تتقدم الأزمة الأوكرانية صدارة الأحداث العالمية، ولا تكاد تخلو الأحاديث والكتابات والتحليلات فى كل دول العالم من قبل السياسيين والإعلاميين والمحللين عما ستسفر عنه هذه الأزمة من تأثيرات وتداعيات على دولهم سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة؟، وبطريقة إيجابية أم سلبية؟، وهل تكون محدودة أم شاملة؟، مؤقتة أم مستمرة؟ ولم تكن منطقة الشرق الأوسط بعيدة عن هذا الحديث وذلك الجدل، خاصة بعدما أصدرت الحكومات والقادة في أرجاء الشرق الأوسط بيانات متفاوتة رداً على تحركات روسيا ضد أوكرانيا، بدءاً بقرار موسكو في 21 فبراير 2022 بالاعتراف بجمهوريتَي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين وصولاً إلى غزوها الشامل لأوكرانيا فى 24 فبراير[1].
وقبل الخوض فى الحديث عن تأثير الأزمة الأوكرانية على منطقة الشرق الأوسط، يجب قبل ذلك توضيح جذور تلك الأزمة التى تعود إلي عام 1991 بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، حيث استقلت أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي سابقأ، وظلت العلاقات في توتر مستمر، حتي عام 2004 عندما قامت ثورة في أوكرانيا أطلق عليها الثورة البرتقالية ذات ميول للدول الغربية، عندها تدخلت الدول الغربية وساعدت الأوكرانيين، وتم تشكيل حكومة موالية للغرب فيها، ولكن عاد الحكم بقوة مرة أخري إلي الموالين لروسيا في عام 2010.
وباندلاع الاحتجاجات في نهاية 2013 وبداية عام 2014، وظهور الموالين للغرب بقوة مرة أخري وتراجع تأثير الموالين لروسيا، وبحجة حماية الرعايا الروس ضمت روسيا أراضي شبه جزيرة القرم إليها في مارس 2014، ودعمت حراكاً انفصاليا في جمهورتى دونيتسك ولوجانسك ذوي العرقية الروسية واللتين يبلغ عدد سكانهما أكثر من أربعة ملايين نسمة.
ولكن يري آخرون أن سبب “الضم والحرب” يرجع إلي تخوف روسيا من التوجه الشديد للقادة السياسيين في أوكرانيا للانضمام لحلف الناتو، مما يشكل تهديداً استراتيجياً لروسيا علي أبوابها. ولذلك تسعي روسيا جاهدة إلي تحييد أوكرانيا أو علي الأقل جعلها منطقة رمادية بينها وبين القوي الغربية[2].
ومن المتوقع أن يكون لتلك الأزمة تأثيرات كبيرة على منطقة الشرق الأوسط، فلطالما كان الشرق الأوسط أحد مسارح العمليات الذي تدور رحى معارك التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى على أرضه باعتباره يُشكل مجالًا حيويًا لأمنها القومي، وتتشابك مصالحها السياسية والاقتصادية هناك. فقد وجدت المنطقة نفسها جزءًا من الصفقات السياسية التي أعقب الحربين العالمية الأولى والثانية، وفي قلب معركة تكسير العظام خلال الحرب الباردة، ولعل هذا هو ما وضع جذور الاضطرابات الحالية وترك آثارًا سياسية مدمرة ما زال يتردد صداها حتى الآن في جميع أنحاء المنطقة.
وبالتبعية لا يقع الشرق الأوسط بمعزل عن التوترات الجيوسياسية المحتدمة حاليًا في أوروبا الشرقية، كونها تتجاوز مجرد مواجهة بين دولتين إلى محاولة لإعادة صياغة معادلة توازن القوى العالمية التي ترسخت عقب انتهاء الحرب الباردة ورسمت الخطوط الدقيقة لخريطة التفاعلات الجيوسياسية بين الفواعل الدولية والإقليمية الرئيسية المنخرطة بدرجات متفاوتة في قضايا وأزمات المنطقة، مُشكلة المعادلة الأمنية القائمة، تلك المعادلة التي بدأت إرهاصات إعادة تشكلها تتبلور في ضوء عدة متغيرات أهمها تقليص الهيمنة الأمريكية في المنطقة لصالح تشكل محور “روسي-صيني-إيراني” بدأ يتموضع لملء الفراغات الناجمة عن الانسحاب الأمريكي[3].
وسنحاول فى هذه الورقة توضيح تأثيرات الأزمة الأوكرانية على منطقة الشرق الأوسط عبر التطرق؛ أولًا: للملامح العامة لتأثير تلك الأزمة على المنطقة بصفة عامة، وثانيًا: عبر التطرق إلى تأثير تلك الأزمة على القوى الاقليمية فى المنطقة بصورة منفصلة وهم (مصر- الجزائر- دول الخليج “السعودية والإمارات وقطر”- إسرائيل- تركيا- إيران)، وثالثًا، تأثير تلك الأزمة على قضايا المنطقة المثارة (القضية الفلسطينية- القضية الليبية- القضية السورية- القضية اليمنية).
أولًا: تأثير الأزمة الأوكرانية على الشرق الأوسط بصفة عامة:
تكشف ردود الفعل الرسمية الصادرة عن دول الشرق الأوسط (وفى القلب منها الدول العربية) تجاه الأزمة عن غلبة الطابع الحذِر على سياسة هذه الدول، والاكتفاء بإصدار بيانات تستخدم مصطلحات دبلوماسية محايدة لا تتضمن انحيازات بعينها. ولا يمكن إغفال أن هذه السياسة الحذِرة متعلقة بطبيعة الأزمة وتعقيداتها، وكذلك تشابكات العلاقات بين دول المنطقة وطرفى الأزمة، روسيا والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة.
ولم يكن من الممكن للدول، أو حتى للفاعلين من غير الدول، في الشرق الأوسط، أن تتجاهل الأزمة الأوكرانية نظراً للتداعيات الممتدة للأزمة على المنطقة[4]، والتى يمكن الإشارة إلى أبرزها كما يلى:
1- تراجع مكانة الحليف الأمريكى:
حيث يحظى التعامل الأمريكي مع الاعتداء العسكري من جانب إحدى القوى البارزة عالميّاً “روسيا” على حليف نموذجي على غرار “أوكرانيا”، باهتمام بين دول منطقة الشرق الأوسط، لا سيما الدول التي تمتعت بعلاقات وثيقة مع واشنطن على مدار العقود الماضية. إذ إن الخذلان الأمريكي للحليف الأوكراني قد يدفع بعض دول المنطقة، لا سيما الفاعلة، إلى إعادة النظر في جدوى التحالف مع واشنطن، ومحاولة البحث عن صياغة تحالفات أكثر مرونةً مع خصوم الولايات المتحدة، وعلى رأسها روسيا والصين، خاصةً في ظل ما قد يترتب على الغزو الروسي المحتمل للأراضي الأوكرانية من إعادة تشكيل للنظام الدولي الحالي.
كذلك فإن تفضيل الولايات المتحدة “الدفاع المتأخر” عبر التمركز في بعض دول الجوار الأوكراني بدلاً من “الدفاع المتقدم” عن الحليف في مواجهة “الخصم المحتشد”. وهو ما تجلَّى في إعلان الولايات المتحدة في 12 فبراير 2022، إصدار أوامر بسحب شبه كامل للجنود الأمريكيين المنتشرين في أوكرانيا وإعادة نشرهم في مواقع أخرى في القارة الأوروبية، بجانب الانسحاب الأمريكى من أفغانستان، وهو ما قد يثير الشكوك حول جدوى الانتشار العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط في المديين المنظور والمتوسط[5]. ما قد يدفع هذه الدول إلى التوجه والبحث عن نوع من الاستقلال الدفاعى عبر توجه هذه الدول إلى بناء تحالفات فيما بينها، وربما تكون حالات التهدئة والمصالحة بين دول المنطقة التى كانت إلى وقت قريب فى حالة صراع وعداء ضد بعضها البعض (والتى تمثلت بصورة رئيسية فى محور مصر والإمارات والسعودية- محور تركيا وقطر- محور إيران ومليشياتها العسكرية) هو جزء من هذا التوجه.
جدير بالإشارة أن السابق لا يعني التصادم مع توجهات واشنطن في معظم سياساتها المتعلقة بالمنطقة، التي تبقى العامل الأهم حتى كتابة هذه السطور في تشكل المشهد الإقليمي، ولكن مع فارق أن الأخيرة لم تعد منفردة على المستويين الإقليمي والدولي[6]. ولهذا سيتعين على الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن تخفيف بعض الضغوطات عن شركائه وحلفائه الشرق أوسطيين، قبل مطالبتهم باتخاذ موقفٍ علني. وقد تضطر واشنطن لفك قيودها عن ولي العهد السعودي إذا كان بايدن يريد من بن سلمان خفض أسعار النفط. وقد تضطر كذلك لتخفيف ضغوطها على السعودية والإمارات لإنهاء حربهما في اليمن، وتبدأ في دعم جهودهما لردع عدوان الحوثيين المدعومين من إيران. وربما تضطر أيضاً للاستمرار في إطلاق يد إسرائيل للتعامل مع إيران، رغم استعداد بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. كما أن التعاون مع مصر في غزة وليبيا قد يصبح أولويةً أكثر من مطالبة الولايات المتحدة للسيسي بتخفيف القمع في بلاده[7].
2- ترويج موسكو لنفسها كحليف بديل:
يبدو أن أحد المكاسب الكبرى التي تعمل موسكو على تأكيدها هو أن النظام الدولي على أعتاب مرحلة جديدة من التحول إلى نظام يتجاوز الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها القطب المهيمن منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، إلى نظام متعدد الأقطاب والتحالفات والذي يسمح بعودة موسكو إلى الساحة الدولية عبر امتلاكها أدوات التأثير السياسي والعسكري، مع محاولة تعزيز وضعها الاقتصادي عبر التقارب مع بكين، وهو ما عكسه إعلان البلدين عن الدخول في مرحلة جديدة من العلاقات تتجاوز التحالفات السياسية والعسكرية في الحرب الباردة، فقد أكد البيان المشترك بين الصين وروسيا (4 فبراير 2022) أنه لا حدود للشراكة بين الدولتين، ما يعني أن التعاون سيمتد إلى كافة المجالات بلا أية قيود.
انطلاقًا من هذا التوجه نحو تشكيل النظام العالمي الجديد، ستعمل روسيا على تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وخلق شبكة من الحلفاء الجدد، والترويج لنفسها كحليف موثوق فيه، خاصة بعدما اهتزت صورة الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب الانسحاب من أفغانستان، وتوجهها إلى تقليل الانخراط في الشرق الأوسط لصالح منطقة الإندو-باسيفيك؛ لاحتواء النفوذ الصيني المتصاعد.
وعليه يبدو أن روسيا ستعمل على ملء الفراغ الناجم عن الاستدارة الأمريكية صوب آسيا، والعمل على توظيفها لبسط نفوذها أو على الأقل توسيعه في منطقة الشرق الأوسط، خاصة أن التدخل الروسي في سوريا 2015 سمح لها بتعزيز نفوذها في المنطقة، حيث يعتبر الانتشار الأول من نوعه للقوات الروسية في الخارج منذ الحرب الباردة، والذي سمح لها بتعزيز نفوذها العسكري عبر قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية. وكذا، أتاحت الأزمة الليبية مساحة نفوذ إضافية لروسيا في الصراعات في منطقة الشرق الأوسط[8].
3- الحروب بالوكالة في الشرق الأوسط:
النتيجة المريرة لحرب أوسع في أوكرانيا هي أن روسيا والولايات المتحدة ستواجهان بعضهما البعض الآن كأعداء في أوروبا. لذلك، يمكن أن تمتد المواجهة الأمريكية الروسية في أسوأ الأحوال لتشمل الحروب بالوكالة في الشرق الأوسط. فالحضور المكثف للولايات المتحدة وروسيا سياسيًا واقتصاديًا في العديد من الدول العربية يجعلها ساحة رئيسية للتصعيد وأداة ضغط فعالة لإكساب موقفيهما المزيد من القوة والتأثير. وحتى مع دخول الأزمة الأوكرانية إلى مرحلة المفاوضات الحتمية، فإن تبعات ترتيبات تقاسم النفوذ والمصالح ستنعكس بلا شك على الملفات الإقليمية في سوريا وليبيا والعراق واليمن وإيران وغيرها[9].
4- الغاز:
انعكست الأزمة الأوكرانية فى الشرق الأوسط بشكل رئيسى على ملف الغاز. حيث تشير تقديرات رسمية إلى أن دول الاتحاد الأوروبي تعتمد في تلبية نحو 40 في المئة من حاجتها إلى الغاز الطبيعي على روسيا. وهو ما يجعل من الغاز أداة ضغط قوية فى يد روسيا على الدول الأوروبية لذلك تسعى الولايات المتحدة إلى البحث عن بدائل للغاز الروسى، ويتم الحديث بصورة رئيسية عن الغاز القادم من الشرق الأوسط كخيار بديل للغاز الروسى.
فخلال زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد إلى واشنطن نهاية يناير الماضي، بحث الجانبان خيارات تزويد دول الاتحاد الأوروبي بشحنات من الغاز الطبيعي المسال القطري في حال شنت روسيا حربًا على أوكرانيا. لكنْ مراقبون يرون أن تحويل الغاز القطري إلى دول الاتحاد الأوروبي سيحتاج إلى مزيد من الوقت، إضافة إلى أن قدرات قطر في ظل التزاماتها تجاه الدول المستوردة للغاز في آسيا وإفريقيا، ستظل بحدود تعويض جزئي لحاجة تلك الدول من الغاز الروسي.
لكن يمكن لدول أخرى منتجة للغاز إلى جانب قطر، مثل الجزائر ومصر، أن تساهم في تقليل اعتماد الأوروبيين على الغاز الروسي وسد جزء من حاجتهم. كما أن دولا منتجة للنفط مثل السعودية والعراق والكويت والإمارات يمكنها المساهمة في تقليل اعتماد الأوروبيين على النفط الروسي. ويتضمن تصدير الغاز الشرق أوسطى إلى أوروبا مكاسب عديدة تتمثل فى العوائد المالية الكبيرة من هذه الصادرات، فضلًا عن تزايد الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة للدول الأوروبية.
بجانب ذلك، يمكن لدول الشرق الأوسط، خاصة الخليجية المصدرة للنفط والغاز، أن تجد في تلك الحرب فرصة لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، التي ترغب في أن تكون بعض هذه الدول مستعدة لتعويض نقص إمدادات الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية في حال قررت إدارة بايدن فرض عقوبات على روسيا، أو وقف إمدادات الطاقة العالمية بسبب مخاطر النقل عبر الأراضي الأوكرانية أو عبر البحر الأسود إلى أوروبا. وتشكل احتمالات وقف إمدادات النفط والغاز إلى الدول الأوروبية مصدر قلق للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي تحاول اتخاذ إجراءات استباقية لتعزيز أمن الطاقة الأوروبي، ومنع حدوث اضطراب واسع في إمدادات الغاز والنفط وأسعاره في السوق العالمية[10].
كذلك، فقد كان البحث عن بدائل للغاز الروسي لأوربا من الأسباب الرئيسية التى وقفت خلف الجهود الأمريكية لتهدئة الصراعات الاقليمية بين القوى الرئيسية فى الشرق الأوسط، والدفع نحو التطبيع بين بلدان عربية وإسرائيل، وربطه بالمحددات الجيوسياسية الواضحة التي في القلب منها موضوع الغاز، كما تدعم واشنطن مراكز الدوحة وأنقرة في المنطقة فيما يخص موضوع الغاز؛ حيث إحياء مشروع نقل الغاز الإسرائيلي عبر تركيا، واقتراح قطر كشريك استراتيجي لواشنطن خارج الناتو، كما أن إيران بحكم مشاركتها لحقل بارس الغازي مع قطر، وترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية وعلاقة ذلك بحزب الله، في قلب هذه المتغيرات[11].
5- الأمن الغذائى:
إن اندلاع مواجهة مباشرة بين روسيا وأوكرانيا وفرض عقوبات اقتصادية غربية على الأولى، وهو سيناريو يظل قائمًا وإن بدرجة منخفضة في ظل حالة اللا يقين وتضارب التقديرات الاستخباراتية بشأن احتمالات حدوث حرب؛ يعني وضع الأمن الغذائي في كثير من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مهب الريح، حيث يشكل حوض البحر الأسود مصدرًا رئيسيًا لإمدادات المنطقة من الحبوب وبالأخص لبنان (تمدها أوكرانيا بـ 50% من واردات القمح)، وليبيا (43% من واردات القمح مصدرها أوكرانيا)، ومصر (توفر روسيا وأوكرانيا 97% من واردات القمح وتشكل أوكرانيا المورد الرئيسي للذرة)، واليمن، وسلطنة عُمان، وإسرائيل، وتركيا. ليس فقط الحبوب فواردات بعض الدول العربية، لا سيما الكويت والإمارات والسعودية من الدجاج الأوكراني ستتراجع، حيث تصدرت خمس دول عربية قائمة أبرز عشرة مستوردين للدجاج الأوكراني عالميًا عام 2020.
وعليه، فإن انخفاض الإنتاج الزراعي نتيجة تدمير الأراضي الزراعية أو تعثر موسم الزراعة المقبل في الربيع أو ارتفاع أسعار الأسمدة والطاقة، أو تعطل سلاسل الإمداد نتيجة إغلاق موانئ البحر الأسود (تصدر أوكرانيا 95% من حبوبها عبر البحر الأسود وذهب أكثر من 50% من صادراتها من القمح إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2020)؛ سيؤدي إلى نقص إمدادات الحبوب إلى المنطقة، وبالتالي ارتفاع أسعارها بما يضغط على الاقتصادات الإقليمية المتضررة جراء تداعيات جائحة كورونا، لا سيمَّا أن أسعار القمح ارتفعت بحوالي 45% تقريبًا خلال 2021 متأثرة بالجائحة، وواصلت ارتفاعها خلال الشهرين الأخيرين متأثرة بالأزمة الأوكرانية.
ويثير خطر انعدام الأمن الغذائي وتصاعد الضغوط الاقتصادية مخاوف بشأن تأجيج الغضب الشعبي داخل الدول العربية الهشة التي تكافح من الناحية الاقتصادية بما يفاقم الاضطرابات السياسية. كما أنه سيفاقم من الأزمات الإنسانية المتردية في دول كاليمن ولبنان اللذين يكافح سكانهما للوصول إلى الغذاء يعتمدان بشكل كبير على المساعدات الدولية التي قد تتأثر ولا تستطيع تلبية الحاجة المتزايدة للأشخاص، لا سيمَّا أن التمويل الدولي للمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار يُعاني ضغوطًا بالفعل[12].
5- السياحة:
من المحتمل أن يُؤدي تصاعد الحرب لخفض عائدات السياحة، وإلغاء الرحلات الجوية إلى بعض الوجهات السياحية المفضلة للسائحين الروس والأوركرانيين في الشرق الأوسط. إذ كانت المنتجعات الشاطئية التركية والمصرية وغيرها قد بدأت للتو في استقبال المصيفين الروس. حيث وصلت 44 طائرة محملة بالسائحين الروس إلى مدينة أنطاليا الساحلية في يونيو الماضي، بعد أيامٍ من رفع موسكو لقيود السفر المرتبطة بكوفيد-19.
كما بدأت منتجعات البحر الأحمر المصرية كذلك في استقبال السائحين مرةً أخرى العام الماضي، بعد استئناف الرحلات إلى مطاري شرم الشيخ والغردقة. ويُذكر أن روسيا كانت ترسل في الماضي سياحاً إلى مصر أكثر من أي بلدٍ آخر. حيث زار مصر أكثر من ثلاثة ملايين سائح في عام 2014، محققين عائدات تقدر بـ2.5 مليار دولار لمصر، أي أكثر من ثلث عائدات السياحة السنوية للبلاد.
وتكسب دبي هي الأخرى أموالاً طائلةً من السياح الروس، حيث زارها نحو 374 ألف سائح على الأقل من روسيا في عام 2021. ومن المتوقع أن يُدِر السياح الروس على الخليج دخلاً يُقدّر بنحو 1.2 مليار دولار بحلول عام 2023، وفقاً للبيانات المنشورة قبيل ملتقى سوق السفر العربي عام 2020[13].
6- الطلاب العرب في أوكرانيا:
تستضيف أوكرانيا آلاف الطلاب من مختلف أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكان العديد منهم ينتظر إجلاءه حين بدأ الهجوم الروسي. ويمتلك المغرب ثاني أكبر جالية طلابٍ أجانب في أوكرانيا، حيث تقدر بثمانية آلاف طالب وفقاً لوزارة التعليم الأوكرانية. في حين تمتلك مصر 3500 طالب هناك، إلى جانب أعدادٍ كبيرة من الطلاب اللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين الذين يدرسون في الجامعات الأوكرانية. وقد نظّمت عائلات الطلاب العالقين في أوكرانيا احتجاجاتٍ بمصر والمغرب ولبنان قبيل تصعيد النزاع، حيث طالبوا حكوماتهم بإعادة أقاربهم إلى أرض الوطن[14].
[1] ” ردود دول الشرق الأوسط على أزمة أوكرانيا”، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، 25/2/2022، الرابط:
[2] ” تداعيات الأزمة الروسية – الأوكرانية علي الاقتصاد العالمي والمصري”، السياسة الدولية، 26/2/2022، الرابط:
[3] ” التأثيرات الجيوسياسية: الغاز والشرق الأوسط في الأزمة الأوكرانية”، المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، 20/2/2022، الرابط:
[4] ” حسابات معقّدة: كيف تعامل الفاعلون في الشرق الأوسط مع الأزمة الأوكرانية؟”، الحائط العربى، 27/2/2022، الرابط:
[5] “مساومة الخصوم: ما التداعيات الجيواستراتيجية للأزمة الأوكرانية على الشرق الأوسط؟”، إنتريجونال للدراسات الاستراتيجية، 22/2/2022، الرابط:
[6] “جليد ونار وغاز.. مبارزة ثلاثية يستفيد منها الشرق الأوسط”، مركز الانذارالمبكر، 20/2/2022، الرابط:
[7] “ما هو موقف مصر وإسرائيل والسعودية من أزمة أوكرانيا؟ أمريكا تدفع ثمن انسحابها من الشرق الأوسط”، عربى بوست (مترجم)، 16/2/2022، الرابط:
[8] “أصداء مرتقبة.. موقع الشرق الأوسط في معادلة الحرب والتهدئة بين روسيا والغرب”، المرصد المصرى، 17/2/2022، الرابط:
[9] ” التأثيرات الجيوسياسية: الغاز والشرق الأوسط في الأزمة الأوكرانية”، مرجع سابق.
[10] “الأزمة في أوكرانيا وتداعياتها على الدول العربية (تحليل)”، الأناضول، 22/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3HobupT
[11] “جليد ونار وغاز.. مبارزة ثلاثية يستفيد منها الشرق الأوسط”، مرجع سابق.
[12] ” التأثيرات الجيوسياسية: الغاز والشرق الأوسط في الأزمة الأوكرانية”، مرجع سابق.
[13] “ليس القمح والنفط فحسب.. 7 طرق تؤثر بها الحرب الروسية الأوكرانية على الشرق الأوسط”، عربى بوست، 26/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3Hrmx1q
[14] المرجع السابق.