بعد اعتقال أسرى “جلبوع”.. هل فشلت عملية “نفق الحرية”؟؟

 

منذ الإعلان عن عملية “نفق الحرية” التي نفذها ستة من الأسرى الفلسطينيين المعتقلين في سجن “جلبوع” الصهيوني، وحققت المقاومة الفلسطينية انتصار نوعيا يضاف لسجلها المقاوم، على الكيان المحتل، وفي عقر مقاره الأمنية المحصنة.

مثلت العملية تطورا نوعيا للعمل المقاوم، الذي يراهن على الأمل والعمل لأبعد حدود لتقويض الكيان الغاصب. وهي عملية لا تقل في آثارها السياسية عن انتصار المقاومة الفلسطينية في ملحمة ” سيف القدس” في مايو الماضي، على اسرائيل، بصواريخها المتنوعة التي هددت تل أبيب.

ماذا جرى؟

في 6 سبتمبر الماضي تمكن الأسرى الستة محمود عارضة ويعقوب قادري ومحمد عارضة وأيهم كممجي ومناضل نفيعات (وهم من حركة الجهاد الإسلامي) ومعهم زكريا الزبيدي (من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح)، وهم من سكان محافظة جنين شمالي الضفة، من الفرار من سجن جلبوع الإسرائيلي شديد الحراسة في منطقة بيسان عبر نفق حفروه، في عملية باتت تعرف بـ “نفق الحرية”.

وقد أعيد اعتقال 4 منهم قرب الناصرة يومي الجمعة والسبت الماضيين “9 و10 سبتمبر الجاري”، فيما اعتقلت قوات الاحتلال مناضل نفيعات وأيهم كممجي بعد ذلك.

وعقب اعتقال الأسرى الخارجين من “نفق الحرية”، تعهّدت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، بتحرير الأسرى الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم في أي صفقة تبادل مقبلة، مشددة على أن “أي صفقة تبادل أسرى لن تتم إلا بتحرير أبطال نفق الحرية”.

تفاصيل الخروج والعودة

وبحسب بيان هيئة شؤون الأسرى والمحررين التي تمكن محاميها رسلان محاجنة من لقاء محمود عارضة الذي يوصف بأنه مهندس العملية، فقد بدأ مع رفاقه في حفر النفق في ديسمبر من العام الماضي. وذكر محمود عارضة (46 عاما) المعتقل منذ عام 1996 والمحكوم عليه بالسجن المؤبد “كان لدينا خلال عملية الهرب راديو صغير وكنا نتابع ما يحصل في الخارج”.

“كنا الأسرى الستة مع بعضنا حتى وصلنا إلى قرية الناعورة (داخل الخط الأخضر) ودخلنا المسجد، ومن هناك تفرقنا كل اثنين… حاولنا الدخول لمناطق الضفة ولكن كانت هناك تعزيزات وتشديدات أمنية كبيرة”. وأضاف “تم اعتقالنا (هو ورفيقه يعقوب قادري) مصادفة ولم يبلغ عنا أي شخص من الناصرة، حيث مرت دورية شرطة وعندما رأتنا توقفت وتم الاعتقال”.

واعتمد لفارين من جلبوع على طعام المزارع الفلسطينية المحتلة، من ثمار الصبر والتين، دون أن يشربوا مياها طوال فترة حريتهم.

وتزعم السلطات الإسرائيلية أن القبض على الأسرى الأربعة جاء بعد إبلاغ أشخاص عن أماكنهم، وهي رواية تريد نشر الشكوك والريبة بين الفلسطينيين. وقد اعتمدت اسرائيل بشكل أساسي على وحدة “قصّاصي الأثر” التي لاحقت أسرى نفق سجن “جلبوع”، ويبلغ عدد قصاصي الأثر في الجيش الإسرائيلي 60 شخصا، وهم من المتخصصين في علوم الجيولوجيا والمياه والنباتات، ومنهم أدلة سياحيون. وقد وصلت تكلفة البحث عن الأسرى المفقودين إلى 6 ملايين دولار يوميا، وهي الأعلى بتاريخ إسرائيل.

وضمن روايات المحامين الذين التقوا الأسرى، فقد تعرضوا للضرب والتعذيب ولم يسمح لهم منذ الاعتقال بالنوم سوى 10 ساعات.. وأن الاحتلال يحتجزهم حاليا داخل زنزانة ضيقة تخضع لمراقبة مشددة. ورغم التضييق الصهيوني، إلا أن الأسرى يتمتعون بمعنويات عالية، وأنهم على قناعة بأنهم سينتزعون حريتهم مستقبلا من السجون الإسرائيلية.

دلالات عملية “نفق الحرية”

وحملت عملية خروج الأسرى الستة العديد من الدلالات، يمكن رصدها..

-انجاز معتبر للعمل المقاوم

ووفق تحليل لقناة “اسرائيل12″، قال مصدر أمني إسرائيلي رفيع “إن هذه كانت سلسلة من الإخفاقات الخطيرة جدا، وإنه لم يكن ممكنا في زنزانة السجن حيث كان ممنوعا الاحتفاظ بملعقة صغيرة”.، متسائلا: “كيف حفروا تحت أنوف الحراس، وأين ذهبوا برمل الحفريات، وكيف أجروا مكالمات خلوية من السجن؟”.

ورأى أن حفر نفق بهذا الطول وبهذه الجودة، عملية طويلة تتطلب قدرا كبيرا من التنظيم، ومما يبرز الانجاز الفلسطيني، أن العملية جاءت في عيد رأس السنة اليهودية، وتم التخطيط للهروب بالرغم من الإغلاق المفروض في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة خلال العطلة. وكان رد الحكومة الإسرائيلية ومصلحة السجون الإسرائيلية مفاجئا ومهينا لإسرائيل وقبضتها الأمنية. وسرعان ما أصبح هذا الهروب من السجن حدثا رمزيا، ربما أعطى الأمل في أن يتمكن جميع الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي من إيجاد طريقة للتحرر.

-اعادة الاعتبار لقضية الأسرى

تهدف إستراتيجية الاعتقال في العقيدة الأمنية الإسرائيلية إلى تحطيم الإنسان الفلسطيني وكسره، عبر سياسة كي الوعي، والتي تتمثل بتغيير الثقافة الوطنية، وإنتاج ثقافة جديدة تعتبر المقاومة ضد الاحتلال مشروعا مكلفا وغير مجدٍ، ويعود بالخسائر الكبرى على الشعب الفلسطيني، وليس على دولة الاحتلال، وما على الشعب الفلسطيني إلا القبول والتسليم بقرار إسرائيل، وأنه لا توجد أية إمكانية لهزيمة إسرائيل، لا بل إن من يفكر بمواجهتها سيتحطم وسيدفع ثمنا كبيرا، وسيشعر بالندم على ذلك، إلا أن نجاح المعتقلين بكسر القيود واختراق المنظومة الأمنية المعقدة يؤكّد أن إرادة السجين الفلسطيني التي تمثل الإرادة الوطنية الفلسطينية نجحت في كسر إجراءات السجن والسجان ومنظومته الأمنية، وضرب هيبة التفوق الإسرائيلي وروايته.

وسيشكّل هذا الإنجاز الكبير الذي جعل الفلسطيني يشعر بالفخر والاعتزاز رسالة أن احتمالية كسر الاحتلال وقهره ممكنة جدا، في حال توفّرت الإرادة الصلبة. ويعاني الأسرى الفلسطينيون من انتهاكات عديدة داخل السجون الإسرائيلية، ويتعين عليهم دفع ثمن الطعام ومنتجات النظافة من جيوبهم. وبالرغم من قيام السلطة الفلسطينية بتحويل مدفوعات إلى حسابات مقصف السجناء للمساعدة في إبقائهم على قيد الحياة، فقد هاجم سياسيون إسرائيليون يمينيون هذا الأمر، وفي عام 2018 أقر الكنيست قانونا لخصم هذه المدفوعات من أموال الضرائب التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية.

ووفقا للحكومة الإسرائيلية، منذ احتلال عام 1967 وحتى عام 2008، زادت ميزانية الشرطة الإسرائيلية ووزارة السجون بنسبة 18.8% سنويا، أي أكثر من أي وزارة أخرى. ولا تهدف الأموال إلى ضمان مستوى معيشة السجناء، بل يتم استثمارها في الأمن وإبقاء السجون تحت الرقابة الصارمة، لكن عملية الهروب الأخيرة حطمت الرواية الأسطورية عن الأمن الإسرائيلي.

ويعاني الأسرى من ساعات طويلة من التحقيق الأنى والحبس في زنازين ضيقة، دفعتهم للدخول في اضرابات عديدة. وتمثل العملية أحد الأدوار المقاومة للأسرى الفلسطينيين، مؤكدة على أن جميع من على أرض فلسطين مشاريع مقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي.

-التخطيط الدقيق وتنوع قدرات المقاومة وابداعاتها

ويبدو أن الهروب تم التخطيط له بعناية من داخل السجن وخارجه، من خلال استخدام هاتف مهرب. وبحسب ما ورد، كان حراس السجون الإسرائيلية مترددين في البحث عن الهواتف المهربة ومصادرتها، واختاروا بدلا من ذلك حلا تقنيا؛ حيث تم تركيب أجهزة للتشويش على الشبكة لتعطيل الاتصالات الخلوية.

وأدت الاحتجاجات المستمرة من قبل سجناء حماس إلى إجبار مصلحة السجون على إيقاف تشغيل هذه الأجهزة، لكن مجرد وجودها سمح لسلطات السجن بالشعور بالراحة، ما جعل من الممكن للسجناء التخطيط للهروب. وذلك وفق، “شير هيفر – ميدل إيست آي ” ومثلت العملية نصرا جديدا للشعب الفلسطيني، على مرمى 4 شهور من انتصار آخر مثّلته “انتفاضة القدس”، ومعركة “سيف القدس”، وما شهدته تلك المرحلة من تحولات عامة تمثّلت في استعادة القضية الفلسطينية لألقها ولتفاعل أحرار العالم معها، مقابل المأزق الذي عاشه ويعيشه الكيان الصهيوني على كل صعيد.

-الاحتلال لا يمكن أن يسجن روح فلسطين

لقد جاءت العملية لتمنح خيار المقاومة ورموزه زخما جديدا، بتأكيد قوته وبأسه من جهة، وبتأكيد انحياز الشارع الفلسطيني العارم إليه من جهة أخرى، فيما كان أصحاب الخيار الآخر؛ أعني “التنسيق الأمني المقدّس” مع العدو، يعيشون مأزقهم الذي أدمنوا عليه، تماما كما أدمنوا العار، ولذلك لم يكن غريبا أن تتزامن العملية مع اتصال صاحب نظرية “تقديس” التعاون الأمني (عباس)، مع رئيس “الكيان” لتهنئته بالسنة العبرية الجديدة، في ذات الوقت الذي كان كرّر فيه أن لا مصالحة مع “حماس”، إلا بعد اعترافها بقرارات ما يُسمى الشرعية الدولية، كأن اعترافه ومن سبقه بها، كان فعلا عظيما، ولم يكن مجرد قفزة حمقاء في الهواء، بدليل أن الأرض التي قالوا إنهم وقّعوا “أوسلو” للحفاظ على ما تبقى منها، صارت برسم الاستيطان والتهويد أكثر من ذي قبل.

وقدّمت العملية مناسبة أيضا لاستعادة تاريخ عمليات اقتحام السجون، وعمليات الهروب من المعتقلات، كما تعيد ذكريات الشهيد يوسف جرادات، الذي كان أحد قادة الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1938، والذي تمكن، رفقة مئتين من جنوده، من اقتحام سجن عتليت البريطاني وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين فيه. وأيضا عملية الهروب الكبير من سجن شطة (القريب من جلبوع) عام 1958، الذي تمرّد فيه السجناء على السجانين، وتمكنوا من أسلحة بعضهم، ومن تهريب عشرات الأسرى إلى الضفة الغربية.

وتلخّص تلك العمليات، قصة الفلسطينيين مع الاحتلالات، ومع الأنظمة العربية، وهو يؤكد، مع قصة الأسرى الفارّين، ركنين مهمين من أركان قضية فلسطين: الأول هو أن الاحتلال لا يستطيع سجن ارواحهم، والثاني هو تلاحم مسار التحرّر الفلسطيني مع قضايا الشعوب العربية الأخرى.، وفق ما ذهبت إليه “القدس العربي”.. ولعل ما يدلل على اتساق روح ومواقف جميع الفلسطينيين، سواء اكانوا مؤدلجين او منتمين لتنظيمات، تلك الحملة التي أطلقها فلسطينيون فور انتشار نبأ فرار السجناء الستة،

وجرت الحملة تحت شعار “إرباكاً للاحتلال، وحماية للأسرى الأبطال”، تضمنت تنظيم مسيرات حاشدة على امتداد مناطق التماس مع العدو لتشتيته عن ملاحقة الأسرى الستة. وشملت الحملة، إزالة الكاميرات التجارية والمنزلية وإتلاف التسجيلات الأخيرة في المناطق القريبة من سجن جلبوع وذلك لمنع قوات الاحتلال من تعقب الأسرى.. كما دعا الحراك لعدم نشر وتبادل أي من صور أو بيانات الأسرى الفارين، سواء عبر منصات التواصل أو حتى بشكل شخصي، منعاً لمنح الاحتلال أية معلومة يمكن تساهم في الوصول إليهم.

– معركة عقول

وهو ما اكده رئيس شعبة التخطيط في مصلحة السجون الإسرائيلية “حيزي ماركوفيتش”، في حوار مع القناة العبرية الـ 12، إن بلاده تتعامل مع أسرى على مستوى عال من التقدم والحداثة، وبأن بلاده تخوض معركة عقول معهم. ووصف “حيزي ماركوفيتش”، المعركة بين السجناء الفلسطينيين والسجانين الإسرائيليين بأنها معركة عقول، كون الأسرى “داهية” أو أصبحوا على درجة عالية من التقدم والحداثة.

وتسبب “نفق الحرية” بصدمة واسعة في المستويات الأمنية والسياسية والإعلامية الإسرائيلية. فيما نزلت العملية بالفرح والانتصار على الفلسطينيين الذين استقبلوه بنوع من “الفخر والابتهاج العجيب” مع الكثير من الحديث عن تشابه تفاصيل ما حصل بقصة فيلم The Shawshank Redemption الشهير، وذلك على عكس الإسرائيليين الذين استقبلوا نبأ هروب الأسرى بنوع من “الخزي والصدمة”.

ولا شكّ أنّ الهروب ُعزز صورة حركة الجهاد الإسلامي التي ينتمي إليها غالبية الأسرى الفارين. كما انضم إلى أعضاء الجهاد الإسلامي في العملية شخصيةٌ تُعتبر أسطورةً قائمة بذاتها وهو زكريا زبيدي، الذي كان أحد قادة كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح في مخيم جنين أثناء الانتفاضة الثانية.

-فشل نظريات اسرائيل الأمنية

وكشفت صحيفة “هآرتس” أن عملية الهروب هذه بطريقتها “الهوليوودية”، كشفت عن حجم الإخفاقات الهائل من مصلحة السجون الإسرائيلية، وأن ما حصل ينطوي أيضاً على العديد من المخاطر الأمنية بالضفة الغربية وقطاع غزة. وتعتبر دوائر سياسية، عملية الهروب من سجن جلبوع باعتبارها الإهانة الثانية لإسرائيل، بعد الإهانة الأولى حين انتشرت صور ومقاطع فيديو واقعة مقتل ضابط حرس الحدود الإسرائيلي باريل شمولي برصاصة من المسافة صفر على حدود قطاع غزة.

وبغض النظر عما ستؤول إليه مطاردة المعتقلين الباقين، ووصول قوات الاحتلال إليهم، لما تملكه هذه من إمكانات تكنولوجية وبشرية وعسكرية كبيرة، إلا أن نجاحهم بالخروج قد شكّل انتصارا وطنيا مهما في معركة الإرادات والأدمغة بين الاحتلال والشعب الفلسطيني، على الرغم من قدرات إسرائيل الضخمة، باعتراف كل الأوساط السياسية والأمنية من رئيس الحكومة الحالي، نفتالي بينت، القادم من أقصى اليمين الأيديولوجي، وحتى آخر إسرائيلي. وقد شكّل نجاح المعتقلين بالخروج، وما تضمنه من تخطيط وتفكير وصبر وجهد، ضربةً وصفعةً لهيبة المنظومة الأمنية الإسرائيلية، والتي تباهت بها إسرائيل كثيرا أمام مجتمعها ودول كثيرة.

وللعملية الأشبه بالمعجزة تداعياتها الأخرى الكبيرة، وخصوصا إذا تبيّن اختراق عناصر أمنية إسرائيلية، خصوصا أن أغلبية مجنّدي مصلحة السجون الإسرائيلية هم من اليهود الشرقيين، ذوي المستوى العلمي والاقتصادي المتدنّي، وأيضا من الدروز والبدو. وما لذلك من إعادة إثارة الشروخ والأزمات الداخلية في التركيبة الإسرائيلية، ثم التداعيات الخارجية، السياسية والأمنية، في حال تبيّن مساعدة قوى من خارج السجن، وما قد يفتح احتمالات تفجّر الأمور، لتعود القضية الوطنية الفلسطينية برمتها من بوابة الاعتقال والمعتقلين، بعد أن تصرّفت حكومات إسرائيل، في السنوات القليلة الماضية، كأن القضية الفلسطينية قد انتهت، لتُفاجأ دولة الاحتلال بنفق سجن جلبوع الذي سيُدخلها، ومعها كل إمكاناتها العسكرية والأمنية والتكنولوجية، في نفق أعمق وأطول من نفق جلبوع الذي قد يكلّفها الخروج منه وقتا وثمنا باهظين.

تأثيرات أبعد في العمق الاسرائيلي

ولعل القادم وبعد انتهاء عملية نفق الحرية جزئيا، سيكون أشد تأثيرا في العمق الإسرائيلي، ووفق الخبير الاستراتيجي عادل شديد، بمقاله “عن معجزة سجن جلبوع” بالعربي الجديد”: فإنه “قد تكون المرة الأولى، منذ سنوات، التي يلتفّ حولها الشعب الفلسطيني، من مجتمع وفصائل وسلطة، على اعتبار عملية عبور ستة أسرى  من سجن جلبوع عملا وطنيا بطوليا دفع الكل الفلسطيني إلى أن يفتخر ويعتز بما فعله هؤلاء الأسرى الذين فضّلوا الشموخ على الرضوخ، والذي يكشف التحام إرادة فولاذية وعقولٍ عبقريةٍ فذّة وصبر لا يوصف، عندما اخترقوا منظومة الأمن والحراسة الخاصة بسجن جلبوع، والتي تعتبر الأكثر صرامة، بدءا من قواعد وجدران إسمنتية مسلّحة مرورا بأسلاك شائكة ومجسّات وحسّاسات إلكترونية وكاميرات تصوير وأبراج مراقبة، وليس انتهاء بدوريات عسكرية وكلاب بوليسية.

وتم اختراقها عبر حفر نفق يبدأ من تحت مغسلةٍ في حمام الزنزانة التي يوجد فيها الأسرى الستة، ويمر من تحت السجن بطول عشرات الأمتار، لينتهي خارج السجن، مستخدمين وسائل بسيطة جدا في حفر النفق، سواء أيديهم وأظافرهم وأدوات الطعام والكتابة، والتي كشفت ثغرات الاحتلال وضعفه، وأنه ليس كما يصوّر ذاته، أو كما يحاول بعض المهزومين إظهاره القوي الحصين، حتى وصف مسؤولون إسرائيليون سجن جلبوع بالخزنة الحديدية المحصنة، ليتحوّل فجر الاثنين، 06/09/2021، إلى يوم تاريخي سيبقى محفورا في الذاكرة والوعي الفلسطينيين، ولن ينتهي بانتهاء معركة مطاردتهم الحالية، اعتقالا أو استشهادا، لأن ما حدث من بطولة يشبه المعجزة.

خمسة ممن خرجوا من السجن هم من قادة الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، أمير الحركة في السجن، محمود العارضة، محمد العارضة، يعقوب القادري، أيهم كممجي، مناضل انفيعات، وبعضهم معتقلون منذ أكثر من عشرين عاما، ومحكومون بالسجن مدى الحياة، لتنفيذهم عمليات مقاومة ضد الاحتلال، أدت إلى مقتل جنود إسرائيليين. وكان بعضهم قد حاول الهروب مرّات في السنوات السابقة ولم ينجحوا. لكن إرادتهم لم تتراجع، وبقوا مصمّمين على كسر القيود والحواجز، إلى أن نجحوا، هذه المرّة، بعد أن انضم إليهم قائد كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح في منطقة جنين، زكريا الزبيدي”.

هل فشلت “نفق الحرية”؟

وأمام المشهد الحالي، عقب اعتقال أربعة من الأسرى الفارين عبر نفق الحرية، قد يتصور البعض أو تروج الآلة الاعلامية الصهيونية أن العملية قد فشلت.. وهو أمر مخالف لأية قواعد في العمل السياسي أو النضالي، سواء العسكري أو السياسي إذ تذهب التقديرات الاستراتيجية، إلى أن العمل النضالي تراكمي لا يُقاس باليوم ولا بالقطعة وإنما يُقاس بنتائجه الكلية ومساره العام.

فرغم أن إعادة الاعتقال متوقعة ونتيجة مرجحة للهروب إلا أن هذا لا ينفي مطلقاً أن يكون هذا الهروب هو نتيجة عملية أسطورية محكمة، حيث نجح الأسرى الستة عبر عملية “نفق الحرية” في أن يضعوا قضية الأسرى على رأس أولويات فصائل المقاومة. كما تنضاف عملية “نفق الحرية” لعمليات نضال يومي متراكمة يقوم بها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال وهي عملية نجحت في تحقيق أهدافها بامتياز. بل إن عملية نفق الحرية أعادت الأسرى لصدارة قضية فلسطين كما أن “هبة رمضان” قبل شهور وحدت الفلسطينيين وأعادت القدس على رأس أولويات فصائل المقاومة.

وبحسب الباحث الفلسطيني محمد عايش، بالقدس العربي، “هل فشلت عملية نفق الحرية؟”، فإعادة الاعتقال أو الموت هما النتيجة الأغلب للهروب من سجون الاحتلال، وهذا ما حدث في كل المرات السابقة، والسبب في ذلك أنهم يخرجون للاختباء في أراضٍ محتلة تخضع لسيطرة كاملة من قبل قوات الاحتلال. فضلاً عن أن الاحتلال يمتلك أيضاً أحدث وسائل التكنولوجيا في العالم، مثل القدرة على رصد المكالمات الهاتفية واستخدام الكاميرات مع وجود تقنيات، مثل التعرف على الوجه وبصمة العين وغير ذلك، ما يعني في نهاية المطاف أن الوصول لهم ليس سوى مسألة وقت ولا يحتاج مطلقا إلى أي وشايات أو عمليات استخبارية عالية الدقة.

ولم تكن عملية التحرر من قيود سجن جلبوع الإسرائيلي الأولى من نوعها، بل هي السادسة منذ الاعلان عن قيام الكيان الصخيوني في عام 1948، أما أبرز عمليات التحرر من قيود الاحتلال فكانت عملية «الهروب الكبير» التي تمكن بفضلها ستة أسرى من الخروج من سجن غزة المركزي في شهر مايو 1987، وكانوا ينتمون أيضاً لحركة الجهاد الإسلامي.

لكن المهم في كل هذه العمليات أنها تنتهي دوماً إما بإعادة اعتقال الأسرى أو باستشهادهم، وهذه نتيجة طبيعية لشعب يعيش بالكامل تحت الاحتلال وفي سجن إسرائيلي كبير، ما يعني أن الأسير يخرج من زنزانته الصغيرة إلى سجنه الأكبر، وهو ما يجعل الاحتلال يتمكن منه لاحقاً. وعلى الرغم من أن الأسرى الستة يدركون أن عمليتهم ستنتهي إلى إعادة الاعتقال أو الموت، ومع ذلك فإنهم يواصلون حفر «نفق الحرية» والحقيقة أن السبب وراء ذلك هو أن محاولات التحرر هي جزء من النضال اليومي للحركة الأسيرة، مثل عمليات الإضراب عن الطعام والاحتجاجات، وغير ذلك من نضالات الحركة الأسيرة.

المهم في عملية «نفق الحرية» أنها تُضاف إلى عمليات النضال اليومي المتراكمة التي يقوم بها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، وهي عملية نجحت في تحقيق أهدافها بامتياز، حيث أعادت تذكير العالم بقضية الأسرى في السجون الاسرائيلية وهم 4850 أسيراً فلسطينياً، من بينهم 43 سيدة و225 طفلاً.

كما نجح الأسرى الستة عبر عمليتهم «نفق الحرية» في أن يضعوا قضية الأسرى على رأس أولويات فصائل المقاومة، وهو ما دفع الناطق العسكري باسم حماس «أبو عبيدة» إلى الخروج في كلمة أعادت إلى الأذهان ذكرى الحرب الأخيرة، بتأكيده تحرير الأسرى المعتقلين مجددا ضمن أول صفقة تبادل أسرى قادمة مع الاحتلال.

ويبقى أن «نفق الحرية» أعاد الأسرى إلى صدارة القضية الفلسطينية، كما أن «هبة رمضان» قبل عدة شهور وحدت الفلسطينيين وأعادت وضع القدس على رأس أولويات فصائل المقاومة، وهذه إنجازات مهمة في مسار القضية الفلسطينية.

خاتمة

تمثل العملية النوعية ابداعا فلسطينيا، يضاهي المنظومات التسليحية التي يعلن عنها من قبل حركات المقاومة الفلسطينية يوما بعد الآخر، رغم الحصار والتجويع المفروض على قطاع غزة. وتبقى الأيام المقبلة حبلى بمزيد من صور المقاومة التي لن تتوقف حتى تحرير الإرادة والأرض الفلسطينية.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022