شهدت الساحة الفنية في مصر خلال الفترة الأخيرة حدثين لافتين: الأول هو أزمة رسوم التصوير الخارجي التي أعلن عنها محافظ القاهرة اللواء خالد عبدالعال يوم 16 أغسطس 2021م والتي ترواحت بين 15 ألف جنيه في الساعة الواحدة أو 100 ألف جنيه لليوم الكامل مقابل «تصوير الإعلانات والمشاهد السينمائية في شوارع وأبنية وأنفاق وجراجات محافظة القاهرة».
فرض هذه الرسوم من جانب محافظة القاهرة أثار حفيظة العاملين في المجال الفني الذين أعربوا عن صدمتهم من القرار ورفضهم الانصياع له باعتباره شكلا من أشكال الإتاوة وتجلى ذلك بوضوح في رد فعل نقيب الممثلين أشرف ذكي الذي قال: “مش هندفع”. وعد القائمون على صناعة الدراما والسينما هذا القرار قاتلا للصناعة ويسقط القاهرة من الذاكرة ودعوة لتطفيش المنتجين، علاوة على ذلك فإن القرار يستهدف تكريس حالة الاحتكار في صناعة الدراما والسينما لصالح شركة “سينرجي” التابعة لجهاز المخابرت العامة، بما يفضي إلى مزيد من هيمنة السلطة على الصناعة وإخضاع كل العاملين فيها لتوجهات النظام وسياساته والتخديم على أجندته. وأمام غضب القائمين على صناعة الدراما والسينما تراجعت المحافظة نسبيا عن القرار دون توضيح لقيمة رسوم التصوير الخارجي التي لا تزال قائمة وإن هدأت قليلا بعد هذا التراجع الشكلي من جانب المحافظة.[[1]]
أما الحدث الثاني، فهو مداخلة الجنرال عبدالفتاح السيسي مساء الإثنين 23 أغسطس 2021م التي استغرقت نحو 15 دقيقة مع برنامج “صالة التحرير” على فضائية “صدى البلد” حيث استضافت مقدمة البرنامج عزة مصطفى كاتب السيناريو عبدالرحيم كامل، حيث عبر السيسي عن سعادته بالحوار وعرض على السيناريست إنتاج عمل فني “يخدم قضايا الدولة”.[[2]]
حديث السيسي دار حول عدة محاور أساسية:
- التأكيد على استعداد الدولة لدعم أي عمل فني حول ما يسمى بتجديد الخطاب الديني أو الروحي، ودمج التاريخ بمثل هذه الأفكار، حيث يؤكد السيسي أنه لن يطلب من المنتجين والمفكرين تولي قضايا قد لا تحقق أرباحاً، وإذا كانت التكلفة المالية عائقاً أمام عمل كهذا (خطورة التطرف والإرهاب وتجديد الخطاب الديني) فإن السيسي سوف يدعم مثل هذه الأعمال من ميزانية الدولة.
- التأكيد على دعم الدولة للأعمال الفنية الدرامية والسينمائية التي تكرس فكرة صناعة العدو الداخلي؛ حيث أبدى السيسي إعجابه الشديد بعبارات السيناريست عبدالرحيم كامل حول الأعادي (الأعداء) اللي بيلبسوا لبسنا وبيتكلموا كلامنا وهم أعادي، واحنا ناس بساط (بسطاء) بنحب ربنا فأي حد ممكن ياخدنا”. وأضاف: “القضايا التي يجب الاهتمام بها كثيرة، أهمها قضية الفهم، فهم تحدي إسقاط الدول، والخطورة في استهداف الدولة وتدميرها، واللي ما يعرفش إن أفغانستان كانت شكل آخر منذ 50 عاماً، هاتوا الكتب والأفلام ستجدون دولة مختلفة تماماً، عندما تسقط الدولة يبدأ العبث بمقدرات ومستقبل الدولة، طالما ما فيش راس لا توجد قيادة محدش يمشي معاها”. مضيفا: “لكن لو في كتاب موهوبين زي حضرتك وآخرين أنا ما اعرفهمش، تصدوا لده (لهذا وكتبوا) أنا بقول من دلوقتي أن دعمي لهذا الإبداع سيكون ضخم جداً، وأنا مجهز له كويس”. وتابع: “الدعم ده مش الدعم الثاني” (يقصد دعم الخبز). بمعنى أن الدولة في الوقت الذي تقلص فيه مخصصات دعم الفقراء فإنها تضع ميزانيات مفتوحة ودعم مطلق لمثل هذه الأعمال الفنية التي تخدم أجندة النظام وتوجهاته. وتابع: “أنا بقولك إني داعم لأي عمل في المجال ده وبناء الوعي الحقيقي، بما فيه الوعي الديني، أنا مش هخش معاك في نقاش تطوير الخطاب الديني أو الروحي.. إحنا همنا تحصين أبناءنا وبناتنا وشبابنا”.
- دعم الدولة لمثل هذه الأعمال الفنية مرهون بمدى تخديمها لسياسات وتوجهات النظام وأجندته مع التركيز على الدفاع عن توجهات الدولة وسياساتها مثل دعم توجهات النظام في ملف التعليم والصحة حتى لو كانت سياساته مرفوضة من جانب غالبية الشعب.
- تناول قضايا الزيادة السكانية من منظور الدولة والتخديم على تصوراتها ورؤيتها لمثل هذه المشاكل وأنه طالما هناك نمو سكاني فإن ذلك سوف يلتهم جهود التنمية ولن يشعر المواطنون بتحسن في أحوالهم بسبب الزيادة السكانية.
- دعوة المصريين إلى إعادة التفكير في معتقداتهم الدينية وضرورة إنتاج أعمال فنية تعالج ذلك حيث قال السيسي: “أتصور أن القضية الأهم هي الوعي، سواء ارتبطت بالدين فكلنا اتولدنا المسلم مسلم والمسيحي مسيحي، هل أحد يعرف إنه يجب إعادة صياغة فهمنا للمعتقد اللي احنا ماشيين عليه، طب كنا صغار لكن كبرنا، فكرت ولا خايف تفكر، عندك استعداد إنك تمشي في مسيرة بحث حتى تصل للحقيقة”. الغريب هنا أن الذي يدعو المصريين إلى تغيير معتقداتهم في الله هو نفسه الذي يحرِّم عليهم مجرد التفكير في تغييره هو كحاكم مستبد انتزع العرش بقوة السلاح غصبا وإرهابا، وأقصى الرئيس الوحيد المنتخب من الشعب بنزاهة وشفافية لم تحدث من قبل ولا من بعد. فالسيسي الذي لا يسمح للمصريين بمناقشة عدم اقتناع الناس به، ويريد منهم الإيمان به كزعيم وقائد له إنجازات باهرة بدون تفكير رغم الفشل المنتشر في ربوع البلاد، هذا الحاكم الذي ينصب نفسه إلها على الناس وينتزع أرواح الرافضين لحكمه ويصادر حريتهم وينهب أموالهم ظلما وعدوانا هو نفسه الذي يدعو الناس لإعادة صياغة معتقداتهم، وفي الوقت الذي ليس مسموحا للمصريين فيه بالعمل من أجل تغييره فإنه يدعوهم إلى تغيير الدين، ولا يسلمون بما جاء في خانة الديانة منذ المولد!
لماذا تراجعت الدراما المصرية؟
لا يمكن فهم أبعاد أزمة الرسوم الباهظة للتصوير الخارجي في الأعمال الفنية أو حتى تصريحات السيسي عن الأعمال الفنية التي تستحق الدعم من الدولة إلا في سياق حرب الهيمنة التي يشنها النظام على الفن والفنانين من أجل الهيمنة على الصناعة من جهة وإخضاع كافة مكوناتها من فنانين ومنتجين ومخرجين لخدمة أجندة السلطة من جهة أخرى.
ففي سنوات ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013م، واجهت صناعة الدراما المصرية عدة أزمات عاصفة أدت إلى تراجعها، الأولى تتعلق تتعلق بالتسويق في ظل الأزمة الاقتصادية وتراجع كثير من الشركات عن الدعاية والإعلان لتحقيقها خسائر كبيرة ما أفقد الفضائيات بابا كبيرا للربح كان يسهم في تحقيق مكاسب كبيرة وتغطية نفقات الأعمال الدرامية. والأزمة الثانية، تتعلق بالقفزة الهائلة في أجور الفنانين والممثلين حتى إنها تضاعفت مرتين أو ثلاثة خلال السنوات التي تلت قرار تعويم الجنيه أمام الدولار وباقي العملات الأخرى في نوفمبر 2016م. الأزمة الرابعة التي ساهمت في تراجع الدراما المصرية أيضا ما آل إليه حال مبنى الإذاعة والتلفزيون “ماسبيرو” وتوقف الأعمال فى قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون وصوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامى، تاركا الساحة للإنتاج الخاص الذي باتت تهمين عليها أجهزة المخابرات. وخامس الأزمات التي أفضت إلى تراجع مستوى الدراما المصرية، التركيز على البطل أو البطلة دون النظر إلى الفكرة ومستوى السيناريو وباقي أدوات نجاح العمل الدرامي. وكذلك التركيز على ورش السيناريو بدلا من العمل الفني المتماسك في فكرته وأحداثه وتطورات شخوصه وأبطاله والدقة في رسم السمات النفسية للأشخاص. وبات كتاب كبار وفنانون لهم جماهيرية عريضة على مقاعد المتفرجين. وأمسى مؤلفون وكتاب سيناريست مخضرمون قابعين في بيوتهم بلا عمل لأنهم يتسمون بشيء من الاستقلالية و يرفضون التدخل فى أعمالهم أو كتابة سيناريوهات مفصلة على مقاس نجم بعينه.
محطات الإخضاع والسيطرة
المحطة الأولى، بدأت في أعقاب الانقلاب مباشرة، حيث شرعت السلطة في تنفيذ خطة للهيمنة والسيطرة على صناعة الإعلام في مصر بأضلاعه المختلفة، الفضائيات والصحف والمواقع، ثم احتكار شركات الإنتاج الدرامي والسينمائي وحتى شركات التسويق والدعاية والإعلان. وبدأت أولى محطات الهيمنة والاحتكار سنة 2014م عبر تأسيس رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة بإيعاز من جهاز المخابرات العامة شركة “إعلام المصريين” والتي شرعت على الفور في شراء معظم الصحف والفضائيات وهو ما أدى فعليا إلى حسم المنافسة وسيادة نزعة الاحتكار والتحكم في صناعة الدراما، وهي الشركة التي احتكرت المشهد الإعلامي لاحقا عبر الاستحواز على معظم الصحف والفضائيات والمواقع الإخبارية، ثم الهيمنة على سوق العمل الدرامي والسينمائي عبر شركة “سينرجي” التابعة لجهاز المخابرات العامة.
المحطة الثانية تمثلت في تأسيس الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية والتي تمثل بحسب وكالة رويترز ذراع السلطة في الهيمنة على جميع مراحل صناعة الدراما، والتي تتبع مباشر لجهاز المخابرات العامة. تأسست الشركة في 2017 واشترت ما لا يقل عن ست صحف ومواقع إخبارية على الانترنت وأربع شبكات تلفزيونية تدير 14 قناة وأربع محطات إذاعية وعدد من المسارح ودور السينما. وقال ثمانية أشخاص يعملون بصناعة الإعلام كانت لهم تعاملات مع الشركة المتحدة إن الدولة هي التي أنشأتها. ومع توسع الشركة أصبحت تهيمن على مواعيد إذاعة البرامج التلفزيونية وتحدد الأعمال التي تخرج منها للنور. وتطبق الشركة قواعد الرقابة الحكومية بحذافيرها.([3]) وعبر الهيمنة على شركات الإنتاج الدرامي والإعلامي بدأت السلطة في عملية إخضاع القائمين على الصناعة (فنانين ــ مخرجين ــ سيناريست ــ مصورين ـ مسوقين..إلخ)، وتم ذلك عبر إجراءين: الأول خفض عدد الأعمال الدرامية إلى النصف تقريبا وبذلك خرج كثير من الفنانين والفنانات من السباق الرمضاني دون أعمال. الثاني، تخفيض أجور نجوم الصف الأول إلى النصف تقريبا. وبذلك وصلت الرسالة إلى الجميع أن الأمر جزء من سياسة الدولة التي تقرر من يعمل ومن لا يعمل. وأمام هذه التحولات الحادة والخطيرة ، لم تجد الشركات المنافسة في سوق الإنتاج الإعلامي والدرامي بدا من التوقف وتجميد مشروعاتها الفنية؛ لأنها تعجز عن تسويقها مع سيطرة مجموعة “إعلام المصريين” على نصيب الأسد من سوق الفضائيات المصرية.
هذه الأبعاد المتعددة لأزمة الدراما؛ دفعت الناقد طارق الشناوي، إلى التحذير من تدمير صناعة الدراما مشيرا إلى أن «الأزمة بدأت في 2017، حيث تم الإعلان عن بدء تصوير كثير من المسلسلات، ثم خرجت من السباق الرمضاني. وأبدى أمله أن تحدث انفراجة، بظهور صوت عاقل من داخل النظام يعيد الأمور إلى نصابها، حتى لا تنهار صناعة الدراما في مصر، لأن ما يحدث لم يكن في صالح الصناعة على كل المستويات».([4])
المحطة الثالثة، لم يكتف نظام 3 يوليو بالسيطرة المطلقة على شركات الإنتاج والتوزيع وحتى فضائيات العرض، وامتد حرصه الشديد على فرض الوصاية على الفن والإبداع إلى سن حزمة من القوانين التشريعات الشاذة التي تسهم بشكل فعال في فرض مزيد من المصادرة والتأميم والهيمنة المطلقة على سوق الدراما. وقبل أن ينتهي عام 2016 أصدر السيسي (قرارات جمهورية) أرقام 158 و159 و160 بتشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، وذلك طبقاً لنصوص ومواد القانون 92 لسنة 2016 والذي نص على تشكيل المجلس والهيئات المذكورة بناء على ترشيحات مجلس الدولة ومجلس النواب ونقابة الصحفيين والإعلاميين والعاملين بالطباعة والصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للجامعات ووزارتي الاتصالات والمالية. وأن تختص “لجنة المعايير وميثاق الشرف الإعلامي” بـ: وضع ضوابط ومعايير ممارسة العمل الإعلامي، ووضع ميثاق الشرف المهني بالاشتراك مع النقابة المعنية.
المحطة الرابعة، في ديسمبر 2017م أعلن عن تكوين لجنة الدراما بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للقيام بدور الرقابة التي تصل حد الوصاية من الدولة تحت لافتة تطوير الدراما. وفي م مايو 2018، أعلن رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مكرم محمد أحمد، أن لجنة الدراما بالمجلس أعدت معايير مهنية للمسلسلات قائلا: «لسنا لجنة فاشية كل هدفنا للعودة للقيم، لسنا فاشيين ولا نكبل الحريات».، مدعيا «عشنا 8 سنوات من الفوضى ويجب خضوع المسلسلات للرقابة كأفلام السينما. معلنا عن غرامة قدرها 250 ألف جنيه للألفاظ الخادشة التي ترد في المسلسلات مع توصية بتمجيد الدولي البطولي للجيش والشرطة.([5]) وتضمنت المعايير 24 بندا أهمها: إفساح المجال لتمجيد ما أسمته بالدور البطولي لرجال الجيش والشرطة وعدم تناول نماذج سلبية لضباط الجيش والشرطة ويجب أن يظهروا دوما في صورة الأبطال. وعدم عرض صور العشوائيات والعشش بما ينقل صورة سلبية عن البلاد. وضرورة الانتهاء من تصوير المسلسلات قبل 15 رمضان؛ قبل عرضه أو إذاعته حتى تتمكن الرقابة من المراجعة.
المحطة الخامسة، هي القيوم الأمنية الصارمة، فرغم احتكار سوق صناعة الدراما وسن القوانين والتشريعات الشاذة والمنحرفة وإنشاء جهات رقابية جديدة تستهدف مزيدا من الحجر والوصاية فإن النظام أطلق العنان لأجهزته الأمنية في فرض مزيد من القيود على صناعة الدراما على أرض الواقع؛ حالت دون عمل المنتجين والمخرجين الذين يتمتعون بشيء من الاستقلالية. وقد أقر المنتج جمال العدل أن الأجوء مسمومة وطاردة وأنه في 2019 أوقف العمل في مسلسلين بعد بداية التصوير لأن الشرطة تعنتت في إصدار تصاريح التصوير من جهة بخلاف أنه جرى مداهمة طاقم مسلسل لأحد المنتجين الآخرين وإيقافه بحسب رويترز. ويعترف مخرج آخر ــ رفض ذكر اسمه ــ أنه اضطر لتوقيع وثيقة يتعهد فيها بعدم إدراج أي مشاهد في أعماله تنطوي على إساءة للشرطة. وقيل له إنه إذا كان يصور مشهدا فيه تبادل لإطلاق النار فيجب ألا يموت ضباط الشرطة فيه لأن ذلك سيؤثر سلبا في معنويات رجال الشرطة.
ومنذ 2017م تصنع الدراما السنوية من رجال الشرطة والجيش أبطال مثاليين وخارقين لا يخطئون ويضحون بكل ما يملكون من أجل المجتمع. وربما هذا يكون مقبولا إذا تم العمل عليه دراميا، لكن الأمور تبدو في غالبية الأعمال وكأن فكرة رجل الأمن المثالي مستنسخة ومفروضة على سياق أحداث المسلسلات كلها. في المقابل يتم تشويه صورة المعارضين للنظام باعتباره طابورا خامسا ومجموعة من الخونة ويتم إلباسهم ثورة العمالة للخارج وتلقي التمويل من جهات أجنبية للإضرار بأمن الوطن واستقراره. في إطار هذه الفلسفة تم إنتاج مسلسلات مثل الاختيار 1 والاختيار 2 ونسر الصعيد وكلبش ونسل الأغراب وقابيل وآخر نفس وغيرها.
أصحاب الحظوة والقائمة السوداء
ترتب على هذه السياسة الاحتكارية عمليات تصنيف للفنانين والفنانات بناء على معيار الولاء للنظام من جهة، ومدى تجاوبه وتعاونه مع شركة “سينرجي” المخابراتية وعدم تدخله في محتوى العمل من جهة ثانية، وقبوله بخفض الأجر على النحو لذي تقرره الشركة من ناحية ثالثة.
ومن المحظيين أمير كراره الذي بات هو النجم المفصل للأجهزة المحتكرة للأعمال الفنية، الخاصة بتمجيد بطولات الجيش والشرطة (الوهمية) أو حتى قلب الحقائق لرسم صورة بطولية لهم. هناك يضا محمد رمضان ويوسف الشريف وياسر جلال. و بشكل عام لم يُفلت من «سينرجي» سوى أسماء قليلة، مثل نيللي كريم، التي ما تزال مع «العدل جروب» بجانب يسرا، ودنيا سمير غانم مع المنتج هشام جمال. ولكن، حتى في هذه الحالة، فهذه الشركات وغيرها، تحت مظلة مجموعة «المتحدة» كشريكة أو مشرفة على الإنتاج. ووراء الفريق الأول (أصحاب الحظوة) فريق آخر من البدلاء، والذين لا يُضمن تواجدهم بنسبة كاملة، في المواسم، مثل كريم عبدالعزيز وعمرو يوسف ومي عز الدين وأحمد السقا مثلًا. وبالطبع، هناك فريق من المغضوب عليهم، والذين خرجوا عن دائرة الاهتمام، وأبرزهم مصطفى شعبان وعمرو سعد وغادة عبدالرازق.[[6]] هذا التصنيف امتد أيضًا لفرق العمل نفسها خلف الكاميرات. فهناك مخرجون ثابتون للشركة مثل محمد سامي وبيتر ميمي، ومؤلفين مفضلين مثل هاني سرحان وباهر دويدار، وآخرون مغضوب عليهم، أبرزهم المخرج محمد شاكر خضير مثلًا، الموقوف عن العمل بعد ظهور عبارة معارضة للسيسي في مسلسل «لا تطفئ الشمس» 2017م.
نتج عن هذه السياسة، فريق من المغضوب عليهم والذين يصورون أعمالهم من لبنان، وتضمن هذه الأعمال العمل لبعض الممثلين الذين لا يجدون فرصة في مصر، مثل يوسف شعبان الذي عاد للعمل في «ملوك الجدعنة». وكشفت الفنانة سميرة أحمد بعد وفاته أنه كان يعاني من أزمة نفسية بسبب وقفه عن العمل في مصر لثلاث سنوات، بالإضافة إلى رانيا يوسف ووليد فواز ومحمود حميدة وظافر العابدين وياسمين رئيس ومحمد ممدوح.. غيرهم.
حلول غير كافية
ولحل أزمة البطالة بين الممثلين تلجأ شركات المخابرات إلى عدة حلول علها ترضي كل الأطراف منها المسلسلات ذات الـ15 حلقة وهو حل اقتصادي لإرضاء أكبر عدد من الممثلين الموالين لسينرجي، وعلى رأسهم هاني سلامة وعلي ربيع ويوسف الشريف ودنيا سمير غانم. والحل الثاني هو البطولات الثنائية، مثل أمير كرارة مع أحمد السقا في مسلسل «نسل الأغراب»، وكريم عبدالعزيز مع أحمد مكي في «الاختيار 2»، وأحمد عز مع هند صبري في «هجمة مرتدة»، وهاني سلامة مع درة في «بين السما والأرض»، وياسمين عبدالعزيز بصحبة زوجها أحمد العوضي في «اللي مالوش كبير».
والحل الأخير بتنفيذ مسلسلات من قصص منفصلة وبأبطال متغيرين، مثل مسلسل «إلا أنا» و«ورا كل باب».. وغيرهما، وهي فكرة في الأساس جاءت لإرضاء الفنانين العاطلين، خاصة غير العاملين في مواسم رمضان، وكذلك لإرضاء بعض المنتجين بالاستعانة بهم كمنتجين تحت مظلة «المتحدة» أو شركاء معها، مثل المنتجة مها سليم في «زي القمر» والمنتج هشام جمال، صاحب شركة «روزنامة» في مسلسلات «في بيتنا روبوت»، و«عالم موازي» في رمضان.
ورغم ذلك فإن هذه الإجراءات غير كافية لإرضاء كافة الممثلين الذين يعانون من البطالة، الأمر الذي دفع الفنان سامي مغاوري، عضو مجلس نقابة الممثلين إلى الاستقالة مع بدايات 2021م بسبب بطالة الممثلين، مشيرا إلى وجود أموال تحت الترابيزة من أجل الدفع بممثلين بعينهم في المسلسلات. واستقال مغاوري اعتراضًا على ما وصفه بالفوضى في الوسط الفني، وعدم قدرة النقابة على السيطرة على البطالة والمجاملات، وقال إنه لم يعد يحتمل شكاوى الممثلين له من البطالة كلما يرونه، مضيفًا أن الأعمال الفنية مسموح لها فقط الاستعانة بـ10% من الممثلين خارج النقابة، ولكنهم يتجاهلون الأمر.
وحتى أشرف زكي، نقيب الممثلين، تحدث بنفسه بعد انتخابه نقيبًا في 2019 ببرنامج «معكم»، عن أزمة بطالة الممثلين واعتبرها القضية الأبرز في النقابة، وهدد المنتجين بعدم التعامل معهم واستخدام القانون ضدهم، وقال: «ناس كتيرة جدًا قاعدة في البيت.. نجوم مخرجين فنانين مهمين شباب.. وأنا زمايلي اللي قاعدين في بيوتهم مش لاقيين ياكلوا أقول لهم ايه؟ عشان هو جايب واحد صاحبه ولا مين وصاه على مين»، وأشار إلى أن نسبة غير النقابيين في بعض الأعمال تصل إلى 70%.
المشكلة الأخرى المرتبطة بالبطالة، والمرافقة للاحتكار، هي مشكلة الأجور القليلة، حيث لا توجد فرصة للتفاوض مع شركة “سينرجي” لأن التفاوض هنا يكون أساسا مع جهاز المخابرات وليس مع شركة إنتاج فني؛ وبالتالي فإما أن يخضع الممثل أو يوضع في القائمة السوداء، وساعتها قد لا يجد لنفسه مكانا أو دورا في أي عمل فني.
وعندما انتقد الفنان عمرو واكد الذي نال جوائز فنية على أعماله حتى وصل إلى العالمية عندما ظهر في 2005م في فيلم “سيريانا” مع الممثل العالمي جورج كلوني وهو من أفلام الإثارة والتشويق، هذه السياسات الاحتكارية والأعمال الدرامية الموجهة لتجميل صورة النظام، محذرا من أن هذه الأعمال تؤكد مدى اضمحلال صناعة الترفيه في مصر، و«كأن هذه المسلسلات كتبها ضابط شرطة». عاقبته محكمة عسكرية غيابيا بالسجن ثماني سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة والإساءة لمؤسسات الدولة، وبات مستهدفا في منفاه الاختياري بإسبانيا بسبب تغريداته عن الديمقراطية ومساوئ حكم العسكر. مضيفا “في حياتي كلها ما شفتش مصر أسوأ من كده”.
[1] غضب في الوسط الفني المصري بعد فرض رسوم على التصوير الخارجي/ العربي الجديد ــ 25 اغسطس 2021//أزمة رسوم التصوير: «القاهرة» تتراجع إلى ضوابط «غير معلنة».. وسينمائيون: «تراجع ذليل» عن قرار «قاتل للصناعة»/ مدى مصر ــ 25 أغسطس 2021مـ// محافظة القاهرة تغيّر صيغة قرارها بفرض رسوم على التصوير الخارجي/ العربي الجديد ــ 26 اغسطس 2021
[2] السيسي يحدد بمداخلة تلفزيونية نوعية الأعمال الدرامية التي يدعمها/العربي الجديد ــ 23 اغسطس 2021
[3] السيسي يوسع حملة التضييق لتشمل خصما جديدا .. المسلسلات التلفزيونية/ رويترز 12 ديسمبر 2019
[4] مخاوف من تراجع سوق المسلسلات الرمضانية في مصر..تسويق الأعمال الدرامية أبرز الصعوبات/”الشرق الأوسط” الجمعة 02 نوفمبر 2018
[5] صفاء عصام الدين/«الأعلى للإعلام» يضع معايير لدراما رمضان.. وغرامات على الألفاظ الفاحشة/ بوابة الشروق الإثنين 7 مايو 2018
[6] محظيون ومغضوب عليهم| سوق الدراما في زمن «المتحدة» .. بعد احتكار الإنتاج الدرامي.. الممثلون إما عاطلون أو هاربون أو أبناء للشركة / مدى مصر ــ 30 مارس 2021