قراءة في تصريحات السيسي لـ «دي فيلت» الألمانية

 

 

 

نشرت وكالة أنباء الشرق الأوسط، وكالة الأنباء الرسمية في مصر، السبت 24 أبريل، ملخصاً لحوار أجراه عبد الفتاح السيسي مع صحيفة “دي فيلت” الألمانية، وكان مما جاء فيه[1]:

بخصوص الحريات: قال الجنرال أنه «لا يوجد أي شخص في مصر سُجن بسبب آرائه السياسية، باعتبار أن الأمن لا ينبغي أن يأتي على حساب الحرية، حتى في بلد يعيش ظروفاً صعبة مثل مصر»، وأضاف: «النقد مسموح به للجميع في مصر، بشرط أن يكون نقداً بناءً، وليس تحريضياً»، مؤكداً أن الحكومة لم تعاقب أحداً بسبب إبداء رأيه.

التشديد على مسألة الاستقرار: أفاد السيسي أن «تحقيق الاستقرار أمر مهم للغاية في بلد يبلغ تعداد سكانه ما يزيد على 100 مليون نسمة مثل مصر، ويشكل الشباب أكثر من 60% منه»، وأضاف: «التحريض على الانقلاب أمر خطير، وغير مقبول. وألمانيا قطعت شوطاً طويلاً لتحقيق الاستقرار، وهي الآن من بين أغنى البلدان في العالم»، مستكملاً: «لدينا في مصر ما لا يقل عن مليون شاب وشابة يدخلون سوق العمل كل عام، ولا تستطيع الدولة توفير الوظائف لهم»، وأنه لا يمكن خلق تلك الوظائف إلا إذا استقر الوضع الأمني.

قضية اللاجئين والهجرة غير الشرعية: قال «كان من المهم لنا ألّا يتأثر أمن أوروبا نتيجة الهجرة غير الشرعية، التي لا يمكن وقفها عبر مصر إلا بتهيئة المناخ المناسب للأمن والاستقرار»، وأضاف: «لدينا ستة ملايين لاجئ في مصر، من بينهم 500 ألف لاجئ من سورية، بالإضافة إلى عدد كبير من العراق واليمن والسودان وليبيا وإثيوبيا، ودول أفريقية أخرى. ويرى الكثير منهم أن مصر دولة عبور فقط، لكننا لن نسمح لهم بالمضي قدماً نحو أوروبا».

نقد جماعة الإخوان المسلمين: قال السيسي أن «ما يجري في مصر الآن يثير استياء جماعة الإخوان المسلمين، التي وصلت إلى السلطة عقب مساعٍ دامت 90 عاماً. والجماعة تحاول نقل انطباع سلبي عن حالة حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية في مصر، بغرض تشكيل ضغط أوروبي على القاهرة».

التنمية أولاً مع عدم جاهزية الشعب للديمقراطية: تسائل قائلاً «هل تريدون تطبيق معاييركم الخاصة فقط للحرية والديمقراطية؟ أم يجب عليكم النظر أولاً إلى حالة الشعب المصري، ومعرفة أوضاع الفقراء وغير المتعلمين؟ لا أريد أن أطلب الدعم من أجلهم، ولكن أعطونا بعضاً من معرفتكم، وصناعتكم، ونحن نريد أن نشارك في تقدمكم، تماماً كما تريدون منا أن نتبنى أفكاركم عن الحرية».

 

مضامين ودلالات التصريحات:

وقد عكست تصريحات السيسي للصحيفة الألمانية، تصوراته للقضايا التي تحدث فيها، وأظهرت الدفوع التي يقدمها والحجج التي يعتمد عليها في إثبات صحة هذه المواقف:

فيما يتعلق بالحريات السياسية: فهو يؤكد أن حرية الرأي مكفولة للجميع، ما دامت لا تنطوي على تحريض، ثم يؤكد -كاذباً- عدم وجود سجناء رأي في مصر، وكان من الممكن أن يقول أن السجناء غير الجنائيين في مصر؛ تم سجنهم نتيجة الممارسات التحريضية التي تورطوا فيها.

التأكيد على أولوية الاستقرار والتنمية: كأن تحقيق التنمية والاستقرار في البداية هو شرط قيام ديمقراطية حقيقية، وكأن تحقيق الديمقراطية لا يمكن حدوثه دون أن يسبقه تنمية واستقرار. وثمة ملاحظتين عند هذه النقطة؛ الأولى: أن هذا الخطاب ليس جديداً، بل هو خطاب النخبة العسكرية الحاكمة في مصر منذ إنقلاب يوليو 1952، ورغم مرور 70 عاماً لم تحقق هذه النخبة التنمية، وبالتأكيد لم تفتح مجال للديمقراطية؛ وهو مما يؤكد فشل هذه الفرضية التي تعتبر الديمقراطية مرحلة تالية للتنمية، وكون التنمية تأتي أولاً. الثانية: هو الجمع بين التنمية والاستقرار في جملة واحدة، كأنهما مترابطين؛ حيث تؤدي التنمية بالضرورة للاستقرار ويقود الاستقرار حتما للتنمية. وهو تلازم غير حقيقي في كثير من الأحيان؛ فقد يحدث الاستقرار نتيجة للقمع المفرط وليس نتيجة للتنمية، وقد تؤدي التنمية لعدم الاستقرار إذا جرى توزيع نتاجها بشكل غير عادل، وإذا كانت الفئات المستفيدة من التنمية تمثل أقلية في مقابل أغلبية جاءت التنمية على حساب استقرارها ومصالحها.

موقف السلطة من جماعة الإخوان المسلمين: يتحدث في حواره مع الصحيفة الألمانية عن جماعة الإخوان المسلمين، بأنها في عداء تاريخي مع الدولة المصرية، وأنها لا يعجبها النجاحات التي حققتها الدولة في الفترة الأخيرة، لذلك هي تحاول تقديم صورة مشوهة عما يحدث في مصر للدول الأوروبية بغرض أن تضغط هذه العواصم على القاهرة. وأن غضب الجماعة من الدولة المصرية نتيجة لفشل مساعيها في الوصول للسلطة، بعد 90 عاماً من جهودها في هذا المسار، كأن وصول الجماعة للسلطة في انتخابات 2012 جاء نتيجة لمؤامرة أكثر من كونه نتيجة عملية ديمقراطية حقيقية.

ما نشير إليه هنا، أن السيسي يعرف أن الدول الأوروبية تراقب ما يحدث في مصر، وأنها مطلعة على حقيقة ما يجري، بالتالي تصريحاته ليست هي مصدر معلوماتهم عما يجري، ولن يؤدي لتغيير رؤيتهم عما يحدث في مصر، لكن يبدو أن دول الأوروبي تحب سماع هذا الخطاب وتحب تصديقه مع علمها أنه زائف وغير معبر عن حقيقة الأوضاع، وهو ما يعلمه السيسي أيضاً ويشارك فيه.

يبدو أيضاً أن هناك مزاج دولي عام رافض لعودة القوى الاسلام السياسي للمجال السياسي في البلدان العربية، خاصة أن تراجع قوى الإسلام السياسي لم يؤدي لصعود قوى الإسلام الراديكالي العنيفة مثل داعش، بالتالي مقولة أن فتح المجال السياسي للقوى الإسلامية المعتدلة يؤدي بالضرورة إلى تراجع القوى الاسلامية المتطرفة، وأن قمع قوى الاعتدال يؤدي إلى صعود التطرف العنيف، ثبت أن هذه المقولة يمكن تجاوزها ومخالفتها، كما ثبت أن الاعتماد على المقاربة الأمنية العنيفة في التعاطي مع القوى الإسلامية يمكن أن تنجح في تقويض هذه القوى والتقليص من فاعليتها وحضورها، وهو ما بدا واضحاً خلال السنوات الماضية، فقد تراجعت قوى الإسلام السياسي وتراجعت معها أيضاً القوى العنيفة المتطرفة.

قضية اللاجئين والهجرة غير الشرعية: هي قضية شديدة الأهمية للدول الأوروبية التي تريد التحكم في ملف الهجرة؛ فمع استمرار حالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، مما يدفع الكثيرين للهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية بحثاً عن فرص أفضل للحياة والاستقرار، فتجد هذه الدول نفسها أمام زحف مستمر من الشرق تجاه بلادها. ومع ما خلقه زيادة أعداد المهاجرين من الشرق الأوسط تجاه دول أوروبا من مشكلات إجتماعية وأمنية وثقافية، تجد هذه الدول نفسها في حاجة لتصبح أكثر حذراً في التعامل مع هذا الملف، وهي الحالة التي تستغلها دول شرق أوسطية في الضغط على الدول الأوروبية. وتصريحات السيسي  بخصوص ملف الهجرة غير الشرعية واللاجئين تأتي في هذا الإطار، فهو يقدم نفسه لدول أوروبا باعتباره حائط صد في مواجهة الهجرة غير الشرعية تجاه هذه الدول.

 

[1] العربي الجديد، السيسي لصحيفة ألمانية: منعنا المهاجرين من اقتحام أوروبا ولم نعاقب أحداً بسبب رأيه، تاريخ النشر: 25 أبريل 2021، شوهد في: 25 أبريل 2021، الرابط: https://bit.ly/3dNXHNv

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022