصبها الأممي حتى بعد تعيين مبعوث جديد. كما أن تشكيل السلطة الجديدة من أعضاء محايدين يعكس رغبة واشنطن بعزل موسكو وحلفائها مثل حفتر، والضغط عليها من خلال لجنة مراقبة دولية لاتفاق وقف إطلاق النار ستطالب السلطة الجديدة بتسريع إرسالها[10].

 

رابعًا: ما هى العوامل التى قد تساهم فى إنجاح الحكومة الجديدة؟:

ثمة معطيات جديدة قد تُسهم في إنجاح الاتفاق الأخير، تتمثل فى:

أولها هو الإدارة الأمريكية الجديدة التي جاءت بتوجهات ترغب في تحقيق أهداف رئيسية منها استعادة الدور القيادي للولايات المتحدة في العالم، وهو دور لا يمكن القيام به إلا بمبادرات سياسية وأمنية في أماكن ملتهبة من العالم. وليبيا بالطبع أحد أهم هذه المناطق. وكذلك، تهدف الولايات المتحدة إلى ترميم علاقتها مع حلفائها الأوروبيين، الذين تشكل ليبيا لهم هاجساً أمنياً كبيراً، وإلى احتواء الصين وروسيا، وليبيا تظهر كإحدى مناطق التمدد الروسي المحتملة.

المعطى الثاني هو الوصول إلى حالة من الإنهاك المتبادل، وهي حالة مهمة يرصدها المهتمون بدراسات الصراعات، تعكس إدراك كل طرف عدم قدرته على إفناء الطرف الآخر، ويصل فيها الطرفان إلى حالة إنهاك متبادل يعجزان فيها عن تحقيق أي انتصار حاسم على الطرف الآخر. تسمى هذه لحظة نضج الصراع ويصير الأطراف على استعداد لتقديم تنازلات مؤلمة لإنهاء الحرب.

المعطى الثالث هو التفاهمات المصرية التركية. فمصر التي تملك أكبر مصالح بحكم مجاورة ليبيا وبحكم قدرتها على تقديم دعم عسكري ضخم للشرق الليبي بفعل الترابط الجغرافي بين البلدين، وتركيا التي حسمت صراعات كثيرة في مناطق نفوذها باستخدام تكنولوجيا الطائرات التركية المسيّرة والتي قلبت الموازين في ليبيا لصالح حكومة الوفاق في الغرب، أصبحتا على قناعة بأن التفاهمات بينهما، حتى على المستوى الاستخباري، ضرورة لا يمكن تجاوزها حتى يتجنبا صداماً لا يرغب أيّ منهما في حدوثه.

المعطى الرابع هو هزيمة المقاربة الإماراتية. اختلفت مصر والإمارات حول أفضل طريقة لحل الملف الليبي. ففي حين مالت مصر إلى التهدئة مع الغرب الليبي وحكومة الوفاق وتجنب أي محاولات عسكرية لاقتحام طرابلس حتى لا يدفع ذلك حكومة الوفاق للاستعانة بتركيا، ذهبت الإمارات بعيداً في محاولة لحسم الأمور على الأرض والتعويل على الجنرال خليفة حفتر لتنفيذ ذلك الحل. غير أن هزيمة حفتر وفشله في اقتحام طرابلس بعد تدخل تركيا أدى إلى تراجع نسبي للمقاربة الإماراتية التي وجدت نفسها معزولة. الإمارات التي كانت مدفوعة بمفهوم القوة تراجعت تكتيكياً تحت تأثير مفهوم الواقعية، ما فتح المجال أمام مفاوضات تجري بعيداً عن الجنرال حفتر وبدعم من مصر[11].

المعطى الخامس هو موقف حفتر. فقد فاجأ الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، الكثير من المتابعين للملف الليبي، بإعلانه، على لسان أحمد المسماري الناطق باسم مليشيات حفتر، الاعترف بسلطة المجلس الرئاسي الجديد، وقال المسماري، في تصريح تلفزيوني: “المجلس الرئاسي هو القائد الأعلى للجيش الليبي، ويضيف المسماري، في لهجة غير معهودة من مليشيات حفتر، نحن “نقع تحت السلطة (المجلس الرئاسي) والقانون والدستور”. ويلاحظ أن حفتر اعترف بالسلطة الجديدة حتى قبل منح مجلس النواب الثقة لتلك الحكومة كما اشترطت حكومة عبد الله الثني، التابعة لهم (غير معترف بها دوليا).

ويعتبر اعتراف حفتر بالسلطة الجديدة هو موقف مختلف تمامًا عن موقفه الذى يرفض منذ العام 2016 الاعتراف بسلطة المجلس الرئاسي على مليشياته. ويمكن إرجاع تغير موقف حفتر واعترافه بالسلطة الجديدة إلى مجموعة من الأسباب، لعل أهمها:

1- خوف حفتر من قيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات عليه إذا ما أعلن رفضه الاعتراف بالسلطة الجديدة خاصة بعد إعلان واشنطن فرض عقوبات على المعرقلين للحوار الليبى. ويزداد تخوف حفتر مع رحيل دونالد ترامب الذى أعطاه الضوء الأخضر للهجوم على طرابلس، وصعود جو بايدن إلى سدة الحكم وهو  الذى أثر صعوده على حلفاء حفتر بشكل سلبى فبايدن له مواقف وتصريحات رافضة لكلً من الإمارات والسعودية ومصر.

2- يضيق الخناق يوما بعد يوم حول عنق حفتر، في قضيتين مرفوعتين ضده أمام محكمة فيدرالية أمريكية بولاية فرجينيا، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، بعدما رفض وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، رمي حبل النجاة له. إذ تجنب بومبيو، قبل مغادرته منصبه، الرد على مراسلة المحكمة بشأن ادعاء فريق الدفاع عن حفتر بأنه يتمتع بحصانة رئاسية أو شبه رئاسية، ما يعني ضوءا أخضرا للاستمرار في محاكمته.

وفي حال إدانته، قد تتم مصادرة ممتلكاته في الولايات المتحدة والمقدرة بملايين الدولارات، لكن ذلك سيفتح الباب أمام دعوات قضائية أخرى ضد حفتر، ما سيعرقل توليه مناصب عليا في الدولة أو الترشح لرئاسة البلاد. لذلك لا يستبعد أن تكون مغازلة حفتر للسلطة التنفيذية الجديدة، مناورة للحصول على منصب سيادي (القائد العام للجيش) يمنحه حصانة ضد محاكمته في الولايات المتحدة أو غيرها[12].

 

خامسًا: ما هى العقبات والتحديات التى قد تواجهها الحكومة الجديدة؟:

على الرغم من أن اختيار السلطة الجديدة كان موفقا لخلوها من الشخصيات الجدلية المرفوضة من قطاعات متعددة من الشعب الليبى، ومن بعض الأطراف العسكرية والسياسية. بجانب أنها مشكلة من شخصيات ليس بينها عداء أو خصام مع أي طرف، وبالتالي لا توجد أية مواقف مسبقة يمكن أن تؤثر في قدرتها على التواصل مع كل القوى واستمالتها لإنجاح جهودها عبر المرحلة التمهيدية للانتخابات[13]. فضلًا عن امتلاكها أوراق قوة أبرزها الشرعية الدولية التي حصلت عليها برعاية الأمم المتحدة[14].  إلا أن هناك مجموعة من التحديات التى قد تواجه عمل تلك الحكومة، منها:

1- الحصول على ثقة مجلس النواب: فلا تزال هناك مخاوف بشأن الانقسام الذي يعيشه مجلس النواب، والذي يمكن أن يكون حجر عثرة دون حصول الحكومة الجديدة على الثقة لمباشرة أعمالها. وهو التخوف الذى يزداد مع تصاعد الخلاف حول مكان وموعد عقد جلسة مجلس النواب لمنح الثقة للحكومة الجديدة.

فعقب انتخاب السلطة السياسية الموحدة، تبادل عدد من النواب التصريحات، لوسائل إعلام ليبية، وقد تباينت فيها الدعوة لعقد جلسة مجلس النواب، لمنح الثقة للحكومة الجديدة، بين طبرق وطرابلس، وفي الأثناء، برز طرف ثالث أعلن عن بدء مشاورات لعقد الجلسة في مدينة صبراته باعتبارها مدينة محايدة.

ويتوجب على رئيس الحكومة الجديدة، عبد الحميد الدبيبة، تقديم تشكيلته الحكومية في غضون ثلاثة أسابيع من تاريخ انتخابه، أي قبل الـ26 من الشهر الجاري (فبراير)، لمجلس النواب لمنحها الثقة خلال ثلاثة أسابيع أيضًا، أي قبل 19 مارس المقبل، لكن الخلافات بين النواب حول مكان انعقاد المجلس لمنح الثقة للحكومة، بجانب إمكانية عرقلة انصار رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح ورئيس مجلس نواب طرابلس حمودة سيالة انعقاد الجلسة من الأساس عبر التغيب عن حضورها، حيث يشترط لانعقاد المجلس حضور ما لا يقل عن 91 نائب من إجمالى عدد الاعضاء الذى يصل إلى 200 نائب.

وعلى الرغم من أن البعثة الأممية قدمت البديل لحل أزمة انعقاد مجلس النواب، فبعد إعلانها عن انتخاب السلطة الجديدة، قالت الرئيسة السابقة للبعثة، ستيفاني وليامز: “على مجلس النواب اتخاذ الخطوات اللازمة لاعتماد السلطة الجديدة”، في مدة لا تتجاوز 21 يوما، وإلا “سيعود القرار في هذا الشأن لملتقى الحوار السياسي”[15]. إلا أن هناك تشكيك فى حصول حكومة الدبيبة على ثقة الملتقى، حيث أن النسبة الضئيلة التي فازت بها قائمة الدبيبة بفارق أربعة أصوات قد لا تصمد أمام ترتيبات المعسكر الخاسر، والذي بات يمثل المعارضة النافذة على الأرض، خاصة أنّ خسارة القائمة التي كانت تضم فتحي باشاغا، وأسامة الجويلي كانت بسبب انضمامهما لعقيلة صالح، ما يعني أنّ فوز القائمة الحالية جاء لاعتبارات سياسية مسبقة، لن تكون متوافرة في حال عُرضت التشكيلة الحكومية للتصويت.

كما أن الدبيبة سبق وواجه اتهاماتٍ بدفع رشاوى بقيمة 200 ألف دولار داخل أعضاء الملتقى السياسي الليبي لشراء أصواتٍ لدعمه في الوصول إلى منصب رئيس الحكومة الذي يرأسه حاليًّا، ورغم أنه نفى رسميًا تلك الاتهامات، إلا أنّ الأمم المتحدة قررت فتح تحقيق، وهي الاتهامات المتوقع عودتها ثانيًة لأعضاء الملتقى الوطني في حال لم يقرر البرلمان منح الثقة لحكومته[16].

2- الحكومة الحالية لا تمثل المتصارعين على الأرض: فالشخصيات التي باتت اليوم خارج المشهد هي وحدها التي تمتلك آليات تمرير الحكومة الجديدة، نظرًا لامتلاكهم أوراق قوى تجعل الدبيبة حبيس بين فكّي أعدائه. حيث كان المشهد الليبي قبل فبراير الجاري (موعد اختيار السلطة الجديدة) يحمل توازنًا في خريطة الحرب الليبية؛ فالشرق الليبي يمتلك على رأسه عقيلة صالح الذي يحظى بشرعية دولية إلى جانب دعم مصري وروسي لافت، وهي القوة السياسة التي دعمت قوى أخرى عسكرية ممثلة في الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، الذي يمتلك ترسانة عسكرية تستحوذ على كامل الشرق الليبي، وأجزاء واسعة من الوسط والجنوب، وتدعمه مرتزقة من جنسياتٍ مختلفة.

على الجهة الأخرى من جبهة الصراع سيطرت حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا على الغرب الليبي برئاسة فايز السراج، المدعوم من تركيا، والذي تمكن من حصد انتصاراتٍ سياسية وعسكرية، بمساعدة العقل المدبر لـ«الوفاق»، فتحي باشاغا، الذي كان موصوفًا بأنه رجل أنقرة في طرابس، إلى جانب آمر غرفة عمليات طرابلس، اللواء أسامة الجويلي.

وبالتالى، فإن هذه الأطراف المهزومة هى من تتحكم فى المشهد الليبى، ما يجعل الحكومة الجديدة تواجه مخاضٍ عسيرٍ يتطلب حسم ترتيباتٍ خفية بين دوائر الصراع أبرزها الخروج الآمن من المشهد بضمان عدم توقيع أية محاكمات عسكرية على الطرف الخاسر، إضافة إلى الحصول على حقائب وزارية في الحكومة المقبلة[17].

3ـ شبح السلاح المنفلت: فوجود السلاح خارج سيطرة الحكومة الجديدة سيغري الفصائل المتحاربة باللجوء دوماً إليه كحَكَم لتصفية خلافاتها، خاصة أن الجنرال حفتر لديه طموح بأن يكون “سيسي ليبيا”، بجانب رغبته في السيطرة على صادرات النفط، والحفاظ على نفوذه القوي في الشرق[18]. فضلًا عن صعوبة إخراج المرتزقة، وهو ما ظهر فى انتهاء مهلة ال 90 يوما لاخراج القوات الأجنبية والمرتزقة التى حددها اتفاق وقف اطلاق النار فى نهاية أكتوبر 2020 فى إطار اللجنة العسكرية (5+5) وقد انتهت المهلة فى 23 يناير دون تنفيذ هذا البند.

 

سادسًا: ما موقف مصر من السلطة الجديدة؟:

رغم الترحيب العربي والمصرى الرسمى الذي قوبل به انتخاب سلطة تنفيذية جديدة في ليبيا. فقد أكد الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي”، فى 10 فبراير الحالى، دعم القاهرة للمجلس الرئاسي الليبي الجديد، والحكومة الانتقالية في البلاد. وقدم “السيسي” التهنئة لرئيس المجلس “محمد المنفي” ورئيس الوزراء “عبدالحميد دبيبة”، معربا خلال اتصالين هاتفيين، عن تطلعه لبداية عهد جديد يُعلي المصلحة الوطنية في ليبيا، وينهي الانقسام الليبي الذي كان أحد معوقات المرحلة الماضية. ونقل المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، السفير “بسام راضي”، تأكيد “السيسي” على مواصلة مصر تقديم الدعم والمساندة لصالح الليبيين سواء على الصعيد الاقتصادي والأمني والعسكري[19].

وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد حافظ قد أكد أن القاهرة تُرحب بنتائج التصويت على اختيار السلطة التنفيذية. وأعرب عن التطلع إلى العمل مع السلطة الليبية المؤقتة خلال الفترة المقبلة، وحتى تسليم السلطة إلى الحكومة المُنتخبة، بعد الانتخابات. ودعا الليبيين إلى الاستمرار في إعلاء المصلحة العليا لبلادهم، وكذلك كافة الأطراف الدولية والإقليمية إلى دعم هذا المسار السلمي لتسوية الأزمة، بما يُسهم في استعادة الاستقرار في ليبيا، ويفضي إلى وقف التدخلات الخارجية في شؤونها، وخروج كافة المقاتلين الأجانب وفرض سيادة ليبيا على أراضيها[20].

إلا أن الأذرع الإعلامية المقربة من أنظمة تلك الدول الداعمة لمعسكر حفتر (مصر، والإمارات، والسعودية) سُرعان ما وجهت اتهاماتٍ لرئيس الحكومة الجديد بأنه محسوب على جماعة الإخوان المصنفة على «قوائم الإرهاب» في تلك الدول، وسبق وأن أدرج برلمان طبرق المعترف به دوليًا اسم «عبد الحميد الدبيبة» ضمن «الكيانات الإرهابية» في عام 2017 بسبب تلك الاتهامات.

وفى هذا السياق، فقد غرد مصطفى بكري، المقدم التلفزيوني الذي يعكس في العادة ما يفكر به السيسي نفسه، قائلا أن “النتائج التي أسفرت عنها نتائج الانتخابات الوهمية وغير الشرعية لانتخاب رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي في ليبيا أقل ما يقال إنها مؤامرة ضد الشعب الليبي”. وأضاف: “حفتر، لقد أعادوا الإخوان إلي صدارة المشهد، ولكن تناسوا في كل ذلك أن الجيش الليبي هو الرقم الصعب في المعادلة، وأنه قطعا لن يسمح بهذا العبث الذي استدرجوا إليه المستشار عقيله صالح، ثم راحوا ينفذون المؤامرة ضده، حتي ينالوا من الجيش وقيادته”[21].

وما يزيد من التوجس العربي والمصرى من رئيس الحكومة الجديد، ما أعلنه ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأن «الاتفاقيات التي عقدتها أنقرة مع حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، لن تتأثر بانتخاب الحكومة المؤقتة الذي تدعم الدور التركي في ليبيا». بجانب الاحتفال التركي بفوز قائمة «الدبيبة» مقابل خسارة قائمة «عقيلة صالح» وهو ما سبب غضبًا في الرئاسة المصرية بحسب ما كشفته مصادر لموقع «العربي الجديد» أكدت أنّ «هناك حالة من الغضب داخل مؤسسة الرئاسة، وأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اعتبر ما حدث بمثابة انتصار كبير للسياسات التركية في ليبيا» خاصة بعد وصول شخصيات تميل في توجهاتها إلى تركيا[22].

ومن دوافع غضب مصر من الدبيبة أيضًا، منح هيئة الدولة الليبية للاستثمار التي تسيطر عليها عائلة الدبيبة ما يصل إلى 19 مليار دولار من عقود البناء الليبية لشركاتٍ تركية، بدلًا عن مصر، ضمن نزاع مصري – تركي على كعكة الإعمار في ليبيا، بحسب ما كشفته صحيفة «investigative journal» البريطانية[23].

 

 

 

 

[1] “دليل استرشادي لفهم ما يحدث في ليبيا”، مركز الانذار المبكر، 9/2/2021، الرابط: https://bit.ly/3tHUvcn

[2] “رئيسهم كان سفيراً طردته اليونان.. من هم رجال الحكم الجديد في ليبيا وما التحديات التي تواجههم؟”، عربى بوست، 8/2/2021، الرابط: https://bit.ly/3tL5TEw

[3] ” انتخاب السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا: حيثياته وآفاقه”، المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، 8/2/2021، الرابط: https://bit.ly/2Z0bHvJ

[4] ” الانتخابات الليبية الأخيرة (جذور المفاجأة وتداعياتها)”، منتدى العاصمة، 7/2/2021، الرابط: https://bit.ly/3a6pIOF

[5] ” انتخاب السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا: حيثياته وآفاقه”، مرجع سابق.

[6] “السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا برئاسة المنفي ودبيبة: نقاط القوة والضعف وفرص النجاح”، العربى الجديد، 6/2/2021، الرابط: https://bit.ly/2OeMawq

[7] “دليل استرشادي لفهم ما يحدث في ليبيا”، مرجع سابق.

[8] ” الانتخابات الليبية الأخيرة (جذور المفاجأة وتداعياتها)”، مرجع سابق.

[9] المرجع السابق.

[10] “السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا برئاسة المنفي ودبيبة: نقاط القوة والضعف وفرص النجاح”، مرجع سابق.

[11] “لماذا تفشل اتفاقات ليبيا دائماً وما مصير الاتفاق الأخير؟”، رصيف22، 8/2/2021، الرابط: https://bit.ly/3d8ag6m

[12] ” حفتر يغازل المجلس الرئاسي.. تغير استراتيجي أم تكتيك مؤقت؟ (تحليل)”، الأناضول، 9/2/2021، الرابط: https://bit.ly/3cY0vb5

[13] “على من تعتمد السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا لتنفيذ التزاماتها؟”، الجزيرة نت، 8/2/2021، الرابط: https://bit.ly/3rGDkWY

[14] ” 5 عقبات تقف أمام مستقبل الدبيبة في ليبيا”، ساسة بوست، 9/2/2021، الرابط: https://bit.ly/3p7VkaQ

[15] ” السلطة الجديدة في ليبيا تواجه أزمة منح الثقة في ظل خلافات مجلس النواب”، العربى الجديد، 9/2/2021، الرابط: https://bit.ly/3aR8jIP

[16] ” 5 عقبات تقف أمام مستقبل الدبيبة في ليبيا”، مرجع سابق.

[17] المرجع السابق.

[18]  “لماذا تفشل اتفاقات ليبيا دائماً وما مصير الاتفاق الأخير؟”، مرجع سابق.

[19] “السيسي يؤكد دعم مصر للمجلس الرئاسي الليبي الجديد والحكومة الانتقالية”، الخليج الجديد، 10/2/2021، الرابط: https://bit.ly/3pb3uPP

[20] “تحركات مصرية-إماراتية لاحتواء فوز المنفي ودبيبة في ليبيا”، العربى الجديد، 8/2/2021، الرابط: https://bit.ly/3jEDafC

[21] “انتخابات ليبيا المفاجئة أخبار غير سارة للقوى المتلاعبة”، نون بوست (مترجم)، 9/2/2021، الرابط: https://bit.ly/3p7jkel

[22] “تحركات مصرية-إماراتية لاحتواء فوز المنفي ودبيبة في ليبيا”، مرجع سابق.

[23] ” 5 عقبات تقف أمام مستقبل الدبيبة في ليبيا”، مرجع سابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022