اليمن بين واقع مأزوم وآمال مجهولة الملامح 1

لقد أصبحت المأساة اليمنية واحدة من أقوى الكوارث الإنسانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، نتيجة حجم الدمار الذي تعرضت له البلاد، نتيجة انهيار البنية التحتية بصورة شبه كاملة، وهو ما أدى لشلل الحياة الاقتصادية والصحية، ما ساهم في انتشار المجاعات في محافظات ومدن اليمن بطولها وعرضها، وانتشار البطالة وتفكك النظام الاجتماعي نتيجة دخول حرب الكل ضد الكل، التي هي أسوء أنواع الحروب الأهلية، والتي لا يمكن معها تصور حدوث سلام أهلي على المدى القريب، ناهيك عن تخيل حدوث تنمية ونهضة حضارية.

وقد ساهم تحول اليمن لبؤرة، الحرب بالوكالة بين اثنين من أكبر أقطاب الاقليم وهما السعودية وإيران، ثم وجود اختلافات بينية في محور من المحورين وهو المحور السعودي الإماراتي، مما أدى إلى مزيد من التعقيد في المشهد من جهة أخرى.

وبالنزول للوضع الاجتماعي والميداني فحدث ولا حرج، فقد أزّمت الطبيعة القبلية للدولة من المشهد، وتحول شيوخ القبائل لأمراء حرب والأهالي لمتحاربين، وبالتالي كان طبيعي أن يحدث احتراب بين القبائل الحوثية وقبائل الشرعية، واحتراب أخر بين قبائل الجنوب وقبائل الشمال، واحتراب ثالث بين قبائل جنوبية شيعية وجنوبية سنية، ورابع بين قبائل شمالية سنية وشمالية شيعية، وخامس بين قبائل تابعة للإمارات وأخرى تنتمي للسعودية، وغيرها الكثير من الاختلافات التي أتاح الوضع الكارثي في انفجارها.

ونظرًا لحجم التعقد في المشهد، فتعد هذه الورقة بداية لسلسة استراتيجية ستحاول التطرق للمشهد اليمني من زوايا متنوعة، حيث سنحاول الربط بين الأبعاد الاقتصادية ونتائجها الاجتماعية، ومصير السياسة في ظل هيمنة منطق الحرب، ومساحة المفاوضات فوق فوهة البندقية، بهدف العمل على الوصول لنتائج قريبة من الواقع، تساعدنا في الوصول لنتائج دقيقة للمستقبل.

الورقة الأولى: الإمارات تعبث بمستقبل اليمنيين فوضى في المعسكر الإماراتي:

على الرغم مما تحاول أن تقدمه الإمارات عن قدرتها على تقديم نفسها كحل للأزمة اليمنية، وطرف قادر بما يملك من أوراق على أرض الواقع تمكنها من تثبيت الاستقرار والسلام الأهلي بين اليمنين، إلا أن هناك بعض النقاط التي يجب أن نشيرها إليها في علاقات العناصر التابعة للإمارات في المشهد اليمني، فعكس ما تصدره ابوظبي عن فصائلها، بأنهم على قلب رجل واحد وقادرين على فرض الاستقرار في المناطق الانفصالية الجنوبية، يبدو أن الواقع ليس كذلك، فقد وقعت عدد من الاشتباكات المسلحة بين تلك الفصائل وبعضها البعض، كما أفادت مصادر وسكان محليون بأن اشتباكات عنيفة اندلعت بين فصيلين تابعين للمجلس الانتقالي في مديرية الشيخ عثمان، التي تشكل أكبر كثافة سكانية في مدينة عدن. وقالت المصادر إن الاشتباكات اندلعت بعد قيام قوات ما يسمى “الحزام الأمني” باعتقال عدد من عناصر تابعين لقوات “الدعم والإسناد” في مديرية الشيخ عثمان شمال عدن، بتهمة المتاجرة بالسلاح.

وتطورت الاشتباكات، إلى ما يشبه حرب شوارع، بعد دفع قوات الدعم والإسناد بتعزيزات إلى محيط مقر قيادة القطاع الثامن التابع للحزام الأمني، مسفرة عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين. فيما نقل موقع صحيفة “عدن الغد”، التي تبث من عدن، عن مصدر أمني قوله إن الاشتباكات المسلحة اندلعت عقب قيام قوة من الحزام الأمني بالقبض على ثلاثة مسلحين بتهمة المتاجرة بالسلاح. وأضاف أن قوة أخرى هاجمت في المقابل مقر الحزام الأمني في الشيخ عثمان، بهدف تحرير العناصر المقبوض عليهم. كما تسببت المواجهات بين الفصيلين في احتراق مركبات عسكرية ومدنية ومحلات تجارية، وأضرار في منازل المواطنين، بحسب مصادر وسكان محليين، بعدما اشتدت ضراوة القتال بينهما واتسعت دائرته، في مديرية الشيخ عثمان، كبرى مديريات العاصمة المؤقتة عدن.

كما اندلعت اشتباكات مسلحة، بين قوات أمنية من قوات الحزام الأمني ومجاميع مسلحة في محافظة تعز، جنوب غرب اليمن، وشهدت منطقة عمد في تعز اشتباكات بين مجموعتين عسكريتين، يقود الأولى ماجد الأعرج، أحد ضباط اللواء 170 دفاع جوي، والأخرى عصام الحرق، نائب قائد شرطة بير باشا، بسبب خلاف على قطعة أرض، انتهت بمقتل الأعرج والحرق، وآخرين. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قام مسلحون تابعون للأعرج بمحاصرة منزل “الحرق”، وإحراقه، قبل أن يقوموا باختطاف أحد أبناء الأسرة المصاب وتصفيته، وهو ما حول الحدث إلى قضية رأي عام على منصات التواصل الاجتماعي، وتعاني مدينة تعز من ظاهرة الفوضى الأمنية، التي تطل برأسها بين الفينة والأخرى، وسط اتهامات لسلطات المدينة بالعجز عن كبح جماحها.

عدن تحت احتلال الانتقالي:

اليمن بين واقع مأزوم وآمال مجهولة الملامح 1

لطالما كانت عدن بمثابة عاصمة مركزية وحاضنة اجتماعية كبرى لجهود حزب التجمع اليمني للإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين، ولذلك كانت أبرز اهداف المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني التابع للإمارات السيطرة على عدن وتصفية الوجود الإسلامي فيها، وكانت أخر إجراءات هذا الأمر، قيام المجلس الانتقالي الجنوبي باغلاق مقر جمعية الإصلاح الخيرية، بمديرية دار سعد في محافظة عدن، جنوب اليمن. وجاء في تغريدة للمكتب الإعلامي لمأمور مديرية دار سعد بالعاصمة عدن، أن مدير المديرية أحمد عقيل باراس أصدر قرارا، بمنع جمعية الإصلاح الخيرية من ممارسة أي نشاط بالمديرية. وقضى القرار بعدم التعامل مع الجمعية وإغلاق مقرها ومنع دخولها أي مرفق حكومي وإخراجها من المديرية. واقتضى القرار منع كافة الجمعيات والمنظمات والمبادرات المرتبطة والمتعاونة مع الجمعية المذكورة. واتهم القرار الجمعية بالقيام بأنشطة مشبوهة، دون الحديث عن أي نفاصيل. وتأتي السيطرة والقرارات المنافية للقانون هذه في وقت تطالب فيه الحكومة الشرعية من المجلس الانتقالي السماح لها بالعودة للعمل من محافظة عدن، وفقًا لمبادرة وقف اطلاق النار التي تمت منذ اسابيع، تنفيذا لاتفاق الرياض.

واتهمت الحكومة اليمنية، المجلس الانتقالي الجنوبي، بإعاقة عودة وزرائها إلى العاصمة المؤقتة، عدن، جنوب البلاد، والتصعيد على الأصعدة كافة، وآخرها اقتحام مقر شركة النفط الحكومية. وأكد فريق الحكومة أنه ملتزم بالتفاهمات التي تم الاتفاق بشأنها مع فريق المجلس الانتقالي برعاية السعودية، والمتضمنة وقف كافة أشكال التصعيد العسكري والأمني والسياسي والإعلامي والمتطلبات الأساسية لعودة الحكومة إلى العاصمة المؤقتة عدن لممارسة مهامها بحرية واستقلالية. وقال: إن عودة الحكومة إلى عدن، ضرورة ملحة تتطلب العمل بسرعة لتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق ذلك. وأعرب الفريق الحكومي لتنفيذ اتفاق الرياض عن أسفه من تراجع الانتقالي عن ما تم الاتفاق عليه بشأن إيقاف إجراءات التصعيد، وتأمين الحكومة، ومقراتها.

وبحسب البيان، فإن عدم التزام المجلس الانتقالي بما تم الاتفاق عليه، كان له أثر مباشر في تأخير عودة الحكومة للنهوض بمهامها في تقديم الخدمات لأبناء شعبنا وفي التعاطي مع التحديات الاقتصادية التي أصبحت ماثلة أمامنا جميعا. وأكد استمرار تصعيد المجلس الانتقالي، لا سيما التدخل المباشر لقيادته في عمل مؤسسات الدولة، وإصدار القرارات المخالفة للقانون وإصدار التوجيهات المباشرة لقيادات الدولة في العاصمة المؤقتة عدن والاستمرار في تعطيل مؤسسات الدولة وفرض سلطة الأمر الواقع والتحشيد العسكري واختلاق الأسباب لعمل مظاهرات في شبوة جنوب شرق البلاد وتوتير الأجواء في أبين شرقي عدن، مع استمرار حملة اعلامية مكثفة ضد الدولة والحكومة واتهامها باتهامات باطلة وهم جزء وشريك أساسي في هذه الحكومة.

بالإضافة إلى ممارسات استغلال الوظيفة العامة والشراكة في الحكومة لإصدار قرارات مخالفة للقانون، مؤكدا أن ما قام به محافظ عدن الموالي للانتقالي، من إصدار قرارات ليست من اختصاصه والسماح باقتحام مكتب فرع شركة النفط في العاصمة المؤقتة عدن، واحد من تلك الممارسات. وفي الشرق لا يقل الوضع مأسوية، فقد تعهد المجلس الانتقالي اليمني المدعوم من دولة الإمارات، بمنع الحكومة اليمنية ومجلس النواب من عقد أي اجتماعات لهما في محافظة حضرموت، شرق البلاد. جاء ذلك في تغريدة لرئيس الجمعية الوطنية بالمجلس الانتقالي الجنوبي، أحمد بن بريك، عبر حسابه بتويتر.

وقال ابن بريك: “نزلزل الوادي وسيئون ثاني كبرى مدن حضرموت تحت أقدام من وصفهم “الأقزام” ممن باعوا مأرب، ويريدون أن يشرعنوا أنفسهم في أرض الجنوب. وأضاف في تغريدة ثانية: اذهبوا للجحيم أنتم وشرعيتكم، مؤكدا : “لا لعقد أي اجتماعات لمجلس النواب أو الحكومة في مدينة سيئون. وختم قائلا: “النصر للجنوب وللمجلس الانتقالي. وتأتي هذه التهديدات من قبل قيادات المجلس الانتقالي المدعوم من أبوظبي، بعد إعلان الحكومة اليمنية عن إعاقة عودتها إلى العاصمة المؤقتة عدن، جنوبا، الذي يسيطر عليها، واتهمته بالتنصل من التزامات باستكمال تنفيذ اتفاق الرياض.

وقد قوبل التصعيد من حلفاء أبوظبي ضد السلطات اليمنية الشرعية، بتحذيرات من واشنطن وباريس ولندن، مؤكدة دعمها لاتفاق الرياض ووحدة وسلامة الأراضي اليمنية. وقالت القائمة بأعمال السفير الأمريكي لدى اليمن كاثي ويستلي، إن الخطاب التصعيدي والإجراءات في محافظات اليمن الجنوبية يجب أن تتوقف. نحث الأطراف على العودة إلى الحوار الذي يركز على تنفيذ اتفاق الرياض ووضع مصلحة الشعب اليمني في المقام الأول. وبعد ساعات من التحذير الأمريكي، قال السفير الفرنسي لدى اليمن، جان ماري في تصريحات، إن بلاده قلقة من التطورات الأخيرة في جنوب اليمن. وأكد السفير الفرنسي وجوب وقف التصعيد في القرارات الاستفزازية والخطابات من كل الأطراف.

فيما طالب سفير بريطانيا لدى اليمن مايكل آرون، المجلس الانتقالي، بإنهاء الإجراءات التصعيدية الأخيرة في المحافظات الجنوبية، ووصفها بالاستفزازية. تقزيم الجيش اليمني والمقاومة الشعبية: ترغب الإمارات في اضعاف كافة القوى التي يمكن أن تنافس المجلس الانتقالي في ادارة الجنوب في اليمن، لذلك تعمل بكل جهدها على تقزيم قوة الجيش اليمني، والعمل على ترسيخ التفكك بين القبائل اليمنية. فقد اندلعت معارك بين قوة من الحزام الأمني التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي، ومقاتلين قبليين في مديرية دار سعد، شمالي عدن. ويسود التوتر الموقف في المديرية، بين مقاتلين من قبائل الصبيحة وهي أكبر وأقوى القبائل في لحج جنوبا، وقوات الحزام الأمني عقب منع الأخيرة من مداهمة منازل عسكريين وأفراد بالمقاومة الشعبية موالين للحكومة المعترف بها في مديرية دار سعد، وهو ما أدى إلى اندلاع مواجهات بين الطرفين. وأسفرت الاشتباكات التي اندلعت، في دار سعد بعدن، عن مقتل أحد أفراد قوات الحزام وإصابة 6 آخرين.

ومنذ أشهر، تشن قوات الحزام الانفصالية حملة مداهمات واختطافات لعسكريين في لواء النقل التابع للجيش اليمني وقيادات في المقاومة التي تقاتل الحوثيين في جبهات الساحل الغربي في محافظتي تعز والحديدة الساحليتين غربي اليمن. وتؤكد الأنباء القادمة من قلب اليمن أن الحزام الأمني التابع للمجلس الانتقالي، كثفت منذ أسابيع حملات المداهمة والاعتقالات لمنازل وجنود وضباط في لواء النقل ومقاومة الساحل. فقد وصل عدد المختطفين من العسكريين وعناصر المقاومة لدى الحزام التابع للانتقالي نحو 30 مختطفا، مؤكدا أن من هرب من الضباط ومقاتلي المقاومة يتم اعتقال أحد أقاربه، وآخرهم اعتقال مستشار وزير التربية والتعليم، بدلا عن شقيقه الذي فر من الاختطاف، بعد اقتحام منزله في المديرية ذاتها. ك

ما كشف قائد لواء النقل، أحد ألوية الحرس الرئاسي، العميد أمجد خالد، عن إحراق منزله في مديرية دار سعد، شمالي عدن، من قبل مليشيات الحزام الأمني بقيادة مصلح الذرحاني، قائد شرطة المديرية. كما تم إحراق منزل أحد الجنود الحكوميين، بعد أن اعتدت القوة الانفصالية على النساء والأطفال في مديرية المنصورة بالعاصمة المؤقتة عدن، التي تعيش فوضى أمنية وحملات قمع وتنكيل للموالين للحكومة الشرعية. ولذلك تعيش العاصمة اليمنية المؤقتة، عدن، انقساما شعبيا حادا، وموجة غضب واسعة، بعدما تحولت إلى ساحة مفتوحة للفوضى والعبث، تنتشر فيها المليشيات المسلحة، ويغيب عنها أي مظهر من مظاهر الدولة.

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022