شرعنة صلاة اليهود فى المسجد الأقصى: قراءة فى الدوافع وردود الأفعال

 

في قرار غير مسبوق، قضت قاضية محكمة الصلح الإسرائيلية في القدس، بيهلا يهالوم، فى أكتوبر 2021، بتشريع صلاة اليهود في المسجد الأقصى، معتبرة أن “الصلاة الصامتة في الحرم القدسي (المسجد الأقصى) لا يمكن تفسيرها على أنها عمل إجرامي”. وبعد ساعات قليلة من إصدار هذا الحكم اقتحم عشرات المستوطنين ساحات المسجد الأقصى، وأدوا صلوات فردية صامتة، بحماية مشددة من قوات الاحتلال الإسرائيلي. وقد سبق هذا الحكم عشرات الانتهاكات اليومية التي يقوم بها المستوطنون في الأقصى، لعل أبرزها وأخطرها دلالة رفع العلم الإسرائيلي عدة مرات داخل ساحاته[1]. وعليه تسعى هذه الورقة إلى محاولة الوقوف على أهم الدوافع الإسرائيلية من خلف هذا القرار، وما نتج عنه من ردود أفعال من جانب كل من السلطة الفلسطينية، وحركة حماس، وجامعة الدول العربية.

أولًا: لماذا أقدمت إسرائيل على هذا القرار؟:

يعتبر هذا القرار جزء من الخطوات الإسرائيلية التصعيدية فى الضفة الغربية والتي ظهرت مؤخرًا، ولعل أبرزها؛ قيام محكمة الاحتلال الإسرائيلي العليا، فى 4 أكتوبر 2021، بتقديم مقترح جديد بشأن تسوية قضية إخلاء أهالي حي الشيخ جراح من منازلهم لصالح المستوطنين. ويشير هذا المقترح إلى اعتبار الأهالي مستأجرين محميين لمدة 15 عاماً، مع ضمان حقهم بالملكية بحال إثبات ذلك. حيث تقيم 27 عائلة فلسطينية في منازلها المهددة بالمصادرة في حي الشيخ جراح، منذ عام 1956، بموجب اتفاق مع الحكومة الأردنية (التي كانت تحكم الضفة الغربية، بما فيها شرقي القدس، قبل احتلالها عام 1967)، ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وتدعي جماعات استيطانية إسرائيلية أن المنازل أقيمت على أرض كانت بملكية يهودية قبل عام 1948، وهو ما ينفيه الفلسطينيون. وقد نقلت هذه الجمعيات القضية إلى محاكم الاحتلال من أجل إثبات ملكية منازل عائلات الشيخ جراح للمستوطنين وإخلاء الأهالي من منازلهم، منذ العام 1970[2].

بجانب ذلك، فقد قام جيش الاحتلال الإسرائيلي، فى 26 سبتمبر 2021، بقتل خمسة شباب فلسطينيين، من بينهم أسير محرر (أسامة صبح)، خلال عملية اعتقال واسعة في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، إلى جانب إصابة واعتقال عدد آخر من الفلسطينيين. وكان الهجوم الإسرائيلي هو الأكثر دموية في الضفة الغربية المحتلة خلال الأسابيع الأخيرة التي تصاعد فيها التوتر عقب نجاح 6 أسرى فلسطينيين في الهروب من سجن جلبوع وانتزاعهم حريتهم لعدة أيام، وفي الأثناء؛ كثفت قوات الاحتلال من عمليات المداهمة والتفتيش[3].

كما يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى ضم محافظة سلفيت، التي تقام على أراضيها مستوطنة “أريئيل” والتي تعتبر من أكبر المستوطنات في الضفة الغربية، لـ”السيادة الإسرائيلية” ضمن مخطط يشمل الأغوار وعددا من المستوطنات المقامة الكبرى على أراضي الضفة، بما فيها القدس. وذلك عبر مخطط لإقامة مشروع استيطاني للصرف الصحي يربط بين المستوطنات المقامة في شمال الضفة، يمر من أراضي بلدة دير استيا، غربي سلفيت. ويأتي استهداف سلفيت بهذه الهجمة الاستيطانية نظراً لموقعها الاستراتيجي والمركزي على هضاب الضفة الغربية وجبالها، ولأنها تعتبر حلقة الوصل بين المناطق الساحلية من الجهة الغربية وغور الأردن من الجهة الشرقية[4].

وفى سياق متصل، فقد كشف رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني، نفتالي بينت، عن نية حكومته المصادقة على بناء مزيد من الوحدات السكنية في مستوطنات هضبة الجولان المحتلة. وقال بينت إن الجولان “يجب أن تبقى إسرائيلية” داعيا إلى زيادة عدد الوحدات السكنية وتطوير جميع القطاعات الخاصة بالبنى التحتية. يأتي ذلك بعد عرض وزارة الإسكان الصهيونية خطة تتضمن إقامة وتطوير 7000 وحدة استيطانية جديدة والبناء في 99 قطعة أرض فيما يعرف بمستوطنة ” ترامب “. جاء ذلك خلال مؤتمر للتنمية والاقتصاد عقد بالجولان بحضور نفتالي بينت مع وزراء الحكومة من أحزاب اليمين. وتعتبر هذه الخطة التي ستصادق عليها الحكومة خلال الأسابيع المقبلة واحدة من الخطط لزيادة عدد المستوطنين في الجولان فيما يعرف بخطة 2020 – 2026[5].

فيما قالت وزيرة الداخلية اييليت شاكيد إن وزارتها ستنشر قريبا خطة واسعة النطاق لإقامة تجمعات سكانية جديدة في النقب، كما تعهدت بإقامة تجمعيْن جديديْن في هضبة الجولان إلى جانب توسيع القرى الموجودة. وفي سياق نقاش أجرته لجنة المالية البرلمانية بشان ميزانية وزارة الداخلية، اضافت شاكيد أنه سيتم توظيف المزيد من الأموال للإدارة المدنية في الضفة لتسريع وتيرة تطوير التجمعات السكنية هناك[6].

وليأتي هذا القرار الذى أصدرته محكمة الصلح الإسرائيلية فى القدس بهدف شرعنة مرحلةٍ جديدة عنوانها أن مبدأ صلاة اليهود في الأقصى وأداء طقوسهم مسموح، وتمنع بذلك شرطة الاحتلال من مجرد إخراج أي مستوطن من المسجد الأقصى بسبب أدائه طقوساً دينيةً فيه. وهي تحاول حالياً أن تنقلنا إلى مرحلةٍ متقدمةٍ من التهويد تريد أن يكون عنوانها “هل الصلاة اليهودية في الأقصى ينبغي أن تكون صامتةً أم جهرية؟”، مما يعني في الحقيقة أن الجهاز القضائي في دولة الاحتلال يحاول تثبيت مبدأ صلاة اليهود في الأقصى بحدّ ذاته باعتباره حقّاً قانونيّاً لا يجوز لأحد الخوض فيه[7].

وتأتى تلك الخطوات التصعيدية فى الضفة الغربية تحت قيادة رئيس حكومة الاحتلال، نفتالي بينت، المعروف بأنه يميني، مستوطن، فكرًا ومواقف، فهو المؤمن بإسرائيل الكبرى التي تشمل فلسطين من النهر إلى البحر، ويعارض علنًا إقامة دولة فلسطينية، ويرفض عقد لقاء مع الرئيس محمود عباس، ولم يتطرق بأى نوع من الإشارة والحديث إلى الصراع مع الفلسطينيين، في خطابه أخيرًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة[8].

في الوقت ذاته، يمكن قراءة النفوذ الآخذ بالازدياد من قبل جموع المستوطنين اليهود، وما يمثلونه من ثقل سياسي وحزبي وديني، حتى لو كانوا خارج تركيبة الحكومة الحالية، لكنهم يملكون لوبي ضاغط داخل دولة الاحتلال، يتزايد مع مرور الوقت، وتجد الحكومة الحالية وأجهزة الشرطة والأمن والجيش صعوبة في كبح جماحها عن تنفيذ مخططاتها التهويدية التلمودية، بدليل أنها حاولت ذلك عقب هبة القدس، لكنها سرعان ما تراجعت عن هذا التوجه بسبب ما واجهته من ضغوط داخلية لم تقوى على التصدي لها[9].

كما يبدو أن هذه السياسات الإسرائيلية التي يتبعها بينت أصبحت جزء من المزاج الشعبي العام الإسرائيلي الذى أصبح يتحرك بصورة كبيرة نحو اليمين. فقد كشفت نتائج الاستطلاع الذي أجراه مركز “فيتربي” لدراسات الرأي العام والسياسة في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، والذى تم نشره فى 13 أكتوبر الجاري، أن 87% من الإسرائيليين يعتقدون أن فرص توقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين في السنوات الخمس المقبلة شبه معدومة ومنخفضة للغاية، في حين أتى السعي للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين في ذيل قائمة أولويات الشارع الإسرائيلي، حيث أيد ذلك 8.5% من المحسوبين على اليسار، و6% من مؤيدي الوسط، و1% من اليمين. ويكشف هذا الاستطلاع عن السياسات اليمنية المتبعة مؤخرًا من قبل المسئولين الإسرائيليين المتمثلة في رفضهم لأي مسار تفاوضي مع الفلسطينيين من جهة، وتفضيل الإجراءات الأحادية الجانب كتوسيع الاستيطان من جهة ثانية، وتأييد العمليات العدوانية كالحرب على غزة من جهة ثالثة[10].

ثانيًا: ردود الأفعال الفلسطينية والعربية على تلك الإجراءات:

حماس: اعتبرت حركة حماس قرار المحكمة الإسرائيلية بمنح اليهود حق أداء “صلاة صامتة” في المسجد الأقصى، بأنه يشكل عدوانًا صاروخًا على المسجد الأقصى، وبمثابة خطوة على طريق التقسيم الزماني والمكاني للمسجد، وهو ما يعتبر انتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الإنسانية، وفقًا للناطق باسم الحركة حازم قاسم. مضيفًا أن “هذه القرارات لن تغير من حقائق التاريخ ولن تفلح في طمس الهوية الفلسطينية العربية للمدينة المقدسة، وشعبنا الفلسطيني سيواصل نضاله المشروع لمواجهة المخططات الصهيونية التي تستهدف مقدسات الأمة، وصولًا لتحرير كامل التراب الفلسطيني واسترداد مقدساتنا الإسلامية والمسيحية”. وتابع “تصاعد العدوان على المسجد الأقصى يتزامن مع خطوات تطبيعية لبعض الأطراف في المنطقة، وهو ما حذرنا منه دائمًا بأن التطبيع سيشجع الاحتلال على تصعيد جرائمه بحق شعبنا ومقدساته”[11].

ويبدو أن هذا القرار الإسرائيلي يفرض تحديًا سافرًا على فصائل المقاومة الفلسطينية، وفى القلب منها حماس، فبعد أحداث 28 رمضان التي أعلنت فيها الفصائل أنها ستتحرك ميدانياً في حال إقدام الاحتلال على محاولة تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، لن تغامر بثقة الشعب الفلسطيني بها في حال لم يكن لها تحرك ميداني يليق بمستوى خطورة هذا الحدث[12]. ويبدو أن حركة حماس ستسعى إلى استغلال ذلك لتصعيد المقاومة فى الضفة الغربية، وذلك لتحقيق هدفَين أساسيَن، أحدهما تكتيكي والآخر استراتيجي.

يتمثّل الأوّل في استخدام التصعيد في الضفة كأداة ضغط على العدو في مستويات التفاوض المختلفة، سواءً في ما يتعلّق بملفّات قطاع غزة (من المعابر إلى إعادة الإعمار)، أو ربطاً بصفقة تبادل الأسرى، وهو ما يفسر تصاعد حالة الاشتباك في جنين وغيرها من مناطق الضفة الغربية خلال الأسابيع الثلاثة الفائتة، بالتزامن مع تقدّم المفاوضات المرتبطة بغزة. ولئن كانت المقاومة في القطاع اضطرّت، لمقتضيات التفاوض التي وضعها الوسيط المصري، تثبيت نوع من الهدوء على حدود غزة، وإن شابته خروقات بسقوف محدودة، فهي تنبّهت إلى أن الهدوء المستديم سيسلب المقاومة القدرة على تحسين موقفها التفاوضي، ومن هنا كانت حاجتها إلى توفير البديل، الذي لم يكن إلّا الضفة كمساحة صالحة للعمل، تتوافر فيها الأسباب والدوافع وإمكانية التحرّك، ولا تحتاج سوى إلى قليل من التحفيز والمساعدة اللوجيستية.

أمّا الهدف الثاني، الاستراتيجي، فهو تكريس وتثبيت حالة ربط الساحات الفلسطينية بعضها ببعض، وتحقيق نظرية التخادم في ما بينها عند الحاجة، بحيث أن الضفة تقاتل عن غزة عندما يهدأ القطاع لأيّ سبب كان، وغزة تقاتل عن الضفة عندما تهدأ الأخيرة، وكلتاهما تقاتلان سوياً في حالات التصعيد الكبرى، كما في «سيف القدس» مثلاً. كذلك، تجد المقاومة في التصعيد في الضفة وسيلة للردّ على مخططّ متنوّع المصادر، يهدف إلى «تبهيت نتائج معركة سيف القدس»، بحسب تعبير نائب رئيس «حماس» في الخارج، موسى أبو مرزوق. ويبيّن مرزوق، في تصريحات إعلامية، أن هذا «المخطّط يشمل تشديد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وحِرمان ‏شعبنا من صورة النصر التي صنعها، وردع المقاومة عن التصدّي لأيّ ‏عدوان إسرائيلي محتمل في القدس وبقية فلسطين»، مؤكداً أن «حركة حماس قرّرت ألّا يبقى الحال على ما هو عليه، وسنبذل ما بوسعنا ‏لكسر مثلّث الحصار المفروض علينا». وبالتصعيد المدروس في الضفة، يتحقّق للمقاومة هدف الضغط على الاحتلال في مواضع تؤلمه وتجعله تحت ضغط شديد، إلى جانب توسيع شعبيّة خيار الكفاح المسلّح، وتثبيت صورة السلطة وأجهزتها الأمنية كمتعاونة مع العدو لضرب أيّ عمل مقاوم. وإذا ما صحّت الرواية الإسرائيلية، حول أن مجموعة مقاومي «حماس» التي استهدفها أخيراً في الضفة، كانت تجهّز لعمليات داخل الخطّ الأخضر، فإن المقاومة بذلك تكون قد اتّخذت قراراً بضرب الاحتلال في العمق، والانتقال إلى مرحلة الهجوم بدل التحصّن والتواري ومحاولة الدفاع[13].

السلطة الفلسطينية: على الرغم من إدانة السلطة الفلسطينية على لسان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية لهذا القرار، ومطالبته الإدارة الأمريكية بعدم السماح بإحداث أي تغيير فى المسجد الأقصى، وداعيًا الأمتين العربية والإسلامية لاتخاذ مواقف جدية إزاء هذا التصعيد. وتأكيد وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، على أنها ستواصل تحركاتها السياسية والدبلوماسية على كل الأصعدة بما فيها الأمم المتحدة ومنظماتها المختصة وفي مقدمتها مجلس الأمن واليونسكو، لوقف هذا القرار الجائر، الذي يشعل الأجواء من جانب ويهدد الهوية التاريخية والأثرية والثقافية للمسجد الأقصى[14].

إلا أنه من المستبعد أن يكون لهذه التحركات أي قيمة؛ فمن ناحية أولى، يواجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حالة تجاهل من جانب الإدارة الأمريكية، فقد رفض البيت الأبيض طلباً من الرئيس عباس لعقد اجتماع مع نظيره الأمريكي جو بايدن على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بحسب مصادر صحافية تحدثت إلى موقع أكسيوس الأمريكي[15]. كما نقلت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن مصادرها، أن هناك ضغوط أميركية على عباس، لبدء إصلاحات سياسية خلال الفترة المقبلة، وقد تم نقل هذه المطالب عبر مسؤول الملف الفلسطيني – الإسرائيلي في الخارجية الأميركية، هادي عمرو، في زيارته الأخيرة لرام الله.

وتضمنت رسائل عمرو ثلاثة مطالب: أولها تشكيل حكومة فلسطينية جديدة تحظى بإجماع داخلي، ولا تكون محسوبة على حركة «فتح» فقط – مثل الحكومة الحالية التي يقودها عضو اللجنة المركزية للحركة محمد إشتية -، ويتم تشكيلها من شخصيات تكنوقراطية تحترمها كل الفصائل، بما فيها حركة «حماس». ويتمثل المرشح الأبرز الذي تدعمه الإدارة الأميركية لرئاسة الحكومة الجديدة، هو سلام فياض، الذي التقى الشهر الماضي (سبتمبر) مسؤولين كباراً في الخارجية الأميركية. ولكن هناك شخصيتَين مقرّبتَين من عباس، وهما حسين الشيخ وماجد فرج، يرفضون رئاسة فياض للحكومة الجديدة، ويتخوّفان من أن تكون إعادة الرجل إلى المشهد الفلسطيني، تمهيداً لتصعيده إلى خلافة عباس (84 عاماً). ويبدو أن الإدراة الأمريكية تسعى إلى ترتيب البيت الفلسطينى لما بعد حقبة عباس، وترى أن السلطة فى عهده أصبحت أكثر ضعفًا، ما مثل فرصة أمام حماس وفصائل المقاومة للتواجد داخل الضفة الغربية.

كذلك، حملت سلة المطالب الأميركية التوقف عن التهديد بإلغاء الاعتراف بدولة الاحتلال كما حدث قبل أسبوعين، عندما لوّح عباس بالعودة إلى المطالبة بتنفيذ قرار التقسيم لعام 1947، أو الذهاب إلى «الدولة الديمقراطية الواحدة على أرض فلسطين التاريخية»، فضلاً عن التهديد بوقف «التنسيق الأمني».

كما طلبت الولايات المتحدة من السلطة إنهاء رفضها للجهود المصرية لإرساء تهدئة في قطاع غزة، والموافقة على التفاهمات الجاري العمل عليها بين المخابرات المصرية وحركة «حماس»، بما يشمل حكومة التكنوقراط التي طرح فكرتها مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، في لقائه مع السيسي، أخيراً. في المقابل، جدّد الأميركيون تعهداتهم لعباس بتحسين الوضع الاقتصادي للسلطة، والعمل على منع انهيارها خلال الفترة المقبلة، شرط إجراء رئيسها الإصلاحات اللازمة.

وتأتي هذه المطالب الأميركية في إطار سعي واشنطن إلى تهدئة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، عبر اتّخاذ خطوات تسكينية لا ترتقي إلى مستوى الحلول الحقيقية، وذلك رغبة منها في إزاحة موضوع الصراع بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال من صدارة الأولويات، في ظلّ إعادة تموضعها في الشرق الأوسط، وتَوجّهها نحو التركيز على ما تعتبره تهديدات أكبر مِن مِثل الصين وإيران[16].

ومن ناحية ثانية، فإن السلطة الفلسطينية هي من عززت هذه البيئة المريحة لاعتداءات المستوطنين، في ظلِّ نتائج التنسيق الأمني، وملاحقة السلطة نشاطات المقاومة؛ الأمر الذي حد من فاعليَّة فصائل المقاومة، وكبَح أيضًا فُرَص نجاح عمليات فردية ضدّ جنود الاحتلال أو المستوطنين المُزوَّدين بالسلاح، مقابل فلسطينيين عُزَّل. وفيما المستوطنون يحظْوَن بدعم خفيٍّ، أو معلَن من حكومة الاحتلال، وتُخفَّف عقوباتُهم، برغم وحشية اعتداءاتهم، لا يحظى الفلسطينيون في أراضيهم بأي حماية حقيقية من قبل السلطة[17].

ومن ناحية ثالثة، ففي خطوة مفاجئة وصادمة، شاركت السلطة الفلسطينية في معرض «إكسبو دبي 2020»، جنباً إلى جنب إسرائيل، في مخالفة فاضحة لإعلانٍ سابقٍ العام الماضي، من حكومة محمد إشتية، بنيّة الإحجام عن المشاركة. وهذا المعرض تشارك في تأمينه وحراسته شركات أمنية إسرائيلية، ويضمّ جناحاً خاصاً تشرف عليه وزارة خارجية الاحتلال لأوّل مرّة في أرض عربية. والخطير في حضور رام الله «إكسبو دبي 2020»، الذي تمّ تأجيله السنة الفائتة بسبب تداعيات جائحة «كورونا»، ليس فقط الانخراط في حدث تَحضُره تل أبيب، بل في إضفاء شرعية على الجرائم الإسرائيلية في فلسطين، إذ تَعرِض إسرائيل في المعرض مجموعات متطوّرة من الأسلحة والتقنيات التي تستعملها في قتل الفلسطينيين والتنكيل بهم. كما يشارك فيه «الصندوق القومي اليهودي»، أحد أعمدة الاستيطان في فلسطين المحتلّة، والذي صادق أخيراً على منْح أكثر من مليار دولار لصالح الاستيطان وتوسيعه في الضفة الغربية[18].

جامعة الدول العربية: ندد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، بقرار المحكمة الإسرائيلية السماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، مؤكداً أن القرار يُمثل سابقة خطيرة، ويعكس نوايا الحكومة الجديدة وخططها المتواصلة لتهويد القدس واستهداف الوجود الفلسطيني بها، كما أنه يُشكل تعدياً مرفوضاً ومداناً على المسجد الأقصى. وأوضح أبو الغيط أنه في الوقت الذي يتم التضييق على المصلين من الفلسطينيين، تواصل سلطات الاحتلال السماح باقتحامات للمسجد الأقصى من جانب الجماعات اليهودية، لافتاً إلى تواتر هذه الاقتحامات بمعدل أكبر خلال الفترة الأخيرة وتزايد أعداد من يقومون بها من اليهود. واعتبر أبو الغيط أن هذه السياسات الإسرائيلية، بما فيها قرار المحكمة الأخير، تُخاطر بإشعال الموقف على نحو لا يُمكن التنبؤ بمآلاته، خاصة وأنها تمس المشاعر الدينية، داعياً المجتمع الدولي، وبخاصة الرباعية الدولية، إلى تحمل المسئولية إزاء هذا التطور الذي يُنذر بتدهور أكبر في الوضع، مؤكداً أن الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس يُعد مسؤولية دولية، وأن سعي سلطات الاحتلال لتغيير هذا الوضع يُعد انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي والقرارات الأممية ذات الصلة[19].

وعلى الرغم من هذه الانتقادات اللفظية لرئيس الجامعة العربية، إلا أنها لن تحدث أي فارق فى إعادة الدعم العربي للقضية الفلسطينية أو حتى فى وقف هرولة بعض الأنظمة العربية للتقارب مع دولة الاحتلال عبر موجة التطبيع المخزية التي قامت بها أربع دول (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب)، ما جعل إسرائيل لا تشعر بأي غضاضة في تصعيد انتهاكاتها بحق الفلسطينيين، يقينًا منها أن رد الفعل العربي – رسميًا – لا يتعدى بيانات الشجب والإدانة، وفي الجهة الأخرى نجحت تلك الأنظمة المطبعة في وأد أي حراك شعبي داعم للقضية الفلسطينية، الأمر الذي منح الاحتلال الضوء الأخضر للمزيد من الاستهداف الممنهج للقضية العربية الأم (القضية الفلسطينية)[20].

ولا نزال نلحظ الهجمات التطبيعية تتزايد، مِن أحدثها هبوطُ طائرة لشركة الخطوط الجوية (مصر للطيران)، أوَّل مرَّة في مطار بن غوريون، منذ توقيع اتفاق السلام قبل 42 عاما؛ ليعلن المتحدث باسم هيئة الطيران المدني الإسرائيلي عوفر ليفلر أنَّ “مصر للطيران” ستبدأ بتسيير أربع رحلات إلى إسرائيل؛ الأمر الذي اعتبره ليفلر “سابقة تاريخية” تأتي بعد محادثات بينت والسيسي، سبتمبر الماضى، في شرم الشيخ. وقبيل ذلك، افتتح وزير خارجية الاحتلال، يائير لبيد، سفارة لدولته في البحرين. وقبيل ذلك، كانت أول رحلة جوية تجارية بين البحرين وإسرائيل، من المنامة.

واحتضنت دولة الإمارات، في معرض إكسبو 2020 دبي، جناحًا إسرائيليًّا، تتويجًا لدمج دولة الاحتلال في الشرق الأوسط، وتسويقها، عالميًّا، كأيِّ دولة طبيعية من دول المنطقة[21]. كما كشف وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، فى 13 أكتوبر الحالى، عن أن نظيره الإسرائيلي، يائير لابيد، دعاه إلى زيارة تل أبيب، وأنه يعتزم تلبية الدعوة قريبًا. جاء ذلك في مؤتمر صحفي بواشنطن جمع الوزيرين ونظيرهما الأمريكي، أنطوني بلينكن، وهو اللقاء الأول من نوعه منذ أن وقعت الإمارات وإسرائيل، في سبتمبر 2020، اتفاقا لتطبيع العلاقات بينهما، برعاية أمريكية[22].

 

 

 

 

[1] “شرعنة صلاة اليهود في الأقصى.. تبجح إسرائيلي بغطاء عربي”، نون بوست، 7/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3mEuJ68

[2] “أهالي الشيخ جراح يدرسون مقترح التسوية: لا تنازل عن الملكية”، العربى الجديد، 7/10/2021، الرابط: https://bit.ly/30lzSIP

[3] “استشهاد خمسة فلسطينيين… بينت يثني على قواته وحماس تهاجم السلطة”، رصيف22، 26/9/2021، الرابط: https://bit.ly/2YCl7R0

[4] “سلفيت تغرق بالاستيطان: الاحتلال يساوم لمنع العمل بمناطق “ج””، العربى الجديد، 7/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3BBTciD

[5] “الحكومة الصهيونية تدشن مستوطنة “ترامب” في الجولان المحتل”، البيان، 11/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3v2CV3Y

[6] ” شاكيد: ندرس خطة لإقامة تجمعات سكانية في النقب وهضبة الجولان”، حضارات للدراسات السياسية والاستراتيجية، 13/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3FTyqOe

[7] ” الصلاة اليهودية “الصامتة” في الأقصى .. خطوة جديدة لتقسيمه”، تى أر تى عربى، 13/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3DHKqjZ

[8] “حين يطلق الاحتلال يد المستوطنين”، العربى الجديد، 6/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3iPszj1

[9] “لهذه الأسباب يستمرئ الاحتلال تعدياته على المسجد الأقصى”، فلسطين أونلاين، 9/10/2021، الرابط: https://bit.ly/2YMsDJt

[10] “الإسرائيليون يزدادون انزياحًا نحو اليمين”، فلسطين أونلاين، 14/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3BKAg1s

[11] “حماس: قرار السماح لليهود بـ “الصلاة الصامتة” يشكل عدوانًا صارخًا على الأقصى”، القدس، 7/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3aBVxhz

[12] ” الصلاة اليهودية “الصامتة” في الأقصى .. خطوة جديدة لتقسيمه”، تى أر تى عربى، 13/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3DHKqjZ

[13] “تثبيت ربط الساحات هدفاً استراتيجياً: اشتباك الضفّة بدأ… ولن يهدأ”، الأخبار، 8/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3Dtzgio

[14] “شرعنة صلاة اليهود في الأقصى.. تبجح إسرائيلي بغطاء عربي”، مرجع سابق.

[15] “تقرير أمريكي: بايدن يدير ظهره لمحمود عباس”، رصيف22، 30/9/2021، الرابط: https://bit.ly/3FIf1zq

[16] ” دعوة لحكومة برئاسة سلام فياض : واشنطن لعباس: أَنْهِ الهُزال… وابدأ «الإصلاحات»”، الأخبار، 8/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3BDCz69

[17] “حين يطلق الاحتلال يد المستوطنين”، العربى الجديد، مرجع سابق.

[18] “السلطة تلحس مواقفها: جنباً إلى جنب العدو في دبي”، الأخبار، 7/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3Bvt60N

[19] “أبو الغيط يُندد بقرار محكمة إسرائيلية السماح لليهود بالصلاة في الأقصى”، المصرى اليوم، 6/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3iYFkI6

[20] “شرعنة صلاة اليهود في الأقصى.. تبجح إسرائيلي بغطاء عربي”، مرجع سابق.

[21] “حين يطلق الاحتلال يد المستوطنين”، مرجع سابق.

[22] “وزير خارجية الإمارات يعتزم زيارة إسرائيل قريبا”، الأناضول، 13/10/2021، الرابط: https://bit.ly/2YMagoc

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022