المشهد السياسي 

 

المشهد المصري:

– البرادعي يتصدر جدل وسائل التواصل الاجتماعي بعدد عدد من التغريدات:

الحدث: شن المرشح الرئاسي المصري السابق محمد البرادعي، انتقادات لاستمرار حبس نشطاء سياسيين في مصر بتهم الإرهاب ودون محاكمة، حيث قام بنشر عدد من التغريدات خلال الشهر الماضي والجاري.

وقال البرادعي في تغريدة عبر حسابه بموقع تويتر: أعرف زياد العليمي معرفة وثيقة كمحام شاب شارك بعزيمة وإخلاص في ثورة يناير وفي العمل الحزبي اعتقادًا منه بإمكانية التغيير من خلال العمل السياسي.

وأضاف: مؤلم أن زياد وزملاء له لا حصر لهم يرزحون في السجون دون محاكمة بل متهمون بالإرهاب. هؤلاء هم مستقبل مصر ومن الخطر أن نقتل الأمل في نفوسهم. مضيفًا: كما تعلمنا في القانون: العدالة البطيئة هي عدالة غائبة.[1]

ردود الفعل: حدثت حالة من الجدل بين النشطاء والمتابعين في تفاعلهم مع تغريدات البرادعي، فقد اتهمه البعض بالمشاركة في المصير الذي وصلت إليه مصر، عبر محاربة ثورتها والتسبب بالانقلاب العسكري. ويضيف أصحاب هذا التوجه أن البرادعي كان جزء رئيسي من الترويج لأجندة الانقلاب ومنحه الدعم من جانب المجتمع الدولي.

على الجهة الأخرى، هناك من رحب بتغريدات البرادعي لدورها في الضغط على النظام المصري وتوجيه الضوء على اوضاع حقوق الإنسان والانسداد السياسي الذي تعيشه البلاد منذ 2013، حيث تضع القوى المدنية آمالًا كبيرة على عاتق إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لتقويم سلوك صانع القرار المصري فيما يخص الوضع الحقوقي.

خاصة أنها ليست المرة الأولى للبرادعي هذا الشهر، حيث علق البرادعي أيضًا في بداية شهر مارس على مرور 3 أعوام على حبس رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح، احتياطيا وبعزل انفرادي. وقال البرادعي تعليقا على تغريدة للمحامي والمرشح الرئاسي السابق خالد علي: مرة أخرى أليس الالتزام بالقانون من مقومات “دولة القانون”؟ وهل الحبس الانفرادي لمدة ٣ سنوات له مسوغاته القانونية؟ أسئلة تحتاج إلى إجابة في هذه الحالة وغيرها من الحالات. وقال خالد علي في تغريدته: أتم اليوم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ثلاث سنوات في حبسه الاحتياطي الانفرادي، على ذمة التحقيقات في القضية 440 لسنة 2018 حصر أمن دولة، رغم أن أقصى مدة الحبس الاحتياطي هي سنتان ووفق شروط غير متحققة في قضيته.

واستكمالًا لحالة الحراك الافتراضي الذي يقوم به البرادعي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر ، حيث غرد البرادعي، عن معنى الحرية، وذلك بعد يوم من تصريح أثار جدلا واسعا لعبد الفتاح السيسي تحدث فيه عن مفهومه للمعارضة والتي قام بتسميتها بالمعارضة الصحيحة.

ونقل البرادعي مقولة للكاتب البريطاني جورج أورويل، ذكر فيها أنه إن كان هناك أي معنى للحرية، فهو أن تملك الحق في أن تقول للناس ما لا يريدون سماعه. وأضاف: الإنسان المتعلم هو رصيد أساسي في عملية التنمية وركيزة جوهرية من ركائز الدولة. التعليم وليس غيره هو البداية.

وكان السيسي قال خلال مشاركته في افتتاح مجمع طبي بالاسماعيلية قال إنه: من حق الناس أن تعبر عن رأيها وأن تعترض، ولا بد أن تكون هناك معارضة صحيحة. وشرح مفهوم المعارضة الصحيحة والمقبولة من وجهة نظره بأنها هي التي تتحدث عن المشاكل الحياتية وتقصير الحكومة في تناولها، مشترطا على من يتحدث أن يكون فاهما لما يقول. ورأى السيسي أن الهدف من المعارضة والتعبير عن الرأي لا بد أن يكون تحسين أحوال الناس وحياتهم. وأضاف أن الدولة المصرية جادة وأمينة ومخلصة جدا، مشيرا إلى أن ذلك يخفف العبء عن الرأي العام والمعارضة.[2]

والسؤال حاليًا، إلي أي مدى قد تسهم تغريدات البرادعي في عودة الأضواء على أوضاع المعتقلين في مصر من ناحية، وكيف يمكن للقوى المدنية العودة إلى المشهد السياسي من ناحية أخرى، خاصة أن هناك من يرى أن تصريحات البرادعي تستفز السلطات في مصر، وتجعل الأوضاع أصعب وليس العكس.

 

– انفراجة في ملف مًعتقلي الصحفيين بالتزامن مع انتخابات النقابة:

 أعلنت مصادر صحافية وحقوقية مصرية إخلاء سبيل الصحافي والناشر المصري، مصطفى صقر، وهو القرار الذي ربطه صحافيون بانتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحافيين في 19 مارس الجاري، ومحاولة النقيب الحالي ضياء رشوان التفاوض مع السلطات لإطلاق سراح صحافيين محبوسين من أجل ضمان استمراره نقيبًا.[3] وبعدها أعلن الكاتب الصحافي المصري خالد البلشي، وصول إسلام الكلحي الصحفي بموقع درب، إلى قسم شرطة الهرم بمحافظة الجيزة، تمهيدًا لإخلاء سبيله.[4] وبعدها أعلنت مصادر حقوقية وصحافية، إخلاء سبيل الصحافيين المصريين خالد داوود وحسن القباني، اللذين ألقي القبض عليهما الأربعاء 18 سبتمبر 2019 أثناء حضورهما جلسة تجديد التدابير الاحترازية.[5] ويأتي هذا بالتزامن مع انتخابات نقابة الصحفيين؛ حيث كان ضياء رشوان قد انخرط في جهود الوساطة المبذولة لتحقيق انفراجة في هذا الملف منذ ثلاثة أشهر تقريبًا. وكان من المُرجَّح بشدة إخلاء سبيل عدد كبير من الصحافيين والمعتقلين من مختلف الاتجاهات، لاسيما المُنتمين للتيار الناصري، قبل ذكرى ثورة يناير الأخيرة، لكن خلافات الأجهزة الأمنية أدت إلى تأجيل هذه الخطوة. وبعد ربط صحافيين بين الإفراج عن عدد من زملائهم، وبين قرب انتخابات التجديد النصفي للنقابة؛ كتب ضياء رشوان منشورًا أكَّد فيه أن ذلك واجب دائم يقوم به في كل الأوقات وفي أي موقع، مع ذكر مجموعة من الأسماء لبعض الصحفيين الذين خرجوا في العامين السابقين. وكانت اللجنة المشرفة على انتخابات نقابة الصحافيين المصريين، قد أجلت عقد الجمعية العمومية لمدة أسبوعين، لعدم اكتمال النصاب القانوني 50%+1 والذي يُقدر بحوالي 5000 صحافي يحق لهم التصويت، ليوم الجمعة الموافق 19 مارس المقبل، بنصاب قانوني 25% من الأعضاء. وكان على ضياء رشوان استغلال تلك الفرصة لمحاولة الإبقاء علة منصب النقيب.

 

المشهد الإقليمي والدولي:

– السياسة الخارجية المصرية:

أولًا: الدائرة الدولية:

1- العلاقة مع فرنسا: تشهد العلاقات المصرية- الفرنسية تطورًا كبيرًا، فالدولتين لديهما رؤية مشتركة حول القضايا الإقليمية، حيث ترى الدولتين أن الجماعات الإسلامية السياسية والجهادية على حد سواء هى العامل الرئيسى فى إثارة القلاقل والاضطرابات فى المنطقة. كما أن الطرفين لديهما عداء مشترك لتركيا، حتى وإن ظهرت مؤشرات منهما للتقارب معها، ومن الملاحظ هنا أيضًا أن انفتاح مصر على تركيا جاء بالتزامن مع انفتاح فرنسا على الأخيرة، ما يعكس وجود توافق وتنسيق بينهما فى هذه النقطة. كما أن الدولتين تعطى الأولوية للقضايا العسكرية والأمنية على حساب قضايا حقوق الإنسان، وهو ما ظهر فى زيادة صادرات السلاح الفرنسى إلى القاهرة فى أشد الأوقات التى كانت تنتهك فيها حقوق الإنسان فى مصر.

ووفقًا لهذه المعطيات؛ يمكن تفسير مظاهر التعاون بين البلدين خلال الأسابيع الماضية، والتى تمثلت فى قيام القوات البحرية المصرية والفرنسية بإجراء تدريباً بحرياً عابراً بنطاق الأسطول الجنوبي بقاعدة البحر الأحمر، وذلك باشتراك الفرقاطة المصرية (شرم الشيخ) والقرويطة (أبو قير) مع حاملة المروحيات الفرنسية TONNERRE والفرقاطة SURCOUF، عقب انتهاء زيارتهم لميناء سفاجا[6]. بجانب التحركات الخاصة التى تقوم بها القاهرة، بدعم فرنسى، بدول الساحل الأفريقي، فقد شهد شهر فبراير الماضى زيارتين غير معلنتين قام بهما رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، يرافقه وفد أمني، إلى كل من تشاد والنيجر، حيث التقى هناك بمسؤولين رفيعي المستوى. وكان السبب الرئيسي وراء التوجه المصري نحو دول الساحل الأفريقي هو التقارير الاستخبارية الخاصة، بتلك المنطقة، والتي تؤكد توغل تركيا في تلك المنطقة، وسعيها إلى إقامة علاقات قوية مع دول الساحل الأفريقي، وكسب نفوذ سياسي هناك[7].

2- العلاقة مع إيطاليا: جدد القضاء المصري، فى 8 مارس الجارى، حبس الطالب المصرى بجامعة بولونيا الإيطالية باتريك زكي لمدة شهر ونصف أخرى. وقد تم اعتقال باتريك قبل أكثر من عام في القاهرة تحت ذرائع مختلفة؛ فهو محتجز في سجن طرة بتهمة القيام بدعاية تخريبية ضد البلاد: وهي في الأساس بعض المنشورات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”؛ وبالمناسبة، طالما أكّد زكي بشكل مستمر أنه لم يكتبها أبداً. كما أن اعتقاله كان وسيلة من أجل توجيه ضربة للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي إحدى المنظمات غير الحكومية المصرية الأكثر موثوقية والتي تعاملت دائماً مع حقوق الإنسان، والتي كان باتريك يتعاون معها.

ويرى بعض المراقبين أن احتجاز زكي من جانب القاهرة كان مقصوداً من البداية لاستخدامه كورقة للمساومة من خلالها مع الجانب الإيطالي في إطار قضية ريجيني. وهو ما يمكن تلمسه فى أن تجديد حبس زكي مرة أخرى سيكون قرب التاسع والعشرين من إبريل القادم، وهو يوم جلسة الاستماع الأولية ضد عناصر الأمن الوطني الأربعة وهم: اللواء صابر طارق؛ والعقيد آسر كامل محمد إبراهيم؛ والعقيد حسام حلمي؛ والرائد إبراهيم مجدي شريف – المتهمين من قبل المدعي العام في روما لمشاركتهم في اختطاف وقتل ريجيني، الذي وُجد مقتولاً في القاهرة في يناير 2016.

ومن ناحية أخرى، يرى آخرون أن وزارة الشؤون الخارجية الإيطالية تسعى أيضاً إلى تحقيق نجاح ما على الأرض لتخفيف الضغوط التي يمارسها الرأي العام الإيطالي عليها بخصوص قضية ريجيني، وأنه قد يمثل إطلاق سراح باتريك، إن حدث، حالة النجاح المنشودة لشغل الرأي العام في إيطاليا وتبريد قضية ريجيني التي يعلمون أنهم قد لا يحصلوا على العدالة لريجيني فيها[8].

 

ثانيًا: الدائرة الاقليمية:

العلاقة مع إسرائيل: للمرة الأولى منذ أكثر من 10 سنوات، انعقد لقاء استخباراتى بين مصر وإسرائيل بشرم الشيخ، فى 9 مارس الحالى، ترأس الوفد الإسرائيلى وزير المخابرات إيلي كوهين بينما ترأس الوفد المصرى نائب وزير المخابرات المصرية اللواء ناصر فهمي. وخلال هذا اللقاء تم مناقشة مجموعة من القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية تمثلت فى:

أمنيًا: ركزت المحادثات على  التعاون فى مجال محاربة الإرهاب “الإسلامي” ، خصوصاً في شبه جزيرة سيناء وتأمين حرية الملاحة البحرية في البحر الأحمر. وفى هذا السياق، قدم “فهمي”، لـ”كوهين”، شرحًا مفصلًا حول النظام الأمني لشرم الشيخ لضمان استمرار السياحة وبناء سياج أمني كبير بطول 43 كيلو مترًا تم الانتهاء منه عام 2020، في إطار محاربة الإرهاب، ولتأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر، وهو ما يصب في المصلحة المشتركة لكل من مصر وإسرائيل، وفقًا لصحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية. فيما قال “كوهين” إن إسرائيل تنظر لشرم الشيخ بأنها آمنة، وعندما يعود لإسرائيل سيوصي بعودة الإسرائيليين لها مرة أخرى واستبعادها من التحذيرات الأمنية[9].

سياسيًا: فقد بحث اللقاء إمكانية تنظيم زيارة لرئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى مصر قريباً. وهو ما يشير إلى رغبة البلدين فى تحويل العلاقات بينهما من سلام بارد إلى سلام دافئ، وهو ما أكده كوهين في تغريدته على تويتر بأن تعزيز التعاون الأمني والاقتصادى “ستظهر ثماره قريباً، هكذا يبدو السلام قوياً”، وتابع “نصنع التاريخ ونحول العلاقات مع مصر إلى سلام دافئ”[10].

اقتصاديًا: قال وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز إن الحكومتين المصرية والإسرائيلية ستدعمان خط الأنابيب تحت البحر “من أجل مضاعفة كمية الغاز التي يمكن إرسالها إلى منشآت الغاز الطبيعي المسال المصرية”. ويزود حقل ليفياثان، الذي يقع على مسافة 130 كيلومتراً قبالة ساحل إسرائيل، السوق المحلية الإسرائيلية، ويرسل أيضاً صادرات من الغاز إلى الأردن ومصر. وسئل الوزير عن الطاقة الاستيعابية لخط الأنابيب الجديد، فقال “أعتقد أننا نتحدث في البداية عن طاقة استيعابية من المحتمل أن تبلغ حوالي 10 مليارات متر مكعب سنوياً، لكنها ربما تزيد في المستقبل”[11].

وفي السياق، ذكرت صحيفة “يسرائيل هيوم” في تقرير نشرته في عددها الصادر فى 10 مارس الحالى أن كوهين قاد في زيارته وفدا كبيرا ضم ممثلين كبارا عن العديد من الوزارات وشركات القطاعين العام والخاص في إسرائيل، مشيرة إلى أن الوفد شارك في لقاء مع مسؤولين ورجال أعمال مصريين. ونوهت الصحيفة إلى أن هدف اللقاء، الذي شارك فيه 60 من رجال الأعمال الإسرائيليين والمصريين، بحث إمكانية زيادة مجالات التعاون الاقتصادي بين الجانبين لكي تتجاوز مجالي الغاز والنسيج. وكشفت الصحيفة عن أن أحد المشاركين في اللقاء مع الجانب المصري كان رامي ليفي، مالك شركة “شيفوك هشيكما”، وهو أحد كبار المستثمرين في المستوطنات اليهودية المقامة في الضفة الغربية المحتلة[12].

 

ثالثًا: الدائرة العربية:

العلاقة مع قطر: وصل إلى العاصمة المصرية القاهرة، فى 8 مارس الحالى، الشيخ محمد بن حمد بن سعود آل ثاني، مدير إدارة الشؤون القانونية بوزارة الخارجية القطرية، في إطار عودة العلاقات الثنائية لطبيعتها بعد إعلان المصالحة الخليجية في يناير 2021. وذكرت صحيفة “الأهرام” المصرية، أن المسؤول القطري أتى إلى مصر “على رأس وفد من الدوحة، في زيارة لمصر تستغرق يومين، يبحث خلالها علاقات التعاون بين مصر وقطر”.

ونقلت الصحيفة الحكومية عن مصادر مطلعة، أن الزيارة تندرج “في إطار جهود مصرية قطرية حثيثة للإسراع بعودة العلاقات المصرية القطرية لطبيعتها”. كما كشفت صحيفة “القبس” الكويتية عن تحركات تقودها القيادة السياسية في الكويت، لعقد اجتماع ثلاثي بين قطر والإمارات ومصر في منتصف مارس الجاري؛ لحل الملفات العالقة بينهم.

والأسبوع الماضي، جرت مباحثات ثنائية في القاهرة بين وزيري الخارجية المصري سامح شكري والقطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في أول لقاء بينهما منذ عام 2017، على هامش فعاليات الدورة الـ155 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري. وكانت قطر عقدت اجتماعين منفصلين مع الجانبين الإماراتي والمصري في فبراير الماضي، بدولة الكويت؛ لوضع آليات وإجراءات المرحلة المستقبلية بعد بيان قمة العلا بالسعودية[13].

وكان موقع Responsible Statecraft الأمريكي قد نشر مقالاً للكاتب جورجيو كافييرو، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Gulf State Analytics لاستشارات المخاطر الجيوسياسية، يستعرض فيه آفاق العلاقات المصرية القطرية في أعقاب إعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ويرى الكاتب أن التقارب بين البلدين يضغط بقوةٍ أكبر على الدول الموقعة في قمة العلا -ولاسيما الإمارات والبحرين- من أجل السير على خطى القاهرة، وتجاوز أزمة دول مجلس التعاون الخليجي المستمرة لـ3 أعوام ونصف العام.

ويعتقد كافييرو أنه من الصعوبة عدم الربط بين دفء العلاقات القطرية المصرية وبين دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض، إذ إن القيادة في القاهرة مثل نظيرتها في الرياض، لديها مخاوف كبيرة من نوايا الإدارة الأمريكية الجديدة. ويضيف الكاتب أن القاهرة ينتابها القلق من ممارسة الإدارة الجديدة ضغوطاً على مصر فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، وأنه من خلال استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، فإن مصر تتخذ خطوة استباقية لإظهار نوايا حسنة لواشنطن، التي ارتأت أن الحصار يضر المصالح الأمريكية.

وترى القاهرة كذلك مميزات مالية من تطبيع العلاقات مع الجانب القطري، فضلاً عن تجدد ينبوع الاستثمار الأجنبي من قطر، فإن ما يقرب من 300 ألف مصري يعملون في قطر، وتمثل تحويلاتهم إلى ذويهم في مصر مصدر دخل مهماً للعملة الصعبة، يُفترض أن يحظوا بثقة واستقرار أكبر في الدولة الخليجية الصغيرة، فلن يعود هؤلاء في حاجة إلى الاعتماد على السفارة اليونانية لأي نوع من المساعدات الاستشارية التي كان الوضع السابق يتطلبها[14].

 

– قرار المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق فى الجرائم الإسرائيلية..هل يمثل انتصارًا للفلسطينيين؟:

بعد مرور شهر واحد من حكم المحكمة الجنائية الدولية، فى 5 فبراير 2021، بأن للمحكمة اختصاصًا قضائيًا على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م التي تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. فقد أعلنت المحكمة بصورة رسمية، يوم 3 مارس 2021، أنها ستشرع في إجراء تحقيق لتقصي شبهات بارتكاب إسرائيل جرائم حرب في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.

وبحسب المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا فإن التحقيق سيتناول جرائم الحرب التي ارتُكِبت في الضفة الغربية أو غزة أو القدس الشرقية منذ 13 يونيو 2014، وأشارت بنسودا في مقال رأي نُشِر في أواخر عام 2019 إلى ثلاثة أنواع من جرائم الحرب المحتملة: تلك التي ارتكبتها إسرائيل وحماس خلال عملية الجرف الصامد في صيف 2014، وتلك التي ارتكبتها إسرائيل خلال المظاهرات الحاشدة عند السياج الحدودي بين إسرائيل وغزة ابتداء من مارس 2018، وتلك التي ارتكبتها إسرائيل عن طريق توطين المواطنين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة[15].

ويرى بعض المراقبين أن قرار المحكمة الجنائية ببدء إجراء تحقيق ضد إسرائيل يمثل تطورًا هامًا لصالح الفلسطينيين، حيث أن هذا القرار يضع أساساً مهماً أمام جهات عديدة لرؤية السياسة الإسرائيلية حيال الفلسطينيين على نحو أكثر انتقاداً، ويشكل سنداً لمزيد من فضح هذه السياسة وإدانتها في المحافل السياسية والقانونية الدولية[16]. كما أن هذا القرار يعنى محاكمة الضباط والسياسيين الإسرائيليين الذين شاركوا فى الجرائم ضد الفلسطينيين، وقد يصل الأمر إلى محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو نفسه، بل وقد يصل الأمر إلى اعتقال هؤلاء المسئولين الإسرائيليين، وقد يجدوا أنفسهم مقيديين بالسفر إلى الخارج خاصة إلى الدول الأعضاء فى المحكمة خوفًا من قيام سلطات هذه الدول باعتقالهم وفقًا لقانون المحكمة. كما أن المحكمة بحكم كونها جهاز قضائى مستقل قد تكون أقل استجابة للضغوطات السياسية التى تمارسها الدول، كما أن ذلك سيجعل قراراتها أكثر إلزامًا وقبولًا لدى الجهات الدولية الأخرى على عكس القرارات التى تصدر من الهيئات السياسية مثل جمعية الأمم المتحدة أو حتى مجلس الأمن.

ولكن على الجانب الآخر، يرى العديد من المراقبين أن هذا القرار لا يعنى أن محاكمة الإسرائيليين أصبحت قريبة؛ حيث تستغرق التحقيقات فترة طويلة قد تصل سنوات. فطوال فترة وجود المحكمة منذ عام 2002، تولّت 30 دعوى فقط، كانت نتيجتها 9 إدانات و4 أحكام بالبراءة.

ومن المتوقع أيضًا أن تعمل إسرائيل جديًا على عرقلة هذه التحقيقات، ففي استطاعتها أن تصعب عمل المحققين لوجستيًا بطرق شتى، كمنعهم من زيارة الضفة الغربية وقطاع غزة، أو منع الشهود من الإدلاء بشهادتهم عن طريق الترهيب، أو حتى إصدار أمر عسكري أو قانون في الكنيست الإسرائيلي يجرم التعامل مع المحكمة أو المساهمة في عملها، فضلًا عن العمل المخابراتي غير المعلن الذي قد يستهدف المحققين والخبراء والشهود، كحملات الابتزاز والتضليل والقرصنة الإلكترونية[17].

كما أن ميثاق روما ينص على أن اختصاص المحكمة هو اختصاص مكمل لاختصاص المحاكم المحلية، ما يعنى أن إسرائيل قد تجرى محاكمات داخلية صورية فى الجرائم التى يرتكبها العسكر، والتعلل بعدم محاكمتهم مرة أخرى أمام المحكمة الجنائية. بجانب إمكانية قيام إسرائيل بالتضييق على الفلسطينيين لحثهم على التنازل عن الدعاوى أمام المحكمة، وفي هذا الصدد، قد تلجأ إسرائيل إلى وقف أو تقليص تحويل أموال الضرائب التي تحصلها نيابة عن الحكومة الفلسطينية نظرا لسيطرتها على المعابر، وهو ما سيؤدي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية[18].

كما أن التغييرات في مكتب الادعاء قد يكون لها تأثير؛ فبنسودا، المدعية العامة الحالية، سوف تنتهي فترة ولايتها في  يونيو 2021، وقد اختارت الجمعية العامة للدول الأعضاء في المحكمة المحامي البريطاني كريم خان لتقلُّد المنصب. ويذكر أن خان، الذي كان قد ترأس في السابق طاقم الدفاع عن سيف الإسلام القذافي في الدعاوى ضده في المحكمة الجنائية الدولية، كان المرشح المفضل لإسرائيل لخلافة بنسودا. وسوف يكون للمدعي العام الجديد تأثير كبير في أولويات الادعاء وكذلك في مجريات التحقيق واختيار الملفات[19].

كما تعكس ردة الفعل الرافضة لقرار المحكمة الدولية بإجراء تحقيق ضد إسرائيل من قبل بعض الدول الغربية مثل أمريكا وألمانيا وكندا وأستراليا والمجر، بجانب الصمت المحرج للدبلوماسيات الغربية الأخرى، أن بقية الإجراءات قد لا تكون خاليةً من الضغوط[20]. وفى هذا الصدد، فإن ألمانيا قد تمارس ضغوطات على المحكمة لعدم إجراء التحقيق خاصة وأنها تساهم وحدها ب 40 في المائة من تمويل المحكمة الدولية[21].

أكثر من ذلك، فإن التحقيق في الجرائم لن يركز فقط على الطرف الإسرائيلي، بل سوف يشمل أمورًا أخرى قامت بها فصائل المقاومة الفلسطينية مثل إطلاق الصواريخ على تجمعات السكان الإسرائيلية[22]. وهناك تخوف من أن يتم محاكمة الطرف الفلسطينى فقط؛ كون فلسطين ملزمة بالتعاون مع المحكمة – بوصفها دولة طرفا في النظام الأساسي للمحكمة – من حيث تحديد دقيق للجرائم التي تم ارتكابها، ومن هم الأفراد المسؤولون عنها. في المقابل، ليس لإسرائيل أي واجب للتعاون، بل على العكس، من المحتمل أن تقوم بكل ما في وسعها لعرقلة عمل المحققين باعتبارها ليست طرفًا فى النظام الأساسى للمحكمة[23].

 

– الحكومة الليبية الجديدة تحصل على ثقة البرلمان…وهذه أبرز التحديات المنتظرة:

التقت الفصائل المتعارضة في البرلمان الليبي المنقسم في مدينة سرت، ونجح البرلمان في عقد جلسة رسمية كاملة النصاب، حضرها 132 نائباً، وترأس الجلسة رئيس المجلس عقيلة صالح ونائباه: فوزي النويري وحميد حومة. وناقش النواب تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية التي قدّمها عبد الحميد دبيبة، وقد تباينت الآراء بين مشجع على منح الثقة، ومعترض على عدد الحقائب المبالغ فيه، فيما طالب نواب بتضمين مخرجات حوار تونس “الذي أَنْتَج السلطة التنفيذية الجديدة” في الإعلان الدستوري[24].

وعلى خلفية هذا الخلاف بين النواب، فقد أعلن النائب الأول لرئيس مجلس النواب الليبي فوزي النويري، فى 8 مارس 2021، تعليق جلسة مجلس النواب لمنح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية الجديدة واستئنافها فى اليوم التالى (9 مارس)، ودعوة رئيس الحكومة المكلف عبد الحميد دبيبة لحضورها من أجل الاستماع له، قبل أن يتم التصويت على منح الثقة من عدمه. وبعد استئناف الجلسة الثانية فى 9 مارس، فقد علق “عقيلة صالح” الجلسة مرة أخرى داعيًا الـ”دبيبة” لتقديم تشكيلته الوزارية بشكل مكتمل فى 10 مارس[25].

وليقوم مجلس النواب، فى 10 مارس، بمنح الثقة لحكومة الدبيبة بواقع 135 صوتاً ممن شارك في الجلسة البالغ عددها 137 نائباً. وتعتبر هذه الخطوة انجازًا كبيرًا فى طريق حل الأزمة الليبية، حيث أن منح الثقة من قبل البرلمان لهذه الحكومة يعنى أنها ستحل محل حكومة عبدالله الثنى فى الشرق وحكومة الوفاق فى الغرب، وبمجرد أن تتسلم مهامها من الحكومتين، ستكون قد حققت أهم أهدافها، وهو توحيد مؤسسات الدولة تحت حكومة واحدة.

ولكن لا تزال هناك مجموعة من التحديات التى ستواجه الحكومة الجديدة تتمثل أهمها فى:

1- تجاوز مجلس النواب لبند تضمين خريطة الطريقة المنبثقة من ملتقى الحوار السياسي في الإعلان الدستوري، ما يعني – حسب بعض المراقبين – بقاء المجلس الرئاسي الجديد دون شرعية. ويبدو أنه لن يتم تضمين خريطة الطريق فى الإعلان الدستورى لأن ذلك يعنى أن المرحلة الحالية ستسير وفقًا لمخرجات الاتفاق السياسى وليس وفقًا لاتفاق الصخيرات، ما يعنى  أن مجلس النواب ومجلس الدولة سيكونان خارج المشهد، وهو ما لا يريده المجلسان[26].

2- التشكيك في شرعية السلطة الجديدة: هناك مزاعم حول تقديم رشاوى على هامش ملتقى الحوار السياسي الذي تمخض عنه اختيار سلطة تنفيذية جديدة، وهو ما دعا المجلس الرئاسي الجديد وحكومة الوحدة الوطنية، في 2 مارس 2021، إلى مطالبة لجنة خبراء الأمم المتحدة بسرعة الكشف عن نتائج التحقيق بشأن مزاعم الرشاوى، وسط تأكيدات على عدم السماح لمن يثبت تورطه في ذلك الأمر بتولي أي مسؤولية، وهو ما يحاول البعض توظيفه في الوقت الحالي من أجل التشكيك في شرعية السلطة التنفيذية الجديدة.

3- إشكالية الفترة الزمنية الضيقة: بعد نجاح السلطة التنفيذية الجديدة فى الحصول على ثقة البرلمان، فإن أمامها حوالي تسعة أشهر من أجل دخول البلاد في مرحلة الانتخابات (ديسمبر 2021)، وهي فترة زمنية قصيرة مقارنة بما هو مطلوب إنجازه من تلك السلطة خلال المرحلة الانتقالية، وفي ظل وجود العديد من التحديات التي تتطلب وقتًا أطول للتعامل معها[27].

4- توحيد الجيش: إذ أن منصب القائد الأعلى للجيش، بحسب اتفاق جنيف يعود إلى المجلس الرئاسي مجتمعًا (محمد المنفي، وموسى الكوني، وعبدالله اللافي)، أما منصب وزير الدفاع، فقد أكد دبيبة أن كل الأطراف السياسية الليبية المتصارعة تريد الاستحواذ على وزارة الدفاع[28]، ولذلك فإن دبيبة سيتولى منصب وزير الدفاع، إلى حين الاتفاق على شخصية غير جدلية بالتشاور مع المجلس الرئاسي. لكن من المستبعد أن يعود المنصب إلى حفتر، إلا إذ منح منصب قائد الأركان إلى شخصية عسكرية مناوئة له من الغرب الليبي أو العكس، حتى لا تتركز كل القوة العسكرية في يده[29].

ومن جانب أخر، فهناك إشكالية المرتزقة الأجانب سواء فى الشرق المتمثلة فى فاغنر الروسية والمرتزقة الأفارقة كالجنجويد، مقابل المقاتلين السوريين التى جلبتهم تركيا إلى الغرب. وأخيرًا، إشكالية المليشيات العسكرية التى تخضع لسيطرة حفتر وتلك التى تخضع لسيطرة حكومة الوفاق، فمن المتوقع أن تُثار مجموعة من الخلافات عند محاولة توحيد الجيش من قبيل من سيتم إدماجه فى المؤسسة العسكرية الجديدة ومن سيتم اقصائه، وموقع ومكانة ومنصب قادة هذه المليشيات داخل الهيكل العسكرى الجديد.

نشاط ديبلوماسي عسكري صهيوني، وتحرك مصري لتقوية العلاقات مع الكيان:

شنَّ الطيران الحربي للكيان الصهيوني يوم الاثنين 8 مارس، غارات جوية على مواقع في محافظة شمال سيناء، يُعتقد أنها نقاط تمركُز لتنظيم ولاية سيناء. حيث شنَّ الطيران غارات على مدينتي رفح والشيخ زويد، ولم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات. ويأتي ذلك بعد غياب دام لأشهر عدة للتدخل الجوي الصهيوني في سيناء.[30] وفي نفس الإطار؛ وصل إلى القاهرة في نفس اليوم، وزير الاستخبارات إيلي كوهين، على رأس وفد أمني للتباحث حول تطوير التعاون الأمني والاستخباري. وضم مسؤولين كبار من وزارة الاستخبارات ومن مجلس الأمن القومي التابع لديوان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ويُشار إلى أن وسائل إعلام إسرائيلية أشارت أخيرًا إلى أن تولي جو بايدن مقاليد الحكم في الولايات المتحدة حفَّز النظام المصري على تطوير العلاقات مع الكيان الصهيوني. ويُذكر أن تقريرًا صدر مؤخرًا عن مركز أبحاث الأمن القومي الصهيوني، أوصى بالطلب من إدارة بايدن عدم ممارسة ضغوط على نظام السيسي بشأن ملف حقوق الإنسان، على اعتبار أن استقرار النظام يمثل مصلحة لكلٍّ من واشنطن وتل أبيب.[31] وقال أوفير جندلمان، الناطق بلسان رئيس وزراء الكيان في تغريدة غبر تويتر يوم الأربعاء 10 مارس؛ أن الوفد ضم مديري كبرى الشركات الصهيونية، وهو الأكبر من نوعه منذ 20 عامًا، وقد اجتمع مع مسؤولين مصريين بارزين، وبحث توسيع رقعة التجارة بين البلدين والتعاون في الزراعة والمياه والكهرباء والسياحة،  وأضاف أنه من المُتوقع وصول حجم التجارة إلى مليار دولار سنويا، كما التقى الوزير الصهيوني مع مسؤولين أمنيين مصريين كبار لتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي، وأعلن أن نتائج ذلك ستظهر قريبًا.[32] وكان مسؤولون بالكيان قد صرحوا لقناة عبرية بأن شركة مصر للطيران ستسير رحلات مباشرة منتظمة من الأراضي المحتلة وإليها، بدلًا من شركة طيران سيناء التي لا تحمل طائراتها العلم المصري، وتُسيِّر سبع رحلات أسبوعية باستخدام طائرتين فقط، مشيرين إلى أن مصر تستهدف تسيير 21 رحلة أسبوعية من القاهرة إلى تل أبيب عبر ناقلها الرسمي.[33] وتشير تلك الأخبار المُتتالية إلى مرحلة جديدة أقوى في علاقات التطبيع المصري الصهيوني، والتي كانت قد تم استئنافها منذ تولي السيسي حكم مصر عام 2014، والتي من المقرر أن تشهد مرحلة جديدة مع هرولة الإمارات والبحرين والمغرب والسودان للتطبيع مع تل أبيب، وإعلان هذه الدول عن تسيير رحلات طيران مباشرة بينها وبين الكيان، في إطار توطيد العلاقات فيما بينها.

– سد النهضة بين التعنُّت الإثيوبي والتوافق السوداني المصري؛ ماذا بعد؟:

جاءت التصريحات الأخيرة أثناء زيارة السيسي إلى السودان؛ لتؤكد على أن الجانبين المصري والسوداني لن يقبلا بحلول أُحادية من جانب إثيوبيا، وأن هناك رؤية موحدة رافضة لاستخدام السد كأداة للهيمنة الإقليمية، وأن اللقاء بين رئيسي أركان الجيشين هو رسالة موجهة للجانب الإثيوبي للتأكيد على جدية البلدين في اتخاذ كل ما يلزم من أجل منع التفرُّد بإدارة السد ضد مصالح البلدين. وبالرغم من الموافقة المبدئية من الأمين العام للأمم المتحدة وكذلك من الإدارة الأمريكية، إلا أن إثيوبيا حتى الآن ترفض وساطة من خارج القارة الإفريقية وتعارض ما أسمته بـ “تدويل الأزمة”، وهو ما يُهدِّد بتعقُّد المفاوضات واللجوء إلى مجلس الأمن في النهاية وهو أحد السيناريوهات القوية المحتملة فيما يبدو من مخرجات المفاوض الإثيوبي حتى الآن. وفي حال إثبات مصر والسودان في مجلس الأمن بأن هناك ضررًا جسيمًا يقع على أحدهما أو كليهما؛ فإن ذلك سيفتح الباب أمام عقوبات على إثيوبيا من ناحية، كما أنه سيعطي القاهرة والخرطوم أحقية الدفاع عن النفس باتخاذ أي ضربات استباقية من أجل تلافي ذلك الخطر الجسيم من ناحية أخرى. والسيناريو الأول بعد اللجوء إلى مجلس الأمن هو استصدار عقوبات رادعة تؤدي إلى تغيير السلوك الإثيوبي، وفي حالة عصيانها لتلك القرارات واستمرارها في الملء الأحادي المقرر في يوليو القادم، فهنا فإن الباب سيكون مفتوحًا أمام اتخاذ إجراءات عسكرية من كلٍّ من مصر والسودان.[34]

والاعتراض الإثيوبي على التحكيم الدولي نابع من احتمال ترجيحه حصة مصر من المياه بصياغة جديدة لحقوقها التاريخية، وسيفتح الباب لمطالبات دول المنبع بحقوقها المتمثلة في إقامة مشاريع تنموية وسدود على النهر. وبالرغم من فشل الإدارة الأميركية السابقة في ممارسة قدر من الضغط على آبي أحمد للقبول بقرارات مفاوضات واشنطن، إلا أنه بعد انتخاب الرئيس جو بايدن أعلنت إدارته سياسة خارجية نحو إفريقيا تتمحور حول الدفاع عن الديمقراطية، ومن ثمَّ فقبل أن يعيد البيت الأبيض البحث في أزمة سد النهضة، سيكون على آبي أحمد إعادة النظر في تنظيم الانتخابات بعد تأجيلها مرات عدة، إذ ربما تخضع الدولة لعقوبات لتسبب حكومته في أزمات داخلية منها الأزمة مع جبهة تحرير تيجراي التي اندلعت شرارتها بسبب انتخابات الإقليم التي نظمت من دون الرجوع إلى الحكومة الاتحادية، وهو سبب ضمن أسباب أخرى أدَّت إلى أزمة الإقليم الإنسانية التي حركت مجلس الأمن لإصدار قرار لولا اعتراض روسيا والصين، كما أن هناك النزاع على الحدود بين السودان وإثيوبيا، الذي قد يخضع للتحكيم الدولي إن لم يحل سلميًا.[35] وفي مسعى للتهدئة، أعربت إثيوبيا عن أملها في التوصل لحل مُربح للجميع بحسب تأكيد وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سيلشي بيكيلي الخميس. حيث ذكرت وزارة المياه الإثيوبية في بيان إن بيكيلي أجرى مباحثات مع وفد من الكونغو، بشأن الوضع الحالي لسد النهضة والمحادثات الثلاثية. وأشار البيان إلى أن الجانبين ناقشا المفاوضات الثلاثية بشأن السد، وأطلع وزير المياه الإثيوبي وفد الكونغو على موقف أديس أبابا منه. وشدَّد الوزير على أن إثيوبيا لا تزال ملتزمة حلًا يربح فيه الجميع، وتتطلع إلى قيادة الكونغو في وساطة هذا الأمر. ووفق بيان لوزارة الخارجية الإثيوبية، أبلغ وزير الخارجية الإثيوبي دمقي مكونن نظيره النرويجي إين إريكسن سوريد، أن بلاده تتطلع إلى التوصل لاتفاق بشأن السد قبيل موسم الأمطار الصيف المقبل. وأكد التزامها التوصل لاتفاق مع كل من السودان ومصر قبيل موسم الأمطار المقبل، الذي من المقرر أن يشهد عملية الملء الثانية. وتابع أن أديس أبابا تتفاوض بإخلاص مع الخرطوم والقاهرة، وأن بلاده تأمل التوصل لحلول في ظل قيادة الكونغو لمفاوضات سد النهضة.[36]

وهكذا تكون مرحلة التفاوض الدبلوماسي في أزمة سد النهضة قد وصلت إلى مراحلها الأخيرة بعد أن استنفذت الدبلوماسية المصرية والسودانية كل الطرق الممكنة لتفادي الخيار العسكري، إلا أن النظام الإثيوبي لا يزال يماطل من أجل أن يستخدم السد كأداة لشحذ المشاعر الوطنية وتوحيد الأعراق المتناحرة ضد قضية تتعلق بالسيادة والمصير، وكذلك في صورة تحذير عام للشعب تحسُّبًا لاندلاع حرب خارجية. وكل تلك الأهداف استثمرتها إثيوبيا بكفاءة، إلا أنَّ رصيد تلك الأداة بدأ ينفد باعتبار أن كلًا من مصر والسودان قد أعربا عن رفضهما لما أعلنته إثيوبيا من الملء الثاني في يوليو القادم بصورة منفردة، وهو ما وحَّد جبهتي القاهرة والخرطوم على عدة أهداف؛ منها أهداف عسكرية، مما دفَع الطرفين إلى التخلِّي عن المشكلات العالقة بينهما، وعلى رأسها مثلث حلايب وشلاتين. وفي ظل التعنُّت الإثيوبي الحالي، واحتمال عرض القضية على مجلس الأمن؛ يبرز إلى الأُفق أيضًا احتمال انسحاب مصر والسودان من اتفاق المبادئ، لرفع الغطاء القانوني عن بناء السد الإثيوبي، والحصول على قرار من مجلس الأمن يمنح الدولتين المصرية والسودانية غطاء سياسي في حال اضطُرتا للخيار العسكري. مع العلم أن ذلك سيُشكَّل أزمة في الداخل الإثيوبي المليء بالأزمات بالأساس، فمن ناحية أزمة النظام مع التيجراي، ومن ناحية أزمته مع السودان حول إقليم الفشقة، هذا بجانب الانقسامات الداخلية بسبب تأجيل الانتخابات ومحاولة سيطرة قومية الأمهرة على مفاصل الدولة الإثيوبية.

 

– التقارب التركي مع القاهرة والرياض:

الحدث: أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات صحفية، بأن التعاون مع مصر في مجالات الاقتصاد والاستخبارات والعلاقات الدبلوماسية مستمر، مبدياً رغبة بلاده في هذا النهج بقوله: نريد استمرار اللقاءات الدبلوماسية مع مصر ونسعى لتطويرها وعلاقاتنا معها جيدة.[37]

وبالفعل ثمة رسائل إيجابية من تركيا حيال العلاقات مع القاهرة ومؤخرًا الرياض، وهو الموقف الذي تحدث عنه في البداية وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، وجاءت ردود الفعل الايجابية من جانب تركيا بعدما احترمت مصر موقف تركيا في ما يخص حدود مناطق الصلاحية البحرية المتنازع عليها شرقي المتوسط، حيث طالب الأخير بعقد اتفاقية ثنائية بين القاهرة وأنقرة، وجاء وزير الدفاع التركي ليجدد طلب أنقرة في عقد معاهدة بين البلدين.
وجاءت رسالة أخرى بهذا الاتجاه من المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية، إبراهيم كالن، الذي أكد في تصريحاته لشبكة بلومبرغ أن: مصر قلب العالم العربي وعقله، ولديها دور مهم في المنطقة، مضيفا أنه يمكن فتح صفحة جديدة في علاقات تركيا مع مصر وعدد من دول الخليج للإسهام في إرساء السلام والاستقرار الإقليميين. وبعد هذه الرسالة، نددت وزارة الخارجية التركية في بيان الهجمات التي استهدفت ميناء رأس تنورة ومنشآت آرامكو في الدمام، معربة عن أطيب تمنيات تركيا للسعودية الشقيقة وشعبها، وهو موقف جديد من جانب أنقرة الذي لطالما ندد بالتدخل العسكري في اليمن.

السياق الأوسع لغاز المتوسط: اشتعل جدل جديد على خلفية الموقف المصري الذي قام بمراعاة المصالح التركية الخالصة، أثناء تحديد حدود القطعة رقم 18، في مناقصة تتعلق بالبحث عن النفط والغاز الطبيعي. وأهمية الموقف المصري جاء من امكانية تحوله لفرصة مهمة في سبيل تطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة. وكشفت تلك التطورات عن مباحثات تجري بصمت بين تركيا ومصر، فيما تشير تصريحات المسؤولين في أنقرة إلى إمكانية توقيع مذكرة تفاهم من أجل ترسيم حدود مناطق الصلاحية البحرية بين الدولتين شرقي المتوسط في أسرع وقت متوقع، لاسيما بعد حالة الاشادة الكبيرة من كافة مسئولي تركيا.

من جهتها، نجد أن اليونان، التي وقعت اتفاقا مع الجانب المصري الصيف الماضي، في موقف غاية الصعوبة والتعقيد، حيث أظهرت قلقا وامتعاضا كبيرين على خلفية الأنباء الواردة من أنقرة. وسارع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، للاتصال بالسيسي، وقام وزير خارجيته نيكوس ديندياس، بزيارة إلى القاهرة للقاء نظيره المصري سامح شكري.
وتبذل أثينا حاليا كل ما في وسعها لمنع توقيع مذكرة التفاهم المحتملة بين تركيا ومصر، لأن مثل هذه المذكرة ستكون بمثابة إخفاق كبير لأثينا التي تسعى جاهدة لإقصاء تركيا من شرق المتوسط.

مازال الموقف المصري صامتًا ولم يصرح بأي شىء بالرد ايجابًا أو سلبًا على التصريحات التركية، ومن المهم جدا في هذا الصدد أن يتضح الموقف المصري في الأيام المقبلة، لأنه قد يقلب الأمور رأسًا على عقب، فهذا الأمر يخص من جهة مناطق حساسة متنازعا عليها مثل الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة شرقي المتوسط، ومن جهة أخرى يشكل انطلاقة جديدة في العلاقات التركية – المصرية، بعدما سنوات من القطيعة على خلفية الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر عام 2013، حيث أظهرت أنقرة موقفا حادًا في الرفض تجاه ما تعرض له الرئيس المنتخب من قبل الشعب محمد مرسي.

يرى المسئولون الأتراك والمصريون أيضًا، أن هذه الأزمة لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، نظرا لحجم المصالح المشتركة بين البلدين وضرورة تعاونهما في عدد من الملفات للحفاظ على تلك المصالح. وهذه الحقيقة التي أضحت حتمية الوقوع بين أنقرة والقاهرة هي التي أبقت العلاقات التجارية بين تركيا ومصر مستمرة، كما جعلتهما تتواصلان على مستوى أجهزة الاستخبارات ووزارات الخارجية.

مصر وتركيا دولتان كبيرتان تتمتعان بقيم معنوية على الصعيد الثقافي، نظرا للماضي المشترك والروابط التاريخية بينهما، حيث ستواصل تركيا علاقاتها مع مصر كجزء من متطلبات السياسة الواقعية.[38]

 

– أنقرة والرياض على ردار المصالحة:

تعاني السعودية بقوة منذ لحظة فوز الرئيس الأمريكي بايدن بالولاية الرئاسية الأمريكية، حيث استهل تصريحاته بهجوم كبير ضد السعودية، تلاه منح الضوء الأخضر لتقارير الاستخبارات الأمريكية حول قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي.

تأزمت العلاقات السعودية التركية بعد الانقلاب العسكري المصري الذي دعمته الرياض بقوة، إلا أن الأزمة بين البلدين بلغت ذروتها بعد اغتيال الكاتب الشهير جمال خاشقجي في مبنى القنصلية السعودية بإسطنبول. وطالبت تركيا بتحقيق العدالة في هذه القضية. ولا يمكن أن تلام على ذلك، لأن الجريمة الشنيعة التي انتهكت سيادتها تم ارتكابها داخل حدود تركيا وباستخدام أراضيها، ولكنها في ذات الوقت أصبحت مستاءة من تحول القضية إلى ورقة تستخدمها الولايات المتحدة لابتزاز إحدى الدول الإسلامية، وصرح مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية التركي، بأنه في غاية الأسف أن تحولت قضية خاشقجي لورقة في يد واشنطن لتحقيق مكاسب ومصالح سياسية واقتصادية على حساب العدالة.[39]

وختامًا، يبدو أن المصالح والشواهد القائمة حاليًا تتجه نحو تطبيع في العلاقات السعودية التركية المصرية، وهو أمر قد يحدث انقلابًا في المشهد الاقليمي بصورة قد تجعل الإمارات في كفة بمفردها في مقابل تحالف كامل يضم كل أقطاب الشرق الاوسط، وحينها قد يكون هناك متنفس ملحوظ للحركات الإسلامية، لاسيما مع الضغوط التي ستمارسها ادارة بايدن فيما يخص الموقف الحقوقي الإنساني، لذلك من المتوقع أن يحدث انفراجة في المشهد السياسي في المنطقة، لو قررت تركيا وضع هذا الشرط على ورقة التفاوض، إلا أن الأقرب أن أنقرة لن تقوم بذلك غالبًا لأنها ستحاول التركيز على القضايا التي يوجد بها توافق مع الجانب المصري والسعودي وسترجأ القضايا الخلافية في أغلب الأمر، إلا أن قليل من التلميحات قد تحسن من أوضاع المعتقلين وتخفف حدة الاستقطاب في المنطقة عامة، ومصر خاصة.

 

– رئيس الوزراء العراقي يدعو لحوار واطني شامل:

الحدث: قام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بدعوة القوى السياسية والطائفية لحوار وطني لانهاء الاستقطاب السياسي. وقال في كلمة تلفزيونية: إننا ندعو جميع المختلفين من قوى سياسية وفعاليات شعبية وشبابية احتجاجية، ومعارضي الحكومة إلى طاولة الحوار المسؤول أمام شعبنا وأمام التاريخ، ندعو قوانا وأحزابنا السياسية الى تغليب مصلحة الوطن والابتعاد عن لغة الخطاب المتشنج والتسقيط السياسي، وإلى التهيئة لإنجاح الانتخابات المبكرة، ومنح شعبنا فرصة الأمل والثقة في الدولة والنظام الديمقراطي. وأضاف: كما أدعو الى حوار وطني حقيقي عميق، وعلى كل المستويات الرسمية والحزبية والشعبية، للتوصل إلى إطار الاتفاق النهائي للعلاقة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان بما يحفظ وحدة الأراضي العراقية، ويعالج المشكلات المتراكمة جذريا.[40]

ردود الفعل: لاقت دعوة الكاظمي ترحيباً سياسياً من بعض القوى، وادانة وشجب من قوى أخرى، حيث أعرب رئيس الحكومة إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، عن أمله بأن ترحب الأطراف العراقية بمبادرة رئيس الوزراء الاتحادي مصطفى الكاظمي بهدف التوصل إلى حل نهائي وشامل للمشاكل بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية. انضم زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى القوى السياسية المرحبة بدعوة الكاظمي، إلى حوار وطني يشمل الجميع وثوار تشرين لكنه اشترط أن يُستثنى منه البعثيون والإرهابيون وأن يكون بإشرافٍ أممي، فيما اعتبر تحالف الفتح أن، لا جدوى من أي حوار وطني قبل إخراج القوات الأجنبية من البلاد. كذلك، أعلن زعيم تحالف عراقيون عمار الحكيم، تضامنه مع دعوة رئيس الوزراء، وطالب ببحث وضع السلاح خارج أجهزة الدولة، ووضعه على طاولة الحوار الوطني، والجدير بالذكر أن عمار الحكيم مدعوم من جانب السعودية. ولاقت دعوة الكاظمي أصداء خارجية، من بينها ترحيب الاتحاد الأوروبي حيث قال سفيره في العراق مارتن هوت في تغريدة له، أرحب ترحيبًا كبيرًا بدعوة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لحوار وطني يشمل كل شرائح المجتمع العراقي. وأضاف: لقد دعم الاتحاد الأوروبي فكرة تعزيز العلاقة بين الدولة والمواطَنة في العراق وإعادة بناء العقد الاجتماعي بين جميع العراقيين مؤكدا استعداد الاتحاد الأوروبي لمساعدة هكذا عملية يقودها العراق إن وجدت الرغبة.

من ناحية مضادة، يرى تحالف الفتح الذي يضم فصائل الحشد الشعبي المدعوم من طهران رفضه للحوار الوطني، قبل طرد القوات الأمريكية والاجنبية، باعتباره شرط مسبق لحضورها الحوار الوطني. كما أكد رئيس الجبهة التركمانية العراقية، النائب أرشد الصالحي، أن لا حوار وطني بدون ضمان حقوق الشعب التركماني في العراق. وأضاف في تغريدة، إنه كنا ومازلنا، من أوائل الدعاة للحوار وصياغة عقد وطني جديد، أولويتنا حوار شامل وحقوق كاملة للشعب التركماني، كنا ومازلنا صمام أمان وحدة العراق ودماء شهدائنا وتضحيات شعبنا شاهد على ما قدمه تركمان العراق. ولا حوار ولا سلام ولا نجاح لمن يسعى لتهميش تركمان العراق. حوارنا الوطني من آخر نقطة في الفاو جنوباً حتى آخر نقطة بحدودنا في زاخو شمالاً سنبقى صوت العراقيين وسترتفع جباهنا فوق من يسعى لفرض مظلمة جديدة على الشعب التركماني.[41]

السياق: ويسعى مؤيدي الدعوة من المكونات الوطنية والقوى الوطنية والمجتمعية والرأي العام العراقي لانجاح المحاولة لدعم العقد الاجتماعي العراقي الذي يعاني بشدة، بصورة تجعل من العراق على حافة اعلانها دولة فاشلة مفككة، حيث يستهدف الحوار الوطني عملية دفع العراق نحو عقد سياسي جديد للوئام الاجتماعي. يسعى رئيس الوزراء العراقي إلى استغلال الحالة الايجابية التي صنعتها زيارة بابا الفاتيكان للعراق، والتي كانت من أهم مخرجاتها ملف العلاقات الخارجية في ضوء مرجعيات الحوار المسيحي ـ الإسلامي، إضافة الى الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي في ضوء مرجعية اتفاقية الإطار الاستراتيجي، ونهج العراق في إبعاد الدولة وسلامة المجتمع والاقتصاد الوطني عن أضرار الصراع الأمريكي ـ الإيراني في العراق وتحييد العراق عنه. لذلك فالهدف من الحوار البناء عليها في اعادة الثقة بين الفصائل السياسية بعضها البعض، وبينها وبين الشعب.[42]

وختامًا، من الصعب تخيل أن تحل مشاكل الوضع السياسي العراقي بمجرد حوار وطني يفتقد إلى ابسط مقومات النجاح، بداية من الشعور بالثقة المتبادلة بين الأطراف، مرورًا بوضع بعضهم شروط تعجيزية للجلوس في هذا الحوار، وهو موقف القوى المحسوبة على طهران، والتي تطالب بانسحاب القوات الأمريكية والاجنبية قبل عقد الحوار الوطني وهو أمر تعجيزي، وفي النهاية ستظل العراق ساحة لحرب بالوكالة مازالت كافة عوامل استمرارها قائمة ومستمرة في المدى المنظور.

ناهيك أن الدولة ذاتها مفككة وأجهزتها تعاني ولم يتم اعادة اعمارها بعد الحرب على داعش، كما أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تفوق قدرة المجتمع ذاته على الصمود، وفي ظل تلك الأمور كافة، من الصعب توقع أن يؤدي الحوار الوطني إلى نتائج ايجابية، فضلًا عن أنه يعقد من الأساس.

 

– تجدُّد الأزمة السياسية في تشاد مع اقتراب الانتخابات الرئاسية:

بعدما أكَّد الرئيس التشادي إدريس ديبي أنه سيرشح نفسه لولاية سادسة في انتخابات إبريل المُقبل، وذكر أنه اتخذ القرار استجابةً لمطالب الشعب، خرج الشعب التشادي محتجًّا في الشوارع بمجرد إعلانه الترشح.[43] وأطلقت الشرطة في تشاد الغاز المسيل للدموع، واعتقلت بعضًا من مئات المحتجين على ترشيح رئيس البلاد إدريس ديبي. وكان ديبي (68 عامًا)، الذي تولى السلطة عبر تمرد في عام 1990، قد دفع بدستور جديد في 2018 أعاد تحديد الفترات الرئاسية، لكنه سمح له بالبقاء في السلطة حتى 2033، فيما يتهمه خصومه بمحاولة إقامة ملكية.[44] وذكر المرشح الرئاسي المعارض يحيى ديلو وحكومة تشاد إن اثنين على الأقل قُتلا بعد أن ذهبت قوات الأمن إلى منزل ديلو لإلقاء القبض عليه. وأعلن ديلو، الذي يعتزم خوض انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها في إبريل أمام الرئيس إدريس ديبي، أن أفراد حرس الرئاسة هاجموه في منزله وأن خمسة من أفراد أسرته، من بينهم والدته، قُتلوا. وقالت الحكومة في بيان لها أن قوات الأمن ذهبت إلى منزل ديلوا لإلقاء القبض عليه بعد أن رفض الامتثال لإخطارين قضائيين، ولكن القوات قوبلت بمقاومة مسلحة.[45]

وديلو من إثنية الزغاوة وابن أخت إدريس ديبي، زعيم سابق لتمرد دموي ضد ديبي في بواكير 2006، قبل أن ينضم إلى حكومته ليصبح وزيرًا. وديلو واحد من بين 17 مرشحًا أعلنوا عزمهم منافسة ديبي في انتخابات إبريل القادم. لكن يوم الأربعاء 3 مارس 2021 صادقت المحكمة العليا في تشاد على عشر ملفات، وألغت سبعة، من بينهم ملفي المعارضين البارزين الدكتور سوكسيس مسارا ويحيى ديلو. وبرَّرت المحكمة رفض ملفي ترشحهما بأن حزبيهما تشكلا بطريقة غير قانونية.[46] ورأت المعارضة أن اقتحام بيت ديلو رسالة تحذيرية لبقية المرشحين في الانتخابات الرئاسية.[47] وبعد حادثة مقتل أم يحي ديلو؛ أعلن زعيم حزب الاتحاد الوطني للديمقراطية والتجديد المعارض صالح كبزابو، انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية المُرتقبة في الـ 11 إبريل المقبل في البلاد، وأعرب عن أسفه لعدم حصوله على أي استجابة للمطالب الواردة في مذكرة الـ 25 فبراير الماضي، لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.[48] وبعيدًا عن الأحداث الراهنة ترجع الأزمة التشادية إلى تاريخ الصراع السياسي بين الفرقاء في جمهورية تشاد. حيث التنافس الإثني (القبلي) المشحون سياسيًا، فتعيش في تشاد أكثر من 200 إثنية مختلفة، هذ بجانب التدخل الفرنسي السافر لإذكاء هذا الجو المشحون.

 

 

————————————————————————

[1] البرادعي يتحدث عن النشطاء المعتقلين.. وردود منتقدة، عربي 21، 10/3/2021 http://bit.ly/3cuuJQY

[2] البرادعي يغرد عن معنى “الحرية” بعد تصريح السيسي، عربي 21، 9/3/2021 http://bit.ly/3l9sBSR

[3]  “مصر: إخلاء سبيل الصحافي مصطفى صقر… الانتخابات تلقي بظلالها”، العربي الجديد، 7/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/w85aA

[4]  “إخلاء سبيل الصحافي المصري إسلام الكلحي.. وانتخابات “الصحافيين” تحرك ملف الحبس الاحتياطي”، العربي الجديد، 7/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/EX4XP

[5]  “إخلاء سبيل الصحافيين المصريين خالد داوود وحسن القباني”، العربي الجديد، 8/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/G2iTw

[6] “البحرية المصرية والفرنسية تنفذان تدريباً بحرياً عابراً بقاعدة البحر الأحمر.. أبرز ما جاء بالصحافة المصرية اليوم الاثنين”، المرصد المصرى، 8/3/2021، الرابط: https://bit.ly/30www2w

[7] “تحركات مصرية بدعم فرنسي بالساحل الأفريقي لتطويق المصالح التركية”، العربى الجديد، 8/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3vdPJEk

[8] “بعد تجديد حبس باتريك زكي، الإعلام الإيطالي يتهم القاهرة بالابتزاز”، المعهد المصرى للدراسات، 9/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3cmX6Rd

[9] “الأكبر منذ 20 عاما.. تفاصيل اجتماع إسرائيلي مصري في شرم الشيخ”، الخليج الجديد، 10/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3euRVS2

[10] “اجتماعات إسرائيلية مصرية للمرة الأولى منذ 10 سنوات.. ماذا تناولت؟”، تى أر تى عربى، 11/3/2021، الرابط: https://bit.ly/30xgKEr

[11] المرجع السابق.

[12] ” لقاء استخباراتي مصري إسرائيلي يبحث تنظيم زيارة لنتنياهو إلى القاهرة”، العربى الجديد، 10/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3bxRCUu

[13] ” اجتماع قطري مصري جديد في القاهرة لبحث التعاون”، الخليج أونلاين، 8/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3l3Il9V

[14] ” وفد قطري يزور القاهرة.. مباحثات مع مسؤولين مصريين للإسراع بعودة العلاقات بين البلدين”، عربى بوست، 9/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3rBEenO

[15] ” «هآرتس»: ماذا يعني تحقيق الجنائية الدولية في جرائم الحرب الإسرائيلية؟ 8 أسئلة تجيبك”، ساسة بوست، 7/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3cgLzTj

[16] “إعلان محكمة لاهاي وإسقاطاته السياسية”، مدار، 8/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3bxVV1Z

[17] ” تداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن اختصاصها على فلسطين”، المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، 14/2/2021، الرابط: https://bit.ly/3qskUrS

[18] “فلسطين و”الجنائية الدولية”…طريق “العدالة” مفروش بالأشواك (تحليل)”، الأناضول، 4/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3qAap5G

[19] ” تداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن اختصاصها على فلسطين”، مرجع سابق.

[20] “أهمية خطوة المحكمة الجنائية الدولية فلسطينياً”، العربى الجديد، 4/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3byi28F

[21] “فلسطين و”الجنائية الدولية”…طريق “العدالة” مفروش بالأشواك (تحليل)”، مرجع سابق.

[22] ” تداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن اختصاصها على فلسطين”، مرجع سابق.

[23] “”أهمية خطوة المحكمة الجنائية الدولية فلسطينياً”، مرجع سابق.

[24] “ليبيا.. لقاء “تاريخي” في سرت وتأجيل منح الثقة لحكومة الوحدة!”، دويتشه فيلة، 8/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3cmPI8g

[25] “التئام البرلمان يبعث برسائل متناقضة لحكومة الدبيبة”، العرب، 9/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3cmtm71

[26] ” ليبيا: ما هي تحديات وفرص نجاح حكومة الدبيبة بعد نيلها ثقة النواب؟”، العربى الجديد، 11/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3rPHVGR

[27] ” معرقلو التسوية: عقبات أمام الجهود المتصاعدة لتوحيد المؤسسات الليبية”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 4/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3rEQZhp

[28] “الصراع يتواصل بين الأطراف السياسية الليبية على وزارة الدفاع”، نداء بوست، 9/3/2021، الرابط: https://bit.ly/3eq1Ms5

[29] ” ليبيا.. حصول حكومة دبيبة على الثقة يُنهي “نزاع الشرعية” (تحليل إخباري)”، وكالة الأناضول، 10/3/2021، الرابط: https://bit.ly/2PUK2ej

[30]  “قصف جوي إسرائيلي على سيناء”، العربي الجديد، 8/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/Btx2m

[31]  صلاح النعامي، “وزيرا الطاقة والاستخبارات الإسرائيليان إلى مصر اليوم لبحث العلاقات الأمنية والاقتصادية”، العربي الجديد، 8/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/4a1Il

[32]  داوود عودة، “وفد إسرائيلي في مصر.. مباحثات لتعزيز التعاون الأمني”، العين الإخبارية، 10/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/RTZNF

[33]  “غموض يكتنف تسيير القاهرة رحلات طيران مباشرة إلى تل أبيب”، العربي الجديد، 7/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/heQZW

[34]  محمد سليمان الزواوي، “مرحلة الحسم في أزمة سد النهضة.. السيناريوهات المحتملة”، قراءات إفريقية، 9/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/oCqBm

[35]  منى عبد الفتاح، “هل ستتحول أزمة سد النهضة إلى فرصة للدول الثلاث؟”، عربية Independent، 7/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/kOh9k

[36]  هاشم علي حامد، “سد النهضة” يدخل مفترق الطرق بعد التلويح بالتدويل”، عربية Independent، 7/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/w9ZZc

[37] تركيا تكشف عن خطوات للتطبيع مع مصر وتتحدث عن لقاءات “ودية” مع السعودية، اورينت نيوز، 11/3/2021 http://bit.ly/2OOypoJ

[38] توران قشلاقجي، تحركات في العلاقات المصرية التركية، القدس العربي، 8/3/2021 http://bit.ly/3rUBimg

[39] خطوات تركية نحو مصر والسعودية، عربي 21، 10/3/2021 http://bit.ly/3lb9MhW

[40] بابا الفاتيكان يحمل رسالة «مصالحة» للعراق اليوم… والجدل حول الصواريخ يتواصل، القدس العربي، 3/3/2021 http://bit.ly/3rHFPbR

[41] مبادرة الكاظمي للحوار: تأييد صدري مشروط والفتح يرهن جدواها بأسبقية انسحاب القوات الأجنبية، القدس العربي، 9/3/2021 http://bit.ly/3rJVkzV

[42] سيار الجميل، ماذا يريد بابا الفاتيكان من العراق؟، العربي الجديد، 5/3/2021 http://bit.ly/2PYr5HD

[43] “الوطن في حدقات العيون”، تشاد 24 ساعة، 4/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/FnaBt

[44]  “مواجهات بين الشرطة ومحتجين في تشاد بعد ترشيح ديبي لفترة رئاسية سادسة”، العربي الجديد، 6/2/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/0rQHQ

[45]  محمد عبد اللاه، “مقتل اثنين على الأقل خلال مناوشات بمنزل مرشح رئاسي معارض في تشاد”،  Reuters، 28/2/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/Ps8kO

[46]  إدريس آيات، “أزمة ما قبل الانتخابات بين ديبي/ ديلو- قراءة في تاريخ الصراع على السلطة في تشاد”، فيس بوك، 5/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/JT4Nt

[47]  “الأمن التشادي يقتحم منزل المعارض المرشح للانتخابات الرئاسية بالدبابات”، قراءات إفريقية، 4/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/glUsj

[48]  “المعارض التشادي رئيس حزب الاتحاد الوطني للديمقراطية يعلن انسحابه من السباق الرئاسي”، تشاد 24 ساعة، 3/3/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/6PmFV

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022