اللا معقول في الرد المصري على الانتقادات الأممية لانتهاكات حقوق الإنسان

 

 

سادت حالة من االسخرية والاستياء من ردود النظام المصري على البيان الأممي الذي اعلنته 31 دولة بمجلس حقوق الإنسان الأممي، بجنيف مؤخرا، الردود المصرية  تصادمت بشكل فج مع واقع ممارسات النظام بحق عموم المصريين، وحاول  نظام نظام السيسي التشويش على حجم الانتقادات الاممية لملف حقوق الانسان بمصر.

ودون أن تكلف نفسها عناء تقديم ردود مقنعة أو شهادات للرد على الاتهامات، التي وجهت لمصر، أعربت مصر في كلمتها، التي ألقاها السفير أحمد إيهاب جمال الدين، مبعوث مصر الدائم في الأمم المتحدة، عن أسفها لما وصل إليه مجلس حقوق الإنسان من “تسييس فج وتصعيد غير مبرر، وإساءة استخدامه كغطاء من دول تعتبر أن لها حق تقييم الآخرين، للتعتيم على انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان”.

وتطرق الرد المصري لما وصفه ببعض الانتهاكات في هذه الدول، وكان منها فنلندا والسويد والدنمارك وأيسلندا والنرويج، التي اتهمها الرد بمصادرة ممتلكات اللاجئين بمجرد وصولهم أراضيها، وتباري السياسيون في تغريداتهم العنصرية ضد الأفارقة والمسلمين، فضلًا عن تدنيس مواطنيها مقدسات المسلمين «دون حساب»، بحسب جمال الدين، الذي تطرق أيضًا إلى دول مثل ألمانيا وأيرلندا والنمسا وفرنسا وبلجيكا وهولندا، والتي وصفها بمقابلتها المظاهرات بالقوة والعنف رغم مناداتها المستمرة بحرية التعبير والتظاهر السلمي خارج أراضيها، فضلًا عن منع منظمي المظاهرات من التواصل مع أحد بالخارج.

والغريب أن نفس الممارسات التي تعد شاذة ومجرمة قانونا في الغرب وفي كل المجتمعات، يمارسها نظام السيسي مع أهالي النوبة واهالي الصعيد، الذي يخطط السيسي لمنع وصولهم لقلب القاهرة والعاصمة، بدعاوي مختلفة، كالزحام وأزمات المواصلات وغيرها، كما تتعدد التشريعات العدائية لمنع أهالي النوبة من العودة لاراضيهم التاريخية.

فيما اتهمت مصر سويسرا وليختنشتاين ولوكسمبورج، بترددها في إعادة الأموال المهربة لبلادها الأصلية، رغم مناداتها  بالقضاء على الفساد، وهو ما يتصادم مع حجم الفساد المتحكم في مصر بغعد عبد الفتاح السيسي، حيث باتت المؤسسة العسكرية مسيطرة على عصب الاقتصاد المصري، بنسبة تصل لـ60% من اقتصاد مصر، عبر قرارات ترسية المناقصات بالامر المباشر المخالف للقوانين والدساتير المصرية، وهو ما عبرت عنه ارقام المؤشرات الدولية حول نسب الفساد وتدني جهود مكافحة الفساد بالبلاد.

أيضًا بلاد البلطيق والتشيك وسلوفينيا والبوسنة وبلغاريا وإيطاليا وأسبانيا وكوستاريكا والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية، نالها من رد مصر جانب، إذ قال جمال الدين في كلمته إن الجائحة الحالية أظهرت ضعف شبكات التضامن الاجتماعي والرعاية الصحية في هذه البلاد، وهو ما يتصادم بدرجة كبيرة مع ما يعانيه المصريون من اهمال طبي ونقص المستلزمات الطبية في المستشفيات، وهو ما تسبب بارتفاع معدلات الموت بكورونا في مصر  مقارنة بالنسب العالمية..

ومع ذلك يمارس النظام المصري الكذب في الإعلان عن أرقام الضحايا والمصابين، وهو ما كشفته تصريحات عوض تاج الدين مستشار السيسي للشئون الصحية، بأن  عدد المصابين بكورونا في مصر عشرة اضعاف الأرقام المعلنة رسميا، وهو ما زاد عليه استطلاع مركز بصيرة لابحاث العلاقات العامة، الصادر مطلع مارس 2021، بأن عدد المصريين المصابين بكورونا يصل الى نحو 3 مليون مصري، وليس كما تعلن الحكومة نحو 200 ألف اصابة.

واختتمت البعثة المصرية كلمتها بتأكيدها أن مصر مستمرة في جهودها لتعزيز حقوق الإنسان في «إطار رؤيتها الوطنية»، وعارضة على من يود التعاون معها أن يتوقف عن النهج الذي وصفته بـ”الهدام”.

والأسبوع الماضي صدر بيان عن 31 دولة أمام مجلس حقوق الإنسان الأممي، يطالب مصر بالتوقف عن استغلال قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وحبسهم، وذلك في خطوة أشادت بها المنظمات الحقوقية، وطالب البيان المشترك القاهرة “بإنهاء استخدام تهم الإرهاب لإبقاء المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني في الحبس الاحتياطي المطوّل”.

وقالت كريستي كوبي سفيرة فنلندا لدى الأمم المتحدة في جنيف: “إننا نشعر بقلق بالغ إزاء تطبيق قانون الإرهاب ضد نشطاء حقوق الإنسان والمثليين والصحافيين والسياسيين والمحامين”، من جهته أشاد كيفن ويلان ممثل منظمة العفو الدولية لدى الأمم المتحدة في جنيف بالخطوة، وقال لوكالة رويترز “لقد مرت سبع سنوات منذ أن كان هناك أي نوع من التحرك الجماعي بشأن مصر في مجلس حقوق الإنسان، بينما كان الوضع يتدهور بشدة، هذه خطوة في غاية الأهمية”، موضحاً: “نحن في المرحلة التي أصبح فيها بقاء حركة حقوق الإنسان في مصر على المحك”.

وانضمت الولايات المتحدة، التي تتمتع بوضع مراقب في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إلى الدول 31 الموقعة على البيان وهو الأول من نوعه منذ 2014، ويأتي ذلك بعد تعهد إدارة الرئيس جو بايدن بالحديث صراحة عن انتهاكات حقوق الإنسان وسيادة القانون في مختلف أنحاء العالم، بما فيها مصر الدولة الحليفة لواشنطن.

ويواصل السيسي منذ  2013 حملة واسعة النطاق ضد المعارضة السياسية تم تشديدها في السنوات الأخيرة، ووفق تصريحات لا يوجد سجناء سياسيون في مصر، وذلك رغم وجود اكثر من 60 ألف معتقل بالمعتقلات، غير أن سفيرة فنلندا كيرستي كاوبي طالبت عقب البيان بأن “يتاح المجال للمجتمع المدني، بما في ذلك المدافعون عن حقوق الإنسان، للعمل دون خوف من الترهيب أو المضايقة أو الاعتقال أو الاحتجاز أو أي شكل آخر من أشكال الانتقام”، وأضافت أن ذلك “يشمل رفع حظر السفر وتجميد الأصول عن المدافعين عن حقوق الإنسان بمن فيهم موظفو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، في إشارة إلى ثلاثة نشطاء من المبادرة اعتقلوا في نوفمبر بعد اجتماعهم مع دبلوماسيين كبار في القاهرة، وهي المبادرة التي قالت عنها الحكومة المصرية أنها “تعمل بشكل غير قانوني”.

ومعظم الدول الموقعة على البيان أوروبية، وانضمت إليها الولايات المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا، ولم تؤيد البيان أي دولة من أفريقيا أو من الشرق الأوسط.

 

 

أوضاع مزرية

ولا يزال أكثر من 60 ألف معتقل يقبعون فى سجون العسكر، ومئات المختفين قسريا لا يعلم مصيرهم أحد، وفقا لما وثقته العديد من منظمات حقوق الانسان، بما يهدد سلامة المجتمع واستقراره في ظل إصرار نظام عبدالفتاح السيسى، على الانتهاكات والجرائم التى تصنف بأنها ضد الإنسانية ولا تسقط بالتقادم وفقا للقانون الدولي.

وسط مطالبات بتسيير لجان تقصي حقائق من قبل الأمم المتحدة بخصوص الانتهاكات التي تحدث في مصر من قتل وتعذيب وتعدي وإهمال ومصادرة أملاك وإعدامات وتهجير قسري وغيره من الانتهاكات، ولعل أبرز ما يفاقم الانتهاكات الحقوقية، تقاعس النيابة العامة  عن التحقیقات في آلاف البلاغات التي وردت إليها حول الانتھاكات بالقتل والإهمال وسوء الرعاية والتعذيب والاختفاء القسري والقبض التعسفي.

وكانت حملة “أوقفوا الإخفاء القسري” قد وثقت في تقرير صادر عنها مؤخرا بعنوان ” انتهاك مستمر وعدالة غائبة” تعرض 2723 شخصا للاختفاء القسري خلال السنوات الخمس الماضية لفترات متفاوتة داخل مقار قطاع الأمن الوطني وغيرها من مقار الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، كما رصدت أنماط ممارسة الظاهرة خلال هذه الفترة بما لا يدع مجالًا للتشكيك في ممارسة الأجهزة الأمنية للاختفاء القسري بشكل منهجي وعلى نطاق واسع.

وفي نهاية العام 2020، وثق مركز “الشهاب” ما يزيد عن 6 آلاف جريمة إخفاء قسري منذ أحداث 3 يوليو 2013، لما يعكس ويؤكد أن جريمة الإخفاء القسري تُرتكب بصورة غير طبيعية في مصر، وقد وصلت معدلات خطيرة للغاية وبأرقام غير مسبوقة لم تشهدها الدولة المصرية في تاريخها الحديث والقديم.

وفي نوفمبر الماضى، رصد تقرير صادر عن منظمة “كوميتي فور جستس” خلال الفترة من يوليو وحتى سبتمبر 2020 مضاعفة سلطات نظام السيسى للتنكيل بعدد أكبر من المواطنين المنتمين لفئات اجتماعية، وطبقية، وسياسية واسعة، على خلفية عدد من المستجدات في الساحة السياسية بمصر.

التقرير رصد 2652 انتهاكا في 61 سجناا ومقرا للاحتجاز، ووثق منها 11.8 %، أي 315 انتهاكا في 39 مقرا للاحتجاز ، حيث رصد 557 حالة اختفاء قسري و 1,686 انتهاكا ضمن الحرمان من الحرية تعسفيا خلال فترة التقرير ما بين الاعتقال التعسفي وتجديد و 20 واقعة تعذيب خلال فترة التقرير، توزعت بين 9 وقائع تعذيب جسدي و11 واقعة تعذيب نفسي.

أيضا رصد التقرير 360 انتهاكا ضمن سوء أوضاع الاحتجاز، توزعت بين 148 انتهاكا ضمن الحرمان من الرعاية الصحية، و3 انتهاكات ضمن التغريب، 209 انتهاكا ضمن سوء معاملة السجناء والمعتقلين. وارتفعت حالات الوفاة داخل السجون ومقار الاحتجاز خلال هذا العام لنحو 90 ضحية نتيجة الحرمان من الرعاية الصحية فيما يعرف بالقتل الأبيض ضمن جرائم وانتهاكات نظام السيسى التى لا تسقط بالتقادم.

ومؤخرا، طالبت منظمة “هيومن رايتس واتش” أوروبا بأن توقف دعمها للقمع في مصر وأن توقف التواطؤ الهادئ في سحق كرامة 100 مليون مصري وحريتهم. وقال كينيث روث المدير التفيذى بالمنظمة : “حان الوقت لاتّباع نهج جديد. يجب أن تتوقف مبيعات الأسلحة لمصر، بالنظر إلى سجل الشرطة المصرية في اعتقال وتعذيب المنتقدين وأفراد مجتمع الميم في جميع أنحاء البلاد، وسجل الجيش المصري في ارتكاب الفظائع في شمال سيناء، ودعمه (إلى جانب روسيا والإمارات) للقوات الليبية المنتهِكة بقيادة خليفة حفتر. وأضاف: “يوحى موقف مصر بأنها تسعى جاهدة إلى إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” قبل 72 عاما، عندما كانت الحكومات ما تزال تعتبر حقوق الإنسان مسألة داخلية وليست شأنا دوليا مشروعا”.

والأدهى من ذلك، أن القضاء بات في خدمة القمع، حيث تتجاهل السلطات أوامر الإفراج وتفتح الباب الدوار للحبس الاحتياطي، فيما يعرف بتدوير المعتقلين، وهو ما يحوّل هذه الممارسة من وظيفتها الطبيعية – إجراء احترازي واستثنائي – إلى أداة للعقاب السياسي بيد الأجهزة الأمنية يصادق عليها القضاء على نطاق واسع.

 

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022