تعثر التوافق على تشكيل حكومة لبنانية جديدة .. الأسباب والتداعيات المستقبلية

 

بين الاستعصاء السياسي وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية اللبنانية، تسير الأوضاع إلى مصير مجهول، يهدد الشعب اللبناني.

أولا: أزمة التشكيل الحكومي

تعثر التوافق على تشكيل حكومة لبنانية جديدة .. الأسباب والتداعيات المستقبلية

مع إعلان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري اعتذاره عن تشكيل الحكومة، تدخل لبنان نفقا جديدا من الاحتراب السياسي، والمجهول حتى إبريل المقبل، لإجراء انتخابات برلمانية جديدة، مشكوك في التوافق حول إجرائها في ظل تلك الظروف والتداعيات المحلية والتدخلات الخارجية.

وأعلن “الحريري” من القصر الرئاسي، الخميس  13 يوليو الجاري، اعتذاره عن تشكيل حكومة جديدة في لبنان، بعد 9 أشهر من تسميته، في خطوة من شأنها أن تعمّق معاناة البلاد الغارقة في أسوأ أزماتها الاقتصادية.

وفي تصريحات صحفية من قصر بعبدا عقب لقاء الحريري بالرئيس ميشال عون، نقلتها “فرانس 24” قال “الحريري”: “الموقف لم يتغير، ومن الواضح أنه لن نستطيع الاتفاق مع الرئيس عون”. موضحا  “عون طلب تعديلات على تشكيلة الحكومة أنا اعتبرتها جوهرية، وطرحت على “عون” وقتا للتفكير، لكن الرئيس اللبناني أبلغه أنه لا يمكنهما “التوافق.

ومنذ شهور، يواجه لبنان انهيارا اقتصاديا رجّح البنك الدولي أن يكون من بين 3 أشدّ أزمات في العالم منذ عام 1850، فيما لم تتمكن القوى السياسية المتناحرة من تشكيل حكومة منذ 11 شهرا. فيما صعد سعر الدور إلى أكثر من 27000 ليرة، مرشحة للزيادة بالسوق الموازية.

ومنذ أواخر 2019، يرزح لبنان تحت وطأة أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه الحديث، أدت إلى انهيار مالي وتدهور القدرة الشرائية لمعظم سكانه، فضلا عن شح في الوقود والأدوية وغلاء في أسعار السلع الغذائية وتعطل عمل الصيدليات والمستشفيات.

 

ثانيا: المواقف الدولية

تعثر التوافق على تشكيل حكومة لبنانية جديدة .. الأسباب والتداعيات المستقبلية

أمريكا، صرحت على لسان وزير الخارجية “أنتوني بلينكن” عن استيائها الشديد من قرار الحريري، معتبرا بأنه “تطور آخر مخيب للآمال للشعب اللبناني، وقال “بلينكن”، في بيان الخميس، إنه “بات من الضروري أن يتم تشكيل حكومة ملتزمة وقادرة على تطبيق الإصلاحات ذات الأولوية الآن، وأنه يتعين على الحكومة اللبنانية الاستعداد لانتخابات 2022 البرلمانية، والتي يجب أن تتم إقامتها في موعدها، وبطريقة حرة ونزيهة.

متهما الطبقة السياسية في لبنان بأنها “بددت الأشهر التسعة الأخيرة، وأنه على القادة في بيروت وضع الخلافات الحزبية جانبا، وتشكيل حكومة تخدم الشعب اللبناني، هذا ما يحتاجه شعب لبنان بشدة.

فرنسا، اعتبر وزير الخارجية الفرنسي “جان ايف لودريان”، في الأمم المتحدة أن اعتذار “سعد الحريري” عن عدم تشكيل حكومة في لبنان يشكل فصلا مأسويا إضافيا في عجز المسؤولين اللبنانيين عن إيجاد حل للأزمة في ظل الواقع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد”.

وقالت وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية إن “التطور الخطير الذي حصل مع اعتذار الحريري يؤكد المأزق السياسي الذي عمد فيه القادة اللبنانيون، وبشكلٍ مقصودٍ، إلى إعاقة البلاد لأشهرٍ حتى وهي تغرق في أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.

بدورها، أبدت الأمم المتحدة أسفها لاعتذار الحريري، وقالت متحدثة باسم المنظمة “نأسف لعدم تمكن المسؤولين اللبنانيين من الاتفاق على تأليف حكومة جديدة. نكرر دعوتنا القادة السياسيين للبلاد إلى التفاهم سريعا على تشكيل حكومة جديدة تستطيع مواجهة التحديات الكثيرة في البلد“.

أما دول الجوار العربي، فالتزمت الصمت، وإن كان غير خافيا الدعم السعودي للحرير وتيار المستقبل، فيما كان الحريري مجتمعا مع عبد الفتاح السيسي بالقاهرة، قبل ساعات من اعلانه الاعتذار، على خلفية اتفاق على توريد الغاز المصري للبنان، تخفيضا لتكلفة توليد الكهرباء التي تعاني منها لبنان.

 

ثالثا: اسباب اعتذار الحريري

تعثر التوافق على تشكيل حكومة لبنانية جديدة .. الأسباب والتداعيات المستقبلية

-لجوء الرئيس عون للتعطيل:

ويعود السبب المباشر لاعتذار الحريري، الذي يفتح بابا جديدا من الأزمات، محاولة الرئاسة اللبنانية الممثلة في ميشيل عون المتحالف مع “حزب الله” الذي يعارض الحريري ويصفه بالتابع للسعودية، بتعطيل التشكيلة الحكومية مطالبا بتعديلات عديدة عليها، وهو ما دفع الحريري لشن هجوما شديدا على الرئيس “ميشال عون”، متهما إياه بعرقلة مساعي تشكيل الحكومة التي كان مكلفا بتسميتها قبل أن يعتذر ، وعبر عدة تغريدات نشرها عبر حسابه على تويتر، كشف فيها تفاصيل كثيرة عن الخلافات التي دارت بينه وبين عدد من الجهات على رأسها الرئاسة اللبنانية.

وقال “الحريري” إنه “سأل الرئيس ميشال عون خلال لقائهما الذي جرى في وقت سابق الخميس 13 يوليو، عن منح الثقة للحكومة من قبل التيار الوطني الحر الذي يرأسه عون”، فرد  عون “لا ثقة من الكتلة كاملة بل من وزيرين أو ثلاثة“.

وذكر “الحريري”: “عندما استقلت سابقا (عام 2019) استقلت لأني أريد حكومة إخصائيين”، مؤكدا أن “حكومة ميشال عون لن تنقذ البلادوأضاف: “هناك فريق قرر أن يعذب البلد ويأخذنا إلى جهنم، وكل العقبات التي واجهتها بسبب هذا الفريق.

-تلاعب سياسي من قبل القوى المتصارعة:

وفق مراقبين للشأن اللبناني، لم تنفع الزيارات الـ18 التي قام بها الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري إلى “مقر الرئسة” في  بعبدا في حلحلة العقد الوزارية بين الطرفين، فيما يصر رئيس الجمهورية على الثلث المعطل ويقول إنه لا يريده، والحريري ثابت على موقفه: تشكيلة من 18 وزيراً لا يكون فيها ثلث معطل لأي أحد. وبحسب رئيس تحرير صحيفة اللواء اللبنانية صلاح سلام، لـ”سكاي نيوز”  فأن “ما حصل كان متوقعاً ، فبعد خطاب الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، كان واضحاً أن مسيرة التأليف تعطلت، خاصة أن الشروط التي اتفقوا عليها في فترة سابقة تغيرت اليوم.

ووفق موقع “سكاي نيوز عربية”، أن الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري قام بإٕرسال وفود من تيار المستقبل الى كل الكتل السياسية، بما في ذلك الثنائي الشيعي من أجل الاستفسار عن المبادرة، فكان الجميع متفقا على المبادرة الفرنسية، لكن تم التخلي عنها فجأة وحلت مكانها فكرة حكومة “تكنو – سياسية” أي سياسية مطعمة بوزراء إختصاص .

وراهن رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، على هذه الصيغة، أي الثلث المعطل لعمل الحكومة بـ 6 وزراء، وفي هذه الحالة لن يتخذوا أي إجراء في حال منعهم من المشاركة في الجلسات.

وتتعارض هذه الصيغة مع خطوط المبادرة الفرنسية، والتي كانت أساسا لترشح سعد الحريري “، كما أن رئيس الجمهورية ميشال عون اتبع نهجا استفزازيا مع الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة سعد الحريري، سواء من خلال دعوته عبر شاشات التلفزة، أو عبر إرسال لائحة يوم الاثنين 10 يوليو، بتوزيع الحقائب على الطوائف، فضلا عن التمسك بالثلث المعطل. هذا النهج قاد إلى احتمالين اثنين، فإما تفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال أو التلويح بتعديل الدستور، فكان رد تيار المستقبل هو الاستقالة من مجلس النواب في حال طرح تعديل الدستور..وهنا تطرح أزمة ميثاق ويمكن أن توصل الى انتخابات نيابية مبكرة، وهكذا يكون البلد فقد السلطتين معاً التنفيذية والتشريعية، في حال استقال نواب المستقبل، وحينها ستصبح لبنان بامتياز “دولة فاشلة بجميع المقاييس”، وقد يكون هناك تدخلاً خارجيا لإعادة تكوين السلطة في لبنان.

-تعقييدات إقليمية:

ما يحصل قي لينان يندرج تحت خانة خلافات سياسية ظاهرها مشاكل لبنانية وباطنها تعقيدات إقليمية دولية، وبدا واضحا أن ثمة طرحين دوليين إقليميين يتصارعان على الساحة اللبنانية، فأصبح لبنان ساحة صراع إقليمي دولي، الأمر الذي يعقد الحلول والمطلوب هو مبادرة دولية سريعة أو محلية، وفي تطور سياسي لافت مساء الثلاثاء 11 يوليو ، زار سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بن عبدالله بخاري، قصر بعبدا ودعا بعد لقائه الرئيس اللبناني، ميشال عون “جميع الفرقاء اللبنانيين إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا”، مضيفاً “نؤكد على مضامين قرارات مجلس الأمن رقم 1701 و1559 والقرارات العربية من أجل الحفاظ على استقرار لبنان، وشدد على أن “اتفاق الطائف هو المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان.

 كما تلوح بالأفق  مؤشرات للتدخل، من بينها دور القمة الأوروبية، حيث جرى مؤخرا اتصال بين البابا فرنسيس والرئيس الفرنسي ماكرون حول الوضع اللبناني.

أما الموقف الخليجي فيعتبر السلطة الحالية تحت سيطرة حزب الله، وعليه لا يريد أي طرف خليجي التدخل، وسط تداعيات اجتماعية معيشية وأمنية خصوصاً بعد تحذير حسن نصرالله من قطع الطرق هذه من الخيارات التي قد تؤدي إلى فتنة، فقطع الطرق لعبة مبرمجة (لأجهزة) هدفها تنفير الناس وإبطال تحقيق أهداف الجمهور المنتفض.

 

رابعا: تداعيات اعتذار الحريري

-انهيار العقد الاجتماعي المنظم للبنان:

تعثر التوافق على تشكيل حكومة لبنانية جديدة .. الأسباب والتداعيات المستقبلية

وفق اتفاق الطائف الموقع في ثمانينات القرن الماضي بين القوى اللبنانية، يخصص للطائفة السنية منصب رئيس الحكومة، فيما يخصص منصب رئيس البرلمان للمسيحيين، بينما رئيس الدولة يخصص للطائفة الشيعية.

ووفق مقال: الوقوف أمام الهاوية!“، بـ “القدس العربي”،  فقد دارت المفاوضات السياسية حول تشكيل الحكومة اللبنانية مرارا وتكرارا حول امتلاك الرئيس اللبناني وفريقه السياسي «الثلث المعطّل». ورغم أن أطراف فريق الرئيس اعتبرت ذلك عملا شرعيا لاستعادة سلطة الرئاسة التي تم إضعافها بعد اتفاق الطائف. وأن الأطراف السياسية الأخرى اعتبرتها افتئاتا على مقام رئاسة الوزراء، فإن جميع المهتمين بالقضية اللبنانية قرأوا ذلك على أنه تمكين لصهر الرئيس، جبران باسيل، الذي حل مكانه في قيادة «التيار الوطني» كخطوة تمهيدية للحلول مكانه، لاحقا، في مقعد الرئاسة.

ويتعلّق الأمر لدى الحريري بامتلاكه سلطة القرار على الحكومة التي ينوي تشكيلها، وهو أمر اكتسبه رؤساء الحكومات اللبنانيون ويعتبر التنازل عنه انقلابا على تسوية الطائف التي أنهت الحرب الأهلية اللبنانية، كما يتعلّق بمنع «الصهر الملك» من التحكم بقرار الحكومة كما يعتقد كثيرون أنه يتحكم بقرار الرئاسة.

يجري كل ذلك في الوقت الذي يعلم الطرفان أن لبنان هو تحت السيطرة الفعلية لإيران، وهو ما يفسّر استعانة جبران باسيل «بصديقه» الأمين العام لـ«حزب الله» لترجيح موقفه في مواجهة الحريري، والقوى الدولية التي تشترط حكومة فاعلة توازن الأوضاع الاقتصادية والسياسية اللبنانية السائرة بسرعة نحو انهيار وتفكك وفوضى.

ورغم ما يبدو أنه وصول لجميع الأطراف إلى «نهاية السكّة» فلا شيء حقيقيا يدعو للتفاؤل بإمكان ترجيح الساسة اللبنانيين، لمصلحة البلاد على مصالحهم الخاصة، رغم أن لبنان يسير، من دون هوادة، نحو هاوية سوداء، سيغرق ظلامها الجميع.

-بدائل مأزومة:

وعقب إعلان الحريري الاعتذار، بدأت دوائر قصر بعبدا الجمهوري بتشغيل محركاتها لتعبيد الطريق أمام تحديد موعدٍ للاستشارات النيابية الملزمة، بيد أن الزمان سيكون حتماً مرتبطاً بالتوافق المسبق على اسم لتكليفه بتشكيل الحكومة، وفق الترويكا اللبنانية، فيما الحريري أعلن، أنه لن يسميَّ أحداً، على الرغم من أن موافقة الحريري على الاسم البديل أمرٌ اساسيٌّ وكذلك دار الفتوى، وإلا سنكون أمام حكومة حسان دياب ثانية أو بلا حكومة حتى موعد الانتخابات النيابية في العام المقبل.

ووفق المدير التنفيذي لـ”المفكرة القانونية” نزار صاغية، لـ”العربي الجديد”، فـ”الطبقة السياسية تستغل غياب المهل على صعيد الاستشارات النيابية أو تأليف الحكومة، وتأخذ وقتها بالكامل حتى تحقيق مصالحها الخاصة ولو على حساب انهيار البلد، حتى أصبحنا نعيش تحت ظلّ حكومات تصريف الأعمال التي يفترض بها أن تكون مؤقتة ولفترة قصير جداً، في حين أنها قاربت السنة، وهو وضع غير طبيعي تتحمّله كل القوى السياسية.

وتبدأ الاستشارات بمجرد دعوة الرئيس عون إليها، فهي إجراء دستوري ملزم، وللكتل النيابية القرار بشأنها، ولكن الأهم أن يكون هناك اتفاق على شخصية تتولى رئاسة الحكومة بعد الانقسام الكبير الحاصل، والسقوف العالية التي وضعها الرئيسان عون والحريري، فهل ستنزل عن السقف الذي رسمه الأخير، أو هل يرضى رئيس الجمهورية بإعطاء هذه الشخصية ما لم يعطه للحريري؟ هنا السؤال.

فيما مسئولية التعطيل الحكومي يتحملها عون والحريري معاً، فهما لا يشعران بحال الانهيار الشامل ومعاناة الناس، وكلّ منهما يبرّر الأحداث بما يخدم موقعه وصورته أمام المواطنين، من هنا كان التناقض في كلام الرئيس عون من جهة والحريري من ناحية ثانية، وفق مراقبين للشأن اللبناني، قلت عنهم صحيفة “الخلبج”.

ويبقى أفق الأزمة مفتوحا، في حال اقدمت كتلة المستقبل التي يقودها الحريري، على الاستقالة من البرلمان، ما يضع لبنان المأزوم سياسيا واقتصاديا أمام تحدي جديد، بعد فقدان السلكة التنفيذية والتشريعية.

-تصاعد الصراعات الطائفية:

يشار إلى أنه، في اليوم التالي لاعتذار رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، بدأت القوى السياسية بالتشاور حول البديل، وسط ضغط أميركي وفرنسي بالإسراع في إجراء الاستشارات وتأليف حكومة. ومن المرجح، كما أشارت مصادر بعبدا، لصحيفة “الأخبار” اللبنانية،  أن رئيس الجمهورية ميشال عون سيُعلن موعد بدء الاستشارات النيابية يوليو الجاري، على أن يكون تاريخها بعد انقضاء عيد الأضحى، ذلك لن يحول دون بدء المشاورات، على أن أولويات عون هي لرئيس حكومة يحظى بإجماع من القوى السياسية الرئيسية، وبقبول في طائفته.

وفيما يصرّ الفرنسيون على تأليف حكومة قبيل ذكرى 4 أغسطس، تلقّى رئيس الجمهورية رسالة أميركية ــــ فرنسية بضرورة الدعوة الى استشارات سريعة لتأليف حكومة تطبق برنامج إصلاح واضحاً، مهما كانت الأسماء المشاركة فيها واسم رئيسها.

تزامن ذلك مع إصدار الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بياناً في السياق نفسه ينقل فيه دعوة الاتحاد كل القوى السياسية إلى «دعم التأليف العاجل للحكومة»، وأضاف إن “لبنان يحتاج الى حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الرئيسية الاقتصادية والخاصة بالحوكمة والتحضير لانتخابات عام 2022، ويبقى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ضرورياً لإنقاذ البلاد من الانهيار المالي“.

الضغوط الأوروبية والأميركية للإسراع بتأليف حكومة، تُقابل باستمرار الحرب الباردة بين كل من عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من جهة، ورئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري من جهة أخرى. إذ تقول مصادر 8 آذار إن «باسيل بدأ يشاور مرشحين كالنائبين فيصل كرامي وفؤاد مخزومي، لكن بري يعارض هذا التوجه تحت حجة الحدّ من التوتر في الشارع السني وضرورة حصول أي مرشح على موافقة سعد الحريري».

فـ بري بحسب المصادر، يعتبر أنه خسر جولة أمام عون وباسيل ولن يسمح بزيادة أرباحهما، وتشير مصادر عين التينة إلى انزعاج كبير جداً لدى بري من التغيير الذي أضفاه الحريري على التشكيلة الحكومية التي قدّمها لعون بما يضرب مبادرته وعلى عكس ما تمّ الاتفاق عليه، فطلب بري كان عدم الاعتذار، بل الاستمرار بحال الأخذ والردّ مع الرئيس.

من ناحية أخرى، تشير المصادر الى انزعاج آخر في عين التينة من المقابلة التي أجراها الحريري مع قناة “الجديد” في الشكل والمضمون.

في موازاة ما سبق، وفيما كانت أسهم النائب نجيب ميقاتي الأكثر ارتفاعاً لخلافة سعد الحريري مع فرضه شروطاً مسبقة للقبول بالتكليف، أبلغ ميقاتي كلاً من الحريري وبري «عدم رغبته في تولي هذا المنصب لعدم تمكنه من التنازل تحت السقف الذي وضعه الحريري، وخصوصاً عند سؤاله عن مصير الوزيرين المسيحيين ومن يسمّيهما».

ذلك رغم إشارة مصادر مقربة من الحريري إلى أن «ميقاتي كان مرشحه الأول والوحيد كما مرشح بري»، وفي ظل اعتذار ميقاتي عن عدم تولّي المهمة، ليس للرجلين أي مرشح آخر، ولن يكونا مسهّلين لأيّ مرشح، على أن الطرح الجدي الوحيد اليوم هو فيصل كرامي الذي لا يعارضه عون ولا حزب الله، لكنه سيكون، إن تم التوافق عليه، مشروع “حسان دياب آخر وستجري تسميته من فريق واحد دون الآخر“.

ولعل ما يوجب الاسراع في تشكيل الحكومة، ما أكده المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي محمود محيي الدين أن «وجود حكومة لبنانية كاملة الصلاحيات الدستورية شرط ضروري وأساسي لبداية أي تفاوض مع صندوق النقد الدولي بخصوص برنامج للتعاون». وقال في مقابلة مع وكالة «أنباء الشرق الأوسط» إنه “لا يمكن لصندوق النقد الدولي أن يعقد برنامجاً مع حكومة لا تملك صلاحيات دستورية كاملة ولا مع حكومة مؤقتة أو حكومة تصريف أعمال“.

 

خامسا: سيناريوهات المستقبل المجهول

ليس لدينا شيء هنا". موجة من اليأس في لبنان وقصة هروب تنتهي بالموت | الحرة

سيناريوهات المستقبل تبدو تقود جميعها لبنان إلى جهنم، وفق ما يذهب إليه الباحث اللبناني، وائل نجم في مقاله بـ”العربي الجديد، “لبنان إلى جهم در”.

1-السيناريو الأول، للاستشارات المُلزمة قد يعيد تسمية سعد الحريري لتشكيل الحكومة، وفي هذه الحالة، سيكون لبنان أمام مشهد مشابه للمشهد الذي عاشه خلال الشهور التسعة الماضية. بمعنى آخر، ستعود الأمور إلى المربع الأول، وبالتالي هذا السيناريو يعني دخول المجلس النيابي ورئيس الجمهورية في تحدٍّ مفتوح ومكشوف، وهذا قد يفتح البلد على مواجهة صعبة ومعقدة، قد يكون الشارع حاسماً فيها.

2-السيناريو الثاني، أن يزكّي الرئيس المعتذر سعد الحريري، وهو بالمناسبة رئيس أكبر كتلة نيابية، وزعيم المسلمين السُنّة الأول في لبنان، شخصية سُنّية لتشكيل الحكومة، كما حصل قبل حوالي عام عندما زكّى الحريري اسم السفير اللبناني لدى برلين، مصطفى أديب، لتشكيل الحكومة.

غير أنّ الحريري، ومن خلفه رؤساء الحكومات السابقون ودار الفتوى في لبنان وقوى سُنّية عديدة لا يفضّلون الذهاب إلى خيار التنازل، وتغطية أيّة شخصية سُنّية لرئاسة الحكومة، تلبية لرغبة الرئيس عون، لأنّ ذلك يُعدّ في لبنان بمثابة خسارة وتنازل عن موقع وصلاحية لمكوّن أساسي في نظام سياسي يقوم أساساً على مبدأ التقاسم والتوزيع الطائفي.

وبالتالي، ليس مثل هذا الخيار مطروحاً حالياً، حتى إنّ أيّة شخصية سُنّية سياسية لا يمكن أن تقارب هذا الموضوع، لأنّه في مثل هذه الظروف سيكون بمثابة انتحار سياسي لها. وبالتالي، ذلك سيجعل المشكلة على حالها، وقد يفتح أبواب البلد على رياحٍ ساخنة عند كل منعطف جديد.

3-السيناريو الثالث : أن يختار رئيس الجمهورية والأطراف السياسية المتحالف معه شخصية سُنّية من خارج الإجماع السُنّي، ويفرضها أمراً واقعاً، كما حصل من قبل مع حكومة الرئيس حسّان دياب، غير أنّ هذا السيناريو سيعني، بالضرورة، إعادة إنتاج الأزمة في وقتٍ يوقن الجميع أنّ مفتاح حلّ الأزمات يكمن بتشكيل حكومة تكون محل رضا الأطراف الداخلية والمجتمع الدولي، ومثل هذا السيناريو لا يلبّي تطلعات الداخل أو المجتمع الدولي، وبالتالي ستكون حكومة محكومة بالفشل مسبقاً تماماً، كحكومة حسّان دياب.

4-السيناريو الرابع: والأخطر بينها لجوء بعضهم إلى استخدام الشارع أو القوة أو العنف والفوضى، من أجل إحداث خرق في جدار الأزمة الكثيف، ثم الانتقال إلى واقع جديد يكون محكوماً بموازين جديدة، وهنا الخطورة، لأنّ من شأن ذلك أن يدخل البلد في أتون صراعات المحاور، وهو ما قد يعني إعادة إنتاج الحرب الأهلية، وصولاً إلى التدخّل الخارجي في لبنان تحت العنوان الإنساني، وهو ما أشارت إليه تقارير نُشرت أخيراً؛ أو دفعاً باتجاه إعادة إنتاج صيغة جديدة للبنان، تكون مختلفة عن الصيغة الحالية للنظام السياسي. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ فكرة اعتماد النظام الفدرالي في لبنان طُرحت قبل مدة على موائد بعض الجهات المحلية.

وبغضّ النظر عن هذه السيناريوهات، يتجه البلد الآن نحو المجهول المخيف، إلّا إذا جرى الاتفاق، في اللحظات الأخيرة، على تشكيل حكومة وظيفتها الوحيدة إدارة الانتخابات النيابية المفترضة ربيع عام 2022، لتدارك الانهيار الكبير الذي ينذر بزوال الكيان.

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022