استراتيجية الحكومة لحقوق الإنسان تصطدم بتصورات السيسي المشوهة

 

في 10 ديسمبر2020م بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان؛ أعلنت وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب عن إعداد استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان،[[1]]  هذا الإعلان جاء في إطار ثلاثة متغيرات، الأول يتعلق بالتحولات التي حدثت في أعلى هرم الإدارة الأميركية بعد فوز المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن على خصمه الجمهوري دونالد ترامب، حليف الجنرال عبدالفتاح السيسي والذي كان يصفه بدكتاتوره المفضل. والثاني، هو التمهيد لزيارة السيسي لباريس والتي أعقبت هذا الإعلان بأيام. والتغير الثالث يتعلق بكثافة الانتقادات من المنظمات الحقوقية وحكومات غربية للسجل المتخم بالجرائم والانتهاكات لنظام السيسي.

وفي الأسبوع الأول من مايو 2021م نشرت صحف عربية تقارير حول هذه الاستراتيجية الحكومية الطموحة لحقوق الإنسان وذلك نقلا عن مصادر حكومية وحقوقية داخل اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان التابعة لمجلس الوزراء، وهي اللجنة التي تشكلت من سفراء ومستشارين في وزارة الخارجية خلال جولة مراجعة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في مصر والتي أعدتها اللجنة وعقدت بشأنها اجتماعات مع أعضاء بمجلس النواب والشيوخ وممثلين لبعض منظمات المجتمع المدني وشخصيات حقوقية تمهيدا لاعتماد هذه الاستراتيجية وإعلانها بنهاية يونيو أو أول يوليو المقبل “2021”م.

التسريبات التي خرجت حول هذه الاستراتيجية تشير إلى أن هناك توافقاً واسعاً على معظم محتوياتها، وترحيباً بكونها أول وثيقة حكومية تتحدث بصورة صريحة وإيجابية عن الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية للشعب المصري. وأن صياغتها معبّرة عن “وجود تقدّم في تفهم أن يكون للدولة مثل هذا الخطاب المنفتح تجاه حقوق الإنسان، وعدم اقتصاره، كما جرت العادة في السنوات الأخيرة خصوصاً في الخطابات الرسمية السياسية، على الحقوق الاقتصادية وازدراء الحقوق المرتبطة بممارسة العمل السياسي والإعلامي والأنشطة المدنية”.

إستراتيجية الحكومة لحقوق الإنسان تصطدم بتصورات السيسي المشوهة

لكن هذه الاستراتيجية تصطدم بعدة عقبات:

  • الأولى هي توجهات النظام نفسه والتي تحمي الضباط المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان وهو ما أشار إليه السيسي في تسريب سابق بأن أي ضابط يطلق النار على متظاهرين لن يحاكم. وقد نشرت شبكة رصد تسريبا للسيسي خلال اجتماعه بعدد من قيادات الجيش والشرطة حيث قال السيسي إن ما تم تجاه الشرطة خلال العامين الماضيين قد أفرز مناخا جديدا وأكد أن الضابط الذي سيتسبب في قتل متظاهر أو إصابته في عينه بإطلاق قنابل الغاز أو الخرطوش لن يحاكم. مشيرا إلى أن المتظاهرين باتوا يدركون ذلك.[[2]]
  • الثانية أن صلاحيات هذه اللجنة محدودة قياسا بالصلاحيات المطلقة التي تتمتع بها المخابرات والأمن الوطني وهي الأجهزة التي تدير البلاد فعليا بشكل مباشر وأوامرها فوق الدستور والقانون.
  • الثالثة أن النظام ينظر إلى الشكل في هذه الاستراتيجية وليس الجوهر، بمعنى أنه يركز على تسويق هذه الاستراتجية على المستوى الخارجي لتكون أداة من أداة النظام في تبييض صورته السوداء أمام الحكومات والعواصم الغربية التي تنتقد باستمرار ملف نظام السيسي في حقوق الإنسان دون أن يصاحب ذلك انفراجة حقيقية في الملف الحقوقي على المستوى المحلي؛ يبرهن على ذلك أن النقاشات التي دارت حول هذه الاستراتيجية في مجلس النواب والشيوخ اهتمت بالشكل دون الجوهر وأهملت بشكل كبير اهتمامات الجماعة الحقوقية والنشطاء السياسيين والمدنيين، وركّزت أكثر على “شكل الاستراتيجية” وطريقة تسويقها وترويجها في الخارج. [[3]]
  • الرابعة والأهم أن هذه الإستراتيجية تصطدم بشكل مباشر بتصورات ومفاهيم السيسي المشوهة عن حقوق الإنسان والتي أبدى شيئا منها من خلال تصريحاته خلال  السنوات الماضية. فالنظرة غير الإنسانية لحقوق الإنسان في مصر عبّر عنها السيسي بوضوح شديد على مدى السنوات الماضية، منذ فرض على الناس الاختيار بين أن يعيشوا بلا حرية و كرامة إنسانية وحلم بالديمقراطية

أو أن يموتوا كما يموت الناس في سورية والعراق، بحسب معادلته الوحيدة المعلنة منذ العام 2014. هذه النظرة، لم يخجل من إعلانها أمام الأوروبيين، مع إضافاتٍ تمثل منتهى الازدراء للمواطن المصري، مثلما قال للرئيس الفرنسي في زيارته للقاهرة في فبراير 2019م، إنه ينبغي على الأوروبيين ألا يطبقوا معاييرهم لحقوق الإنسان على المواطن المصري،

وكان ذلك بمثابة بلاغ إلى العالم بأن المواطن المصري أقل قيمةً من المواطن في أي مكان في العالم المتقدّم. هذه الصياغة، أو هذا التعاطي من جانب السيسي لحقوق الإنسان المصري، يشكل انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، بل إنه يمكن القول إنه لو استخدم هذا التعبيرات بحق شعب آخر، غير المصريين، فإنه يرتكب جريمة تمييز عنصري ضد جماعة بشرية، ذلك أن  المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنصّ على ما يلي: “يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق”. فيما تشدّد المادة الثانية على عدم التمييز، والذي هو، بحسب الأمم المتحدة، مبدأ شامل في القانون الدولي لحقوق الإنسان. وتنصّ عليه جميع المعاهدات الأساسية لحقوق الإنسان.[[4]]

وعندما حوصر السيسي بأسئلة الإعلاميين خلال زيارته لفرنسا في ديسمبر 2020م أطلق سيلا من الهذيان كشف فيه عن تصوراته المشوهة عن مفهوم حقوق الإنسان وهي التصريحات التي صدمت المهتمين بالشأن الحقوقي في باريس والعالم.[[5]] وكان الجنرال في لقائه المذكور مع الرئيس الفرنسي قال نصا:«لن تعلمونا إنسانيتنا.. فهي غير إنسانيتكم»!. وهي عبارة تجسد وافر احتقاره الإنسان المصري، والعربي، وتصنيفه له في درجة أدنى على سلم الإنسانية، بقوله وهي تساوي بالضبط  أن إنساننا يختلف عن إنسانكم، الإنسان عندنا أرخص من الإنسان عندكم، فلا تحدّثونا عن معايير وقيم إنسانية واحدة.

 

المفهوم الشامل لحقوق الإنسان

تحت لافتة “حقوق الإنسان الشاملة” يسعى السيسي إلى سحق كل معنى حقيقي وجاد لحقوق الإنسان، وقد أفصح السيسي عن هذه الرؤية في نوفمبر 2019م خلال المؤتمر الثاني عشر لشبكة المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان الإفريقية، الذي استضافته القاهرة، وذلك بحضور لفيف من وفود القارة الإفريقية وكلٍ من عباس كامل رئيس المخابرات العامة، ومحمد فايق رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان. وشدد السيسي على دعم مصر لـ”مفهوم حقوق الإنسان الشامل” الذي يتضمن كافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والصحية والمعيشية والتعليمية وغيرها، مع عدم اختزال تلك الحقوق على الجوانب السياسية فقط دون غيرها.[[6]]

من خلال تصريحاته فإن السيسي لا يعتقد أن حقوق الإنسان مفهوم أصيل وجوهرى يحظى بتوافق والتزام أممى، وأفضل شىء إزاءه أن تتبناه كل النظم والحكومات وتعمل على تفعيله بحق باعتباره مكملًا لاستحقاقات السيادة وعنوانًا للالتزام الديني والأنساني والسياسى كما يمثل ترجمة حرفية لما نصت عليه مواد الدستور. معنى ذلك أن السيسي يتبنى عدة تصورات مشوهة عن مفهوم حقوق الإنسان، وبتحليل هذه التصريحات يمكن رصد الملاحظات الآتية:

أولا، يتبنى السيسي فكرة أن حقوق الإنسان ليست جوهرية وأصيلة تنطلق من معايير ومبادئ مستقرة ومتفق عليها أمميًا، ولكنها مفهوم خاص بكل دولة يمكن أن يتغير حسب طبيعة المجتمع.  وأن الأولوية هي لما تسمى بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية أما الحقوق المدنية والسياسية مثل الحريات والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحق التجمع والتعبير عن الرأي  والمساواة أمام القانون واختيار الحكام والمشاركة في صنع القرار فهي قيم لا تحظى بأي قيمة عند السيسي وأمثاله. هو إذا يتعامل مع المفهوم العالمي لحقوق الإنسان على أنه “سوبر ماركت” يأخذ منه ما يشاء ويدع ما يشاء.

ثانيا، يجهل السيسي أن المفهوم الدولي لحقوق الإنسان هو بالفعل شامل؛ وقد أكد مؤتمر فيينا في العام 1993 أن الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان أمور مترابطة، وأكد أن انعدام التنمية ليس مبررا لأي نوع من انتهاكات حقوق الإنسان. وعرّف المؤتمر التنمية كمفهوم بأنها عملية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية شاملة، تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان والتوزيع العادل للفوائد الناتجة من التنمية. فالتنمية، جوهرها وعمقها، تحقيق حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأصبح يتم تعريف حقوق الإنسان، أيضاً، على أنها الجهد الإنساني المشترك الذي يطمح إلى ترسيخ القيم الإنسانية العليا، ذات المعاني النبيلة والسامية التي تتطلع كل الشعوب والمجتمعات إلى تمثيلها والامتثال لها.[[7]]

ثالثا، تصريحات السيسي عن المفهوم الشامل لحقوق الإنسان هي إجراء يستهدف به الهروب من انتهاكاته الجسيمة وملفه المتخم بالجرائم؛ وكلماته حول أهمية الحقوق الاقتصادية باعتبارها من حقوق الإنسان الذي لا بد أن تتصدر جهود الحقوقيين من قبيل الحق الذي يراد به باطل؛  صحيح أن الحقوق الاقتصادية من ضمن حقوق الإنسان، وأنه لا حقوق للإنسان من دون مساواة وعدالة في توزيع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لكن هذا ليس مبررا لانتهاكات حقوق الإنسان والقتل خارج إطار القانون وتكميم الأفواه وتلفيق القضايا، وانعدام العدالة والمساواة، والزج بعشرات الآلاف من العلماء والمفكرين والدعاة إلى الله وشباب الثورة في السجون والمعتقلات بتهم سياسة ملفقة لا دليل عليها سوى تحريات أجهزته الأمنية.

رابعا، حديث السيسي عن الحقوق الاقتصادية لا تدعمه توجهاته وسياساته؛ فقد تبنى سياسات رأسمالية متطرفة أفضت إلى سقوط عشرات الملايين من المصريين تحت خط الفقر حسب التقديرات  الرسمية ومؤسسات دولية، بعدما تخلت الدولة عن دورها الاجتماعي، ولا يكتفي السيسي بالتحجج بالحقوق الاقتصادية، من أجل الهروب من الالتزام بالحقوق السياسية؛ وإنما أيضا يزداد الفشل كل يوم في تحقيق أي حقوق اقتصادية أو اجتماعية، فليس هناك حقوق سياسية، وأيضا هناك مشكلات متزايدة كل يوم في كل شيء، المواصلات والنظافة والتعليم والصحة والرواتب والأمن والمياه والمرور، فعن أي حقوق اقتصادية يتحدث السيسي؟

خامسا، يتبنى السيسي  مفهوم حقوق الإنسان بوصفه مفهوما مراوغا وغير مستقر، وأن دول الغرب وغيرها تستخدمه ضد مصر من أجل الضغط السياسى لتحقيق أهداف ومصالح لا تعتنى بتلك الحقوق، ولا تقيم لها أى وزن إلا بمقدار ما تحققه من أهداف سياسية عبر الاستخدام المسىء لها واستخدام المكاييل المتعددة فى تقييمها. كما يتبنى قناعة صارمة تنطلق من القطع بأن جميع القرارات التى تتخذها أى حكومة وطنية بحق أى من مواطنيها ضمن إجراءات المحاكمات القضائية أو التدابير القانونية، إنما تمثل عنصرًا من عناصر السيادة الوطنية، التى لا يجب أن يراجعها فيها أحد، فضلًا عن انتقادها أو طلب تغييرها.

ولذلك سعى السيسي إلى تسويق الحرب على “الإرهاب” باعتبارها حقا من حقوق الإنسان، لكن ذلك لم يقنع المنظمات الدولية والحكومات الغربية لاعتبارات عديدة، أبرزها عدم التوافق حول مفهوم الإرهاب. وتوظيف الحكومات المستبدة لهذه النوعية من الصراعات كلافتة للتغطية على ملفها المتخم بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إضافة إلى توسع النظم المستبدة في وصف معارضيها بالإرهاب وتقنين هذه التوجهات الاستبدادية بتشريعات وقوانين وقرارات بهدف تكريس الطغيان والاستبداد.

ولذلك يتبنى نظام السيسي تصورا يقوم على أن «حل المشكلات الحقوقية يمكن أن يأتى عبر توجيه خطاب حاد وصارم للداخل الوطنى؛ مفاده أن الدولة تواجه ضغوطًا سياسية فى شكل مطالب حقوقية، وأنها تدير الملف الحقوقى بأقصى درجة ممكنة من الاحترافية والكفاءة والوفاء للمعايير، وأنها لن تمتثل لأى مطالب أو ضغوط فى هذا الإطار، لأن هذا يعد خصمًا من سيادتها وانتهاكًا لها».[[8]]

سادسا، الأكثر خطورة في تصريحات السيسي وتصوارته المشينة عن حقوق الإنسان أنه يتصادم مع نصوص الدستور بشكل صارخ؛ وقد نص الدستور صراحة على الحقوق المدنية والسياسية للمصريين إلى جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛ فــ«الحريات والحقوق العامة للمواطنين ليست منحة من حاكم أو مسئول، بل هى حقوق مشروعة للمواطن لا يجوز الانتقاص منها أو تعطيلها حتى ولو بالقانون! وقد جاءت المادة رقم 92 من دستور 2014 لتنص على مبدأ رئيس أن «الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلا ولا انتقاصا.

ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها». ويضم الدستور المصرى بابا به سبعة وأربعون مادة تفصل الحريات والحقوق المفروض أن ينعم بها المصريون والواجبات التى يتحملون مسئولياتها، منها أن الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها. كذلك يحظر الدستور التعذيب بجميع صوره وأشكاله باعتباره جريمة لا تسقط بالتقادم.

ويؤكد الدستور على المساواة بين المواطنين أمام القانون وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، وأنه لا تمييز بين المواطنين بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر، وأن التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز، ويؤكد الدستور أن الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تُمس، كما يؤكد الدستور أن للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس.

وينص الدستور أن للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر، أو الاستغاثة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائى مسبب.[[9]]

خلاصة الأمر

أن نظام العسكر في مصر يتبنى تصورات مشوهة لقيم حقوق الإنسان والمنظمات المدنية العاملة في هذا الملف الحساس لارتباطه الوثيق بسياسات وتوجهات النظام الأمنية والاقتصادية، والاجتماعية، ولذلك فإن هذه التصورات تعكس عدة إشكاليات تكشف أبعاد الخطوط والضوابط التي يتعامل بها مع هذا الملف الحساس.

أول الإشكاليات أن مبادئ حقوق الإنسان في مصر ترتبط بالسياسة، عبر اعتقاد متجذر فى عقلية النظام أن هؤلاء الذين يتخذون اتجاهاً سياسياً مغايراً للنظام يجب أن يحرموا من حقوق الإنسان، بوصفهم مجرمين، ناقصى الأهلية. أما الإشكال الثانى فيتصل بربط الحديث عن حقوق الإنسان بالتدخلات الخارجية، عبر اعتبار أى ملاحظة أو تعليق أجنبى على حالة حقوق الإنسان الوطنية  تمثل في عرف النظام وتصوراته المشوهة استهدافاً يمس الكرامة الوطنية، ومحاولة لاستغلال المبادئ الحقوقية لتحقيق أهداف سياسية تقوض الأمن والاستقرار.

ويختص الإشكال الثالث بشيطنة معظم العاملين فى مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وخصوصاً إذا كانوا ينتمون إلى منظمات المجتمع المدنى، وفى هذا الصدد تتوالى الاتهامات عن التمويلات والعطايا التى يحصل عليها بعض هؤلاء من أجل القيام بأدوارهم، وهو أمر يتفاقم فى أوقات التوتر وتصاعد الأزمات السياسية، ليحول معظم العاملين فى هذا المجال إلى خونة وعملاء مأجورين.

ويتمثل الإشكال الرابع الذى تتعرض له حالة حقوق الإنسان الوطنية فى تسيد مفهوم «المعركة الوطنية» لآليات العمل الحقوقية، إذ ترى قطاعات رسمية في أجهزة المخابرات والأمن الوطني وأجهزة الأمن عموما أن الدولة تتعرض لاستهداف خارجى وداخلى، يتخذ من بعض انتهاكات حقوق الإنسان مطية لزعزعة استقرار الحكم، وتشويه صورته، وصولاً إلى فرض القيود عليه، وتقويض قدرته على الوفاء باستحقاقات دوره فى صيانة الأمن الوطنى. بحسب ما ذكره الإعلامي ياسر عبدالعزيز في مقال له بصحيفة المصري اليوم تحت عنوان “الحملة على حقوق الإنسان” في أكتوبر 2017م.

وتتضخم هذه التصورات المشوهة لدى النظام عن مفهوم حقوق الإنسان بحالة الخلط بين مفهومي الدولة والنظام، فمن عارض النظام فهو بالضرورة ضد الدولة، رغم أن الدولة باقية والنظم زائلة، وأمام هذه التشوهات الفكرية يخوض النظام معركته ضد القوى والأحزاب والحركات السياسية والمنظمات الحقوقية باعتبارها عدوا يتوجب القضاء عليه، بذريعة حماية الدولة ومؤسسات الدولة التي تستخدم كقميص عثمان من أجل تمرير الفظائع والانتهاكات الآثمة التي تمارسها الأجهزة والسلطة بحق المعارضين للنظام أولا ثم العاملين في المنظمات الحقوقية ثانيا وجميع فئات الشعب ثالثا.

فدور القوى السياسية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ــ وفقا لعقلية السيسي وتصوراته ــ أن تصطف مع النظام مثلها مثل الإعلام والمؤسسة الدينية سواء الأزهر والكنيسة ؛بما يضمن في نهاية المطاف صوتا واحدا ورأيا واحدا ونظاما يقوده مستبد أرعن أو ديكتاتور معتوه.

واليوم لا يزال المصريون يتطلعون إلى الحق في نصيب عادل من ثروة بلادهم والمشاركة بالعدل فى عوائد التنمية وأن تكون لهم الكلمة العليا فى شئون وطنهم باعتبارهم أصحابه الحقيقيين دون وصاية أو استعلاء من الجنرالات الحكام الذين يتمتعون بكل المزايا، كما يطالب المصريون بأن يتمتعوا بمسكن ملائم، ومياه شرب نظيفة، وشوارع آمنة، وخدمات تعليم وصحة مقبولة، وفرص عمل حقيقية. فهل حقق السيسي للمصريين أي شيء من هذه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن الحقوق السياسية والمدنية؟!

 

 

[1] الخارجية: قريبا إطلاق أول استراتيجية وطنية مصرية لحقوق الإنسان.. ومراعاة أولويات التنمية الشاملة/ بوابة الشروق ــ  الخميس 10 ديسمبر 2020  

[2]فيديو.. السيسي: “الظابط اللي هيقتل متظاهر مش هيتحاكم”/ مصر العربية ــ 3 أكتوبر 2013م (http://www.youtube.com/watch?v=rF8Yz8J3MHI)

[3] استراتيجية طموحة لحقوق الإنسان في مصر تصطدم بتوجهات النظام/ العربي الجديد ــ 11 مايو 2021

[4] وائل قنديل/ حقوق إنسان السيسي: نعم للاعتلاف .. لا للاختلاف/ العربي الجديد ــ 17 فبراير 2021

[5] انظر بعض هذه التصريحات في تقرير بعنوان/أهم تصريحات الرئيس السيسي من باريس عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر/ بوابة الشروق ــ الإثنين 7 ديسمبر 2020

[6] الرئيس السيسي يشدد على مفهوم “حقوق الإنسان الشامل” المتضمن كافة الحقوق/ بوابة الأهرام ــ 6 نوفمبر 2019

[7] انظر بتصرف ـــ أحمد ماهر/ حقوق الإنسان هي التنمية/ العربي الجديد 1 مايو 2015

[8] انظر بتصرف/ د. ياسر عبد العزيز/ تصورات ملتبسة عن حقوق الإنسان/ المصري اليوم ــ الأحد 07 فبراير 2021

[9] على السلمي/ دعوة إلى التمسك بالحقوق والحريات والدفاع عن حقوق الإنسان المصرى/ بوابة الشروق ــ  الثلاثاء 16 يناير 2018

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022