10سنوات، مرت على إعلان فوز الرئيس محمد مرسي، برئاسة مصر، كأول رئيس مدني في تاريخ مصر، تتويجا لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، التي اطاحت بالديكتاتور حسني مبارك، فيما بقي نظامه العسكري قائما ومتجذرا يعيد انتاج نفسه، وتأمين مصالحه على حساب الشعب المصري، ومثل فوز الرئيس الراحل محمد مرسي، لحظة فارقة في تاريخ مصر، التي شعر شعبها لحظتها بقيمته وبأهمية صوته، ونفاذ إرادته على أرض الواقع.
وجاء فوز مرسي بطريقة دراماتيكية، بعد أن عرقل المجلس العسكري، مشاركة الكثير من الرموز الوطنية التي كان يخشى العسكر من صعودهم السياسي، محاولا هندسة المشهد السياسي، وفق أجندة العسكر التي كانت تريد تصعيد مرشحا عسكريا ترضى عنه الدولة العميقة لنظام مبارك، التي ما زالت تحكم، ويظل “المجلس العسكري” هو المتحكم فيه، وهو ما كان متأرجحا بين دعم أحد المترشحين، عمرو موسى وأحمد شفيق، ولكن الانتماء للمؤسسة العسكرية حسم قرار التوجه نحو دعم شفيق، فيما عرقل المجلس العسكري ترشح المهندس خيرت الشاطر، الذي كان محاكما عسكريا ولم يرد له اعتباره، رغم انقضاء المدة الدستورية اللازمة للقرار، كما أطيح بالمرشح حازم صلاح أبو اسماعيل بداعي جنسية والدته الأمريكية، بينما كان المشير طنطاوي وقيادات المجلس العسكري غير متشجعين لرئاسة مدير المخابرات السابق عمر سليمان، الذي كانت علاقته متوترة مع المشير طنطاوي، لمدد طويلة بعهد المخلوع حسني مبارك.
ولعل إدراك جماعة الإخوان المسلمين المبكر لتلاعب العسكر بالعملية الانتخابية ومحاولة السير بها في اتجاه منافي لإرادة الشعب، التفافا على ثورة 25 يناير، هو ما دفعها لترشح الرئيس مرسي في أخر أيام الترشح كقرار استراتيجي في حال الاطاحة بالمرشح خيرت الشاطر، وهو ما حدث بالفعل، حيث كان الصدام محتوما مع أي مرشح غير مرشح العسكر، ومع نجاح الإخوان في ادارة المشهد، جرى الالتفاف على نجاحهم عبر الخطة “ب”، والتي دبرت لسحق الإخوان المسلمين وحرق مشروعهم الاصلاحي وإبطاء تقدمهم السياسي والمجتمعي لسنوات، وفق حسابات وترجيحات مخابراتية، صيغت في عدة عواصم، من بينها الكيان المحتل وواشنطن وأبو ظبي والرياض، وفق مشروع عميق لتأمين استبداد النظم الخليجية وتأبيدها في المنطقة، مقابل حماية المصالح الغربية والمشروع الصهيو أمريكي بالشرق الأوسط.
معركة الرئاسة
ووفق ما أورده المتابعون للعملية الانتخابية التي جرت في العام 2012، بشأن السباق الرئاسي، وتضمنه كتاب «الإخوان وثورة 25 يناير: من معتقل وأدى النطرون إلى قصر الاتحادية»، والصادر في ال عام2012، ففي صباح يوم الأربعاء (23 من مايو 2012م) انطلق سباق الانتخابات الرئاسية، حيث توجه ملايين الناخبين إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس لمصر من بين (13) مرشحًا؛ حيث جرى التصويت فى أكثر من (13) ألف دائرة فرعية تحت إشراف قضائي كامل. وفى يوم الإثنين (28 من مايو 2012م) أعلنت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية تصدر «د. محمد مرسى» لنتيجة الجولة الأولى وخوضه جولة الإعادة بحصوله على 5.764.952 صوتًا بنسبة 24.7% وجاء فى المركز الثانى «أحمد شفيق» بعدد أصوات 5.505.327 ويدخل جولة الإعادة مع «د. محمد مرسى» والتى جرت يومى 16 و17 من يونيو 2012م. كما أعلنت اللجنة العليا فوز «حمدين صباحي» بالمركز الثالث بحصوله على 4.820.273 صوتًا، وجاء بعده فى المركز الرابع «د. عبدالمنعم أبوالفتوح» بحصوله على 4.065.239 صوتًا، واحتل المركز الخامس «عمرو موسى» بحصوله على 2.588.850 صوتًا. كانت اللجنة قد أعلنت أن عدد المدعوين للانتخابات هو 50.996.746 وأن عدد الحضور بلغ 23.672.236 ناخبًا وكان عدد الأصوات الصحيحة منها هو 23.265.516 صوتًا والباطل 406720 صوتًا.
وعلى مدى يومي السبت والأحد (16 و17 من يونيو 2012م) استجمع العسكر وفلول النظام البائد قواهم لإسقاط مرشح الثورة «د. محمد مرسى»، تشاركهم وسائل الإعلام المحسوبة على العسكر وفجر يوم الإثنين (18 من يونيو2012م) أعلنت حملة الدكتور «محمد مرسى» فوزه بمنصب رئاسة جمهورية مصر العربية. فحسب النتائج التى وردت من مندوبيه ومن خلال محاضر الفرز فى جميع لجان الانتخابات والموقعة من رؤسائها القضاة، أشارت النتائج إلى حصول الدكتور «مرسى» على 13.237.000 صوت بنسبة 52%، وحصول منافسه «الفريق أحمد شفيق» على 12.338.973 صوتًا بنسبة 48%، وذلك من إجمالى عدد الأصوات الصحيحة البالغة 25.575.973 صوتًا. وأعلن المستشار «زكريا عبد العزيز» رئيس «قضاة من أجل مصر» بميدان التحرير أن مرشح الثورة حصل على 13 مليونًا و244 ألفًا و964 صوتًا، أما مرشح النظام القديم فقد حصل على 12 مليونًا و334 ألفًا و584 صوتًا، وبالتالى يكون الفائز هو الدكتور «محمد مرسى»، مؤكدًا أن هذه النتيجة هى التى رصدها القضاة الشرفاء، والتى أُخذت من رؤساء اللجان الفرعية. كما أعلنت «لجنة الحريات بنقابة المحامين» عن حصول «د. محمد مرسى» على 51.8% من أصوات الناخبين فى جولة الإعادة دون نتائج التصويت بالخارج، بينما حصل «الفريق أحمد شفيق» على 48.2%، وأكد «طارق إبراهيم»، منسق لجنة الحريات، فى مؤتمر صحفى يوم الخميس (21 من يونيو2012م) بالنقابة العامة للمحامين أن هذه النتيجة تستند إلى محاضر الفرز الرسمية للجان الفرعية واللجان العامة فى المحافظات.
وقد عمد المجلس العسكري إلى تأخير إعلان النتيجة -لحاجة في نفسه- لمدة قاربت الأسبوع، ما شحن نفوس الشعب ضده، وزادت حالة الاحتقان في الشارع المصري، وقد أبدى المواطنون استياءهم من هذا السلوك، وبدأت تساورهم الشكوك والريبة في احتمال تلاعب المجلس العسكري بالنتيجة، وفى يوم الأحد (24 من يونيو2012م) أعلنت اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة فوز «د. محمد مرسى» بمنصب رئيس الجمهورية بنسبة 51.7% من جملة الأصوات الصحيحة فى جولة الإعادة. وقالت اللجنة إن عدد الناخبين المدعوين للتصويت كان 50.985.794 ناخبًا، وأن عدد من أدلوا بأصواتهم بلغ 26.420.763 صوتًا بنسبة 51.85% فيما بلغت الأصوات الباطلة 843.252 صوتًا. وأعلنت اللجنة حصول «د. محمد مرسى» على 13.230.131 صوتًا فيما حصل «الفريق شفيق» على 12.347.380 صوتًا بنسبة 48.27%..
دلالات فوز مرسي
عبرت النتائج عن نجاح ثورة 25 يناير ، التي أشعلها شباب مصر، في الاطاحة بنظام عسكري كالح، جثم على صدور المصريين لأكثر من نصف قرن، منذ انقلاب 1952، وقد حطت الثورة رحالها، بعد أن أزاحت الطاغوت حسني مبارك عن الحكم، وأتت الثورة بمجلس نيابي معبر إلى حد كبير عن الشعب المصري، رغم التلاعب وتأثيرات الدولة العميقة، ونفوذ المال السياسي المضاد لثورة يناير، وتجلى النجاح في تصعيد أول رئيس مدني، لحكم مصر، وهو ما مثل صدمة للدوائر العسكرية والسياسية في المنطقة وفي العالم، ولعل التصاق الرئيس مرسي، بثورة يناير منذ ما قبل اندلاعها، وقيادته العمل المهني والسياسي المناوئ لنظام مبارك، وخوضه غمار المعارك النيابية، تجلى في شوارع مصر وميادينها، التي خرجت عن بكرة أبيها للاحتفال بفوز الرئيس مرسي، وهو ما دفع كثير من المتابعين والمراقبين للعملية الانتخابية، للاستغراب بشدة إزاء الأرقام المعلنة عن المرشح المنافس، أحمد شفيق، اذ خرج الملايين من المصرييين أكثر من أعداد الناخببين في الميادين، مستبشرين بمرحلة جديدة، وقد توجه الرئيس مرسي فورا إلى ميدان التحرير، للاحتفال مع الثوار بانجازهم الأكبر، فاتحا بذلته، التي ارتداها دون الواقي من الرصاص، ما أثار الأجهزة الأمنية وقوات حمايته التي تفاجأت بحركة فتح الجاكت، على مسرح الاحتفال بميدان التحرير.
فضح العسكر مبكرا
وكان فوز مرسي صادما للعسكر، الذين بذلوا جهودا حبارة لافشاله، فقد أرادوا تعطيله قبل أن يبدأ حيننما حلوا مجلس الشعب، قبل أسبوع من اعلان النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية، وجاء أدء مرسي للقسم الدستوري على مسرح ميدان التحرير، ليوجه رسالة شديدة اللهجة من الرئيس الجديد للدولة العميقة والمجلس العسكري، بأن انتمائه الاول هو للثورة المصرية، وانحيازه للشعب ، وليس لما كان يخطط له العسكر -آنذاك- للسيستم العسكري، والنظام القضائي المتحكمين فيه، ومنذ الوهلة الأولى، وضح أن مرسي يتمتع بشخصية قوية ويحظى باستقلالية في قراراته، بعيدا عن سياسة الاخضاع العسكري، مع احترامه لمؤسسات الدولة، في الوقت نفسه.
انقلاب مبكر
وجاهدا حاول المجلس العسكري تأخير إعلان النتيجة، عبر سلسلة من الإملاءات على اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات، وهنا اشيعى أنباء عن حسم المرشح شفيق المنافسة، وأيضا حاول المجلس العسكري نشر قواته على الارض للايعاز بنشر الخوف والترقب في الأوساط المصرية، ولمواجهة الانتقادات الشعبية المتصاعدة إزاء قرار التأجيل، وتعمد المجلس العسكري نشر آليات عسكرية على مداخل العاصمة وأمام الوزارات والمقار الحكومية وأمام مجلسي الشعب والشورى، وبالقرب من ميدان التحرير، ووسط القاهرة، في رسالئل تحويفية ولجس نبض الشارع المصري. وأمام إصرار الشعب على ضرورة اعلان النتيجة ورفض التلاعب فيها، ودعوة الإخوان المسلمين وقوى ثورية عديدة للدخول في اعتصام مفتوح في ميدان التحرير، من أجل اعلان النتيحة وعدم التلاعب فيها، جاء إعلانها، من قبل اللجنة القضائية، اضطرارا، إلا أن المجلس العسكري، والدولة العميقة التي ما زالت تحكم، ولم تغادر أماكنها، فجاء الانقلاب مبكرا على العملية الديمقراطية وعلى إرادة الشعب المصري.
الإعلان الدستوري المكبل
فقبل أسبوع من إعلان النتيجة، وحينما تأكد العسكر من أن الفائز هو مرشح الشعب والثورة محمد مرسي، جرى اصدار الإعلان الدستوري المكمل، وحل مجلس الشعب، وذلك لنزع الفعالية من الرئيس الجديد، ليصبح رئيسا بلا سلطة حقيقية، وكأنه رئيسا شرفيا، إلى حين تشكيل السلطة التشريعية، سواء بدستور جديد ومجالس نيابية مهندسة عسكريا، وهو ما لم يقبله أي ثائر أو وطني، وقلص الإعلان الدستوري المكمل بشكل كبير من صلاحيات مرسي ومنح سلطات واسعة للمجلس العسكري، ورغم أن المجلس العسكري سلم السلطة لمرسي، فإنه -وفق الإعلان الدستوري المكمل- أراد الاحتفاظ بالسلطة التشريعية بعد حل مجلس الشعب الذي كان يهيمن عليه الإسلاميون، إثر حكم من المحكمة الدستورية قضى بعدم دستورية القانون الانتخابي الذي انتخب وفقه. كما احتفظ الجيش بالحق في التدخل في صياغة الدستور الجديد -حجر الزاوية في رسم التوازنات الجديدة بين السلطات- وأيضا في تقرير الميزانية فضلا عن سلطات واسعة في مجالي القضاء والأمن بمنح أفراد الشرطة العسكرية والمخابرات الحربية سلطة الضبطية القضائية، وهو ما مثل انقلابا مبكرا على الرئيس، ما كان يمكن إدارة شئون الدولة بكل تلك القيود والعراقيل، وقبل اعلان المرشح الفائز بالانتخابات الرئاسية، أعلن محمد مرسي ، يوم الجمعة 23 يونيو 2012، الإعلان الدستوري المكمل الصادر من قبل المجلس العسكري، مشيرا إلى أن الشعب لم يستفت عليه كما جرى في الإعلان الدستوري عند إصداره، وأوضح مرسي أن جماعة الإخوان وشباب الثورة سيواصلون الاحتجاج على قرارات للمجلس العسكري الحاكم بتقيد سلطات الرئيس الجديد، وجاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده مرسي على هامش لقائه مجموعة من أعضاء ائتلاف شباب الثورة، وأوضح أنه يرفض قرار وزير العدل فيما يتعلق بالضبطية القضائية، في حين أنه يحترم قرارات القضاء، في إشارة إلى حكم المحكمة الدستورية العليا في قانون العزل وبطلان عضوية ثلث أعضاء مجلس الشعب، إلا أنه أشار إلى رفضه قرار المجلس العسكري بحل مجلس الشعب، وأبدى مرسي قلقه من توقيت وتشكيلة المجلس الوطني للدفاع، وتشكيل مؤسسة الرئاسة من قبل المجلس العسكري.
من إعلان الدستوري إلى معركة اليمين الدستوري
وبطريقة متعجلة، كشف العسكر عن وجههم القبيح، في غرقلة الرئيس الجديد، سواء عبر تكبيل الرئيس بنصوص مقيدة لعمله، أو عبر إثارة أزمات ومعارك إعلامية حوله، كمعركة أداء اليمين الدستورية، في ظل تغييب مجلس الشعب وحله، وإلزام مرسي بأداء القسم أمام المحكمة الدستورية العليا، التي حلت البرلمان لتوه، كما أثيرت المعارك الاعلامية حول الطريقة واخضاع مرسي لسيناريوهات العسكر، ولكن تعاطى الرئيس مرسي بذكاء مع سيناريو الاخضاع العسكري، وقام بحلف اليمين الدستورية كرئيس للجمهورية ثلاثة مرات. المرة الأولى، في ميدان التحرير وأمام جموع الثوار. بمليونيه “تسليم السلطة” يوم 29 يونيو 2012، والمرة الثانية أمام المحكمة الدستورية فى 30 يونيو 2012 أمام المستشار فاروق سلطان رئيس المحكمة الدستورية وقتها وأعضاء المحكمة، فيما قام بأداء اليمين الثالثة فى خطاب جماهيرى بجامعة القاهرة وسط حضور القوى السياسية والحكومة المصرية وعدد من الشخصيات المجتمعية فى يوم السبت 30 يونيو 2012.
ولعل المعارك التي أثارها العسكر في وجه مرسي، وتعامل معها بذكاء، أوصلت رسالة مبكرة بأن مرسي ليس قابلا للتطويع أو الاخضاع، بل تحدى مرسي ومعاونيه تحديات وصعاب اقتصادية واجتماعية كثيرة، وسط اصرار على المقاومة محافظا على حق الشعب في أن تحترم كلمته وإرادته، وليس أقل من تلك الازمات الأزمات الاقتصادية المتتالية على نظام مرسي، وأزمات الوقود والطاقة، ناهيك عن الحرب الإعلامية وتعمد إهانة منصب رئيس الجمهورية، إلى أن انتهى الأمر باستعمال القوة العسكرية، بعد أن قدم مرسي نجاحات عدة في مجالات التموين والزراعة ورغيف الخبز والعلاقات الدولية والإقليمية، ومشاريع التنمية المستدامة والارتقاء بامكانات مصر الاقتصادية.