في تصريح نادر لموقع Axios الأمريكي الخميس 4 نوفمبر2021، كشف اللواء عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، أن «القاهرة تقود تحركات من أجل التوصل إلى صفقة». هذه الصفقة يمكن وصفها بـ (الصفقة رباعية الأبعاد)؛ حيث تشمل[[1]]:
- أولا، تشمل وقف إطلاق النار في قطاع غزة (هدنة طويلة الأمد). وخلال استراحة تدخين على هامش قمة الأمم المتحدة للمناخ “كوب 26” في مدينة جلاسكو الأسكتلندية، قال كامل لمراسلين إسرائيليين، إن مصر تتواصل يومياً مع فلسطين وإسرائيل بشأن العديد من القضايا، بما في ذلك صفقة وقف إطلاق نيران في غزة طويلة المدى.
- ثانيا، تبادل للأسرى. ويرى كامل أنَّ مثل هذه الصفقة يجب أن تبدأ بالإفراج عن سجناء فلسطينيين مسنين ونساء ومراهقات فلسطينيات في السجون الإسرائيلية. وسيتعين عليها كذلك التعامل مع إعادة جثتي جنديين إسرائيليين وإطلاق سراح مدنيين إسرائيليين تحتجزهما حماس في غزة. وتحتفظ “حماس” بأربعة إسرائيليين، بينهم جنديان أُسرا خلال الحرب على غزة صيف 2014 (دون الإفصاح عن مصيرهما أو وضعهما الصحي)، والآخران دخلا القطاع في ظروف غير واضحة خلال السنوات الماضية. في المقابل تعتقل إسرائيل نحو 4850 فلسطينياً في 23 سجناً ومركز توقيف، بينهم 41 أسيرة، و225 طفلاً، و540 معتقلاً إدارياً (دون تهمة)، وفق مؤسسات مختصة بشؤون الأسرى. وفي عام 2011، كانت مصر توسطت في صفقة مماثلة أفرجت حركة حماس من خلالها عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، مقابل إطلاق سراح السلطات الإسرائيلية 1027 سجينا فلسطينيا على دفعتين. وتحتفظ حماس حاليا بجثث جنديين إسرائيليين قُتلا في حرب 2014 هما، هدار غولدين وأورون شاؤول، بالإضافة إلى مدنيين إسرائيليين يُعتقد أنهما على قيد الحياة – هشام السيد وأفيرا مينغيستو، وفق صحيفة “جيروزاليم بوست”.
- ثالثا، حزمة تسهيلات اقتصادية لتحسين أوضاع “المدنيين” في غزة في ظل الحصار المفروض من إسرائيل ومصر على القطاع منذ أكثر من 14 سنة. وترتهن هذه الحزمة بالتزام حماس وفصائل المقاومة بالتهدئة أو الهدنة طويلة الأمد، حيث يتم السماح بوصول الإغاثة الإنسانية وإعادة الإعمار بشرط أن تتضمن عودة ــ ولو رمزية ــ للسلطة الفلسطينة إلى غزة. ويؤكد عباس على ذلك بقوله إن «الاتفاق يتضمن اتخاذ “المزيد من الخطوات الاقتصادية والإغاثية لصالح المدنيين في غزة».
- رابعا، استئناف المفاوضات بين حكومة الاحتلال والسلطة الفلسطينية والتي توقفت منذ سنة 2014م. وأوضح رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية أن مصر تريد أن ترى الحكومة الإسرائيلية الجديدة والقيادة الفلسطينية في رام الله يبدآن نوعاً من الحوار السياسي، حيث قال: “يمكننا أن نبدأ في محادثات على مستوى أدنى ثم نتحرك ببطء إلى مستويات أعلى، لكننا بحاجة إلى البدء”.
وفي سبيل تحقيق هذه الصفقة أبدى عباس كامل دعم النظام العسكري في مصر للحكومة الإسرائيلية الجديدة؛ موضحا أنه على الرغم من أنَّ الحكومة الإسرائيلية الحالية تتكون من عدة أحزاب ذات وجهات نظر متباينة، يأمل المصرييون أن تظل مستقرة ويعتقدون أنَّ بإمكانهم العمل معها بفعالية. كما أثنى كامل على عمق العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية، وقال إنَّ لقاء السيسي في منتصف سبتمبر “2021”، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في شرم الشيخ كان جيداً بشكل استثنائي.
وبحسب مراسل “أكسيوس” الإسرائيلي باراك رافيد، فإن رئيس المخابرات العامة المصرية كشف أنه يعتزم زيارة إسرائيل في وقت لاحق من هذا الشهر(نوفمبر 2021)؛ لإجراء محادثات مع رئيس الوزراء نفتالي بينت وغيره من كبار المسؤولين. وستكون هذه الزيارة هي ثاني زيارة يقوم بها مسؤول المخابرات المصرية لدولة الاحتلال (الزيارة الأولى جرت في 18 أغسطس 2021)، منذ أن أدت الحكومة الجديدة اليمين في13 يونيو 2021م. ومن المرجح أن يزور كامل رام الله لإجراء محادثات مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من أجل دفع المفاوضات الثنائية الإسرائيلية ـ الفلسطينية إلى الأمام.
وبلغ التنسيق الأمني والسياسي ذروته بين القاهرة وتل أبيب خلال الشهور الماضية بعدما تمكنت القاهرة من وقف موجة تصعيد كانت قادمة لا محالة في ظل حالة الاستنفار التي كانت تعيشها فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بسبب تأخر الجانب الإسرائيلي في الوفاء بعدد من التعهدات الخاصة بتثبيت الهدنة في القطاع عقب المواجهة الأخيرة (مايو 2021) من جهة، وتحريض جهات إقليمية (إيران)على تفجير أزمة جديدة بالمنطقة في إطار الصراع غير المعلن بين الجانبين الإسرائيلي والإيراني من جهة أخرى. وقد لعبت القاهرة دورا كبيرا في تفويت الفرصة على محاولات تأجيج مواجهة جديدة بين الاحتلال والقطاع، بعد إطلاق صاروخ من قطاع غزة صوب مستوطنة “سديروت”، وأن القاهرة تمكنت من إقناع حكومة الاحتلال بعدم الرد الفوري، خاصة في ظل حالة تأهب من جانب الفصائل عبر تنظيم فعاليات مثل المسيرات الشعبية، وحراك الإرباك الليلي، والمواجهة العسكرية، وكذا في ظل الترقب من جانب “حزب الله” اللبناني لجرّ الجانب الإسرائيلي لمواجهة على أكثر من محور في نفس الوقت”. معنى ذلك أن الجانب المصري كان حريصا على عدم توريط الاحتلال في صراع متعدد الأطراف لما له من تداعيات خطيرة على أمن إسرائيل وهي الوظيفة التي يقوم بها النظام العسكري في مصر منذ اتفاقية كامب ديفيد في مارس 1979م.
الدوافع المصرية
التحركات المصرية ليست قائمة على أساس القناعة المصرية بهذه التصورات بقدر ما هي انعكاس وترجمة لتوجهات القوى الدولية وتتطابق مع الرؤى الأمريكية الأوروبية الإسرائيلية بشأن ملف قطاع غزة؛ حيث تفضل “إسرائيل” عدم الدخول في جولة صراع عسكري جديدة مع حركات المقاومة؛ لأن ذلك قد يفضي إلى تفكك الحكومة الجديدة وتعيد نتنياهو إلى صدارة المشهد من جديد؛ لا سيما في أعقاب الزلزال الذي تعرضت له إسرائيل في حرب الأقصى مايو 2021م ووصول صواريخ المقاومة إلى مدى يصل إلى 250كم مع دقة القصف وزيادة القدرات التدميرية؛ ما أصاب إسرائيل بشلل تام لا ترغب في تكراراه مجددا في ظل هشاشة الحكومة الائتلافية القائمة بزعامة نفتالي بينت. من جهة أخرى فإن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي يرغبان في شيء من الاستقرار الإقليمي والتوصل إلى هدنة طويلة الأمد مع غزة قد يكون بديلا لتعثر عملية السلام التي لم تعد مجدية في ظل التعنت الإسرائيلي ورفضه لحل الدولتين الذي يتبناه المجتمع الدولي.
والإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي وكافة المجتمع الدولي معني بتخفيف حدة الأزمة في قطاع غزة. وتصويت البرلمان الأوروبي بزيادة دعم الأونروا في أكتوبر 2021م يعد مؤشرا على ذلك، وهو القرار الذي لاقى ترحيبا فلسطينيا. وفي أبريل 2021، أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أن الولايات المتحدة تعتزم تقديم مساعدات للفلسطينيين بقيمة 235 مليون دولار تذهب بصورة أساسية لتمويل وكالة “أونروا”، بالإضافة إلى مساعدات اقتصادية وتنموية في غزة والضفة الغربية.
معنى ذلك أن كل الأطراف حريصة على تحقيق شي من الاستقرار، وبالتالي تكتسب الجهود والتحركات المصرية تقديرا دوليا وأمريكيا، ومنح السيسي ونظامه شيئا من الأهمية والمكانة لدى الإدارة الأمريكية؛ لا سيما وأن كلا الطرفين (المقاومة ــ الاحتلال) يقبلان بالوسيط المصري؛ إسرائيل تثق بالسيسي ونظامه ثقة مطلقة في ظل وصول العلاقات إلى مستوى التحالف، بينما حركات المقاومة في غزة مجبرة على التعامل مع النظام المصري والقبول بوساطته ـ رغم الشكوك في نواياه ــ لأسباب تعود إلى سطوة الجغرافيا التي جعلت من مصر الجار والمنفذ الوحيد للقطاع للعالم الخارجي.
ملفات زيارة عباس
زيارة عباس كامل المرتقبة إلى تل أبيب ستشمل ــ إلى جانب صفقة غزة ــ بحث عدد من الملفات الأخرى تتعلق بالملف الإيراني، والوضع الأمني في سورية؛ لا سيما وأن هناك معلومات متبادلة بين القاهرة وتل أبيب تزعم أن إيران زودت حلفاء لها بالمنطقة في سوريا واليمن بطائرات مسيرة تمثل تهديدا مباشرا على الوضع الأمني في المنطقة برمتها وليس إسرائيل فقط. لا سيما وأن الحوثيين كانوا قد وجهوا ضربة مؤلمة لمؤسسة النفط السعودية في أكتوبر 2019 أدت إلى خسائر فادحة، وتروج تل أبيب أن هذه النوعية من الأسلحة من شأنها أن تهدد الملاحة في البحر الأحمر بما ينعكس سلبا على قناة السويس من أجل دفع القاهرة نحو تبني المواقف الإسرائيلية بهذا الشأن.
التصور المصري لتثبيت هدنة وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى يتضمن تسهيلات لقطاع غزة تحتاج إلى موافقة إسرائيلية؛ لأن بعض إجراءاته تتعارض مع البنود الأمنية في اتفاقية “كامب ديفيد” الموقعة بين الطرفين. ولذلك وبعد نشر هذه التسريبات (نشرت في 5 نوفمبر) بأيام وفي خطوة مفاجئة، أعلن كل من الجيش المصري وجيش الاحتلال الإسرائيلي في 8 نوفمبر 2021 تعديل الاتفاقية الأمنية المبرمة بين الجانبين من أجل تعزيز قوات حرس الحدود المصرية وإمكاناتها بالمنطقة الحدودية في رفح على الحدود مع قطاع غزة الفلسطيني المحاصر. وبحسب بيان جيش الاحتلال فإنه جرى الاتفاق على تنظيم وجود قوات حرس الحدود في منطقة رفح لمصلحة تعزيز الوجود الأمني للجيش المصري في هذه المنطقة. وأشار جيش الاحتلال إلى أن المستوى السياسي في إسرائيل صادق على هذا التعديل، من دون تفاصيل أخرى.
ويحمل كامل معه ملفاً خاصاً بالأوضاع في القدس المحتلة، والتي تمسكت الفصائل الفلسطينية بكونها جزءاً أصيلاً في أية اتفاقات خاصة بالتهدئة. ويرى الجانب المصري أن هناك إجراءات بسيطة إذا أقدمت عليها الحكومة الإسرائيلية ستساهم في فرض حالة التهدئة، والمساعدة في التوصل إلى اتفاق طويل المدى”، على سبيل المثال في ما يخص مطالب “حماس” والفصائل بتسهيلات قطاع غزة، وإدخال المواد اللازمة لتشغيل المصانع، فإن مصر لا ترى فيه أي قلق في ظل الرقابة التي سيتم فرضها، خاصة بعد تركيب البوابات الجديدة التي تضم ماسحاً إلكترونياً يكشف كافة تفاصيل الشحنات”. ومن المقرر أن تتناول مباحثات عباس كامل مع الإسرائيليين ملفين مهمين، وهما الوضع في السودان والتحركات الإسرائيلية هناك، بالإضافة إلى ملف سد النهضة الإثيوبي.[[2]]
الحل الاقتصادي
وترغب حكومة الاحتلال على المستوى السياسي أن تقوم مصر كعادتها بدور “العرَّاب” في التسويق للرؤية الإسرائيلية (هي جزء من صفقة القرن) التي طرحها يائير لبيد، وزير الخارجية، ورئيس الحكومة الإسرائيلية البديل، في سبتمبر 2021، تحت عنوان «رؤية مرحلية للتقدم في تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، تبدأ بقطاع غزة».
وبحسب هذه الرؤية التي تحظى بتأييد رئيس الحكومة نفتالي بينت، وبقية رؤساء الائتلاف الحكومي، كما تحظى بقبول أمريكي أوروبي روسي، يعتمد مشروع لبيد على إجراءات لتعزيز قوة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وتسهيلات اقتصادية في قطاع غزة، مقابل «الحفاظ على الأمن والهدوء» في إشارة إلى الهدنة التي يتوسط في التوصل إليها نظام السيسي كبديل لتعثر الحل السياسي.
وتتكون خطة لبيد من مرحلتين: الأولى إعادة إعمار مقابل منع تعاظم قوة «حماس»؛ والثانية إعطاء دور كبير للسلطة الفلسطينية، حسب قرار مجلس الأمن الدولي، لتنفيذ مختلف المشاريع، وتولي السلطة الإدارة الاقتصادية والمدنية للقطاع. وأشار إلى أن «الظروف السياسية -في كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية- لا تسمح بإحراز تقدم على المحور السياسي حالياً، ولكن في غزة يمكننا، ويجب علينا التحرك الفوري».[[3]]
لكن المشروعات المرتقبة لهذا الحل الاقتصادي والتي أشارت إليها صفقة القرن الأمريكية، سيتم إقامتها في سيناء بدلا من غزة حتى تبقى غزة باستمرار رهينة لإرادة الاحتلال والنظام المصري وما يسمى بالمجتمع الدولي.
النتائج المحتملة
تبدو مؤشرات نجاح الوساطة المصرية في إبرام صفقة تبادل الأسرى مرتفعة لاعتبارات تتعلق برغبة كل الأطراف في إبرامها حتى تكون عامل مساعد في التوصل إلى الهدف الأهم وهو الاتفاق على هدنة طويلة المدى ترغب فيها إسرائيل بشدة على الأقل حتى تتمكن الحكومة من تجنب التفكك وتكريس قبضتها على السلطة وإضعاف معسكر الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو الذي يتربص بالحكومة ويترقب فرصة سقوطها لإجراء انتخابات مبكرة قد تعيده إلى صدارة المشهد من جديد. كما ترغب فيها حماس وحركات المقاومة حتى تكرس شعبيتها وتتمكن من إعادة تنظيم صفوفها وتعزيز قوتها ترقبا لجولة قادمة.
معنى ذلك أن الشهور القادمة مصيرية، وحكومة الاحتلال تثمن بشدة التحركات المصرية؛ لأنها في نهاية المطاف وإن كانت تمثل أيضا فرصة نجاح للمقاومة بتحرير مئات الآسرى ــ فإنها في جوهرها تمثل مصلحة إسرائيلية عليا في ظل هذه الظروف والأوضاع، كما أن تتبنى الحل الاقتصادي الذي تؤمن به حكومة الاحتلال.
لكن ذلك يعني أمرين:
- الأول، أن هناك حالة يأس دولي من استئناف عملية السلام أو الثقة في جدواها في ظل العناد الإسرائيلي الرافض من الأساس لمبدأ حل الدولتين. وبالتالي فإن هذه الصفقة تمثل بديلا مقبولا للمفاوضات المتعثرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
- الثاني، أن هذه الصفقة التي يتبناها نظام السيسي بعد قبول إسرائيل والقوى الدولية لها، إنما تمثل تكريسا لحالة الانقسام الفلسطيني ويأسا من عملية مصالحة قد تعيد لم شمل الضفة التي تسيطر عليها السلطة تحت الاحتلال، وغزة التي تسيطر عليها حماس منذ انتخابات 2006م التي فازت بها الحركة. ويبرهن على ذلك تصريحات عباس كامل التي تتحدث عن اتفاق (غير مباشر) بين “حماس” وحكومة الاحتلال الإسرائيلي.«فالإشارة إلى “عودة رمزية” للسلطة إلى قطاع غزة؛ يمكن تبيّن الطبيعة التي يتم التعامل فيها مع قطاع غزة وحركة حماس. إذ لم تكن الأمور على هذا الحال في السابق بعد الحروب التي كانت تشنّ على قطاع غزة، فقد كان يجري التوصل إلى هدن برعاية مصرية وتأييد دولي، من دون الحاجة إلى إبرام اتفاقات رسمية بين إسرائيل و”حماس”، على عكس ما هو الحال عليه اليوم، فالحديث اليوم هو عن اتفاق طويل الأمد، ومن دون أي ذكر للسلطة الفلسطينية فيه، ما يعني عملياً التسليم بأن سيطرة “حماس” ووجودها في قطاع غزة سيكون دائماً، أو على الأقل طويل الأمد، مع انعدام أي دور للسلطة الفلسطينية. معنى ذلك أنه بات أقصى طموح الأطراف الراعية لمحاولات إنهاء الانقسام الفلسطيني هو “وجود رمزي” للسلطة في غزة، بعدما كان الكلام في السابق عن رأب الصدع وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإقامة انتخابات تشريعية ورئاسية وتلك الخاصة بالمجلس الوطني ومنظمة التحرير، وهي عناوين سقطت في اختبار التطبيق».[[4]] وقد ترغب حماس في ذلك؛ لأنها قد ترى أن السلطة من أكبر المعوقات أمام النضال الشعبي الفلسطيني من أجل التحرير.
خلاصة الأمر، أن أي صفقة محتملة لتبادل الأسرى بين حماس وحكومة الاحتلال قد تكون مفتاحا لشيء من الاستقرار المرغوب فيه بالمنطقة ونتيجتها هدنة طويلة الأمد وقد يسهم ذلك في إنعاش مسار المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية. وحال فشلت الوساطة المصرية، فإن الوضع مرشح للانفجار مرة أخرى.
هذه الصفقة هي جزء من صفقة أكبر تتعلق بما تبقى من صفقة القرن؛ ففي ظل حالة الهرولة العربية للتطبيع مع الاحتلال، فإن الدور الرسمي العربي مطلوب منه توسيع عمليات التطبيع، مقابل تحسين وضع السلطة، وتسكين وضع قطاع غزة، وصولا إلى جعل “إسرائيل” كيانا طبيعيا في المنطقة، يمكن فتح شراكات واسعة معه؛ وعلى كل صعيد. وهو ما يعني تبني الحل الاقتصادي في ظل فشل المسار السياسي.
هذا الحل الأقتصادي الذي تتبناه حكومة الاحتلال ويروج له نظام السيسي وترحب به القوى الدولية، إنما يستهدف تصفية القضية الفلسطينية على المدىين المتوسط والطويل؛ فهو يقوم على أساس تسريع عمليات التطبيع، وصولا إلى التبشير بانضمام دول أخرى، وهو ما كان يسمّى في زمن سابق بـ”الحل الإقليمي”، أي فتح العلاقة مع الدول العربية من دون المرور بحل القضية، في الوقت الذي يتم فيه تحسين وضع السلطة الفلسطينية، ومن ثمّ تحويل المؤقت إلى دائم. هذا الحل سمّاه نتنياهو “السلام الاقتصادي”، ويبدو أن الاسم يناسب “بينيت”، بينما سمّاه “بيريز” قديما “الدولة المؤقتة”، فيما كان شارون قد سمّاه “الحل الانتقالي بعيد المدى”.[[5]]
[1] دردشة نادرة بين عباس كامل وصحفيين إسرائيليين خلال استراحة تدخين.. ماذا قال لهم؟/ عربي بوست ــ 04 نوفمبر 2021م// عباس كامل في تل أبيب نهاية نوفمبر بصفقة جديدة/ العربي الجديد ــ 04 نوفمبر 2021
[2] ترويج مصري لاتفاق بين حماس وإسرائيل/ العربي الجديد ــ 05 نوفمبر 2021
[3] لقاء شرم الشيخ: إحداث انعطافة في العلاقات الإسرائيلية ـ الفلسطينية ..بنيت امتدح دور مصر في استقرار المنطقة/ الشرق الأوسط ــ الثلاثاء 14 سبتمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15631]
[4] حسام كنفاني/ مصر وحماس وتكريس الفصل/ العربي الجديد ــ 07 نوفمبر 2021
[5] ياسر الزعاترة/المشروع الجديد لتصفية قضية فلسطين.. أدواته وسبل مواجهته/ “عربي 21” ــ السبت، 30 أكتوبر 2021