مستقبل التعامل مع إيران في ظل المهادنة الأمريكية- الكورية

 مستقبل التعامل مع إيران في ظل المهادنة الأمريكية- الكورية

 

أعلنت كوريا الشمالية إيقافها للتجارب النووية وإطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وأنه سيتم إغلاق موقعا للتجارب النووية في شمال البلاد إثباتا لذلك، كتعبير عن رغبتها في معالجة علاقتها بكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، خاصة مع قرب انعقاد كل من قمة الكوريتين، وقمتها مع الولايات المتحدة، وحاز هذا الإعلان على إشادات دولية واسعة، باعتباره تقدما في مسألة نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية.

بالرغم من هذه الإشادات والتوقعات الإيجابية، تعددت وجهات النظر حول هذا الإعلان، فهناك من يرى صدق الإعلان وأن ما يستهدفه هو إعادة بناء الاقتصاد والمحافظة على بقاء النظام السياسي. وهناك من حذر من أن بيونج يانج تراوغ من أجل الحصول على ثقة الولايات المتحدة قبل القمة، خاصة وأن الموقع الذي تم الإعلان عن إغلاقه أصبح غير صالح للاستخدام، لذا فهي تسعى لتخفيف العقوبات الدولية عليها، وقالت صحيفة وول ستريت جورنال أن تعهد كوريا الشمالية بإغلاق مواقع التجارب النووية وتعليق الاختبارات الصاروخية لا يعني تخليها عن الترسانة النووية، أو إيقاف إنتاج الصواريخ، فما يريده "كيم جونج أون" هو الظهور في صورة الطرف الإيجابي، حتى يقع اللوم على الولايات المتحدة إذا لم تحقق قمتهما نجاحا كبيرا.[1]

أما عن مدى تأثير مجريات هذه القمة المرتقبة على الوضع في الشرق الأوسط، وخاصة على الملف النووي الإيراني والاتفاق الذي يزمع ترامب الانسحاب منه، فيعد مصير جهود الحل الدبلوماسي للمشكلة النووية في شبه الجزيرة الكورية، مرتبطا بنجاح خطة العمل المشتركة مع إيران. إذ لن يساهم فشل الاتفاق النووي مع إيران بدون سبب قوي، في إقناع كوريا الشمالية بتنفيذ الاتفاقات المحتملة.[2]

وتحاول إيران الاستفادة من حالة الهدوء الحاصلة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، فتعمل على تصعيد الموقف ضد الولايات المتحدة عبر التصريحات تارة، وإثارة مخاوف الدول الأوروبية من أجل إيقاف ترامب عن التخلي عن الاتفاق النووي تارة أخرى.

ومن أمثلة التصعيد الذي اتبعته إيران مؤخراً، ما قاله وزير خارجيتها "جواد ظريف"، خلال حضوره اجتماع للأمم المتحدة حول السلام المستدام، بأن بلاده على استعداد لإعادة إنتاج وتخصيب اليورانيوم في حالة تخلي الولايات المتحدة عن الاتفاق. هذا يتفق مع تصعيد الرئيس الإيراني "حسن روحاني"، بأن الولايات المتحدة ستندم إذا انسحبت من الاتفاق، وأن طهران سترد في أقل من أسبوع في حالة حدوث ذلك.[3]

ومن ناحية ترامب، ففي لقائه بالرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، حذر طهران من استئناف برنامجها النووي في حالة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وستكون لديهم مشاكل أكثر بكثير من أي وقت مضى، وأكد على وصف الاتفاق بالكارثي، وأكد الرئيس الفرنسي –في تهدئة لترامب- أن هناك هدفا مشتركا لتجنب التصعيد وانتشار النووي في المنطقة، وهناك خطة بديلة لمنع طهران من حيازة القنبلة الذرية.[4]  

وتتداول بعض التقارير أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا تقتربان من التوصل لخطة سيتم تقديمها لترامب من أجل إقناعه بالإبقاء على الاتفاق مع إيران، إذ من المتوقع الخروج بحزمة من الإجراءات التي ستتخذ ضد إيران، من أجل إرضاء ترامب واستمراره في الاتفاق، ولا يعني الأمر أنه سيكون هناك اتفاق جديد مع طهران.

لكن هناك اختلاف في وجهات النظر الأوروبية، فترى ألمانيا أنه من الممكن القيام باتفاق تكميلي، لكن لا يمكن إعادة التفاوض على الاتفاق الأصلي لمجرد رغبة من ترامب. لكن يختلف عن ذلك، تصريح ماكرون بأن فرنسا "لن تترك الاتفاق، وقررنا مع الرئيس ترامب العمل بشأن اتفاق جديد شامل".[5]  

الخلاصة، ما يريده ترامب من إثبات جدية توافقه مع كوريا الشمالية والتوصل لاتفاق ينزع سلاحها النووي، أن يقوم بإلغاء الاتفاق مع إيران، أو إصلاح ما يعيبه وفقا لوجهة نظره. هناك أيضا نقطة تدور حول أن إيران راقبت كوريا الشمالية جيدا وهي تتلاعب بإدارات كلينتون وبوش وأوباما للتقدم في برامجها النووية والصاروخية، وتحاول إيران أن تتبع نفس السلوك.[6]

لكن إلى أي مدى يمكن لإدارة ترامب التوفيق بين ثغرات موقفها تجاه كل من الدولتين، في هذه الفترة الحرجة، والتي تسعى فيها كل منهما الحصول على ما يحميها؟ فإذا نظرنا إلى موقفهما، ففي الوقت الذي تصعد فيه كوريا الشمالية، تلجأ إيران للتهدئة، والعكس صحيح، مؤخرا تعمل إيران على التصعيد ردا على موقف ترامب من الاتفاق النووي، في وقت تسلك فيه كوريا الشمالية التهدئة والتي أوصلتها لحدوث قمة قريبة مع الولايات المتحدة.

هناك من يرى أن ترامب مفاوض جيد وخبير في عقد الصفقات مع أن إدارته تحتاج لخبراء ودبلوماسيين محنكين وعلى دراية كاملة بهذه الملفات، كي يمكن إدارة الأمر جيدا.

فإذا رفض الأوروبيون التراجع بخصوص الاتفاق الإيراني، فالأمر يعني منح إيران الفرصة لتسريع برنامجها النووي عالي التسليح خلال عقد من الزمان، وبهذا ستكون هناك صعوبة بالغة في إقناع كوريا الشمالية بالموافقة على نزع سلاحها النووي.

ويعد التخلي الأمريكي التام عن الاتفاق النووي الإيراني، ثغرة قد تستغلها كوريا الشمالية لاعتبار الولايات المتحدة شريك غير جدير بالثقة، وهذا يعني أن ترامب بحاجة للاستفادة من التوجهات الأوروبية الخاصة بتعديل الاتفاق وليس إلغاؤه، من أجل إثبات الجدية مع كوريا الشمالية.



[1] "وول ستريت جورنال: كيم جونج أون لا ينوي التخلي عن ترسانته النووية"، صدى البلد، 22/4/2018، متاح على الرابط: http://www.elbalad.news/3273024

[2] "روسيا: فشل الاتفاق النووي الإيراني قد يؤثر سلبا على الاتفاقات المقبة مع كوريا الشمالية"، سبوتنيك عربي، 24/4/2018، متاح على الرابط: http://cutt.us/i1e7F

[3] يوسف أيوب، "إيران تناور للاستفادة من التقارب الأمريكي الكوري الشمالي"، اليوم السابع، 24/4/2018، متاح على الرابط: http://cutt.us/VJRtE

[4] "ترامب يصف الاتفاق النووي الإيراني بالكارثة والفظيع خلال استقبال ماكرون"، فرانس 24، 24/4/2018، متاح على الرابط: http://cutt.us/p9hgk

[5] "اتفاق تكميلي لإقناع ترمب بمهادنة إيران"، الجزيرة. نت، 26/4/2018، متاح على الرابط: http://cutt.us/pwhSs

[6] ريتشارد جولدبرج، دعاء عويضة (مترجم)، "محور بيونج يانج- طهران"، وول ستريت جورنال، 14/3/2018. 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022