قضايا الحوار الاستراتيجي المصري – الأمريكي وحدود التوافق والاختلاف حولها

 

يعد الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر من أقدم الحوارات الاستراتيجية في المنطقة، فقد تأسس في ظل إدارة بيل كلينتون في عام 1998 وعقد بشكل دوري منذ ذلك الحين. وقد توقفت جولات الحوار الاستراتيجي بين واشنطن والقاهرة حتى عام 2015، بعد أن توترت العلاقة بين الجانبين إثر عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي. وخلال ولاية دونالد ترامب كانت العلاقات المصرية الأمريكية بلا أزمات، ومن ثم لم تبد الحاجة إلى صيغة الحوار الاستراتيجي المنتظم بين البلدين، واستبدل بلقاءات واتصالات متكررة بين وزيري الخارجية. وليعود انطلاق الحوار الاستراتيجى بين البلدين مرة أخرى، في 8 و9نوفمبر 2021، برئاسة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره المصري سامح شكري، ويشارك في الحوار مجموعة من كبار المسؤولين من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وكذلك وزارتى الخارجية والدفاع، وقد تم تأكيد إقامة الحوار الاستراتيجي الأمريكي – المصري في نسخته الجديدة في أكتوبر 2021، عقب اجتماع وزيري خارجية البلدين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتستعد مصر والولايات المتحدة العام المقبل (2022) لذكرى مئوية تأسيس العلاقات الدبلوماسية.

ويأتى هذا الحوار في ظل وجود حالة من الفتور في العلاقة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والمصري عبد الفتاح السيسي، وهي العلاقات التي بدأت تتحسن بصورة نسبية بعد حرب غزة الأخيرة في مايو 2021، والتي أثبتت لإدارة بايدن أن القاهرة أكبر من أن يتم تجاهلها، وأنها مضطرة للدخول في حوار عميق معها، ولكن يمكن القول إن هذا الحوار يأتي في ظروف مختلفة عن الجولات السابقة. فمصر أصبحت أقل اعتماداً من الناحية الاقتصادية على أمريكا، بعد تحسن المالية العامة للبلاد جراء عملية إصلاح صارمة ومرهقة ودعم دول الخليج وصندوق النقد.

ومن الناحية السياسية والعسكرية، عززت القاهرة علاقتها بمنافسي واشنطن الصين وروسيا، وأصبحت أقل اعتماداً على أمريكا في مصادر التسليح، خاصة مع ظهور فرنسا كأكبر مورد للسلاح للقاهرة. وبصفة عامة تباعدت المواقف بين القاهرة وواشنطن مقارنة بالظروف التي جرت فيها الجولات السابقة، ومع تراجع الدور الأمريكي في المنطقة فإن حلفاء واشنطن المهمين في الشرق الأوسط مثل تركيا والسعودية والإمارات وقطر ومصر، انتهج كل منهم سياسته الخاصة التي قد تكون مختلفة عن السياسة الأمريكية.

ومن هنا فإن الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري يعقد وهناك ملفات خلافية بين الجانبين أكثر من أي وقت مضى جرى فيه هذا الحوار. ومع أنه لم يُذكر أي شيء عن الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر سوى لأنه “لتبادل الرؤى حول الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط”. وفق ما ذكر المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية، في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، إلا أنه يمكن استنتاج الملفات الرئيسية التي ستكون محور النقاش في هذا الحوار الاستراتيجي[1]، وحدود التوافق والاختلاف بين البلدين حول هذه الملفات. وهو ما سيتم توضيحه عبر السطور القادمة..

أولًا: تقوية العلاقات الثنائية:

1- اللقاءات الدبلوماسية والعسكرية: خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، توثقت العلاقة الشخصية بين الرئيس الأمريكي ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، ولكن ظلت ذات طابع شخصي مرتبط بأجندة ترامب أكثر منها بثوابت السياسة الأمريكية، ولاقت علاقة ترامب الوثيقة بالسيسي انتقادات حادة في واشنطن. وخلال حملته الانتخابية توعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بالتوقف عما سماه تدليل الطغاة العرب، كما يفعل ترامب، وتغيير السياسة الأمريكية تجاه المنطقة لتصبح حقوق الإنسان في قلبها. وتوعد بايدن خلال الحملة الانتخابية بـ”عدم تقديم المزيد من الشيكات على بياض” للسيسي ، وفي مارس 2021، انضمت إدارة بايدن إلى دول غربية أخرى في انتقاد علني نادر لانتهاكات الحقوق في مصر[2]. وبدا أن إدارة بايدن في مراحلها الأولى تدير ظهرها للقاهرة. فعلى الرغم من أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن اتصل بشكري في غضون شهر بعد إقرار تعيينه، إلا أن الرئيس بايدن لم يتحدث مع السيسي إلا بعد مرور خمسة أشهر على توليه منصبه – وهي فترة طويلة بالنظر إلى أن الرئيس أوباما اتصل بالقاهرة في اليوم الأول من ولايته الأولى.

غير أن مصر أدت في مايو الماضي (2021) دوراً مهماً جداً في التفاوض بشأن وقف إطلاق النار في غزة، وبعد ذلك زاد تكرار عمليات التواصل الأمريكية الرفيعة المستوى. وفي سبتمبر الماضى، التقى مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بالسيسي في القاهرة بعد الإعلان عن حجب الولايات المتحدة مبلغ 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية[3]. ومن المتوقع أن يكون إمكانية عقد لقاء أول بين بايدن والسيسي مطروح بقوة ضمن قضايا النقاش بين بلينكن وشكرى، خاصة بعد فشل محاولات النظام المتكررة لعقد مثل هذا اللقاء، والتي كان أخرها؛ فشل لقاء السيسي بايدن في قمة المناخ في غلاسكو ـ اسكتلندا. حيث أبلغت السلطات الأميركية الخارجية المصرية بأن مشاركة بايدن في قمة المناخ ستكون مختصرة وتقتصر على المشاركة في الجلسة الرئيسية، ولن تتوسع للقاء زعماء من أي دولة، عدا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، لضيق الوقت وتعدد الطلبات المقدمة لعقد لقاء معه. مع العلم أن بايدن التقى بمن يريد من الزعماء بشكل عاجل خلال حضوره قمة العشرين، وبالتالي لم تكن لدى البيت الأبيض أولوية لتنسيق لقاءات له في غلاسكو.

ولا يزال البيت الأبيض يحاذر من الانخراط بشدة في لقاءات من هذا النوع مع السيسي، نظراً للانتقادات الحادة من داخل الحزب الديمقراطي، بسبب التعامل الهادئ والحذر مع النظام المصري الحاكم، تحديداً في ملف حقوق الإنسان، والإفراج عن الجزء الأكبر من المعونة الأميركية السنوية للقاهرة، والاكتفاء بتعليق 130 مليون دولار فقط من أصل 300 مليون دولار. وإلى جانب ذلك، أُبلغت الخارجية المصرية بأن الشروط الأميركية الخاصة بتحرير هذا المبلغ، والتي يبدو أيضاً أنها مقترنة بدعوة السيسي لزيارة واشنطن أو عقد لقاء له مع بايدن في أي مكان آخر، قد تم إبلاغ وزير الخارجية سامح شكري بها. وتمّ أيضاً إبلاغ الوفد المصري الرسمي الذي زار الولايات المتحدة مطلع شهر أكتوبر 2021 برئاسة رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان مشيرة خطاب، وعضو المجلس، منسق مبادرة الوساطة المعروفة باسم “الحوار الدولي”، محمد أنور السادات[4]. وفي هذا السياق، فقد كشفت صحيفة “بولتيكو” الأميركية أن “قمة الديمقراطية” التي يستضيفها الرئيس الأميركي جو بايدن، في 9 و10 ديسمبر 2021، تجاهلت دعوة قادة الدول العربية والشرق الأوسط، بما فيها مصر، باستثناء العراق وإسرائيل. وكان بايدن، خلال حملته الانتخابية للرئاسة الأميركية 2020، تعهد باستضافة قمة دولية للدول الديمقراطية في عام حكمه الأول؛ لـ”مواجهة جاذبية الدول الاستبدادية” مثل الصين وروسيا، وبناء تحالف دولي ديمقراطي لمواجهة نجاحات بكين وموسكو الاقتصادية والتنموية والعسكرية والتكنولوجية. فيما أعلنت الخارجية الأميركية، في 11 أغسطس 2021، موعد “قمة القادة من أجل الديمقراطية”، مؤكدة أنها تجمع قادة الدول المنتخبين بـ”حرية”، لبحث سبل التصدي للفساد والممارسات الاستبدادية، وتوسيع نطاق حقوق الإنسان، بمشاركة منظمات للمجتمع المدني، وشركات التكنولوجيا.

ورغم محاولات وجهود السيسي للقاء بايدن، وما أثير عن وساطة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، لدى بايدن للقاء السيسي في واشنطن، إلا أن هدف السيسي “لم يتحقق”، ولم يقم بايدن إلا ببادرة واحدة وهي اتصال هاتفي معه في 20 مايو 2021، إثر نجاح وساطته بين الفلسطينيين والكيان المحتل[5]. وبعيدًا عن اللقاءات على المستوى الرئاسى، يبدو أن البلدين يتمتعان بمستوى عالٍ من التنسيق على المستوى السياسي، كما أكد شكرى خلال لقائه ببلينكن، ضاربًا مثال بالتعامل الأخير بشأن الوضع في غزة. وأوضح أن التعاون العسكري والأمني يكتسب أهمية أكبر بالنظر إلى التحديات العديدة التي تواجه السلام والاستقرار في المنطقة، وقال: “جرت مناورات النجم الساطع في سبتمبر الماضي، واستكملت بتبادلات متكررة بين كبار قادتنا العسكريين، بما في ذلك الاجتماع الأخير للجنة التعاون العسكري الثنائية”. وتابع: “بالمثل، ساهم تعاوننا العسكري الثنائي الوثيق، والدعم اللوجستي المتبادل، في قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على مصالحها الأساسية في المنطقة، وتعزيز مرونة وضعها العسكري، وقدرتها على استعراض قوتها عبر المنطقة”[6].

2- التعاون الاقتصادى: فقد شدد بلينكن على أن التعاون الاقتصادي كان أولوية للنقاش. حيث تمول الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مشروعات حاليًا بقيمة 600 مليون دولار. يشمل ذلك برنامجًا جديدًا مدته خمس سنوات بقيمة 36 مليون دولار لزيادة قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم على تصدير سلعها وتحسين بيئة التجارة والاستثمار في مصر. وتعد مصر أكبر سوق تصدير للسلع الأمريكية في أفريقيا. وتدعم الاستثمارات الأمريكية المباشرة بقيمة 24 مليار دولار أكثر من 40 ألف وظيفة للمصريين، وما يقرب من 30 ألف وظيفة للأمريكيين في مصر. ولفت الوزير الأمريكي إلى إطلاق لجنة اقتصادية مشتركة جديدة نتيجة لاجتماعات هذا الأسبوع “وهي مهمة أكثر من أي وقت مضى. نظرًا للتأثير المدمر لـ COVID-19”[7]. وما قد يثير الخلاف بين الجانبين في الملف الاقتصادى ما يتعلق بموضوع اقتصاد الجيش، الذي تم فتحه مع شكري خلال لقاءات بلينكن المحدودة في نيويورك في سبتمبر 2021 على هامش حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن الملاحظات التي يسجلها الأميركيون في هذا الملف تأخر النظام في ما وعد به في نهاية عام 2019، من طرح شركات القوات المسلحة في البورصة ضمن برنامج الطروحات الحكومية المقتصرة حتى الآن على شركات قطاع الأعمال العام وبعض الشركات المملوكة للهيئات الاقتصادية، واستمرار الهيكلية الغامضة لجميع شركات الجيش فهي ليست مؤسسة كشركات مساهمة من الأصل وغير خاضعة لأي نوع من الرقابة الفعلية. كذلك تغاضى النظام المصري أيضاً، وفقاً للأميركيين، عن إشراك القطاع الخاص المحلي والدولي في المشروعات المرفقية المختلفة التي ينفذها الجيش والشركات الحكومية، واقتصار أعمال المستثمرين على المقاولات الصغيرة والتوريدات وغيرها من الأنشطة غير الإنتاجية[8].

3- العلاقة على المستوى الشعبى: أكد وزير الخارجية الأمريكي أثناء لقائه بنظيره المصري على متانة العلاقة ليس على المستوى الرسمي فحسب، بل والشعبي كذلك. فاختار أن يضرب أمثلة حياتية توّضح هذا الأمر، من المصريين المؤثرين، أو الأمريكيين من ذوي الأصول المصرية. ولفت إلى أن البلدين لديهما “أجندة واسعة وعميقة بشكل لا يصدق”. قال: “الروابط بين دولتينا لا تعد ولا تحصى للمصريين. ومن المصريين الأمريكيين من يشكلون الحياة الأمريكية. من أفلام رامي مالك إلى الأخبار التي تأتي إلينا كل يوم من هدى قطب. إلى الابتكارات المصرية التي نستخدمها كل يوم، من التقويم 365 يومًا إلى عمليات زراعة القلب التي ابتكرها مجدي يعقوب. أوضح أيضًا أن بلاده قدمت منحًا دراسية وبرامج تبادل لأكثر من 23000 من المصريين والأمريكيين. مثل برنامج الزائر الدولي للقيادة. الذي احتفل للتو بعيده الثمانين. قال: أحد أهم المشاركين في البرنامج، إذا عدت إلى الوراء. كان أنور السادات، الذي جاء إلى الولايات المتحدة لأول مرة عام 1966 مع زوجته جيهان. ولفت إلى أن جيهان السادات قضت عقودًا في التعاون مع المدافعين عن حقوق المرأة الأمريكية، والمنظمات الإنسانية والمؤسسات الأكاديمية، بما في ذلك جامعة ميريلاند حيث قامت بالتدريس هناك، قائلًا:  “ننضم إلى مصر في الحداد على وفاتها هذا العام”[9].

ثانيًا: المساعدات الأمريكية وحقوق الإنسان:

إجمالاً، توفر واشنطن 1,3 مليار دولار سنوياً من “التمويل العسكري الأجنبي” لمصر، يخضع 300 مليون دولار منها لشروط معينة في الكونغرس. وفي 13سبتمبر2021، أشارت إدارة بايدن إلى أنها ستحجب مبلغ 130 مليون دولار من القيمة المشروطة البالغة 300 مليون دولار بناءً على بعض الهواجس المتعلقة بحقوق الإنسان (بينما تُركت الـ 170 مليون دولار المتبقية متاحة للمشتريات المتعلقة بمكافحة الإرهاب بما في ذلك أنشطة تنظيم داعش في سيناء). وبعد فترة وجيزة من إعلان واشنطن عن تجميد التمويل، سعى النظام في مصر لتبييض صورته الحقوقية السلبية أمام العالم بتقديم ما أسماه بـ”الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”، في 12 سبتمبر 2021، وادعى “احترام جميع التزاماتها التعهدية ذات الصلة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية”. كما أقدم على تشكيل “المجلس القومي لحقوق الإنسان” في 4 أكتوبر 2021، ليتكون من 27 حقوقيا وسياسيا، وذلك بعد نحو 4 سنوات من تجميد عمله عام 2017. كما قام باسقاط التهم ضد أربع منظمات غير حكومية كانت تواجه قيوداً حكومية مختلفة منذ عام 2011 بسبب قبولها تمويلاً أجنبياً. وحاول النظام الوصول إلى صانع القرار الأميركي بإرسال وفد مصري حقوقي وسياسي وإعلامي للحديث عن ملف حقوق الإنسان في مصر مع بعض النواب والمسؤولين الأميركيين. وفي 8 أكتوبر 2021، زار وفد مصري برلماني وسياسي برئاسة البرلماني السابق محمد أنور السادات، واشنطن، لتوضيح موقف مصر بملف حقوق الإنسان، وإقناع إدارة بايدن بـ”حدوث تغييرات حقيقية”. كما دشن النظام المصري أكبر مجمع سجون في البلاد على الطريقة الحديثة وبإمكانيات السجون الغربية، معلنا عن تشغيله في 28 أكتوبر 2021، مؤكدا غلق نحو 16 سجنا قديما. كما أعلن في 26 أكتوبر 2021، وقف تطبيق حالة الطوارئ في البلاد كافة ووقف العمل بقانون “الطوارئ” سيئ السمعة، والذى كان ساريًا منذ عام 2017[10]. لكن بعد أيام قليلة، تبددت الآمال في إجراء إصلاح جوهري عندما أعلنت الحكومة المصرية عن تغييرات منحت السيسي والقوات العسكرية بشكل أساسي المجموعة نفسها من الصلاحيات القاسية للأمن القومي. وتتمثل تلك التغييرات في التعديلات التي أدخلت على التشريعات الخاصة بقانون مكافحة الإرهاب وقانون تأمين وحماية المنشآت العامة.

ومن ثم، في حين سيوفر الحوار الاستراتيجي فرصاً مفيدة لمناقشة هذه المواضيع، إلّا أن احتمال أن ترفع الإدارة الأمريكية تعليق التمويل لا يشكل نتيجة واقعية لهذه الاجتماعات[11]. ووفقاً لبعض التقارير، لن يتم الإفراج عن الأموال المحجوبة إلى حين تُظهر مصر تقدماً في عدة قضايا مرتبطة بحقوق الإنسان، مثل الإغلاق النهائي لقضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني 173 لسنة 2011، والمضي قدماً بخطى أسرع في رفع القيود المفروضة على الحقوقيين المتهمين في هذه القضية، مثل المنع من السفر وتجميد الأموال، وتخفيف الإجراءات العقابية ضد 16 مواطناً مصرياً يحملون الجنسية الأميركية، المعتقلين والممنوعين من السفر، والذى أصبح وضعهم موضوع نقاش ساخن في مختلف التقارير الإعلامية وجلسات الاستماع في الكونغرس الأمريكي. كما تتابع واشنطن وغيرها من العواصم الأوروبية عن كثب توابع إلغاء حالة الطوارئ وتأثير ذلك على المعتقلين البارزين الحاليين، وعلى رأسهم علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر وباتريك جورج ومعتقلو “خلية الأمل” ورامي شعث، بالتالي فإن تصرف محاكم النظام في هذه الحالات قبل نهاية العام الحالي سيحدد إلى حد كبير كيفية التعاطي مع المطالبات المصرية والمخططات التي يرسمها السيسي لتقديم نفسه من جديد للمجتمع الدولي[12].

وقد كان واضحًا أن ملف حقوق الإنسان لا يزال يواجه اختلافات بين الطرفين، فقد أشار وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، خلال المؤتمر الصحفي مع نظيره المصري عقب جلسات الحوار الاستراتيجى، وجود قضايا مثيرة للقلق فيما يتعلق بحقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن إجراء تحسينات ملموسة ودائمة على حقوق الإنسان أمر ضروري لتعزيز علاقتنا الثنائية، وأكد أن الولايات المتحدة ستواصل دعم هذه الجهود بأي طريقة ممكنة. ليرد عليه شكري بأن وجهة نظر الدولة المصرية تنظر إلى حقوق الإنسان كوحدة مترابطة. مما يستلزم تكريس اهتمام متساوٍ للحقوق السياسية والحريات المدنية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وأكد: “هذه عملية تطورية فريدة لكل بلد. تعكس وتأخذ في الاعتبار خصوصياتها الاجتماعية، وحقائقها التنموية، وخلفيتها الدينية، وخصائصها الثقافية[13]. ويبدو أن ملف حقوق الإنسان سيظل النقطة الأبرز في الخلافات بين البلدين، فقد أشارت ورقة بحثية بعنوان “الإبحار في معضلة الديمقراطية والأمن في السياسة الخارجية الأمريكية: دروس من مصر والهند وتركيا”، والصادرة عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في 4 نوفمبر 2021، إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يسعى إلى وضع الدفاع عن الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان في صميم السياسة الخارجية للولايات المتحدة. لكن الإدارة الأمريكية تواجه حقيقة تتمثل في أن الولايات المتحدة تحافظ على علاقات أمنية وتعاون مع حكومات “غير ديمقراطية أو متراجعة ديمقراطيًا”.

ذلك التعاون يرجع إلى مكافحة التهديدات الإرهابية، والحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط، وإدارة المنافسة مع الصين. فعلى سبيل المثال؛ تحتاج الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط إلى التعاون مع دول استبدادية؛ لتوفير القواعد العسكرية، ودعم العمليات الأمريكية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتنسيق المبادرات الأمنية الإقليمية. لذلك تظل قيمة الشراكات الوثيقة مع دول مثل مصر، والأردن، والسعودية، والإمارات بمثابة عقيدة للعديد من مؤسسات الدفاع والاستخبارات والدبلوماسية الأمريكية. ومع ذلك، فقد أشارت الورقة إلى أن الولايات المتحدة تحاول أن تحسن من سلوك الدول التي تقوم بانتهاك الديمقراطية والحقوق والحريات، ولكن بسياسات مختلفة. حيث تركز واشنطن، بالنسبة للديكتاتوريات الكاملة، وربما يقع النظام المصري في هذا التصنيف، على تشجيع الحكومة على تقليل حدة القمع المستمر، أو التفكير في بعض الأشكال الأساسية جدًا للتحرير السياسي. أما في السياقات الاستبدادية التنافسية، فقد يكون التركيز بدلاً من ذلك على ضمان الحقوق السياسية للمعارضة، أو الحفاظ على أي مساحة موجودة للمجتمع المدني المستقل، أو حماية قدر ضئيل من وسائل الإعلام المستقلة على الأقل. وفي البلدان التي بدأ فيها التراجع الديمقراطى للتو، قد يركز صانعو السياسة الأمريكيون بدلاً من ذلك على الحد من الخطاب غير الليبرالي، أو الحفاظ على نزاهة العمليات الانتخابية، أو التراجع عن الجهود المبذولة لتقويض استقلال القضاء[14].

ثالثًا: القضية الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل:

1- العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلى: احتل ملف العلاقة بين مصر وإسرائيل المرتبة الأولى في حديث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع نظيره المصري سامح شكري، في المؤتمر الصحافي الذي جمعهما في 8 نوفمبر، بعد جلسة المشاورات الأولى في الحوار الاستراتيجي. وأكد الوزير الأميركي أن “الأولوية الأولى بالنسبة للولايات المتحدة في هذا الحوار هي مسألة “الأمن الإقليمي”. قائلًا إنه “منذ 40 سنة وتحديدًا عندما تم توقيع اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، لم نرى هذا الاتفاق أكثر قوة، إلا من خلال زيارات السيسي ولقاءاته المتعددة بالإسرائيليين، مثل زيارة رئيس الوزراء بينيت الأخيرة في سبتمبر للقاء الرئيس السيسي، وهي أول رحلة على هذا المستوى منذ أكثر من عقد[15]. كما ثمّن وزير الخارجية الأمريكي، في حديثه، جهود الوساطة المصرية لتحقيق وقف إطلاق النار في مايو الماضي بين قطاع غزة وإسرائيل، مشيرًا إلى التزام مصر بتقديم 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، من بين جهود أخرى لتحسين حياة الشعب الفلسطيني[16]. فيما اعتبر وزير الخارجية سامح شكري أن اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، “تطور إيجابي من شأنه تشجيع إسرائيل والفلسطينيين، لأنه فتح الأبواب وساعد في تبديد فكرة التهديد المتبادل”. وأضاف “شكري” خلال ندوة، في 9 نوفمبر، في “مركز وودرو ويلسون” للدراسات بواشنطن، أن مصر تعمل على “طمأنة الفلسطينيين” وتتحدث مع “الإسرائيليين عن أهمية السلام”[17]. ومن المرجح أن يكون شكرى قد سلط الضوء على دور مصر كوسيط رئيسي في القضايا الإسرائيلية الفلسطينية، لا سيما فيما يتعلق بجهودها لتحقيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية في مايو 2021. وهي النقطة التي ستكون بمثابة تأكيد على القيمة التي تجلبها مصر كشريك إقليمي لواشنطن[18].

ويبدو أن التحسن في العلاقة بين مصر وإسرائيل، بدعم أمريكى، لن تتوقف عند حد الزيارات الدبلوماسية المتبادلة، أو تشجيع مصر لعمليات التطبيع العربى مع إسرائيل، أو التوسط بين تل أبيب وحماس، ولكنه يتضمن أيضًا التعاون العسكرى المعلن لمواجهة التهديدات المشتركة. وفي هذا السياق، ففقد قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، في 8 نوفمبر، إن لقاءً عقد للجنة العسكرية المشتركة للجيشين المصري والإسرائيلي مؤخراً، لبحث موضوعات مختلفة، وخلال هذا اللقاء وقَّع الجانبان اتفاقاً لتنظيم عملية انتشار قوات حرس الحدود في منطقة رفح المحاذية لقطاع غزة. وذكرت “يديعوت” أن الاتفاقية تسمح لمصر بتعزيز وجودها العسكري في منطقة رفح، وحظيت الاتفاقية بتصديق المستوى السياسي في إسرائيل. وأشارت إلى أن اللقاء يعزز العلاقات بين مصر وإسرائيل أكثر[19]. وقد أكد البيان الرسمي الإسرائيلي إنه سيتم تعزيز القوات المصرية في منطقة رفح ومحيطها بحجم يوازي حجم تلك القوات التي انتشرت قبل حرب أكتوبر 1973. وبعد ساعات من الإعلان الرسمي من الجانب الإسرائيلي، أكد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية تعديل الاتفاقية الأمنية الثنائية بزيادة عدد قوات حرس الحدود وإمكاناتها في المنطقة الحدودية.

وتحظر اتفاقية كامب ديفيد التي وقّعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في 17 سبتمبر 1978 على الجانب المصري إدخال طائرات وأسلحة ثقيلة إلى المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وحددت طبيعة القوات المصرية المنتشرة وكذلك تسليحها، على أن يتم التنسيق بين الجانبين الإسرائيلي والأميركي حول أي عملية عسكرية يريد الجيش المصري تنفيذها في سيناء. وكانت إسرائيل قد علّقت العمل بالشق الأمني من اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع مصر، بهدف تمكين الجيش المصري من تنفيذ عملية عسكرية واسعة، للقضاء على المجموعات المسلحة في شبه جزيرة سيناء في يوليو 2013 في أعقاب تطور الأحداث الأمنية في شمال سيناء إثر ما جرى في المشهد السياسي المصري آنذاك. وعلى مدار السنوات الماضية أدخل الجيش المصري قوات عسكرية ضخمة إلى شمال سيناء، لا سيما مناطق رفح والشيخ زويد والعريش. وترجع الموافقة الإسرائيلية على زيادة القوة العسكرية المصرية في سيناء لما يمثله ذلك من صمام أمان لصالح الجانب الإسرائيلي على حدوده الجنوبية، لمواجهة خطر التنظيمات الإرهابية من جهة، وملاحقة طرق دعم وإمداد المقاومة الفلسطينية في غزة[20].

2- القضية الفلسطينية: ليس من قبيل المصادفة أن مصر استضافت العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في سبتمبر الماضى لإحياء المناقشات حول حل الدولتين، ورحبت برئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت في أول رحلة رسمية يقوم بها زعيم إسرائيلي إلى مصر منذ أكثر من عشر سنوات، وأجريت محادثات مع حماس حول تبادل الأسرى وبناء هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، من بين قضايا أخرى. ومنذ حرب غزة الأخيرة، عادت القضية الفلسطينية ولا سيما الوساطة بين إسرائيل وحماس، كإحدى أوراق القوة الرئيسية في يد مصر التي تجعل الولايات المتحدة تعتبرها شريكاً لا غنى عنه. وتزداد أهمية هذا الملف؛ لأن إدارة بايدن فعلياً تتجاهل إحياء المفاوضات في القضية الفلسطينية ولكنها لا تريد عودة الحرب، أو عمليات طرد الفلسطينيين المستفزة، لأنها باتت تثير انتقادات حادة من قبل اليسار الأمريكي وتثير خلافات داخلية أمريكية، وصمت الإدارة بجعلها تلوث الصورة الحقوقية المزعومة التي تحاول بناءها، بينما انتقادها لإسرائيل يستفز اللوبي اليهودي في أوساط الديمقراطيين التقليديين والجمهوريين[21].

ويبدو أن مصر تسير في فلك السياسة الأمريكية التي تقوم على تهدئة وإدارة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين دون حله. ومن هنا، ترغب القاهرة في الحصول على دعم أمريكى مباشر لمبادرة التهدئة، بما تتضمنه من بنود خاصة بتبادل الأسرى ووقف الأعمال التصعيدية بين الاحتلال والفلسطينيين. وارتباطاً بهذه النقطة، فهناك زيارة مرتقبة لوزير المخابرات المصري اللواء عباس كامل إلى إسرائيل نهاية شهر نوفمبر الجاري. وأكد كامل في حديثه لصحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، أن المخابرات المصرية، تعمل ليل نهار من أجل التوصل لصفقة شاملة في غزة، مشيراً إلى أن المناقشات بين الأطراف يجب أن تشمل كافة القضايا وهي إعادة الإعمار، والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى حماس وإطلاق سراح تدريجي للأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال. وأضاف أن مصر تعمل بقوة من أجل الدفع نحو استئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، متابعًا حديثه  “نسعى لعودة السلطة إلى غزة وتشكيل حكومة وحدة وطنية وسأزور تل أبيب ورام الله نهاية الشهر الجاري”[22].

رابعًا: أثيوبيا وملف سد النهضة:

تمثل أزمة سد النهضة واحدة من أهم القضايا التي تحتاج فيها مصر إلى دور أمريكي، وسبق أن عرض السفير المصري لدى الولايات المتحدة، معتز زهران، موقف مصر في مقال رأي بعنوان: “وحدها واشنطن يمكنها إنقاذ مفاوضات سد النهضة الآن”. وبالفعل سبق أن طلبت القاهرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الوساطة وقام الرجل بتدخل شخصي نادر في المفاوضات التي أثمرت عن مشروع اتفاق لم يوقع عليه الجانب الإثيوبي، وانتهت الوساطة الأمريكية بفرض إدارة ترامب عقوبات على إثيوبيا، بل حديث ترامب عن أن مصر في نهاية الأمر ستفجر السد. ولكن واحداً من أول القرارات التي اتخذتها إدارة بايدن كانت رفع العقوبات التي فرضها ترامب على إثيوبيا بسبب أزمة سد النهضة، وبدا استعداد الإدارة الأمريكية للوساطة أقل حماساً من إدارة ترامب، وتداخل ذلك مع خوفها من انفجار الوضع في إثيوبيا لو استمر الضغط على رئيس وزرائها آبي أحمد. ولكن تدريجياً، بدأت إدارة بايدن تتبنى مقاربة أكثر حدة مع إثيوبيا مع استمرار توارد الأنباء عن انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في تيغراي، وتراجع الملف الحقوقي والديمقراطي في مجمل إثيوبيا، فضلاً عن قلق واشنطن من علاقة أديس أبابا بالصين. ومع تدهور الوضع في إثيوبيا إثر تقدم جبهة تحرير تيغراي نحو أديس أبابا يتوقع أن يتداخل ملفا الأزمة الإثيوبية مع الخلاف حول سد النهضة في الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري. وبينما كان نهج إدارة بايدن هو تجنب التورط في الوساطة بشكل مباشر، فإن المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي، جيفري فيلتمان، كان لديه بعض الانخراط في هذه القضية، ولكن الآن، الوضع معقد بسبب اتساع الصراع الأهلي الإثيوبي، والانقلاب العسكري في السودان، وكلاهما يمثلان مخاوف على المدى القريب بشأن الاستقرار الإقليمي ويمكن أن يعرقل أي أمل في إشراك هذه الأطراف في محادثات جديدة بشأن سد النهضة في أي وقت قريب.

ويمكن أن يكون إظهار الولايات المتحدة استعدادها لبذل المزيد بشأن قضية سد النهضة- عندما يسمح الوضع بذلك-  نتيجة إيجابية ملموسة من الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري. ويتمثل أفضل ما يمكن للولايات المتحدة أن تحصل عليه من مصر في الحوار هو الاتفاق على استمرار القاهرة في حجب الدعم الصريح للجيش السوداني، على الأقل في المدى القريب. ويمكن أن يحفز ذلك في المقابل، استعداد الولايات المتحدة للمشاركة بنشاط في مفاوضات سد النهضة[23]. وفي هذا السياق، فقد أكد بلينكن على ثبات الولايات المتحدة في دعم اتفاق تفاوضي بشأن الخلاف حول سد النهضة من شأنه تلبية مصالح جميع الأطراف، بما في ذلك احتياجات مصر المائية، وهو الأمر الذي ناقشه الرئيسان بايدن والسيسي مباشرة خلال الاتصال الهاتفي في مايو الماضى على خلفية مناقشة حرب غزة[24]. كما ترغب القاهرة في سماع موقف واضح من الأميركيين بشأن الأوضاع في إثيوبيا ومدى تأثيرها على مستقبل ملف سد النهضة، وما إذا كان الدعم الأميركي الواضح لقومية “تيغراي” والدعم المصري القديم لقومية “أورومو” قد يساهمان في إعادة صياغة أولويات السياسة الإثيوبية في مرحلة ما بعد رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، الذي لم يعد من المقبول أميركياً وأوروبياً استمراره في السلطة، ويعتبر هذا نقطة خلاف كبرى وساحة لحرب جديدة بالوكالة بين أميركا والصين[25]. وهناك أيضًا، ما تشير إليه التقارير الأخيرة إلى أن تركيا، خصم مصر الإقليمي – التي تدعم جماعة «الإخوان المسلمين»، التي يعتبرها السيسي تهديداً وجودياً – وقّعت صفقة لتزويد أثيوبيا بطائرات بدون طيار من طراز “بيرقدار تي بي 2″، يُفترض استخدامها ضد “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”، الخصم الرئيسي للحكومة الأثيوبية في الحرب. إلّا أن القاهرة قلقة بشأن عملية البيع، وقد يأمل المسؤولون المصريون في تعطيل أي تدابير يمكن أن تقوّي رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد الذي يواجه صعوبات جمة. ويبدو أن القاهرة طلبت من واشنطن المساعدة في إحباط صفقة الطائرات بدون طيار، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن مستعدة للتدخل في هذا الشأن أو حتى قادرة على ذلك[26].

خامسًا: انقلاب السودان:

جلب الانقلاب العسكري السوداني في أواخر أكتوبر الماضي وما تلاه من استخدام القوة ضد المتظاهرين موضوعاً خلافياً إلى طاولة الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري، حيث لا تتوافق مصالح مصر والولايات المتحدة بشكل واضح حول هذه الأزمة. فلقد أدانت الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إطاحة العسكريين بحكومة عبد الله حمدوك، وأصدر الرئيس بايدن بياناً دعا فيه الجيش إلى السماح للشعب السوداني بالاحتجاج السلمي وعودة الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون. في المقابل، من غير الواضح دور مصر في الانقلاب العسكري الذي جرى في السودان، ولكن وفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، اجتمع الجنرال السوداني عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الحاكم بالمبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان قبل الانقلاب العسكري بيومين، وأكد له أنه لا ينوي إزاحة الحكومة المدنية الانتقالية- لكن البرهان سافر بعد ذلك إلى القاهرة مباشرة للحصول على الدعم المصري للقيام بذلك على وجه التحديد. ووفقاً للصحيفة المذكورة، كان رئيس “جهاز المخابرات العامة” المصرية عباس كامل قد زار الخرطوم سابقاً وأبلغ البرهان بأن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك “يجب أن يرحل”. وعلى الرغم من البيان المصري المتعلق بالانقلاب السودانى، والذى دعت فيه إلى “ضبط النفس والمسؤولية” في السودان “وإعطاء الأولوية للتوافق الوطني”، لكنها لم تدِن الانقلاب أو تدعو إلى استعادة الحكم الانتقالي المدني. وعززت مصر من موقفها الذي يبدو أقرب لتأييد العسكريين بعدم انضمامها إلى الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة في بيان صدر في 3 نوفمبر يدعو إلى “الاستعادة الكاملة والفورية” للحكومة المدنية الانتقالية.

ومع ذلك، يبدو أن الضغوط الأمريكية على مصر للتراجع عن دعم انقلاب السودان والوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف السودانية قد تؤتى ثمارها. فقد قال بلينكن، في 8 نوفمبر، إن الولايات المتحدة ومصر لديهما “مصلحة مشتركة” في استعادة الانتقال الديمقراطي في السودان[27]. كما كان من الملاحظ تغير لغة الخطاب الدبلوماسى المصري تجاه انقلاب السودان عقب لقاء شكرى وبلينكن، حيث وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع الصحافيّين المصريين والعرب، في مقرّ إقامته في العاصمة الأميركية واشنطن، «نأمل أن يخرج السودان من أزمته الحالية، من خلال التشاور والتنسيق بين كافة الأطراف»، لافتاً إلى أن «مصر لا تتدخّل في شؤون الآخرين، ولكنها ستدعم أي جهود تُطلب منها، وهي لا تدعم فريقاً على حساب آخر». وردّاً على سؤال بشأن «ما تردّد عن عدم مشاركة مصر في التوقيع على البيان الرباعي الخاص بالسودان»، أجاب شكري أنه «لم يتمّ إخطار مصر بذلك، ولم تطّلع على البيان أثناء بلورته، ولم يتمّ إعلامها حتى بتوقيت صدوره». وأضاف: «حين يتعلّق الأمر بالسودان، إذا وجدنا أن هناك فائدة في إصدار بيان، إلى جانب البيان الذي أصدرناه في البداية، لكُنّا أصدرناه من تلقاء أنفسنا، نظراً إلى ارتباطنا الوثيق بشعب السودان»[28].

سادسًا: دعم الاستقرار في ليبيا:

بينما دعمت الولايات المتحدة العملية التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا و”حكومة الوفاق الوطني” المعترف بها دولياً في طرابلس، اتخذت مصر الاتجاه المعاكس ودعمت ما يسمى بـ “الجيش الوطني الليبي” بقيادة الجنرال خليفة حفتر خلال الحرب الأهلية عامَيْ 2019 و2020 – وهي شراكة أدت إلى مواءمة مصر بقوة مع روسيا. وبالفعل، ذهبت مصر وفقاً لبعض التقارير إلى حد تقديم الدعم القاعدي واللوجستي لمرتزقة “فاغنر” الروسية عندما انتشرت في الجوار. ومؤخراً، مع اتجاه ليبيا نحو وقف مؤقت لإطلاق النار وإقامة حكومة وحدة مؤقتة، يبدو أن مصر خففت من ميلها لحفتر. وتزامنَ هذا التحول مع تقارب متزايد بين القاهرة وأنقرة، التي كانت شريكة “حكومة الوفاق الوطني” خلال الحرب.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية الليبية في 24 ديسمبر، من المهم بشكل متزايد أن تلعب مصر دوراً مثمراً، لا سيما في دعم نزاهة العملية الانتخابية. فلا شك في أن روسيا ومرتزقتها سيحاولون تخريب العملية في الأسابيع المقبلة من خلال دعم حلفائهم المحليين، الذين سيحمون بدورهم مصالح موسكو إذا انتُخبوا. لكن على مصر أن تقاوم الاندفاع إلى دعم مَن تفضّلهم، ومن بينهم حفتر، أو حليفه المتمركز في طبرق عقيلة صالح، أو سيف الإسلام نجل معمر القذافي. لذلك على إدارة بايدن استخدام اجتماعاتها القادمة من أجل توضيح كيف يمكن لسلوك مصر وتأثيرها على المرشحين في ليبيا أن يؤثر على الاستقرار[29]. في المقابل، ترغب مصر في موقف أمريكي أقرب لها في الأزمة الليبية والمتمثل في ضرورة إخراج جميع القوات العسكرية من ليبيا بما فيهم القوات العسكرية التركية، بعدما بدا أن واشنطن تدعم التواجد العسكرى التركى على اعتبار أنه موازن وموجه ضد التواجد العسكرى الروسى في ليبيا[30]. وفي هذا السياق، يمكن تلمس نوع من التوافق بين البلدين في هذه النقطة، عندما قال بلينكن: “نتفق كثيرًا على أهمية الانسحاب الكامل لجميع القوات الأجنبية والمقاتلين والمرتزقة من البلاد”[31]

سابعًا: شرق المتوسط:

من المرجح أن تنظر أمريكا بإيجابية إلى تحركات مصر لتعزيز التعاون مع جيرانها في شرق البحر المتوسط ، اليونان، إسرائيل، وقبرص بالإضافة إلى دور مصر في إقامة منتدى غاز شرق المتوسط ​​في عام 2020، وهي خطوة حظيت بثناء غربي كبير، حسب ورقة بحثية حمل عنوانها تساؤل “كيف سيبدو الحوار الاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة؟” طرحها باحثو معهد أتلانتيك كونسل (المجلس الأطلسى). ولكن واشنطن ستتعامل بحذر مع هذا الملف لمراعاة مصالح حليفتها تركيا، في ظل العلاقة المركبة بين واشنطن وأنقرة[32].

ثامنًا: لبنان وسوريا:

هددت الأزمة الأخيرة في العلاقات الخليجية مع لبنان (الناتجة عن تصريحات وزير الإعلام اللبنانى جورج قرداحى بشأن السعودية) خطط مصر لتصدير الغاز الطبيعي إلى ذلك البلد عبر الأردن وسوريا. (عملياً، سيشمل الترتيب قيام الأردن بإرسال الغاز الإسرائيلي المستورد إلى لبنان). وحيث يحرص القادة في السعودية والإمارات والكويت والبحرين على معاقبة بيروت على تمكينها ميليشيا «حزب الله» المدعومة من إيران، فقد يحاولون الضغط على القاهرة لتعليق فكرة التصدير. علماً بأن القاهرة تتجنب التورط في مواجهة مع حزب الله، وتحتفظ بخطوط اتصال مع حليفيه الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري. والموقف الأمريكي سيكون حاسماً في دعم صفقة الغاز المصرية  في مواجهة أي ضغوط خليجية. ومن خلال مناقشة مسألة لبنان مع فريق شكري، بإمكان المسؤولين الأمريكيين أيضاً خلق فرصة مفيدة لإجراء مقايضة حول سوريا. فمصر تدافع بحماس من أجل عودة سوريا إلى “الصف العربي”، بما في ذلك إلغاء تجميد عضويتها في “جامعة الدول العربية” وإعادة إشراكها في المنطقة سياسياً واقتصادياً. ولا تعارض إدارة بايدن عملية إعادة الدمج هذه بشكل فعال، لكن عليها على الأقل التنسيق مع مصر وشركاء عرب آخرين لضمان انتزاع بعض التنازلات من نظام الأسد مقابل ذلك – بدءاً من أهداف قابلة للتحقيق مثل حماية المدنيين، وإلى أهداف أكثر طموحاً مثل الحد من قواعد الصواريخ الباليستية الإيرانية على الأراضي السورية[33].

تاسعًا: الصين وروسيا:

رغم أنه يمكن القول إن أنشطة الصين في مصر متواضعة بالمقارنة بالخليج ودول أخرى في المنطقة. إلا أن المنافسة الاستراتيجية الأمريكية مع الصين ستحوز جزءاً لا بأس به في الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري حسب المجلس الأطلسي. ويشير مراقبون إلى المخاوف الأمريكية من زيادة التعاون العسكري بين بكين والقاهرة. وهي خطوة قد لا تتأخر طويلاً في ظل استراتيجية الجيش المصري في تنويع مصادر التسليح، واستمرار المناورات مع الدول الصديقة والحليفة. ومما يزيد مخاوف أمريكا كون الصين مستثمراً نشطاً وشريكاً في بناء العاصمة الإدارية الجديدة. ولفت الباحثون في المجلس الأطلسي إلى المخاوف بشأن مشاركة بكين في البنية التحتية للتكنولوجيا والاتصالات في مصر، والتي استرعت انتباه إدارة بايدن. المخاوف نفسها بشأن تنويع التسليح هي ما دفعت واشنطن لإبداء تخوفات بشأن عزم مصر شراء طائرات مقاتلة روسية من طراز Su-35. وهي قضية أشار باحثو أتلانتيك إلى احتمالية فرض العقوبات الأمريكية بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا بسببها، خاصة بعد تسلم مصر لأعداد من هذه الطائرات بالفعل. ولفتت ورقة المجلس الأطلسي إلى أن بلينكن أثار القضية في محادثات سابقة مع نظيره المصري. مشيرة إلى أنه قد يكون التحذير الأمريكي الإضافي بخصوص التعاون المصري مع روسيا قد يستغرق جزءاً لا بأس به من هذا الحوار. في المقابل ينتظر أن تحاول مصر إرضاء أمريكا مع احتفاظها بالروابط المتنامية مع بكين وموسكو، وأن تطلب مقابلاً للحد من هذه الروابط[34].

 

 

[1] ” غزة مقابل السد وحقوق الإنسان.. إليك أهم قضايا الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري، ومن يفرض شروطه؟”، عربى بوست، 9/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3D5UPWy

[2] المرجع السابق.

[3] “أهم بنود جدول أعمال الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر”، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 5/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3C7qupk

[4] ” بعض أسباب تعثر لقاء بايدن والسيسي في غلاسكو”، العربى الجديد، 4/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3HcNJlN

[5] ” استثناه من قمة الديمقراطية ولم يقابله في غلاسكو.. لماذا يتجاهل بايدن السيسي؟”، صحيفة الاستقلال، 9/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3qoV0su

[6] “استراتيجية الحوار المصرية-الأمريكية.. شراكة عميقة في ملفات مضطربة”، مصر360، 9/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3D850tY

[7] مرجع سابق.

[8] “أجندة شكري في واشنطن: “دمج إسرائيل” وسد النهضة أولاً”، العربى الجديد، 7/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3F31Nw7

[9] “استراتيجية الحوار المصرية-الأمريكية.. شراكة عميقة في ملفات مضطربة”، مرجع سابق.

[10] ” استثناه من قمة الديمقراطية ولم يقابله في غلاسكو.. لماذا يتجاهل بايدن السيسي؟”، مرجع سابق.

[11] “أهم بنود جدول أعمال الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر”، مرجع سابق.

[12] “أجندة شكري في واشنطن: “دمج إسرائيل” وسد النهضة أولاً”، مرجع سابق.

[13] “استراتيجية الحوار المصرية-الأمريكية.. شراكة عميقة في ملفات مضطربة”، مرجع سابق.

[14] ” الشراكة المصرية الأمريكية.. معضلة طويلة الأمد”، مصر 360، 6/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3ogfilw

[15] ” بلينكن يتجنب إحراج شكري بشأن “حقوق الإنسان” ويشيد بلقاءات السيسي مع الإسرائيليين”، العربى الجديد، 8/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3F7rlrR

[16] “استراتيجية الحوار المصرية-الأمريكية.. شراكة عميقة في ملفات مضطربة”، مرجع سابق.

[17] “شكري: اتفاقات التطبيع مع إسرائيل تطور إيجابي يشجع الإسرائيليين والفلسطينيين”، الخليج العربى، 10/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3kpJSbk

[18] ” غزة مقابل السد وحقوق الإنسان.. إليك أهم قضايا الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري، ومن يفرض شروطه؟”، مرجع سابق.

[19] “اتفاقية جديدة بين جيشَي مصر وإسرائيل بخصوص رفح.. ما تفاصيلها؟”، تى أر تى عربى، 8/11/2021، الرابط: https://bit.ly/2YACSAD

[20] “ما وراء الموافقة الإسرائيلية على زيادة عدد القوات المصرية في سيناء”، العربى الجديد، 9/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3C44OdC

[21] ” غزة مقابل السد وحقوق الإنسان.. إليك أهم قضايا الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري، ومن يفرض شروطه؟”، مرجع سابق.

[22] ““رأي اليوم” تكشف الملفات الـ5 التي سيناقشها وزير المخابرات المصرية خلال زيارته لإسرائيل.. مصادر: تطورات هامة بملفات التبادل والتهدئة وحصار غزة وتدبيرات أمنية جديدة بسيناء”، رأى اليوم، 7/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3wDCsG3

[23] ” غزة مقابل السد وحقوق الإنسان.. إليك أهم قضايا الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري، ومن يفرض شروطه؟”، مرجع سابق.

[24] “استراتيجية الحوار المصرية-الأمريكية.. شراكة عميقة في ملفات مضطربة”، مرجع سابق.

[25] “أجندة شكري في واشنطن: “دمج إسرائيل” وسد النهضة أولاً”، مرجع سابق.

[26] “أهم بنود جدول أعمال الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر”، مرجع سابق.

[27] “أهم بنود جدول أعمال الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر”، مرجع سابق.

[28] “شكري: لا ندعم فريقاً على حساب آخرٍ في السودان”، الأخبار، 11/11/2021، الرابط: https://bit.ly/3D2wUr4

[29] “أهم بنود جدول أعمال الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر”، مرجع سابق.

[30] ” غزة مقابل السد وحقوق الإنسان.. إليك أهم قضايا الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري، ومن يفرض شروطه؟”، مرجع سابق.

[31] “استراتيجية الحوار المصرية-الأمريكية.. شراكة عميقة في ملفات مضطربة”، مرجع سابق.

[32] ” غزة مقابل السد وحقوق الإنسان.. إليك أهم قضايا الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري، ومن يفرض شروطه؟”، مرجع سابق.

[33] “أهم بنود جدول أعمال الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر”، مرجع سابق.

[34] ” غزة مقابل السد وحقوق الإنسان.. إليك أهم قضايا الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري، ومن يفرض شروطه؟”، مرجع سابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022