أبعاد زيارة بلينكن للشرق الأوسط على وقع انتصار المقاومة الفلسطينية

زيارة بلينكن للشرق الأوسط تأتي إثر هزيمة غير مسبوقة لإسرائيل على جميع المستويات العسكرية والسياسية والأمنية والثقافية أمام مشروع المقاومة الفلسطينية، وقدرات فصائل المقاومة الفلسطينية على تغيير وعي كثير من دول وحكومات وشعوب لعالم، التي اصطفت ضد العدوان الصهيوني على غزة والمسجد الأقصى، ونجاح صواريخ حماس في الوصول لقلب إسرائيل.

جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن”  للشرق الأوسط، في جولة بدأها بإسرائيل – صباح الثلاثاء 25مايو الماضي واستمرت 3 أيام الثلاثاء، الأربعاء، الخميس – ثم مصر والأردن، رافعا شعار ضمان تثبيت وقف إطلاق النار والبحث عن حلول للقضية الفلسطينية، في إطار حل الدولتين.

زيارة انتوني بلينكن لم تحمل الكثير من المفاجآت، ولم تسفر عن تحقيق المعجزات في تغيير مسارات أربع سنوات من الانحياز الأمريكي التام لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن بلينكن سعى لرسم خارطة طريق واضحة تعيد وضع الإدارة الأمريكية في مواقع فاعلة سبق أن حدد ملامحها رؤساء مثل بيل كلنتون وجورج بوش وباراك أوباما، فليس عسيرا على البيت الأبيض إعادة التشديد على أن مسألة القدس جوهرية في تشكيل هوية الدولة الفلسطينية المقبلة، وهي أكثر تعقيدا من مجرد اختزالها إلى موضوع نزاع حول العبادات والمقدسات وملكية العقارات وأركيولوجيا التاريخ، بحسب ما ذهبت إليه افتتاحية “القدس العربي” يوم الزيارة.

إدارة بايدن بلا خطة

وعلى عكس الرؤوساء الأمريكيين السابقين، الذين كانت لهم خطط واضحة إزاء القضية الفلسطينية، جاء وزير خارجية الرئيس بايدن  بلا خطة، وتركزت معالم زياراته على ما هو معروف عن موقف واشنطن من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ورغبة واشنطن بعودة المفاوضات، وقيام دولة فلسطينية، وضرورة إنعاش غزة اقتصاديا، وإعادة إعمار القطاع، وأهمية نبذ العنف، وحماية الأبرياء، وهي خلاصات سبق أن سمعناها من كل الرؤساء الأمريكيين ووزراء الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية.

وعشية سفر بلينكن لجولته الشرق أوسطية؛ أصدر الرئيسئ جو بايدن بيانا حول الزيارة وأهدافها، ولم يشر البيان إلى نية الإدارة تقديم أي مبادرة أو تصور لسلام الشرق الأوسط، واعتبر بايدن أن مهمة بلينكن تتمثل في “متابعة دبلوماسيتنا الهادئة والمكثفة من أجل تحقيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس”، كما تضمن تأكيدا على التزام إدارة بايدن “الصارم بأمن إسرائيل”.

وبحسب دوائر دبلوماسية أمريكية، فإن موقف إدارة بايدن لا يختلف كثيرا عن تصور جاريد كوشنر لسلام الشرق الأوسط من خلال اختصار القضية في نزاع عقاري وظروف إنسانية يمكن تحسينها للفلسطينيين، وهو نفس ما أكده سفير أمريكي سابق، تحدث لـ”الجزيرة نت”، بأنها المرة الأولى التي لا تملك فيها إدارة جديدة تصورا أو مبادرة لسلام الشرق الأوسط”.

ويعتبر “الدعم الواسع لإسرائيل” بمثابة التزام حافظت عليه الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ انتهاء عهد الرئيس الأسبق جيرالد فورد عام 1974 بناء على سياسة مفادها أن إسرائيل لا بد أن تتخلى عن “بعض الأراضي” التي احتلتها في حرب عام 1967 من أجل تحقيق السلام.

ويبدو أن آخر ما كان يأمله الرئيس جو بايدن هو أن يضطر للتدخل في إدارة ملف الصراع العربي الإسرائيلي خاصة بعدما قضى نصف قرن في العمل السياسي، وأدرك صعوبة حل الصراع، وتاريخيا اتفق الرؤساء الأميركيون أن السلام لا يمكن تحقيقه إلا من خلال المفاوضات المباشرة والثنائية بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي لا يمكن أن يكتب لها النجاح دون تدخل أميركي واضح ومباشر، من هنا حمل كل رئيس أميركي منذ جيمي كارتر وصولا لدونالد ترامب تصورا لعملية السلام، أو قام بطرح مبادرة لجمع الاطراف المتصارعة تحت رعاية أميركية.

أهداف الزيارة

وحملت زيارة بلينكن العديد من الأهداف التكتيكية والاستراتيجية، منها:

تعويم إسرائيل

في ظل  الفشل الصهيوني في انجاز نصر حاسم على حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، جاء التدخل الأمريكي، بعد أن ثبت  أنه لا يوجد لدى إسرائيل وصفة استراتيجية لتحييد المخاطر التي تمثلها حركة “حماس”، حيث أكدت التقديرات الاستراتيجية الصهيونية  المبنية على قراءة الواقع الميداني، أن القضاء على حكم “حماس” يتطلب تنفيذ عملية برية واسعة النطاق، تسفر عن خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي، فضلاً عن أنه لا توجد طريقة تضمن إعادة السلطة الفلسطينية إلى حكم غزة بعد الحرب؛ مما يزيد من فرص صعود قوى أكثر تطرفاً من “حماس”، على حد  التقديرات الصهيونية.

سرقة الانتصار الفلسطيني

وأمام النصر الاستراتيجي الذي حققته المقاومة الفلسطينية، وتأثيراتها القوية في الأوساط الصهيونية، خلال 11 يوما، سعت جولة بلينكن في المنطقة لسرقة الانتصار الفلسطيني الذي تحقق خلال حرب الأيام الـ11 الأخيرة، وتفتيت الوحدتين الجغرافية والديمغرافية الفلسطينية غير المسبوقة في التاريخ الحديث، والغطاء هو تثبيت وقف إطلاق النار وإعادة إعمار قطاع غزة.

وذلك لأن إدارة الرئيس بايدن لا تريد إنقاذ قطاع غزة وأهله من جرائم الحرب الإسرائيلية وإنما كسب الوقت وإنقاذ إسرائيل نفسها من صواريخ المقاومة، وإيصال أسلحة حديثة لها، وفق تعاقد تم سريعا بنححو 752 مليون دولار، كصفقة تسليح عاجلة لإسرائيل.

ولعل ما يؤكد أن الهدف الأساس من زيارة بليكن تجاهل القضايا الرئيسية التي تدفع نحو تصاعد المواجهة في كل مرة، بحسب جريدة “القدس الفلسطينية”، كان المطلوب من أمريكا هو “منع دولة الاحتلال من انتهاكاتها في القدس خاصة في المسجد الاقصى وحي الشيخ جراح وبطن الهوى وغيرها من القضايا خاصة الاستيطان السرطاني لأن دولة الاحتلال عملت وتعمل على إفشال حل الدولتين من خلال الاستيطان وعمليات التمييز العنصري والتهجير والتطهير العرقي وغيرها الكثير الكثير”. وتضيف: “مرة أخرى نقول إن العبرة في التنفيذ على أرض الواقع وليس فقط التصريحات رغم أنها منقوصة”.

كما أن تصريحات بليكن تفضح حقيقة الدور الأمريكي، الذي تفاعل سريعا لامتصاص نجاح مشروع المقاومة الفلسطينية خاصة في شقها المسلح الذي اوجع اسرائيل وحلفائها، بقوله أن “واشنطن ستتعامل مع “المعتدلين” الفلسطينيين من أجل إطلاق تسوية عادلة للقضية الفلسطينية”، وهو ما بدا تركيزه على زيارته لسلطة رام الله، ووطلبه اشرافها على جهود اعادة الاعمار ، وحرمان حركات المقاومة المسلحة من الاستفادة منها او اعادة بنيتها التسليحية أو الأساسية،  وهو نفس المسار الذي تسير عليه مصر في جهود وساطتها، وهو ما عبر عنه نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في الخارج “موسى أبو مرزوق”، الثلاثاء 26 مايو، بقوله “أن صواريخ المقاومة الفلسطينية هي التي أجبرت الولايات المتحدة وبقية الأطراف للبحث عن تهدئة وتسوية سياسية”.

وقال “أبو مرزوق”، في مقابلة مع قناة “الجزيرة”، إن “التسوية السياسة بين الفلسطينيين والصهاينة ليست أولوية في الأجندة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية، وإن ما جاء بوزير خارجيتها (أنتوني بلينكن) للمنطقة هو صواريخ المقاومة التي قصفت تل أبيب، وأن أهداف الإدارة الأمريكية من هذه الزيارة تتمثل في محاولة تغيير مشهد انتصارات المقاومة، وإحياء التسوية السياسية التي ماتت منذ سنوات.

حصار حماس سياسيا وعسكريا

وجاءت زيارة بلينكن بترتيب مع الإدارة المصرية، لإعادة صياغة توجهات جديدة تجاة حماس، لحصارها وتحجيمها، وفق ما كشفت مصادر دبلوماسية فلسطينية أن التوجه الجديد يأتي في أعقاب انخراط مصري ـ أميركي واسع أخيراً بشأن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودعم واشنطن للإدارة المصرية في تحركاتها الخاصة بوقف إطلاق النار وتثبيت التهدئة في قطاع غزة.

حيث طلبت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من القيادة المصرية أخيراً تحجيم نفوذ “حماس” في قطاع غزة، مع الضغط لخلق دور للسلطة الفلسطينية، وتوسيع مساحات لوجودها هناك، وهو ما توافق مع صدور تعليمات جديدة لإدارة القنوات بشأن التعامل مع الوضع الفلسطيني تشمل وقف الإشادة بمواقف المقاومة، والتركيز على جهود إعادة الإعمار والمبادرة المصرية والمبادرات الدولية في هذا الإطار. وتضمنت التعليمات التناول السلبي لمطالبات “حماس” بدور فاعل في إدارة عملية إعادة الإعمار في القطاع، وإشرافها المباشر على الأموال، والمنح المخصصة لهذا الهدف.

كمت أن التعليمات الجديدة الإعلامية المتعلقة بـ”حماس” ربما تكون على ضوء تفاهمات مع الإدارة الأميركية، في الوقت الذي تواصل فيه الرئيس الأميركي مرتين خلال أربعة أيام مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، بعد أكثر من أربعة أشهر من التجاهل التام، في أعقاب تسلّم بايدن مهامه في البيت الأبيض في 20 يناير الماضي.

إحياء دور سلطة محمود عباس في غزة

وفي ضوء التراجع الكبير  لدور السلطة الفلسطينية التي يقودها محمود عباس، إثر انبطاحها التام أمام إسرائيل سواء عبر التنسيق الأمني أو التماهي مع الإجراءات الصهيونية في الضفة الغربية والقدس، والصراعات الداخلية بين سلطة أبو مازن وقيادات حركة فتح، إلى جانب تجاهل إدارة الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب، لمحمود عباس إثر رفضه واعتراضه على المشاركة في خطة صفقة القرن، ومشاريعها لاختزال القضية الفلسطينية، وهو ما ردت على موقفه الفصائل الفلسطينية بدعوات للوحدة وإجراء انتخابات فلسطينية لتوحيد السلطة الفلسطينية، وقد عملت إسرائيل وحلفائها الإقليميين لافشالها وتفخيخها بالتوترات والخلافات، التي عطلت مسار التوحد الفلسطينية، وأمام ذلك الوضع تضعضعت سلطة عباس.

وتسعى سعت إدارة بايدن لإعادة تفعيل دورها للقيام بدور مواجهة حركات المقاومة الفلسطينية، ليس خدمة للقضية الفلسطينية، بل لحصار مشروع المقاومة، وهو ما تجلى خلال زيارة وزير الخارجية الامريكية الأخيرة،لفلسطين ومصر وعمان، وتعددت تحذيراته لحماس وحركات المقاومة، مؤكدا أنه لا إعمار لغزة  إلا بإشراف السلطة الفلسطينية، وخلال اجتماع بلينكن مع رئيس السلطة محمود عباس، هدد بضمان عدم “استفادة” حماس من المساعدات الدولية التي ستخصص لإعادة إعمار قطاع غزة.

ووفق ما قاله الكاتب والمحلل السياسي “طلال عوكل”، في تصريحاته لـ”عربي 21″، فإن تصريحات بلينكن من قلب رام الله لها دلالات، وهي إعلان غير مباشر، بأن واشنطن ستتعامل مع الوضع الفلسطيني من قناة السلطة الفلسطينية، وتقوية السلطة حتى لا تصبح حماس قادرة على استثمار الجهد الذي بذلته المقاومة في صد العدوان الإسرائيلي (على غزة والقدس).

وبالتالي المزيد من الضغط والابتزاز لحماس وفصائل المقاومة، وهذا موقف أمريكي وأحد من مفردات السياسة الأمريكية المنحازة تماما لصالح إسرائيل”، منوها أننا “أمام مرحلة جديدة، والأمور لدى إسرائيل لم تستقر بعد، هل ستسير الأمور باتجاه التخفيف عن القطاع ضمن سياسة السلام الاقتصادي، أم يجري التشديد على القطاع وفصائل المقاومة؟.ومن ثم فأن كل هذه التطورات، تؤكد أن قطاع غزة سيبقى تحت عين ورقابة إسرائيل والمجتمع الدولي المولي لها، باتجاه منع إمكانية مكافأة المقاومة على هذا الانتصار الذي تحقق.

كما تأتي تصريحات بلينكن ومواقف الإدارة الأمريكية، في سياق عنوان مهم هو؛ كيفية التخلص من إمكانيات المقاومة في غزة؛ عبر وسائل الترهيب والترغيب، إضافة لمحاولة ضبط وسائل المقاومة كي لا يكون لها فعل أو دور في عملية الصراع مع الاحتلال، وبالتالي ليس هناك حلول إلا مواصلة الضغط على المقاومة، لأن إسرائيل غير قادرة على اجتياح القطاع كي تنهي المقاومة وحماس كما تقول.

وقد اشترطت الإدارة الامريكية على شرطين لاعادة تفعيل دور السلطة الفلسطينية بمواجهة حماس، وفق ما ذكره موقع “عربي بوست”، تم إرسالهما عبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ويتمثل الشرط الأول بوقف السلطة أي خطوة أحادية الجانب في المحافل الدبلوماسية العالمية أو المحاكم الدولية، خاصة تلك الخطوات المرتبطة بالسلطة مباشرة.

وبدا واضحا أن تل أبيب وواشنطن متفهمتان “حاجة السلطة للحديث عن هذه الخطوات من قبيل الاستهلاك الإعلامي الداخلي، لكن بشرط ألا يُبنى ذلك على خطوات جدية في المحافل الدولية ضد إسرائيل”وبحسب المصدر، التي تحدثت للموقع،  فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد وعدت إسرائيل بالعمل على تذليل قلقها من أي خطوات من هذا القبيل، بل وتقييد أي خطوات في المحاكم الدولية ضد تل أبيب.

أما الشرط الإسرائيلي الثاني، فهو استمرار التنسيق الأمني بأعلى مستوياته، مع تفعيل اللقاءات الدورية بين قيادات المؤسسة الأمنية الفلسطينية ونظرائهم الإسرائيليين، وعدم الاكتفاء بالتنسيق عبر الاتصالات اليومية الاعتيادية، ووفق هذا الشرط، فإن إسرائيل تدّعي أن وقف أو تخفيض التنسيق الأمني كرد فعل من السلطة في أي وقت سيفاقم الخطر على السلطة واستقرارها، تحت عنوان أن هذا التنسيق عالي المستوى يضمن المصلحة المشتركة للطرفين.

ورغم فداحة الشرطين إلا أن محمود عباس ارتضاهما وقبلهما ، منفردا بعيدا عن قرار او مشورة أي فصائل أخرى، بدليل  توسيع انتشار الأمن الفلسطيني في المربع الأمني بمنطقة البالوع برام الله باللباس المدني وليس العسكري في بعض النقاط، لم يكن بدافع التمويه الأمني الفلسطيني، وإنما بطلب إسرائيلي، خاصة فيما يخص النقاط المشرفة على حاجز بيت إيل الإسرائيلي.

وفي الاطار ذاته، فالجهد الأمريكي لترتيب العلاقة بين السلطة وإسرائيل تزيد دافعيته عملية التنسيق لمرحلة ما بعد محمود عباس، وتهيئة الشخصيات المعروفة بخطها “البراغماتي” وإطلاعها على المعيار الاقتصادي والتنمية والأمن من أجل خلافة عباس في حال أصبح منصب رئاسة السلطة شاغراً في أي لحظة.

ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد إثارة موضوع المسار السياسي التفاوضي في الإعلام أكثر من تطبيقه فعلاً على الأرض في ظل عدم وجود حكومة مستقرة في إسرائيل، وذلك لخدمة السلطة الفلسطينية، على الرغم من وجود تصور لدى الإدارة الأمريكية مفاده “أنه بعد إنجاز العودة للاتفاق النووي الإيراني، يمكن إطلاق المسار السياسي الفلسطيني-الإسرائيلي”.

هل فشلت زيارة بلينكن؟

ومما يرسم الفشل السياسي والدبلوماسي على زيارة بلينكن، التجاوزات الإسرائيلية الكبيرة التي تتعداها  إسرائيل كل مرة، من عدم قبولها قيام دولة فلسطينية ناجزة ومكتملة، والاعتداءات في القدس وعلى المسجد الأقصى، بما يمس الفلسطينيين والوصاية الأردنية، ورفض إسرائيل التنازل عن القدس الشرقية، واستحالة بدء مفاوضات سلام، في ظل تمسك المشروع الإسرائيلي بالضفة الغربية، وغور الأردن، وإصراره على بقاء المستوطنات وغير ذلك، وفق ماهر أبو طير في جريدة الغد الأردنية.

وهو ما يدفع للقول بأن جولة الوزيركانت فاشلة، فهو جاء في سياق جولة علاقات عامة، ليثبت أن واشنطن غير منحازة، وأن لديها تصورا لحل القضية الفلسطينية، وعلى الأرجح سوف تغادر الإدارة موقعها مثل غيرها، قبل أن تحقق شيئا، كما أن الإدارة الحالية ستجعل تركيزها على الملف الإيراني، وكل ما يهمها هو تهدئة الأوضاع في فلسطين خلال الفترة المقبلة، بشكل عام.

ومن أبرز أسباب الفشل:

اختزال القضية الفلسطينية في الجوانب الانسانية فقط

ولعل ما قلص النتائج المترتبة على جولة بليكن هو اختصاره مجمل الأزمة الفلسطينية في الجانب الإنساني فقط ومن ثم السعي نحو  تأمين جهود إعادة الإعمار، وجر الأنظار عن لب القضية وسبب اشتعال الحروب المتتالية سابق ولاحقا، حيث لم يتطرق الوزير الأمريكي لوقف مخططات التهويد الدائرة في عموم الاراضي الفلسطينية، والانتهاكات المتلاحقة بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني، وحصار غير مسبوق لعموم الأراضي الفلسطينية ، سواء في غزة أو الفة الغربية والقدس.
بجانب الجرائم الدولية وجرائم الحرب  التي يمارسها الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني العزل واستخدام القتل والقوة المميتة ضد أهالي القدس وغزة .
الأمم المتحدة: إسرائيل وجماعات فلسطينية ارتكبا انتهاكات ترقى لجرائم حرب في غزة

انخفاض سقف الدور الأمريكي

إذ يعتبر الرئيس جو بايدن، أن مهمته في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي قد انتهت حالياً بانتزاع وقف إطلاق النار، بعد 11 يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأن المطلوب الآن من إدارته لا يتعدّى العمل على تعزيز هذا “الإنجاز” وتثبيت شروط استمراره، بحيث لا تتكرر مثل هذه المواجهة في عهده.

كما أن الترتيبات التي تطرحها إدارة بايدن تشير إلى أن طموحه لا يتصل بالجوهر بقدر ما يقتصر على احتواء الأزمة، فالرئيس الديمقراطي من مدرسة تقول إن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من النوع الذي “لا يقوى (الرئيس الأميركي) على تجاهله ولا على حلّه، بل يقوى فقط على إدارتهز”.

نظريةٌ المقصود بها ترك القرار لتل أبيب مع الاحتفاظ لواشنطن بهامش تتحرك ضمنه كمسوِّق وكمظلة تحول دون تدخّل الأمم المتحدة، وهي قاعدة طبّقها بايدن في هذه الأزمة التي تعامل معها منذ البداية، تماماً كما تعامل معها الاحتلال الإسرائيلي على أنها مشكلة أمنية – صاروخية، وزعم أنه عمل على حلّها بهذا الأفق.

وكانت غاية الرئيس الأميركي وقف إطلاق النار وليس إنهاء الاحتلال، ولو أنه يعرف جيدا أن هذا الأمر الأخير هو أصل المشكلة برمّتها، وهو إذ يعترف ولو لفظياً بأن “حل الدولتين هو الأفضل” للخروج من هذه الدوامة القاتلة، إلا أنه يدعو إلى هذا المخرج من باب النصيحة وليس من باب اعتماده كصيغة تلتزم بها إدارته وتعمل على جعلها ملزمة لإسرائيل أيضاً.

فطوال مدة العدوان، لم يأت البيت الأبيض ولا وزارة الخارجية على ذكر سيرة هذا الحل إلا بصورة عابرة، ولمرات قليلة جداً، مع أن جهات غير قليلة ومؤثرة حثت الرئيس على اغتنام الفرصة لتسويق خيار حل الدولتين والتمهيد له “لتحاشي تكرار المواجهة التي صارت دورية في غياب حل يضمن السلام”.

إلا أن أقصى ما فعله في هذا السياق، هو قرار بفتح قنصلية لبلاده بالقدس الشرقية، وهو ما اعترضت عليه إسرائيل بشدة، إلا أن بايدن حاول الظهور بمشهد الحيادي الساعي لحل الدولتين.

مستقبل ملغوم

وأمام الدور الأمريكي الداعم للصهاينة، وتفعيل الدور المصري في وأد المشروع التسليحي والحربي  للمقاومة الفلسطينية، التي بات الشغل الشاغل للإدارة الإسرائيلية والأمريكية، ويمكن اعتبار الدور المصري دورا وظيفيا، يقوم بالوكالة عن أمريكا في تلطيف أجواء الصراع، منعا للعودة للمواجهة العسكرية التي مثلت زلزالا داخل الكيان الصهيوني، أفرز التخلي عن نتنياهو وإزاحته من رئاسة الحكومة بعد عقود من سيطرة اليمين المتطرف. وفرضت معادلة جديدة من التوازن العسكري، ربما تسعى مصر لقلبها مستقبلا لصالح إسرائيل عبر التدخل الواضحة أهدافه حاليا، من الإشراف على مشاريع إعادة الإعمار في غزة، والتوسط في إثارة قضية تبادل الأسرى  بين إسرائيل وحماس، وهو ما رفضته حماس، مؤكدا رفضها القاطع بربط تبادل الاسرى بإعادة الإعمار.

ولعل ما يؤكد قابلية الأوضاع للانفجار مستقبلا، هو وعد التعرض من قبل أمريكا أو مصر والأردن لخطط إسرائيل لوقف التهويد في القدس، واستمرار اسرائيل في ممارساتها وانتهاكاتها في الشيخ جراح وتل الهوى وسلوان وغيرها من المدن الفلسطينية، واستمرار الاعتقالات بالضفة الغربية لقيادات حماس والنشطاء الفلسطينيين.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022