ترميم السيسي للمقامات والأضرحة .. ملاحظات على الهامش

 

 

أعلنت مؤسسة الرئاسة متابع الجنرال عبدالفتاح السيسي للخطوات القائمة لـ «ترميم وتجديد مقامات وأضرحة آل البيت، خاصةً أضرحة السيدة نفيسة والسيدة زينب وسيدنا الحسين والتوجيه كذلك بتطوير كافة الطرق والميادين والمرافق المحيطة والمؤدية إلى تلك المواقع» وحظت تلك المتابعة باهتمام إعلامي كبير.[[1]]

الملاحظة الأولى على هذا الإعلان أنه جرى توظيفه إعلاميا من أجل محاولة ترميم شعبية السيسي المتآكلة في أعقاب حربه على المساجد وهدم العشرات منها في حملات همجية منتصف 2020م بدعوى أنها بنيت بالمخالفة للقانون في الوقت الذي كان قد توصل قبل سنوات إلى تسوية مع قيادات الكنائس في مصر(جرى سن قانون رقم 80 لسنة 2016) لتقنين أوضاع آلاف الكنائس  المخالفة؛ فلماذا يقنن الكنائس المخالفة ويهدم المساجد؟! كما لا ينسى المصريون أن السيسي أنفق 100 مليون جنيه على ترميم المعبد اليهودي رغم أنه لا تقام فيه صلاوات لعدم وجود النصاب القانوني من الرجال اليهود حتى تقام فيه الصلوات وفق الديانة اليهودية.

لذلك يسعى النظام إلى ترميم صورة السيسي والعمل على رسم صورة مغايرة للجنرال البلطجي؛ فترميم الأضرحة والمقامات لتغيير صورة السيسي الذي يحرق ويهدم المساجد ويقتل المصليين كما جرى في مذبحة الحرس الجمهورية ومسجد رابعة العدوية وهدم عشرات المساجد على طريق ترعة المحمودية بين البحيرة والإسكندرية.  ومشروع “مبادرة كريمة” لترميم صورة الجنرال الذي يهدم بيوت الناس بقسوة وعنف بدعوى أنها مخالفة للقانون.

ويراد أن يظهر السيسي في صورة الرئيس الذي يهتم ببيوت الله ومساجد آل البيت بصفة خاصة؛ حيث تقدم وزير الأوقاف محمد مختار جمعة بالشكر للسيسي وقال الوزير: «”باسمي وباسم جميع العاملين بالوزارة، نقدم الشكر والامتنان والتقدير للرئيس عبدالفتاح السيسي، على اهتمامه بعمارة بيوت الله بصفة عامة، ومساجد آل البيت بصفة خاصة، سائلًا الله “عز وجل” أن يجزيه عن ذلك خير الجزاء، وأن يزيده سدادًا وتوفيقًا في خدمة الدين والوطن».[[2]]

كما توجهت مشيخة الطرق الصوفية في بيان لها بجزيل الشكر للسيسي على هذه الخطوة، وأكد الدكتورعبدالهادي القصبي، رئيس المجلس الأعلى للطرق  الصوفية، دعمه للقيادة السياسية (الشريفة) والجيش والشرطة، مؤكدا أن الصوفية  هل الحل لكل مشاكل مصر والعالم.[[3]]  واعتبر ـ في مداخلة هاتفية مع  قناة فضائية «cbc»، قرار السيسي بترميم الأضرحة والمقامات إعلاء من المنظومة الأخلاقية للدولة.[[4]]

الملاحظة الثانية، أن الذي يتولى عملية الترميم هي الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، حيث اجتمع السيسي مع اللواء إيهاب الفار، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، واللواء أشرف العربي، رئيس المكتب الاستشاري للهيئة الهندسية، والعميد عبد العزيز الفقي، مساعد رئيس الهيئة الهندسية لتصميمات الطرق، وهم الذين تلقوا التوجيهات بترميم الأضرحة والمقامات.[[5]]

ترميم السيسي للمقامات والأضرحة .. ملاحظات على الهامش

ورغم أن ذلك يعكس مدى تكريس العسكرة في مصر إلا أن الهدف هو ترميم صورة المؤسسة العسكرية؛ فالهيئة الهندسية وضباطها هم من كانوا يتولون عمليات هدم المساجد في 2020م، وهناك مئات من مقاطع الفيديو التي توثق بلدوزرات الجيش وهي تهدم بيوت الله، ولا ننسى أيضا المناورة التدريبية للجيش يوم الأربعاء 20 يوليو 2016م خلال حفل تخرج دفعة جديدة من طلبة الكلية الجوية، وكانت الصدمة المدوية أن  التدريب الأساسي لهؤلاء الطلاب المتخرجين حديثا من القوات الجوية  هو استهداف مجسم لمسجد بكامل تفاصيله!  وهي الجريمة التي لم تعتذر عنها المؤسسة العسكرية حتى اليوم.

الملاحظة الثالثة، أن وزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي أعلن في اليوم التالي مباشرة “الأحد 25 يوليو2021م” أن «الوزارة تستهدف خلال العام المالى الحالى ٢٠٢١ – ٢٠٢٢ تركيب  40 ألف عداد مسبوق الدفع للمساجد الأهلية وملحقاتها والكنائس وملحقاتها لتحقيق وفر يبلغ نحو 100 مليون جنيه سنويا نتيجة الطاقة المستهلكة فى الإنارة العامة فى المساجد والكنائس، وأوضح أنه تم الانتهاء من تركيب 25 ألف عداد مسبوق الدفع فى المساجد الاهلية وملحقاتها والكنائس وملحقاتها مما حقق وفرا يبلغ 60 مليون جنيه خلال العام المالى الحالي».[[6]]

وهو التصريح الذي لم يحظ بأي تغطية إعلامية وجرى نشره منزويا على مواقع الأخبار الحكومية، لأنه ببساطة يعني أن السيسي يمد يده في تبرعات المساجد الأهلية التي يتم الإنفاق عليها من تبرعات المواطنين البسطاء لينهب منها ما يشاء عبر عدادات الدفع المسبق للكهرباء! وقد جمع فعلا 60 مليون جنيه العام المالي الماضي(2020/2021) وفي طريقه ليصل النهب السنوي من التبرعات إلى 160 مليونا في العام المالي الحالي (2021/2022).

ترميم السيسي للمقامات والأضرحة .. ملاحظات على الهامش

المعنى الثاني لهذه التصريحات أن عمليات الترميم التي يتباهى بها نظام السيسي للمقامات والأضرحة إنما تتم فعليا من جيوب المواطنين عبر نهب مئات الملايين من تبرعات المساجد الأهلية للإنفاق على ترميم المقامات والأضرحة التي يوظفها السيسي سياسيا وإعلاميا لترميم صورته المشوهة والفاتورة يدفعها ملايين الفقراء والبسطاء والأسخياء الذين يتبرعون لبيوت الله. فالذي يدفع التكاليف هو الشعب والذي ينال الشكر والثناء هو السيسي!

الملاحظة الرابعة، أن ترميم المقامات والأضرحة إنما يمثل انعكاسا لتوجهات النظام نحو تعزيز الوجود الصوفي واعتماده كتفسير وحيد للإسلام حتى يملأ الفراغ الكبير الذي تركته الحركات الإسلامية المعتدلة كجماعة الإخوان المسلمين التي يشن نظام العسكر في مصر عليها حربا شعواء منذ انقلاب 3 يوليو2013م، لا سيما وأن الطرق الصوفية الحديثة بكافة أشكالها إنما هي أداة في يد السلطة توظفها سياسيا ودينيا وإعلاميا لإضفاء مسحة شرعية على ممارسات النظام الإجرامية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بعدما جرى تفريغ الصوفية الحقيقية من محتواها ونقائها الأصيل حتى بات يتحدث  عنها مجموعات من الأفاقين والأرزاقية الذين يتخذون من الصوفية ستارا يتقربون بها إلى السلطة وينعمون بشيء من امتيازاتها حتى لو كان ذلك على حساب الإيمان الصحيح والسلوك القويم ومبادئ الإسلام وأحكامه التي تقوم على التوحيد الخالص والعدل المجرد بشقيه السياسي والاجتماعي.

ترميم السيسي للمقامات والأضرحة .. ملاحظات على الهامشكما لم يعرف عن الصوفية الحديثة جهاد ضد محتل أو نضال ضد ظالم مستبد، وتتماهى مواقفهم من قضية “فلسطين” مع مواقف السلطة تدور معها حيث دارت؛ فهم مع التطبيع إذا أرادت السلطة وهم ضد المقاومة ما دامت السلطة ترفضها؛ لذلك تسعى دوائر عالمية وغربية بدعم من السلطوية العربية الرسمية لتكريس الوحود الصوفي واعتماده تفسيرا وحيدا للإسلام الجديد الذي يتم تفصيله على مقاس السلطة والأنظمة الحاكمة وتصورات الغرب عن الإسلام.

و«يقدر عدد الطرق الصوفية بنحو 77 طريقة، تتفرع إلى ٦ طرق رئيسة هي: “الدسوقية، الشاذلية، الرفاعية ، البدوية، العزمية ، القادرية»[[7]]، ورغم أن الصوفية في جوهرها هي الاهتمام بالجوانب الروحية والأخلاقية والابتعاد عن السياسة والحكام، إلا أن تاريخ الحركة الصوفية في مصر يناقض هذه الحقيقة؛ ومنذ عهد محمد علي باشا حتى اليوم تحولت الطرق الصوفية في معظمها إلى أدوات في يد السلطة توظفها من أجل دعم سياساته وتوجهاته والتخديم على أجندته وخلق المسوغات الشرعية بين العوام التي تبرر هذه السياسات وتنشر أفكارا ضالة عن الطاعة المطلقة للحكام باعتبارهم ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم.

وفي مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2013م يستهدف النظام تعزيز الوجود الصوفي حتى يكون بديلا عن الحركات الإسلامية المعتدلة كالإخوان المسلمين وبديلا أيضا عن التيار السلفي الذي يواجه تضييقا على أنشطته باستثناء البرهامية نسبة إلى طبيب الأطفال ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية بالإسكندرية، والرسلانية الذين يتبعون محمد سعيد رسلان والذين يتبعون المذهب الجامي المدخلي الذي يجعل من الطاعة المطلقة والعمياء للحكام  أصلا من أصول الدين و ركنا من أركان الإيمان.

 

[1] محسن سميكة/تجديد وترميم أضرحة ومقامات «آل البيت»/ المصري اليوم ــ الأحد 25 يوليو 2021م

[2] شيماء عبد الهادي/ وزير الأوقاف: نشكر الرئيس على اهتمامه بعمارة بيوت الله بصفة عامة ومساجد آل البيت بصفة خاصة/ بوابة الأهرام ــ 24 يوليو 2021

[3] شيماء عبد الهادي/“الطرق الصوفية” تشكر الرئيس السيسي على توجيهاته بترميم وتجديد مقامات وأضرحة آل البيت/ بوابة الأهرام ــ 24 يوليو 2021م

[4] أمل محمود/«الطرق الصوفية» عن قرار ترميم أضرحة آل البيت: إعلاء من المنظومة الأخلاقية للدولة/ بوابة الشروق ــ الأحد 25 يوليو 2021

[5] السيسي يوجه الجيش بتطوير شامل لأضرحة “آل البيت” في مصر/ العربي الجديد ــ السبت 24 يوليو 2021

[6] محمد فؤاد/ تركيب 40 ألف عداد كهرباء «مسبوق الدفع» بالمساجد والكنائس/ الأهرام اليومي ــ الأحد 25 يوليو 2021م

[7] سيد أمين/ تساؤلات عن الحضور الصوفي في السياسة!/ الجزيرة مباشر 25 إبريل 2019

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022