“إعلان الجزائر” للمصالحة الفلسطينية 

بعد نحو عام من اللقاءات المتوالية، وقّعت الفصائل الفلسطينية في العاصمة الجزائرية، الخميس 13 أكتوبر الجاري، اتفاقا لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، برعاية جزائرية، خلال فعاليات مؤتمر “لمّ الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية”، بمشاركة نحو 14 فصيلا، وحضور  الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ووزير الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة وقيادات النظام الجزائري، وممثلين عن قطر وعمان.

جرى التوقيع بقصر الأمم بالضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية، وهو المكان الذي شهد إعلان الرئيس الراحل ياسر عرفات يوم 15 نوفمبر 1988، قيام دولة فلسطين.

وقد جرت تعديلات على المسودة الجزائرية بعد مشاورات مكثفة، أبرزها حذف البند المخصص بشأن تشكيل حكومة الوحدة.

وفي 6 ديسمبر 2021، أعلن الرئيس الجزائري “عبدالمجيد تبّون” اعتزام بلاده استضافة مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية، ولاحقا استقبلت الجزائر وفودا تمثل الفصائل واستمعت منها إلى رؤيتها حول إنهاء الانقسام.

وتعاني الساحة الفلسطينية انقساما سياسيا وجغرافيا، منذ صيف 2007، حيث تسيطر “حماس” على قطاع غزة، في حين تدار الضفة الغربية من طرف الحكومة الفلسطينية التي شكلتها “فتح”.

 

أولاً: بنود الاتفاق:

وتضمن الإعلان 9 بنود، هي:

1- التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود والتصدي ومقاومة الاحتلال لتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني واعتماد لغة الحوار والتشاور لحل الخلافات على الساحة الفلسطينية، بهدف انضمام الكل الوطني إلى منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

2- تكريس مبدأ الشراكة السياسية بين مختلف القوى الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك عن طريق الانتخابات، وبما يسمح بمشاركة واسعة في الاستحقاقات الوطنية القادمة في الوطن والشتات.

3- اتخاذ الخطوات العملية لتحقيق المصالحة الوطنية عبر إنهاء الانقسام.

4- تعزيز وتطوير دور منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها بمشاركة جميع الفصائل الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بجميع مكوناته ولا بديل عنه.

5- يتم انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج حيث ما أمكن، بنظام التمثيل النسبي الكامل وفق الصيغة المتفق عليها والقوانين المعتمدة بمشاركة جميع القوى الفلسطينية خلال مدة أقصاها عام واحد من تاريخ التوقيع على هذا الإعلان.

وتعرب الجزائر عن استعدادها لاحتضان انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني الجديد، والذي لقي شكر وتقدير جميع الفصائل المشاركة في المؤتمر.

6- الإسراع بإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس عاصمة الدولة الفلسطينية وفق القوانين المعتمدة في مدة أقصاها عام من تاريخ التوقيع.

7- توحيد المؤسسات الوطنية الفلسطينية وتجنيد الطاقات والموارد المتاحة الضرورية لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار ودعم البنية التحتية والاجتماعية للشعب الفلسطيني بما يدعم صموده في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

8- تفعيل آلية للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية ومتابعة إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية والشراكة السياسية الوطنية.

9- يتولى فريق عمل جزائري عربي الإشراف والمتابعة لتنفيذ بنود هذا الاتفاق بالتعاون مع الجانب الفلسطيني وتدير الجزائر عمل الفريق.

ومنذ صيف 2007، ، تعاني الساحة الفلسطينية من انقسام سياسي وجغرافي، حيث تسيطر حركة “حماس” على قطاع غزة، في حين تدار الضفة الغربية من جانب حكومة شكلتها حركة “فتح” بزعامة الرئيس محمود عباس.​​​​​​​​​​​​

 

ثانياً: أهمية المبادرة وفرصها  المستقبلية

وعلى الرغم من عدم تضمن المبادرة ، أية بنود جديدة عن مبادرات عربية سابقة، إلا أنها تعزز  لغة الحوار بين الفصائل وتُمهّد لإمكانية استكمال هذا المسار، بعد سنوات من التعثر والخلافات.

كما أن البنود شاملة كافة القضايا والمحاور الرئيسية، ويمكن أن تكون أرضية أساسية يُبنى عليها للوصول إلى الوحدة والذهاب نحو شراكة سياسية..

ووفق تقديرات استراتيجية، فإن المسودة تُلبي تطلعات الجميع، وتجمع طرح فصائل منظمة التحرير، والفصائل خارج المنظمة وتُلبي رغباتهم وتطلعاتهم وخاصة تفعيل المنظمة والانتخابات العامة..

ووفق محمد عثمان، ممثل حماس بالجزائر، فإن اضطلاع الجزائر بمهمة التوافق السياسي بين الفصائل الفلسطينية، يتسم بكثير من المصداقية والموثوقية، بقوله “خلوّ الأجندة السياسية للجزائر من أي دوافع، سوى صون الحقوق الفلسطينية والاضطلاع بدور حقيقي لاستعادة الصدارة للقضية الفلسطينية في الأروقة الإقليمية والدولية”.

ولعل الأهم، في “إعلان الجزائر”، هو تمكن الرئيس الجزائري من نقل ملف المصالحة الفلسطينية من أروقة اجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية إلى الأروقة السياسية الواسعة؛ اذ تميز المؤتمر بالحضور الواثق والواضح للرئيس الجزائري في اروقة المؤتمر وقاعاته مساء الأربعاء 12 أكتوبر بعد تسرب الأنباء عن إمكانية تعطل مسار المصالحة؛ نتيجة الخلاف على مرجعية الاتفاق، وموضع الاتفاقات الدولية وقراراتها التي في مجملها لم تعطِ الفلسطينيين حقوقهم، وجميعها لم تنفذ بسبب التعنت الاسرائيلي والفيتو الأمريكي وازدواجية المعايير الاوروبية.

وقد انخرطت الرئاسة الجزائرية على اعلى المستويات في إنجاح المؤتمر، وربط مخرجات القمة العربية المرتقبة التي تدعم الاتفاق، لتضفي مزيدًا من الزخم على الجهد والدور الجزائري المرتقب لمتابعة ملف المصالحة، وتنفيذ بنود الاتفاق، ومتابعة جدوله الزمني.

وخلافا للتجارب السابقة في مصر أو غيرها من الدول العربية؛ إذ لم يسجل للرئاسة المصرية الانخراط المباشر في ملف المصالحة، وبذات الزخم الذي قدمه الرئيس تبون، ذلك رغم انخراط القاهرة بتفاصيل الملف الفلسطيني تاريخيًا، وتماسكها الجغرافي المباشر بفلسطين وشعبها.

ولعل تمكن الجزائر من نقل ملف المصالحة الفلسطينية وملف العلاقة بقضية فلسطين وقواها الحية الى مستوى جديد يتجاوز حدود التعامل الأمني الضيق، ووضعتها على طاولة البحث لدى قادة القمة العربية في الجزائر؛ ما أثار ارتياب وقلق قادة الكيان الصهيوني؛ فإسرائيل تفضل أن تكرس الملف الفلسطيني كملف أمني ثنائي تناقشه مع دول الجوار العربي والبعيد.

وقد رصد محللون الانزعاج الاسرائيلي من إعادة الزخم السياسي وليس الامني للقضية الفلسطينية بعد مبادرة المصالحة بالجزائر، عبر مقال للصحفي الإسرائيلي يعقوب بيري على صفحات مجلة ناشيونال إنتريست The national interest بعنوان “كيف عززت الدبلوماسية الاستخباراتية العلاقات بين إسرائيل ومصر”، إذ أشاد بدور الاجهزة الامنية في ادارة الملف الفلسطيني، وفي خفض التوتر بين الكيان الصهيوني ومصر بعد المواجهة الاخيرة في اغسطس الماضي بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الاسرائيلي في قطاع غزة.

وبالفعل نجحت الجزائر في تخطي التجارب التي حولت الملف الفلسطيني من ملف قومي وسياسي الى ملف أمني يتم التعاطي معه عبر الدوائر الأمنية الضيقة في الولايات المتحدة، أو بالتعاون المباشر مع جهاز الشاباك الاسرائيلي والأجهزة الأمنية العربية، وهو ما عملت عكسه الجزائر في مبادرة المصالحة الحالية.

 

ثالثاً: ضمانات نجاح المبادرة

وتحظى المبادرة الجزائرية بالعديد من الضمانات، الإقليمية والسياسية لإنجاحها، وفي مقدمتها، أن الاتفاق منوط بالمنظومة العربية المجتمعة قريبا في القمة العربية بالجزائر، والتي نجحت من خلال الجهد الإعلامي والدبلوماسي في جعلها مكرسة لإنقاذ القضية الفلسطينية من التراجع والتهميش..

فنقل القضايا الفلسطينية الرئيسية إلى القمة العربية، لاستعادة التضامن القومي لدعم القضية وحقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك تنفيذ القرارات السابقة التي لم تنفذ، إلى جانب ما نصت عليه مبادرة السلام العربية، يبقى الإنجاز المنتظر تحققه..

وفي هذا السياق تبرز أهمية الإشراف والمتابعة الجزائرية العربية بالتنسيق مع الفلسطينيين، حيث تبرز الرهانات بإمكانية توفيرها خلال القمة العربية المرتقبة، إذ إن الجزائر سترفع مضمون الاتفاق ليكون جزءاً من القرارات العربية.

وهذه الآلية تحدث لأول مرة، بينما الصيغ السابقة جاءت بقرارات قمم عربية، تتابعها دولة معيّنة بتقديم تقارير، لكن اليوم الجزائر تشتغل مع دول أخرى بذلت جهودا في المصالحة، وهو ما يفتح المجال للتطلع بثقة أكبر نحو المستقبل..

ويعد مؤتمر الفصائل استكمالا لاجتماعات سابقة عقدها الجانب الجزائري مع قادة الفصائل على انفراد، بين فبراير ومارس الماضيين، بحثا عن توافقات تنهي الانقسام الفلسطيني، في إطار مبادرة جزائرية، قبل انعقاد القمة العربية المقررة مطلع نوفمبر المقبل، وجرى التحضير له بحسب وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة “بشكل دقيق في الجزائر وفي غير الجزائر وبالتنسيق مع عدد من الدول العربية التي انخرطت سابقا في الجهد الرامي إلى دعم المصالحة الفلسطينية”.

ووفق سياسيين فلسطينيين، فإن الأساس لضمان التزام الأطراف بفحوى الاتفاق هو الانطلاق في حوار وآليات عمل تمكّن من متابعة المبادئ والمحددات لتطبيقها على أرض الواقع.

بالضمانة تبدأ بالإرادة الفلسطينية والاستعداد السياسي الذاتي لدى أطراف الانقسام، واحترام ما التزم به الفلسطينيون مع السلطة الجزائرية وبحضور الرئيس عبد المجيد تبون، بالعمل على آليات متابعة، وهي تنص على الإعداد للانتخابات والتقدم بخطوات ملموسة في تجاوز الانقسام والعمل بشكل موحد لتصعيد المقاومة ضد الاحتلال وتهيئة الأجواء لتنفيذ المصالحة التي ستكون عاملا مساعدا في كل ذلك..

كما أن تطبيق آلية الاجتماعات الدورية في الجزائر (اجتماعين إلى 3 اجتماعات سنويا)، لمراجعة ما تم تنفيذه ومعالجة الإشكالات القائمة، يمثل ضمانة لتحقيق إنجاز على الأرض..

علاوة على أن الوضع الإقليمي والدولي والمتغيرات الجارية، تستوجب أكبر قدر من التوافق الوطني الداخلي لمواجهة التحديات التي تستهدف شطب القضية من كافة الأجندات.

جانب ما تتمتع به الجزائر من تقدير معنوي كبير عند كل الفصائل والشعب الفلسطيني، ودورها التاريخي في مسار القضية وتسوية الكثير من الخلافات في منعطفات رئيسية، أبرزها عقد المجلس الوطني التوحيدي وإعلان الاستقلال من أراضيها في 25 نوفمبر 1988، وتجهيزاتها العسكرية لحماية الفلسطينيين بتونس والجزائر، بعد قصف مقرهم بتونس في العام 1988…

ووفق تقديرات استراتيجية، فإن نجاح الحوار الفلسطيني لإنهاء الانقسام هو أولى الخطوات لنجاح القمة العربية في تجاوز أزمة أرّقت العرب على مدار 15 عامًا، وأضعفت صوت القضية الفلسطينية إقليميا ودوليا.

الدبلوماسية الجزائرية أدركت منذ الوهلة الأولى حاجة الفلسطينيين لفرصة أخرى، من أجل ترميم بيتهم في ظل التحولات الكبيرة إقليميا ودوليا، والاستفادة من تجارب لقاءات الحوار السابقة، والتي فشلت في تحقيق تجاوز المصالح الفصائلية الضيقة.

وقد أمعن الطرف الجزائري في الاستماع لطروحات الفصائل ومقترحاتها لما تراه مخرجًا لأزمة الانقسام، وبناء على تجارب الحوارات السابقة يخرج بوثيقة الجزائر..

كما أن نجاح الدبلوماسية الجزائرية في إحداث اختراق في الانقسام الفلسطيني، وإقناع الفصائل بالتحاور بعد سنوات من الركود و التحاشي العربي عن الاقتراب من الملف، يؤكد، عزم الجزائر على توفير كل شروط إنجاح القمة العربية، وبعث رسالة مهمة، مفادها أن فرص العمل العربي المشترك لا تزال قائمة رغم الصعوبات التي تواجهه.

وايضاً، ومن ضمن العوامل الدولية، التي يمكن أن تدفع نحو نجاح المبادرة ولو جزئيا، الانشغال الدولي في الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة وأن إسرائيل معنية بهدوء في المنطقة لاستثماراتها في استخراج الغاز، بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان..

 

رابعاً: تحديات أمام المبادرة:

وعلى الرغم من أهمية المبادرة إلا أنها تواجه صعوبة تطبيق بنودها، على أرض الواقع في ظل غياب آلية التنفيذ..

فالمبادرة الجزائرية، التي تتقارب من حيث البنود المطروحة مع بعض المبادرات العربية السابقة لإنهاء الانقسام الفلسطيني، تصطدم بغياب الجدول الزمني لتطبيق كل بند، وعدم وجود ضامن لتنفيذ الاتفاق، فضلا عن عدم وجود الإرادة والنوايا الفلسطينية الحقيقية لإنجاح ذلك..

ورغم الإيجابية التي تحملها بنود المبادرة، إلا أن الواقع الإقليمي، قد لا يسمح للجزائر بأن تمارس هذا الدور، فقد سبقها في هذا المسار عدد من الدول العربية التي لها ثقل إقليمي مثل السعودية ومصر وقطر.. فالجزائر بحاجة إلى شراكة مع دول أخرى لتعزيز ودعم مسار المصالحة الفلسطينية.

وهو ما أدركته القيادة الجزائرية، بدعوة وإشراك وفود من قطر وسلطنة عمان في الجلسة الافتتاحية للحوار، وهو ما مثل  إشارات إيجابية، في ظل إدراك الجزائر أن هذه المبادرة لن تنجح إلا بوجود قوى إقليمية..

كما أنه من أبرز التحديات، غياب النوايا والإرادة لدى بعض أطراف الانقسام، وهو ما قد يكون عقبة أمام نجاح هذه المبادرة..

والمؤشرات على ذلك مختلفة، منها انعدام القدرة على تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، أو التراجع عن بسط السيطرة السياسية على غزة أو الضفة من الحركتين، فتح وحماس..

وأيضا لا يوجد آلية وطريقة للتنفيذ ولا إطار زمني، وهو ما يترك الأمر في إطار مفتوح وعام وغير واضح..

وهو ما يشير إلى أنه لو بقيت الخطة دون جدول زمني فقد يكون هذا الأمر مدخلا إضعافها وليس لتعزيزها، كما أن الجهة المشرفة قد تكون لا تمتلك إمكانية لفرض الاتفاق..

كما أنه ما زال غير واضح، أن تقبل بعض الجهات الدولية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، للاتفاق الناجم عن هذا الحوار، وأن لا يضعوا عليه الفيتو، كما حدث في المرات السابقة..

ورغم ذلك، فإن هناك عوامل سياسية فلسطينية ودولية قد تلعب دورا في الدفع نحو إنهاء الانقسام، أبرزها، مرحلة ما بعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في حال وفاته، إذ إنه سيصعب في هذه الفترة إعادة ترتيب البيت الداخلي في ظل الانقسام..

 

خامساً: إشكالات مستقبلية:

  • صياغة خطاب فلسطيني موحد وقاموس للمرحلة المقبلة:

ومن ضمن الإشكالات أمام تحقيق المصالحة، هو التوصل للغة خطابية واحدة ومشروع وطني موحد لمواجهة الاحتلال وتعزيز الحقوق الفلسطينية.

وهو  ما يفرض على الفصائل الموقعة على إعلان الجزائر، وعلى فتح وحماس بشكل خاص، ليس فقط بفعل كونهما أكبر فصيلين، وإنما لأن كلاً منهما يحكم عملياً وفعلياً جزءاً كبيراً من الشعب الفلسطيني، أن تترجم تعهداتها بخطوات فعلية، وتوقف القصف الخطابي والإعلامي المتبادل بينهما.

ولابد للفصائل أن تستعيض عن ذلك بقاموس سياسي وطني جديد، يتلاقى مع حالة وواقع الوحدة الشعبية والأهلية التي نراها في صفوف الشعب في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.

كل هذا لن يكون من دون العودة الفعلية إلى الثوابت الفلسطينية ليس بمفهوم ترديد هذه الثوابت وإعلانها، وإنما بمفهوم استعادة ثقة الشعب الفلسطيني نفسه، بقيادته الوطنية.

وهي مهمة لن تكون سهلة ولا يسيرة، بقدر ما ستكون عملية طويلة، لأن بناء ما فقدته القيادات الفلسطينية على مدار الـ15 سنة الأخيرة لن يكون سهلاً ولن يتم بلمح البصر وبالتالي فإن محاولة اختصار الطريق قد تعرقل المصالحة الفلسطينية وتعيدها لمربع الاتهامات المتبادلة بينما يواصل الاحتلال تسجيل انتصاراته.

  • تطوير منظمة التحرير كممثل وحيد للشعب الفلسطيني:

وركزت المبادرة على مسألة ضرورة توسعة وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وتعزيز دورها  باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ولا بديل عنه.

وهنا إقرار بوحدانية التمثيل والشرعية للمنظمة من قبل الفصائل الغير منضوية تحتها وكذلك التي غادرتها لأسباب مختلفة، وعلى الرغم من أهمية الملف، إلا أن تطوير المنظمة وتوسيع عضويتها، يعد أكثر الملفات تعقيدا والتي تم القفز عنها في الإعلان.. وهل المقصود هو منظمة التحرير توجهاتها وبرامجها السياسية القائمة أم أن هناك إمكانية للوصول والتوافق على برنامج سياسي جامع يراعي المواقف والتوجهات السياسية للقوى المختلفة وخاصة الحركات المقاومة حماس والجهاد الإسلامي.

وهل يمكن حدوث تغيير وتحول في المواقف والتوجهات السياسية وتغيير في المواقع لدى بعض القوى نتيجة للمتغيرات الدولية والإقليمية والفلسطينية الكثيرة التي أثرت على الحالة الفلسطينية بعد فشل خيار التسوية والمفاوضات وسقوط حل الدولتين ومطالب الشارع بالقطع الكلي مع مرحلة أوسلو..

وهو الأمر الذي يمثل اشكالية لا يمكن الرهان عليه بحكم التجارب السابقة والتي تمترس كل طرف خلف مواقفه ونظرته للصراع، ومن غير الواضح اليوم رغم التصريحات الإيجابية أن هناك إمكانية من قبل هذه الأطراف لتقديم تنازلات ودفع اثمان المصالحة والوحدة الوطنية، وفق مراقبون للشأن الفلسطيني.

-الانتخابات الشاملة :

أما المسألة الثانية التي ركز عليها إعلان المصالحة  فتتمثل في الانتخابات الشاملة وتشمل انتخاب مجلس وطني فلسطيني في الداخل والشتات وفق قانون التمثيل النسبي ووفق القواعد المتبعة وانتخابات السلطة رئاسية وتشريعية في الضفة الغربية والقدس وفي قطاع غزة وفق القوانين المعتمدة…

وهو اختبار حقيقي للجزائر وقدراتها وتأثيراتها على تقديم ضمانات بإجراء الانتخابات في مواعيدها المحددة وفي عدم الانقلاب على نتائجها لو حصلت، وبالنسبة لانتخابات السلطة هل يمكن كسرشروط الرباعية والمطالب الأمريكية وتجاوز الإجراءات الصهيونية وخاصة فيما يتعلق بانتخابات القدس.

لا شك أن القوى الفلسطينية بمختلف توجهاتها تعاني من أزمات كثيرة وخاصة الحركتان الكبيرتان فتح وحماس وهي تحتاج الى الذهاب الى التوافق والوحدة لتنفيذ اجنداتها فحركة فتح لا تستطيع الدفاع في معركتها السياسية عن حل الدولتين بوجود سلطة أخرى في قطاع غزة وفي ظل انقسام سياسي وجغرافي، وحركة حماس تحتاج غطاء” رسميا لتسهيل حركتها إقليميا ودوليا كما حاجتها لمؤسسات شرعية لإعادة بناء البنية التحتية والاجتماعية والاقتصادية وإعادة إعمار ما دمرته الحروب الصهيونية على القطاع.

فهل سنشهد فعلا وكما جاء في الإعلان القيام باتخاذ خطوات عملية لتحقيق المصالحة عبر إنهاء الانقسام وما هي الآليات والأسس التي سيتم وفقها تنفيذ هذا البند ونحن أمام تفرد الكتلتين الكبيرتين في السلطة في الضفة والقطاع والمصالح الضيقة لطبقة سياسية واقتصادية والتي نمت وترعرعت في ظل الانقسام وبات من الصعوبة التنازل عنها وهنا الخشية من الذهاب إلى توافق يراعي مصالح الحركتين وفق محاصصة سياسية تذهب إلى إدارة ملف ازمة الانقسام لا حله.

كما لوحظ في الإعلان تأكيد الأطراف التزامها بتطوير المقاومة الشعبية وتوسيعها وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في المقاومة بكافة اشكالها فهل تستطيع السلطة الفلسطينية التحلل من التزاماتها وتنفيذ مطالب الشارع وخاصة في ظل تفاقم الأوضاع وتصاعد أعمال المقاومة المسلحة ضد الاحتلال في الضفة ومخيماتها.

لا شك أن نجاح الاتفاق يعتمد على إرادة الفلسطينيين، والشارع الفلسطيني الذي يشعر بالمرارة والإحباط نتيجة فشل كل المبادرات السابقة في إتمام الوحدة يعول على القيادة الجزائرية بمتابعة تنفيذ وترجمة ما تم التوافق عليه ورفع الغطاء والحديث بشفافية عن الطرف المعيق والمعطل لأنه يخشى من الفشل واضاعة هذه الفرصة التاريخية.

 

خلاصة:

تعد المبادرة الجزائرية، مبادرة ايجابية بكل المقاييس ومحاولة لتحريك المياه الراكدة، ودفع لمسار المصالحة الفلسطينية في توقيت بالغ الخطورة، على الصعيد الإقليمي والدولي، نحو تحقيق كموجات الشعب الفلسطيني الذي يعاني حروبا صهيونية انحيازات عربية مضادة، وتوجهات بتجريد القضية الفلسطينية من حيويتها ومشروعيتها لتكون مجرد ورقة بيد أطراف اقليمية، لتحقيق اهدافها لا أهداف القضية الفلسطينية.

ولكن المبادرة الجزائرية كبقية المشاريع العربية تحتاج لقوة دفع على الأرض تحول النصوص لواقع معاش وقد تدفع المبادرة الجزائرية نحو تشجيع أطراف عربية واسلامية اخرى للدخول في معترك التوافقات الفلسطينية، بجانب المساعي المصرية والقطرية والتركية والأوروبية ويبقى نجاح المبادرة الجزائرية على أرض الواقع الفلسطيني، تحديا أمام الدور المصري الإقليمي.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022