انقلاب البرهان على “الانتقال الديمقراطي” يقود السودان للمجهول

 

كما توقع “الشارع السياسي” في تحليل سابق بعنوان “محاولة الانقلاب الفاشلة في سبتمبر هل تمهد لانقلاب نوفمبر؟” سار عسكريو السودان على نهج النظام المصري في الانقلاب العسكري، بعد عامين من محاولات حرث الأرض السودانية لانقلاب ناعم، يجري خلاله الانقضاض على السلطة السياسية بشكل كامل، بعد مسلسل من التأزيم السياسي والاقتصادي والاعلامي، وتشويه صورة كل ما هو مدني، والصاق أسباب الأزمات للحكومة.. وفي نهاية المطاف وعند أول اختبار حقيقي للذهاب نحو المسار المتفق عليه للانتقال الديمقراطي السلمي للسلطة بالسودان، بعد عامين من رئاسة المجلس السيادي، بالتشارك مع المدنيين، أعلن رئيس المجلس العسكري الانقلاب والذهاب لاجراءات استثنائية اضافية بالسودان لأجل غير مسمى، بعد اعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعدد من الوزراء والمسئولين والاعلاميين.

وأعلن عبد الفتاح البرهان في بيان، الاثنين 25 أكتوبر، حالة الطوارئ في السودان وحل المجلس السيادي ومجلس الوزراء وإعفاء كافة مسؤولي الولايات من مناصبهم.. وشهد السودان منذ صباح الإثنين أحداثاً متسارعة، حيث أكدت وكالات أنباء أنه تم اعتقال رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، ونقله إلى جهة مجهولة، فيما شنت قوة عسكرية حملة اعتقالات طالت عدداً من قياديي قوى “الحرية والتغيير” في البلاد.

في الموازاة مع ذلك، شهدت العاصمة الخرطوم انقطاعاً في خدمة الإنترنت، كما شهدت أجزاء واسعة من المدينة انقطاعاً في الكهرباء، كما قالت وكالة الأناضول إنه تم كذلك إغلاق مطار الخرطوم وتعليق الرحلات الدولية. واندلعت احتجاجات في بعض مناطق الخرطوم، تخللها حرق إطارات سيارات، إثر اعتقال قيادات من الائتلاف الحاكم، في وقت يقيد فيه الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حركة المدنيين في العاصمة. وتأتي هذه التطورات بعد يومين من تحذير قوى “الحرية والتغيير” من حدوث ما وصفته بـ “انقلاب زاحف” في البلاد، حيث قال ياسر عرمان إن “الأزمة الحالية مصنوعة على شكل انقلاب زاحف”، في وقت يغلق محتجون منذ نحو شهر مرفأ بورتسودان الرئيسي في شرق البلاد، وينفذ مئات المحتجين الآخرين اعتصاماً منذ أسبوع قرب القصر الرئاسي، للمطالبة بتشكيل “حكومة عسكرية”.

وكان التوتر بين المكونين العسكري والمدني بالسلطة الانتقالية بالسودان قد تصاعد منذ أسابيع، بسبب انتقادات وجهتها قيادات عسكرية للقوى السياسية، على خلفية إحباط محاولة انقلاب في 21 سبتمبر الماضي. ويعيش السودان منذ 21 أغسطس 2019، فترة انتقالية تستمر 53 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام.

تطورات المشهد الانقلابي

واعتقل الجيش السوداني، صباح الاثنين 25 أكتوبر، رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ومعظم أعضاء حكومته والعديد من المسؤولين والعاملين بقطاع الإعلام، وسط الحديث عن انقلاب عسكري يجري تنفيذه. وقالت وزارة الإعلام والثقافة -في صفحتها على فيسبوك- إن رئيس الوزراء اقتيد إلى مكان مجهول بعد رفضه إصدار بيان مؤيد “للانقلاب”. كانت الوزارة قالت في وقت سابق إن القوات العسكرية المشتركة -التي تحتجز حمدوك داخل منزله- مارست عليه ضغوطا لإصدار بيان مؤيد “للانقلاب”. ونقلت عن حمدوك دعوته السودانيين -في رسالة من مقر “إقامته الجبرية”- إلى التمسك بالسلمية واحتلال الشوارع للدفاع عن ثورتهم.

ومن جانبها قالت وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي إن أي انقلاب مرفوض “وسنقاومه بكافة الوسائل المدنية”. وأضافت المهدي أن احتجاز رئيس الوزراء في جهة غير معلومة أمر خطير جدا وغير مقبول. وذكرت أنه لا توجد أي اتصالات بين وزراء الحكومة بسبب انقطاع وسائل التواصل المباشرة، وإغلاق الجسور والطرق. وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الثقافة والإعلام، الاثنين، أن “قوى عسكرية” اعتقلت “أغلب أعضاء مجلس الوزراء والمدنيين من أعضاء مجلس السيادة”. وقالت “الثقافة” إن ما حدث انقلاب عسكري متكامل الأركان، ودعت الجماهير لقطع الطريق على التحرك العسكري.

ونقلت أن “قوات عسكرية مشتركة اقتحمت مقر الإذاعة والتلفزيون في أم درمان وتحتجز عددا من العاملين”. فيما أفادت قناة الجزيرة بانقطاع بث عدد من الإذاعات السودانية بينها الإذاعة الرسمية على موجات “إفك إم”. فيما خرج آلاف السودانيين للشوارع في مظاهرات وصلت للقصر الجمهوري بالخرطوم، تعاملت معهم قوات الأمن بالعنف، فيما تتصاعد أعمدة الدخان من شوارع ومناطق مختلفة في مدينتي الخرطوم وخرطوم بحري. وتحدثت مصادر إعلامية عن تعزيزات عسكرية في محيط مطار الخرطوم الدولي، ونقلت بعض وسائل الإعلام أنه تم إغلاق المطار. وأعلن اتحاد الطيارين السودانيين الإضراب العام والعصيان المدني، والخروج للشوارع ردا على “الانقلاب العسكري”.

وقالت ابنة وزير الصناعة إبراهيم الشيخ لـ “الجزيرة” إن قوة مشتركة اعتقلت والدها من منزله فجر الاثنين.. كما ذكرت زوجة والي الخرطوم أيمن نمر أن قوة مسلحة اعتقلت الوالي من منزله. وقال مدير مكتب الجزيرة بالخرطوم المسلمي الكباشي إن هناك أيضا أنباء غير مؤكدة عن اعتقال محمد الفكي سليمان عضو مجلس السيادة، وكذلك وزير الإعلام حمزة بلول، ووزير الاتصالات هاشم حسب الرسول، ورئيس حزب البعث العربي الاشتراكي على الريح السنهوري. ونقلت رويترز -عن مصادر من أسرة فيصل محمد صالح المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء- أن قوة عسكرية اقتحمت منزل المستشار وألقت القبض عليه.

كما أعلن تجمع المصرفيين أن موظفي القطاع دخلوا في إضراب وعصيان مدني مفتوح احتجاجا على الاعتقالات. وأضاف التجمع في بيان “نتوجه بندائنا لجماهير الشعب السوداني وقواه الثورية ولجان المقاومة في الأحياء بكل المدن والقرى والفرقان، للخروج إلى الشوارع واحتلالها تماما، والتجهيز لمقاومة أي انقلاب عسكري، بغض النظر عن القوى التي تقف خلفه”. وفي بيان لاحق، قال تجمع المهنيين “تتوارد الأنباء عن تجهيز الانقلابين لقطع خدمة الإنترنت بعد أن تم اعتقال أغلب أعضاء مجلس الوزراء والمجلس السيادي، وهو ما يعني اتجاههم للتعتيم على ممارسات القمع والإرهاب، مما يعيد إلى الذاكرة ممارسات اللجنة الأمنية والجن جويد بعد مجزرة القيادة العامة في يونيو 2019”. وتابع البيان “نهيب بلجان المقاومة والقوى الثورية المهنية والنقابية والسياسية والمطلبية والشعبية الاستعداد وتفعيل أدوات الاتصال والتنسيق والتشبيك الأرضي المجربة”. ومن ناحيته، قال حزب الأمة القومي “ندين -بأقوى العبارات- الاعتقالات والانقلابات، وهي تشكل انتهاكا للوثيقة الدستورية”.

تدخل أمريكي

وتأتي هذه التطورات المتسارعة بعد ساعات من الإعلان عن تقديم الولايات المتحدة مقترحات، لحل الأزمة السياسية الراهنة، تعهد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بدراستها مع رئيس مجلس الوزراء. وقد عقد المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان سلسلة لقاءات مع قادة المرحلة الانتقالية خلال اليومين الماضيين، وقالت سفارة واشنطن بالخرطوم الأحد 24 أكتوبر، إن فيلتمان أكد للمسؤولين السودانيين أن الدعم الأميركي يعتمد على التزامهم بالنظام الانتقالي المتفق عليه بالإعلان الدستوري واتفاقية جوبا للسلام. وذكرت السفارة أن فيلتمان حث الحكومة السودانية على تنفيذ المعايير الانتقالية الرئيسية وفق جداول زمنية، بما في ذلك إنشاء المجلس التشريعي الانتقالي، والاتفاق على موعد تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين، وإصلاح الأجهزة الأمنية، ووضع إطار للانتخابات، وإعادة تشكيل المحكمة الدستورية، وإقامة آليات للعدالة الانتقالية. فيما يتصاعد الخلاف بشأن ترتيبات تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين وفقا للوثيقة الدستورية.

ومنذ 16 أكتوبر الجاري، يعتصم أنصار ما تعرف بقوى “الميثاق الوطني” أمام القصر الجمهوري بالخرطوم للمطالبة بحل حكومة حمدوك واستبدالها بحكومة كفاءات “عسكرية”، في حين يعارض ذلك المجلس المركزي لقوى “الحرية والتغيير”. وقبل ساعات من اندلاع أحداث الخرطوم، قال وزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر يوسف في منشور على فيسبوك مساء الأحد الماضي “الانقلاب الجاري شواهده كثيرة ومستمرة وواضحة وآخرها محاولة صناعة حرية وتغيير أخرى والإيهام بوجود أزمة دستورية ثم دعم اعتصام القصر المصنوع”. وتترافق هذه الأحداث مع أزمة في دقيق القمح والمحروقات في الخرطوم بسبب إغلاق الموانئ والطرق شرق البلاد.

مأسسة الانقلاب

وعلى الرغم من الرفض الشامل لاجراءات حمدوك، التي وصفها الداخل والخارج بأنها انقلاب، وصدور الدعوات من الأطراف الدولية كالاتحاد الأوروبي وواشنطن، بالعودة لاتفاق تقاسم السلطة وتنفيذ بنوده، الا أن البرهان يبدو أنه مصر على خطواته، التي يبدو أنها مدعومة من حلفاء اقليميين من مؤيدي الثورات المضادة ودعوات اسرائيلية لتوجيه واشنطن دعمها للبرهان وليس لحكومة حمدوك… ومن هذا المنطلق، على ما يبدو، أعلن البرهان حالة الطوارئ في البلاد وحل مجلس السيادة ومجلس الوزراء وأعفى كافة مسؤولي الولايات من مناصبهم. كما أكد البرهان في بيانه المتلفز، الاثنين، على التزام السودان بجميع الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي وقَّعها، ووعد بتشكيل حكومة كفاءات تدير المرحلة الانتقالية في البلاد، مؤكداً التزامه بالوثيقة الدستورية، ومتعهداً بإشراك الشباب فيما قال إنه “برلمان ثوري” يحقق مطالب الشعب، حتى إجراء الانتخابات حسب ما هو متفق عليه في عام 2023. وهي التعهدات غير المفهومة حتى الان!!

كما أكد البرهان مُضي القوات المسلحة في إكمال التحول الديمقراطي، حتى تسليم قيادة الدولة لحكومة مدنية منتخبة، على حد وصفه. ومن بين قرارات البرهان تجميد بعض مواد الوثيقة الدستورية التي وُقعت من قبل قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد عزل البشير في ديسمبر 2019. وحدد البرهان 7 مواد دستورية، ضمن الوثيقة التي تم توقيعها عام 2019 بين المجلس العسكري والقوى المدنية، كلها تتعلق بالنظام السياسي الذي حل محل نظام البشير وطبيعة توزيع الحصص السياسية بعد الاتفاق بين المكون المدني والعسكري في المجلس السيادي. وقال البرهان إن المواد التي تم تجميدها هي (10و 12و15 و16 و24/3 و71 و72).. وتنص المادة 10 من الوثيقة الدستورية، وهي ضمن الفصل الثالث من الوثيقة وعنوان المادة أجهزة الحكم الانتقالي، على أن أجهزة الحكم الانتقالي تتكون من: 1) مجلس السيادة، وهو رأس الدولة ورمز سيادتها ووحدتها. 2) مجلس الوزراء، وهو السلطة التنفيذية العليا للدولة. 3) المجلس التشريعي الانتقالي، وهو سلطة التشريع والرقابة على أداء الجهاز التنفيذي.

ويعني تجميد العمل بهذه المادة انفراد القوات المسلحة في السودان بالسلطة في المرحلة الانتقالية، وصولاً إلى إجراء الانتخابات المقررة في يوليو 2023، بحسب ما قاله البرهان نفسه في بيانه. فتجميد هذه المادة، مع إعلان حل مجلس السيادة نفسه ومجلس الوزراء، إضافة إلى إلغاء حل المجلس العسكري (نص المادة 72)، يعني أن السلطة أصبحت في يد المجلس العسكري الذي يرأسه البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو رئيس قوات الدعم السريع. أما المادة 12، فتحدد من خلالها بنودها الفرعية اختصاصات مجلس السيادة، وجاء نصها كالتالي: يمارس مجلس السيادة الاختصاصات والسلطات الآتية: – تعيين رئيس مجلس الوزراء الذي تختاره قوى الحرية والتغيير:

– اعتماد أعضاء مجلس الوزراء الذين يعينهم رئيس مجلس الوزراء من قائمة مرشحي قوى إعلان الحرية والتغيير.

– اعتماد حكام الأقاليم أو ولاة الولايات، وفق ما يكون عليه الحال، بعد تعيينهم من رئيس مجلس الوزراء.

-اعتماد تعيين أعضاء المجلس التشريعي الانتقالي بعد اختيارهم وفق أحكام المادة 23 (3) من هذه الوثيقة.

– اعتماد تشكيل مجلس القضاء العالي بعد تشكيله وفق القانون.

– اعتماد تعيين رئيس القضاء وقضاة المحكمة العليا ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية بعد ترشيحهم من قبل مجلس القضاء العالي.

– اعتماد تعيين النائب العام بعد ترشيحه من قبل المجلس الأعلى للنيابة العامة.

– اعتماد تعيين المراجع العام بعد اختياره من قبل مجلس الوزراء.

– اعتماد سفراء السودان في الخارج بترشيح من مجلس الوزراء وقبول اعتماد السفراء الأجانب لدى السودان.

– إعلان الحرب بناء على توصية من مجلس الأمن والدفاع والذي يتكون من مجلس السيادة ورئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير الخارجية ووزير العدل ووزير المالية، والقائد العام للقوات المسلحة، والنائب العام والمدير العام لجهاز المخابرات العامة، على أن تتم المصادقة عليه من المجلس التشريعي الانتقالي خلال 15 يوماً من تاريخ الإعلان، إذا لم يكن المجلس التشريعي الانتقالي منعقداً، فيجب عقد دورة طارئة.

– إعلان حالة الطوارئ بطلب من مجلس الوزراء، وتتم المصادقة عليه من المجلس التشريعي الانتقالي خلال 15 يوماً من تاريخ الإعلان.

– التوقيع على القوانين المجازة من المجلس التشريعي الانتقالي، وفي حالة امتناع مجلس السيادة عن التوقيع لمدة 15 يوماً دون إبداء أسباب، يعتبر القانون نافذاً، إذا أبدى مجلس السيادة، خلال 15 يوماً المذكور أسباباً. فيما تختص المادة 15 بتكوين مجلس الوزراء الانتقالي، ونصُّها كالتالي: “يتكون مجلس الوزراء من رئيس وعدد من الوزراء لا يتجاوز الـ 20 من كفاءات وطنية مستقلة بالتشاور، يعينهم رئيس الوزراء من قائمة مرشحي قوى إعلان الحرية والتغيير، ويعتمدهم مجلس السيادة، عدا وزيري الدفاع والداخلية اللذين يرشحهما الأعضاء العسكريون بمجلس السيادة”. تختار قوى إعلان الحرية والتغيير رئيس مجلس الوزراء، ويعينه مجلس السيادة. تكون مسؤولية الوزراء تضامنية وفردية أمام المجلس التشريعي الانتقالي عن أداء مجلس الوزراء والوزارات.” أما المادة 16 من الوثيقة الدستورية، فقد فصَّلت سلطات واختصاصات مجلس الوزراء، وجاء نصها على النحو التالي: – تنفيذ مهام الفترة الانتقالية وفق برنامج إعلان الحرية والتغيير الوارد في هذه الوثيقة. – العمل على إيقاف الحروب والنزاعات وبناء السلام. – ابتدار مشروعات القوانين، ومشروع الموازنة العامة للدولة، والمعاهدات الدولية والاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف.

– تشكيل المفوضيات القومية المستقلة وفقاً لأحكام الفصل 12.

– تعيين وإعفاء قادة الخدمة المدنية ومراقبة وتوجيه عمل أجهزة الدولة بما في ذلك المؤسسات والوزارات والجهات والهيئات العامة والشركات التابعة لها أو المرتبطة بها، والتنسيق بينها وفقاً للقانون.

–   الإشراف على إنفاذ القوانين وفق الاختصاصات المختلفة واتخاذ جميع الإجراءات والتدابير الكفيلة بتنفيذ مهامه الانتقالية. – إصدار اللوائح المنظمة لأعماله.

أما المادة 24 وبندها الثالث، الذي أعلن البرهان تعطيل العمل به أيضاً، فهو خاص بتحديد نسب تشكيل المجلس التشريعي، ونصه “يتكون المجلس التشريعي الانتقالي بنسبة 67% ممن تختارهم قوى إعلان الحرية والتغيير، ونسبة 33% للقوى الأخرى غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير والتي يتم تسميتها وتحديد نسب مشاركة كل منها بالتشاور بين قوى إعلان الحرية والتغيير والأعضاء العسكريين في مجلس السيادة”. ويعني تجميد العمل بتلك المواد إنهاء دور قوى “إعلان الحرية والتغيير” تماماً في المرحلة الانتقالية في السودان، واستبدال ذلك المكون المدني الرئيسي في المرحلة الانتقالية، بما أسماه البرهان “برلماناً ثورياً يحقق مطالب الشعب”، حتى إجراء الانتخابات حسب ما هو متفق عليه في عام 2023، وأوضح البرهان أن ذلك يعني إشراك “الشباب”.

وتنص المادة 71 من الوثيقة الدستورية على أن “أحكام هذه الوثيقة الدستورية من الاتفاق السياسي لهياكل الحكم في الفترة الانتقالية الموقع بين المجلس العسكري والانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير تسود في حالة تعارض أي من أحكامهما”. وأخيراً نصت المادة 72، الخاصة بأحكام حل المجلس العسكري، الذي كان يتولى الحكم بعد عزل البشير، على أن “المجلس العسكري الانتقالي يُحل بأداء القسم الدستوري من قبل أعضاء مجلس السيادة” ويعني تجميد هذه المواد السبع إنهاء دور المدنيين، الممثلين في قوى “إعلان الحرية والتغيير”، في إدارة المرحلة الانتقالية في السودان بشكل كامل، وانفراد المكون العسكري في السودان، ممثلاً في المجلس العسكري، الذي أصبح الآن الحاكم الفعلي في البلاد، بعد إلغاء قرار حلّه بموجب المادة 72 من الوثيقة الدستورية، بجميع السلطات حتى إجراء الانتخابات.

ويرى الرافضون لما أقدم عليه البرهان أن تجميده العمل بتلك المواد السبع تحديداً يشير إلى أن ما حدث اليوم في السودان هو “انقلاب” على الانتقال السلمي إلى الحكم المدني، وتراجع من جانب البرهان ونائبه وباقي القيادات العسكرية عما تم الاتفاق عليه. بينما يرى المؤيدون فيما أقدم عليه البرهان “تصحيحاً لمسار الثورة”، وهذا ما عبر عنه محمد الأمين ترك رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، بإعلانه “تخفيف أو رفع” الإغلاق في شرق السودان، وهو الإغلاق الذي تسبب في أزمة خانقة في إمدادات الوقود والمواد الأساسية. وهو ما يؤكد أن الاغلاقات بشرق السودان كان هدفها افشال حكومة حمدوك..

سيناريوهات المستقبل

وأمام مشهد الانقلاب العسكري بالسودان، لا يمكن توقع فشل التحركات التي يقودها البرهان، في ظل واقع مزري للقوى السياسية المدنية، بينما يبقى الرهاط على التحركات الشعبية والشباب، الذين خرج الالاف منهم متظاهرين ضد قرارات البرهان، وهو ما ردت عليه قوات الأمن بأطلاق الرصاص.. ويذهب المراهنون على تصدي الجماهير لقرارات البرهان، على أنه هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها أطراف الأزمة هناك للجماهير من أجل الضغط على الطرف الآخر وتحقيق مكاسب سياسية؛ إذ سبق لأنصار التحول الديمقراطي أن لجأوا إلى هذه الخطوة عندما فضت قوات أمنية مشتركة اعتصاماً بطريقة دموية أمام مقر قيادة الجيش في نهاية مايو 2019.

وفعلاً استجابت الجماهير وقتها وخرجت في حشود هائلة في الثلاثين من يونيو، ومنحت قادة المحتجين دفعة كبيرة وهو ما أجبر قادة الجيش وقتها بالجلوس إلى التفاوض وتشكيل الحكومة الانتقالية بشكلها الحالي. وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي ضياء الدين بلال لـ “بي بي سي” إن اللجوء إلى الشارع ليس بالضرورة أن يكون لصالح الأغلبية، مضيفاً: “السياقات الآن مختلفة عما كانت عليه قبل عامين، نجح الشارع وقتها في ترجيح كفة المحتجين على العسكر، لكن الوضع الآن مختلف تماماً ولا أعتقد أن المعادلة ستتغير”. أما الكاتبة الصحفية شمائل النور فترى أن الشارع له تأثير كبير على مجريات الأوضاع السياسية وتشكيل الخريطة المستقبلية للأطراف، مضيفة لبي بي سي: “صحيح أن المحتجين الذين ملأوا الشوارع لم يخرجوا من أجل قوي الحرية والتغيير ولكنهم خرجوا من أجل الدفاع عن التحول الديمقراطي وقطع الطريق أمام أي انقلاب”..

الخلاصة هنا هي أن هناك انقلاباً عسكرياً في السودان يشير إلى أن العسكر في مجلس السيادة يراهنون من خلاله على ما يصفونه بالانقسامات بين صفوف المدنيين، فهل ينجح ذلك الرهان ويعود العسكريون بالفعل إلى الانفراد بالسلطة، أم أن الشارع السوداني سيفرض إرادته مرة أخرى وينحاز للانتقال إلى الحكم المدني الديمقراطي؟ وهو لسؤال الذي ستجيب عنه الأيام المقبلة..

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022