الأزمة الأمريكية في ظل الصعود الصيني

 الأزمة الأمريكية في ظل الصعود الصيني

يرى البعض أن العلاقات الأمريكية- الصينية علاقات استثنائية ذات طابع خاص، بدءًا من دخول أمريكا آسيا نهاية القرن التاسع عشر، واعتمادها سياسة "الباب المفتوح" في علاقاتها مع الصين عكس الدول الأوروبية الأخرى، مرورًا بالحرب العالمية الثانية وما تمخضت عنه من آثار، ووصولاً إلى المرحلة الراهنة والتي وصلت فيها العلاقات بين البلدين إلى طريق شبه مسدود. إلى الحد الذي دفع إحدى اللجان البرلمانية الأمريكية في نهاية عهد أوباما إلى التحذير من التنين الصيني وقدراته المتنامية.. ورغم هذا إلا أن الصراع الخفي بين أمريكا والصين، قلما يظهر للعلن إلا نادرًا، ومؤخراً ظهر اتجاه يرى في الصعود الاقتصادي للصين خطرًا على الولايات المُتحدة بشكلٍ قد يؤدي إلى أزمة قد تودي بالعالم لحرب عالمية جديدة، فما هو مرد قول هؤلاء؟ وكيف يرى المُحللون مُستقبل العلاقات الأمريكية الصينية؟ وكيف على أمريكا مواجهة هذا الخطر الصيني – إن صحَّ التعبير- وإدارة الصراع؟ هذا هو ما ستتعرض له هذه الورقة في عجالة من خلال العرض لبعض الآراء التي تدور حول هذا الأمر..

أولاً: الرأي الأول..

يرى أصحاب هذا الرأي أن الولايات المتحدة لن يكون بإمكانها الإفلات من التنين الصيني إلا بقرارات سياسية ضخمة تؤثر على مستقبل الاقتصاد والسياسة الدولية. ومرَّد ذلك أن الناتج الأمريكي لن يعاود الانتعاش إلا بقرارات سياسية كبرى وما عدا ذلك من قرارات الإدارة الاقتصادية هو جري في المكان لن يحقق لواشنطن النجاة من الخطر الصيني. ومع ذلك يرون أن أي قرار عسكري لن يكون حلاً رغم الإغراءات بأن الجيش الصيني لم يصل بقدراته لحد مُجاراة الجيش الأمريكي بعد، وأن أمر كهذا من شأنه إدخال العالم في حرب عالمية في غضون ساعات. في حين أن الاقتصاد الصيني سيحافظ على معدلات نموه العالية والتي قد تزيد في حال إقرار هدنة في شبه الجزيرة الكورية وهو ما دفع البيت الأبيض مؤخرًا لزيادة التعريفات الجمركية ضد الصين. فالمعادلة الاقتصادية الحالية قد تؤدي إلى تعادل اقتصادي بين الصين والولايات المتحدة في غضون سبع إلى عشر سنوات حسب تقديرات البنك الدولي ٢٠١٦، وهذا التعادل سيكون أحد أهم حقائق النظام الدولي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ورغم كل ما سبق من مؤشرات على تزايد الصعود الصيني؛ إلا أن أنصار هذا الرأي يرون أن الصينيين ليس لديهم حتى هذه اللحظة رؤى استراتيجية للمنظومة الدولية المستقبلية التي سيكونون على رأسها في ظل هذا التصاعد، وهذه إحدى نقاط ضعفهم الكبرى وهي كذلك كارثة كبرى -على حد قولهم-. وإذا سلَّمت الولايات المتحدة بهذه الحقائق الصعبة فإن القوى الأوروبية التقليدية لن تُسلم بسهولة لخروج قيادة العالم من بين يدها لقوة وحضارة غير غربية.

ثانيًا: الرأي الثاني..

وهناك رأي آخر يتفق بشكل عام مع فكرة أن الفوارق لم تعد كبيرة في السباق الاقتصادي بين الدول العظمى وقد تكون لصالح الصين نسبيًا، خاصةً أنه طبقًا لآخر تقرير اقتصادي تحتل الصين المركز الأول (بفوارق ليست كبيرة) في معدلات النمو الإقتصادي، وأنه من المُتوقع تكافؤ القوة الاقتصادية للولايات المتحدة والصين خلال 6 سنوات. إلا أن أنصار هذا الرأي يرون أن هناك تفاصيل دقيقة ترتبط بتداخل الاقتصاد الصيني والأمريكي بشكلٍ كبير يجعل كليهما أكثر ارتباطًا بالآخر، وبالشكل الذي قد يسمح بالتنافس مع الاستمرار في التصاعد أكثر من أن يسمح بتقويض أحدهما للآخر. كما يرى هؤلاء أنه من المفترض وضع اليابان أيضًا في الحسبان اقتصاديًا حيث تحتل المركز الثالث على مستوى العالم بجانب الولايات المتحدة وأوروبا مع الأخذ في الاعتبار مبدأ التنافس أيضًا. كما يؤكد أصحاب هذا الرأي أيضًا على كون سُبل التعاظم المتزايد في القوة الاقتصادية الصينية مع التعاظم الحذر في قوتها العسكرية يحتاج بالفعل لاستراتيجيات سياسية مستندة على أدوار ونفوذ سياسي في عدة مناطق للاهتمام العالمي لتواكب القوتين السابقتين، وهو ما قد يتفق مع أصحاب الرأي الأول.

ثالثًا: الرأي الثالث..

ويرى هؤلاء أن فكرة الحرب أو استخدام الجيوش لحل الصراع بين الصين وأمريكا ليست قائمة، كما يؤكدون أنه على المستوى الاقتصادي فالمسألة ليست في النمو، بقدر ماهي في نوعيته وتوظيفه (الاقتصاد السياسي للنمو) أي تحويله لقوة سياسية تتجلي في إدارة الصين وانغماسها في حل الصراعات العالمية، وهو الأمر الذي لم تحاول الصين العمل عليه حتى الآن. كما يرى هؤلاء أن المعيار لا يجب أن يكون الناتج القومي الإجمالي، لكن بنوعية الاقتصاد نفسه، المستوي المعيشي، البني التحتية، التوزيع القطاعي للاقتصاد. أي أن كون الناتج القومي الإجمالي متساوٍ أو حتي في صالح الصين لا يعني بالضرورة أن الصين هي الأقوي اقتصاديًا في العموم، فهناك اقتصاديات أخرى مثل الهند أو حتي ألمانيا أفضل من الصين في قطاعات حيوية وجوهرية مثل التكنولوجيا والتسليح والبيوتكنولوجي.

ويختلف هؤلاء مع أصحاب الرأي الأول في كون الصين لا تملك رؤية استراتيجية، فما يُسمي بالصعود السلمي  Peaceful Rise هو انعكاس للأوراق البيضاء التي يصدرها الحزب الشيوعي الصيني منذ عام ٢٠٠٠، وما يُكتب عن الصين ودورها في شرق آسيا وإفريقيا بالذات في دوريات مثل: international security, Chinese journal of international relations, Asia-Pacific journal of international relations, Asia survey,  journal of strategic studies ، وغيرها يُدعم هذا الكلام. وفي هذا الإطار يرى هؤلاء أن الولايات المتحدة مثل أي قوي كُبري ومُهيمنة في النظام الدولي، دائمًا في موقف صعب، فهو الأمر الذي يعتبروه طبيعيًا في ظل النظام الدولي الفوضوي.

وبالنسبة لآليات إدارة هذا الصراع فيرى هؤلاء أن إعادة التوازن بين أمريكا والصين يجب أن يتم وفق آليات ووسائل غير عسكرية، بالرغم من وجود إكراه بلا شك، لكنه سيكون إكراه اقتصادي وديبلوماسي، وربما يكون الأقرب محاولة تطويقها وهو ما قد يتم باتباع سياسات تعاونية واقعية مثل الانغماس البنَّاء، تقوية الروابط المؤسساتية وتوسيع دور الصين في إطار البناء المؤسسي الدولي عبر منظمات مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة الحرة وغيرها، بحيث تكون مصالح الصين ومكاسبها التي تحققها من وجودها داخل أو ضمن النظام العالمي أكبر من تلك التي من الممكن تحقيقها في حال استبعادها أو لفظها خارج المنظومة الدولية الليبرالية المُهيمنة –حتى الآن- علي النظام الدولي.[1]

* تحركات إدارة ترامب في مواجهة الخطر الصيني.. والتي يُمكن رصدها من خلال بعض التحركات في بداية العام الجاري..

– مؤخرًا فرضت واشنطن على الصين رسومًا جمركية للمعادن في ظل مخاوف من أنها قد تلحق أضرارًا بالاقتصاد العالمي الأمر الذي دفع وزير التجارة الصيني تشونغ شان إلى القول بأن أي حرب تجارية مع الولايات المتحدة لن تجلب إلا كارثة للاقتصاد العالمي، في وقت زادت انتقادات بكين لهذا القرار. وبعد ضغط مارسه حلفاء الولايات المتحدة، فتحت واشنطن الباب أمام مزيد من الإعفاءات من رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب و10% على الألومنيوم.[2]

– خلال الأيام القليلة الماضية عُيّن جون بولتون مستشارًا ثالثًا للأمن القومي لترامب، الأمر الذي يراه البعض استجابة أمريكية للصراعات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك تلك الموجودة في إفريقيا. حيث يرى بولتون أن أمريكا اللاتينية وإفريقيا منطقتان بهما خلافات مُتصاعدة يُمكن أن تنشب في العام المقبل. وبينما لم تحتل أي من المنطقتين مرتبة عالية في أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة فإن مثل هذه الانفجارات يمكن أن تهدد المصالح الأمنية الأمريكية خاصةً في ظل التصاعد الصيني هناك. Top of Form[3]

– وفي نفس الإطار تأتي مااعتبره البعض ممارسة الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ضغوطًا شديدة على قومية التيجراى بتعيين أبي أحمد رئيسًا للوزراء إثيوبيا خلفاً لديسالين وهو مسيحي من أم مسلمة. والذي يُعد حليفًا قويًا للإدارة الأمريكية، لاسيما أن الإدارة الأمريكية تتطلع، فيما يتعلق بمواجهة تزايد النفوذ الصيني فى إثيوبيا، والعمل على استبدال الاستثمارات الصينية بنظيرتها الأمريكية، لأن التحالف الصيني مع قومية "التيجراى" جعلهم يُهيمنون على الاقتصاد في إثيوبيا.[4]

الخُلاصة..

تُجمع الآراء الثلاثة السالف عرضها ضرورة أن تقتصر المواجهة الأمريكية لتصاعد النفوذ الاقتصادي الصيني على المواجهة السياسية دون العسكرية، الأمر الذي من شأنه أن يقلل من فُرص الدخول في حرب عالمية جديدة. وهو الأمر الذي تتبعه حتى الآن الإدارة الأمريكية والتي رصدنا لتحركاتها سواء بشكل مباشر مع الصين لتحجيم تحركاتها والذي بدا في قرار زيادة الرسوم الجُمركية، أو بشكل غير مباشر بمحاولة مزاحمتها في مناطق نفوذها مثل القارة الإفريقية والذي بدا في تعيين بولتون المشهور بمساعيه الرامية نحو التوجه الأمريكي للقارة الإفريقية منذ أن كان سفيراً للولايات المتحدة بالأمم المتحدة وكذلك في محاولة الضغط على إثيوبيا في تغيراتها الأخيرة لدعم النفوذ الأمريكي هناك. أما عن تصاعد المواجهة بين القوتين إلى مواجهة مُسلحة، فهو أمر مرهون بتطور قرارات ترامب المُتهورة في كثير من الأحيان وخاصةً في ظل الهجوم الأوروبي على الإدارة الأمريكية والداعم للموقف الصيني بشأن قراراته الاقتصادية الأخيرة والخاصة بزيادة الرسوم الجمركية. فهل يلتزم ترامب بالنهج السياسي أم يتطور الأمر لمواجهة عسكرية؟ الأمر مرهون بعدة أمور منها حسم ترامب للملفين الكوري الشمالي والإيراني من جهة، وربما وجهته في التعامل مع مُستقبل الدولة الصهيونية من جهة أخرى، الأمور التي ربما ستُحدد توجهه نحو المنطقة ككل في الفترة القادمة.



[1] أحمد أبو زيد، فيس بوك، 31/3/2018. https://www.facebook.com/anas.alqassas/posts/10157317810469942

 

[2] "الصين تصعّد في مواجهة رسوم ترامب"، الحياة (نقلاً عن رويترز)، 11/3/2018.

http://www.alhayat.com/m/story/27962296#sthash.Sqmw3NBb.dpbs

 

[3] Salem Solomon, "What Does John Bolton’s Security Adviser Role Mean for Africa?", Voanews, 24/2/2017.

https://www.voanews.com/a/bolton-africa/4315339.html?utm_source=dlvr.it&utm_medium=twitter

 

[4] صلاح خليل، " 4 مسارات و3 تهديدات تحدد رئيس وزراء إثيوبيا الجديد "، التحرير، 25/3/2018.

https://www.tahrirnews.com/posts/878598/

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022